سورة النّساء الآية 41-60

فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ: فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كلّ أمّة شهيد، يعني: نبيّهم ليشهد على فساد عقائدهم وقبح أعمالهم.

و الفاء في «فكيف» الفصيحة، أي: إذا عرضت حال هؤلاء. والظّرف، أعني:

  «إذا» متعلّق «بكيف»، أي: كيف حال هؤلاء في هذا الوقت .

وَ جِئْنا بِكَ: يا محمّد، عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً : تشهد على صدق هؤلاء الشّهداء لعلمك بعقائدهم، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم.

و قيل : هؤلاء إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم.

و قيل: إلى المؤمنين، كقوله تعالى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.

في كتاب التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام- وقد ذكر أهل المحشر: ثمّ يجتمعون في مواطن أخر  فيستنطقون فيفرّ بعضهم من بعض، (فذلك) قوله- عزّ وجلّ - يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ فيستنطقون فلا يتكلّمون إلّا من أذن له الرّحمن وقال صوابا، فيقوم الرّسل- عليهم السّلام- فيشهدون في هذه المواطن ، فذلك قوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.

 

و في كتاب الاحتجاج  للطبّرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث، يذكر فيه أحوال أهل الموقف، وفيه: فيقام الرّسل فيسألون  عن تأديةالرّسالات  الّتي حملوها إلى أممهم، فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم، وتسأل الأمم فيجحدونه  كما قال اللّه : فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فيقولون: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فيستشهد  الرّسل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيشهد بصدق الرّسل ويكذّب  من جحدها من الأمم فيقول لكلّ أمّة منهم: بلى فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ أي: مقتدر  على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرّسل إليكم رسالاتهم، ولذلك  قال اللّه- تعالى- لنبيّه: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم اللّه على أفواههم وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، ويشهد على منافقي قومه وأمّته [و كفّارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهوده  وتغييرهم سنّته واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم‏]  وارتدادهم على أدبارهم واحتذائهم في ذلك سنّة من تقدّمهم من الأمم الظّالمة الخائنة لأنبيائها، فيقولون بأجمعهم: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ

 

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القنديّ، عن سماعة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية ، قال: نزلت في أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- خاصّة، في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- شاهد علينا.

 [و في شرح الآيات الباهرات: مثله سواء]

 

 

أقول: نزول هذه الآية في هذه الأمّه لا ينافي عموم حكمها، فلا تنافي بين الأخبار.

و في مجمع البيان : وروي: أنّ عبد اللّه بن مسعود قرأ هذه الآية [على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-]  ففاضت عيناه.

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ: بيان لحالهم حينئذ، أي: يودّ الّذين كفروا بمعصية الرّسول في ذلك الوقت، أي: تسوّى بهم الأرض كالموتى، أو لم يبعثوا، أو لم يخلقوا وكانوا هم والأرض سواء.

وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً : عطف [على يودّ، أي: يومئذ لا يقدرون على كتمان حديث من اللّه، لأنّ جوارحهم تشهد عليهم.

و قيل : الواو للحال، أي: يودّون أن تسوّى بهم الأرض، وحالهم أنّهم لا يكتمون من اللّه حديثا ولا يكذبونه بقولهم: واللّه ربّنا ما كنّا مشركين. يشتدّ عليهم الأمر من شهادة جوارحهم فيتمنّون أن تسوّى بهم الأرض.

و في تفسير العيّاشي : عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن جدّه،  عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- في خطبة يصف بها  هول يوم القيامة: ختم على الأفواه فلا تكلّم، وتكلّمت  الأيدي، وشهدت الأرجل، ونطقت الجلود بما عملوا، فلا يكتمون اللّه حديثا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: يتمنّى الّذين غصبوا أمير المؤمنين- عليه السّلام- أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم الّذي اجتمعوا فيه على غصبه، وأن لم يكتموا  ما قاله رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيه.

و قرأ نافع وابن عامر: «تسوّى» على أنّ أصله «تستوي» فأدغم التّاء في السّين.

و حمزة والكسائي: «تسوّى» على حذف التّاء الثّانية، يقال: سوّيته فتسوّى .

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ، أي: لا تقوموا إليها وأنتم سكارى- من نحو نوم وكسل وغير ذلك- حتّى تعلموا وتفهمواما تقولون في صلاتكم.

قال البيضاويّ : روي أنّ عبد الرّحمن بن عوف صنع مأدبة ودعى نفرا من الصّحابة حين كانت الخمر مباحة، فأكلوا وشربوا حتّى ثملوا، وجاء وقت صلاة المغرب، فتقدّم أحدهم ليصلّي بهم، فقرأ: أعبد ما تعبدون. فنزلت.

قال : وقيل: أراد بالصّلاة مواضعها، وهي المساجد، وليس المراد منه نهي السّكران عن قربان الصّلاة، وإنّما المراد منه النّهي عن الإفراط في الشّرب والسّكر، من «السّكر» وهو السّدّ.

ما قاله مبنيّ على أنّ الخمر كان حلالا في أوّل الإسلام، وقد قدّمنا ما يدلّ على خلافه، بل المراد منه النّهي عن قربان الصّلاة في حالة سكر النّوم والكسل وغيره.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحلبيّ قال: سألته عن هذه الآية؟

قال: لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى، يعني: سكر النّوم، يقول: بكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، وليس كما يصف كثير من النّاس يزعمون أنّ المؤمنين يسكرون من الشّراب، والمؤمن لا يشرب مسكر ولا يسكر.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا محمّد بن عليّ بن ماجلويه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، وفيه يقول- عليه السّلام-: لا تقم إلى الصّلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فإنّها من خلال النّفاق، وقد نهى اللّه- عزّ وجلّ- المؤمنين أن يقوموا إلى الصّلاة وهم سكارى، يعني من النّوم.

و في الكافي: مثله .

 

و فيه : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي أسامة زيد الشّحّام قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول اللّه- عزّ وجلّ-: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى.

 

قال: سكر النّوم.و في من لا يحضره الفقيه : وروى زكريّا النّقّاص عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ.

 

قال: منه سكر النّوم.

و في كتاب الخصال

: فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: السّكر أربع سكرات: سكر الشّراب، وسكر المال، وسكر النّوم، وسكر الملك.

و أمّا

ما رواه في مجمع البيان : عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام-: «أنّ المراد به سكر الشّراب»

فمحمول على التّقيّة، لأنّه موافق لمذهب العامّة كما نقلنا عنهم.

و قد روي فيه: عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ المراد به سكر النّوم خاصّة.

و قرئ: «سكارى» بالفتح. و«سكرى» على أنّه جمع، كهلكى، أو مفرد، بمعنى:

و أنتم قوم سكرى. وسكرى كحبلى، على أنّه صفة الجماعة .

وَ لا جُنُباً:

قيل : عطف على قوله: وَأَنْتُمْ سُكارى إذ الجملة في موضع النّصب على الحال.

و الجنب، الّذي أصابته الجنابة. يستوي فيه المذكّر والمؤنّث والواحد والجمع، لأنّه يجري مجرى المصدر.

إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ:

قيل : متعلّق بقوله وَلا جُنُباً استثناء من أعمّ الأحوال، أي: لا تقربوا الصّلاة جنبا في حال من الأحوال إلّا في حال السّفر، وذلك إذا لم يجد الماء وتيمّم، ويدلّ عليه تعقيبه بذكر التّيمّم. أو صفة لقوله: جنبا، أي: جنبا غير عابري سبيل، وفيه (دلالة) على أنّ التّيمّم لا يرفع الحدث.

و قيل : المراد «بالصّلاة» مواضع الصّلاة، و«بعابري سبيل» المجتازون فيها.

و قيل : في الآية الكريمة قد استخدم- سبحانه- بلفظ الصّلاة لمعنيين: أحدهما، إقامة الصّلاة بقرينة قوله: حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ. والآخر، موضع الصّلاة بقرينة قوله‏- جلّ شأنه-: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ.

و فيه: أنّ الاستخدام إمّا بذكر لفظ وإرادة معنى وبضميره معنى آخر، أو بإرجاع الضّميرين إلى شي‏ء والإرادة من كلّ من ضمير به غير ما أريد بالآخر لا ثالث له، وفي الآية ليس كذلك. والأوجه أن يقال: بحذف «تقربوها» بعد كلمة «لا» معطوفا على الجملة السّابقة والحمل على الاستخدام حتّى لا تلزم مخالفة قاعدة الاستخدام، ويطابق الأخبار الأوّلة الدّالّة على أنّ المراد بالصّلاة معناها، والأخبار الدّالّة على أنّ المراد هنا المساجد.

