سورة المائدة الآية 1-20

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة المائدة في كلّ خميس، لم يلبس إيمانه بظلم ولم يشرك به أبدا.

و في مجمع البيان ، أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: قال من قرأ سورة المائدة، أعطي من الأجر بعدد كلّ يهوديّ ونصرانيّ يتنفّس في دار الدّنيا عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات.

و روى العيّاشي ، بإسناده عن عيسى بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضا. وإنّما يؤخذ من أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بآخره. وكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها ولم ينسخها شي‏ء. ولقد نزلت عليه وهو على بغلة شهباء، وثقل عليها الوحي حتّى وقفت وتدلّى بطنها حتّى رأيت سرتّها تكاد تمسّ الأرض، وأغمي على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى وضع يده على ذؤابة شيبة بن وهب الجمحيّ، ثمّ رفع ذلك عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقرأ علينا سورة المائدة، فعمل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعملنا. [و بإسناده عن أبي حمزة الثّمالي  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول:

نزلت المائدة كملا ونزل معها سبعون ألف ملك .] .

و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن العلا، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال في حديث طويل: سبق الكتاب الخفّين، إنّما نزلت  المائدة قبل أن يقبض بشهرين .

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ: الوفاء بالعقد، هو القيام بمقتضاه.

و كذلك الإيفاء. والعقد، العهد الموثق. قال الحطيئة :

         قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم             شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، عن الصّادق- عليه السّلام-: أي: بالعهود.

و أصله، الجمع بين الشّيئين بحيث يعسر الانفصال. والمراد بالعقود هاهنا، كلّ ما عقد اللّه على عباده وألزمهم إيّاه من الإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله وأوصياء رسله وتحليل حلاله وتحريم حرامه والإتيان بفرائضه ورعاية حدوده وأوامره ونواهيه، وكلّ ما يعقده المؤمنون على أنفسهم للّه وفيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات الغير المحظورة.

و يحتمل أن يعمّ بحيث يشمل السّنن، إن حمل الأمر على المشترك بين الوجوب والنّدب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  [: عن سماعة،]  عن إسماعيل بن زياد الكوفي ،

 عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام-، [عن عليّ- عليه السّلام-]  قال:

ليس في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلّا وفي التّوراة «يا أيّها المساكين».

و فيه  بطريق آخر، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- مثله.

 

و فيه : حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر، عن المعلّى بن محمّد البصريّ، عن ابن أبي عمير، عن أبي جعفر الثّاني- صلوات اللّه عليه- [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قال:]  إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عقد عليهم لعليّ- صلوات اللّه عليه- بالخلافة في عشرة مواطن، ثمّ أنزل اللّه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الّتي عقدت عليكم لأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ: تفصيل للعقود.

و «البهيمة» فعلية، مشترك مع الإبهام بمعنى: الاشتباه في المادّة. وهو كلّ حيّ لا يميّز.

و قيل : كلّ ذات أربع. وإضافتها إلى الأنعام للبيان، كقولك: ثوب خزّ.

و قيل : معناه: البهيمة من الأنعام. وهي الأزواج الثّمانية، وألحق بها الظّباء وبقر الوحش ونحوهما ممّا يماثل الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب. وإضافتها إلى الأنعام لملابسة الشّبه.

و أمّا ما رواه في الكافي : عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أحدهما- عليهما السّلام- عن هذه الآية. فقال: الجنين في بطن أمّه إذا أشعر وأوبر، فذكاته ذكاة أمّه، فذلك الّذي عنى اللّه- عزّ وجلّ-.و في من لا يحضره الفقيه : عن عمر بن أذينة، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- مثله، إلّا قوله: «فذلك» إلى آخره.

 

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هي الأجنّة الّتي في بطون الأنعام ، وقد كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- يأمر ببيع الأجنّة فمحمول على أنّه أحد معانيها. أو على أنّه تحديد لأوّل تسميتها بالبهيمة. أو على أنّه بيان لحلّها، فلا ينافي تعميمها مع أنّه نصّ في حلّ الأمّ.

و يؤيّده‏

ما رواه العيّاشي : عن وهب بن وهب، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّ عليّا- عليه السلام- سئل عن أكل لحم الفيل والدّبّ والقرد.

فقال: ليس هذا من بهيمة الأنعام الّتي تؤكل.

و أمّا

ما رواه «عن المفضّل  قال: سألت الصّادق- عليه السّلام- عن هذه الآية.

قال: البهيمة، الوليّ. والأنعام، المؤمنون.»

فهو تأويل، والأوّل تفسير.

و البهيمة حينئذ من البهيم بمعنى: الخالص الّذي لم يشبه غيره.

إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ: تحريمه في حرمة عليكم، الميتة وغيره. أو إلّا محرّم ما يتلى عليكم.

غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ: حال من الضّمير في «لكم».

و قيل : من واو «أوفوا» وهو ضعيف.

و قيل : استثناء. وفيه تعسّف.

و «الصّيد» يحتمل المصدر، والمفعول.وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ: حال عمّا استكنّ في «محلّي». و«الحرم»، جمع حرام. وهو المحرّم.

إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ : من تحليل وتحريم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ أي لا تتهاونوا بحدودها الّتي حدّها للعباد، وجعلها شعائر الدّين وعلامته، من أعمال الحجّ وغيره.

و قيل : فرائضه. وقيل: دينه. وقيل: مناسك الحجّ. جمع شعيرة. وهي اسم ما أشعر أي: جعل شعارا.

وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ: بالقتال فيه. أو بالنّسي‏ء.

في مجمع البيان : قال أبو جعفر- عليه السّلام-: نزلت هذه الآية في رجل من بني ربيعة، يقال له: الحطم.

و قال السّديّ : أقبل الحطم بن هند البكريّ حتّى أتى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وحده، وخلّف خيله خارج المدينة، فقال: إلى ما تدعو؟ وقد كان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال لأصحابه: يدخل عليكم اليوم رجل من ربيعة، يتكلّم بلسان شيطان. فلمّا أجابه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: أنظرني لعلّي أسلم ولي من أشاوره. فخرج من عنده. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر. فمرّ بسرح من سروح المدينة، فساقه وانطلق به وهو يرتجز، ثمّ أقبل من عام قابل حاجّا قد قلّد هديا، فأراد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يبعث إليه فنزلت.

و فيه : واختلف في هذا. فقيل: هو منسوخ بقوله : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.

و المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّه لم ينسخ من هذه السّورة شي‏ء ولا من هذه الآية. لأنّه لا يجوز أن يبتدأ المشركون في الأشهر الحرم بالقتال إلّا إذا قاتلوا.وَ لَا الْهَدْيَ: ما أهدي إلى الكعبة. جمع، هدية. كجدي، جمع جدية السّرج.

وَ لَا الْقَلائِدَ: أي ذوات القلائد من الهدي. وعطفها على الهدي للاختصاص، فإنّه أشرف الهدي. أو القلائد أنفسها. والنّهي عن إحلالها، مبالغة في النّهي عن التّعرّض للهدي. ونظيره: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ. و«القلائد» جمع، قلادة.

و هي ما قلّد به الهدي، من نعل وغيره، ليعلم أنّه هدي فلا يتعرّض له.

 [في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: يقلّدها النّعل الّذي قد صلّى فيه.

] .

وَ لَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ: عطف على «القلائد». و«لا» زائدة للتّأكيد أي: قاصدين زيارته، يبتغون فضلا من ربّهم ورضوانا أن يثيبهم ويرضى عنهم.

و الجملة في موضع الحال من المستكنّ في «آمّين» وليست صفة له. لأنّه عامل. والمختار أنّ اسم الفاعل الموصوف لا يعمل. وفائدته استنكار تعرّض من هذا شأنه، والتّنبيه على المانع له.

يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً:

قيل : معناه: يبتغون من اللّه رزقا بالتّجارة، ورضوانا بزعمهم. إذ

قد روي:

أنّ الآية نزلت عام القضيّة في حجّاج اليمامة لمّا همّ المسلمون أن يتعرّضوا لهم، بسبب أنّه كان فيهم الحطيم بن شريح بن ضبيعة، وكان قد استاق سرح المدينة .

و قرئ: «تبتغون» على خطاب المؤمنين .

وَ إِذا حَلَلْتُمْ: من الإحرام.

فَاصْطادُوا: إذن في الاصطياد بعد زوال الإحرام للقرينة، ولا يلزم منه دلالة الأمر الآتي بعد الحظر على الإباحة مطلقا. والقرينة هنا، ما سبق في الآية من أنّ المانع عنه الإحرام.و قرئ، بكسر الفاء، على إلقاء حركة همزة الوصل عليها.

 [و قرئ:]  وأحللتم .

وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ: لا يحملنّكم. أو لا يكسبنّكم.

شَنَآنُ قَوْمٍ: شدّة بغضهم وعداوتهم. وهو مصدر، أضيف إلى الفاعل، أو المفعول.

و قرأ ابن كثير وإسماعيل: عن نافع، وابن عيّاش: عن عاصم، بسكون النّون.

و هو أيضا مصدر، كليان. أو نعت بمعنى: بغيض قوم. وفعلان في النّعت أكثر .

أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: لأن صدّوكم عام الحديبية.

و قرأ ابن كثير وأبو عمرو، بكسر الهمزة، على أنّه شرط معترض أغنى عن جوابه لا يَجْرِمَنَّكُمْ .

أَنْ تَعْتَدُوا: بالانتقام. ثاني مفعولي «لا يجرمنّكم» فإنّه يتعدّى إلى واحد وإلى اثنين، ككسب.

و من قرأ: «يجرمنّكم» بضمّ الياء، جعله منقولا من المتعدّي إلى مفعول بالهمزة، إلى مفعولين .

وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى: على العفو والإغضاء، ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى.

وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ: للتّشفّي والانتقام.

وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ : فانتقامه أشدّ.

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ: بيان ما يتلى عليكم.

و «الميتة» ما فارقه الرّوح، من غير تذكية.

وَ الدَّمُ أي: المسفوح. لقوله- تعالى-: أَوْ دَماً مَسْفُوحاً.قيل : وكان أهل الجاهليّة يصبّونه في الأمعاء، ويشوونها.

وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ: وإن ذكّي. وإنّما خصّ بالذّكر دون الكلب وغيرهم، لاعتيادهم أكله دون غيره.

وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ أي: رفع الصّوت لغير اللّه به. كقولهم: باسم الّلات والعزّى، عند ذبحه.

وَ الْمُنْخَنِقَةُ: الّتي ماتت بالخنق.

وَ الْمَوْقُوذَةُ: المضروبة بنحو خشب أو حجر حتّى تموت. من وقذته، إذا ضربته.

وَ الْمُتَرَدِّيَةُ: الّتي تردّت من علو، أو في بئر، فماتت.

وَ النَّطِيحَةُ: الّتي نطحتها أخرى، فماتت. والتّاء فيها، للنّقل.

وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ أي: وما أكل منها السّبع حتّى مات.

إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ:

إلّا ما أدركتم ذكاته، وفيه حياة مستقرّة من ذلك. كذا في مجمع البيان  عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشي : عن الرّضا- عليه السّلام-: المتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إذا أدركت ذكاته، فكله.

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام- في كتاب عليّ- عليه السّلام-: إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرك الذّنب، فكل منه فقد أدركت ذكاته.

و قيل : الاستثناء مخصوص بما أكل السّبع.

و في الخبر الآتي إيماء إليه: «و الذّكاة» في الشّرع، قطع الأعضاء الأربعة:

المري‏ء وهو مجرى الطّعام والشّراب والحلقوم وهو مجرى النّفس والودجان وهما عرفان محيطان بالحلقوم. بالحديد أو بمحدّد عند عدمه.وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ:

 «النّصب» واحد الأنصاب. وهي أحجار كانت منصوبة حول بيوت النّيران، ويعدّون ذلك قربة وما يعبدونه لأصنامهم.

و «على» بمعنى: الّلام. أو على أصلها بتقدير: وما ذبح مسمّى على الأصنام.

و قيل : هو جمع. والواحد، نصاب.

وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ: وهو استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة. وواحد الأزلام، زلم. كحمل.

في عيون الأخبار : عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- أنّه قال في تفسيرها  [قال:] ، الميتة والدّم ولحم الخنزير معروف.

وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ يعني: ما ذبح للأصنام. وأمّا المنخنقة، فإنّ المجوس كانوا لا يأكلون الذّبائح ولا يأكلون  الميتة، وكانوا يخنقون البقر والغنم، فإذا انخنقت  وماتت أكلوها.

 [و الموقوذة، كانوا يشدّون أرجلها ويضربونها حتّى تموت، فإذا ماتت أكلوها.] .

و المتردّية، كانوا يشدّون عينها ويلقونها من السّطح، فإذا ماتت أكلوها.

و النّطيحة، كانوا يناطحون بالكباش، فإذا مات  أحدها أكلوه .وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ فكانوا يأكلون ما قتله  الذّئب والأسد، فحرّم اللّه- عزّ وجلّ- ذلك.

وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ كانوا يذبحون لبيوت النّيران، وقريش كانوا يعبدون الشّجر والصّخر فيذبحون لهما.

وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ، ذلِكُمْ فِسْقٌ قال: كانوا يعمدون إلى الجزور فيجزّئونه عشرة أجزاء، ثمّ يجتمعون عليه فيخرجون السّهام ويدفعونها  إلى رجل، وهي  عشرة، سبعة لها أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها. فالّتي لها أنصباء الفذّ  والتّوأم والمسبل والنّافس والحلس والرّقيب والمعلى. فالفذّ  له سهم، والتوأم له سهمان، والمسبل له ثلاثة أسهم، والنّافس له أربعة أسهم، والحلس له خمسة أسهم، والرّقيب له ستّة أسهم، والمعلى له سبعة أسهم. والّتي لا أنصباء لها، فالسّفيح والمنيح والوغد. وثمن الجزور على من لا يخرج  له من الأنصباء شي‏ء، وهو القمار، فحرّمه اللّه- تعالى-.

و في تفسير علي بن إبراهيم  مثله.

 

و في من لا يحضره الفقيه والتّهذيب  عن الجواد- عليه السّلام- ما يقرب منه، إلّا قال: وَالْمَوْقُوذَةُ الّتي مرضت وقذّها المرض حتّى لم يكن بها حركة.

قال: وكانوا في الجاهليّة يشترون بعيرا فيما بين عشرة أنفس ويستقسمون عليه بالأقداح- ثمّ ذكر أسماءها السّبعة والثّلاثة كما ذكر- قال: فكانوا يجيلون السّهام بين عشرة، فمن خرج باسمه سهم من الّتي لا أنصباء لها الزم ثلث ثمن البعير، فلا يزالون كذلك حتّى تقع السّهام الثّلاثة الّتي لا أنصباء لها إلى ثلاثة منهم فيلزمونهم ثمن البعير، ثمّ ينحرونه ويأكل السّبعة الّذين لم ينقدوا في ثمنه شيئا ولم يطعموا منه الثّلاثة الّذين‏

أنقدوا  [ثمنه‏]  شيئا. فمّا جاء الإسلام حرّم اللّه- تعالى ذكره- ذلك فيما حرّم، فقال- عزّ وجلّ-: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ.

ذلِكُمْ فِسْقٌ يعني: حرام.

و معنى تجزئته عشرة أجزاء: اشتراؤه فيما بين عشرة أنفس. كما ذكر

في حديث الجواد- عليه السّلام-  لا تجزئة لحمه.

و الفذّ، بالفاء والذّال المعجمة المشدّدة. والتّوأم، بالتّاء المثنّاة الفوقانيّة والهمزة.

و المسبل، كمحسن، بالسّين المهملة والباء الموحّدة. والنّافس، بالنّون والفاء والسّين المهملة. والحلس، بكسر الحاء وسكون الّلام والسّين المهملة، وقد يحرّك. والرّقيب، بالرّاء والقاف، على وزن فعيل. والمعلى بضمّ الميم وسكون العين وفتح الّلام.

و السّفيح، بالسّين المهملة والفاء والحاء المهملة، على وزن فعيل. كالمنيح ، بالنّون والحاء المهملة. والوغد، بالواو والغين المعجمة والدّال المهملة.

و قيل : معنى الاستقسام بالأزلام: طلب معرفة ما قسّم لهم بالأقداح، يعني:

السهام. وذلك أنّهم إذا قصدوا فعلا، ضربوا ثلاثة أقدام مكتوب على أحدها: أمرني ربّي. وعلى الآخر: نهاني عنه. وعلى الثّالث: غفل. فإن خرج الأمر مضوا على ذلك، وإن خرج النّاهي تجنّبوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانيا .

و في بعض الأخبار إيماء إلى ذلك، كما يأتي في أواخر السّورة. ويمكن التّوفيق بالتّعميم.

الْيَوْمَ، أي: الآن. ولم يرد به يوما معيّنا، وإنّما أراد الحاضر وما يتّصل به من الأزمنة الآتية.

و قيل : أراد يوم نزولها. وقد نزلت بعد عصر يوم الجمعة، عرفة حجّة الوداع.يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ: انقطع طمعهم من دينكم، أن تتركوه وترجعوا منه إلى الشّرك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: ذلك لمّا نزلت: ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشي : عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية: يوم يقوم القائم- عليه السّلام- ييأس بنو اميّة. فهم الّذين كفروا يئسوا من آل محمّد- عليهم السّلام-.

فَلا تَخْشَوْهُمْ: أن يظهروا على دين الإسلام، ويردّوكم عن دينكم.

وَ اخْشَوْنِ: إنْ خالفتم أمري، أن تحلّ بكم عقوبتي.

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً:

في مجمع البيان ، عنهما- عليهما السّلام-: إنّما نزل بعد أن نصّب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه السّلام- علما للأنام يوم غدير خمّ عند منصرفه عن حجّة الوداع. قالا: وهي آخر فريضة أنزلها اللّه- تعالى- ثمّ لم ينزل بعدها فريضة.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية قالوا جميعا: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يقول اللّه- عزّ وجلّ-: لا انزل عليكم بعد هذه الفريضة، قد أكملت لكم الفرائض.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد  ومحمّد بن الحسين جميعا، عن محمّد بن‏

 إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: فرض اللّه- عزّ وجلّ- إلى قوله: ثمّ نزلت الآية، وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل اللّه- عزّ وجلّ-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي.

 

و كان كمال الدّين بولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فقال عند ذلك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أمّتي حديثو عهد بالجاهليّة.

و متى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل ويقول قائل؟ فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني. فأتتني عزيمة من اللّه- عزّ وجلّ- بتلة أوعدني إن لم أبلّغ أن يعذّبني.

فنزلت: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ فأخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بيد عليّ- عليه السّلام- فقال: يا أيّها النّاس، إنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلّا وقد عمّره اللّه ثمّ دعاه فأجابه، فأوشك أن أدعى فأجيب. وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فما ذا أنتم قائلون؟ فقالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وأدّيت ما عليك.

فجزاك اللّه أفضل جزاء المرسلين.

فقال: اللّهمّ اشهد- ثلاث مرّات- ثمّ قال: يا معشر المسلمين، هذا وليّكم من بعدي. فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب.

و في روضة الكافي ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها- عليه السّلام- بعد أن ذكر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وقوله- صلّى اللّه عليه وآله- حين تكلّمت طائفة، فقالوا: نحن موالي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى حجّة الوداع، ثمّ صار إلى غدير خمّ فأمر. فأصلح له شبه المنبر. ثمّ علاه وأخذ بعضدي حتّى رئي  بياض إبطيه، رافعا صوته قائلا في محفله:

من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه. وكانت على ولايتي ولاية اللّه وعلى عداوتي عداوة اللّه. وأنزل اللّه- عزّ وجلّ- في ذلك اليوم الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. فكانت ولايتي كمال‏الدّين ورضا الرّب- جلّ ذكره-.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى إسحاق بن إسماعيل النّيسابوري: أنّ العالم كتب إليه، يعني: الحسن بن عليّ- عليهما السّلام-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- بمنّه ورحمته لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه إليكم لا إله إلّا هو، ليميز الخبيث من الطّيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا  إلى رحمته، ولتتفاضل»

 منازلكم في جنّته. ففرض عليكم الحجّ والعمرة وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة والصّوم والولاية، وجعل لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى سبيله. ولو لا محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- والأوصياء من ولده كنتم  حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضا من الفرائض. وهل تدخل قرية إلّا من بابها؟

فلمّا منّ اللّه عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم- صلّى اللّه عليه وآله- قال اللّه- عزّ وجلّ-:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: آخر فريضة أنزلها  اللّه- تعالى- الولاية، ثمّ لم ينزل بعدها فريضة، ثمّ أنزل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بكراع الغميم . فأقامها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالجحفة . فلم ينزل بعدها فريضة.

