سورة النّساء الآية 81-100

وَ يَقُولُونَ: إذا أمرتهم.

طاعَةٌ: أمرنا طاعة. أو منّا طاعة. وأصلها، النّصب على المصدر. والرّفع، للدّلالة على الثّبات.

فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ: خرجوا.

بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ: زوّرت خلاف ما قلت لها. أو ما قالت لك من القبول وضمان الطّاعة.

و «التّبييت» إمّا من البيتوتة، لأنّ الأمور تدبّر باللّيل. أو من بيت الشّعر أو البيت المبنيّ، لأنّه يسوّى ويدبّر. وقرأ حمزة وأبو عمرو: «بيّت طائفة» بالإدغام، لقربهما في المخرج .

وَ اللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ: يثبته في صحائفهم، للمجازاة. أو في جملة ما يوحى إليك، لتطّلع على أسرارهم. أو في كليهما. فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ: قلّل المبالاة بهم. أو تجاف عنهم. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ: في الأمور كلّها، خصوصا في شأنهم.

وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا : يكفيك معرّتهم، وينتقم لك منهم.

أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ: يتأمّلون في معانيه، ويتبصّرون ما فيه. وأصل التّدبّر، النّظر في أدبار الشّي‏ء.

وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ: لو كان كلام البشر كما زعم الكفّار.

لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً : من تناقض المعنى وتفاوت النّظم، وكون بعضه فصيحا وبعضه ركيكا، وبعضه معجزا وبعضه غير معجز، وبعضه مطابقا للواقع وبعضه غير مطابق، لنقصان القوّة البشريّة. ولعلّ ذكره هاهنا للتّنبيه، على أنّ اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض في الحكم، بل لاختلاف الأحوال في الحكم‏و المصالح.

 [و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: وذكر أنّ الكتاب مصدّق بعضه بعضا، وأنّه لا اختلاف فيه فقال- سبحانه-: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.]

 

وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ: ممّا يوجب الأمن، أو الخوف.

أَذاعُوا بِهِ: أفشوه.

قيل : كان قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أو أخبرهم الرّسول بما أوحي إليه من وعد بالظّفر أو تخويف من الكفرة، أذاعوا به لعدم جزمهم، وكانت إذاعتهم مفسدة.

و قيل : كانوا يسمعون أراجيف المنافقين فيذيعونها، فيعود وبالا على المسلمين.

و «الباء» مزيدة. أو لتضمين الإذاعة، معنى التّحدّث.

في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- عيّر أقواما بالإذاعة في قوله- عزّ وجلّ-: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ فإيّاكم والإذاعة.

وَ لَوْ رَدُّوهُ: ولو ردّوا ذلك الأمر.

إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، أي:

الأئمّة المعصومين- عليه السّلام- على ما في الجوامع، عن الباقر- عليه السّلام- .

لَعَلِمَهُ: في أيّ وجه يذكره، أو يذكرونه.

الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ: يستخرجون تدبيره بعقلهم، المؤيّد بروح القدس.

و أصل الاستنباط، إخراج النّبط، وهو الماء يخرج من البئر أوّل ما يحفر.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن جندب، عن الرّضا- عليه السّلام-:يعني: آل محمّد، وهم الّذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام، وهم حجّة اللّه على خلقه.

عن عبد اللّه بن عجلان ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هم الأئمّة.

 [و في أصول الكافي  بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: قال اللّه- عزّ وجلّ-:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وقال- عزّ وجلّ-: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فردّ الأمر- أمر النّاس- إلى أولي الأمر منهم، الّذين أمر بطاعتهم وبالرّدّ إليهم.]

 

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: ومن وضع ولاية اللّه وأهل استنباط علم اللّه في غير أهل الصّفوة من بيوتات الأنبياء، فقد خالف أمر اللّه- عزّ وجلّ- وجعل الجهّال ولاة أمر اللّه والمتكلّفين بغير هدى وزعموا أنّهم أهل استنباط علم اللّه، فكذبوا على اللّه وزاغوا عن وصيّة اللّه وطاعته. فلم يضعوا فضل اللّه حيث وضعه اللّه- تبارك وتعالى- فضلّوا وأضلّوا أتباعهم.

فلا يكون لهم يوم القيامة حجّة.

 [و قال- أيضا - بعد أن قرأ: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ  فَقَدْ وَكَّلْنا [بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ. فإن يكفر بها أمّتك فقد وكّلنا]  أهل بيتك بالإيمان الّذي أرسلناك له ، فلا يكفرون بها أبدا، ولا أضيّع الإيمان الّذي أرسلناك له ، وجعلت أهل بيتك بعدك علما على أمّتك [و]  ولاة من بعدك و[أهل‏]  استنباط علمي، الّذي ليس فيه كذب‏

و لا إثم ولا زور  ولا بطر ولا رياء.]