ففي كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:

 

حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلنا  له: الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟

قال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، إنّ اللّه- تعالى- يقول:

وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا.

 

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : سئل الصّادق- عليه السّلام- عن الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟

فقال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، فإنّ اللّه- تعالى- يقول: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ويضعان فيه الشّي‏ء ولا يأخذان منه.

فقلت: فما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟

فقال: لأنّهما يقدران على وضع الشّي‏ء من غير دخول، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتّى يدخلا.

و قد روي في الكافي : عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته، كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟

فقال: لأنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه.و يمكن دفع المنافاة بين الخبرين، بأنّ المراد أنّ الوضع والأخذ إذا كان كلّ منهما مستلزما للدّخول واللّبث ودعت الضّرورة إلى أخذ ما وضعته سابقا جاز الأخذ دون الوضع، وإذا لم يكن الوضع مستلزما للدّخول واللّبث وكان الأخذ غير مستلزم لهما جاز الوضع دونه.

حَتَّى تَغْتَسِلُوا: غاية النّهي عن القربان حال الجنابة.

وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى: مرضا يخاف معه من استعمال الماء، فإنّ الواجد له فاقده معه. أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه. وهذا التّقييد وكذا التّقييد الآتي مفهوم من قوله:

 «فلم تجدوا» لأنّه متعلّق بالجمل الأربع .

و في مجمع البيان

: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى قيل: نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا ولم يستطع أن يقوم فيتوضّأ.

فالمرض الّذي يجوز فيه التّيمّم، مرض الجراح والكسر والقروح إذا خاف صاحبها من مسّ الماء، عن ابن عبّاس وابن مسعود والسّدي والضّحّاك ومجاهد وقتادة.

و قيل: هو المرض الّذي لا يستطيع معه تناول الماء ولا يكون هناك من يناوله، عن الحسن وابن زيد، وكان الحسن لا يرخّص للجريح التّيمّم.

و المرويّ عن السّيّدين الباقر والصّادق- عليهما السّلام- جواز التّيمّم في جميع ذلك.

أَوْ عَلى سَفَرٍ: لا تجدونه فيه.

أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ: فأحدث بخروج الخارج من أحد السّبيلين ولم يجد ماء.و أصل الغائط، المكان المطمئنّ من الأرض.

أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ:

قيل : أي: مسستم بشرتهنّ ببشرتكم.

و قرأ حمزة والكسائيّ هنا وفي المائدة: «لمستم» واستعماله الكناية عن الجماع أقلّ من الملامسة . والمراد هنا: جامعتم.

ففي الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ- أو لامستم.

قال: هو الجماع، ولكنّ اللّه ستير يحب السّتر فلم يسمّ كما تسمّون.

و في تفسير العيّاشيّ : عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

اللّمس، الجماع.

عن أبي مريم  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: ما تقول في الرّجل يتوضّأ ثمّ يدعو بجاريته فتأخذ بيده حتّى ينتهي إلى المسجد، فإنّ من عندنا يزعمون أنّها الملامسة؟

فقال: لا واللّه، ما بذلك بأس، وربّما فعلته، وما يعني بهذا، أي: لامَسْتُمُ النِّساءَ إلّا المواقعة دون الفرج.

عن الحلبيّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سأله قيس بن رمّانه قال:

أتوضّأ ثمّ أدعو الجارية فتمسك بيدي فأقوم وأصلّي، أعليّ وضوء؟

فقال: لا.

قال فإنّهم يزعمون أنّه اللّمس.

قال: لا واللّه، ما اللّمس إلّا الوقاع، يعني: الجماع. ثمّ قال: قد كان أبو جعفر- عليه السّلام- بعد ما كبر يتوضّأ ثمّ يدعو الجارية فتأخذ  بيده فيقوم ويصلّي.

فَلَمْ تَجِدُوا ماءً: بأن تفقدوه، أو لم تتمكّنوا من استعماله كما سبق، والعبارة:

فلم يوجد ماء. والعدول لإرادة هذا المعنى.فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ: فتعمّدوا ترابا طاهرا، فامسحوا ببعض الوجوه والأيدي.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي أيّوب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

التّيمّم بالصّعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير من ماء، أليس اللّه يقول: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.

 

قال: قلت: فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت؟

قال: فقال: قد مضت صلاته.

قال: قلت له: فيصلّي بالتّيمّم صلاة أخرى.

قال: إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التّيمّم.

و في كتاب معاني الأخبار : وقد روي عن الصّادق أنّه قال: الصّعيد، الموضع المرتفع. والطّيّب، الموضع الّذي ينحدر منه الماء.

و قيل : الصّعيد، وجه الأرض، ترابا كان أو غيره فيجوز التّيمّم على الحجر الصّلد. ويدفعه من القرآن قوله في المائدة: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، أي: من بعضه، وجعل «من» لابتداء الغاية تعسّف إذ لا يفهم في مثله إلّا التّبعيض.

و من الحديث‏

قوله- صلّى اللّه عليه وآله-: جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا .

فلو كان مطلق الأرض طهورا لكان ذكر التّراب مخلا، وكان العبارة أن يقول:

جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا  كما في الرّواية الأخرى.

و الآية دلّت على أنّ المسح ببعض الرّأس واليدين لمكان الباء لا لإفادة الباء التّبعيض، حتّى يرد أنّ سيبويه صرّح بخلافه بل لمكانه وكونه حيث لم يحتج إليه، لتعدية الفعل بنفسه إلى المفعول.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً : فلذلك يسّر الأمر عليكم، ورخّص لكم.أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا: من رؤية البصر، أي: ألم تنظر إليهم. أو القلب.

و عدّي «بإلى» لتضمين معنى الانتهاء.

نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ.

قيل : حظّا يسيرا من [علم‏]  التّوراة، لأنّ المراد أحبار اليهود.

يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ: بالهدى، يختارونها على الهدى. أو يستبدلونها بعد تمكّنهم منه. أو حصوله لهم.

قيل: بإنكار نبوّة محمّد.

و قيل : يأخذون الرّشى ويحرّفون التّوراة.

وَ يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا: أيّها المؤمنون.

السَّبِيلَ : سبيل الحقّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في هذه الآية: ويَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ، يعني: ضلّوا في أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- ويريدون أن تضلّوا السّبيل، يعني: أخرجوا النّاس من ولاية أمير المؤمنين وهو الصّراط المستقيم.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ: منكم، بِأَعْدائِكُمْ: وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم فاحذروهم، وكفى باللّه وليّا يلي أمركم.

وَ كَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً : يعينكم، فثقوا عليه واكتفوا به عن غيره.

و «الباء» تزاد في فاعل «كفى» ليؤكّد الاتّصال الإسناديّ بالاتّصال الإضافي.

مِنَ الَّذِينَ هادُوا: بيان «للّذينَ أوتوا نصيبا» أو «لأعدائكم» أو صلة «لنصيرا»: أي: ينصركم من الّذين هادوا ويحفظكم منهم، على الاحتمال الأوّل. وخبر مبتدأ محذوف، بناء عليه أو على ما في تفسير عليّ بن إبراهيم، وصفة ذلك المبتدأ «يحرّفون الكلم عن مواضعه»، أي: من الّذين هادوا قوم.

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، أي: يميلونه، عَنْ مَواضِعِهِ: الّتي وضعه اللّه فيها، بإزالته عنها وإثبات غيره فيها، كما حرّفوا في‏وصف محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أسمر ربعة عن موضعه في التّوراة ووضعوا مكانه: آدم طوال. أو يأوّلونه على ما يشتهون، فيميلونه عمّا أنزل اللّه فيه.

وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا: قولك.

وَ عَصَيْنا: أمرك.

وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، أي: مدعوّا عليك بلا سمعت بصمم أو موت. أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه. أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه. أو اسمع كلاما غير مسمع إيّاك، لأنّ أذنك تنبو عنه فيكون مفعولا به. أو اسمع غير مسمع مكروها، من قولهم: أسمعه فلان، إذا سبّه. وإنّما قالوه نفاقا.

وَ راعِنا: انظرنا نكلّمك، أو نفهم كلامك.

لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ: فتلا بها وصرفا للكلام إلى ما يشبه السّبّ، حيث وضعوا «راعنا» المشابه لما يتسابون به في موضع «انظرنا» و«غير مسمع» موضع «لا سمعت مكروها». أو فتلا وضمّا لما يظهرون من الدّعاء والتّوقير، إلى ما يضمرون من السّبّ والتّحقير نفاقا.

وَ طَعْناً فِي الدِّينِ: استهزاء به وسخرية.

وَ لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا: ولو ثبت قولهم هذا مكان ما قالوا، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ: أعدل وأسدد. ويجب حذف الفعل بعد «لو» في مثل ذلك لدلالة أنّ عليه ووقوعه موقعه.

وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ: ولكن أبعدهم اللّه من الهدى بسبب كفرهم.

فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ، أي: إيمانا قليلا لا يعبأ به، وهو الإيمان ببعض الآيات والرّسل. أو إيمانا ضعيفا لا إخلاص فيه.

و يجوز أن يراد بالقلّة العدم، كقوله: قليل التّشكّي للمهمّ يصيبه.

أو إلّا قليلا منهم قد آمنوا، أو سيؤمنون.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها:

الطّمس، المحو. يقال: طمسته طمسا، محوته. والشي‏ء، استأصلت أثره.

قيل : أي: من قبل أن نمحو تخطيط صورها ونجعلها على هيئة أدبارها، يعني:الأقفاء. أو ننكسها إلى ورائها في الدّنيا أو في الآخرة.

و قيل : الطّمس يطلق لمطلق التّغيير، والقلب، والمعنى: من قبل أن نغيّر وجوها فنسلب وجاهتها وإقبالها ونكسوها الصّغار والأدبار ونردّها إلى حيث جاءت منه، وهي أذرعات الشّام، يعني: إجلاء بني النّضير. ويقرب منه قول من قال: إنّ المراد بالوجوه الرّؤساء.

و في مجمع البيان : في رواية أبي الجارود عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ المعنى:

أن نطمسها عن الهدى فنرّدها على أدبارها في ضلالتها بحيث لا يفلح  أبدا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر الجعفيّ قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام- في حديث له طويل: يا جابر، أوّل الأرض المغرب تخرب أرض الشام . يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات : راية الأصهب وراية الأبقع وراية السّفيانيّ، فيلقى السّفياني الأبقع [فيقتتلون‏]  فيقتله ومن معه وراية الأصهب، ثمّ لا يكون لهم همّ إلّا الإقبال نحو العراق [و يمّر  جيشه بقرقيسا. فيقتتلون بها. فيقتل بها من الجبارين مائة ألف.]  ويبعث السّفيانيّ جيشا إلى الكوفة وعدّتهم سبعون ألفا فيصيبون من أهل الكوفة قتلا وصلبا وسبيا. (فبينا)  هم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل [طيّا]  حثيثا ومعهم نفر من أصحاب القائم- عليه السّلام- يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في صنعاء . فيقتله أمير جيش السّفيانيّ بين الحيرة والكوفة. ويبعث السّفيانيّ بعثا إلى‏

المدينة فيفرّ المهديّ- عليه السّلام- منها إلى مكّة. فيبلغ أمير جيش السّفياني أنّ المهديّ قد خرج من المدينة. فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتّى يدخل مكّة خائفا يترقّب على سنّة موسى بن عمران.

 [قال:]  وينزل جيش أمير السّفيانيّ البيداء. فينادي مناد من السّماء: «يا بيداء بيدي  بالقوم.» فيخسف بهم البيداء، فلا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر يحوّل اللّه وجوههم في أقفيتهم. وهم من كلب. وفيهم أنزلت [هذه الآية]  «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما أنزل على عبدنا»، يعني: القائم- عليه السّلام- مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها.

و روى عمرو بن شمر، عن جابر  قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: نزلت هذه الآية على محمّد هكذا: «يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلت في عليّ مصدّقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها أو نلعنهم» إلى [قوله‏]  «مفعولا» وأمّا قوله: مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ يعني: مصدّقا برسول  اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن منخّل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

نزل جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بهذه الآية هكذا: يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا في عليّ- عليه السّلام- نورا مبينا.

أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ: أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب السّبت، أو نلعنهم على لسانك كما لعنّاهم على لسان داود. والضّمير لأصحاب الوجوه، أو للّذين على طريقة الالتفات، أو للوجوه إن أريد بها الوجهاء.

قيل : وعطفه على الطّمس بالمعنى الأوّل يدلّ على أنّ المراد به ليس مسخ الصّورة في الدّنيا.و فيه: أنّه مسخ خاصّ، فيصحّ أن يكون مقابلا لمسخ أصحاب السّبت. ومن حمل الوعيد على تغيّر الصّورة في الدّنيا قال: إنّه بعد مترقّب، أو كان وقوعه مشروطا بعدم إيمانهم. وقد آمن منهم طائفة.

وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ: بإيقاع شي‏ء، أو وعيده، أو ما حكم به وقضاه.

مَفْعُولًا : نافذا، أو كائنا فيقع لا محالة ما أوعدتم به إن لم تؤمنوا.

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ: لأنّه حكم بخلود عذابه وأوجب على نفسه تعذيبه، لأنّه لا ينمحي عنه أثره فلا يستعد للعفو إلّا أن يتوب ويرجع إلى التّوحيد، فإنّ باب التّوبة مفتوح أبدا.

في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- وبإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه يحاسب كلّ خلق إلّا من أشرك باللّه، فإنّه لا يحاسب [يوم القيامة]  ويؤمر به إلى النّار.

وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ، أي: ما دون الشّرك، صغيرا كان أو كبيرا.

في أصول الكافي : يونس، عن ابن بكير، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر لما دون ذلك لمن يشاء الكبائر فما سواها.

قال: قلت: دخلت الكبائر في الاستثناء؟

قال: نعم.

لِمَنْ يَشاءُ: تفضّلا عليه وإحسانا.

و المراد «بمن يشاء» الشّيعة خاصّة يغفر لهم ما سوى الشّرك، فمن كان شيعة وخرج من الدّنيا مشركا لا يغفر له كما لا يغفر لسائر المشركين، وإن لم يكن مشركا يغفر له- وإن كان عليه ذنوب أهل الأرض غير الشّرك.

و الدّليل على أنّ المراد «بمن يشاء» الشّيعة

ما رواه العيّاشي في تفسيره : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أمّا قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ يعني:

أنّه لا يغفر لمن يكفر بولاية عليّ. وأمّا قوله: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ يعني: لمن والى‏عليّا- عليه السّلام-.

و ما رواه في من لا يحضره الفقيه : بإسناده إلى أمير المؤمنين قال: ولقد سمعت حبيبي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: لو أنّ المؤمن خرج من الدّنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الذّنوب، ثمّ قال- عليه السّلام-: من قال لا إله إلّا اللّه بإخلاص فهو بري‏ء من الشّرك، ومن خرج من الدّنيا لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنّة، ثمّ تلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ من شيعتك ومحبّيك يا عليّ.

قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقلت: يا رسول اللّه، هذا لشيعتي؟

قال: إي وربّي إنّه لشيعتك.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و الدّليل على أنّه يغفر ذنوب الشّيعة وإن لم يتب ولو كان عليه مثل ذنوب أهل الأرض ما سبق و

ما رواه في كتاب التّوحيد : بإسناده إلى أبي ذرّ- رحمه اللّه- قال:

خرجت ليلة من اللّيالي، فإذا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يمشي وحده وليس معه إنسان، فظننت أنّه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني.

فقال لي من هذا؟

فقلت أبو ذر جعلني اللّه فداك.

قال: يا أبا ذرّ تعال.

قال: فمشيت معه ساعة، فقال: إنّ المكثرين هم الأقلّون يوم القيامة إلّا من أعطاه اللّه خيرا، فنفخ منه بيمينه وشماله وبين يديه وورائه وعمل فيه خيرا.

قال فمشيت معه ساعة، فقال لي: اجلس هاهنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس حتّى أرجع إليك.

قال فانطلق  في الحرّة حتّى لم أره وتوارى عنّي فأطال اللّبث، ثمّ إني سمعته وهو مقبل وهو يقول: وإن زنى وإن سرق، فلمّا جاء لم أصبر حتّى قلت: يا نبيّ اللّه جعلني اللّه‏فداك من تكلّمه  في جانب الحرّة، فإني ما سمعت أحدا يردّ عليك [من الجواب‏]  شيئا؟

قال: ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرّة، فقال: بشّر أمّتك إنّ من مات لم يشرك  باللّه- عزّ وجلّ- شيئا دخل الجنّة.