و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه-  بإسناده إلى الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي، وهو اليوم الّذي أمرني اللّه- تعالى ذكره- فيه بنصب‏أخي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- علما لأمّتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الّذي أكمل اللّه فيه الدّين وأتمّ على أمّتي فيه النّعمة ورضي لهم الإسلام دينا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده إلى الحسن بن عليّ- عليهما السّلام -، عن النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وحب أهل بيتي وذرّيّتي استكمال الدّين، وتلا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً إلى آخر الآية.

و في تهذيب الأحكام ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق: شهادة الإخلاص  لك بالوحدانيّة بأنّك أنت اللّه الّذي لا إله إلّا أنت، وأنّ محمّدا عبدك ورسولك، وعليّا أمير المؤمنين، وأنّ الإقرار بولايته تمام توحيدك والإخلاص بوحدانيتك وكمال دينك وتمام نعمتك وفضلك على جميع خلقك وبريّتك. فإنّك قلت وقولك الحقّ:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. اللّهمّ فلك الحمد على ما مننت به علينا من الإخلاص لك بوحدانيّتك، إذ هديتنا لموالاة وليّك الهادي من بعد نبيّك النّبيّ المنذر، ورضيت لنا الإسلام دينا بموالاته.

و في عيون الاخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: وأنزل في حجّة الوداع وهي في آخر عمره- صلّى اللّه عليه وآله- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً وأمر  الإمامة من تمام الدّين.

و في كتاب الخصال : عن يزداد بن إبراهيم، عمّن حدّثه من أصحابنا، عن أبي‏

 عبد اللّه- عليه السّلام- عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه في آخره: وإنّ بولايتي أكمل  لهذه الأمة دينهم وأتمّ عليهم النّعمة  ورضي إسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: أخبرهم يا محمّد ، أكملت لهم اليوم دينهم وأتممت عليهم نعمتي ورضيت لهم الإسلام دينا . كلّ ذلك من منّ اللّه به  عليّ، فله الحمد.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي  قال: حدّثني الحسين بن سعيد معنعنا، عن جعفر- عليه السّلام-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي قال: بعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في شرح الآيات الباهرة : وروى أبو نعيم: عن رجاله، عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- دعا النّاس إلى عليّ يوم غدير خمّ، وأمر بقلع ما تحت الشّجر من الشّوك، وقام فدعا [عليّا-]  عليه السّلام- فأخذ بضبعيه حتّى نظر [النّاس‏]  إلى إبطيه وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. ثمّ لم يفترقا حتّى أنزل اللّه- عزّ وجلّ-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (فقام) النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: اللّه أكبر على إكمال الدّين وإتمام النّعمة، ورضا الرّبّ برسالتي وبولاية عليّ من بعدي.] .

فَمَنِ اضْطُرَّ: متّصل بذكر المحرّمات، وما بينهما اعتراض، والمعنى: فمن اضطرّ إلى تناول شي‏ء من هذه المحرّمات.

فِي مَخْمَصَةٍ: مجاعة.غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ: غير مائل للإثم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادق- عليه السّلام-: غير متعمّد لإثم‏

 (انتهى) وذلك بأن يأكلها تلذّذا. أو مجاوزا حدّ الرّخصة. وهذا كقوله: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ وقد مرّ تفسيرهما في سورة البقرة.

فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : لا يؤاخذه بأكله.

يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ: لما تضمّن السّؤال معنى القول أوقع على الجملة.

و قد سبق الكلام في «ما ذا». وإنّما قال: «لهم» ولم يقل: «لنا» على الحكاية، لأنّ «يسألونك» بلفظ الغيبة. وكلا الوجهين شائع في أمثاله. والمسئول. ما احلّ لهم من المطاعم لمّا تلا ما حرّم عليهم منها.

قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ: ما لم تستخبثه الطّبائع السّليمة، ولم تتنفّر عنه.

و فيه دلالة على حرمة مستخبثات الطّبائع السّليمة بالمفهوم، ودلالة صريحة على أنّ ما لم ينصّ الشّرع على حرمته ولم تستخبثه الطّبائع حلال، لا يحتاج في تناوله إلى نصّ عليه بخصوصه، والمحتاج إلى النّصّ إنّما هو المحرّم.

وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ: عطف على «الطّيّبات» إن جعلت «ما» موصولة، على تقدير: وصيد ما علّمتم. وجملة شرطيّة إن جعلت شرطا، وجوابها «فكلوا». و«الجوارح» كواسب الصّيد على أهلها، من السّباع ذوات الأربع والطّير.

مُكَلِّبِينَ: معلّمين إيّاه الصّيد. و«المكلّب» مؤدّب الكلب، ومغريها بالصّيد. مشتقّ، من الكلب. وانتصابه على الحال من «علّمتم». وفائدتها، المبالغة في التّعليم.

و في الكافي : حدّثنا أبو محمّد هارون بن موسى التّلعكبريّ قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبين ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: في كتاب عليّ- عليه السّلام- في قول اللّه‏- عزّ وجلّ-: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ قال: هي الكلاب.

و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن موسى بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في صيد الكلب: إن أرسله صاحبه وسمّى فليأكل كلّ ما أمسك عليه وإن قتل، وإن أكل فكل ما بقي. وإن كان غير معلّم فعلّمه ساعته حين يرسله فليأكل منه، فإنّه معلّم. فأمّا ما خلا الكلاب ممّا تصيده الفهود والصّقور وأشباهه فلا تأكل من صيده إلّا ما أدركت ذكاته، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- قال: مُكَلِّبِينَ فما خلا الكلاب، فليس صيده بالّذي يؤكل إلّا أن تدرك ذكاته.

و بهذا المعنى أخبار كثيرة. والأخبار الّتي وردت بخلاف ذلك محمولة على التّقيّة، يدلّ على ذلك‏

ما رواه في الكافي : عن أبي عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن الحلبيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كان أبي- عليه السّلام- يفتي وكان يتّقي ونحن نخاف في صيد البزاة والصّقور، فأمّا الآن فإنّا لا نخاف ولا يحلّ صيدها إلّا أن تدرك ذكاتها، فإنّه في كتاب عليّ- عليه السّلام- إنّ اللّه- عزّ وجلّ- قال:

وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ في الكلاب.

تُعَلِّمُونَهُنَّ: حال ثانية. أو استئناف.

مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ: من طرق التّأديب، فإنّ العلم إلهام من اللّه أو مكتسب بالعقل الّذي هو منحة منه. أو ممّا علّمكم اللّه أن تعلّموه، باتّباعه الصّيد بإرسال صاحبه وينزجر بزجره وينصرف بدعائه. وبمسك عليه الصّيد ولا يأكل [منه.] .

فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ:

قيل : هو ما لم تأكل منه.

و الظّاهر، أنّه ما احتسبه عليكم وإن أكل بعضه. كما دلّ عليه الخبر السّابق.و أمّا

ما رواه في تهذيب الأحكام : «عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألته عمّا أمسك الكلب المعلّم للصّيد وهو قول اللّه- تعالى-: وَما عَلَّمْتُمْ (الآية).

قال: لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم يأكل الكلب منه، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه»

فمحمول على التّقيّة، لأنّه موافق لمذاهب أكثر العامّة.

يدلّ على ذلك‏

ما رواه في الكافي : عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى، عن جميل بن درّاج قال: حدّثني حكم بن حكيم الصّيرفي  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول في الكلب يصيد الصّيد فيقتله؟

قال: لا بأس بأكله.

قال: قلت: فإنّهم يقولون: إنّه إذا قتله وأكل منه، فإنّما أمسك على نفسه فلا تأكله.

فقال: كل، أو ليس قد جامعوكم على أنّ قتله ذكاته؟

قال: قلت: بلى.

قال: فما يقولون في شاة ذبحها رجل، أذكّاها؟

قال: قلت: نعم.

قال: فإنّ السّبع جاء بعد ما ذكّاها فأكل منها بعضها، أ تؤكل  البقيّة؟

قلت: نعم. قال: فإذا أجابوك إلى هذا، فقل لهم: كيف تقولون: إذا ذكّى ذلك فأكل منها لم يأكلوا وإذا ذكّى  هذا وأكل أكلتم؟

وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ: الضّمير «لما علّمتم»، والمعنى: سمّوا عليه عندإرساله.

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن القسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد وأدركه صاحبه وقد قتله، أ يأكل منه؟

فقال: لا. وقال- عليه السّلام-: إذا صاد وسمّى فليأكل، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل، وهذا ممّا علّمتم من الجوارح مكلّبين.

وَ اتَّقُوا اللَّهَ: في محرّماته.

إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ : فيؤاخذكم بما جلّ ودقّ.

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ:

في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: عنى بطعامهم هاهنا: الحبوب والفاكهة غير الذّبائح الّتي يذبحونها، فإنّهم لا يذكرون اسم اللّه خالصا على ذبائحهم. ثمّ [قال:]  واللّه ما استحلّوا ذبائحكم فكيف تستحلّون ذبائحهم.

و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النّعمان، عن ابن مسكان، عن قتيبة الأعشى قال: سأل رجل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- وأنا عنده، فقال: الغنم يرسل فيها اليهوديّ والنّصرانيّ فتعرض فيها العارضة فتذبح، أ نأكل ذبيحته؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا تدخل ثمنها مالك، ولا تأكلها فإنّما هو الاسم، ولا يؤمن عليها إلّا مسلم.

