وفاة النبي ادريس عليه السلام

ورد في بعض الروايات في معنى قوله تعالى في ادريس النبي عليه السلام : « ورفعناه مكانا عليا » هو :

ان الله عزوجل غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه والقاه في جزيرة من جزائر البحر ، فبقي هناك ما شاء الله. فلما بعث الله ادريس جاءه ذلك الملك وسأله ان يدعو الله ان يرضى عنه ويرد اليه جناحه ، فدعا له ادريس فرد الله جناحه اليه ورضى عنه.

قال الملك لادريس : الك حاجة ؟ قال : نعم احب ان ترفعني الى السماء حتى انظر الى ملك الموت ، فلا عيش لي مع ذكره ، فاخذه الملك على جناحه حتى انتهى به الى السماء الرابعة.

فلما وصل الى السماء الرابعة نظر الى ملك الموت جالس فلما رآهم حرك رأسه تعجبا ، فسلم عليه ادريس فقال له : مالك تحرك راسك ؟ قال : ان رب العزة امرني ان اقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة.

فقلت يا رب كيف يكون هذا بيني وبينه اربع سماوات وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام ...

ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وهو قوله تعالى : « ورفعناه مكانا عليا » (1).

وكان قد انزل الله عزوجل على ادريس ثلاثين صحيفة.

وكان يصعد الى السماء من عمله في كل يوم مثل اعمال اهل زمانه كلهم.

وكانت الملائكة في زمان ادريس عليه السلام يصافحون الناس ويسلمون عليهم ويكلمونهم ويجالسونهم ، وذلك لصلاح الزمان واهله ، فلم يزل الناس على ذلك حتى كان زمن نوح عليه السلام وقومه ثم انقطع ذلك.

وكانت حياته في الارض ثلاثمائة سنة ، وقيل : اكثر من ذلك.

وقال الطبرسي رحمه الله عنه والرازي : انه جد ابي نوح عليه السلام واسمه « اخنوخ ». (2)

و روي عن ابن عباس قال : كان ادريس النبي عليه السلام يسبح النهار ويصومه ويبيت حيث ما جنه الليل ويأتيه رزقه حيث ما افطر ، وكان يصعد له من العمل الصالح مثل ما يصعد لاهل الارض كلهم.

فسأل ملك الموت ربه في زيارة ادريس عليه السلام وان يسلم عليه ، فاذن له ، فنزل واتاه ، فقال لادريس : اني اريد ان اصحبك فأكون معك ، فصحبه.

كانا يسيران في النهار ويصومانه فاذا جنهما الليل اتي ادريس فطوره فيأكل ويدعو ملك الموت اليه فيقول : لا حاجة لي فيه ، ـ اي لا يأكل لانه ملك ـ ، ثم يقومان يصليان ، وادريس يصلي ويفتر وينام ، وملك الموت يصلي ولا ينام ولا يفتر ، فمكثا بذلك اياما.

ثم انهما مرا بقطيع غنم وكرم قد اينع ، فقال ملك الموت : هل لك ان تأخذ من ذلك حملا او من هذا عناقيد فنفطر عليه ؟.

فقال : سبحان الله ادعوك الى مالي فتابى فكيف تدعوني الى مال الغير ؟!

ثم قال ادريس عليه السلام : فقد صحبتني واحسنت فيما بيني وبينك من انت ؟

قال : انا ملك الموت ، قال ادريس : لي اليك حاجة ، فقال : وما هي ؟

قال : تصعد بي الى السماء ، فاستاذن ملك الموت ربه في ذلك فاذن له ، فحمله على جناحه فصعد به الى السماء.

ثم قال له ادريس عليه السلام : ان لي اليك حاجة اخرى ، قال وما هي ؟.

قال : بلغني من الموت شدة فأحب ان تذيقني منه طرفا فانظر هو كما بلغني ، فاستاذن ربه له فاذن فأخذ بنفسه ساعة ثم خلّى عنه.

فقال له : ـ ملك الموت ـ كيف رأيت ؟ قال : بلغني عنه شدة وانه لاشد مما بلغني.

قال ادريس عليه السلام : ولي اليك حاجة اخرى تريني النار ، فاستاذن ملك الموت صاحب النار ، ففتح له فلما رآها ادريس عليه السلام سقط مغشيا عليه.

ثم قال : لي اليك حاجة اخرى تريني الجنة ، فاستاذن ملك الموت خازن الجنة فدخلها ، فلما نظر اليها قال : يا ملك الموت ما كنت لاخرج منها.

ان الله تعالى يقول : « كل نفس ذائقة الموت » (3) وقد ذقته ، ويقول : « وان منكم الا واردها » وقد وردت النار ، ويقول في الجنة : « وماهم منها بمخرجين » ولست اخرج من الجنة بعد دخولها.

فأوحى الله الى ملك الموت : خصمك عبدي فاتركه ولا تتعرض له فبقي في الجنة. (4)

________________________________________

1 ـ العنكبوت : 57.

2 ـ البحار : ج 11 ص 278.

3 ـ تفسير الميزان : ج 16 ص 68.

4 ـ البحار : ج 11 ص 279.