سورة النّساء الآية 61-80

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ: وقرئ، بضمّ اللام. على أنّه حذف لام الفعل تخفيفا، ثمّ ضمّ اللام لواو الضّمير .

رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً : يحتمل رؤية البصر، فيكون «يصدّون» حالا. ورؤية القلب، فيكون مفعولا ثانيا. والصّدود، مصدر. أو اسم للمصدر، الّذي هو الصّدّ. والفرق بينه وبين السّدّ، أنّه غير محسوس، والسّد محسوس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، هم أعداء آل محمّد كلّهم، جرت فيهم هذه الآية.

فَكَيْفَ: يكون حالهم.

إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ: نالتهم من اللّه عقوبة.

بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ: من التّحاكم إلى غيرك، وعدم الرّضا بحكمك.

ثُمَّ جاؤُكَ: عطف على «أصابتهم»، أو على «يصدّون». وما بينهما اعتراض.

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ: للاعتذار. حال من فاعل «جاء».

إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً: وهو التّخفيف عنك.

وَ تَوْفِيقاً : بين الخصمين، ولم نرد مخالفتك.و قيل : جاء أصحاب القتيل طالبين دمه، وقالوا: ما أردنا بالتّحاكم إلى عمر إلّا أن يحسن إلى صاحبنا، أو يوفّق بينه وبين خصمه.

أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ: من النّفاق. فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب.

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، أي: لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبي جنادة الحصين بن مخارق بن عبد الرّحمن بن ورقاء بن حبشيّ بن جنادة السّلوليّ صاحب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: أُولئِكَ الَّذِينَ (الآية)  فقد سبقت عليهم كلمة الشّقاء  وسبق لهم  العذاب. [وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً.]

 

وَ عِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ: في شأن أنفسهم، أو خاليا بهم. فإنّ النّصيحة في السّرّ أنجع.

قَوْلًا بَلِيغاً : يوغر فيهم، كتخويفهم بالقتل والاستئصال إن ظهر منهم النّفاق، والتّخويف بعذاب اللّه للمنافقين، والوعد بالثّواب على الإخلاص.

و القول البليغ، هو الّذي يطابق مدلوله المقصود.

و قيل : الظّرف، أي: في أنفسهم، متعلّق «ب بليغا» على معنى: بليغا في أنفسهم مؤثرا فيها. وفيه ضعف، لأنّ معمول الصّفة لا يتقدم على موصوفها.

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ: بسبب إذنه في طاعته، وأمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه. من لم يرض بحكمه وما نصّ عليه فهو كافر وإن أظهر الإسلام وتكلّف أكثر شعائره، لأنّه عدم رضا بما أمر اللّه وحكم به.

وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ: بالنّفاق.

جاؤُكَ: خبر «أنّ» و«إذ» متعلّق به.فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ: بالتّوبة والإخلاص.

وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ: واعتذروا إليك، حتّى انتصبت لهم شفيعا. وإنّما عدل عن الخطاب تفخيما لشأنه، وتنبيها على أنّ حقّ الرّسول أن يقبل اعتذار التّائب وإن عظم جرمه ويشفع له، ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذّنوب.

لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً : لعلموه قابلا لتوبتهم، متفضّلا عليهم بالرّحمة. وإن كان «وجد» بمعنى: صادف، كان «توّابا» حالا و«رحيما» بدلا منه، أو حالا آخر، أو من الضّمير فيه.

و في كتاب المناقب ، لابن شهر آشوب: إسماعيل بن يزيد بإسناده، عن محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- أنّه قال: أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فتغيّب حتّى وجد الحسن والحسين- عليهما السّلام-. في طريق خال. فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه  وأتى بهما النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. فقال:

يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه وبهما. فضحك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى ردّ يده إلى فيه . ثمّ قال للرّجل: اذهب وأنت طليق . وقال للحسن والحسين: قد شفّعتكما فيه أي فتيان. فأنزل اللّه- تعالى-: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً.

 

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخل أو حين تدخلها، ثمّ تأتي قبر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلى أن قال- عليه السّلام-: اللّهمّ إنّك قلت: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً وإنّي أتيت نبيّك مستغفرا تائبا من ذنوبي، وإنّي أتوجّه بك إلى اللّه ربّي وربّك ليغفر لي ذنوبي.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله : وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ- يا عليّ- فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً هكذا نزلت.

فَلا وَرَبِّكَ: أي: فو ربّك. و«لا» مزيدة لتأكيد القسم. وقيل  «لا» لتظاهر «لا» في قوله:

لا يُؤْمِنُونَ: وفيه ضعف. لأنّها تزاد في الإثبات أيضا، كقوله : لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ.

حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ: فيما اختلف بينهم واختلط. ومنه الشّجر، لتداخل أغصانه واختلاطها.

ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ: ضيقا ممّا حكمت به. أو من حكمك. أو شكّا من أجله، فإنّ الشّاكّ في ضيق من أمره.

وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً : وينقادوا لك بظاهرهم وباطنهم.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة أو بريد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لقد خاطب اللّه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في كتابه.

قال: قلت: في أيّ موضع؟

قال: في قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ وتلا إلى قوله: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ فيما تعاقدوا عليه: لئن أمات اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- ألّا يردّوا هذا الأمر في بني هاشم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ عليهم من القتل والعفو وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لو أنّ قوما عبدوا اللّه وحده‏لا شريك له، وأقاموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وحجّوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشي‏ء صنعه اللّه أو صنعه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ألا صنع خلاف الّذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين. ثمّ تلا هذه الآية . ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- فعليك بالتّسليم.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد اللّه الكاهليّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر مثله سواء.

 

و فيه : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: إنّ عندنا رجلا يقال له: كليب. فلا يجي‏ء عنكم شي‏ء إلّا قال: أنا أسلّم، فسمّيناه كليب تسليم. قال: فترحّم عليه. ثمّ قال: أ تدرون ما التّسليم؟

فسكتنا. فقال: هو واللّه الإخبات. قول اللّه- عزّ وجلّ -: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ..

