سورة النّساء الآية 1-20

في كتاب ثواب الأعمال : بإسناده عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة النّساء في كلّ جمعة، أمن من ضغطة القبر.

و في مصباح الكفعميّ : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأها فكأنّما تصدّق على كلّ من ورث ميراثا، وأعطي من الأجر كمن اشترى محرّرا، وبرئ  من الشّرك، وكان  في مشيئة اللّه من الذين يتجاوز عنهم.

يا أَيُّهَا النَّاسُ: خطاب يعمّ بني آدم.

اتَّقُوا رَبَّكُمُ:

في كتاب المناقب - لابن شهر آشوب-: أبو حمزة، عن جعفر- عليه السّلام- في هذه  الآية قال: قرابة الرّسول وسيّدهم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أمروا بمودّتهم، فخالفوا ما أمروا به.

الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ: هي آدم- عليه السّلام-.

وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها: عطف على خلقكم، أي: خلقكم من شخص واحد وخلق منها أمّكم حوّاء من فضل طينتها. أو على محذوف، تقديره: من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها.

في كتاب علل الشّرائع : بإسناده إلى زرارة- حديث طويل- قال: ثمّ سئل‏- عليه السّلام- عن خلق حوّاء وقيل له: إنّ أناسا عندنا يقولون: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق حوّاء من ضلع آدم الأيسر الأقصى.

قال: سبحان اللّه وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا، يقول  من يقول هذا، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته  من غير ضلعه، وجعل للمتكلّم من أهل التّشنيع سبيلا إلى الكلام، يقول: إنّ آدم كان ينكح بعضه بعضا، إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم اللّه بيننا وبينهم.

ثمّ قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لمّا خلق آدم من طين، أمر الملائكة فسجدوا له ، وألقى عليه السّبات ، ثمّ ابتدع له حوّاء. فجعلها  في موضع النّقرة الّتي بين وركيه، وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرّجل، فأقبلت تتحرّك فانتبه لتحرّكها، فلمّا انتبه نوديت: أن تنحّي عنه. فلمّا نظر إليها، نظر إلى خلق حسن يشبه  صورته غير أنّه  أنثى، فكلّمها فكلّمته بلغته.

فقال لها: من أنت؟

فقالت: خلق، خلقني اللّه كما ترى.

فقال آدم عند ذلك: يا ربّ، من هذا الخلق الحسن، الّذي قد آنسني قربه والنّظر إليه؟

فقال اللّه: يا آدم، هذه أمتي حوّاء، أ فتحبّ  أن تكون معك فتؤنسك وتحدّثك وتأتمر لأمرك؟

فقال: نعم يا ربّ، ولك عليّ بذلك الشّكر والحمد ما بقيت.

فقال اللّه- تبارك وتعالى-: فاخطبها إليّ، فإنّها أمتي، وقد تصلح لك - أيضا- زوجة  للشهوة، وألقى اللّه عليه الشّهوة، وقد علّمه قبل ذلك المعرفة بكلّ شي .فقال: يا ربّ، فإنّي أخطبها إليك، فما رضاك لذلك؟

فقال: رضائي، أن تعلّمها معالم ديني.

فقال: ذلك لك يا ربّ إن شئت  ذلك لي.

فقال: قد شئت ذلك، وقد زوّجتكها، فضمّها إليك.

فقال لها آدم- عليه السّلام-: إليّ فأقبلي .

فقالت: بل أنت فأقبل إليّ. فأمر اللّه- عزّ وجلّ- آدم أن يقوم إليها، فقام، ولو لا ذلك لكان  النّساء [هنّ‏]  يذهبن [إلى الرّجال‏]  حتّى يخطبن  على أنفسهن. فهذه قصّة حوّاء- صلوات اللّه عليها-.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: خلقت حوّاء من قصيرى جنب آدم. والقصيرى هو الضّلع الأصغر، وأبدل اللّه مكانه لحما.

و قيل في الجمع بين الخبرين : كونها مخلوقة من ضلعه الأيسر، إشارة إلى أنّ الجهة الجسمانيّة [الحيوانيّة]  في النّساء أقوى منها في الرّجال، والجهة الرّوحانيّة الملكيّة بالعكس من ذلك. وذلك لأن اليمين ممّا يكنّى به عن عالم الملكوت الرّوحانيّ، والشّمال ممّا يكنّى به عن عالم الملك الجسمانيّ، فالطّين عبارة عن مادّة الجسم، واليمين عبارة عن مادّة الرّوح، ولا ملك إلّا بملكوت. وهذا هو المعنى‏

بقوله- عليه السّلام-: وكلتا يديه يمين.

فالضّلع الأيسر المنقوص من آدم، كناية عن نقص الشّهوات، الّتي تنشّأ من غلبة الجسميّة، الّتي هي من عالم الخلق، وهي فضلة  طينته المستنبطة من باطنه الّتي صارت مادّة لخلق حوّاء. فنبّه في الحديث، على أنّ جهة الملكوت والأمر في الرّجال أقوى من جهة الملك والخلق، وبالعكس منهما في النّساء فإنّ الظّاهر عنوان الباطن. وهذا هو السّرّ في هذا النقص في أبدان الرّجال بالإضافة إلى النّساء، وأسرار اللّه لا ينالها إلّا أهل السّرّ،فالتّكذيب في كلام المعصومين- صلوات اللّه عليهم- إنّما يرجع إلى ما فهمه العامّة من حمله على الظّاهر، دون أصل الحديث.

وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً: بيان لكيفيّة تولّدهم منهما، والمعنى: ونشر من تلك النّفس والرّوح المخلوق منهما، بنين وبنات كثيرة. واكتفى بوصف  الرّجال بالكثرة عن وصف النّساء بها، لكونهم أصلا بالنّسبة إليهنّ، وتوصيفهم يدلّ على توصيفهنّ.

و ذكر «كثيرا» حملا على الجمع، وترتيب الأمر بالتّقوى على هذه القصّة، لما فيها من الدّلالة على القدرة القاهرة الّتي من حقّها أن تخشى، والنّعمة الباهرة الّتي توجب طاعة مولاها. أو لأنّ المراد به، تمهيد الأمر بالتّقوى فيما يتّصل بحقوق أهل منزله وبني جنسه، على ما دلّت عليه الآيات الّتي بعدها.

و قرئ: «و خالق وباثّ» على حذف مبتدأ، تقديره: وهو خالق وباثّ .

و في كتاب العلل : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن بدء النّسل من ذرّيّة آدم- عليه السّلام-، وقيل له: إنّ عندنا أناسا يقولون: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أوحى إلى آدم أن يزوّج بناته من بنيه، وإنّ هذا الخلق أصله كلّه من الإخوة والأخوات.

فقال- عليه السّلام- سبحان اللّه، وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا، يقول من يقول هذا، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- جعل أصل صفوة خلقه وأحبّائه وأنبيائه ورسله [و حججه‏]  والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطّهر الطّاهر الطّيّب، واللّه لقد نبّئت : أنّ بعض البهائم تنكّرت له أخته، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها، وعلم أنّها أخته، أخرج غرموله، ثمّ قبض عليه بأسنانه، ثمّ قلعه، ثمّ خرّ ميّتا.

و أمّا

ما رواه فيه : بإسناده إلى الحسن بن مقاتل، عمّن سمع زرارة يقول: سئل‏

   

أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن بدء النّسل من آدم كيف كان؟ وعن بدء النّسل من ذرّيّة آدم، وذكر الحديث، وفيه زيادة وهي قوله: وآخر تنكرت له أمّه ففعل هذا بعينه، فكيف الإنسان وفي نسبه  وفضله [و علمه؟]  غير أنّ جيلا من هذا الخلق الّذي ترون، رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه، فصاروا إلى ما قد ترون من الضّلال والجهل بالعلم كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق اللّه ما خلق، وما هو كائن أبدا.

ثمّ قال: ويح هؤلاء، أين هم عمّالا يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز ولا فقهاء أهل العراق؟ إنّ  اللّه أمر القلم، فجرى على اللّوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل [خلق‏]  آدم بألفي عام، وإنّ كتب اللّه كلّها فيما جرى [فيه‏]  القلم في كلّها تحريم الأخوات على الإخوة مع ما حرّم، وهذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم: التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان، أنزلها اللّه عن اللّوح المحفوظ على رسله- صلوات اللّه عليهم أجمعين- منها التّوراة على موسى، والزّبور على داود، والإنجيل على عيسى، والفرقان  على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- وعلى النّبيّين- عليهم السّلام- ليس فيها تحليل شي‏ء من ذلك، حقّا أقول، ما أراد من يقول هذا وشبهه إلّا تقوية حجج المجوس، فما لهم قاتلهم اللّه.

 [ثم أنشا يحدثّنا كيف كان بدء النّسل من آدم، وكيف كان بدء النّسل من ذريته،]  فقال : إنّ آدم- صلوات اللّه عليه- ولد له سبعون بطنا، في كلّ بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل، فلمّا قتل [قابيل‏]  هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن إتيان النّساء، فبقي لا يستطيع أن يغشى حوّاء خمسمائة عام، ثمّ تجلّى  ما به من الجزع‏عليه، فغشى حوّاء، فوهب اللّه شيئا  وحده ليس معه ثان، واسم شيث هبة اللّه، وهو أوّل وصيّ  أوصي إليه من الآدميّين في الأرض، ثمّ ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان.

فلمّا أدركا، وأراد اللّه- عزّ وجلّ- أن يبلغ بالنّسل ما ترون، وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرّم اللّه- عزّ وجلّ- من الأخوات على الإخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنّة، اسمها نزلة، فأمر اللّه- عزّ وجلّ- آدم أن يزوّجها من شيث فزّوجها منه، ثمّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة، اسمها منزلة، فأمر اللّه- عزّ وجلّ- آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه.

فولد لشيث غلام، وولد ليافث جارية، فأمر اللّه- عزّ وجلّ- آدم حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث، ففعل، فولد الصّفوة من النّبيّين والمرسلين من نسلهما، ومعاذ اللّه أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الإخوة والأخوات.

 [و فيه : بإسناده الى القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أنزل حوراء من الجنّة إلى آدم- عليه السّلام- فزوّجها أحد ابنيه وتزوّج الآخر إلى الجنّ، فولدتا جميعا، فما كان من النّاس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجانّ. وأنكر أن يكون زوّج بنيه، من بناته.

و فيه : بإسناده إلى عبد اللّه بن يزيد بن سلام أنّه سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أخبرني عن آدم خلق من حوّاء، أم خلقت حوّاء من آدم؟

قال: بل حوّاء خلقت من آدم، ولو كان آدم خلق من حوّاء لكان الطّلاق بيد النّساء ولم يكن بيد الرّجال.

قال: فمن كلّه خلقت، أو من بعضه؟

قال: بل من بعضه، ولو خلقت من كلّه لجاز القصاص في النّساء كما يجوز في الرّجال.