 

وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ: بإرسال الرّسل وإنزال الكتب ونصب الأئمّة- عليهم السّلام-.

في الجوامع : عنهم- عليهم السّلام-. فضل اللّه ورحمته، النّبيّ وعليّ- عليهما السّلام-.

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وحمران عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قالا: فضل اللّه، رسوله. ورحمته، الأئمّة- عليهم السّلام-.

عن محمّد بن الفضيل ، عن العبد الصّالح- عليه السّلام- قال: الرّحمة، رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والفضل، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ: بالكفر والضّلالة.

إِلَّا قَلِيلًا : منكم. تفضّل عليه بعقل راجح اهتدى به إلى الحقّ والصّواب، وعصمه عن متابعة الشّيطان. أو إلّا اتّباعا قليلا، على النّدور.

 [و في تفسير العيّاشي : عن ابن مسكان، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّك لتسأل عن كلام القدر، وما هو من ديني ولا دين آبائي، ولا وجدت أحدا من أهل بيتي يقول به.]

 

فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: إن تثبّطوا، أو تركوك وحدك.

لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ: إلّا فعل نفسك. لا يضرّك مخالفتهم وتقاعدهم، فتقدّم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد، فإنّ اللّه ناصرك لا الجنود.

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى مرازم: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:إنّ اللّه كلّف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما لم يكلّف أحدا من خلقه، كلّفه أن يخرج على النّاس كلّهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه، ولم يكلّف هذا أحدا [من‏]  قبله ولا بعده، ثمّ تلا هذه الآية .

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن محمّد بن مروان جميعا، عن أبان بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أعطى محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- وعدّد أشياء كثيرة، وفي آخر الحديث قال- عليه السّلام-: ثمّ كلّف ما لم يكلّف أحد من الأنبياء، أنزل عليه سيفا من السّماء في غير غمد وقيل له: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ.

و نقل

: أنّ أبا سفيان يوم أحد لمّا رجع واعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- موسم بدر الصّغرى. فكره النّاس وتثاقلوا حين بلغ الميعاد. فنزلت. فخرج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وما معه إلّا سبعون. ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده.

و قرئ: «لا تكلّف» بالجزم. و«لا نكلّف» بالنّون، على بناء الفاعل، أي:

لا نكلّفك إلّا فعل نفسك، لا أنّا لا نكلّف أحدا إلّا نفسك [لقوله:] .

وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ: على القتال، إذ ما عليك في شأنهم إلّا التّحريض.

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: قريشا. وقد فعل، بأن ألقى في قلوبهم الرّعب حتّى رجعوا.

وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً: من قريش.

وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا : تعذيبا. وهو تقريع وتهديد لمن لم يتّبعه.

 [و في تفسير العيّاشي : عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول النّاس لعليّ: إن كان له حقّ فما منعه أن يقوم به؟

قال: فقال: إنّ اللّه لم يكلّف هذا إلّا إنسانا  واحدا رسول اللّه‏- صلّى اللّه عليه وآله - قال: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ  إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ. فليس هذا إلّا للرّسول.  وقال لغيره: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فلم يكن يومئذ فئة يعينونه على أمره.

عن الثعالبي ، عن عيص، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كُلّف ما لم يكلّف أحد، أن يقاتل في سبيل اللّه وحده، وقال: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ وقال: إنّما كلّفتم اليسير من الأمر، أن تذكروا اللّه.

عن إبراهيم بن مهزم ، عن أبيه، عن رجل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ لكلّ كلبا يبتغي  الشّرّ فاجتنبوه يكفكم اللّه بغيركم ، إنّ اللّه يقول: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا لا تعلمون بالشّرّ.] .

مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً: راعى بها حقّ مسلم، ورفع بها عنه ضرا أو جلب نفعا، ابتغاء لوجه اللّه. ومنها، الدّعاء لمسلم.

و في الجوامع : عن الصّادق- عليه السّلام-: من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب، استجيب له، وقال له الملك: ولك مثلاه. فذلك النّصيب.

يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، أي: ثوابها.

وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً: وهي ما كان خلاف ذلك. ومنها، الدّعاء على المؤمن.

يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها: نصيب من وزرها، مساو لها في القدر. و«الكفل» النّصيب.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: يكون كفيل ذلك الظّلم الّذي يظلم صاحب الشّفاعة.]

وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقِيتاً : مقتدرا. من أقات الشّي‏ء: قدرعليه. أو شهيدا حافظا. واشتقاقه من القوت، فإنّه يقوّي البدن ويحفظه.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دلّ على خير أو أشار به، فهو شريك. ومن أمر بسوء أو دلّ عليه أو أشار به، فهو شريك.

و في الكافي : عن السّجّاد- عليه السّلام- أنّ الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب ويذكره بخير، قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بخير، قد أعطاك اللّه- تعالى- مثلي ما سألت له، وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه، ولك الفضل عليه. وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه، قالوا: بئس الأخ أنت لأخيك، كفّ أيّها المستر على ذنوبه وعورته، وأربع على نفسك، وأحمد اللّه الّذي ستر عليك، واعلم أنّ اللّه أعلم بعبده منك.

وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها: التّحيّة في الأصل، مصدر حيّاك اللّه، على الإخبار من الحياة، ثمّ استعمل للحكم والدّعاء بذلك. ثمّ قيل  لكلّ دعاء، فغلب في السّلام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: السّلام وغيره من البرّ.

و في مجمع البيان : وذكر عليّ بن إبراهيم في تفسيره، عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّ المراد بالتّحيّة في قوله: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ السّلام وغيره من البرّ والإحسان.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: جاءت جارية للحسن- عليه السّلام- بطاق ريحان، فقال لها: أنت حرّة لوجه اللّه. فقيل له في ذلك.

فقال: أدّبنا اللّه- تعالى- وقال: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ. (الآية) وكان أحسن منها إعتاقها

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ،

 عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: السّلام تطوّع، والرّدّ فريضة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم، وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم.

عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السّنديّ ، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: القليل يبدؤون الكثير بالسّلام، والرّاكب يبدأ الماشي، وأصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير، وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال.

 [محمّد بن يحيى، عن أحمد بن  محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ من تمام التّحيّة للمقيم المصافحة، ومن تمام التّسليم للمسافر المعانقة.]

 

و في رواية : يسلّم الصّغير على الكبير والمارّ على القاعد وفي أخرى : وإذا لقيت جماعة جماعة سلّم الأقلّ على الأكثر، وإذا لقي واحد جماعة سلّم الواحد على الجماعة.

و عنه- عليه السّلام- : من التّواضع أن تسلّم على من لقيت.

و قال : البخيل من بخل بالسّلام.

و عنه  وعن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أولى النّاس باللّه ورسوله من بدأ بالسّلام.

و عن الباقر- عليه السّلام-  إنّ اللّه يحبّ إفشاء السّلام.

و عن الصّادق- عليه السّلام- : ثلاثة يردّ عليهم ردّ الجماعة وإن كان واحدا:

عند العطاس يقال: «يرحمكم اللّه.» وإن لم يكن معه غيره. والرّجل يسلم على الرّجل فيقول: «السّلام عليكم.» والرّجل يدعو للرّجل فيقول: «عافاكم اللّه.» وإن كان واحدا فإنّ معه غيره.

و في عيون الأخبار،  بإسناده إلى فضل بن كثير، عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- قال: من لقي فقيرا مسلما فسلّم عليه خلاف سلامه على الغنيّ، لقي اللّه- عزّ وجلّ- يوم القيامة وهو عليه غضبان.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: إذا عطس أحدكم [فشمّتوه‏]  قولوا: «يرحمكم اللّه.» و[هو]  يقول  هو: «يغفر اللّه لكم ويرحمكم.» قال اللّه: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ (الآية).

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن الحسن بن المنذر قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول:

من قال: «السّلام عليكم»، فهي عشر حسنات. ومن قال: «السّلام عليكم ورحمة اللّه»، فهي عشرون حسنة. ومن قال: «السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته»، فهي ثلاثون حسنة.

أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن جميل، عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: مرّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- بقوم فسلّم عليهم. فقالوا:

عليك السّلام ورحمة اللّه وبركاته ومغفرته ورضوانه. فقال لهم أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم- عليه السّلام- إنّما قالوا: «رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت».

و روي عن طريق العامّة : أنّ رجلا قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

السّلام عليك. فقال: وعليك السّلام ورحمة اللّه. وقال آخر: السّلام عليك ورحمة اللّه.فقال: السّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته. وقال آخر: السّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.