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: ولا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ..

قال جابر: يا ابن رسول اللّه، وكيف لا يسأل عمّا يفعل؟

قال: لأنّه لا يفعل إلّا ما كان من حكمته صوابا. وهو المتكبّر الجبّار والواحد القهّار. فمن وجد في نفسه حرجا في شي‏ء ممّا قضى اللّه فقد كفر. ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  بإسناده إلى محمّد بن قيس، عن ثابت الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في آخر حديث له:

 

انّ للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى. أمّا الأولى فستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّة سنين. وأمّا الأخرى فيطول أمرها حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به.

فلا يثبت عليه إلّا من قوي يقينه وصحّت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا ممّا قضينا وسلّم لنا أهل البيت.

و بهذا الإسناد قال : قال عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه قال

: إنّ دين اللّه- عزّ وجلّ- لا يصاب بالعقول النّاقصة والآراء الباطلة والمقائيس الفاسدة. ولا يصاب إلّا بالتّسليم. فمن سلّم لنا سلم. ومن اقتدى بنا هدي. ومن دان بالقياس  والرّأي هلك. ومن وجد في نفسه شيئا ممّا نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالّذي أنزل السّبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وليس كلّ من أقرّ- أيضا- من أهل القبلة بالشّهادتين كان مؤمنا. إنّ المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه، ويدفعون عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بما عهد به من دين اللّه وعزائمه وبراهين نبوّته إلى وصيّه، ويضمرون من الكراهية  لذاك والنّقض لما أبرمه منه عند إمكان الأمر لهم فيما قد بيّنه اللّه- تعالى- لنبيّه بقوله: فَلا وَرَبِّكَ وتلا إلى قوله:

وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.

وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ: قيل : تعرّضوا بها للقتل بالجهاد. أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل.

و «أن» مصدريّة. أو مفسّرة. لأنّ كتبنا في معنى: أمرنا.

أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ خروجهم.

و قرأ أبو عمرو ويعقوب: «أن اقتلوا» بكسر النّون على التّحريك. و«أو اخرجوا» بضمّ الواو للاتّباع، والتّشبيه بواو الجمع في نحو: ولا تنسوا الفضل.و قرأ نافع وحمزة، بكسرها، على الأصل. والباقون، بضمّها، إجراء لهما مجرى الهمزة المتّصلة بالفعل .

ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ: توبيخ لهم. والضّمير للمكتوب، المدلول عليه بقوله: «كتبنا». أو لأحد مصدري الفعلين.

و قرأ ابن عامر، بالنّصب، على الاستثناء. أو على إلّا فعلا قليلا .

وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ: من مطاوعة الرّسول، وما يقوله طوعا ورغبة.

لَكانَ خَيْراً لَهُمْ: في العاجل والآجل.

وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً : لإيمانهم. ونصبه على التّمييز.

قال البيضاوي : والآية- أيضا- نزلت في شأن المنافق واليهوديّ.

و قيل  إنّها والّتي قبلها نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة، خاصم زبيرا في شراج من الحرّة كانا يسقيان بها النّخل، فقال- عليه الصّلاة والسّلام-: اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك.

فقال حاطب: لأن كان ابن عمّتك.

فقال- عليه الصّلاة والسّلام-: اسق يا زبير ثمّ احبس الماء إلى الجدر واستوف حقّك ثمّ أرسله إلى جارك.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ولَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وسلّموا للإمام تسليما أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ رضا له ما فعلوه إلا قليلا منهم ولو أنّ أهل الخلاف فعلوا ما يوعطون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وفي هذه الآية: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ من أمر الوالي وَيُسَلِّمُوا للّه الطّاعة تَسْلِيماً..

و في أصول الكافي : أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن بكّار، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هكذا نزلت هذه الآية: «و لو أنّهم فعلوا ما يوعظون به في عليّ- عليه السّلام- لكان خيرا لهم».عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي طالب، عن يونس بن بكّار، عن أبيه، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: و«لو أنّهم فعلوا ما يوعظون به في عليّ- عليه السّلام- لكان خيرا لهم».

وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً : جواب لسؤال مقدّر، كأنّه قيل  وما: يكون لهم بعد التّثبيت؟ فقال: وإذا لو ثبتوا لآتيناهم. لأنّ «إذا» جواب وجزاء. والواو للاستئناف.

وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً : يصلون بسلوكه إلى رضوان اللّه وجنّته،

كما يقول:

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ: الّذين في أعلى علّيّين.

وَ الصِّدِّيقِينَ: الّذين صدقوا في أقوالهم وأفعالهم.

وَ الشُّهَداءِ: المقتولين في سبيل اللّه.

وَ الصَّالِحِينَ: الّذين صلحت حالهم، واستقامت طريقتهم.

و كلمة «من» مع ما يتبعها بيان «للّذين» حال منه، أي: من ضميره.

وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً : فيه معنى التّعجّب. «رفيقا» نصب على التّميّز، أو الحال. ولم يجمع. لأنّه يقال للواحد وتجمع، كالصّديق. أو لأنّه أريد به:

و حسن كلّ واحد منهم رفيقا.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن الحسين بن علوان الكلبيّ، عن عليّ بن الحزور الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة الحنظليّ قال: رأيت أمير المؤمنين- عليه السّلام- افتتح البصرة وركب بغلة رسول اللّه، ثمّ قال:

أيّها النّاس ألّا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم اللّه؟

فقام إليه أبو أيّوب الأنصاريّ فقال: [بلى‏]  يا أمير المؤمنين، حدّثنا. فإنّك كنت تشهد ونغيب.

فقال: إنّ خير خلق اللّه يوم يجمعهم اللّه سبعة من ولد عبد المطّلب. لا ينكر فضلهم إلّا كافر ولا يجحد بهم  إلّا جاحد.فقام عمّار بن ياسر- رحمه اللّه- فقال: يا أمير المؤمنين، سمّهم لنا لنعرفهم .