قال: فمن ظاهره، أو من باطنه؟

قال: بل من باطنه، ولو خلقت من ظاهره لانكشف  النّساء كما ينكشف‏الرّجال، فلذلك صار النّساء مستترات.

قال: فمن يمينه، أو من شماله؟

قال: بل من شماله، ولو خلقت من يمينه لكان للأنثى مثل حظّ الذّكر من الميراث، فلذلك صار للأنثى سهم وللذّكر سهمان، وشهادة امرأتين مثل شهادة رجل واحد.

قال: فمن أين خلقت؟

قال: من الطّينة الّتي فضلت من ضلعه الأيسر.

قال: صدقت يا محمّد.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده إلى الحسن بن محمّد ، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: خلق اللّه- عزّ وجلّ- آدم من طين، ومن فضلته وبقيّته خلقت حوّاء.

و في كتاب الاحتجاج  للطبّرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي حمزة الثّماليّ قال:

 

سمعت عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يحدّث رجلا من قريش قال: لمّا تاب اللّه على آدم واقع حوّاء، ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلّا في الأرض، وذلك بعد ما تاب اللّه عليه.

قال: وكان آدم يعظّم البيت وما حوله من حرمة البيت، فكان إذا  أراد أن يغشي حوّاء خرج من الحرم وأخرجها معه، فإذا جاز الحرم غشيها في الحلّ، ثمّ يغتسلان إعظاما منه للحرم، ثمّ يرجع إلى فناء البيت.

 [قال:]  فولد لآدم من حوّاء عشرون [ذكرا]  وعشرون أنثى [، فولد له في كلّ بطن ذكر وأنثى. فأوّل بطن‏]  ولدت حوّاء هابيل ومعه جارية [يقال لها:]  إقليما.قال: وولدت في البطن الثّاني قابيل ومعه جارية يقال لها: لوزا، وكانت لوزا أجمل بنات آدم.

 [قال:]  فلمّا أدركوا خاف عليهم آدم من الفتنة، فدعاهم إليه فقال: [أريد]  أن أنكحك يا هابيل لوزا، وأنكحك يا قابيل إقليما.

قال قابيل: ما أرضى بهذا، أ تنكحني أخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل أختي الجميلة؟

قال: فأنا  أقرع بينكما، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا وخرج سهمك يا هابيل على إقليما، زوّجت كلّ واحد منكما الّتي يخرج  سهمه عليها.

قال: فرضينا بذلك، فاقترعا.

قال: فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل، وخرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل.

قال: فزوّجهما على ما خرج لهما من عند اللّه، قال: ثمّ حرّم اللّه نكاح الأخوات بعد ذلك.

قال: فقال له القرشيّ: فأولداهما؟

قال: نعم.

فقال له القرشيّ: فهذا فعل المجوس اليوم.

قال: فقال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: إنّ المجوس إنّما فعلوا [ذلك‏]  بعد التّحريم من اللّه، ثمّ قال له عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: لا تنكر هذا، إنّما هي شرائع جرت، أليس اللّه قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلّها له؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثمّ أنزل اللّه التّحريم بعد ذلك.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن المفضّل ، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- أنّه قال: فلمّا أكل [آدم‏]  من الشّجرة أهبط  إلى الأرض، فولد له هابيل وأخته توأما  وولد له قابيل وأخته‏توأما ، ثمّ أنّ آدم أمر هابيل وقابيل أن يقرّبا قربانا- وكان هابيل صاحب غنم وكان قابيل صاحب زرع- فقرّب هابيل كبشا وقربّ قابيل من زرعه  ما لم ينقّ ، وكان كبش هابيل من أفضل  غنمه وكان زرع قابيل غير منقّى، فتقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربان قابيل، وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ (الآية).]

 

 [في الكافي : عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن خالد بن إسماعيل، عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ذكرت له المجوس، وأنّهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم، وأنّهم يحاجّونا بذلك.

فقال: أمّا أنتم فلا يحاجّونكم به، لمّا أدرك هبة اللّه قال آدم: «يا ربّ، زوّج هبة اللّه.» فأهبط اللّه- عزّ وجلّ- له حوراء، فولدت له أربعة غلمة ثمّ رفعها اللّه- عزّ وجلّ- فلمّا أدرك ولد هبة اللّه قال: يا ربّ، زوّج ولد هبة اللّه. فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه أن يخطب إلى رجل من الجنّ- وكان مسلما- أربع بنات له على ولد هبة اللّه، فزوّجهنّ، فمّا كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنّبوّة، وما كان من سفه أو حدّة فمن الجنّ.

من الدّلالة على أنّ آدم يزوّج بناته من بنيه في سبعين بطنا، ثمّ حرّم ذلك‏] .

و ما رواه في مجمع البيان  عن الباقر- عليه السّلام-: «أنّ حوّاء امرأة آدم كانت تلد في كلّ بطن غلاما [و جارية،]  فولدت في أوّل بطن قابيل- وقيل: قابين- وتوأمته إقليما بنت آدم، والبطن الثّاني هابيل وتوأمته لبوذا ، فلمّا أدركوا جميعا أمر اللّه- تعالى- آدم أن ينكح  قابيل أخت هابيل وهابيل أخت قابيل، فرضي هابيل، وأبى قابيل لأنّ‏أخته كانت أحسنهما، وقال: ما أمر اللّه بهذا ولكن هذا من رأيك، فأمرهما آدم  أن يقرّبا قربانا، فرضيا بذلك.

و سيأتي باقي الحديث.

و

ما في قرب الإسناد ، عن الرّضا- عليه السّلام- حملت حوّاء هابيل وأختا له في بطن، ثمّ حمل في البطن الثّاني قابيل وأختا له في بطن، فزوّج هابيل الّتي مع قابيل وتزوّج قابيل الّتي مع هابيل، ثمّ حدث التّحريم بعد ذلك.

فمحمول على التّقيّة، لأنّه موافق لمذهب العامّة.

و الحقّ‏

ما رواه في الفقيه ، عن (الباقر)- عليه السّلام- أنّ اللّه- عزّ وجلّ- أنزل على آدم حوراء من الجنّة فزوّجها أحد ابنيه وتزوّج الآخر ابنة الجانّ، فما كان في النّاس من جمال كثير  وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء خلق فهو من ابنة الجانّ.

 [و ما في الخبر الأوّل من هذه الأربعة:]  أنّ اللّه أنزل الحوراء على هبة اللّه، [لا ينافي ما في هذا الخبر، لإمكان الإنزال أوّلا على أوّل أولاده، ثمّ إنزالها ثانيا على هبة اللّه بسؤال آدم. ولا ينافيه- أيضا-]

ما رواه العيّاشيّ ، «عن أبي بكر الحضرميّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ آدم ولد له أربعة ذكور، فأنزل  اللّه إليهم أربعة من الحور العين، فزوّج كلّ واحد منهم واحدة فتوالدوا، ثمّ أنّ اللّه رفعهنّ وزوّج هؤلاء الأربعة أربعة من الجنّ، فصار النّسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم، وما كان من جمال فمن قبل  الحور العين، وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجنّ»

، لاحتمال أن يكون المراد من ولد آدم ولد هبة اللّه، لأنّ ولده أولاده.

 [و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن الحسين بن سعيد، عن صفوان ابن يحيى، عن خالد بن إسماعيل، عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ذكرت له المجوس، وأنّهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم، وأنّهم يحاجّونا بذلك.فقال: أمّا أنتم فلا يحاجّونكم به، لمّا أدرك هبة اللّه قال آدم: يا ربّ، زوّج هبة اللّه. فأهبط اللّه- عزّ وجلّ- له حوراء فولدت له أربعة غلمة، ثمّ رفعها اللّه- عزّ وجلّ- فلمّا أدرك ولد هبة اللّه قال: يا ربّ، زوّج ولد هبة اللّه. فأوحى  اللّه إليه أن يخطب إلى رجل من الجنّ- وكان مسلما- أربع بنات على ولد هبة اللّه، فزوجهّن، فما كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنّبوّة، وما كان من سفه أو حدّة  فمن الجنّ.]

 

 [و قد سبق‏

في الخبر: أنّ اللّه أنزل على أولاده أربعة من الحور العين على أربعة من أولاد آدم غير من أنزل له أوّلا

، فلا منافاة] .

وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ، أي: يسأل بعضكم بعضا به، فيقول: أسألك باللّه. وأصله «تتسائلون» فأدغمت التّاء في السّين.

و قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ، بطرحها .

وَ الْأَرْحامَ: بالنّصب، عطفا على اللّه، أي: اتّقوا اللّه والأرحام فصلوها ولا تقطعوها.

في مجمع البيان

: و«الأرحام»، معناه: واتّقوا الأرحام أن تقطعوها. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و قيل : عطف  على محلّ الجارّ والمجرور، كقولك: مررت بزيد وعمرو . أي:

تتسائلون باللّه وبالأرحام، كقولهم: أسألك باللّه وبالرّحم أن تفعل كذا.

و قرئ، بالجرّ، عطفا على الضّمير المجرور، وهو ضعيف، لأنّه كبعض الكلمة .

و قرئ، بالرّفع، على أنّه مبتدأ محذوف الخبر، أي: والأرحام كذلك، أي: ممّا يتّقى. أو يتساءل به. وقد نبّه- سبحانه- إذ قرن الأرحام باسمه في الاتّقاء، على أنّ صلتها بمكان منه .

 [إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً : حافظا مطّلعا.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود: الرّقيب، الحفيظ.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثنا الحسن بن الحكم معنعنا، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- في قوله- تعالى-: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ قال: نزلت في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وذوي أرحامه، وذلك أنّ كلّ سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلّا من كان من سببه ونسبه، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً، يعني: حفيظا.

و فيه : قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن جعفر بن محمّد قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تعالى- خلقني واهل بيتي من طينة  لم يخلق اللّه منها أحدا غيرنا ومن ضوى إلينا، فكنّا أول من ابتدأ من خلقه، فلمّا خلقنا فتق بنورنا كلّ ظلمة  وأحيا بنا كلّ طينة  ثمّ قال اللّه- تعالى- هؤلاء خيار خلقي وحملة عرشي وخزّان علمي وسادة أهل السّماء وسادة أهل الأرض، هؤلاء الهداة  المهتدين والمهتدى بهم، من جاءني بولايتهم أوجبت لهم  جنّتي ووالجتهم  كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم أوجبت لهم  ناري وبعثت عليهم عذابي.

ثمّ قال- عليه السّلام-: نحن أصل الإيمان باللّه وملائكته، وتمامه منّا، والرّقيب على خلق اللّه، وبه إسداد  أعمال الصّالحين، ونحن قسم اللّه الّذي يسأل به، ونحن وصيّة اللّه في الأوّلين ووصيّته في الآخرين، وذلك قول اللّه- جلّ جلاله-: اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.]