فقلت: يا جبرئيل، وإن زنى وإن سرق؟

قال: نعم.

قلت: وإن زنى وإن سرق؟

قال: نعم ، وإن شرب الخمر.

و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أمّا قوله:

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ يعني: أنّه لا يغفر لمن يكفر بولاية عليّ. وأمّا قوله: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ يعني: لمن والى عليّا- عليه السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فإنّه حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: دخلت الكبائر في الاستثناء؟

قال: نعم.

عن أبي العبّاس قال: سألت أبا عبد اللّه عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا؟

قال: من ابتدع رأيا فأحبّ عليه أو أبغض.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: فامّا الظلم الّذي لا يغفر فالشرك باللّه، قال اللّه سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.

 

و في مجمع البيان : وقف اللّه- سبحانه- المؤمنين الموحّدين بهذه الآية بين الخوف والرّجاء، وبين العدل والفضل، وذلك صفة المؤمنين، ولذلك‏

قال الصّادق- عليه السّلام-: لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا.

و في كتاب التّوحيد : بإسناده إلى ثوير، عن أبيه أنّ عليّا- عليه السّلام- قال:ما في القرآن آية أحبّ إليّ من قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.

 

وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً : ارتكب ما استحقر دونه الآثام.

و هو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذّنوب والافتراء، أو كما يطلق على القول يطلق على الفعل، وكذلك الاختلاق.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ:

في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّها نزلت في اليهود والنّصارى حين قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وقالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى.

 

و الجمع، أنّها نزلت في الأوّلين وجرت في الآخرين، وفيمن يسمّون أنفسهم باهل الرّياضة والتّوحيد ويجعلون أنفسهم ممتازة من أهل القشر والتّقليد.

بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ: لأنّه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حسن وقبح، ولا غرض في التّزكية، وقد ذمّهم وزكّى المرتضين من عباده المؤمنين.

و أصل التّزكية، نفي ما يستقبح فعلا]  وقولا.

وَ لا يُظْلَمُونَ: بالذّمّ والعقاب على تزكيتهم أنفسهم بغير حقّ، فَتِيلًا : أدنى ظلم وأصغره. وهو الخيط الّذي في شقّ النّواة، يضرب به المثل في الحقارة.

انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ: في زعمهم أنّهم أبناء اللّه وأزكياء عنده، أو خلفاؤه، أو أولياؤه.وَ كَفى بِهِ: بزعمهم هذا، أو بالافتراء، إِثْماً مُبِيناً : لا يخفى كونه مأثما من بين آثامهم أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ:

قيل : نزلت في يهود، كانوا يقولون: إنّ عبادة الأصنام أرضى عند اللّه، ممّا يدعو إليه محمّد.

و قيل : في حيّ بن أخطب، وكعب بن الأشرف، وجمع من اليهود، خرجوا [إلى مكّة]  يحالفون قريشا على محاربة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: أنتم أهل الكتاب. وأنتم أقرب إلى محمّد منكم إلينا. فلا نأمن مكركم. فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئنّ إليكم، ففعلوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: نزلت في اليهود، حين سألهم مشركو العرب:

أ ديننا أفضل أم دين محمّد؟ قالوا: بل دينكم أفضل.

و روي أيضا : أنّها نزلت في الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم، وحسدوا منزلتهم.

و روى العيّاشي : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ الجبت والطّاغوت، فلان وفلان.

و «الجبت» في الأصل، اسم صنم. فاستعمل في كلّ ما عبد من دون اللّه.

و قيل: أصله، الجبس. وهو الّذي لا خير فيه، فقلبت سينه تاء  والطّاغوت، يطلق لكلّ باطل من معبود أو غيره .

وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا، أي: لأجلهم وفيهم.

هؤُلاءِ: إشارة إليهم.

أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا  أقوم دينا، وأرشد طريقا.

في الكافي : عن الباقر- عليه السّلام-: «يقولون» لأئمّة الضّلال  والدّعاة إلى النّار: «هؤلاء أهدى» من آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- [ «سبيلا»] .

أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً :

يمنع العذاب بشفاعة، أو غيرها.

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ: إنكار، يعني: ليس لهم ذلك.

فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً ، يعني: لو كان لهم نصيب فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ ما يوازي «نقيرا» وهو النّقطة الّتي في وسط النّواة. وهذا هو الإغراق في بيان شحّهم، فإنّهم نجلوا بالنّقير وهم ملوك، فما ظنّك بهم إذا كانوا أذّلاء متفاقرين.

و يحتمل أن يكون إنكار، أنّهم أوتوا نصيبا من الملك على الكناية، وأنّهم لا يؤتون النّاس شيئا.

و «إذا»  إذا وقع بعد الواو أو الفاء، لا لتشريك مفرد، جاز فيه الإلغاء والإعمال. ولذلك قرئ: «فإذا لا يؤتوا» على النّصب .

و في الكافي : عن الباقر- عليه السّلام-: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، يعني:

الإمامة والخلافة. قال : ونحن النّاس الّذين عنى اللّه. والنّقير، النّقطة الّتي في وسط النّواة.

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ: قيل : بل أ يحسدون النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وأصحابه، أو العرب، أو النّاس جميعا.

عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: قيل : النّبوّة والكتاب والنّصرة والإعزاز، وجعل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- الموعود منهم.

و في الكافي وتفسير العيّاشي وغيرهما في عدّة روايات، عنهم- عليه السّلام -:

نحن المحسودون الّذين قال اللّه، على ما آتانا ومن الامامة.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: المراد بالنّاس، النّبيّ وآله‏- صلّى اللّه عليه وآله-.

 [و في أصول الكافي : أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: نحن قوم فرض اللّه- عزّ وجلّ- طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الرّاسخون في العلم، ونحن المحسودون الّذين قال اللّه-: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ قال: نحن المحسودون.

الحسين بن محمد، عن المعلّى بن محمّد ، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.

فقال: يا أبا الصّباح، نحن- واللّه- النّاس المحسودون.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن عليّ بن فضّال، عن ابن أيّوب  جميعا، عن معاوية بن عمّار، عن عمرو بن عكرمة قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت [له:]  لي جار يؤذيني.

فقال: أرحمه.

فقلت: لا رحمه اللّه. فصرف وجهه عنّي [قال:]  فكرهت أن أدعه، فقال:

ارحمه، فقال: لا رحمه اللّه ، فقلت: يفعل بي كذا وكذ  ويؤذيني، فقال: أ رأيت إن كاشفته انتصفت منه. فقلت: بلى أربي  عليه. فقال: إنّ ذا ممّن يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فإذا رأى نعمة على أحد فكان له أهل جعل بلاءه عليهم. وإن‏لم يكن [له‏]  أهل جعله على خادمه. فإن لم يكن له خادم أسهر ليله وأغاظ  نهاره.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.]

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ: الّذين هم أسلاف النّبيّ، وبني عمّه.

الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً : فلا يبعد أن يؤتيهم مثل ما آتاهم.

في تفسير علي بن إبراهيم : عن الصّادق- عليه السّلام-: الكتاب، النّبوّة.

و الحكمة، الفهم والقضاء. والملك العظيم، الطّاعة المفروضة.

و في الكافي وتفسير العيّاشي : عن الباقر- عليه السّلام-: يعني: جعل منهم الرّسل والأنبياء والأئمّة، فكيف يقرّون في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمّد؟! وقال:

الملك العظيم، أن جعل فيهم أئمّة من أطاعهم أطاع اللّه ومن عصاهم عصى اللّه، فهو الملك العظيم.

 [و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن مختار، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه: وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً قال: الطّاعة المفروضة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن النضّر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن محمّد الأحول، عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول اللّه عزّ وجلّ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ .

قال: النّبوّة. قلت: الْحِكْمَةَ.

قال: الفهم والقضاء.