فقال: إنّ خير الخلق يوم يجمعهم اللّه الرّسل. وإنّ أفضل الرّسل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وإنّ أفضل كلّ أمّة بعد نبيّها وصيّ نبيّها حتّى يدركه نبيّ. ألا وإنّ أفضل الأوصياء وصيّ محمّد- عليه وآله السّلام. ألا وإنّ أفضل الخلق بعد الأوصياء الشّهداء. ألا وإنّ أفضل الشّهداء حمزة بن عبد المطّلب وجعفر بن أبي طالب. له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة. لم ينحل أحد من هذه الأمّة جناحان غيره، شي‏ء كرم اللّه به محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- وشرفه. والسّبطان الحسن والحسين- عليهما السّلام- والمهديّ، يجعله اللّه من شاء منّا أهل البيت. ثمّ قرأ هذه الآية: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ- إلى- حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً .

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أعينونا بالورع. فإنّه من لقي اللّه- عزّ وجلّ- منكم بالورع كان له عند اللّه- عزّ وجلّ- فرجا، وإنّ اللّه- تعالى- يقول: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ- وقرأ إلى- حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. فمنّا النّبيّ ومنّا الصّدّيق والشّهداء والصّالحون.

أبو عليّ الأشعريّ: عن محمّد بن سالم ، عن أحمد بن النّضر الخزّاز، عن جدّه الرّبيع بن سعد قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام- يا ربيع، إنّ الرّجل ليصدق حتّى يكتبه اللّه صدّيقا.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد اللّه، عن خالد القميّ، عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفى اللّه بشروطه الّتي اشترطها  عليه، فذلك مع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا. وذلك ممّن يشفع ولا يشفع له. وذلك ممّن لا تصيبه  أهوال الدّنيا ولا أهوال الآخرة. ومؤمن زلّت به قدم. فذلك كخامة الزّرع كيف‏ما كفأته الرّيح انكفأ. وذلك ممّن تصيبه  أهوال الدّنيا وأهوال الآخرة ويشفع له وهو على خير.

و في روضة الكافي  بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: أ لم تسمعوا ما ذكر اللّه من فضل اتّباع الأئمّة الهداة وهم المؤمنون؟ قال: أُولئِكَ- إلى- حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فهذا وجه من وجوه فضل اتّباع الأئمّة، فكيف بهم وفضلهم؟!

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان [، عن أبيه،]  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه، فقال: أُولئِكَ- إلى- حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسمّوا بالصّلاح كما سمّاكم اللّه- عزّ وجلّ-

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

 [و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن جندب، عن الرّضا- عليه السّلام- قال:

حقّ على اللّه‏]  أن يجعل وليّنا رفيقا للنّبيّين والصدّيقين والشّهداء والصّالحين، وحسن أولئك رفيقا.

و في كتاب الخصال : عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أوصى إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وكان فيما أوصى به أن قال له: يا عليّ، من حفظ من أمّتي أربعين حديثا يطلب بذلك وجه اللّه- تعالى- والدّار الآخرة حشره اللّه يوم القيامة مع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا.

فقال عليّ- عليه السّلام-: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما هذه الأحاديث؟ فقال: أن تؤمن باللّه وحده لا شريك له، وتعبده ولا تعبد غيره- إلى أن قال‏بعد تعدادها صلوات اللّه عليه وآله-: فهذه أربعون حديثا، من استقام عليها وحفظها عنّي عن أمّتي دخل الجنّة برحمة اللّه، وكان من أفضل النّاس وأحبّهم إلى اللّه- تعالى- بعد النّبيّين والوصيّين، حشره اللّه- تعالى- يوم القيامة مع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، وحسن أولئك رفيقا.

عن محمّد بن أبي ليلى  قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الصّدّيقون ثلاثة: عليّ بن أبي طالب، وحبيب النّجّار، ومؤمن آل فرعون.

و في عيون الأخبار: عن الرّضا- عليه السّلام-  عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لكلّ أمّة صدّيق وفاروق. وصدّيق هذه الأمّة وفاروقها عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

 [و في شرح الآيات الباهرة ]  ذكر الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ- رحمه اللّه- في كتابه مصباح الأنوار قال: حدّث  النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعمّه العبّاس بمشهد من القرابة والصّحابة، روى أنس بن مالك قال: صلّى بنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في بعض الأيّام صلاة الفجر، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت: يا رسول اللّه، أ رأيت  أن تفسّر لنا قوله- تعالى-: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً.

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: أمّا النّبيّون فأنا، وأمّا الصّدّيقون فأخي عليّ، وأمّا الشّهداء فعميّ حمزة، والصّالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين.

قال: وكان العبّاس حاضرا. فوثب وجلس بين يدي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: ألسنا أنا وأنت وعليّ وفاطمة والحسن والحسين من نبعة  واحدة؟

قال: وما ذاك يا عمّ؟قال: لأنّك تعرّف بعليّ وفاطمة والحسن والحسين دوننا.

فتبسّم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: أمّا قولك [يا عمّ‏] : «ألسنا من نبعة  واحدة» فصدقت، ولكن يا عمّ إنّ اللّه خلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق اللّه  آدم، حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنّة ولا نار.

فقال العبّاس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟

فقال: يا عمّ، لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم كلمة خلق منها نورا، ثمّ تكلّم كلمة أخرى فخلق منها روحا، ثمّ مزج النّور بالرّوح فخلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين. فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس. فلمّا أراد اللّه- تعالى- أن ينشئ الصّنعة فتق  نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري ونوري من نور اللّه ونوري أفضل من العرش، ثمّ فتق نور أخي عليّ فخلق منه الملائكة. فالملائكة من نور عليّ. ونور عليّ من نور اللّه. وعليّ أفضل من الملائكة. ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة. فخلق منه السّماوات والأرض. فالسّماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة. ونور ابنتي فاطمة من نور اللّه- عزّ وجلّ-. وابنتي فاطمة أفضل من السّماوات والأرض. ثمّ فتق نور ولدي الحسن. وخلق منه الشّمس والقمر فالشّمس والقمر من نور ولدي الحسن. ونور الحسن من نور اللّه. والحسن أفضل من الشّمس والقمر. ثمّ فتق نور ولدي الحسين. فخلق منه الجنّة والحور العين. فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين. ونور ولدي الحسين من نور اللّه. و[ولدي‏]  الحسين أفضل من الجنّة والحور العين. ثمّ أمر اللّه الظّلمات أن تمرّ على سحائب المنظر . فأظلمت السّموات على الملائكة. فضجّت الملائكة بالتّسبيح والتّقديس. وقالت: إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا وعرّفتنا هذه الأشباح لم نر بؤسا. فبحقّ‏هذه الأشباح  إلّا ما كشفت عنّا هذه الظّلمة. فأخرج اللّه من نور ابنتي فاطمة  قناديل.