 

و في تفسير العيّاشيّ : عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين‏

 - عليه السّلام- يقول: إنّ أحدكم ليغضب فما يرضى حتّى يدخل به النّار، فأيّما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه، فإنّ الرّحم إذا مسّها  الرّحم استقرّت، وإنّها متعلّقة بالعرش ينتقضه  انتقاض الحديد، فتنادي : اللّهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني، وذلك قول اللّه- في كتابه-: وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية).

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية.)

 

فقال: هي أرحام النّاس، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أمر بصلتها وعظّمها، ألا ترى أنّه جعلها معه ؟

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة- إلى قوله-: وأمر باتّقاء اللّه وصلة الرّحم، فمن لم يصل رحمه لم يتّق اللّه- عزّ وجلّ-.

و بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام - عن أبيه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا أسري بي إلى السّماء، رأيت رحما متعلّقة بالعرش، تشكو رحما  إلى ربّها.

فقلت لها: كم بينك وبينها من أب؟

فقالت: نلتقي في أربعين أبا.

و في أصول الكافي : بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: صلوا أرحامكم ولو بالتّسليم، يقول اللّه- تبارك وتعالى-: وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية) .

و بإسناده إلى الرّضا - عليه السّلام- قال: إنّ رحم آل محمّد الأئمّة- عليهم السّلام- لمعلّقة  بالعرش تقول: اللّهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني، ثمّ هي جارية [بعدها]  في أرحام المؤمنين، ثمّ تلا هذه الآية .

وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ: إذا بلغوا، وآنستم منهم رشدا، كما في الآية الأخرى.

 «اليتامى» جمع يتيم، وهو الّذي مات أبوه من اليتم، وهو الانفراد. ومنه: الدّرّة اليتيمة، إمّا لأنّه لما جرى مجرى الأسماء، كفارس وصاحب، جمع على يتائم، ثمّ قلب فقيل: يتامى. أو على أنّه جمع على يتمى، كأسرى، لأنّه من باب الآفات، ثمّ جمع يتمى على يتامى، كأسرى وأسارى.

و وروده في الآية، إمّا للبلغ على الأصل، أو على الاتّساع لقرب عهدهم بالصّغر، حثّا على أن يدفع إليهم أموالهم أوّل بلوغهم، قبل أن يزول عنهم هذا الاسم إن أونس منهم الرّشد، ولذلك أمر بابتلائهم صغارا. أو لغير البلغ، والحكم مقيّد، وكأنّه قال:

و آتوهم إذا بلغوا.

و يؤيّد الأوّل ما نقل : أنّ رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلمّا بلغ طلب المال منه فمنعه فنزلت، فلمّا سمعها العمّ قال: أطعنا اللّه ورسوله، نعوذ باللّه من الحوب الكبير.

وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ:

قيل : لا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم، أو الأمر الخبيث، وهو اختزال أموالهم بالأمر الطّيّب، الّذي هو حفظها.

و قيل : ولا تأخذوا الرّفيع من أموالهم، وتعطوا الخسيس مكانها.

و البيضاويّ، ضعّفه، بأنّ هذا تبديل وليس بتبدّل .

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ: ولا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم، مسوّين بينهما، وهذا حلال والآخر حرام، يعني: فيما زاد على أجره، لقوله- تعالى-: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.

إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً : ذنبا عظيما.

و قرئ: حوبا. وهو مصدر، حاب يحوب حوبا .

و قرئ: حابا ، كقال [قولا وقالا.]  بناء على أنّه «حوب» بفتح الواو.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وأبي الحسن- عليه السّلام-: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً قال: هو ممّا تخرج  الأرض من أثقالها.]

 

وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ:

قيل : يعني: إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النّساء إذا تزوّجتم بهنّ، فتزوّجوا ما طاب [لكم‏]  من غيرهنّ، إذ كان الرّجل يجد يتيمة ذات مال وجمال، فيتزوّجها ضنّا بها، فربّما يجتمع عنده منهنّ عدد [، و]  لا يقدر على القيام بحقوقهنّ.

أو إن خفتم أن لا تعدلوا في حقوق اليتامى، فتحرّجتم منها، فخافوا- أيضا- أن لا تعدلوا بين النّساء، فانكحوا مقدارا يمكنكم الوفاء بحقّه، لأنّ المتحرّج من الذّنب ينبغي أن يتحرّج من الذّنوب كلّها، على‏

ما روي: أنّه [- تعالى-]  لمّا عظّم أمر اليتامى تحرّجوا من ولايتهم، وما كانوا يتحرّجون من تكثير النّساء وإضاعتهنّ، فنزلت.

و قيل: كانوا يتحرّجون من ولاية اليتامى، ولا يتحرّجون من الزّنا، فقيل لهم: إن خفتم ألّا تعدلوا في أمر اليتامى فخافوا الزّنا، فانكحوا ما حلّ لكم.

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام- لبعض الزّنادقة: وأمّا ظهورك على تناكر قوله- تعالى-: وَإِنْ  خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النّساء، ولا كلّ النّساء يتامى ، فهو ممّا قدّمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن، وبيّن القول في اليتامى وبيّن نكاح النّساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن، وهذا وما أشبهه ممّا ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل‏النّظر والتّأمّل، ووجد المعطّلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن، ولو شرحت لك كلّ ما أسقط وحرّف وبدّل ممّا يجري هذا المجرى، لطال وظهر ما تحظر التّقيّة إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ قال: نزلت مع قوله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فنصف الآية في أوّل السّورة ونصفها على رأس المائة وعشرين آية، وذلك أنّهم كانوا لا يستحلّون أن يتزوّجوا يتيمة قد ربّوها، فسألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن ذلك، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ- إلى قوله-: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ.]

و إنما عبّر عنهنّ «بما» ذهابا إلى الصّفة، أو إجراء لهنّ مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهنّ.

و قرئ: «تقسطوا» بفتح التاء، على أنّ «لا» مزيدة، أي: إن خفتم أن تجوروا .

مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، أي: ثنتين ثنتين  وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا .

منصوبة على الحال من فاعل «طاب» أو «ممّا طاب» بالفتحة، لأنّها غير متصرّفة للعدل والصّفة، فإنّها بنيت على صفات وإن لم تبن أصولها لها.

و قيل : لتكرير العدل، فإنّها معدولة باعتبار الصّيغة وباعتبار التّكرير، لأنّها أخرجت عن الأوزان الأصيلة، وعن التّكرير إلى الوحدة، ومعناه: التّخيير في العدد لكلّ أحد إلى أربع. وإنّما أتى بهذه الصيغ وبالواو دون كلمة «أو» إذ لو أفرده. وقيل : اثنتين وثلاثا وأربعا، كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التّوزيع. ولو ذكره «بأو» لذهب تجويز الاختلاف في العدد. وإنّما لم يذكر الآحاد، لأنّ المراد نفي الحرج في الزّائد.و في تفسير العيّاشيّ : عن يونس بن عبد الرّحمن، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: في كلّ شي‏ء إسراف إلّا في النّساء، قال اللّه- تعالى- فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ.

 

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ليس الغيرة إلّا للرّجال، فأمّا  النّساء فإنّما ذلك منهنّ حسد، والغيرة للرّجال، ولذلك حرّم [اللّه‏]  على النّساء إلّا زوجها وأحلّ للرّجل  أربعا، فإنّ  اللّه أكرم من أن يبتليهنّ بالغيرة ويحلّ للرّجل  معها ثلاثا.

و العيّاشيّ ، عنه- عليه السّلام-: لا يحلّ لماء الرّجل أن يجزي في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر.

و في كتاب عيون الأخبار ، في باب ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- الى محمّد ابن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلّة تزويج الرّجل أربع نسوة  وتحريم أن تتزوّج المرأة أكثر من واحد، لأنّ الرّجل إذا تزوّج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه، والمرأة لو كان لها زوجان أو  أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو، إذ هم مشتركون في نكاحها، وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف.

فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا: بين هذه الأعداد- أيضا-.

و في الكافي ، عن الصّادق- عليه السّلام-: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا، يعني: في النّفقة.فَواحِدَةً، أي: فاختاروا، أو فانحكوا واحدة وذروا الجمع.

و قرئ، بالرّفع، على أنّه فاعل فعل محذوف، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: فيكفيكم واحدة، أو فالكافي واحدة .

أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ: وإن تعدّدت، لخفّة مؤنهنّ وعدم وجوب القسم بينهنّ.

و في حكمهنّ المتعة.

ففي الكافي: عن الصّادق- عليه السّلام- في غير واحدة من الرّوايات: «أنّها ليست من الأربع، ولا من السّبعين، وإنهنّ بمنزلة الإماء، لأنّها مستأجرة لا تطلّق ولا ترث ولا تورث.»  «و إنّ العبد ليس له أن يتزوّج إلّا حرّتين أو أربع إماء، وله أن يتسرّى بإذن مولاه ما شاء ذلك ».

ذلِكَ، أي: التّقليل منهنّ، أو اختيار الواحدة، أو التّسرّي.

أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا : أقرب من أن لا تميلوا.

يقال: عال الميزان، إذا مال. وعال الحاكم، إذا جار.

و عول الفريضة، الميل عن حدّ السّهام المسمّاة.

و قيل  بأن لا يكثر  عيالكم [، على أنّه‏]  من عال الرّجل عياله [، يعولهم،]  إذا مأنهم. فعبّر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية. ويؤيّده قراءة «أن لا تعيلوا» من أعال الرّجل، إذا كثر عياله.

و لعلّ المراد بالعيال، الأزواج. وإن أريد الأولاد، فلأنّ التّسرّي مظنّة قلّة الولد، بالإضافة إلى التّزوّج لجواز العزل فيه، كتزوّج الواحدة بالإضافة إلى تزوّج الأربع.

وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ: مهورهنّ.

و قرئ، بفتح الصّاد، وسكون الدّال، على التّخفيف. وبضمّ الصّاد، وسكون الدّال، جمع صدقة كغرفة. وبضمّها على التّوحيد، وهو تثقيل صدقة، كظلمة في ظلمة.

نِحْلَةً.

قيل : عطيّة، من نحله كذا نحلة، إذا أعطاه إيّاها  عن طيب نفس، بلا توقّع‏عوض. ونصبها على المصدر، لأنّها في معنى الإيتاء، أو الحال من الواو، أو الصّدقات، أي: آتوهنّ صدقاتهنّ ناحلين، أو منحولة. وبعضهم فسّرها بالفريضة، وهو نظير إلى مفهوم الآية، لا إلى موضع اللّفظ.

و قيل : تفضّلا من اللّه عليهنّ، فتكون حالا من الصّدقات.

و قيل : ديانة، من قولهم: انتحل فلان كذا، إذا دان به، على أنّه مفعول له أو حال من الصّدقات، أي: دينا من اللّه شرّعه.

قيل  الخطاب للأزواج.

و في مجمع البيان

: اختلف في من خوطب بقوله: وَآتُوا النِّساءَ  قيل: هم الأولياء، لأنّ الرّجل منهم كان إذا زوّج أمة  أخذ صداقها دونها، فنهاهم اللّه عن ذلك.

