كفر بني اسرائيل

لما عاد بنو اسرائيل الى مصر بعد ان نجوا من البحر وبعد ان هلك فرعون وقومه ، وعدهم الله تعالى ان ينزل لهم التوراة والشرائع ليعملوا بها ليكونوا سعداء في دنياهم وآخرتهم.

استخلف موسى اخيه هارون على اصحابه وذهب الى ربه فمكث على الطور اربعين ليلة ، وانزل الله عليه التوراة في الالواح وبعد ذلك رجع موسى الى قومه رآهم قد ارتدوا وعبدوا العجل الذي صنعه لهم السامري من الذهب وجعل له خوار ... فغضب موسى واخذ براس اخيه يجره ويعاتبه ويلومه فاعتذر هارون وقال لاخيه ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، بعد ذلك ندم القوم على فعلهم هذا بعد ما تبين لهم الحق من الخطا وتابوا الى الله تعالى وقتلوا انفسهم ، فعفى الله لهم ذنوبهم وتاب عليهم.

وروي ان موسى وهارون وقفا يدعوان الله ويتضرعان اليه ، وهم يقتل بعضهم بعضا ، حتى نزل الوصي برفع القتل وقبلت توبة من بقي.

وذكر ابن جريح : ان السبب في امرهم بقتل انفسهم ، ان الله علم ان ناسا منهم ممن لم يعبدوا العجل ، لم ينكروا عليهم ذلك مخافة القتل ، مع علمهم بان العجل باطل ، فلذلك ابتلاهم الله بان يقتل بعضهم بعضا.

وقيل : غشيتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا ثم انجلت الظلمة عن سبعين الف قتيل.

كان هذا لابد منه من اجل اقلاع جذور هذه الظاهرة الخطيرة ، هي الانحراف عن مبدا التوحيد وعن الدين الالهي ...

مرة اخرى عاد بنو اسرائيل الى غيهم وانحرافهم وطغيانهم باستكبارهم وطلبوا من موسى عليه السلام ان يروا الله قالوا : « ... يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون » (1).

جعل بنو اسرائيل شرطا لايمانهم رؤية الله جهرا ، ويظهر من هذا روح العناد واللجاج والجهل عند بني اسرائيل ، عند ذلك لقنهم الله درسا لم يُنسى حيث انزل عليهم صاعقة وبرق شديد ورعد مهيب وزلزال مروع ، فتركهم على الارض صرعى من شدة الخوف.

اغتم موسى لما حدث وتالم بشدة ، لان هلاك سبعين نفر من كبار بني اسرائيل ، قد يوفر الفرصة لبني اسرائيل ان يثيروا ضجة وعناد مع نبيهم ، لذلك تضرع الى الله ان يعيدهم الى الحياة ، فقبل طلبه وعادوا الى الحياة مرة ثانية لعلهم يشكرون ويهتدون.

فتابوا وتاب الله عليهم ، وعادوا للعصيان فاعاد الله غضبه عليهم ، مرة اخرى عصوا الله لما رجع موسى الى بني اسرائيل ومعه التوراة لم يقبلوا منه ، فرفع الله جبل طور سيناء عليهم وقال لهم موسى : لئن لم تقبلوا ليقعن الجبل عليكم وليقتلنكم فنكسوا رؤوسهم وقالوا : نقبله.

سال طاوس اليماني الامام الباقر عليه السلام : عن طائر طار مرة لم يطر قبلها ولا بعدها ، ذكره الله في القرآن ما هو ؟

فقال عليه السلام : طور سيناء « الجبل الذي » اطاره الله عزوجل على بني اسرائيل حين اظلهم بجناح منهم ، فيه الوان العذاب ، حتى قبلوا التوراة ، وذلك قوله تعالى (2) : « « واذ نتقنا الجبل فوقهم كانه ظلة وظنوا انه واقع بهم » (3).

من هذا القليل وغيره الكثير ، مما ورد في كتاب الله الكريم ، وما جاء به بنو اسرائيل واليهود ، والنصارى والصابئين من بدع وانحرافات وخرافات ، ادت الى ابتعاد الناس عن انبيائهم وعن رسائلهم السماوية.

ظلت البشرية وابتعدت عن الحق والى يومنا هذا حيث نرى الحق لا يُعمل به والباطل لا يتناها عنه ، كل ذلك بسبب الابتعاد عن الرسالة والرسل ، وكل ما نعاني اليوم من الانحرافات العقائدية والاخلاقية يعود الاصل الى تلك الايام ...

________________________________________

1 ـ البقرة : 55.

2 ـ الاحتجاج : ص 179 عن المناقب ج 10 ص 156.

3 ـ الاعراف : 171.