مواعظ من حياة النبي ابراهيم عليه السلام

روي عن الامام الرضا عليه السلام انه قال : سمعت ابي يحدث عن ابيه انه قال : « انما اتخذ الله ابراهيم عليه السلام خليلا لانه لم يرد احدا ، ولم يسال احدا قط غير الله عزوجل. (1)

وروي ايضا عن الامام العسكري عليه السلام انه قال : « انما اتخذ الله عزوجل ابراهيم خليلا ، لكثرة صلواته على محمد واهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين ، ولكثرة سجوده على الارض ، ولاطعام الطعام ، وصلاته بالليل والناس نيام » (2).

وروي لما جاء المرسلون الى ابراهيم عليه السلام ، جائهم بالطعام فقال : كلوا ، فقالوا : لا ناكل حتى تخبرنا ما ثمنه ، فقال : اذا اكلتم فقولوا : « بسم الله » واذا فرغتم فقولوا : « الحمد لله » قال : فالتفت جبرئيل الى اصحابه ، وكانوا اربعة جبرئيل رئيسهم ، فقال : « حق لله ان يتخذ هذا خليلا ».

فقال الصادق عليه السلام : لما القي ابراهيم عليه السلام في النار ، تلقاه جبرئيل في الهواء وهو يهوي ، فقال له : يا ابراهيم الك حاجة ؟ فقال : اما اليك فلا.

فلما طرحوه دعا الله فقال : يا الله يا واحد يا احد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ، فحسرت النار عنه ، فكانت بردا وسلاما ، بأمر من الله تعالى ، ونظر نمرود الى ابراهيم في روضة خضراء في النار مع شيخ يحدثه ، وكان الشيخ جبرائيل عليه السلام. (3)

ومن كراماته وتوكله على الله عزوجل ، روي انه عليه السلام هو اول من حول له الرمل دقيقا ، وذلك لما قصد صديقا له بمصر ليقترض طعاما منه فلم يجده في منزله فكره ان يرجع بالحمار خاليا ، فملا جرابه رملا فلما دخل منزله ترك الحمار في باب الدار استحياء من زوجته سارة ودخل البيت ونام.

وجاءت سارة وفتحت الجراب راته مملوء بالدقيق ومن اجود الانواع فخبزت وقدمته لزوجها ، فقال ابراهيم عليه السلام : من اين لك هذا ؟ فقالت من الدقيق الذي حملته من عند خليلك المصري ، فقال : اما انه خليلي صح ، ولكن ليس بمصري : فلذلك اعطي الخلة ، فشكر الله وحمده واكل. (4)

وكان ابراهيم عليه السلام امة قانتا لله حنيفا ، وجاء بالحنيفية (5) العشرة خمسة في الراس وخمسة في البدن.

فالتي في الراس : قص الشعر ، واخذ الشارب ، واعفاء اللحى « في الحد المتعارف » والسواك ، والخلال.

واما التي في البدن : فالغسل من الجنابة ، والطهور بالماء ، وتقلم الاظفار ، وحلق الشعر من البدن ، والختان ، وهذه لم تنسخ الى يوم القيامة. (6)

وروي انه لما اصبح ابراهيم عليه السلام في يوم من الايام فرأى في لحيته شيبا شعرة بيضاء ، فقال : الحمد لله رب العالمين الذي بلغني هذا المبلغ ولم اعصي الله طرفة عين.

وقد كان ابراهيم عليه السلام مضيافا ، فنزل عليه يوما قوم ولم يكن عنده شيء ، فقال : ان اخذت خشب الدار وبعته على النجار فانه ينحته صنما فلم يفعل ، وبعد ان انزلهم في دار الضيافة خرج من داره ومعه ازار ، ذهب الى موضع وصلى ركعتين ، فلما فرغ لم يجد الازار ، علم ان الله هيا اسبابه ، فلما دخل داره رأى سارة تطبخ شيئا ، فقال لها : انى لك هذا ؟ قالت : هذا الذي بعثته على يد الرجل ، وكان الله سبحانه امر جبرئيل ان ياخذ الرمل الذي كان في الموضع الذي صلى فيه ابراهيم ويجعله في ازاره والحجارة الملقاة هناك ايضا ، ففعل جبرئيل عليه السلام ذلك ، فجعل الله الرمل جاورس مقشرا ، والحجارة المدورة شلجما ، والمستطيلة جزرا. (7)

قال نمرود لابراهيم عليه السلام : يا ابراهيم من ربك ؟ قال : « ربي الذي يحي ويميت قال له نمرود : انا احي واميت ، فقال له ابراهيم : كيف تحي وتميت ؟

قال : اعمد الى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل ، فاطلق عن واحد ، واقتل واحدا ، فاكون قد امت واحييت.

فقال ابراهيم : اكنت صادقا فاحي الذي قتلته ، ثم قال ابراهيم : دع هذا فان ربي يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب « فبهت الذي كفر » اي انقطع ولم يتكلم. (8)

اهبط الله عزوجل الى ابراهيم عليه السلام خاتما فيه ستة احرف :

« لا اله الا الله ، محمد رسول الله ، لا حول ولا قوة الا بالله ، فوضت امري الى الله ، اسندت ظهري الى الله ، حسبي الله » فاوحى الله جل جلاله اليه : ان تختم بهذا الخاتم فاني اجعل النار عليك بردا وسلاما. (9)

قيل : لما وضع ابراهيم عليه السلام في المنجنيق وقذف به في النار ، لم يوجس منهم خيفة ابدا ، كما اوجس موسى عليه السلام من فرعون وقومه خيفة ، وذلك لان ابراهيم عليه السلام حين وضع في المنجنيق كان مستندا ومطمئنا الى مافي صلبه من انوار وحجج الله عزوجل. « وهم محمد صلى الله عليه واله وسلم واله عليهم السلام ».

قيل : لما رأى ابراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والارض ، التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ، ثم رأى اخر فدعا عليه فمات ، حتى رأى ثلاثة فدعى عليهم فماتوا ، فاوحى الله عزوجل اليه : يا ابراهيم دعوتك مستجابة ، فلا تدعو على عبادي فاني لو شئت لم اخلقهم ، اني خلقت خلقي على ثلاثة اصناف ، عبدا يعبدني لا يشرك بي شيئا فاثيبه ، وعبدا يعبد غيري فلن يفوتني ، وعبدا يعبد غيري فاخرج من صلبه من يعبدني.

________________________________________________

1 ـ علل الشرائع ص 23.

2 ـ نفس المصدر.

3 ـ نفس المصدر.

4 ـ تفسير القمي : ص 141.

5 ـ الحنيفية : معناها الطهارة.

6 ـ نفس المصدر : ص 167.

7 ـ البحار : ج 12 ص 11.

8 ـ تفسير القمي : 76.

9 ـ امالي الصدوق : 274.