و هو المرويّ عن الباقر- عليه السّلام- رواه أبو الجارود [عنه‏] .

 

فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً:

الضّمير، للصّداق، حملا على المعنى، أو للإيتاء.

و «نفسا» تميّز، لبيان الجنس. ولذلك وحّدوا المعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصّداق عن طيب نفس، لكن جعل العمدة طيب النّفس للمبالغة، وعدّاه «بعن»، يعني:

لتضمين معنى التّجافي والتّجاوز. وقال: «منه» بعثا لهنّ على تقليل الموهوب، فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً : فخذوه وأنفقوه حلالا، بلا تبعة.

و الهني‏ء والمري‏ء، صفتان، من هنأ الطّعام ومرأ، إذا ساغ من غير غصّ. أقيمتا مقام مصدريهما، أو وصف بهما المصدر، أو جعلتا حالا من الضّمير. وقد يفرق بينهما، بأنّ الهني‏ء، ما يلده الإنسان. والمري‏ء، ما يحمد عاقبته. وعلى ما روي سابقا من مجمع البيان :

الخطاب للأولياء.

و قيل : روي أنّ أناسا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا ممّا ساق إليها،فنزلت.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، امرأة دفعت إلى زوجها مالا من مالها ليعمل به، وقالت له حين دفعته  إليه: أنفق منه، فإن حدث بك حدث فما أنفقت منه فهو لك  حلالا طيّبا ، فإن حدث بي حدث فما أنفقت منه فهو حلال طيّب.

فقال: أعد عليّ- يا سعيد- المسألة.

فلمّا ذهبت أعيد عليه المسألة اعترض فيها صاحبها- وكان معي حاضرا- فأعاد عليه مثل ذلك.

فلمّا فرغ أشار بإصعبه إلى صاحب المسألة فقال: يا هذا، إن كنت تعلم أنّها قد أفضت بذلك إليك فيما بينك وبينها وبين اللّه، فحلال طيّب- ثلاث مرّات- ثمّ قال:

يقول اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً.

 

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد  وأحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا يرجع الرّجل فيما يهب لامرأته ولا المرأة فيما تهب لزوجها، حيز أو لم يحز، أليس اللّه- تبارك وتعالى- يقول:

وَ لا [يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ‏]  تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً وقال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً وهذا يدخل في الصّداق والهبة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً.

 

قال: يعني بذلك: أموالهن الّتي في أيديهنّ ممّا ملكن.

و في مجمع البيان ، وفي كتاب العيّاشيّ : مرفوعا إلى أمير المؤمنين‏

 - عليه السّلام- أنّه جاء  رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي يوجع  في بطني.

فقال: أ لك  زوجة؟

قال: نعم.

قال: استوهب منها شيئا طيّبة به نفسها من مالها، ثمّ اشتر به عسلا، ثمّ اسكب عليه من ماء السّماء، ثمّ اشربه، فإنّي سمعت اللّه- سبحانه- يقول في كتابه : وَنَزَّلْنا  مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً وقال : يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ وقال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً. فإذا اجتمعت البركة والشّفاء والهني‏ء والمري‏ء شفيت إن شاء اللّه- تعالى-.

قال: ففعل ذلك فشفي.

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ:

قيل : نهي للأولياء، عن أن يؤتوا الّذين لا رشد لهم أموالهم فيضيّعوها. وإنّما أضاف المال إلى الأولياء، لأنّها في تصرّفهم وتحت ولايتهم، وهو الملائم للآيات المتقدّمة والمتأخّرة.

و قيل : نهي لكلّ أحد أن يعمد إلى ما خوّله اللّه من المال، فيعطي امرأته وأولاده، ثمّ ينظر إلى أيديهم. وإنّما سمّاهم سفهاء، استخفافا بعقولهم ، واستهجانا لجعلهم قوّاما على أنفسهم. وهو أوفق لما بعده، من قوله: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً.

و في مجمع البيان

: اختلف في المعنى بالسّفهاء على أقوال: أحدها، أنّهم النّساءو الصّبيان، ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام-

و ثالثها، أنّه  عامّ في كلّ سفيه، من صبيّ أو مجنون أو محجور عليه للتّبذير.

و قريب منه‏

ما روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ السّفيه شارب الخمر ومن جرى مجراه.

و قيل : عنى بقوله: أموالكم، أموالهم.

و قد روي أنّه سئل الصّادق- عليه السّلام- عن هذا فقيل: كيف يكون أموالهم أموالنا؟

فقال: إذا كنت أنت الوارث له‏

 (انتهى) فعلى هذا، يمكن الحمل على عموم النّهي عن إيتاء المال إلى السّفهاء، وإرادة العموم من إضافة الأموال بإرادة ما يشمل أموالهم أو مالهم الولاية فيه، وفي الأخبار ما يدلّ عليه.

في تفسير العيّاشيّ : عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

 

قال: من لا تثق به.

 [عن (يونس بن يعقوب ، قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه:)  وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

 

قال: من لا تثق به.

عن إبراهيم بن عبد الحميد  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية:

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

 

قال: كلّ من يشرب المسكر، فهو سفيه.

عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

 قال: هم اليتامى، ولا تعطوهم أموالهم حتّى تعرفوا منهم الرّشد.

قلت: فكيف يكون أموالهم أموالنا؟

فقال: إذا كنت أنت الوارث لهم.

]

و في قرب الإسناد  للحميريّ: هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة بن زياد  قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول لأبيه: يا أبة، إنّ فلانا يريد اليمن، أفلا أزوّده ببضاعة ليشتري  بها عصب اليمن؟

فقال له: يا بنيّ، لا تفعل.

قال: ولم؟

قال: لأنّها  إذا ذهبت لم تؤجر عليها ولم تخلف  عليك، لأنّ اللّه- تعالى- يقول:

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً فأيّ سفيه أسفه بعد النّساء من شارب الخمر؟

و في من لا يحضره الفقيه : سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

 

قال: لا تؤتوها شرّاب الخمر  ولا النّساء، ثمّ قال: وأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم [، عن أبيه،]  عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حمّاد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إذا حدثتكم بشي‏ء فاسألوني من كتاب اللّه، ثمّ قال في بعض حديثه: إنّ‏رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السّؤال.

فقيل له: يا بن رسول اللّه، أين هذا من كتاب اللّه؟

قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول : لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وقال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وقال لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.

 [و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس وعدّة من أصحابنا، عن [أحمد بن‏]  أبي عبد اللّه، عن أبيه جميعا، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان وابن مسكان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إذا حدّثتكم بشي‏ء فاسألوني من كتاب اللّه‏

، وذكر كما في الكافي سواء.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: ولا تأمن بشارب الخمر، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ. فأيّ  سفيه أسفه من شارب الخمر؟

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: شارب الخمر لا تصدّقوه إذا حدّث، ولا تزوّجوه إذا خطب، ولا تعودوه إذا مرض، ولا تحضروه إذا مات، ولا تأتمنوه على أمانة، فمن أئتمنه على أمانة واستهلكها  فليس له  على اللّه أن يخلف عليه ولا أن يؤجره عليها، لأنّ اللّه- تعالى- يقول: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ وأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟

حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد  بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن حمّاد بن بشير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّي أردت أن أستبضع‏

بضاعة إلى اليمن، فأتيت أبا جعفر- عليه السّلام- فقلت له: إنّي أريد أن أستبضع فلانا [بضاعة.] .

فقال: أما علمت أنّه يشرب الخمر- إلى أن قال عليه السّلام -: إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس لك على اللّه- عزّ وجلّ- أن يأجرك ولا يخلف عليك.

فاستبضعته فضيّعها، فدعوت اللّه أن يأجرني.

فقال: أي بنيّ، ليس لك على اللّه أن يأجرك ولا يخلف عليك.

قال: قلت له: ولم؟

فقال لي: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً فهل تعرف سفيها أسفه من شارب الخمر؟

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.]

الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً: تقومون بها وتتعيّشون، أي، جنسه. كذلك سمّي ما به القيام قياما للمبالغة.

و قرأ نافع وابن عامر: «قيما» بمعناه، كعوذ، بمعنى: عياذ.

و قرئ: «قواما» وهو ما يقام  به.

وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ: واجعلوا الأموال مكانا لرزقهم وكسوتهم، بأن تتّجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون.

وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً : عدّة حسنة تطيب بها نفوسهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية قال : فالسّفهاء، النّساء والولد. إذا علم الرّجل أنّ امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد، لا ينبغي له أن يسلّط واحدا منهما على ماله الّذي جعله اللّه له قِياماً يقول: معاشا، قال: وَارْزُقُوهُمْ فِيها  وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً والمعروف، العدّة.وَ ابْتَلُوا الْيَتامى: اختبروهم قبل البلوغ، بتتبّع أحوالهم في صلاح الدّين، والتّهدّي إلى ضبط المال وحسن التّصرّف.

حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ: حدّا يتأتّى منهم النّكاح. وهو كناية عن البلوغ لأنّه يصلح للنّكاح عنده، وهو أن يحتلم أو يستكمل خمس عشرة  سنة في الرّجال، والحيض واستكمال تسع سنين في النّساء.

فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً: فإن أبصرتم منهم رشدا.

و قرئ: أحستم، بمعنى: أحسستم .

و في من لا يحضره الفقيه : عن الصّادق- عليه السّلام-: إيناس الرّشد حفظ المال.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: الرّشد، العقل وإصلاح المال.

فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ: من غير تأخير عن حدّ البلوغ. ونظم الآية «إن» الشّرطيّة، جواب «إذا»، المتضمّنة معنى الشّرط. والجملة غاية الابتلاء، فكأنّه قيل:

و ابتلوا اليتامى، إلى وقت بلوغهم، فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم، بشرط إيناس الرّشد منهم. وفيه دلالة على أنّه لا يدفع إليهم أموالهم ما لم يؤنس منهم الرّشد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام- في هذه الآية قال: من كان في يده مال بعض  اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتّى يبلغ النّكاح ويحتلم ، فإذا احتلم وجب عليه الحدود وإقامة الفرائض، ولا يكون مضيّعا ولا شارب خمر ولا زانيا، فإذا أنس منه الرّشد دفع إليه المال وأشهد عليه، وإن كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ فإنّه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته، فإذا كان ذلك فقد بلغ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا، ولا يجوز له أن‏يحبس عنه  ماله ويعتلّ عليه  أنّه لم يكبر بعد.

و في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية أحمد بن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد اللّه بن المغيرة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: في تفسير هذه الآية: إذا رأيتموهم يحبّون آل محمّد، فارفعوهم درجة.

وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا:

قيل : أي مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لإسرافكم . ومبادرتكم، كبرهم.

و الأولى مسرفين في المال ومبادرين في الإسراف، خوف أن يكبروا ويأخذوا المال.

وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ: من أكلها.

وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ: بقدر حاجته وأجرة سعيه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله:]  فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال: كان أبي يقول: إنّها منسوخة.