فعلّقها في بطنان العرش. فأزهرت  السّموات والأرض. ثمّ أشرقت بنورها. فلأجل ذلك سمّيت الزّهراء.

فقالت الملائكة: إلهنا وسيّدنا، لمن هذا النّور الزّاهر  الّذي قد أشرقت به السّماوات والأرض؟

فأوحى اللّه إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة بنت حبيبي وزوجة وليّي وأخ نبيّي وأبي حججي على عبادي. أشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبّيها إلى يوم القيامة.

قال: فلمّا سمع العبّاس من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذلك وثب قائما وقبّل بين عيني عليّ- عليه السّلام- وقال: واللّه يا عليّ، أنت الحجّة البالغة لمن آمن باللّه واليوم الآخر.

و في أصول الكافي ، عن رجاله، عن إسماعيل بن جابر قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من سرّه أن يلقى اللّه وهو مؤمن حقّا حقّا فليتولّ اللّه ورسوله والّذين آمنوا وليتبرّأ إلى اللّه من عدوّهم وليسلّم إلى ما انتهى إليه من فضلهم. إنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكره اللّه من فضل أتباع الأئمّة الهداة وهم المؤمنون؟ قال- تبارك وتعالى-: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ- وتلا إلى قوله-:

وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً وقال: وهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمّة، فكيف بهم وبفضلهم ؟!

 [و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن القاسم الاستراباديّ المفسّر قال:

 

حدّثني يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن‏عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، أي: اهدنا صراط الّذين أنعمت عليهم بالتّوفيق لدينك وطاعتك، وهم الّذين قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً حكي هذا بعينه عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في بصائر الدّرجات : الحسن بن أحمد ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن العبّاس الحريش ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ لنا [في ليالي الجمعة]  لشأنا - وذكر حديثا، وفي آخره قلت-: [و اللّه‏]  ما عندي كثير صلاح.

قال: لا تكذب على اللّه. فإنّ اللّه قد سمّاك صالحا حيث يقول: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً يعني: الّذين آمنوا بنا وبأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وامّا قوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً.

قال: النّبيّين، رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والصّدّيقين، [علي‏].  والشّهداء، الحسن والحسين. والصّالحين، الأئمّة. وحسن أولئك رفيقا، القائم من آل محمّد- صلوات اللّه عليهم-.]

و نقل في سبب نزول هذه الآية: أنّ ثوبان مولى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أتاه يوما وقد تغيّر وجهه ونحل جسمه، فسأله عن حاله، فقال: ما بي من وجع، غير أنّي إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثمّ ذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك، لأنّي عرفت أنّك ترفع مع النّبيّين، وإن أدخلت الجنّة كنت في‏منزل دون منزلك، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا، فنزلت .

ذلِكَ: إشارة إلى ما للمطيعين من الأجر ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم. أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومرتبتهم.

الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ: خبره. أو «الفضل» خبره، و«من اللّه» حال. والعامل فيه، معنى الإشارة.

وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً : بجزاء من أطاعه. أو بمقادير الفضل، واستحقاق أهله.

 [و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ  قال: حدّثني عبيد بن كثير معنعنا، عن أصبغ بن نباتة قال: لمّا  هزمنا أهل البصرة جاء عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حتّى استند إلى حائط من حيطان البصرة. فاجتمعنا حوله وأمير المؤمنين- عليه السّلام- راكب والنّاس نزول. فيدعو الرّجل باسمه فيأتيه. ثمّ يدعو الرّجل باسمه فيأتيه. [ثم يدعو الرجل فيأتيه.]  حتّى وافاه بها  نحو ستّين شيخا، كلّهم قد: صغروا  اللّحى وعقصوها وأكثرهم يومئذ من همدان. فأخذ أمير المؤمنين في طريق من طرائق  البصرة ونحن معه، وعلينا الدّروع والمغافر ، متقلّدين السّيوف، متنكّبي الأترسة ، حتّى انتهى إلى دار قوراء [عظيمة.]  فدخلنا. فإذا فيها نسوة يبكين. فلمّا رأينه صحن صيحة واحدة وقلن: هذا قاتل الأحبّة. فأسكت  عنهم. ثمّ قال: أين منزل عائشة؟ فأوموا إلى حجرة في الدّار، فحملنا عليّا من دابّته. فأنزلناه. فدخل عليها. فلم أسمع من قول عليّ شيئا إلّا أنّ عائشة كانت امرأة  عالية الصّوت. فسمعت كهيئة المعاذير: إنّي لم أفعل. ثمّ خرج علينا أمير المؤمنين عليّ- عليه السّلام- فحملنا عليّا على دابّته. فعارضته  امرأة من قبل‏الدّار.

فقال : أين صفيّة؟

قالت: لبيّك يا أمير المؤمنين.

قال: ألا تكفيني عنّي هؤلاء الكلبات الّتي يزعمن أنّي قتلت  الأحبّة. لو قتلت الأحبّة لقتلت من في تلك الدّار- وأومأ بيده إلى ثلاث حجر في الدّار. فضربنا بأيدينا على  قوائم السّيوف. وضر  بنا بأبصارنا إلى الحجر الّتي أومأ إليها. فو اللّه ما بقيت في الدّار باكية إلّا سكتت، ولا قائمة إلّا جلست.

