سورة الانعام الآية 21-40

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، كقولهم: الملائكة بنات اللّه.

و هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه.

أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ، كأن كذّبوا بالقرآن والمعجزات، وسمّوها سحرا. وإنّما ذكر «أو» وهم قد جمعوا بين الأمرين، تنبيها على أنّ كّلا منهما وحده بالغ غاية الإفراط في الظّلم على النّفس.

إِنَّهُ: الضّمير للشّأن.

لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ : فضلا عمّن لا أحد أظلم منه.

وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً: منصوب بمضمر، تهويلا للأمر.

ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ، أي: آلهتكم الّتي جعلتموها شركاء للّه. ويأتي ما ورد فيه، وأنّ المراد شركاؤهم في الولاية.

و قرأ  يعقوب: «يحشر» و«يقول» بالياء.

الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ، أي: تزعمونهم شركاء. فحذف المفعولان.

و المراد بالاستفهام التّوبيخ.

قيل : ولعلّه يحال بينهم وبين آلهتهم- حينئذ- ليفقدوها في السّاعة الّتي علّقوا بها الرّجاء فيها. ويحتمل أن يشاهدوهم، ولكن لمّا لم ينفعوهم  فكأنّهم غيّب عنهم.

ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا:

قيل : أي: كفرهم، والمراد عاقبته.

و قيل : جوابهم. وإنّما سمّاها «فتنة» لأنّه كذب. أو لأنّهم قصدوا به الخلاص.و في مجمع البيان : المرويّ عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّ المراد لم يكن معذرتهم إِلَّا أَنْ قالُوا.

و على هذا سمّاه «فتنة» لأنّهم يتوهّمون أنّه بها يتخلّصون من العذاب. من فتنت الذّهب: إذا خلصته.

و قرأ  ابن كثير وابن عامر وحفص: «لم تكن» بالتّاء ورفع «فتنة» على أنّه الاسم. ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عنه، بالتّاء والنّصب، على أنّ الاسم «أن قالوا».

و التأنيث للخبر، كقولهم: من كانت أمّك. والباقون، بالياء والنّصب.

وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ : يكذبون ويحلفون عليه، مع علمهم بأنّه من فرط الحسرة والدّهشة، كما يقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها  وقد أيقنوا بالخلود.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا الحسين بن محمّد [عن المعلّى بن محمد] ، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ بولاية عليّ.

و في روضة الكافي : عن عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسين  بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: [وَ اللَّهِ‏]  رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ.

قال: يعنون بولاية عليّ- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشيّ : عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

إنّ اللّه يعفو يوم القيامة عفوا  لا يخطر على بال أحد، حتّى يقول أهل الشّرك: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ.و قرأ  الكسائيّ: «ربّنا» بالنّصب، على النّداء أو المدح.

انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ: بنفي الشّرك عنها.

وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ : من الشّركاء.

في كتاب التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، ذكر فيه أحوال أهل المحشر. وفيه يقول- عليه السّلام-: ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. فيختم اللّه- تبارك وتعالى- على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكلّ معصية كانت منهم، ثم يرفع  عن ألسنتهم الختم فيقولون: لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: أنطقنا اللّه الّذي أنطق كلّ شي‏ء.

و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ - رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل يذكر فيه أحوال أهل القيامة، وفيه: ثمّ يجتمعون في موطن  آخر فيستنطقون فيه، فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. وهؤلاء خاصّة هم المقرّون في دار الدّنيا بالتّوحيد، فلم ينفعهم إيمانهم باللّه- تعالى- لمخالفتهم  رسله وشكّهم فيما أتوا به عن ربّهم ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدالهم الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. فكذّبهم اللّه فيما انتحلوه من الإيمان بقوله: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أحمد بن محمّد قال: حدّثنا جعفر بن عبد اللّه قال: حدّثنا كثير بن عيّاش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله:

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ. يقول: صمّ عن الهدى وبكم لا يتكلّمون بخير فِي الظُّلُماتِ، يعني: ظلمات الكفر. مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فهو ردّ على قدريّة هذه الأمّة، يحشرهم اللّه يوم القيامة مع الصّابئين والنّصارى‏و المجوس فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. يقول: [اللّه‏]  انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.