و اعلم، أنّ من يلي شيئا لليتامى وهو يحتاج، ليس له ما يقيمه، وهو يصلح أموالهم بما تحتاج إليه، فله أجرة عمله مساوية لأجرة مثله، سواء كان قدر كفايته أم لا. وإن لم يكن قدر كفايته، وحينئذ فجاز له أن يأخذ قدر الكفاية من مال اليتيم، على جهة القرض ثمّ يردّ عليه ما أخذ إذا وجد.

يدلّ عليه‏

ما رواه في الكافي ، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال : من كان يلي شيئا لليتامى، وهو محتاج، ليس له ما يقيمه، وهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم، فليأكل بقدر ولا يسرف، فإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرز أنّ من أموالهم شيئا.قوله: بقدر، أي: بقدر عمله. ولا يسرف، أي: لا يزيد على أجرة عمله.

و

ما رواه، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنّان بن سدير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: سألني عيسى بن موسى عن القيّم للأيتام  في الإبل، وما يحلّ له منها؟

فقلت: إذا لاط حوضها، وطلب ضالّتها، وهنأ جرباها، فله أن يصيب من لبنها، من غير نهك لضرع  ولا فساد لنسل.

 [و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فقال:

ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس من أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان المال قليلا، فلا يأكل منه شيئا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.]

و

ما رواه في مجمع البيان ، عن الباقر- عليه السّلام-: «من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة والكفاية على جهة القرض، ثمّ يردّ عليه ما أخذ إذا وجد»

و المراد، ما زاد على أجرة عمله.

و

ما رواه العيّاشيّ في تفسيره : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

سألته عن قول اللّه: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.

 

قال: ذلك، إذا حبس نفسه في أموالهم فلا يحترف  لنفسه، فليأكل بالمعروف من مالهم.

و

ما رواه، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية : هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ويشغل فيها نفسه، فليأكل‏بالمعروف، وليس له ذلك في الدّنانير والدّراهم الّتي عنده موضوعة.

و أمّا ما رواه في الكافي : عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الفضل ، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية : ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا.

فالمراد بالمعروف، أجرة مثل عمله، وذلك إذا كان في عمله إصلاح لأموالهم.

و المراد بكون أموالهم قليلا، كونها قدرا لا يزيد بالإصلاح ولا أثر لعمله فيها.

فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ: بأنّهم قبضوها، فإنّه أنفى للتّهمة وأبعد من الخصومة ووجوب الضّمان.

وَ كَفى بِاللَّهِ حَسِيباً : محاسبا، فلا تخالفوا ما أمرتم به، ولا تتجاوزوا ما حدّ لكم.

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ: يريد به المتوارثين بالقرابة.

مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ: بدل من «ما ترك» بإعادة العامل.

نَصِيباً مَفْرُوضاً : أي واجبا. نصب، على أنّه مصدر مفيد للنّوع لمحذوف، أي نصب نصيبا مفروضا. أو حال من الضّمير في الظّرف. أو على الاختصاص، بمعنى أعني:

نصيبا مقطوعا واجبا . وفيه دلالة، على أنّ بإعراض الوارث لا يسقط من حقّه شي‏ء.

نقل

: أنّ أوس بن صامت الأنصاريّ خلّف زوجته أمّ كحّة وثلاث بنات، فزوى ابنا عمّه سويد وعرفطة أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهنّ على سنّة الجاهليّة- فإنّهم ما كانوا يورثون النّساء والأطفال، ويقولون: إنّما يرث من يحارب ويذبّ عن الحوزة- فجاءت أمّ كحّة إلى رسول اللّه [- صلّى اللّه عليه وآله-]  في مسجد الفضيح، فشكت إليه.فقال لها: ارجعي حتّى أنظر ما يحدث اللّه. فنزلت، فبعث اليهما: لا تفرّقا من مال أوس شيئا، فإنّ اللّه قد جعل لهنّ نصيبا.

وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى: ممّن لا يرث، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ: فأعطوهم شيئا من المقسوم، تطيّبا لقلوبهم وتصدّقا عليهم.

و الضّمير في «منه» «لما ترك» أو ما دلّ عليه القسمة.

وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً : وهو، أن تدعوا لهم، وتستقلّوا ما تعطونهم، ولا تمنّوا عليهم.

في مجمع البيان : أنّ المرويّ عن الباقر- عليه السّلام-: أنّها محكمة غير منسوخه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه  قال:

نسختها آية الفرائض.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : هي منسوخة  بقوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [فِي أَوْلادِكُمْ.] .

و الجمع بين الأخبار، بأنّها منسوخة بحسب دلالتها على الوجوب، وغير منسوخة بحسب دلالتها على الاستحباب. فإنّ الوجوب، الأمر بالفعل مع المنع من النّقيض، فنسخ باعتبار جزئه الأخير.

وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ:

 «لو» بما في حيزه صلة الموصول. وفي تعليق الأمر به، إشارة إلى المقصود منه والعلّة فيه، وبعث على التّرحم، وأن يحبّ لأولاد غيره ما يحبّ لأولاده، وتهديد للمخالف بحال أولاده.

قيل : أمر للأوصياء، بأن يخشوا اللّه ويتّقوه في أمر اليتامى، فيفعلوا بهم ما يحبّون أن يفعل بذراريّهم الضّعاف  بعد وفاتهم. أو للحاضرين المريض عند الإيصاء، بأن يخشواربّهم، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم، فلا يتركوه أن يضرّبهم بصرف المال عنهم. أو للورثة، بالشّفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين، متصوّرين أنّهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوّزون حرمانهم؟ أو للموصين، بأن ينظروا للورثة، فلا يسرفوا في الوصيّة.

فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ في أمر اليتامى.

وَ لْيَقُولُوا: لهم، أو للمريض، أو لحاضري القسمة، أو في الوصيّة، قَوْلًا سَدِيداً : مثل ما يقولون لأولادهم، بالشّفقة وحسن الأدب. أو ما يصدّ عن الإسراف في الوصيّة، وتضييع الورثة، ويذكّروه التّوبة وكلمة الشّهادة. أو عذرا جميلا ووعدا حسنا. أو في الوصيّة ما لا يؤدّي إلى تضييع الورثة.

 [و في عيون الأخبار : في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله في العلل: وحرّم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد، أوّل ذلك أنّه إذا أكل الإنسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله، إذ اليتيم غير مستغن ولا محتمل لنفسه ولا عليم بشأنه ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه، فإذا أكل ماله فكأنّه قد قتله وصيّره إلى الفقر والفاقة، مع ما خوّف اللّه- تعالى- وجعل من العقوبة في قوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ولقول  أبي جعفر- عليه السّلام- «إنّ اللّه- تعالى- وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين:

عقوبة في الدّنيا وعقوبة في الآخرة». ففي تحريم مال اليتيم، استبقاء  مال اليتيم واستقلاله بنفسه والسّلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد اللّه- تعالى- فيه من العقوبة، مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثأره إذا أدرك ووقوع الشّحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا.

و في كتاب ثواب الاعمال : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة بن محمّد الحضرميّ، عن سماعة بن مهران قال: سمعته يقول: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أوعد في أكل مال اليتيم عقوبتين أمّا أحدهما فعقوبة الآخرة بالنّار، وأمّا عقوبة الدّنيا فهو قوله- عزّ وجلّ-: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً

 ، يعني بذلك: ليخش إن أخلفه في ذرّيّته كما صنع هو بهؤلاء اليتامى.

حدّثني محمّد بن الحسن  قال حدّثني محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حكيم ، عن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: دخلنا عليه فابتدأ فقال: من أكل مال اليتيم سلّط اللّه عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه ، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا (الآية).

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن أبي نجران، عن حمّاد بن حكيم ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- مبتدئا: من ظلم يتيما  سلّط اللّه عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه.

قال : قلت: هو يظلم فيسلّط اللّه على عقبه أو على عقب عقبه؟

فقال: إنّ  اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً.]

 

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً: ظالمين، أو على وجه الظّلم، أو بالظّلم.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الرّجل يكون في يده مال لأيتام، فيحتاج إليه، فيمد يده فيأخذ وينوي أن يردّه.فقال: لا ينبغي له أن يأكل إلّا القصد لا يسرف، فإن كان من نيّته أن لا يردّه عليهم فهو بالمنزل الّذي قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً.

 

محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين ، عن ذبيان بن حكيم الأوديّ ، عن عليّ ابن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام -: إنّ لي ابنة أخ يتيمة، فربّما أهدي لها الشي‏ء فآكل منه ثمّ أطعمها بعد ذلك الشي‏ء من مالي، فأقول: يا ربّ، هذا بذا.

فقال: لا بأس.]

 

إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ: مل‏ء بطونهم.

ناراً: بما يجرّ إلى النّار، ويؤول إليها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا أسري بي إلى السّماء رأيت قوما تقذف في أجوافهم النّار وتخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟

 

فقال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا، عن آدم بن إسحاق، عن‏

 عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: إن آكل مال اليتيم يجي‏ء يوم القيامة والنّار تلتهب في بطنه حتّى يخرج لهب النّار من فيه [حتّى‏]  يعرفه [كلّ‏]  أهل الجمع، أنّه آكل مال اليتيم.

 [و في مجمع البيان : سئل الرّضا- عليه السّلام- كم أدنى ما يدخل به آكل مال اليتيم تحت الوعيد في هذه الآية؟

فقال: قليله وكثيره واحد، إذا كان من نيّته أن لا يردّه إليهم.]

 

و روي عن الباقر- عليه السّلام - أنّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: سيبعث  ناس من قبورهم يوم القيامة تأجّج أفواههم نارا.

فقيل له: يا رسول اللّه، من هؤلاء؟

فقرأ هذه الآية.

و في تفسير العيّاشيّ : [عن أبي عبد اللّه أو أبي الحسن- عليهما السّلام- قال:

سألته عن رجل أكل مال اليتيم، هل له توبة؟

قال: يردّ به إلى أهله، قال: ذلك بأنّ اللّه يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى الآية.

عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الكبائر.

فقال: منها، أكل مال اليتيم ظلما. وليس في هذا بين أصحابنا اختلاف، والحمد للّه.

عن أبي بصير  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أصلحك اللّه، ما أيسر

ما يدخل به العبد النّار؟

قال: من أكل من مال اليتيم درهما، ونحن اليتيم.

عن أبي إبراهيم  قال: سألته عن الرّجل يكون للرّجل عنده مال إمّا ببيع  أو بقرض  فيموت ولم يقضه  إيّاه، ويترك أيتاما صغارا فيبقى لهم عليه فلا يقضيهم، أ يكون ممّن يأكل مال اليتيم ظلما؟

قال: إذا كان ينوي أن يؤدّي اليهم فلا.]

 

عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: قلت: في كم يجب لآكل مال اليتيم النّار؟

قال: في درهمين.

و المراد من ذكر درهمين، المبالغة في القلّة لا التّحديد بهما.

وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً : سيدخلون نارا أيّ نار.

و قرأ ابن عيّاش عن عاصم، بضمّ الياء، مخفّفا. وقرئ به مشدّدا. تقول: صلي النّار، قاسى حرّها. وصليته، شويته وصليته، ألقيته فيها .

و السّعير، فعيل، بمعنى: مفعول. من سعرت النّار، إذا لهبتها.

 [في كتاب ثواب الأعمال : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن، عن زرعة بن محمّد الحضرميّ، عن سماعة بن مهران قال: سمعته يقول: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أوعد  في [آكل‏]  مال اليتيم عقوبتين، أمّا أحدهما فعقوبة الآخرة النّار، وأمّا عقوبة الدّنيا فهو قوله- عزّ وجلّ-: وَلْيَخْشَ- إلى قوله - قَوْلًا سَدِيداً، يعني بذلك: ليخش إن أخلفه في ذرّيّته كما صنع هو بهؤلاء اليتامى.و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-:

أصلحك اللّه، ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟

قال: من أكل مال اليتيم درهما، ونحن اليتيم‏]

 

و في كتاب الاحتجاج : بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه خطبة الغدير، وفيها قال- صلّى اللّه عليه وآله- بعد أن ذكر عليّا وأولاده- عليهم السّلام-: ألا إنّ أعداءهم الّذين  يصلون سعيرا.

 [و في كتاب ثواب الأعمال : أبي (رحمه اللّه) قال: حدّثني عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ في كتاب عليّ- عليه السّلام- أنّ آكل مال اليتيم  سيدركه وبال ذلك في عقبه من بعده في الدّنيا ويلحقه وبال ذلك في الآخرة، أمّا في الدّنيا فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً وأمّا في الآخرة فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.

 

و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ آكل مال اليتيم سيلحقه وبال ذلك في الدّنيا والآخرة، أمّا في الدّنيا فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وأمّا في الآخرة فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن عبد اللّه بن مسكان،

 عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه لمّا نزلت  إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً خرج  كلّ من كان عنده يتيم وسألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في إخراجهم فأنزل اللّه- تبارك وتعالى- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً وذلك أنّ آكل مال اليتيم يجي‏ء يوم القيامة والنّار تلتهب في بطنه حتّى يخرج لهب النّار من فيه [، حتّى‏]  يعرفه [كلّ‏]  أهل الجمع، أنّه آكل مال اليتيم.

الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من أكل مال أخيه ظلما ولم يردّه إليه أكل جذوة من النّار يوم القيامة.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن عجلان أبي صالح  قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن آكل مال اليتيم.

فقال: هو كما قال اللّه- عزّ وجلّ- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ثمّ قال- من غير أن أسأله-: من عال يتيما حتّى ينقطع يتمه أو يستغني بنفسه أوجب اللّه- عزّ وجلّ- له الجنّة، كما أوجب النّار لمن أكل مال اليتيم.]

 

يُوصِيكُمُ اللَّهُ: يأمركم، ويعرض عليكم فِي أَوْلادِكُمْ: في شأن ميراثهم.لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، أي: يعدّ كلّ ذكر بأنثيين إذا اجتمع الصّنفان فيضعف نصيبه، والمعنى: للذّكر منهم، فحذف للعلم به.

و تخصيص «الذّكر» بالتّنصيص على حظّه، لأنّ القصد إلى بيان فضله، والتّنبيه على أنّ التّضعيف كان للتّفضيل، فلا يحرمنّ بالكلّيّة، وقد اشتركا في الجهة والعلّة في التّفضيل، أنهنّ يرجعن عيالا عليهم ولما جعل لها من الصّداق، ولأنّه ليس عليهنّ جهاد ولا نفقة ولا معقلة وغيرها.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، كيف صار الرّجل إذا مات وولده من القرابة سواء ترث النّساء نصف ميراث الرّجال، وهنّ أضعف من الرّجال وأقلّ حيلة؟

 

فقال: لأنّ اللّه- تبارك وتعالى- فضّل الرّجال على النّساء بدرجة، ولأنّ النّساء يرجعن عيالا على الرّجال.

و في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية احمد بن الحسين ، عن الحسين بن الوليد، عن ابن بكير، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لابي عبد اللّه- عليه السّلام-: لأيّ علّة صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

فقال: لما جعل اللّه لها من الصّداق.

و روى ابن أبي عمير ، عن هشام، أنّ ابن أبي العوجاء قال لمحمّد بن النّعمان الأحول: ما بال المرأة الضّعيفة لها سهم واحد وللرّجل  القوي الموسر سهمان؟

قال: فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: إنّ المرأة ليس لها عاقلة، وليس عليها نفقة ولا جهاد- وعدد أشياء غير هذا- وهذا على الرّجل ، فجعل له سهمان ولها سهم .

و روى محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، عن موسى بن عمران النّخعيّ، عن‏

 عمّه الحسين بن يزيد، عن عليّ بن سالم، عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت له: كيف صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

قال: لأنّ الحبّات الّتي أكلها آدم وحوّاء في الجنّة كانت ثمان عشرة حبّة، أكل آدم منها اثنتي عشرة حبّة وأكلت حوّاء ستّا، فلذلك صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

 [و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: وروى أبو عبد اللّه بن الحسين  بإسناده عن آبائه- عليهم السّلام-: أنّه لمّا أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك وبلغها ذلك جاءت إليه وقالت له: يا بن أبي قحافة أفي كتاب اللّه أن ترث أباك ولا أرث أبي؟

لقد جئت شيئا فريّا، أ فعلى عمد تركتم كتاب اللّه نبذ تموه وراء ظهوركم إذ يقول:

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؟

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن أحدهما قال: إنّ فاطمة- صلوات اللّه عليها- انطلقت [إلى أبي بكر]  فطلبت ميراثها من نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: إنّ نبيّ اللّه لا يورث.

فقالت: أكفرت باللّه وكذّبت بكتابه؟ قال [اللّه:]  يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.]

 

و في عيون الأخبار : في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ، وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة، في حديث طويل، وفيه: «و سأله: لم صار  الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

فقال: من قبل السّنبلة، كان  عليها ثلاث حبّات، فبادرت إليها حوّاء فأكلت منها حبّة وأطعمت آدم حبّتين»

فلا ينافي ما قدّمناه، لأنّ المراد بالحبّة جنس الحبّة، والتّاء فيه للوحدة الجنسيّة، والقرينة علّيّة أنّ السّنبلة يندر كونها ذات ثلاث حبّات، والغرض من توصيفها بالوحدة اتّحاد جنسها، فيحمل كلّ حبّة على ستّ حبّات فيوافق ما روي أوّلا،و لا تناقض بين الأخبار.

فَإِنْ كُنَّ نِساءً، أي: كان الأولاد نساء خلّصا ليس معهنّ ذكر. فأنّث الضّمير باعتبار الخبر، أو على تأويل المولودات.

فَوْقَ اثْنَتَيْنِ: خبر ثان، أو صفة النّساء، أي: نساء زائدات على اثنتين.

فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ: المتوفّى منكم، ويدلّ عليه المعنى.

وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ، أي: وإن كانت المولودة واحدة.

و قرأ نافع، بالرّفع، على «كان» التّامّة. واختلف في الثنتين  فقال ابن عبّاس:

حكمهما حكم الواحدة، لأنّه- تعالى- جعل الثّلثين لما فوقهما.

و قال الباقون: حكمهما حكم ما فوقهما، لأنّه- تعالى- لمّا بيّن أنّ حظّ الذّكر مثل حظّ الأنثيين- إذا كان معه أنثى وهو الثّلثان- اقتضى ذلك أنّ حظّهما الثّلثان. ثمّ لمّا أوهم ذلك أن يزداد النّصيب بزيادة العدد ردّ ذلك بقوله: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ويؤيّد ذلك، أنّ البنت الواحدة لمّا استحقّت الثّلث مع أخيها فبالحريّ أن تستحقّه مع أخت مثلها، وأنّ البنتين أمسّ رحما من الأختين، وقد فرض لهما الثّلثين بقوله:

و لهما الثّلثان ممّا ترك .

قال محمّد بن يعقوب في الكافي : وقد تكلّم النّاس في أمر البنتين  من أين جعل لهما الثّلثان واللّه- عزّ ذكره- إنّما جعل الثّلثين لما فوق اثنتين، فقال قوم بإجماع، وقال قوم قياسا، كما أن كان للواحدة النّصف كان ذلك دليلا على أنّ المال  لما فوق الواحدة الثّلثان. وقال قوم بالتّقليد والرّواية، ولم يصب واحد منهم الوجه في ذلك. فقلنا: إنّ اللّه- جلّ ذكره- جعل حظّ الأنثيين الثّلثين بقوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وذلك أنّه إذا ترك الرّجل بنتين  وابنا، فللذّكر مثل حظّ الأنثيين، وهو الثّلثان، فحظّ الأنثيين الثّلثان، واكتفى بهذا لبيان أن يكون ذكر الأنثيين بالثلثين، وهذا بيان قد جهله كلّهم والحمد للّه كثيرا.

وَ لِأَبَوَيْهِ، أي: لأبوي الميّت.لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا: بدل منه، بتكرير العامل. وفائدته التّنصيص على استحقاق كلّ واحد منهما السدس، والتّفضيل بعد الإجمال تأكيد.

السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ، أي: للميّت.

وَلَدٌ: ذكر أو أنثى، واحد أو متعدّد. فالولد- مطلقا- يحجب الأمّ عن الثّلث إلى السّدس.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ: ممّا ترك وإنّما لم يذكر حصّة الأب، لأنّه ذكر سابقا ممّا فرض لكلّ منهما. ولمّا لم يكن للأب فرض آخر وكان للأمّ، صرّح بالفرض الآخر للأمّ، ليعلم أنّ الفرض للأب واحد وما أخذ زائدا فليس بالفرض بل بالقرابة.

و في الآية تصريح، بأنّ ثلث الأمّ ممّا ترك، وهو أصل التّركة- كما ذهب إليه ابن عبّاس وجمهور فقهائنا- لا ثلث ما بقي- كما ذهب إليه جمهور العامّة- فعلى هذا ما قاله البيضاويّ ، من أنّه: «على هذا ينبغي أن يكون لها حيث كان معهما أحد الزّوجين ثلث ما بقي من فرضه- كما قاله الجمهور- لا ثلث المال- كما قاله ابن عباس- فإنّه يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذّكر المساوي لها في الجهة والقرب، وهو خلاف وضع الشّرع» دفع للنّصّ بالقياس.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال: أقرأني أبو جعفر- عليه السّلام- صحيفة الفرائض الّتي هي إملاء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وخطّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بيده فقرأت فيها: امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها، فللزّوج النّصف ثلاثة أسهم، وللأمّ الثّلث سهمان، وللأب السّدس سهم.

فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ:

و قرأ حمزة والكسائيّ: «فلأمّه» بكسر الهمزة، اتباعا للكسرة الّتي قبلها .

و «الإخوة» يقع على الاثنين فصاعدا. والأختان، بمنزلة أخ واحد. ولهذا ورد في أخبارنا: أنّه لا يحجب الأمّ عن الثّلث إلّا إخوان، أو أخ، أو أختان، أو أربع أخوات. والمراد بالإخوة، الإخوة من أب وأمّ، أو من أب. فإنّ الإخوة من أمّ لا يحجب الأمّ عن الثّلث، لأنّ‏الوجه فيه أنّ الأب ينفق عليهم فوفّر نصيبه، والأب لا ينفق على الإخوة من الأمّ.

في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا تحجب  الأمّ عن الثّلث إذا لم يكن ولد إلّا إخوان أو أربع أخوات.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي العبّاس قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لا يحجب عن الثّلث الأخ والأخت حتّى يكونا أخوين أو أخ أو أختين، فإنّ اللّه- تعالى- يقول: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ.

 

و عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: في قول اللّه- تعالى-: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، يعني: إخوة لأب وأمّ، أو إخوة لأب.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عبد اللّه بن بحر، عن حريز، عن زرارة قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

يا زرارة، ما تقول في رجل ترك أبويه وإخوته من أمّه.

قال: قلت: السّدس لأمّه، وما بقي فللأب.

فقال: من أين [قلت‏]  هذا؟

قلت: سمعت اللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ.

 

فقال لي: ويحك يا زرارة، أولئك الإخوة من الأب، فإذا  كان الإخوة من الأمّ لم يحجبوا الأمّ عن الثّلث.

عليّ بن إبراهيم  [، عن أبيه،]  عن ابن أبي عمير ومحمّد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن أذينة قال: قلت لزرارة: إنّ أناسا حدّثوني عنه، يعني: أبا عبد اللّه- عليه السّلام- وعن أبيه- عليه السّلام- بأشياء في الفرائض فأعرضها عليك، فما كان منها باطلا فقل: هذا باطل، وما كان منها حقّا فقل: هذا حقّ، ولا تروه واسكت، وقلت‏ [له:]  حدّثني رجل عن أحدهما- عليهما السّلام- في أبوين وإخوة لأمّ أنّهم يحجبون ولا يرثون.

فقال: هذا واللّه هو الباطل، ولكنّي سأخبرك  ولا أروي لك شيئا، والّذي أقول لك هو واللّه الحقّ: إنّ الرّجل إذا ترك أبويه فلأمّه  الثّلث وللأب الثّلثان في كتاب اللّه- عزّ وجلّ- فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ، يعني: للميّت، يعني: إخوة لأب وأمّ، أو إخوة لأب فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وللأب خمسة أسداس، وإنّما وفّر للأب من أجل عياله، وأمّا الإخوة لأمّ ليسوا لأب فإنّهم لا يحجبون الأمّ عن الثّلث ولا يرثون.

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ: متعلّق بما تقدّمه من قسمة المواريث كلّها، أي: هذه الأنصباء للورثة من بعد وصيّة أو دين إن كانا.

قيل : وإنّما قال «بأو» الّتي للإباحة دون الواو، لدلالة على أنّهما متساويان في الوجوب مقدّمان على القسمة مجموعين ومفردين. وقدّم الوصيّة على الدّين وهي متأخّرة في الحكم، لأنّها مشبّهة بالميراث شاقّة على الورثة مندوب إليه الجميع، والدّين إنّما يكون على النّذور.

و قرأ ابن عامر وأبو بكر، بفتح الصّاد.

و في مجمع البيان : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- [أنّه قال:]  إنكم تقرءون في هذه الآية الوصيّة قبل الدّين، وإنّ رسول- صلّى اللّه عليه وآله- قضى بالدّين قبل الوصيّة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول في الدّين والوصيّة فقال: إنّ الدّين قبل الوصيّة، ثمّ الوصيّة على أثر الدّين، ثمّ الميراث ولا وصيّة للوارث.

قوله: «و لا وصيّة للوارث» نفي للاستحباب، لا للجواز.

آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً، أي: لا تعلمون من أنفع‏لكم، ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم، فتحرّوا فيه ما وصّاكم اللّه به ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمانه. أو من مورثيكم منهم، أمّن أوصى منهم فعرّضكم للثّواب بإمضائه وصيّته، أم من لم يوص فوفّر عليكم ماله، أو من أوصيتم له فوفّرتم عليه، أم من لم توصوا له فحرمتموه. وهو اعتراض مؤكّد لأمر القسمة، وتنفيذ الوصيّة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن إبراهيم بن مهزم، عن إبراهيم الكرخيّ، عن ثقة حدّثه من أصحابنا قال: تزوّجت بالمدينة، فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كيف رأيت؟

فقلت: ما رأى  رجل من خير في امرأة إلّا وقد رأيته فيها، ولكن خانتني.

فقال: وما هو؟

قلت: ولدت جارية.

فقال: لعلّك كرهتها، إنّ اللّه- جلّ ثناؤه- يقول: آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً.

 

 [فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ: مصدر، حذف عامله، أي: يوصيكم اللّه، لأنّه في معنى:

يأمركم، ويفرض عليكم.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً: بالمصالح والرّتب.

حَكِيماً  فيما قضى وقدّر.]

وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ: أيّ ولد وارث من بطنها، أو من صلب بنيها، أو بطن بناتها وإن سفل، ذكرا كان أو أنثى، منكم. أو من غيركم.

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ: فرض للرّجل بحقّ الزّواج ضعف ما للمرأة كما في النّسب، والعلّة هنا هي العلّة هناك، وتستوي الواحدة والعدد منهنّ في الرّبع والثّمن.

وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ: صفة رجل، بالبناء للمفعول، أي: يورث منه، أي:

الميّت.

كَلالَةً: خبر كان. أو «يورث» خبره، و«كلالة» حال من الضّمير فيه، والكلالة- حينئذ- من لم يخلّف ولدا ولا والدا. أو مفعول له، والمراد بها قرابة ليست من جهة الوالد والولد. ويجوز أن يكون «الوارث» و«يورث» من أورث، وكلالة من ليس بوالد ولا ولد.

و قرئ: «يورث» على البناء للفاعل، فالرّجل الميّت وكلالة تحتمل المعاني الثّلاثة، وعلى الأوّل خبر أو حال، وعلى الثّاني مفعول له، وعلى الثّالث مفعول به. وهي في الأصل مصدر، بمعنى: الكلال ، فاستعير لقرابة ليست بالبعضيّة، لأنّها كالّة بالإضافة إليها، ثمّ وصف بها المورث والوارث، بمعنى: ذي كلالة.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الكلالة ما لم يكن والد ولا ولد.

و في الكافي ، بسند آخر، عنه- عليه السّلام- مثله.

 

أَوِ امْرَأَةٌ: عطف على رجل.

وَ لَهُ، أي: وللرّجل. واكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه، أو لكلّ واحد منهما.

أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، أي: من الأمّ.

فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ:

سواء بين الذّكر والأنثى هاهنا، لأنّ الانتساب بمحض الأنوثة.

في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن عيسى، عن يونس جميعا عن عمر بن أذينة، عن بكير بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-:

امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمّها وإخوتها وأخواتها لأبيها.

فقال: للزّوج النّصف ثلاثة أسهم، وللإخوة والأخوات  من الأمّ الثّلث، الذّكرو الأنثى فيه سواء، وبقي سهم فهو للإخوة والأخوات من الأب لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لأنّ السّهام لا تعول. ولا ينقص الزّوج من النّصف ولا الإخوة من الأمّ من ثلثهم، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: «فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ وإن كانت واحدة فلها السّدس » والّذي عنى اللّه في قوله: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ إنّما عنى بذلك الإخوة والأخوات من الأمّ خاصّة.

و بطريق آخر ، عن الباقر- عليه السّلام- مثله بأدنى تغيير غير مغيّر للمعنى.

 

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ: لورثته بالزّيادة على الثّلث، أو قصد المضارّة بالوصيّة دون القربة والإقرار بدين لا يلزمه. وهو حال من فاعل «يوصى» المذكور في هذه القراءة، والمدلول عليه بقوله: «يوصى» على البناء للمفعول، في قراءة ابن عامر وابن كثير وابن عيّاش عن عاصم .

وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ: مصدر مؤكّد. أو منصوب «بغير مضارّ» على المفعول به، أي:

لا يضارّ وصيّة من اللّه وهو الثّلث فما دونه بالزّيادة. أو وصيّة من اللّه بالأولاد بالإسراف في الوصيّة والإقرار الكاذب.

و قرئ بإضافة «مضارّ» إلى الوصيّة .

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ: بالمضارّ وغيره.

حَلِيمٌ : لا يعاجل بعقوبته.

تِلْكَ: إشارة إلى الأحكام الّتي تقدّمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث حُدُودُ اللَّهِ: شرائعه الّتي كالحدود المحدودة، الّتي لا يجوز مجاوزتها.

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ :

توحيد الضّمير في يدخله للّفظ، وجمع خالدين للمعنى.

و قرأ نافع وابن عامر: «ندخله» بالنّون.و «خالدين» حال مقدّرة، كقولك: مررت برجل معه صقر صائد به غدا. وكذلك «خالدا» وليستا صفة لجنّات ونارا، والّا لوجب إبراز الضّمير، لأنّهما جرتا على غير من هما له .

وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ: أي يفعلنها، يقال: أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها، إذا فعلها. وهي الزّنا، لزيادة قبحها وشناعتها.

فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ: فاطلبوا ممّن قذفهنّ أربعة من الرّجال المؤمنين يشهدون عليهنّ.

فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ: فاحبسوهنّ فيها.

حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ، أي: حتّى يستوفي أرواحهنّ الموت، أو يتوفّاهن ملائكة الموت. كان ذلك عقوبتهم في أوائل الإسلام فنسخ بالحدّ.

في مجمع البيان : عن الباقر والصّادق- عليهما السّلام-: أنّ هذه الآية منسوخة.

أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا : كتعيين الحدّ المخلّص عن الحبس.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن هذه الآية: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ إلى سَبِيلًا.

قال: هذه منسوخة.

قال: قلت: كيف كانت؟

قال: كانت المرأة إذا فجرت، فقام عليها أربعة شهود أدخلت بيتا ولم تحدّث ولم تكلّم ولم تجالس، وأوتيت فيه بطعامها وشرابها حتّى تموت.

قلت: فقوله: أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا؟

قال: جعل السّبيل الجلد والرّجم.

وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ، يعني: الزّانية والزّاني.

و قرأ ابن كثير، بتشديد النّون، وتمكين مدّ الألف. والباقون، بالتّخفيف، من غير تمكين .

فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما: فاقطعوا عنهما الأذى، وأعرضوا عنهمابالإغماض والسّتر.

قيل : هذه الآية سابقا. على الأولى نزولا، وكان عقوبة الزّناة الأذى ثمّ الحبس ثمّ الجلد.