قلت: يا أبا القاسم، فمن كان في تلك الثّلاث حجر؟

قال: أمّا واحدة فكان فيها مروان بن الحكم جريحا ومعه شباب قريش جرحى، وأمّا الثّانية [فكان‏]  فيها عبد اللّه بن الزّبير ومعه [آل‏]  الزّبير جرحى، وأمّا الثّالثة فكان فيها رئيس أهل البصرة يدور مع عائشة أين ما دارت.

قلت: يا أبا القاسم، هؤلاء أصحاب القرحة، هلا ملتم  عليهم بهذه السّيوف.

قال: يا بن أخي، أمير المؤمنين أعلم منك وسعهم أمانه، إنّا لمّا هزمنا القوم نادى مناديه: لا يذفف  على جريح، ولا يتبع مدبر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن سنّة يستنّ بها  بعد يومكم هذا.

ثمّ مضى ومضينا معه حتّى انتهينا إلى المعسكر. فقام إليه ناس من أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- منهم، أبو أيّوب الأنصاريّ وقيس بن سعد  وعمّار بن ياسر وزيد بن حارثة وأبو ليلى، فقال: ألا أخبركم بسبعة من أفضل الخلق يوم يجمعهم اللّه- تعالى-؟قال أبو أيّوب: بلى  واللّه فأخبرنا يا أمير المؤمنين، فإنّك كنت تشهد ونغيب.

قال: فإنّ أفضل الخلق يوم يجمعهم اللّه سبعة من بني عبد المطّلب، لا ينكر فضلهم إلّا كافر، ولا يجحد إلّا جاحد.

قال عمّار بن ياسر- رضي اللّه عنه-: ما اسمهم يا أمير المؤمنين لنعرفهم .

قال: إنّ أفضل الخلق يوم يجمع اللّه الرّسل، وإنّ من أفضل الرّسل محمّدا- عليهم أفضل الصّلاة والسّلام- ثمّ إنّ أفضل كلّ أمّة بعد نبيّها وصيّ نبيّها حتّى يدركه نبيّ، وإنّ أفضل الأوصياء وصيّ محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ إنّ أفضل النّاس بعد الأوصياء الشّهداء، وإنّ أفضل الشّهداء جعفر بن أبي طالب - رحمه اللّه- ذو جناحين مع الملائكة لم يحلّ بحليته أحد من الآدميّين في الجنّة، شي‏ء شرفّه اللّه به. والسّبطان الحسنان سيّدا شباب أهل الجنّة  ولادته آباءهما  والمهديّ يجعله اللّه من أحبّ منّا أهل البيت.

ثمّ قال: أبشروا- ثلاثة- مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً، ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً..

و قال: حدّثني الحسن بن عليّ  معنعنا، عن أصبغ بن نباتة قال: قال  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: إنّي أريد أن أذكر حديثا.

قلت : فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تذكره؟ فقال: ما قلت هذا إلّا وأنا أريد أن أذكره. ثمّ قال: إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين كان أفضلهم سبعة منّا بني عبد المطّلب،الأنبياء أكرم  الخلق ونبيّنا أفضل الأنبياء - عليه السّلام- ثمّ الأوصياء أفضل الأمم  ووصيّه أفضل الأوصياء- عليه السّلام- ثمّ الشّهداء أفضل الأمم بعد الأوصياء ، وحمزة سيّد الشّهداء، وجعفر ذو الجناحين يطير مع الملائكة، لم ينحله اللّه شهيدا قطّ قبله- رحمة اللّه عليهم أجمعين - من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من اللّه وكفى باللّه عليما. ثمّ  السّبطان حسن وحسين . والمهديّ- عليهم السّلام والتّحيّة والإكرام- جعله  اللّه ممّن يشاء أهل البيت.

و قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد  معنعنا، عن سليمان الدّيلميّ قال:

كنت عند عبد اللّه- عليه السّلام- إذ دخل عليه أبو بصير وقد أخذه النّفس، فلمّا أن أخذ مجلسه قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا أبا محمّد، ما هذا النّفس العالية؟

قال: جعلت فداك يا بن رسول اللّه، كبرت سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي، ولست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- يا أبا محمّد، وإنّك لتقول هذا! قال: وكيف لا أقول هذا؟ فذكر كلاما، ثمّ قال: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه المبين [بقوله‏] : فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في الآية النّبيّين، ونحن في هذا الموضع الصّدّيقين والشّهداء، وأنتم الصّالحون، فسمّوا بالصّلاح كما سمّاكم اللّه يا أبا محمّد.]

 

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ: فتيقّظوا واستعدّوا للأعداء. الحذر والحذر، كالإثر والأثر.و قيل : ما يحذر به، كالحزم والسّلاح.

و يؤيّده‏

ما رواه في مجمع البيان : عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّ: معناه: خذوا أسلحتكم.

فَانْفِرُوا: فاخرجوا إلى الجهاد.

ثُباتٍ: جماعات متفرّقة. جمع، ثبة. من ثبيت على فلان، إذا ذكرت متفرّق محاسنه. ويجمع- أيضا- على ثبين، جبرا لما حذف من عجزه.

أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً : مجتمعين كوكبة واحدة.

و روي في مجمع البيان : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ المراد بالثّبات، السّرايا. وبالجميع، العسكر.

و الآية وإن نزلت في الحرب، لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلّها كيف ما أمكن قبل الفوات.

وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ: الخطاب لعسكر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المؤمنين منهم والمنافقين. والمبطئون منافقوهم، تثاقلوا وتخلّفوا عن الجهاد. من بطأ، بمعنى: أبطأ. وهو لازم. أو ثبّطوا غيرهم، كما ثبّط ابن أُبيّ ناسا يوم أحد. من بطأ منقولا من بطؤ، كثقل من ثقل.

و اللّام الأولى للابتداء، دخلت على اسم «إنّ» للفصل. والثّانية جواب قسم محذوف. والقسم بجوابه صلة «من» والرّاجع إليه ما استكنّ في «ليبطئنّ» والتّقدير: وإنّ منكم لمن أقسم باللّه ليبطئنّ.

فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ: كقتل وهزيمة.

قالَ، أي: المبطئ.

قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً : حاضرا، فيصيبني ما أصابهم.

و في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-: لو أنّ أهل السّماء والأرض قالوا: قد أنعم اللّه علينا إذ لم نكن مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لكانوا بذلك‏

كفّارا مشركين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم والعيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: لو قال هذه الكلمة أهل الشّرق والغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان، ولكنّ اللّه سمّاهم مؤمنين بإقرارهم.

و في رواية : سمّاهم مؤمنين، وليسوا هم بمؤمنين ولا كرامة.

وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ كفتح وغنيمة.

لَيَقُولَنَّ: أكّده تنبيها على فرط تحسّره.

و قرئ، بضمّ اللّام، إعادة للضّمير على المعنى .

كَأَنْ لَمْ تَكُنْ:

و قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب، بالتّاء، لتأنيث لفظ المودّة .

بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ: اعتراض بين الفعل ومفعوله، وهو يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً : تنبيه على ضعف عقيدتهم، وأنّ قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه، وإنّما يريد أن يكون معكم لمجرّد المال. أو حال عن الضّمير في «ليقولنّ»، أي: حال كونهم لا مودّة بينه وبينكم، بناء على أنّه إنّما يريد أن يكون معكم لمجرّد المال. أو داخل في المقول، أي: يقول المبطئ لمن يثبّطه من المنافقين وضعفة المسلمين تضريبا وحسدا: كأن لم يكن بينكم وبين محمّد- عليه السّلام- مودّة حيث لم يستعن بكم فتفوزوا بما فاز يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ. والقول باتّصاله بالجملة الأولى ضعيف، إذ لا يفصل أبعاض الجملة بما لا يتعلّق بها لفظا ومعنى.

و «كأن» مخفّفة، واسمها ضمير الشّأن المحذوف. والمنادى في «يا ليتني» محذوف، أي: يا قوم. وقيل: «يا» للتّنبيه على الاتّساع. «فأفوز» نصب على جواب التّمنّي.

و قرئ، على تقدير: فأنا أفوز في ذلك الوقت. أو العطف على «كنت».فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا، أي:

يبيعونها.

بِالْآخِرَةِ، يعني: إن بطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة. أو فليقاتل الّذين يشترونها ويختارونها على الآخرة، وهم المبطئون.

و المقصود، حثّهم على ترك ما حكى عنهم.

وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً : وعد له الأجر العظيم غلب أو غلب، ترغيبا في القتال، وتكذيبا لقولهم : قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً. وإنّما قال: فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ تنبيها على أنّ المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتّى يعزّ نفسه بالشّهادة أو الدّين بالظّفر والغلبة، وأن لا يكون قصده بالذّات إلى القتل، بل إعلاء الحقّ وإعزاز الدّين.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- أن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: فوق كلّ برّ برّ حتّى يقتل الرّجل في سبيل اللّه، فإذا قتل في سبيل اللّه ليس فوقه برّ.

 [عن أبي جعفر- عليه السّلام-  قال: كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل اللّه إلّا الدّين لا كفّارة له، إلّا أداءه، أو يقضي صاحبه، أو يعفو الّذي له عليه الحقّ.]

 

و عن الصّادق- عليه السّلام- : من قتل في سبيل اللّه لم يعرّفه اللّه شيئا من سيّئاته.

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- : للشّهيد سبع خصال من اللّه: أوّل قطرة من دمه، مغفور له كلّ ذنب. والثّانية، يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين وتمسحان الغبار عن وجهه، تقولان: مرحبا بك، ويقول هو مثل ذلك لهما، والثّالثة، يكسى من كسوة الجنّة. والرّابعة، يبتدر خزنة الجنّة بكلّ ريح طيّبة، أيّهم يأخذه منه، والخامسة، أن يرى منزله. والسّادسة، يقال لروحه: اسرحي  في الجنّة حيث شئت. والسّابعة، أن ينظرفي وجه اللّه، وإنّها الرّاحة لكلّ نبيّ وشهيد.

وَ ما لَكُمْ: مبتدأ وخبر.

لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: حال. والعامل فيها، ما في الظّرف عن معنى الفعل.

وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ: عطف على اسم «اللّه»، أي: وفي سبيل المستضعفين.

و هو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدوّ. أو على «السّبيل» بحذف المضاف، أي:

و في خلاص المستضعفين.

و يحتمل النّصب على الاختصاص، فإنّ «سبيل اللّه» يعمّ أبواب الخير، وتخليص ضعفة المسلمين من أيدي الكفّار أعظمها وأخصّها.

مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ: بيان «للمستضعفين» وهم المسلمون الّذين بقوا بمكّة لصدّ المشركين، أو لضعفهم عن الهجرة مبتذلين. وإنّما ذكر «الولدان» مبالغة في الحثّ، وتنبيها على تناهي ظلم المشركين، بحيث بلغ أذاهم الصّبيان، وأنّ دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدّعاء، حتّى يشاركوا في استنزال الرّحمة واستدفاع البليّة.

و في الكشّاف : أنّ المراد به، العبيد والإماء. وهو جمع وليد.

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً : فاستجاب اللّه دعاءهم بأن يسّر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم خير وليّ وناصر بفتح مكّة على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- فتولّاهم ونصرهم.

قيل: ثمّ استعمل عليهم عتاب بن أسيد، فحماهم ونصرهم حتّى صاروا أعزّة أهلها.

و «القرية» مكّة. و«الظّالم» صفتها. وتذكيرها لتذكير ما أسند إليه، لأنّ اسم الفاعل أو المفعول إذا جرى على غير من هو له، كان كالفعل يذكّر ويؤنّث على حسب ما عمل فيه.