قال: وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ لكلّ أمّة مجوسا، ومجوس هذه الأمة الّذين يقولون: لا قدر. ويزعمون أنّ المشيئة والقدرة إليهم ولهم.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ: حين تتلو القرآن.

قيل : المراد أبو سفيان والوليد والنّضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم، اجتمعوا فسمعوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقرأ.

فقالوا للنّضر: ما يقول؟

فقال: والّذي جعلها بيته، ما أدري ما يقول، إنّه يحرّك لسانه ويقول أساطير الأوّلين، مثل ما حدّثتكم.

وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً: أغطية. جمع، كنان: وهو ما يستر الشّي‏ء.

أَنْ يَفْقَهُوهُ: كراهة أن يفقهوه.

وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً: يمنع من استماعه. كناية عن نبوّ  قلوبهم وأسماعهم عن القبول.

وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها: لفرط عنادهم واستحكام التّقليد فيهم.

حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ، أي: بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنّهم جاؤوك يجادلونك.

و «حتّى» هي الّتي تقع بعدها الجمل لا عمل لها، والجهلة «إذا جاؤوك» وجوابه وهو يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ : فإنّ جعل أصدق الحديث خرافات الأوّلين غاية التكذيب. «و يجادلونك» حال لمجيئهم.

و يجوز أن تكون جارّة «و إذا جاؤوك» في موضع الجرّ و«يجادلونك» في موضع جواب و«يقول» تفسير له.و الأساطير، جمع أسطورة، كالأراجيف، جمع أرجوفة. أو إسطارة أو أسطار، جمع سطر. وأصله السّطر بمعنى: الخطّ.

وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ:

قيل : أي: ينهون النّاس عن القرآن، أو الرّسول والإيمان به.

وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ: بأنفسهم، أي: مع أنّهم أنفسهم لا يؤمنون يمنعون النّاس عن الإيمان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: بنو هاشم كانوا ينصرون رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ويمنعون قريشا عنه. وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ، أي [يباعدون عنه و]  يساعدونه ولا يؤمنون به.

وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، أي: بذلك الفعل.

وَ ما يَشْعُرُونَ : إنّ ضررهم لا يتعدّاهم الى غيرهم.

وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ: جوابه محذوف، أي: لو تراهم حين يقفون على النّار حتّى يعاينوها أو يطّلعون عليها أو يدخلونها فيعرفون مقدار عذابها، لرأيت أمرا شنيعا.

و قرئ : «وقفوا» على البناء للفاعل. من وقف عليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، قال: نزلت في بني أميّة.

فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ: تمنّيا للرّجوع إلى الدّنيا.

وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : استئناف كلام منهم على وجه الإثبات، كقولهم: دعني ولا أعود، أي: أنا لا أعود تركتني أو لم تتركني. أو عطف على «نردّ». أو حال من الضّمير فيه فيكون في حكم التّمنّي. وقوله: وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ راجع إلى ما تضمّنه التّمنيّ من الوعد. ونصبهما حمزة ويعقوب وحفص على الجواب بإضمار أن بعد الواو إجراء لها مجرى الفاء.و قرأ  ابن عامر، برفع الأوّل على العطف، ونصب الثّاني على الجواب.

بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ: الإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التّمنّي.

و المعنى: أنّه ظهر لهم ما كانوا يخفون من نفاقهم أو قبائح أعمالهم، فتمنّوا ذلك ضجرا لا عزما على أنّهم لو ردّوا لآمنوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، قال: من عداوة أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

وَ لَوْ رُدُّوا: إلى الدّنيا بعد الوقوف والظّهور.

لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ: من الكفر والمعاصي.

وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ : فيما وعدوا من أنفسهم، لا يفون به.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم، عن جعفر، عن محمّد، عن جدّه قال:

 

قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في خطبته: فلمّا وقفوا عليها فَقالُوا يا لَيْتَنا- إلى قوله- إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.

عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابه عنه- عليه السّلام- إنّ اللّه قال لماء:

كن عذبا فراتا أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي، وقال لماء: كن ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي. فأجرى الماءين على الطّين ثمّ قبض قبضة بهذه [، وهي يمين‏]  فخلقهم [خلقا]  كالذّرّ ثمّ أشهدهم على أنفسهم: أ لست بربّكم وعليكم طاعتي.

قالوا: بلى. قال: فقال للنّار: كوني نارا ، فإذا نار تأجّج وقال لهم: قعوا، فمنهم من أسرع ومنهم من أبطأ في السّعي ومنهم من لم يبرح  مجلسه. فلمّا وجدوا حرّها، رجعوا فلم يدخلها منهم أحد.ثمّ قبض قبضة بهذه فخلقهم خلقا، مثل الذّرّ، مثل أولئك، ثمّ أشهدهم على أنفسهم، مثل ما أشهد الآخرين، ثمّ قال لهم: قعوا في هذه النّار. فمنهم من أبطأ ومنهم من أسرع ومنهم من مرّ بطرف  العين فوقعوا فيها كلّهم. فقال: اخرجوا منها سالمين، فخرجوا لم يصبهم شي‏ء. وقال الآخرون: [يا ربّنا]  أقلنا أن  نفعل، كما فعلوا. قال:

قد أقلتكم، فمنهم من أسرع في السّعي ومنهم من أبطأ ومنهم من لم يبرح  مجلسه، مثل ما صنعوا في المرّة الأولى. وذلك قوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.

عن خالد ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ إنّهم ملعونون في الأصل.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحسن بن بشّار: عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- قال: سألته أ يعلم اللّه الشّي‏ء الّذي لم يكن أن لو كان كيف كان .

فقال: إنّ اللّه- تعالى- هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء. وقال- عزّ وجلّ-:

إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وقال لأهل النّار: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. فقد علم- عزّ وجلّ- أنّه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ: عن أبي الحسن- عليه السّلام- حديث طويل. وفي آخره قلت: جعلت فداك، بقيت مسألة.

قال: هات، للّه أبوك.

قلت: يعلم القديم الشّي‏ء لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟

قال: ويحك، إنّ مسائلك لصعبة، أما سمعت اللّه يقول: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا وقوله: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ. وقال يحكي قول أهل النّار:

أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ. وقال: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ فقد علم الشّي‏ء لم يكن أن لو كان كيف كان يكون.

و في شرح الآيات الباهرة ، بحذف الإسناد: روي  عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- قال: رأيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وهو خارج من الكوفة فتبعته من ورائه حتّى صار إلى جبّانة اليهود ووقف في وسطها ونادى: يا يهود.

فأجابوه من جوف القبور لبّيك لبّيك مطاع ، يعنون ذلك: يا سيّدنا.

فقال: كيف ترون العذاب؟

فقالوا: بعصياننا لك، كهارون. فنحن ومن عصاك في العذاب إلى يوم القيامة.

ثمّ صاح صيحة كادت السّموات ينقلبن فوقعت مغشيّا على وجهي من هول ما رأيت، فلمّا أفقت رأيت أمير المؤمنين- عليه السّلام- على سرير من ياقوت حمراء، على رأسه إكليل من الجوهر، وعليه حلل خضر وصفر، ووجهه كدائرة  القمر. فقلت:

يا سيّدي، هذا ملك عظيم.

قال: نعم، يا جابر، إنّ ملكنا أعظم من ملك سليمان بن داود وسلطاننا أعظم من سلطانه.

ثمّ رجع ودخلنا الكوفة ودخلت خلفه إلى المسجد، فجعل يخطو خطوات وهو يقول: لا واللّه لا فعلت ، لا واللّه لا كان ذلك أبدا.