و قيل : الأولى في السّحّاقات، وهذه في اللّوّاطين، والزّانية والزّاني في الزّناة.

و كلا القولين مخالف لما نقل عن الأئمّة- عليهم السّلام- لما ثبت عنهم- عليهم السّلام- أنّ الآية الأولى منسوخة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: كان  في الجاهليّة إذا زنى الرّجل يؤذى و المرأة تحبس في بيت  إلى أن تموت، ثمّ نسخ ذلك بقوله- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا (الآية)  انتهى.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- ما يؤيّده .

إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً : علّة للأمر بالإعراض، وترك المذمّة.

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ، أي: قبول التّوبة الّذي أوجبه اللّه على نفسه بمقتضى وعده، أنّه من تاب عليه قبل توبته.

لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ: متلبّسين بها سفها، فإنّ ارتكاب الذّنب سفه وتجاهل.

و في مجمع البيان : روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: كلّ ذنب عمله العبد وإن كان عالما، فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربّه، فقد حكى اللّه سبحانه قول يوسف لإخوته: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ فنسبهم‏إلى الجهل، لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية اللّه.

و روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه  قيل له فإن عاد وتاب مرارا.

قال: يغفر اللّه له.

قيل: إلى متى؟

قال: حتّى يكون الشّيطان هو المحسور.

ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، أي: من زمان قريب، أي: قبل حضور الموت، لقوله- تعالى-: حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ سمّاه قريبا، لأنّ أمد الحياة قريب لقوله- تعالى-: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ أو قبل أن يشرب في قلوبهم حبّه، فيطبع عليها فيتعذّر عليهم الرّجوع.

و «من» للتّبعيض، أي: يتوبون في أيّ جزء من الزّمان القريب، الّذي هو ما قبل أن ينزل بهم سلطان الموت أو يزيّن السّوء.

في من لا يحضره الفقيه : قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في آخر خطبة خطبها: من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه، ثمّ قال: وإنّ السّنة لكثيرة، من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه، ثمّ قال: وإنّ الشّهر لكثير ، من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه. ثمّ قال: وإنّ اليوم  لكثير، من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه. ثمّ قال: وإنّ السّاعة لكثيرة، من تاب [قبل موته‏]  وقد بلغت نفسه هذه- وأهوى بيده إلى حلقة- تاب اللّه عليه.

و روى الثّعلبيّ : بإسناده إلى عبادة بن الصّامت، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- هذا الخبر بعينه، إلّا أنّه قال في آخره: وإنّ السّاعة لكثيرة، من تاب قبل أن يغرغر بها تاب اللّه عليه.

و روى- أيضا - بإسناده، عن الحسن قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا هبط إبليس قال: وعزّتك وعظمتك لا أفارق ابن آدم حتّى‏تفارق روحه جسده.

فقال اللّه سبحانه: وعزّتي وعظمتي لا أحجب التّوبة عن عبدي حتّى يغرغر بها.

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام-: إذا بلغت النّفس هاهنا- وأشار بيده إلى حلقه- لم يكن للعالم توبة، ثمّ قرأ هذه الآية .

و في تفسير العيّاشيّ : عن الباقر- عليه السّلام- مثله، وزاد: وكانت للجاهل توبة.

و لا يخفى المنافاة بينه وبين الأخبار الأوّلة. وقيل في الجمع : لعلّ السّبب في عدم قبول التّوبة من العالم في ذلك الوقت، حصول يأسه من الحياة بأمارات الموت، بخلاف الجاهل فإنّه لا ييأس إلّا بمعاينة الغيب.

و أقول في الجميع: يمكن أن يكون المراد بذنب العالم الّذي ليس له فيه توبة، ذنب صدر عنه بإضلال النّاس، عالما بإضلالهم للأغراض الدّنيويّة، فلا تقبل توبته- حينئذ- لأنّ محض النّدم في ذلك لا ينفع، لأنّ جمعا كثيرا قد عملوا بعلمه وضلّوا، فلا يجدي ندمه في ذلك الآن، فلا تقبل توبته. والمؤيّد لهذا الجمع، أنّه رتّب الحكم في الآية على العمل، وقال: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ وفي الخبر على صفة العلم، فيعلم أنّ منشأ العصيان إذا كان العمل، فهو قابل للتّوبة وقبولها. وإذا كان منشأه العلم، ليس بهذه المثابة.

قيل : ومن لطف اللّه بالعباد، أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرّجلين، ثمّ يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصّدر، ثمّ ينتهي إلى الحلق، ليتمكّن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على اللّه- تعالى- والوصيّة والتّوبة ما لم يعاين، والاستحلال وذكر اللّه- سبحانه- فيخرج روحه وذكر اللّه على لسانه، فيرجى بذلك حسن خاتمته. رزقنا اللّه ذلك، بمنّه وكرمه.

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: وعد بالوفاء، بما وعد به وكتب على نفسه من قبول التّوبة.وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: يعلم إخلاصهم في التّوبة.

حَكِيماً : لا يعاقب التّائب.

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ:

في من لا يحضره الفقيه : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن هذه الآية.

فقال: ذلك إذا عاين أمر الآخرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نزلت  في القرآن أنّ زعلون تاب حيث لم تنفعه التّوبة، ولم تقبل منه.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه:

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ قال: هو الفرّار تاب حين لم ينفعه التّوبة، ولم يقبل منه‏] .

وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ: سوّى بين من سوّف التّوبة إلى حضور الموت، من الفسقة والكفّار، وبين من تاب على الكفر في نفي التّوبة، للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة، وكأنّه قال: توبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء.

و قيل : المراد بالّذين يعملون السّوء عصاة المؤمنين، وبالّذين يعملون السّيّئات المنافقون لتضاعف كفرهم وسوء أعمالهم، وبالّذين يموتون الكفّار.

أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً : تأكيد لعدم قبول توبتهم، وبيان لتهيئة عذابهم، وأنّه يعذّبهم متى شاء.

و الأعتاد، من العتاد، وهو العدّة.

و قيل : أصله، أعددنا، فأبدلت الدّال الأولى.يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً:

في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية: أنّه  كان في الجاهليّة في أوّل ما أسلموا في قبائل العرب ، إذا مات حميم الرّجل وله امرأة ألقى الرّجل ثوبه عليها فورث  نكاحها بصداق حميمه الّذي كان أصدقها [فكان‏]  يرث نكاحها كما يرث ماله، فلمّا مات أبو قيس بن الأسلت ، ألقى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه وهي كبيشة  ابنة  معمّر بن سعيد ، فورث نكاحها، ثمّ تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها، فأتت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالت: يا رسول اللّه، مات أبو قيس بن الأسلت  فورث ابنه محصن نكاحي، فلا يدخل عليّ ولا ينفق عليّ ولا يخلّي سبيلي فألحق بأهلي.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ارجعي إلى بيتك فإن يحدث اللّه في شأنك شيئا فأعلمتك به. فنزل: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا فلحقت بأهلها، وكان نسوة  في المدينة قد ورث نكاحهنّ كما ورث نكاح كبيشة  غير أنّه ورثهنّ عن  الأبناء، فأنزل [اللّه:]  يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.

 

و في تفسير العيّاشيّ : عن إبراهيم بن ميمون، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن (هذه الآية) .قال: الرّجل يكون في حجره اليتيمة، فيمنعها من التّزويج يضرّ بها تكون قريبة له.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: إنّها نزلت في الرّجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها، وينتظر موتها حتّى يرثها.

و «كرها» في موضع الحال، أي: لا تأخذوهنّ على سبيل الإرث فتزوجوهنّ كارهات لذلك، أو مكرهات عليه.

و قرأ حمزة والكسائيّ: «كرها» بالضّمّ في مواضعه، وهما لغتان.

و قيل: بالضّمّ، المشقّة. وبالفتح، ما يكره عليه .

وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ: ولا تحبسوهنّ، ضرارا لهنّ.

لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ:

في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام- قال: الرّجل يكون له المرأة فيضربها حتّى تفتدي منه، فنهى اللّه عن ذلك.

و في مجمع البيان : (عنه- عليه السّلام-: أنّ المراد بها) الزّوج، أمره اللّه- سبحانه- بتخلية سبيلها إذا لم يكن له فيها حاجة، وأن لا يمسكها إضرارا بها حتّى تفتدي ببعض مالها.

و أصل العضل، التّضييق. يقال: عضلت الدّجاجة بيضها.

و قيل : في توجيه عطفه، أنّه عطف على «أن ترثوا» و«لا» لتأكيد النّفي. أو المراد «بلا يحلّ لكم» النّهي عن «أن ترثوا» فلا يلزم عطف الإنشاء على الإخبار.

إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ: كالنّشوز، وسوء العشرة، وعدم التّعفّف.

و الاستثناء من أعمّ عامّ الظّرف، أو المفعول له، تقديره: ولا تعضلوهنّ للافتداء إلّا وقت أن يأتين بفاحشة. أولا تعضلوهنّ لعلّة إلّا لأن يأتين بفاحشة.

و قرأ ابن كثير وأبو بكر «بفاحشة مبيّنة» هنا وفي الأحزاب والطّلاق، بفتح الياء.

و الباقون، بكسرها فيهنّ .

في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: كلّ معصية.

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام-: إذا قالت له: لا أغتسل لك من جنابة ولا أبرّ لك قسما ولأوطئنّ فراشك من تكرهه، حلّ له أن يخلعها ويحلّ له ما أخذ منها.

وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ: بالإنصاف في الفعل، والإجمال في القول.

فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ، أي: فلا تفارقوهنّ لكراهة النّفس، فإنّها قد تكره ما هو أصلح دينا وأكثر خيرا، وقد تحبّ ما هو بخلافه، وليكن نظركم إلى ما هو أصلح للدّين وأدنى إلى الخير.

و «عسى» في الأصل، علّة الجزاء، فأقيم مقامه، والمعنى: فإن كرهتموهنّ فاصبروا عليهنّ، فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ: تطليق امرأة، وتزوّج أخرى.

وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ:

جمع الضّمير، لأنّه أراد «بالزّوج» الجنس.

قِنْطاراً: مالا كثيرا.

في مجمع البيان : عن الباقر والصّادق- عليهما السّلام-: القنطار، مل‏ء مسك ثور ذهبا.

فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ، أي: من القنطار.

شَيْئاً، أي: شيئا قليلا.

أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً : استفهام إنكار وتوبيخ، أي: تأخذونه باهتين وآثمين. ويحتمل النّصب على العلة، كما في قولك: قعدّت من الحرب جبنا. لأنّ الأخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم.

قيل : كان الرّجل منهم، إذا أراد [امرأة]  جديدة بهت الّتي تحته بفاحشة حتّى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها، ليصرفه إلى تزوّج الجديدة، فنهوا عن ذلك.و «البهتان»، الكذب الّذي يبهت المكذوب عليه. وقد يستعمل في الفعل الباطل، ولذلك فسّر- هاهنا- بالظّلم.