فقال الرّجل: قال اللّه- تعالى-: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ. فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كان أبي- صلوات اللّه عليه- يقول:

إنّما هو الحبوب وأشباهها. [عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن طعام أهل الكتاب وما يحلّ منه؟

قال: الحبوب.]

 .

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَطَعامُ (الآية) قال: الحبوب والبقول.

أبو عليّ الأشعريّ: عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى، عن إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: لا تأكله. ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: لا تأكله. ثمّ سكت هنيئة وقال:

لا تأكله، ولا تتركه تقول: إنّه حرام. ولكن تتركه تنزّها عنه، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير.

و في تفسير العيّاشي : عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ قال: العدس والحبوب وأشباه ذلك، يعني: أهل الكتاب.

وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ: فلا عليكم أن تبيعوه منهم وتطعموهم.

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ: وأحلّ لكم العقد على العفائف من المؤمنات.

و في تفسير العيّاشي : عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ قال: هنّ المسلمات.

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ:في من لا يحضره الفقيه

 وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ.

 

قال: هنّ ذوات الأزواج.

قال: قلت: وما الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ؟

قال: هنّ العفائف.

و في تفسير العيّاشي : عن مسعدة بن صدقة قال: سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. قال: نسختها وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم قال: قال لي أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام-: يا أبا محمّد، ما تقول في رجل تزوّج نصرانيّة على مسلمة؟

قلت: جعلت فداك، وما قولي بين يديك؟

قال: تقولنّ، فإنّ ذلك يعلم به قولي. قلت: لا يجوز تزويج النّصرانيّة على مسلمة ولا غير مسلمة.

قال: لم؟

قلت: لقول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ.

قال: فما تقول في هذه الآية: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ.

قلت: فقوله : وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ نسخت هذه الآية. فتبسّم ثمّ سكت.

عليّ بن إبراهيم: عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية؟ فقال: هذه منسوخة بقوله : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أحمد بن عمر، عن درست الواسطيّ، عن علي بن رئاب، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لا ينبغي نكاح أهل الكتاب.

قلت: جعلت فداك، وأين تحريمه؟

قال: قوله : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب وغيره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في الرّجل المؤمن يتزوّج اليهوديّة والنّصرانيّة؟

قال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهوديّة والنّصرانيّة.

فقلت له: يكون له فيها هوى.

فقال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أنّ عليه في دينه غضاضة.

و الجمع بين تلك الأخبار، الدّالّ بعضها على نسخ نكاح أهل الكتاب، والدّالّ بعضها على عدم ابتغاء نكاحها، والدّالّ بعضها على الجواز إذا كان له فيها هوى، حمل النّسخ على نسخ الإباحة وبقاء الجواز بالمعنى الأعمّ، فيجتمع مع عدم الانبغاء والجواز مع الهوى. وينبغي حمل الجواز على جواز النّكاح بالمتعة دون العقد الدّائم، كما يدلّ عليه الخبر الأخير بالفحوى. لأنّ منع الخمر من الكافرة لا يكون دائما. وهذا طريق آخر للجميع. فالمنسوخ عقدهنّ دواما. والجائز نكاحهنّ متعة.

و في قوله: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ: دلالة على هذا الأخير، لأنّ المتبادر من الأجور مهر المتعة، لأنّهنّ مستأجرات كما في الخبر.مُحْصِنِينَ: أعفّاء.

غَيْرَ مُسافِحِينَ: غير مجاهرين بالزّنا.

وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ: مسرّين به.

و «الخدن» الصدّيق. يقع على الذّكر والأنثى.

وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ :

يريد بالإيمان، شرائع الإسلام. وبالكفر به، إنكاره.

في أصول الكافي : الحسين بن محمّد بن معلى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن هذه الآية؟ قال: ترك العمل الّذي أقرّ به، من ذلك أن يترك الصّلاة من غير سقم ولا شغل.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن هذه الآية؟

فقال: [من‏]  ترك العمل الّذي أقرّ به.

قلت: فما موضع ترك العمل حتّى يدعه أجمع؟

قال: منه الّذي يدع الصّلاة متعمّدا لا من سكر ولا من علّة.

 [و أمّا

ما رواه في أصول الكافي : «عن عليّ بن إبراهيم، عن ابن محبوب وغيره، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه فأصابته  فتنة فكفر ثمّ تاب بعد كفره، كتب له وحسب بكلّ شي‏ء عمله في إيمانه ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره»

فالمراد بالكفر المذكور فيه، هو شعب الإيمان المذكور في الجزء الأوّل، على أنّ الزّاني لا يزني وهو مؤمن والسّارق لا يسرق وهو مؤمن، وهو لا يقتضي حبط باقي الأعمال، ويزول بالتّوبة والشّرك.] و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: من آمن ثمّ أطاع أهل الشّرك، فقد حبط عمله وكفر بالإيمان وهو في الآخرة من الخاسرين.

و في تفسير العيّاشي : عن أبان بن عبد الرّحمن قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: أدنى ما يخرج به الرّجل من الإسلام، أن يرى الرّأي بخلاف الحقّ فيقيم عليه. قال: ومن يكفر بالإيمان، فقد حبط عمله. وقال: الّذي يكفر بالإيمان، الّذي لا يعمل بما أمر اللّه ولا يرضى به.

عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما- عليهما السّلام- في هذه الآية قال: هو ترك العمل حتّى يدعه أجمع. قال: منه الّذي يدع الصّلاة متعمّدا لا من شغل ولا من سكر، يعني: النّوم.

عن جابر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يعني: ولاية عليّ- عليه السّلام-.

عن هارون بن خارجة  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن هذه الآية؟

قال: فقال: من ذلك ما اشتقّ فيه زرارة [بن أعين‏]  وأبو حنيفة.

و في بصائر الدّرجات : عن عبد اللّه بن عامر، عن أبي عبد اللّه البرقي ، عن الحسين بن عثمان ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية؟

قال: تفسيرها في بطن القرآن: من يكفر بولاية عليّ، وعليّ هو الإيمان.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ:قال المفسّرون : أي: أردتم القيام، كقوله : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. عبّر عن إرادة الفعل بالفعل المسبّب عنها للإيجاز والتّنبيه، على أنّ من أراد العبادة ينبغي له أن يبادر إليها بحيث لا ينفكّ الفعل من الإرادة. أو إذا قصدتم الصّلاة، لأنّ التّوجّه إلى الشّي‏ء والقيام إليه قصد له.

ثمّ قالوا: وظاهر الآية يوجب الوضوء على كلّ قائم إلى الصّلاة وإن لم يكن محدثا، والإجماع على خلافه.

فقيل : مطلق أريد به التّقييد، والمعنى : إذا قمتم إلى الصّلاة محدثين.

و قيل : الأمر فيه للنّدب.

و قيل : كان ذلك أوّل الأمر ثمّ نسخ، وهو ضعيف.

لقوله- عليه السّلام - المائدة من آخر القرآن نزولا، فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها.

و في تهذيب الأحكام، وفي تفسير العيّاشي : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل، ما معنى إِذا قُمْتُمْ؟

قال: إذا قمتم من النّوم.

و العيّاشي : عن الباقر- عليه السّلام- سئل، ما عنى بها؟

قال: من النّوم.

فلا حاجة إلى ما تكلّفوه وأضمروه. وأمّا وجوب الوضوء بغير حدث النّوم، فمستفاد من الأخبار، كما أنّ وجوب الغسل لغير الجنابة مستفاد من محلّ‏آخر. وكلّ مجملات القرآن إنّما يتبيّن بتفسير أهل البيت- عليهم السّلام- وهم أدرى بما نزل في البيت من غيرهم.

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ: أمرّوا الماء عليه. والمراد بالوجه، ما يواجه به. فلا يجب تخليل الشّعر الكثيف، أعني: الّذي لا يرى بشرة خلاله في التّخاطب. إذ المواجهة حينئذ إنّما يكون بالشعر لا بما تحته، كما

روي عن الباقر- عليه السّلام-: كلّما أحاط به الشّعر، فليس على العباد  أن يطلبوا  ولا أن يبحثوا عنه، ولكن يجري عليه الماء. رواه في التّهذيب .

و فيه وفي الكافي : عن أحدهما- عليهما السّلام- عن الرّجل يتوضّأ: أ يبطّن لحيته؟

قال: لا.

أمّا حدّ الوجه،

ففي من لا يحضره الفقيه والكافي والعيّاشي : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: الوجه الّذي أمر اللّه بغسله- الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم- ما دارت عليه السّبّابة والوسطى والإبهام من قصاص شعر  الرّأس إلى الذّقن، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا. فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه.

قيل: الصّدغ ليس من الوجه؟

قال: لا.

وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ: لمّا كانت اليد تطلق على ما تحت [الزّند وعلى ما تحت‏]  المرافق وعلى ما تحت المنكب، بيّن اللّه- تعالى- غاية المغسول منهما. كما تقول:

أخضب يدك إلى الزّند. وللصّيقل: صقّل سيفي إلى القبضة. فلا دلالة في الآية على‏ابتداء الغسل بالأصابع وانتهائه إلى المرافق، كما أنّه ليس في هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخضاب والتّصقيل بأصابع اليد ورفع رأس السّيف. فهي مجملة في هذا المعنى يحتاج إلى تبيين أهل البيت- عليهم السّلام-.

و المرفق- بكسر أوّله وفتح ثالثه، أو بالعكس- مجمع عظمي الذّراع والعضد. ولا دلالة في الآية على إدخاله في غسل اليد، لخروج الغاية تارة ودخولها أخرى. فهي في هذا المعنى مجملة- أيضا- يتبيّن بتفسيرهم- عليهم السّلام- والأخبار تدلّ على أنّ الابتداء في الغسل من المرفق- و«إلى» لانتهاء المغسول، لا لانتهاء الغسل. كما بيّنّا وبعضها يأتي- وليس في الأخبار ما يدلّ على إدخال المرفق وإخراجه، لكن يجب إدخال جزء من باب المقدّمة لا المغسول بالأصالة.