فقلت: يا مولاي، لمن تكلّم ولمن تخاطب وليس أرى أحدا؟

فقال: يا جابر، كشف لي عن برهوت فرأيت شنبونة  وصير  وهما يعذّبان في جوف تابوت في برهوت فنادياني: يا أبا الحسن، يا أمير المؤمنين، ردّنا إلى الدّنيا نقرّبفصلك ونقرّ بالولاية لك. فقلت: لا واللّه، [لا فقلت لا واللّه لا واللّه‏]  لا كان ذلك أبدا . ثمّ قرأ هذه الآية: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. يا جابر، وما من أحد يخالف وصيّ نبيّ إلّا حشر أعمى يتكبكب  في عرصات القيامة.

وَ قالُوا: عطف على «عادوا»، أو على «إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ»، أو على «نهوا». أو استئناف بذكر ما قالوه في الدّنيا.

إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا: الضّمير للحياة.

وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ : من القبور أبدا.

وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ:

قيل : مجاز عن الحبس للسّؤال والتّوبيخ.

و قيل : معناه: وقفوا على قضاء ربّهم، أو جزائه، أو عرفوه حقّ التّعريف.

قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ: كأنّه جواب قائل قال: ما ذا قال ربّهم حينئذ؟

و الهمزة للتّقريع على التّكذيب. والإشارة إلى البعث وما يتبعه من الثّواب والعقاب.

قالُوا بَلى وَرَبِّنا: إقرار مؤكّد باليمين لانجلاء الأمر غاية الانجلاء.

قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ : بسبب كفركم، أو ببدله.

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ: إذ فاتهم النّعيم واستوجبوا العذاب المقيم.

و «لقاء اللّه» البعث وما يتبعه.

حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ: غاية «لكذّبوا» لا «لخسر». لأنّ خسرانهم لا غاية له.

بَغْتَةً: فجأة. ونصبها على الحال، أو المصدر. فإنّها نوع من المجي‏ء.

قالُوا يا حَسْرَتَنا، أي: تعالي، فهذا أوانك.عَلى ما فَرَّطْنا: قصّرنا.

فِيها: في الحياة الدّنيا، أضمرت وإن لم يجر ذكرها للعلم بها. أو في السّاعة، يعني: في شأنها والإيمان بها. أو في الجنّة، يعني: في طلبها والعمل لها.

وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ: تمثيل لاستحقاقهم آصار الآثام.

و في مجمع البيان : روى الأعمش، عن أبي صالح، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في هذه الآية قال: يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة فيقولون: يا حسرتنا. وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ، أي: هي [عَلى ظُهُورِهِمْ‏] .

أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ : بئس شيئا يزرونه وزرهم.

وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، أي: وما أعمالها، إلّا لعب ولهو يلهي النّاس ويشغلهم عمّا يعقب منفعة دائمة ولذّة حقيقيّة. وهو جواب لقولهم: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا.

وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ: لدوامها وخلود منافعها ولذّاتها.

و قوله: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ تنبيه على أنّ ما ليس من أعمال المتّقين لعب ولهو.

و قرأ  ابن عامر: «و لدار الآخرة».

أَ فَلا تَعْقِلُونَ ، أيّ: الأمرين خير.

و قرأ  نافع وابن عامر ويعقوب، بالتّاء، على خطاب المنافقين به. أو تغليب الحاضرين على الغائبين.

و في أصول الكافي : [أبو عبد اللّه الأشعري، عن‏]  بعض أصحابنا رفعه، عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام-: يا هشام، إنّ اللّه‏وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ- إلى- أَ فَلا تَعْقِلُونَ.

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ:

معنى «قد» زيادة الفعل وكثرته، كما في قوله:

         ولكنّه قد يهلك المال نائله‏

 

 و«الهاء» في «إنّه» للشّأن.

و قرئ : «يحزنك» من أحزن.

فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ: في الحقيقة.

و قرأ  نافع والكسائيّ: «لا يكذبونك». من أكذبه: إذا وجده كاذبا، أو نسبه إلى الكذب.

وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ : ولكنّهم يجحدون آيات اللّه ويكذّبونها. فوضع «الظّالمين» موضع الضّمير، للدّلالة على أنّهم ظلموا بجحودهم أو لتمرّنهم على الظّلم.

و «الباء» لتضمّن الجحود معنى التّكذيب.

نقل : أنّ أبا جهل كان يقول: ما نكذّبك وإنّك عندنا لصادق، وإنّما نكذّب بما جئتنا به. فنزلت.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن محمّد بن أبي حمزة، عن يعقوب بن الشّعيب، عن عمران بن ميثم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قرأ رجل على أمير المؤمنين- عليه السّلام-:

فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ.

فقال: بلى واللّه لقد كذّبوه أشدّ التّكذيب، ولكنّها مخفّفة «لا يكذبونك» لا يأتون  بباطل يكذبون به حقّك.و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسين بن بندار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ قال: لا يستطيعون إبطال قولك.

و نسبه عليّ بن إبراهيم في تفسيره  إلى الصّادق- عليه السّلام- إلّا أنّه قال: لا يأتون بحقّ يبطلون حقّك.

وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ: لتسلية رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا: على تكذّيبهم وإيذائهم، فتأسّ بهم واصبر.

حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا: فيه إيماء بوعد النّصر للصّابرين.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ  جميعا، عن القاسم بن محمّد الإصفهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا حفص، إنّ من صبر صبر قليلا، وإنّ من جزع جزع قليلا. ثمّ قال: عليك بالصّبر في جميع أمورك، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- بعث محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- فأمره بالصّبر والرّفق.

قال: فصبر- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى نالوه بالفطائم  بالعظام ورموه بها، فضاق صدره، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. ثمّ كذّبوه ورموه، فحزن لذلك، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ، وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا. فألزم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- نفسه الصّبر.

محمّد  بن الحسن  وغيره، عن سهل  [عن محمد بن عيسى‏]  ومحمّد بن يحيى‏

 و محمّد بن الحسين جميعا، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل.

يقول فيه حاكيا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فذكر من فضل وصيّه ذكرا، فوقع النّفاق في قلوبهم، فعلم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذلك وما يقولون. فقال اللّه- جلّ ذكره-: يا محمّد وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ لكنّهم يجحدون بغير حجّة لهم.

و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه السّورة. فاحتجّ عليهم حين أعلم بموته، ونعيت إليه نفسه.

و في روضة الكافي : حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن فضّال، عن حفص المؤذّن، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في رسالة طويلة إلى أصحابه: إنّه لا يتمّ الأمر حتّى يدخل عليكم مثل الّذي دخل على الصّالحين قبلكم، وحتّى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم، وحتّى تسمعوا من أعداء اللّه أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا بجنوبكم، وحتّى يستذلّوكم ويبغضوكم، وحتّى تحملوا الضّيم  فتحتملوه  منهم تلتمسون بذلك وجه اللّه والدّار الآخرة، وحتّى تكظموا الغيظ الشّديد في الأذى في اللّه- جلّ وعزّ- يجترمونه إليكم، وحتّى يكذّبوكم بالحقّ ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم. ومصداق ذلك كلّه في كتاب اللّه الّذي أنزله جبرئيل على نبيّكم، سمعتم قول اللّه- عزّ وجلّ- لنبيّكم- صلّى اللّه عليه وآله-: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ.

ثمّ قال: وإن يكذبوك فقد كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا . فقد كذّب نبيّ اللّه والرّسل من قبله «و أوذوا» مع التّكذيب بالحقّ.و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لعلقمة: إنّ رضى النّاس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط. وكيف يسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء اللّه ورسله وحجج اللّه- عليهم السّلام-. ألم ينسبوه إلى الكذب في قوله: إنّه رسول من اللّه إليهم، حتّى أنزل اللّه- عزّ وجلّ- عليه وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ:

قيل : لمواعيده. من قوله: « [و لقد]  سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين» (الآيات).

وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ، أي: من قصصهم، وما كابدوا من قومهم.

وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ: عظم وشقّ.