في روضة الكافي : ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد

 بن المسيّب، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال- في حديث طويل-: وقد كانت خديجة- عليهما السّلام- ماتت قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب- عليه السّلام- بعد موت خديجة بسنة، فلمّا فقدهما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سئم المقام بمكّة ودخله حزن شديد وأشفق على نفسه من كفّار قريش، فشكى إلى جبرئيل ذلك، فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: أن اخرج من القرية الظّالم أهلها وهاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكّة ناصر، وانصب للمشركين حربا. فعند ذلك توجّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى المدينة.

و في تفسير العيّاشي : عن حمران عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه تلا:

الْمُسْتَضْعَفِينَ- إلى- نَصِيراً وقال: نحن أولئك. وعن سماعة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

 

الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أي: فيما يصلون به إلى اللّه.

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ: فيما يبلغ بهم إلى الشّيطان.

فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ: لمّا ذكر مقصد الفريقين، أمر أولياءه أن يقاتلوا أولياء الشّيطان. ثمّ شجّعهم بقوله:

إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً ، أي: أنّ كيده للمؤمنين- بالإضافة إلى كيد اللّه للكافرين- ضعيف لا يؤبه به، فلا تخافوا أولياءه، فإنّ اعتمادهم على أضعف شي‏ء وأوهنه، واعتمادكم على أقوى شي‏ء وأحكمه.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إذا سمعتم العلم فاستعملوه ولتسع قلوبكم. فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر الشّيطان عليه. فإذا خاصمكم الشّيطان فأقبلوا عليه بما تعرفون.فإنّ كيد الشّيطان كان ضعيفا.

فقلت: وما الّذي نعرفه؟

قال: خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه- عزّ وجلّ-.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ: عن القتال.

وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ: واشتغلوا بما أمرتم به منهما.

قيل : وذلك حين كانوا بمكة، وكانوا يتمنّون أن يؤذن لهم في ذلك.

و في مجمع البيان : المرويّ عن أئمّتنا- عليهم السّلام-: أنّ هذه الآية منسوخة بقوله: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عبد اللّه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية: كفّوا ألسنتكم.

فعلى هذه الرّواية، تكون الآية في من لا يصلح له القتال. ويكون المراد بكفّ الأيدي، كفّ الألسن عمّا يوجب القتال. ولم تكن الآية منسوخة. والجمع بينها وبين الرّواية الأولى، أنّها منسوخة ببعض معانيها، محكمة ببعض آخر.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن منصور، عن حريز، عن عبد اللّه، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يا فضيل، أما ترضون أن تقيموا الصّلاة وتؤتوا الزّكاة وتكفّوا ألسنتكم وتدخلوا الجنّة؟ ثمّ قرأ: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ أنتم واللّه أهل هذه الآية.

 [يحيى الحلبيّ، عن ابن مسكان ، عن مالك الجهنيّ قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا مالك، أما ترضون أن تقيموا الصّلاة وتؤتوا الزّكاة وتكفّوا ألسنتكم وتدخلوا الجنّة؟] .

فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ:يخشون الكفّار أن يقتلوهم، كما يخشون اللّه أن ينزّل عليهم بأسه.

و «إذا» للمفاجأة جواب «لمّا».

و «فريق» مبتدأ، «منهم» صفته، و«يخشون» خبره.

و «كخشية اللّه» من إضافة المصدر إلى المفعول، وقع موقع المصدر، أو الحال، من فاعل «يخشون» على معنى: يخشون النّاس مثل أهل خشية اللّه منه.

أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً: عطف عليه، إن جعلته حالا. وإن جعلته مصدرا، فلا.

لأنّ أفعل التّفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه، بل هو معطوف على اسم اللّه، أي: وكخشية اللّه أو كخشية أشدّ خشية منه، على الفرض. اللّهمّ إلّا أن نجعل الخشية ذات خشية، كقولهم: جدّ جدّه. على معنى: يخشون النّاس خشية مثل خشية اللّه، أو خشية أشدّ خشية من خشية اللّه.

وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ:

استزادة في مدّة الكفّ عن القتال، حذرا عن الموت. ويحتمل أنّهم ما تفوّهوا به، ولكن قالوه في أنفسهم، فحكى اللّه عنهم.

و في تفسير العيّاشي  [، عنه: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ قال: نزلت في الحسن بن عليّ، أمره اللّه بالكفّ. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ قال: نزلت في الحسين بن عليّ، كتب اللّه عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه.

عليّ بن أسباط  يرفعه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لو قاتل معه أهل الأرض، لقتلوا كلّهم.]

 

 [عن إدريس مولى لعبد اللّه بن جعفر ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في تفسير هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ مع‏]  الحسن. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ... فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ مع الحسين- عليه السّلام- قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ إلى خروج القائم- عليه السّلام- فإنّ معه‏النّصر والظّفر.

 [و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبي الصّباح بن عبد الحميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: واللّه، للّذي صنعه الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- كان خيرا لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشّمس، واللّه لقد نزلت هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ إنّما هي طاعة الإمام، وطلبوا القتال فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ مع الحسين- عليه السّلام- قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نجب دعوتك ونتّبع الرّسل أرادوا تأخير ذلك إلى القائم- عليه السّلام-.]

 

قال اللّه- تعالى- قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ: سريع التّقضّي.

وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ، أي: ولا تنقصون أدنى شي‏ء من ثوابكم، فلا ترغبوا عنه. أو من آجالكم المقدّرة. و«الفتيل» حبل دقيق من ليف. والسّماة الّتي في شقّ النواة. وما فتلته بين أصابعك من الوسخ. يكنّى به عن القليل، كقولهم: وما أغنى عنك فتيلا. وقرأ ابن كثير والكسائيّ، بالياء، لتقدّم الغيبة .

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ:

و قرئ، بالرّفع، على حذف الفاء. أو على أنّه كلام مبتدأ. و«أينما» متّصل بلا تظلمون .

وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ: في قصور، أو حصون مرتفعة.

و «البروج» في الأصل، بيوت على أطراف القصر. من تبرّجت المرأة، إذا ظهرت.

و قرئ: مشيّدة. بصيغة اسم الفاعل، وصفا لها بوصف فاعلها، كقولهم:

قصيدة شاعرة ومشيّدة. من شاد القصر، إذا رفعه .

وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ: نعمة، كخصب.

يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ، أي: بليّة، كقحط.

يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ: يطّيّروا بك. ويقولون: إن هي إلّا بشؤمك، كما قالت اليهود حين دخل محمّد- عليه السّلام- المدينة: نقصت ثمارها وغلت أسعارها.

قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: يبسط ويقبض، حسب إرادته.

فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً : يوعظون به، وهو القرآن. فإنهم لو فهموه وتدبّروا معانيه لعلموا أنّ الكلّ من اللّه. أو حديثا ما، كبهائم لا إفهام لها. أو حادثا من صروف الزّمان، فيتفكّروا فيها، فيعلموا أنّه الباسط والقابض.

ما أَصابَكَ: يا إنسان: مِنْ حَسَنَةٍ: من نعمة.

فَمِنَ اللَّهِ: تفضّلا، فإنّ كلّ ما يفعله الإنسان من عبادة فلا يكافئ صغرى نعمة من أياديه.

وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ: من بليّة.

فَمِنْ نَفْسِكَ: لأنّها السّبب فيها، لاستجلابها بالمعاصي. وهو لا ينافي قوله:

قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فإنّ الكلّ منه إيجادا وإيصالا، غير أنّ الحسنة إحسان وامتنان، والسّيئة مجازاة وانتقام. قال اللّه: ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ..

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادقين- عليهم السّلام- أنّهم قالوا: الحسنات في كتاب اللّه على وجهين: أحدهما الصّحّة والسّلامة والأمن والسّعة في الرّزق في الآخرة والأفعال، كما قال : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها. وكذلك السّيّئات. فمنها الخوف والمرض والشّدّة. ومنها الأفعال الّتي يعاقبون عليها.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: كما أنّ بادي النّعم من اللّه- عزّ وجلّ- وقد نحلكموه، فكذلك الشّرّ من أنفسكم وإن جرى به قدره.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام-: قال اللّه: يا بن آدم، بمشيئتي كنت أنت الّذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوّتي أدّيت فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا بصيرا قويّا، ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيّئة فمن نفسك. وذاك أنّي أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيّئاتك منّي. وذاك أنّي لا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ربعي بن عبد اللّه بن الجارود، عمّن ذكره، عن عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليه وآبائه- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق النّبيّين من طينة علّيّين وأبدانهم، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطّينة، وخلق أبدانهم من دون ذلك، وخلق الكافرين من طينة سجّين وقلوبهم وأبدانهم، فخلط بين الطّينتين.

فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن. ومن هاهنا يصيب المؤمن السّيّئة ويصيب الكافر الحسنة. فقلوب المؤمنين تحنّ إلى ما خلقوا منه. وقلوب الكافرين تحنّ إلى ما خلقوا منه.

وَ أَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا: حال، قصد بها التّأكيد إن علّق الجارّ بالفعل، والتّعميم إن علّق بها، أي: رسولا للنّاس جميعا. ويجوز نصبه على المصدر.

وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً : على رسالتك بنصب المعجزات. فما ينبغي لأحد أن يخرج من طاعتك.

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ: لأنّه في الحقيقة مبلّغ، والآمر والنّاهي هواللّه.

نقل أنّه- عليه السّلام- قال

: من أحبّني فقد أحبّ اللّه، ومن أطاعني فقد أطاع اللّه.

فقال المنافقون: لقد قارف الشّرك وهو ينهى عنه، ما يريد إلّا أن نتّخذه ربّا كما اتّخذت النّصارى عيسى. فنزلت.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن زاهر، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النّحويّ قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسمعته يقول: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أدّب نبيّه على محبّته، فقال : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. ثمّ فوّض إليه فقال- عزّ وجلّ- : وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. وقال- عزّ وجلّ-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ثمّ قال: وإنّ نبيّ اللّه فوّض إلى عليّ وائتمنه فسلّمتم وجحد النّاس. فو اللّه لنحبّكم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا. ونحن فيما بينكم وبين اللّه- عزّ وجلّ- ما جعل اللّه خيرا في خلاف أمرنا.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد ، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: ثمّ ذكر مثله.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضاء الرّحمن- تبارك وتعالى- الطّاعة للإمام بعد معرفته. ثمّ قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ- إلى قوله-: حَفِيظاً..

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه  وعبد اللّه بن الصّلت  جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله. وزاد في آخره:

 أما لو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان.

و في روضة الكافي ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام-، وهي خطبة الوسيلة يقول فيها- عليه السّلام-: ولا مصيبة عظمت ولا رزيّة جلّت كالمصيبة برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. لأنّ اللّه حسم  الإنذار والإعذار وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه، وجعله بابه الّذي بينه وبين عباده ومهيمنه  الّذي لا يقبل إلّا به ولا قربة إليه إلّا بطاعته، وقال في محكم كتابه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً. فقرن طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته. فكان ذلك دليلا على ما فوّض إليه وشاهدا له على من اتّبعه وعصاه. وبيّن ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وأجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه، فكان فعلهم فعله وأمرهم أمره، كما قال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال: قلت لعليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام-: يا بن رسول اللّه، ما تقول في الحديث الّذي يرويه أهل الحديث: أنّ المؤمنين يرون  ربّهم  من منازلهم في الجنّة؟

فقال- عليه السّلام-: يا أبا الصّلت، إنّ اللّه- تعالى- فضّل نبيّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- على جميع خلقه من النّبيّين والملائكة، وجعل طاعته طاعته ومبايعته مبايعته  وزيارته في الدّنيا والآخرة زيارته. فقال- عزّ وجلّ-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ. وقال : إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. وقال‏النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار اللّه. ودرجة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في الجنّة أرفع الدّرجات، فمن زاره في درجته في الجنّة من منزله فقد زار اللّه‏

وَ مَنْ تَوَلَّى: عن طاعته.

فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً : تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها، إنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب. وهو حال من «الكاف».