 [و في الكافي : محمّد بن الحسن وغيره، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن الهيثم بن عروة التّميميّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فقلت: هكذا، ومسحت من ظهر كفّي إلى المرفق؟ فقال: ليس هكذا تنزيلها، إنّما هي «فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق» ثمّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه‏] .

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ: و«الباء» مزيدة لإفادة التّبعيض، لا للتّبعيض. كما مرّ بيانه منّا سابقا، فلا ينافيه إنكار سيبويه مجيئها له في سبعة عشر موضعا من كتابه.

و الواجب فيه، ما يقع عليه اسم المسح.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إنّ المسح ببعض الرّأس وبعض الرّجلين؟ فضحك، ثمّ قال: يا زرارة، قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ونزل به الكتاب عن اللّه، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أنّ الوجه كلّه‏ينبغي أن يغسل، ثمّ قال: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ثمّ فصل بين الكلامين  فقال:

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فعرفنا حين قال: بِرُؤُسِكُمْ أنّ المسح ببعض الرّأسّ لمكان الباء، ثمّ وصل الرّجلين بالرّأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فعرفنا حين وصلها بالرّأس أنّ المسح على بعضهما، ثمّ فسّر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذلك للنّاس فضيّعوه.

و للحديث تتمّة، أخذت منه موضع الحاجة.

و

قوله- عليه السّلام-: «فعرفنا أنّ المسح ببعض الرّأس لمكان الباء»

، معناه: أنّ الفعل متعدّ إلى المفعول بنفسه، فإذا زيد الباء أفاد التّبعيض، لا أنّ الباء للتّبعيض.

وَ أَرْجُلَكُمْ: نصبه نافع وابن عامر وحفص ويعقوب، وجرّه الباقون.

فالنّصب على العطف على محلّ «رؤوسكم» كقولك: مررت بزيد وعمرو. والجرّ على العطف على لفظه .

و في كتاب التّهذيب : عن الباقر- عليه السّلام- أنّه سئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ على الخفض هي أم على النّصب؟

قال: بل هي على الخفض.

و العطف على الوجوه على تقدير النّصب، وعلى الجواز على تقدير الجرّ- كما ذهب إليه العامّة- عربيّ ردي‏ء فلا يصار إليه. والعامّة ذهبوا إلى وجوب غسل الرّجلين إذا لم يكن عليهما شي‏ء، والمسح على ما عليهما من الخفّ وغيره إذا كان عليه.

و في كتاب التّهذيب : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: جمع عمر بن الخطّاب أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وفيهم عليّ- عليه السّلام- فقال: ما تقولون في المسح على الخفّين؟

فقام المغيرة بن شعبة وقال: رأيت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يمسح على الخفّين.

فقال عليّ- عليه السّلام-: قبل المائدة أو بعد المائدة؟فقال: لا أدري.

فقال عليّ- عليه السّلام-: سبق الكتاب الخفّين، إنّما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة.

و المغيرة بن شعبة، هو أحد رؤساء المنافقين من أصحاب العقبة والسّقيفة.

و في من لا يحضره الفقيه : روت عائشة عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره.

و روي عنها

 أنّها قالت: لإن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحبّ إليّ من أن أمسح على خفّي. ولم يعرف للنّبي خفّ إلّا خفّ أهداه له النّجاشي، وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقا، فمسح النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- على رجليه وعليه خفّاه. فقال النّاس: إنّه مسح على خفّيه.

و على أنّ الحديث في ذلك غير صحيح الإسناد. (انتهى كلام الفقيه.).

و في التّهذيب : عن الباقر- عليه السّلام- أنّه سئل عن مسح الرّجلين؟

فقال: هو الّذي نزل به جبرئيل.

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه يأتي على الرّجل ستّون وسبعون سنة ما قبل منه صلاة.

فقيل: وكيف ذلك؟

قال: لأنّه يغسل ما أمر اللّه بمسحه.

و في من لا يحضره الفقيه : عن الصّادق- عليه السّلام-: إنّ الرّجل ليعبد اللّه أربعين سنة ما يطيعه في الوضوء، لأنّه يغسل ما أمر اللّه بمسحه.

و قرئ، بالرّفع. على تقدير: وأرجلكم ممسوحة .إِلَى الْكَعْبَيْنِ:

 «الكعب» عظم مائل إلى الاستدارة، واقع في ملتقى السّاق والقدم، نات عن ظهره، يدخل نتوه في طرف السّاق، كالّذي في أرجل البقر والغنم وربّما يلعب به الأطفال. وقد يعبّر عنه بالمفصل، لمجاورته له. ولمّا كانت [الرّجل‏]  تطلق  على القدم وعلى ما تحت الرّكبة وعلى ما يشمل الفخذ، بيّن اللّه- سبحانه- غاية الممسوح بعضها.

و في الكافي : عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه وصف الكعب في ظهر القدم.

و فيه : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفر- عليه السّلام- عن وضوء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فدعا بطشت أو تور فيه ماء، فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبّها على وجهه فغسل بها وجهه، ثمّ غمس كفّه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ لا يردّها إلى المرفق، ثمّ غمس كفّه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدمه ببلل كفّه لم يحدث لهما ماء جديدا، ثمّ قال: ولا يدخل أصابعه تحت الشّراك.

قال: ثمّ قال: إنّ اللّه- تعالى- يقول: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلّا غسله، وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلّا غسله، لأنّ اللّه- تعالى- يقول: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ثمّ قال: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فإذا مسح بشي‏ء من رأسه أو بشي‏ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه.

قال: فقلنا : أين الكعبان؟قال: هاهنا، يعني: المفصل، دون عظم السّاق.

قال : هذا ما هو؟

فقال: هذا من عظم السّاق، والكعب أسفل من ذلك.

فقلنا : أصلحك اللّه، فالغرفة الواحدة تجزئ للوجه وغرفة للذّراع؟ قال: نعم، إذا بالغت فيها. والثّنتان تأتيان على ذلك كلّه.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فسألوه عن مسائل، فكان فيما سألوه: أخبرنا يا محمّد، لأيّ علّة توضّأ هذه الجوارح الأربع، وهي أنظف المواضع في الجسد؟ فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا أن وسوس الشّيطان إلى آدم دنا من الشّجرة ونظر إليها فذهب ماء وجهه، ثمّ قام ومشى إليها وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة، ثمّ تناول بيده  منها ممّا عليها فأكل فطار الحليّ والحلل عن جسده، فوضع آدم يده على أمّ رأسه وبكى، فلمّا تاب اللّه عليه فرض  عليه وعلى ذرّيّته غسل هذه الجوارح الأربع. وأمره بغسل الوجه لمّا نظر إلى الشّجرة، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لمّا تناول منها، وأمره بمسح الرّاس لمّا وضع يده على أمّ رأسه، وأمره بمسح القدمين لمّا مشى بها إلى الخطيئة.

وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا:

قيل : عطف على جزاء الشّرط الأوّل، أعني: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، يعني:

إذا قمتم من النّوم إلى الصّلاة فتوضّئوا، وإن كنتم جنبا فاغتسلوا.

قال : يدلّ عليه قوله- تعالى  وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى فإنّه مندرج تحت الشّرط البتّة. فلو كان قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ معطوفا على قوله: إِذا قُمْتُمْ أو كان مستأنفا، لم‏يتناسق المتعاطفان وللزم أن لا يستفاد الارتباط بين الغسل والصّلاة من الآية، ولم يحسن لفظة «إن» بل ينبغي أن يقال: وإذا كنتم جنبا. كما هو غير خاف على من تتبّع أساليب الكلام.

و مقصوده من ذلك، أنّ وجوب الغسل للجنب ليس لنفس الجنابة بل للصّلاة.

و قال : يدلّ عليه‏

ما في الكافي : عن الباقر- عليه السّلام- عن المرأة يجامعها الرّجل فتحيض وهي في المغتسل.

قال: جاءها ما يفسد الصّلاة فلا تغتسل.

و في التّهذيب : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن غسل الجنابة؟

فقال: تبدأ فتغسل كفيك، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك، ثمّ تمضمض واستنشق، ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ليس بعده ولا قبله وضوء، وكلّ شي‏ء أمسسته الماء فقد أنقيته، ولو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده.

و في الكافي ، مقطوعا: إن لم يكن أصاب كفّه شي‏ء غمسها في الماء، ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف، ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ، ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين، فما جرى عليه الماء أجزأه.

 (انتهى كلامه.).

و فيه: أنّ الظّاهر المتناسق، عطفه على مجموع الشّرطيّة، لا على الجزاء.

و ما ذكره من اندراج قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى تحت الشّرط في محلّ المنع، إذ من المحتمل أن يكون معطوفا على مجموع الشّرطيّة أو على ما عطف عليها، إذ معنى الآية:

إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (إلخ) إن لم يمنع مانع وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا كذلك إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ومنعكم مانع المرض أو غيره فَتَيَمَّمُوا.

و ما ذكره من أنّه يلزم أن لا يستفاد الارتباط بين الغسل والصّلاة من الآية، ففيه:

أنّه إذا فهم من الآية وجوب الغسل للجنابة مطلقا فهم وجوبه للصّلاة، لا لأنّه واجب لها بخصوصها، بل لأنّ وقتها من مجمله أوقات وجوب الغسل. وإن أراد الارتباط بالمعنى‏

الأوّل. فلا ضير في عدم استفادته من الآية بل يكفي استفادة وجوب الغسل من الآية، ففي الصّلاة لو ترك الغسل ارتكب النّهي الّذي في ضمن الوجوب، والنّهي مفسد في العبادات فيبطل الصّلاة بدونه.