قلت: وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

قال: الطّاعة.عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

 [قال:]  جعل منهم الرّسل والأنبياء والأئمّة، فكيف يقرّون في آل إبراهيم وينكرونه  في آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله؟! قال: قلت: وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

قال: الملك العظيم، أن جعل فيهم أئمّة من أطاعهم فقد أطاع اللّه ومن عصاهم فقد عصى اللّه، وهو الملك العظيم.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في وصف الإمامة والإمام قال- عليه السّلام-: إنّ الأنبياء والأئمّة يوفّقهم اللّه ويؤتيهم من مخزون  علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كلّ علم أهل زمانهم، في قوله- عزّ وجلّ-:  أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وقال- عزّ وجلّ- لنبيّه : وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

 وقال- عزّ وجلّ- في الأئمّة من أهل بيته وعترته وذرّيّته: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

و فيه ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمّة، حديث طويل، وفيه: فقال له المأمون: هل فضّل اللّه العترة على سائر النّاس؟

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تعالى- أبان فضل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه.

فقال له المأمون: أين ذلك من كتاب اللّه- تعالى؟

فقال له الرّضا- عليه السّلام-: في قوله- تعالى -: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ [وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.]

و قال- عزّ وجلّ- في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [...] يعني الطّاعة للمصطفين الطّاهرين فالملك هاهنا هو الطّاعة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن الفضل، عن أبي حمزة الثّماليّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- يجعل العلم جهلا ولم يكل أمره إلى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل، ولكنّه أرسل رسلا من الملائكة إلى نبيّه فقال له: كذا وكذا، وأمره بما يحبّه  ونهاه عما يكره  فقصّ عليه ما قبله وما خلفه بعلم. فعلّم ذلك العلم أنبياءه وأولياءه  وأصفياءه من الآباء والإخوان بالذّرّيّة الّتي بعضها من بعض. وذلك قوله- عزّ وجلّ-:

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فأمّا الْكِتابَ، النّبوّة. وأمّا الْحِكْمَةَ، فهم الحكماء من الأنبياء والأولياء والأصفياء [من الصّفوة] .

و قال- عليه السّلام- فيه - أيضا-: إنّما الحجّة في آل إبراهيم لقول اللّه- عزّ وجلّ-: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

فالحجّة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء حتى تقوم السّاعة.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله سواء.

 

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ  قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن عمر

 الزّهريّ  معنعنا، عن إبراهيم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك ما تقول في هذه الآية: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً..

 

قال: نحن النّاس الذين قال اللّه، ونحن المحسودون، ونحن أهل الملك، ونحن ورثنا النّبيّين، وعندنا عصا موسى، وإنّا لخزّان اللّه  في الأرض لا نحزن على ذهب  ولا فضّة، وإنّ منّا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والحسن والحسين- عليهما السّلام.]

 

فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ:

قيل : بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أو بما ذكر من حديث آل إبراهيم.

و قيل : معناه: فمن آل إبراهيم «من آمن به» ومنهم من كفر، ولم يكن في ذلك وهن في أمره، فكذا لا يوهن كفر هؤلاء أمرك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهم سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار.

وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، أي: أعرض عنه ولم يؤمن.

وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً : نارا مسعورة يعذّبون بها، يعني: إن لم يعجّلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعدّ لهم من سعير جهنّم.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً:

في تفسير عليّ بن إبراهيم : الآيات، أمير المؤمنين والأئمّة- عليه السّلام.

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ:

قيل : بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى، كقولك: بدّلت الخاتم قرطا.

أو بأن يزال عنه أثر الإحراق، ليعود إحساسه للعذاب.

و قيل : يخلق مكانه جلد آخر.و العذاب في الحقيقة للنّفس العاصية المدركة، لا لآلة  إدراكها، فلا محذور.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-:

 

و عن حفص بن غياث قال: شهدت المسجد الحرام، وابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- وعن هذه الآية، فقال: ما ذنب الغير؟

قال: ويحك، هي هي، وهي غيرها.

قال: فمثّل لي في ذلك شيئا من أمر الدّنيا.

قال: نعم، أ رأيت لو أنّ رجلا أخذ لبنة فكسرها، ثمّ ردّها في ملبنها، فهي هي وهي غيرها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قيل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: كيف تبدّل جلودهم غيرها؟

قال: أ رأيت لو أخذت لبنة فكسرتها وصيّرتها ترابا، ثمّ ضربتها في القالب أ هي كانت، إنّما هي ذلك وحدث تغيير  آخر والأصل واحد.

 [و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن عليّ [قال: أخبرني سماعة بن مهران‏]  قال: أخبرني الكلبيّ النّسّابة قال: قلت لجعفر بن محمّد- عليه السّلام-: ما تقول في المسح على الخفّين؟ فتبسّم ثمّ قال: إذا كان يوم القيامة وردّ اللّه كلّ شي‏ء إلى منبته  وردّ الجلد إلى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان المروزيّ، قال الرّضا- عليه السّلام- في أثناء كلام بينه- عليه السّلام- وبين سليمان:

يا سليمان، هل يعلم [اللّه‏]  جميع ما في الجنّة والنّار؟قال سليمان: نعم.

قال: أ فيكون ما علم اللّه- عزّ وجلّ- أنّه يكون من ذلك؟

قال: نعم.

قال: فإذا كان [حتّى‏]  لا يبقى منه شي‏ء إلّا كان أ يزيدهم أو يطويه عنهم؟

قال سليمان: بل يزيدهم .

قال: فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون.

قال: جعلت فداك، فالمزيد  لا غاية له.

قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف [غاية]  ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون ، تعالى اللّه عن ذلك علّوا كبيرا.

قال سليمان: إنّما قلت: لا يعلمه، لأنّه لا غاية لهذا، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا.

قال الرّضا- عليه السّلام-: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم، لأنّه قد يعلم ذلك ثمّ يزيدهم ثمّ لا يقطعه عنهم، وكذلك قول  اللّه- عزّ وجلّ-: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ وقال لأهل الجنّة : عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ وقال- عزّ وجلّ- : وفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ فهو- جلّ وعزّ- يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزّيادة.

و في باب آخر ، عنه- عليه السّلام- بإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ قاتل الحسين بن عليّ- عليه السّلام- في تابوت من نار. عليه‏نصف عذاب أهل الدّنيا. وقد شدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، منكس في النّار حتّى يقع في قعر جهنّم. وله ريح يتعوّذ أهل النّار إلى ربّهم من شدّة نتنه. وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتله. كلّما نضجت جلودهم بدّل اللّه- عزّ وجلّ- عليهم الجلود حتّى يذوقوا العذاب الأليم. لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنّم، فالويل لهم من عذاب النّار.]

 

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً: لا يمتنع عليه ما يريده.

حَكِيماً : يعاقب على وفق حكمته.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً: تقديم ذكر الكفّار ووعيدهم لأنّ الكلام فيهم، وذكر المؤمنين بالعرض.

لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ: من الأقذار الّتي تكون لأزواج الدّنيا.

وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا : فيئانا لا جوب فيه، ودائما لا تنسخه الشّمس. وهو إشارة إلى النّعمة التّامّة الدّائمة.

و «الظّليل» صفة، مشتقّة من الظّلّ، لتأكيده، كقولهم: شمس شامس. وليل أليل . ويوم أيوم.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها:

قيل : نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة بن عبد الدّار لمّا أغلق باب الكعبة وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها، وقال: لو علمت أنّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لم أمنعه. فلوى عليّ- عليه السّلام- يده وأخذه منه. ودخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وصلّى ركعتين. فلمّا خرج سأله العبّاس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السّقاية والسّدانة. فأمره اللّه أن يردّه إليه. فأمر عليّا- عليه السّلام- يردّه ويعتذر إليه. وصار ذلك سببا لإسلامه. ونزل الوحي بأنّ السّدانة في أولاده أبدا.

و في مجمع البيان ، عنهما- عليهما السّلام-: أنّها في كلّ من ائتمن أمانة من الأمانات، وأمانات اللّه أوامره ونواهيه، وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من‏المال وغيره .

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في وصيّته له: اعلم أنّ ضارب عليّ- عليه السّلام- بالسّيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثمّ قبلت ذلك منه لأدّيت إليه الأمانة.

و في معاني الأخبار : حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ قال: حدّثني أبي، عن جدّي أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عن يونس بن عبد الرّحمن قال: سألت موسى بن جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها. فقال: هذه مخاطبة لنا خاصّة. أمر اللّه- تبارك وتعالى- كلّ إمام منّا أن يؤدّي إلى الإمام الّذي بعده ويوصي إليه، ثمّ هي جارية في سائر الأمانات. [و لقد حدّثني أبي، عن أبيه: أنّ عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال لأصحابه: عليكم بأداء الأمانة، فلو أنّ قاتل [أبي‏]  الحسين بن عليّ ائتمنني على السّيف الّذي قتله [به‏]  لأدّيته إليه.] .