إِعْراضُهُمْ: عنك وعن الإيمان بما جئت به.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- يحبّ إسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف. دعاه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وجهد به  أن يسلم، فغلب عليه الشّقاء، فشقّ ذلك على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فأنزل اللّه هذه الآية.

فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ: منفذا تنفذ فيه إلى الأرض فتطلع لهم آية، أو مصعدا تصعد به إلى السّماء فتنزل منها آية.

و «في الأرض» صفة «لنفقا». و«في السّماء» صفة «لسلّما».

و يجوز أن يكونا متعلّقين «بتبتغي»، أو حالين من المستكنّ.و جواب الشّرط الثّاني محذوف، أي: فافعل. والجملة جواب الأوّل.

و المقصود بيان حرصه البالغ على إسلام قومه، وأنّه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السّماء لأتى بها، رجاء إيمانهم.

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى، أي: لو شاء اللّه جمعهم على الهدى لجمعهم، بأن يأتيهم آية يخضعوا لها ولكن لا يفعل لخروجه عن الحكمة.

في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، إنّ اللّه قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمّة. ولو شاء اللّه، لجمعهم على الهدى، حتّى لا يختلف اثنان من هذه الأمّة ولا ينازع في شي‏ء من أمره، ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله.

فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ : بالحرص على ما لا يكون والجزع في مواطن الصّبر. فإنّ ذلك من دأب الجهلة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : مخاطبة للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والمعنى للنّاس.

و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل.

 

و فيه يقول- عليه السّلام- مجيبا لبعض الزّنادقة- وقد قال: وأجده يقول قد بيّن فضل نبيّه على سائر الأنبياء، ثمّ خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه وانتقاص  محلّه وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء، مثل قوله:

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ-: والّذي بدا في الكتاب من الإزراء على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من فرية  الملحدين.

و هنا كلام طويل مفصّل يطلب عند قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا.

إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ: بفهم وتأمّل، يعني: إنّ الّذين تحرص على‏إيمانهم بمنزلة الموتى الّذين لا يسمعون.

وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ: فيعلمهم حين لا ينفعهم الإيمان.

ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ : للجزاء.

وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ، أي: آية ممّا اقترحوه. أو آية أخرى سوى ما أنزل من الآيات المتكاثرة لعدم اعتدادهم بها عنادا.

قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً: ممّا اقترحوه. أو آية تضطرّهم إلى الإيمان، كنتق الجبل. أو آية إن جحدوها هلكوا.

و قرئ : «ينزل» بالتّخفيف. والمعنى واحد.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : إنّ اللّه قادر على إنزالها، وإنّ إنزالها يستجلب عليهم البلاء، وإنّ لهم مندوحة فيما أنزل عن غيره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: [لا يعلمون‏]  أنّ الآية إذا جاءت ولم يؤمنوا بها يهلكوا.

و في رواية أبي الجارود  عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية: سيريكم في آخر الزّمان آيات، منها دابّة الأرض والدّجّال ونزول عيسى بن مريم وطلوع الشّمس من مغربها.

وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ: تدبّ على وجهها.

وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ: في الهواء.

قيل : وصفه به قطعا، لمجاز السّرعة ونحوها.

إذ كثيرا ما يقال: طار، بمعنى: أسرع. والأولى أنّ الوصف بما هو من خصائص الجنس، لإفادة زيادة التّعميم.

و قرئ : «طائر» بالرّفع، عطفا على المحلّ.إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ: محفوظة أحوالها، مقدّرة أرزاقها وآجالها، مخلوقة أبدانها، مربوبة أرواحها، كما أنتم كذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: خلق مثلكم. قال  وقال: كلّ شي‏ء ممّا خلق خلق مثلكم.

قيل : المقصود من ذلك الدّلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره، ليكون كالدّليل على أنّه قادر على أن ينزّل آية. وجمع الأمم، للحمل على المعنى.

ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ:

قيل : يعني: اللّوح المحفوظ. فإنّه مشتمل على ما يجري في العالم من جليل ودقيق لم يهمل فيه أمر حيوان ولا جماد.