و ما ذكره من أنّه ينبغي أن يقال: حينئذ «و إذا كنتم» كما هو غير خاف- إلخ- ففيه: أنّه إن كان المراد إذا كنتم جنبا في مدّة العمر، أو في زمان ما، بمعنى: الفرد والمنتشر «فاطّهّروا» لكان المنبغي استعمال «إذا» دون «إذ» كونه جنبا في مدّة العمر، أو في زمان ما مقطوع به أو مظنون. وأمّا إذا كان المراد كونه جنبا في أيّ زمان معيّن من الأزمنة المعيّنة، أي: إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً في أوّل النّهار أو أوسطه أو آخره وكذلك في اللّيل، فالواجب استعمال «إن» إذ كونه جنبا في أحدها متساوي الطّرفين غير مقطوع أو مظنون بأحدهما. نعم، في بعض ما ذكر من الأخبار دلالة على ذلك، فإن لم يعارضه غيره من الأخبار فيحتمل أن تكون الآية مجملة مبيّنة بالخبر، فلا دلالة فيها على ما ذكره من طريق العطف.

و في الكافي: محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته، متى يجب الغسل على الرّجل والمرأة؟

فقال: إذا أدخله، فقد وجب الغسل والمهر والرّجم.

فإنّ قوله: «إذا أدخله» وإن لم يفد العموم مطلقا، أفاده إذا ضمّ إليه القرينة.

و هي هنا وقوعه موقع «متى» وفي جوابه. و- أيضا- ترتيب وجوب الغسل والمهر والرّجم على مجرّد الإدخال مع عدم توقّف الأخيرين على ما يجعل الأوّل متوقّفا عليه، يدلّ على وجوبه بمجرّد الإدخال.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن الرّجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟فقال: إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل. فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟

قال: نعم.

و في هذا الخبر- أيضا- دلالة على وجوب الغسل لنفسه، فيمكن أن يحمل قوله- عليه السّلام- في الخبر الأوّل: «فجاءها ما يفسد الصّلاة» على أنّ وقت وجوب الغسل هو وقت لا ينافيه شي‏ء، فإنّ وقت الوجوب على المنزل وقت تمام إنزاله، وإن صار جنبا بأوّل الإنزال فلا يغتسل حتّى يتمّ إنزاله، فكذا الجنب الّذي جاءها الحيض وقت وجوبه عليها إنّما هو وقت عدم طريان المنافي، وطريان الحيض مناف.

و يمكن أن يحمل قوله في الخبر الثّاني: «ليس بعده ولا قبله وضوء» على أنّه إن أراد الصّلاة يصلّي بالغسل، ولا يحتاج إلى الوضوء فيه بخلاف باقي الأغسال. وليس في الخبر الأخير دلالة حتى يحتاج إلى الحمل.

و في من لا يحضره الفقيه : جاء نفر من اليهود إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فسأله أعلمهم عن مسائل، فكان فيما سأله أن قال: لأيّ شي‏ء أمر اللّه- تعالى- بالاغتسال من الجنابة ولم يأمر بالغسل من الغائط والبول؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ آدم لمّا أكل من الشّجرة، دبّ ذلك في عروقه وشعره وبشره. فإذا جامع الرّجل أهله خرج الماء من كلّ عرق وشعرة في جسده، فأوجب اللّه- عزّ وجلّ- على ذرّيّته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة.

و البول يخرج من فضلة الشّراب الّذي يشربه الإنسان، والغائط يخرج  من فضلة الطّعام الّذي يأكله الإنسان، فعليه في ذلك الوضوء.

قال اليهوديّ: صدقت، يا محمّد.

وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ: قد مضى تفسيره، ولعلّ تكريره ليتّصل الكلام في بيان أنواع الطّهارة.و في من لا يحضره الفقيه ، في حديث زرارة السّابق آنفا متّصلا بآخره، ثمّ قال:

فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ فلمّا وضع الوضوء إن لم يجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحا. لأنّه قال: «بوجوهكم» ثمّ وصل بها «و أيديكم» ثمّ قال : «منه»، أي: من ذلك التّيمّم. لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه. لأنّه يعلق من ذلك الصّعيد ببعض الكفّ ولا يعلق ببعضها.

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: فرض اللّه الغسل على الوجه والذّراعين والمسح على الرّأس والقدمين، فلمّا جاء حال السّفر والمرض والضّرورة وضع اللّه الغسل وأثبت الغسل مسحا فقال: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ إلى وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ملامسة النّساء، هو الإيقاع بهنّ.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن التّيمّم؟ فتلا هذه الآية : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما وقال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ قال: فامسح على كفّيك من حيث موضع القطع. وقال : وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.

ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ: أي: ما يريد الأمر بالطّهارة للصّلاة، أو الأمر بالتّيمّم تضييقا عليكم.

وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ: من الأحداث والذّنوب. فإنّ الطّهارة كفّارة للذّنوب، كما هي رافعة للأحداث. فمفعول «يريد» في الموضعين محذوف. و«الّلام» للعلّة.و قيل : مزيدة. والمعنى: ما يريد اللّه أن يجعل عليكم من حرج حتّى لا يرخّص لكم في التّيمّم، ولكن يريد أن يطهّركم. وهو ضعيف، لأنّ «أن» لا تقدّر بعد المزيدة.

وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ: ليتمّ بشرعه ما هو مطهّر لأبدانكم ومكفّر لذنوبكم نعمته عليكم في الدّين.

قيل : أو ليتمّ برخصة إنعامه عليكم بعزائمه. وهو بعيد.

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : نعمته.

قيل : والآية مشتملة على سبعة أمور كلّها مثنى: طهارتان أصل وبدل، والأصل اثنان مستوعب وغير مستوعب، وغير المستوعب باعتبار الفعل غسل ومسح وباعتبار المحل للعدول  محدود وغير محدود، وأن آلتهما  مائع وجامد، وموجبها حدث أصغر أو أكبر، وأنّ المبيح للعدول إلى البدل مرض أو سفر، وأنّ الموعود عليهما تطهير الذّنوب وإتمام النّعمة.

وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: بالإسلام. لتذكّركم المنعم، وترغّبكم في شكره.

وَ مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ:

قيل : يعني: الميثاق الّذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على السّمع والطّاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره. أو ميثاق ليلة العقبة. أو بيعة الرّضوان.

و في مجمع البيان : عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّ المراد بالميثاق، ما بيّن لهم في حجّة الوداع من تحريم المحرّمات وكيفيّة الطّهارة وفرض الولاية وغير ذلك.و في تهذيب الأحكام ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق- عليه السّلام-: وليكن من قولك إذا التقيتم أن تقولوا: الحمد للّه الّذي أكرمنا بهذا اليوم، وجعلنا من الموفين بعهده إلينا وميثاقه الّذي واثقنا به من ولاية ولاة أمره والقوّام بقسطه.

إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا:

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: لمّا أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الميثاق عليهم بالولاية قالوا: سمعنا وأطعنا. ثمّ نقضوا ميثاقه .

وَ اتَّقُوا اللَّهَ: في إنساء نعمته، ونقض ميثاقه.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ : بخفيّاتها. فيجازيكم عليها، فضلا عن جليّات أعمالكم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ: قد مرّ تفسيره.

وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا:

عدّاه «بعلى» لتضمّنه معنى الحمل، والمعنى: لا يحملنّكم شدّة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحلّ كمثله وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد، تشفيّا ممّا في قلوبكم.

اعْدِلُوا: في الأولياء والأعداء.

هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى: أي: العدل أقرب إلى التّقوى. صرّح لهم الأمر بالعدل وبيّن أنّه بمكان من التّقوى، بعد ما نهاهم عن الجور وبيّن أنّه مقتضى الهوى. وإذا كان هنا العدل مع الكفّار، فما ظنّك من العدل بالمؤمنين؟! وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ : فيجازيكم به.

قيل : وتكرير هذا الحكم، إمّا لاختلاف السّبب، كما قيل: إنّ الأولى نزلت‏في المشركين وهذه في اليهود. أو لمزيد الاهتمام بالعدل، و[المبالغة في‏]  إطفاء ثائرة  الغيظ.

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ :

قيل : إنّما حذف ثاني مفعول وعد، استغناء بقوله: «لهم مغفرة» فإنّه استئناف يبيّنه.

و قيل : الجملة في موقع المفعول . فإنّ الوعد ضرب من القول. فكأنّه قال:

وعدهم هذا القول.

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ : قابل الوعد بالوعيد، وفاء بحقّ الدّعوة. وفيه مزيد وعد للمؤمنين وتطييب لقلوبهم، وزيادة عقوبة للكافرين وتحسير لهم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ: بالقتل والإهلاك.

يقال: بسط إليه يده، إذا بطش به. وبسط إليه لسانه، إذا شتمه.

فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ: منعها أن تمدّ إليكم، وردّ مضرتّها عنكم.

وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ : فإنّه الكافي لإيصال الخير، ودفع الشّرّ.

قيل : إنّ المشركين رأوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأصحابه بعسفان قاموا إلى الظّهر معا، فلمّا صلّوا ندموا ألّا [كانوا]  أكبّوا عليهم وهمّوا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إلى العصر، فردّ اللّه [عليهم‏]  كيدهم بأن أنزل [عليهم‏]  صلاة الخوف. والآية، إشارةإلى ذلك.

و قيل : هو إشارة إلى ما روي أنّه- عليه السّلام- أتى قريظة ومعه عليّ- عليه السّلام- وأبو بكر وعمر وعثمان يستقرضهم لدية مسلمين، [أي: يطلب منهم الدّية] . قتلهما عمرو بن أميّة الضّمريّ يحسبهما مشركين، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، اجلس حتّى نطعمك ونقرضك. فأجلسوه وهمّوا بقتله، فعهد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه، فأمسك اللّه يده، فنزل جبرئيل- عليه السّلام- فأخبره فخرج.

و قيل: نزل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- منزلا وعلّق سلاحه بشجرة وتفرّق النّاس عنه، فجاء أعرابيّ فسل سيفه، فقال: من يمنعك؟

فقال: اللّه. فأسقطه جبرئيل- عليه السّلام- من يده، فأخذه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: من يمنعك منّي؟

فقال: لا أحد، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه. فنزلت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يعني: أهل مكّة من قبل فتحها، فكفّ أيديهم بالصّلح يوم الحديبية.

وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً:

شاهدا من كلّ سبط، ينقّب عن أحوال قومه، ويفتّش عنها. أو كفيلا، يكفل عليهم بالوفاء بما أمروا به.