و في تفسير العيّاشي : عن الباقر- عليه السّلام-: إيّانا عنى أن يؤدّي الإمام الأوّل إلى الّذي بعده العلم والكتب والسّلاح. [و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أحمد بن عمر قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها.

 

قال: هم الأئمّة من آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أن يؤدّي الإمام الأمانة إلى من بعده، ولا يخصّ بها غيره، ولا يزويها  عنه.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها..

قال: هم الأئمّة يؤدّي الإمام إلى الإمام من بعده. ولا يخصّ بها غيره.

و لا يزويها عنه.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن ابن أبي يعفور، عن المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها..

قال: أمر اللّه الإمام الأوّل أن يدفع إلى الإمام الّذي بعده كلّ شي‏ء عنده.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب، عن أبي كهمس قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: عبد اللّه بن يعفور يقرئك السّلام.

قال: وعليك وعليه السّلام، إذا أتيت عبد اللّه فاقرأه السّلام وقل له: إنّ جعفر بن محمّد يقول لك: انظر ما بلغ به عليّ- عليه السّلام- عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فالزمه فإنّ عليّا- عليه السّلام- إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-و له بصدق الحديث وأداء الأمانة.

محمّد بن يحيى، عن أبي طالب - رفعه- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا تنظروا إلى طول ركوع الرّجل وسجوده. فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده. فلو تركه استوحش لذلك. ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن يعقوب - رحمه اللّه-: عن الحسين بن محمّد- بإسناده- عن رجاله، عن أحمد بن عمر قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها.

 

قال: هم الأئمّة من آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- أمرهم أن يؤدّي الإمام الإمامة إلى من بعده، لا يخصّ بها غيره، ولا يزويها عنه.] .

وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ:

في الكافي وفي تفسير العيّاشي : عن الباقر- عليه السّلام- يعني: العدل الّذي في أيديكم.

و في رواية أخرى للعيّاشي

: أن تحكموا بالعدل إذا ظهرتم، أن تحكموا بالعدل إذا بدت في أيديكم.

إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، أي: نعم الشّي‏ء الّذي يعظكم به. «فما» منصوبة موصوفة «بيعظكم به» أو مرفوعة موصولة به. والمخصوص بالمدح محذوف، وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكومات.

و في تفسير العيّاشي : عن الباقر- عليه السّلام-: فينا نزلت واللّه المستعان.

إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً: بأقوالكم وأحكامكم.

بَصِيراً : بما تفعلون بأداء الأمانات.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ:

في الكافي والعيّاشي : عن الباقر- عليه السّلام-: إيّانا عنى خاصّة، أمر جميع‏المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : [حدّثنا أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-  في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة- عليهما السّلام- إلى أن تقوم السّاعة.

]

و بإسناده إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري  قال: لمّا أنزل اللّه- عزّ وجلّ- على نبيّه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت: يا رسول اللّه، عرفنا اللّه ورسوله، فمن أولي الأمر الّذين قرن طاعتهم بطاعته؟

فقال- عليه السّلام-: هم خلفائي- يا جابر- وأئمّة المسلمين من بعدي.

أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة بالباقر وستدركه- يا جابر- فإذا لقيته فاقرأه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي محمّد وكنيّي حجّة اللّه في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ. ذاك الّذي يفتح اللّه- تعالى ذكره- على يديه مشارق الأرض ومغاربها. ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت له: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فهل لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

فقال- عليه السّلام-: والّذي بعثني بالنّبوّة أنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون‏بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس وإن تجلاها سحاب. يا جابر هذا من مكنون سرّ اللّه ومخزون علم اللّه. فاكتمه إلّا عن أهله.

و في تفسير العيّاشي : عن أبان أنّه قال: دخلت على أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- فسألته عن قول اللّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

فقال: ذلك عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ثمّ سكت.

قال: فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ من؟

قال: ثمّ الحسن. ثمّ سكت.

فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ من؟

قال: ثمّ الحسين. قلت: ثمّ من؟

قال: ثمّ عليّ بن الحسين.

فلم يزل يسكت عند كلّ واحد حتّى أعيد المسألة فيقول، حتّى سمّاهم إلى آخرهم- صلّى اللّه عليهم.

 [عن عمران الحلبي  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّكم أخذتم هذا الأمر من جذوه- يعني: من أصله- عن قول اللّه: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ومن قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: «ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا»، لا من قول فلان ولا من قول فلان.

عن عبد اللّه بن عجلان ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: هي في عليّ- عليه السّلام- وفي الأئمّة، جعلهم اللّه مواضع الأنبياء غير أنّهم لا يحلّلون شيئا ولا يحرّمونه.

عن حكيم» قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، أخبرني من أولو الأمر  الّذين أمر اللّه بطاعتهم؟

فقال [لي‏] : أولئك عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وعليّ بن الحسين‏

و محمّد بن عليّ وجعفر [أنا]  فاحمدوا اللّه الّذي عرّفكم أئمّتكم وقادتكم حين جحدهم النّاس.

و فيه : عن ابن بريد معاوية، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: ثمّ قال للنّاس: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ إيّانا عنى خاصّة.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمّة، حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: وقال- عزّ وجلّ- في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ثمّ ردّ الخاطبة في أثره  إلى سائر المؤمنين فقال:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، يعني: الّذين قرنهم بالكتاب والحكمة وحسدوا عليهما.

و في هذا المجلس كلام طويل له- عليه السّلام- يقول فيه  في شأن ذوي القربى: فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم، وكذلك الفي‏ء  ما رضيه منه لنفسه ولنبيّه رضيه لذي القربى كما أجراهم  في الغنيمة. فبدأ بنفسه- جلّ جلاله- ثمّ برسوله ثمّ بهم. وقرن سهمهم بسهمه وسهم رسوله. وكذلك في الطّاعة قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فبدأ بنفسه ثمّ برسوله ثمّ بأهل بيته.

و فيه ، في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين، وبإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام-: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ- عليهم السّلام- قال: أوصى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلى عليّ والحسن والحسين- عليهم السّلام- ثمّ قال- عزّ وجلّ-:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة- عليهم السّلام- إلى أن تقوم السّاعة.

]

و في أصول الكافي : [أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- قولنا في الأوصياء أنّ طاعتهم مفروضة ؟

 [قال:]  فقال: نعم [هم‏]  الّذين قال اللّه- عزّ وجلّ-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وهم الّذين قال اللّه- عزّ وجلّ-  إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن  عيسى، عن محمّد بن الخالد البرقيّ، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- الأوصياء طاعتهم مفروضة ؟

قال نعم [هم‏]  الّذين قال اللّه: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. وهم الّذين قال اللّه- تعالى - إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ.

]

عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- [عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.]

 

فقال: نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين- عليهم السّلام-.

فقلت له: إنّ النّاس يقولون: فما له لم يسمّ عليّا وأهل بيته- عليهم السّلام- في‏كتاب اللّه - عزّ وجلّ-؟

فقال: قولوا لهم: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نزلت عليه الصّلاة ولم يسمّ اللّه لهم ثلاثا ولا أربعا حتّى كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [هو الّذي‏]  فسّر ذلك لهم. ونزلت عليه الزّكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهما درهم حتّى كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هو الّذي فسّر  ذلك لهم. ونزل الحجّ فلم يقل لهم: طوفوا أسبوعا، حتّى كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هو الّذي فسّر ذلك لهم. ونزلت:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. ونزلت في عليّ والحسن والحسين. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في عليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وقال: أوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي فإنّي سألت اللّه أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك. وقال: لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم. وقال: إنّهم لن يخرجوكم  من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة. فلو سكت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان. ولكنّ اللّه- عزّ وجلّ- أنزله  في كتابه تصديقا لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله -: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة- عليهم السّلام-. فأدخلهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- تحت الكساء في بيت أمّ سلمة. ثمّ قال: اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلا وثقلا وهؤلاء أهل بيتي وثقلي.

فقالت أمّ سلمة: أ لست من أهلك؟

فقال: إنّك إلى  خير. ولكنّ هؤلاء أهل بيتي وثقلي.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى بن السّريّ أبي اليسع قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أخبرني بدعائم الإسلام الّتي لا يسع أحدا التّقصير عن معرفة شي‏ء منها، الّذي من قصّر عن معرفة شي‏ء منها فسدعليه  دينه ولم يقبل»

 منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق  به ممّا هو فيه لجهل شي‏ء من الأمور جهله.