و ما يستفاد من الأخبار، أنّه القرآن.

في نهج البلاغة ، في كلام له- عليه السّلام- في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا: أم أنزل اللّه- سبحانه- دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ، أم أنزل [اللّه- سبحانه-]  دينا تامّا فقصّر الرّسول عن تبليغه وأدائه، واللّه يقول: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ. وفيه تبيان كلّ شي‏ء.

و في حديث وصف الإمامة  عن الرّضا- عليه السّلام- في العيون وغيره: جهل القوم وخدعوا عن أديانهم. إنّ اللّه لم يقبض نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى أكمل له الدّين وأنزل عليه القرآن. فيه تفصيل كلّ شي‏ء، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملا. فقال- عزّ وجلّ-:

ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ.

و «من» مزيدة. و«شي‏ء» في موضع المصدر لا المفعول به. لأنّ «فرط» لا يعدّى بنفسه، وقد يعدّى «بفي» إلى الكتاب.

و قرئ : «ما فرطنا» بالتّخفيف.

ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ، يعني: الأمم كلّها، فينتصف بعضها عن بعض.

و في من لا يحضره الفقيه : قال الصّادق- عليه السّلام-: أيّ بعير حجّ عليه ثلاث سنين ، جعل من نعم الجنّة.

و روي : سبع سنين.

و روى  السّكوني، بإسناده أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها فقال: أين صاحبها؟ [مروه‏]  فليستعد غدا للخصومة.

و في مجمع البيان : وعن أبي ذرّ قال: بينا أنا عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا انتطحت  عنزان.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أ تدرون فيما انتطحا؟

فقالوا لا ندري.

قال: لا و لكنّ اللّه يدري، وسيقضي  بينهما.

و في كتاب ثواب الأعمال : عن الصّادق- عليه السّلام-: قال، قال عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- لابنه محمّد حين حضرته الوفاة: إنّي قد حججت على ناقتي هذه‏عشرين حجّة فلم أقرعها بسوط قرعة، فإذا توفّت  فادفنها لا يأكل لحمها السّباع. فإنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ما من بعير يوقف  موقف عرفة سبع حجج، إلّا جعله اللّه من نعم الجنّة وبارك في نسله. فلمّا توفّت ، حفر لها أبو جعفر- عليه السّلام- ودفنها.

و في كتاب الخصال : عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّه لن يركب يومئذ إلّا أربعة، أنا وعليّ وفاطمة وصالح نبي اللّه.

فأمّا أنا فعلى البراق، وأمّا فاطمة ابنتي فعلى ناقتي العضباء، فأمّا صالح فعلى ناقة اللّه الّتي عقرت، وأمّا عليّ فعلى ناقة من نوق الجنّة  زمامها من ياقوت عليها حلّتان خضراوان.

 (الحديث).

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن محمّد بن عليّ قال: أخبرني سماعة بن مهران قال: أخبرني الكلبيّ النّسّابة قال: قلت لجعفر بن محمّد- عليه السّلام-: ما تقول في المسح على الخفّين؟

فتبسّم ثمّ قال: إذا كان يوم القيامة وردّ اللّه كلّ شي‏ء إلى شيئه وردّ الجلد إلى الغنم ، فيرى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: أنّه قد أعطي بلعم بن باعور الاسم الأعظم، وكان يدعو به فيستجاب  له. فمال إلى فرعون. فلمّا أمر فرعون في طلب موسى وأصحابه، قال فرعون‏لبلعم: ادع  اللّه على موسى وأصحابه ليحبسه علينا. فركب على حمارته، ليمرّ في طلب موسى [و أصحابه‏]  فامتنعت عليها حمارته. فأقبل يضربها، فأنطقها اللّه- عزّ وجلّ-.

فقالت: ويلك، على ما تضربني، أ تريد أن أجي‏ء معك فتدعو على نبيّ اللّه وقوم مؤمنين؟ فلم يزل يضربها حتّى قتلها، وانسلخ الاسم [الأعظم‏]  من لسانه. وهو قوله: فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ، وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ.