قيل : إنّ بني إسرائيل لمّا فرغوا من فرعون واستقرّوا بمصر، أمرهم اللّه بالمسير إلى أريحا من أرض الشّام، وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيّون، وقال: إنّي كتبتها لكم دارا وقرارا، فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها، فإنّي ناصركم. وأمر موسى أن يأخذ من كلّ سبط كفيلا عليهم بالوفاء بما أمروا به، فأخذ عليهم الميثاق واختار منهم النّقباء وسار بهم، فلمّا دنا من أرض كنعان بعث النّقباء يتجسّسون الأخبار ونهاهم أن يحدّثوا قومهم،فرأوا أجراما عظيمة وبأسا شديدا فهابوا، فرجعوا وحدّثوا قومهم [فنكثوا الميثاق‏]  إلّا كالب بن يوفنا  من سبط يهوذا، ويوشع بن نون من سبط إفرائيم بن يوسف .

وَ قالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ بالنّصرة.

لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ، أي:

نصرتموهم وقوّيتموهم. وأصله، الذّبّ. ومنه: التّعزير.

وَ أَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً: بالإنفاق في سبيل الخير.

و «قرضا» يحتمل المصدر، والمفعول.

لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ: جواب للقسم، المدلول عليه بالّلام في «لئن»، سادّ مسدّ جواب الشّرط.

وَ لَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ، بعد ذلك الشّرط المؤكّد، المعلّق به الوعد العظيم.

مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ : ضلالا لا شبهة فيه ولا عذر معه، بخلاف من كفر قبل ذلك، إذ قد يمكن أن يكون لهم شبهة ويتوهّم له معذرة.

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ:

في تفسير عليّ بن إبراهيم : يعني: نقض عهد أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

لَعَنَّاهُمْ: طردناهم من رحمتنا. أو مسخناهم. أو ضربنا عليهم الجزية.

وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً: لا تنفعل عن الآيات والنّذر.

و قرأ حمزة والكسائيّ: «قسيّة» وهي إمّا مبالغة قاسية. أو بمعنى: رديئة. من قولهم: درهم قسيّ، إذا كان مغشوشا. وهو- أيضا- من القسوة، فإنّ المغشوش فيه يبس وصلابة .

و قرئ: «قسية» باتّباع القاف السّين .يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ: استئناف لبيان قسوة قلوبهم، فإنّه لا قسوة أشدّ من تغيير كلام اللّه- تعالى- والافتراء عليه. ويجوز أن يكون حالا من مفعول «لعنّاهم» لا من «القلوب» إذ لا ضمير له فيه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: من نحّى أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن موضعه. والدّليل على  أنّ الكلمة أمير المؤمنين- عليه السّلام- قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ، يعني به: الولاية.

وَ نَسُوا حَظًّا: وتركوا نصيبا وافيا.

مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ: من التّوراة. أو من اتّباع محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- والمعنى: أنّهم حرّفوا التّوراة وتركوا حظّهم ممّا أنزل عليهم، فلم ينالوه.

و قيس : معناه: أنّهم حرّفوها، فزلّت  بشؤمه أشياء منها عن حفظهم، لما روي أنّ ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية. وتلا هذه الآية.

وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ: خيانة. أو فرقة خائنة. أو خائن منهم.

و «التّاء» للمبالغة، والمعنى: أنّ الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم، لا تزال ترى ذلك منهم.

إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ: لم يخونوا. وهم الّذين آمنوا منهم.

و قيل : استثناء من قوله: «و جعلنا قلوبهم قاسية».

فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ: قيل : إن تابوا وآمنوا. أو إن عاهدوا والتزموا الجزية.

في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: منسوخة بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ : تعليل للأمر بالصّفح، وحثّ عليه، وتنبيه‏على أنّ العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره.

وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ: أي: وأخذنا من النّصارى ميثاقهم، كما أخذنا ممّن قبلهم.

و قيل : تقديره: ومن الّذين قالوا إنّا نصارى قوم أخذنا. وإنّما قالوا: إنّا نصارى، ليدلّ على أنّهم سمّوا أنفسهم بذلك ادّعاء لنصرة اللّه.

فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ: بالأفعال.

وَ الْبَغْضاءَ: بالقلوب.

إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ: فألزمنا. من غرى الشّي‏ء: إذا لصق به. بين فرق النّصارى وهم نسطوريّة ويعقوبيّة وملكائية. أو بينهم وبين اليهود.

وَ سَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ : بالجزاء والعقاب.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ ، عن عليّ بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن الحسين بن خالد، عمّن ذكره، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لا تشتر من السّودان أحدا، فإن كان لا بدّ فمن النّوبة، فإنّهم من الّذين قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ أما إنّهم سيتذكّرون ذلك الحظّ، وسيخرج مع القائم- عليه السّلام- منّا عصابة منهم. ولا تنكحوا من الأكراد أحدا، فإنّهم جنس من الجنّ كشف عنهم الغطاء.

يا أَهْلَ الْكِتابِ: يعني: اليهود والنّصارى. ووحّد الكتاب، لأنّه للجنس.

قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ‏: كنعت محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وآية الرّجم في التّوراة، وبشارة عيسى بأحمد في الإنجيل.

وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ: ممّا تخفونه، لا يخبر به إذا لم يضطرّ إليه أمر دينيّ. أو عن كثير منكم، فلا يؤاخذه بجرمه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: يبيّن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كثيرا ممّا أخفيتموه ممّا في التّوراة من إخباره ويدع كثيرا لا يبيّنه.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام- عند تفسير يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ  من هذه السّورة: أنّ امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم وهما محصنان، فكرهوا رجمهما، فأرسلوا إلى يهود المدينة وكتبوا إليهم أن يسألوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عن ذلك طمعا في أن يأتي لهم برخصة، فانطلق قوم، منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وشعبة بن عمرو ومالك بن الضّيف وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فقالوا! يا محمّد، أخبرنا عن الزّاني والزّانية إذا أحصنا ما حدّهما؟

فقال: وهل ترضون بقضائي في ذلك؟

قالوا: نعم. فنزل جبرئيل- عليه السّلام- بالرّجم فأخبرهم بذلك، فأبوا أن يأخذوا به.

فقال جبرئيل- عليه السّلام-: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا. ووصفه له.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: هل تعرفون شابّا أمرد أبيض أعور يسكن فدك، يقال له: ابن صوريا؟

قالوا: نعم.

قال: فأيّ رجل هو فيكم؟

قالوا: هو أعلم يهوديّ بقي على ظهر الأرض بما أنزل اللّه على موسى- عليه السّلام-.

قال: فأرسلوا إليه. ففعلوا، فأتاهم عبد اللّه بن صوريا.

فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّي أنشدك اللّه الّذي لا إله إلّا هو، الّذي أنزل التّوراة على موسى وفلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون وظلّل عليكم الغمام وأنزل عليكم المنّ والسّلوى، هل تجدون في كتابكم الرّجم على من أحصن؟

قال ابن صوريا: نعم، والّذي ذكّرتني به لو لا خشية أن يحرقني ربّ التّوراة إن كذبت أو غيّرت ما اعترفت لك، ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمّد؟

قال: إذا شهد أربعة رهط عدول أنّه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة، وجب عليه الرّجم. فقال ابن صوريا: هكذا نزل في التّوراة على موسى.

فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: فما ذا كان أوّل ما ترخّصتم به أمر اللّه؟

قال: كنّا إذا زنا الشّريف تركناه وإذا أخذنا الضّعيف  أقمنا عليه الحدّ، فكثر الزّنا في أشرافنا حتّى زنا ابن عمّ ملك لنا فلم نرجمه، ثمّ زنا رجل آخر فأراد الملك رجمه.

فقال له قومه: لا، حتّى ترجم فلانا، يعنون: ابن عمّه. فقلنا: تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرّجم يكون على الشّريف والوضيع. فوضعنا الجلد والتّحميم. وهو أن يجلد أربعين جلدة ثمّ يسوّد وجوههما ثمّ يحملان على حمارين ويجعل وجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما. فجعلوا هذا مكان الرّجم.

فقالت اليهود لابن صوريا: ما أسرع ما أخبرته به! وما كنت  لما أثنينا عليك بأهل ولكنّك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك.

فقال: إنّه أنشدني بالتّوراة، ولو لا ذلك ما أخبرته به.

فأمر بهما النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فرجما عند باب مسجده، وقال: أنا أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأنزل اللّه- سبحانه- فيه: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ فقام ابن صوريا فوضع يده على ركبتي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ قال: هذا مقام العائذ باللّه وبك أن تذكرلنا الكثير الّذي أمرت أن تعفو عنه. فأعرض النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عن ذلك.

قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ :

قيل : النّور، محمّد. والكتاب، القرآن.

و قيل : كلاهما من القرآن. وأيّد بتوحيد الضّمير في «به».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: يعني: بالنّور أمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام-.

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ: توحيد الضّمير إمّا لأنّ المراد بهما واحد، أو لأنّهما في الحكم كواحد.

مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ: [من اتّبع موجب رضاه. وهو الإيمان‏] .

سُبُلَ السَّلامِ: طرق السّلامة من العذاب. أو سبل اللّه.

وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ: من أنواع الكفر إلى الإسلام.

بِإِذْنِهِ: بإرادته وتوفيقه.

وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : طريق هو أقرب الطّرق إلى اللّه.

و إلى جنّته.

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ:

قيل : هم الّذين قالوا بالاتّحاد منهم.

و قيل : لم يصرّح به أحد منهم، ولكن لمّا زعموا أنّ فيه لاهوتا وقالوا: لا إله إلّا واحد، لزمهم أن يكون هو المسيح، فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم.

قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً: فمن يمنع من قدرته وإرادته شيئا.

إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً:استدلّ به على فساد قولهم.

و تقريره: أنّ المسيح مقدور ومقهور قابل للفناء كسائر الممكنات، ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهيّة.

وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : إزاحة لما عرض لهم في أمره من الشّبهة. والمعنى: أنّه- تعالى- قادر على الإطلاق يخلق من غير أصل كما خلق السّماوات والأرض، ومن أصل كخلق ما بينهما. فينشئ من أصل ليس من جنسه كآدم وحوّاء وكثير من الحيوان. أو من أصل يجانسه من أنثى وحدها كعيسى. أو منهما كسائر النّاس.

وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ:

قيل : أشياع ابنيه: عزير والمسيح. كما قيل لأشياع [خبيب عبد اللّه‏]  بن الزّبير: الخبيبون. أو المقربون عنده، قرب الأولاد من الآباء .

قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ: في الدّنيا، بالقتل والمسخ والأسر. واعترفتم أنّه سيعذّبكم بالنّار «أيّاماً معدودة» فلا يصحّ ما زعمتم.

بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ: ممّن خلقه اللّه.

يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ: منكم. وهو من آمن به وبرسله.

وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ: وهو من كفر.

و المعنى: أنّه يعاملكم معاملة سائر النّاس، لا مزيّة لكم عليهم.

وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما: كلّها، سواء في كونه خلقا وملكا.

وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ : فيجازي المحسن بإحسانه، والمسي‏ء بإساءته.

يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ:

قيل : أي: الدّين، وحذف لظهوره. أو ما كتمتم، وحذف لتقدّم ذكره.و قيل: ما يحتاج إلى البيان، وهو أولى. ويجوز أن لا يقدّر مفعول، على معنى:

يبذل لكم البيان. والجملة في موضع الحال، أي: جاءكم رسولنا مبيّنا لكم.

عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ: متعلّق «بجاءكم»، أي: جاءكم على حين فتور من الإرسال وانقطاع من الوحي.

قيل : أو يبيّن حال من الضّمير فيه .

قال الصّدوق- رحمه اللّه- في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : معنى الفترة:

أن لا يكون نبيّ ولا وصيّ ظاهر مشهور، وقد كان بين نبيّنا وبين عيسى- عليهما السّلام- أنبياء وأئمّة مستورون خائفون، منهم خالد بن سنان العبسي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر، وكان بين مبعثه ومبعث نبيّنا خمسون سنة. (انتهى كلامه).

و تصديق ذلك،

قول أمير المؤمنين- عليه السّلام- : لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة، إمّا ظاهر مشهور وإمّا خائف مغمور.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وأحمد بن محمّد الكوفيّ، عن علي بن عمرو بن أيمن جميعا، عن محسن بن أحمد بن معاذ، عن أبان بن عثمان، عن بشير النّبّال، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالسا، إذ جاءته امرأة، فرحّب بها وأخذ بيدها وأقعدها، ثمّ قال: ابنة نبيّ ضيّعه قومه، خالد بن سنان دعاهم فأبوا أن يؤمنوا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال: حدّثنا محمّد بن الوليد الخزّاز والسّنديّ بن محمّد البزّاز جميعا، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن‏

 بشير النّبّال، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد اللّه الصّادق- عليهما السّلام- قال: جاءت ابنة خالد بن سنان العبسي إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال لها: مرحبا بابنة أخي . وصافحها وأدناها وبسط لها رداءه، ثمّ أجلسها عليه إلى جنبه، ثمّ قال: هذه ابنة نبيّ ضيّعه قومه، خالد بن سنان [العبسيّ.]  وكان اسمها محياة ابنة خالد بن سنان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي الرّبيع قال: سأل نافع الأزرق أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- فقال: أخبرني كم بين عيسى ومحمّد من سنة؟

فقال: أخبرك بقولك أم بقولي ؟

قال: أخبرني بالقولين جميعا.

قال: أمّا بقولي  فخمسمائة [سنة،]  وأمّا بقولك  فستّمائة [سنة.]  والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

 [و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثّماليّ، وأبو منصور عن أبي الرّبيع، مثله.

 

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة - أيضا- بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ [، عمّن حدّثه.] ، عن إسماعيل بن أبي رافع [، عن أبيه أبي رافع‏] ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بعد أن ذكر عيسى ثمّ يحيى ثمّ العزير ثمّ دانيال- عليهم السّلام-و ملوك زمانهم: فلمّا أراد اللّه أن يقبض دانيال أمره أن يستودع  نور اللّه وحكمته مكيخابن دانيال ففعل، وعند ذلك ملك هرمز ثلاثة وستّين سنة وثلاثة أشهر وأربعة أيّام، وملك بعده بهرم [بن بهرام  ستّا وعشرين سنة، وولي أمر اللّه مكيخابن دانيال وأصحابه المؤمنون وشيعته الصّدّيقون غير أنّهم لا يستطيعون أن يظهروا الإيمان في ذلك الزّمان ولا أن ينطقوا به، وعند ذلك ملك بهرام بن بهرام سبع سنين وفي زمانه انقطعت الرّسل وكانت الفترة، وولي أمر اللّه يومئذ مكيخابن دانيال وأصحابه المؤمنون، فلمّا أراد اللّه- عزّ وجلّ- أن يقبضه أوحى إليه في منامه: أن يستودع  نور اللّه وحكمته ابنه أنشوا بن مكيخا، وكانت الفترة بين عيسى ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أربعمائة سنة وثمانين سنة، وأولياء اللّه في الأرض ذرّيّة أنشوا بن مكيخا يرث ذلك منهم واحد بعد واحد. ممّن يختاره الجبّار- عزّ وجلّ-.

و بإسناده إلى مقاتل بن سليمان بن دوال دوز ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديثا طويلا، وفي آخره يقول- صلّى اللّه عليه وآله-: وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمّون الصّفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا، وأوصى يحيى بن زكريّا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة. ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ودفعها بردة إلي . وأنا أدفعها إليك يا عليّ.

و في كتاب التّوحيد ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع أصحاب الملل والمقالات، قال الرّضا- عليه السّلام- لرأس الجالوت: وقد قال داود في زبوره وأنت‏تقرأه : اللّهمّ ابعث مقيم السّنة بعد الفترة. فهل تعرف نبيّا أقام السّنّة بعد الفترة غير محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك: عيسى، وأيّامه هي الفترة.

قال الرّضا- عليه السّلام-: جهلت أنّ عيسى لم يخالف السّنّة، وقد كان موافقا لسنّة التّوراة حتّى رفعه اللّه إليه. وفي الإنجيل مكتوب: إنّ ابن البرّة ذاهب والفار قليطا جاء من بعده، وهو الّذي يخفّف الآصار ويفسّر لكم كلّ شي‏ء ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتّأويل. أ تؤمن بهذا في الإنجيل؟ قال:

نعم، لا أنكره.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته، هل سئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن الأطفال؟

فقال: قد سئل، فقال: اللّه أعلم بما كانوا عاملين. ثمّ قال: يا زرارة، وهل تدري قوله: «اللّه أعلم بما كانوا عاملين»؟

قلت : لا.

قال: للّه فيهم المشيئة، إنّه إذا كان يوم القيامة جمع اللّه- عزّ وجلّ- الأطفال والّذي مات من النّاس في الفترة والشّيخ الكبير الّذي أدرك النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وهو لا يعقل والأصمّ والأبكم الّذي لا يعقل والمجنون والأبله الّذي لا يعقل وكلّ واحد منهم يحتج على اللّه- عزّ وجلّ- فيبعث اللّه إليهم ملكا من الملائكة فيؤجّج لهم نارا، ثمّ يبعث اللّه إليهم ملكا فيقول لهم: إنّ ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها. فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما وأدخل الجنّة، ومن تخلّف عنها دخل النّار.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد اللّه‏

 - عليه السّلام- أنّه سئل عمّن مات في الفترة وعمّن لم يدرك الحنث والمعتوه؟

فقال: يحتجّ اللّه عليهم، يرفع لهم نارا فيقول لهم: ادخلوها. فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن أبى قال: ها أنتم قد أمرتكم، فعصيتموني.

و بهذا الإسناد قال : ثلاثة يحتجّون عليهم: الأبكم والطّفل ومن مات في الفترة، فترفع  لهم نار  فيقال لهم: ادخلوها. فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن أبى قال اللّه- تبارك وتعالى-: هذا قد أمرتكم فعصيتموني‏] .

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: رنّ إبليس أربع رنّات: أوّلهنّ يوم لعن، وحين أهبط إلى الأرض، وحين بعث محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- على حين فترة من الرسل.

 (الحديث).

أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ: كراهة أن تقولوا ذلك، وتعتذروا به.

فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ: متعلّق بمحذوف، أي: فلا تعتذروا فقد جاءكم.

وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ :

قيل : فيقدر على الإرسال تترى كما فعل بين موسى وعيسى- عليهما السّلام- إذ كان بينهما ألف وسبعمائة سنة وألف نبيّ، وعلى الإرسال على فترة كما فعل بين عيسى ومحمّد- عليهما السّلام- إذ كان بينهما ستّمائة أو خمسمائة وتسع وستّون سنة وأربعة أنبياء، ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسي.

و في الآية امتنان عليهم، بأن بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي وكانوا أحوج ما يكونون إليه.

و قد سبق في الخبر: أنّ بين عيسى ونبيّنا خمسمائة سنة.

و انطماس آثار الوحي، بمعنى: عدم ظهوره للنّاس، وكون النّبيّ خافيا مقهورا. [و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل يذكر فيه أحوال يوم القيامة، وفيه فيقام الرّسل، فيسألون عن تأدية الرّسالات  الّتي حملوها إلى أممهم [فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم‏]  وتسأل الأمم فتجحد  كما قال : فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فيقولون: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ  فتشهد الرّسل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيشهد بصدق الرّسل وتكذيب من جحدها من الأمم، فيقول لكل أمّة منهم: بلى فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ، أي: مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرّسل إليكم رسالاتهم. وكذلك قال اللّه لنبيّه: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً. فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم اللّه على أفواههم وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون‏] .

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ: فأرشدكم وشرفكم بهم. ولم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء.

وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً، أي: جعل منكم، أو فيكم. وقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء بعد فرعون حتّى قتلوا يحيى، وهمّوا بقتل عيسى.

و قيل : لمّا كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم وجعلهم مالكين لأنفسهم وأمورهم، سمّاهم ملوكا.

وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ : من فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المنّ والسّلوى، ونحوها ممّا أتاهم.و قيل : المراد بالعالمين، عالمي زمانهم.