فقال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، والإيمان بأنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- رسول اللّه، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، وحقّ في الأموال الزّكاة، والولاية الّتي أمر اللّه- عزّ وجلّ- بها ولاية آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: فقلت: فهل  في الولاية شي‏ء دون شي‏ء فضل يعرف لمن أخذ به؟

قال: نعم، قال اللّه- عزّ وجلّ-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من مات ولم يعرف إمامه  مات ميتة جاهليّة. وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكان عليّا- عليه السّلام- وقال الآخرون: وكان معاوية ثمّ كان الحسن ثمّ كان الحسين، [و قال الآخرون: يزيد بن معاوية وحسين بن عليّ ولا سواء ولا سواء.

قال: ثمّ سكت، ثمّ قال: أزيدك.

فقال له حكم الأعور: نعم جعلت فداك.

قال: ثمّ كان عليّ بن الحسين ثمّ كان محمّد بن عليّ أبا جعفر، وكانت الشّيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم حتّى كان أبو جعفر، ففتح  لهم وبيّن لهم مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم، حتّى صار النّاس يحتاجون إليهم بعد ما كانوا يحتاجون إلى النّاس. وهكذا يكون الأمر والأرض لا تكون إلّا بإمام. ومن مات لا يعرف إمامه ميتة مات ميتة جاهليّة. وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذا بلغت نفسك هذه- وأهوى بيده إلى حلقه- وانقطعت عنك الدّنيا تقول حينئذ :

لقد كنت على أمر حسن.

و في كتاب الاحتجاج ، للطبرسي- رحمه اللّه- قال عليّ- عليه السّلام- في خطبة له: إنّ اللّه ذو الجلال والإكرام لمّا خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى‏صفوة من عباده وأرسل رسولا منهم وأنزل عليه كتابه وشرع له دينه وفرض فرائضه، فكانت الجملة قول اللّه- جلّ ذكره- حيث أمر فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فهو لنا أهل البيت خاصّة دون غيرنا. فانقلبتم على أعقابكم وارتددتم ونقضتم الأمر ونكثتم العهد ولم يضرّ اللّه  شيئا، وقد أمركم [اللّه‏]  أن تردّوا الأمر إلى اللّه وإلى الرّسول وإلى أولي الأمر منكم المستنبطين فأقررتم ثمّ جحدتم.

و في كتاب معاني الأخبار : عن سليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه سأله : ما أدنى ما يكون به الرّجل ضالّا؟ فقال: أن لا يعرف من أمر اللّه بطاعته وفرض ولايته وجعله حجّته في أرضه وشاهده على خلقه.

قال : فمن هم يا أمير المؤمنين؟

قال: الّذين قرنهم اللّه بنفسه وبنبيّه  فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

قال: فقبلت رأسه وقلت: أوضحت لي وفرّجت عنّي وأذهبت كلّ شكّ كان في قلبي .

 [و] بإسناده إلى سليم بن قيس  قال: سمعت عليّا- عليه السّلام- يقول: قال لي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قد أخبرني ربّي- جلّ جلاله- أنّه قد استجاب [لي‏]  فيك وفي شركائك الّذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول اللّه، ومن شركائي من بعدي؟

قال: الّذين قرنهم اللّه- عزّ وجلّ- بنفسه وبي، فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..فقلت: يا رسول اللّه، ومن هم؟

قال: الأوصياء من آلي يردون عليّ الحوض، كلّهم هادين مهديّين . لا يضرّهم من خذلهم. هم مع القرآن والقرآن معهم. لا يفارقهم ولا يفارقونه. بهم تنصر أمّتي.

و بهم يمطرون وبهم يدفع عنهم البلاء. وبهم يستجاب دعاؤهم.

قلت: يا رسول اللّه، سمّهم لي.

قال: ابني هذا- ووضع يده على رأس الحسن- ثمّ ابني هذا- ووضع يده على رأس الحسين- ثمّ ابن له يقال له: عليّ، وسيولد في حياتك فاقرأه منّي السّلام، ثمّ تكملة اثني  عشر إماما. فقلت: [بأبي أنت وأمّي‏] : يا رسول اللّه، سمّهم لي رجلا رجلا فقال: فمنهم  واللّه يا أخا بني هلال مهديّ أمّة  محمّد الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. واللّه إنّي لأعرف من يبايعه بين الرّكن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم.

و بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال في أثناء كلام له في مجمع من المهاجرين والأنصار أيّام خلافة عثّمان: فأنشدكم اللّه- عزّ وجلّ- أ تعلمون حيث نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وحيث نزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ  وحيث نزلت وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً  قال النّاس: يا رسول اللّه أ هذه خاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يعلّمهم ولاة أمرهم وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم. فنصبني للنّاس بغدير خمّ ثمّ خطب. والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة، الأهمّ في المقام وفي‏آخره فقالوا [كلّهم:]  اللّهمّ نعم، قد سمعنا ذلك كلّه وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم: قد حفظنا جلّ ما قلت ولم نحفظه  كله. وهؤلاء الّذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا .

و فيه : حدّثني أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عبد اللّه [بن‏]  محمّد الحجّال، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: الأئمّة من ولد علي- عليه السّلام- وفاطمة- عليهما السّلام- إلى أن تقوم السّاعة.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى الفضل بن السّكن ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: اعرفوا اللّه باللّه والرّسول بالرّسالة وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان.

و في كتاب علل الشّرائع»، بإسناده إلى عمرو بن شمر: عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام-: لأيّ شي‏ء يحتاج إلى النّبيّ والإمام؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه. وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيّ أو إمام. قال اللّه- عزّ وجلّ -: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: النّجوم أمان لأهل السّماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض. فإذا ذهبت النّجوم أتى أهل السّماء ما يكرهون. وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون، يعني: بأهل بيته الّذين قرن اللّه عزّ وجلّ طاعتهم بطاعته، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.و هم المعصومون المطهّرون الّذين لا يذنبون ولا يعصون. وهم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون. بهم يرزق اللّه عباده. وبهم يعمر  بلاده. وبهم ينزل القطر من السّماء.

و بهم تخرج بركات الأرض. وبهم يمهل  أهل المعاصي ولا يعجّل عليهم بالعقوبة والعذاب. لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه. ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم- صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي  قال: حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطيّ قال:

سمعت محمّد بن عبد اللّه بن الحسن  وهو يخطب بالمدينة ويقول: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

و قال: حدّثني عبيد بن كثير  معنعنا، عن عمّي الحسين أنّه سأل جعفر بن محمّد- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. قال: فأولي الأمر في هذه الآية آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و قال: حدّثني أحمد بن القاسم  معنعنا، عن أبي مريم قال: سألت جعفر بن محمّد- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ كانت طاعة عليّ مفترضة؟

قال: كانت طاعة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خاصّة مفترضة لقول اللّه- تعالى -: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وكانت طاعة عليّ بن أبي طالب طاعة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- .

و قال: حدّثني عبيد اللّه بن كثير  معنعنا، عن سلمان الفارسي- رحمة اللّه عليه- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، من بري‏ء من  ولايتك فقد بري‏ء من  ولايتي. ومن بري‏ء  من ولايتي فقد بري‏ء من  ولاية اللّه. يا عليّ طاعتك‏طاعتي وطاعتي طاعة اللّه. فمن أطاعك فقد أطاعني. ومن أطاعني فقد أطاع اللّه.

و الّذي بعثني بالحقّ نبيّا  لحبّنا أهل البيت أعزّ من الجوهر ومن الياقوت الأحمر ومن الزّمرّد. وقد أخذ ميثاق محبّينا أهل البيت في أمّ الكتاب. لا يزيد فيهم رجل، ولا ينقص منهم رجل إلى يوم القيامة. وهو قول اللّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فهو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و قال: حدّثني إبراهيم بن سليمان  معنعنا، عن عيسى بن السّريّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- أخبرني عن دعائم الإسلام الّتي لا يسع  أحدا من النّاس التّقصير عن معرفة شي‏ء منها، الّتي من قصّر عن شي‏ء منها فسد عليه دينه ولم يقبل منه عمله [و من قام بها صلح دينه وقبل عمله‏]  ولم يضق ما هو فيه بجهل شي‏ء جهله.