- وهو مثل ضربه-.

فقال الرّضا- صلوات اللّه عليه-: فلا يدخل الجنّة من البهائم إلّا ثلاث: حمارة بلعم، وكلب أصحاب الكهف، والذّئب. وكان سبب الذّئب أنّه بعث ملك ظالم رجلا شرطيّا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذّبهم، وكان للشّرطيّ ابن يحبّه، فجاء ذئب فأكل ابنه، فحزن الشّرطيّ عليه، فأدخل اللّه ذلك الذّئب الجنّة لمّا أحزن الشّرطيّ.

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ: لا يسمعون مثل هذه الآيات الدّالّة على ربوبيّته، وكمال علمه، وعظم قدرته، سماعا تتأثّر به نفوسهم.

وَ بُكْمٌ: لا يتكلّمون بخير وحقّ.

فِي الظُّلُماتِ: خبر ثالث، أو حال من المستكنّ في الخبر. والمراد إمّا ظلمات الكفر، أو ظلمات الجهل والعناد  والتّقليد.

مَنْ يَشَأِ اللَّهُ: خذلانه بمعاصيه.

يُضْلِلْهُ: يخذله، فيضلّ. لأنّه ليس من أهل الهدى.

وَ مَنْ يَشَأْ: توفيقه.

يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : يرشده إلى الهدى بلطفه، ويحمله عليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أحمد بن محمّد قال: حدّثنا جعفر بن عبد اللّه‏

 قال: حدّثنا كثير بن عيّاش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية: صُمٌّ عن الهدى. وبُكْمٌ لا يتكلّمون بخير. فِي الظُّلُماتِ، يعني: ظلمات الكفر. مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو ردّ على قدريّة هذه الأمّة، يحشرهم اللّه يوم القيامة مع الصّابئين والنّصارى والمجوس.

فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ.

يقول اللّه: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.

قال: فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ألا إنّ لكلّ أمّة مجوسا، ومجوس هذه الأمّة الّذين يقولون: لا قدر. ويزعمون أنّ المشيئة والقدرة إليهم ولهم .

حدّثنا جعفر بن أحمد  قال: حدّثنا عبد الكريم قال: حدّثنا محمّد بن عليّ قال:

 

حدّثنا محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه:

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ- إلى قوله- صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: أنزلت في الّذين كذّبوا الأوصياء هم صُمٌّ وَبُكْمٌ، كما قال اللّه: فِي الظُّلُماتِ من كان من ولد إبليس، فإنّه لا يصدّق بالأوصياء ولا يؤمن بهم أبدا، وهم الّذين أضلّهم اللّه. ومن كان من ولد آدم، آمن بالأوصياء، وهم على صراط مستقيم.

قال: وسمعته يقول: كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها في بطن القرآن، أن كذّبوا بالأوصياء كلّهم.

قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ: استفهام تعجيب.

و «الكاف» حرف خطاب، أكّد به الضّمير للتّأكيد، لا محلّ له من الإعراب.

لأنّك تقول: أ رأيتك زيدا ما شأنه. فلو جعلت الكاف مفعولا، كما قاله الكوفيّون، لعدّيت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل، وللزم في الآية أن يقال: أ رأيتموكم. بل الفعل معلّق، أو المفعول محذوف تقديره: أ رأيتكم [أي أخبروني‏]  آلهتكم تنفعكم إذ تدعونها.و قرأ  نافع فيه وفي «أ رأيت» و«أ فرأيت» و«أرأيتم» وشبهه إذا كان قبل الرّاء همزة، بتسهيل الهمزة الّتي بعد الرّاء. والكسائي بحذفها أصلا. والباقون يخفّفونها. وحمزة إذا وقف، وافق نافعا.

إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ: في الدنيا كما أتى من قبلكم.

أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ: القيامة وهولها.

أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ: هو تبكيت لهم.

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : أنّ الأصنام آلهة. وجوابه محذوف، أي: فادعوه.