 [قال:]  قال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، والإيمان برسوله، والإقرار بما جاء من عند اللّه، والصّلاة  والزّكاة، والولاية الّتي أمر اللّه بها ولاية آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- .

قلت : هل في الولاية شي‏ء؟

قال: قول اللّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فكان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن عمر الزّهريّ  معنعنا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب - عليه السّلام-.

فَإِنْ تَنازَعْتُمْ: أنتم أيّها المؤمنون.

فِي شَيْ‏ءٍ: من أمور الدّين.

فَرُدُّوهُ: فراجعوا فيه.إِلَى اللَّهِ: إلى محكم كتابه.

وَ الرَّسُولِ: بالسّؤال عنه في زمانه، وبالأخذ بسنّته، والمراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه بعده. فإنّها ردّ إليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نزلت : «فإن تنازعتم في شي‏ء فردّوه إلى اللّه وإلى الرّسول وإلى أولي الأمر منكم.».

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن أذينة، عن بريد العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفي آخره قال- عليه السّلام-: فإن خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى اللّه وإلى الرّسول وإلى أولي الأمر منكم. كذا نزلت، وكيف يأمرهم اللّه- عزّ وجلّ- بطاعة ولاة الأمر ويرخّص لهم  في منازعتهم؟! إنّما قيل ذلك للمأمورين الّذين قيل لهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

و في نهج البلاغة ، في معنى الخوارج لمّا أنكروا تحكيم الرّجال: إنّا لم نحكّم الرّجال وإنّما حكّمنا القرآن. وهذا القرآن إنّما هو خطّ مستور بين الدّفّتين لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان وإنّما ينطق عنه الرّجال. ولمّا دعانا القوم إلى أن يحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب اللّه- تعالى- وقد قال اللّه- سبحانه-: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. فردّه  إلى اللّه، أن نحكم  بكتابه. وردّه إلى الرّسول، أن نأخذ  بسنّته. فإذا حكم بالصّدق في كتاب اللّه فنحن أحقّ النّاس [به.]  وإن حكم بسنّة رسول اللّه فنحن [أحقّ النّاس و]  أولاهم بها.

 

و قال- عليه السّلام- للأشتر1»

: واردد إلى اللّه ورسوله ما يضلعك من الخطوب‏

و يشتبه عليك من الأمور. فقد قال اللّه- سبحانه- لقوم أحبّ إرشادهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فالرّدّ  إلى اللّه، الأخذ بمحكم كتابه. والرّدّ  إلى الرّسول، الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة .

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: وعن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل: وقد جعل اللّه للعلم أهلا، وفرض على العباد طاعتهم بقوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وبقوله: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..

و فيه ، وقد ذكر- عليه السّلام- الحجج، قال السّائل: من هؤلاء الحجج؟

قال: هم رسول اللّه ومن حلّ محلّه من أصفياء اللّه. وهم ولاة الّذين [قرنهم اللّه بنفسه ورسوله، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه. وهم ولاة الأمر الّذين‏]  قال اللّه فيهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وقال فيهم: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..

قال السّائل: ما ذاك الأمر؟

قال- عليه السّلام-: الّذي تنزّل به الملائكة في اللّيلة الّتي يفرق فيها كلّ أمر حكيم، من خلق ورزق وأجل [و عمل‏]  وعمر [و حياة]  وموت وعلم غيب السّموات والأرض والمعجزات الّتي لا تنبغي إلّا للّه وأصفيائه والسّفرة بينه وبين خلقه.

عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام-  في خطبة له: وأطيعونا ، فإنّ طاعتنا مفروضة إذ كانت  بطاعة اللّه وطاعة  رسوله مقرونة. قال اللّه- عزّ وجلّ-:أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وقال: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن يعقوب، عن الحسن بن محمّد- بإسناده- عن رجاله، عن بريد بن معاوية العجليّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ قال: إيّانا عنى، أن يؤدّي الإمام الأوّل إلى الإمام الّذي بعده ما عنده من العلم والكتب والسّلاح. وقال : إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ الّذي في أيديكم. ثمّ قال للنّاس: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. إيانا عنى خاصّة. ثمّ أمر جميع المؤمنين بطاعتنا إلى يوم القيامة إذ يقول: «فإن خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى اللّه والرّسول وأولي الأمر منكم.» كذا نزلت، وكيف يأمرهم اللّه- عزّ وجلّ- بطاعة ولاة الأمر ويرخّص في منازعتهم؟! إنّما قيل ذلك للمأمورين  الّذين قيل لهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

و ممّا ورد من أن ولاة الأمر بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- هم الأئمّة الاثنا عشر- صلوات اللّه عليهم-

ما نقله الشّيخ أبو عليّ الطّبرسيّ- قدّس اللّه روحه- في كتابه اعلام الورى بأعلام الهدى  قال: حدّثنا غير واحد من أصحابنا، عن محمّد بن همام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحارث، عن المفضّل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال:

 

سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ يقول: لمّا نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت: يا رسول اللّه، قد عرفنا اللّه ورسوله، فمن أولي الأمر الّذين قرن طاعتهم بطاعتك؟

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: هم خلفائي- يا جابر- وأئمّة المسلمين بعدي.

أوّلهم عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين،ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة بالباقر وستدركه- يا جابر- فإذا لقيته فأقرأه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيي حجّة اللّه في أرضه وبقيّته على عباده ابن الحسن بن عليّ. ذاك الّذي يفتح اللّه- عزّ وجلّ ذكره- على يده مشارق الأرض ومغاربها. وذلك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت: يا رسول اللّه، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: إي والّذي بعثني بالنّبوّة إنّهم ليستضيئون  بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس وإن تجلّلها السّحاب، يا جابر هذا مكنون سرّ اللّه ومخزون علم اللّه فاكتمه إلّا عن أهله.

إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: فإنّ الإيمان يوجب ذلك.

ذلِكَ، أي: الرّدّ.

خَيْرٌ: لكم.

وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا ، أي: عاقبة من تأويلكم بلا ردّ.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ:

في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت في الزّبير بن العوّام [فإنّه‏]  نازع رجلا من اليهود في (حديقة) فقال الزّبير: ترضى با ابن شيبة اليهوديّ؟ وقال اليهوديّ ترضى بمحمّد؟ فأنزل اللّه .

قال البيضاويّ : عن ابن عبّاس أنّ منافقا خاصم يهوديّا، فدعاه  اليهوديّ إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف. ثمّ أنّهما احتكما إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فحكم لليهوديّ، فلم يرض المنافق [بقضائه‏] و قال: نتحاكم إلى عمر.

فقال اليهوديّ لعمر: قضى لي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فلم يرض بقضائه، وخاصم إليك.

فقال عمر للمنافق: أ كذلك.

فقال: نعم.

فقال: مكانكما حتّى أخرج إليكما. فدخل فأخذ سيفه، ثمّ خرج فضرب به عنق المنافق حتّى برد. وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء اللّه ورسوله. فنزلت.

و قال جبرئيل- عليه السّلام-: إنّ عمر فرق بين الحقّ والباطل فسمّي الفاروق (انتهى).

و لا يخفى أنّه لو صحّ هذا النقل، لدلّ على أنّ من أراد المنافق التحاكم إليه هو الطاغوت، وهو كعب بن الأشرف.

و في روضة الكافي : حميد بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن محمّد الكندي ، عن غير واحد من أصحابه، عن أبان بن عثمان، عن أبي جعفر الأحول والفضيل بن يسار، عن زكريا النّقّاض عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت‏

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الرّجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السّلطان أو [إلى‏]  القضاة، أ يحلّ ذلك؟

فقال: من تحاكم إلى الطّاغوت فحكم [له‏]  فإنّما يأخذ سحتا وإن كان حقّه‏ثابتا. لأنّه أخذ بحكم الطّاغوت. وقد أمر اللّه أن يكفر به.

قلت : كيف يصنعان؟

قال: انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما. فإنّي قد جعلته عليكم حاكما. فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم اللّه قد استخفّ وعلينا ردّ. والرّادّ علينا الرّادّ على اللّه. وهو على حدّ الشّرك باللّه.

وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ: وقرئ: بها. على أنّ الطّاغوت، جمع.

لقوله: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ .

وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً : عن الحقّ، لا يرجى معه الاهتداء إلى الصّواب.