فقال: وعليك. فقال الرّجل: نقصتني، فأين ما قال اللّه؟ وتلا الآية. فقال- عليه السّلام-: إنّك لم تترك لي فضلا، فرددت عليك مثله.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يسلّم على النّساء ويرددن عليه السّلام، وكان أمير المؤمنين- عليه السّلام- يكره أن يسلّم على الشّابّة منهنّ ويقول: أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا أطلب من الأجر.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-:

لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتّسليم. وإذا سلّموا عليكم فقولوا: فعليكم.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن اليهوديّ والنّصرانيّ والمشرك إذا سلّموا على الرّجل وهو جالس، كيف ينبغي أن يردّ عليهم؟ فقال: يقول: عليكم.

محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: تقول في الرّدّ على اليهوديّ والنّصرانيّ: سلام.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: لا تسلّموا على اليهود، ولا على النّصارى، ولا على المجوس، ولا على عبدة الأوثان، ولا على موائد شراب الخمر، ولا على صاحب الشّطرنج والنّرد، ولا على المخنّث، ولا على الشّاعر الّذي يقذف المحصنات، ولا على المصلّي- وذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السّلام لأنّ التّسليم من المسلم تطوّع والرّدّ عليه فريضة- ولا على آكل الرّبا، ولا على الرّجل جالس على غائط، ولا على الّذين في الحمّام، ولا على الفاسق المعلن بفسقه.و فيه ، في حديث آخر: ولا على المتفكّهين بالأمّهات .

و في حديث آخر

: النّهي عن السلام على من يلعب بالأربعة عشر، وعلى من يعمل التّماثيل.

عن الصّادق- عليه السّلام-  قال: ثلاثة لا يسلّمون: الماشي مع جنازة، والماشي إلى الجمعة، وفي بيت حمّام.

 [و عنه- عليه السّلام-

: من تمام التّحيّة للمقيم المصافحة. وتمام التّسليم على المسافر المعانقة.] .

و عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- : يكره للرّجل أن يقول: حيّاكم اللّه، ثمّ يسكت حتّى يتبعها بالسّلام.

و عن الصّادق- عليه السّلام-  قال: من بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه.

و قال

: ابدؤوا بالسّلام قبل الكلام. فمن بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تحبيبوه.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ حَسِيباً : يحاسبكم على التّحيّة وغيرها.

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: مبتدأ وخبر. أو «اللّه» مبتدأ، والخبر لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، أي: اللّه واللّه ليحشرنّكم من قبوركم إلى يوم القيامة. أو مفضين  إليه.

أو في يوم القيامة. «و لا إله إلّا هو» اعتراض. والقيام والقيامة، كالطّلاب والطّلابة:

و هي قيام النّاس من القبور، أو للحساب.

لا رَيْبَ فِيهِ: في اليوم. أو في الجمع. فهو حال من «اليوم» أو صفة للمصدر.

وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً : إنكار، أن يكون أحد أكثر صدقا منه، فإنّه لا يتطرّق الكذب إلى خبره بوجه، لأنّه نقص، وهو على اللّه محال.

فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ:في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: نزلت في قوم قدموا من مكّة وأظهروا الإسلام، ثمّ رجعوا إلى مكّة فأظهروا الشّرك، ثمّ سافروا إلى اليمامة، فاختلف المسلمون في غزوهم لاختلافهم في إسلامهم وشركهم.

أي: ما لكم تفرّقتم في أمر المنافقين فئتين، أي: فرقتين، ولم تتّفقوا على كفرهم.

و «فئتين» حال، عاملها «ما لكم» كقولك: مالك قائما.

و «في المنافقين» حال من «فئتين»، أي: متفرّقين فيهم. أو من الضّمير، أي:

فما لكم تفترقون فيهم. ومعنى الافتراق مستفاد من «فئتين».

وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا: ردّهم إلى حكم الكفرة، أو نكسهم بأن صيّرهم للنّار. وأصل الرّكس، ردّ الشي‏ء مقلوبا.

أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ: أن تجعلوه من المهتدين.

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا : إلى الهدى.

وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا تمنّوا أن تكفروا ككفرهم.

فَتَكُونُونَ سَواءً: في الضّلال. وهو عطف على «تكفرون» ولو نصب على جواب التّمنّي لجاز.

في روضة الكافي ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وإنّ لشياطين الإنس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض. يريدون إن استطاعوا أن يردّوا أهل الحقّ عمّا أكرمهم اللّه به من النّظر في دين اللّه، الّذي لم يجعل اللّه شياطين الإنس من أهله، إرادة أن يستوي أعداء اللّه وأهل الحقّ في الشّكّ والإنكار والتّكذيب، فيكونون كما وصفه اللّه- تعالى- في كتابه من قوله:

وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً.

فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فلا توالوهم حتّى يؤمنوا أو يحقّقوا إيمانهم بهجرة هي للّه ورسوله، لا لأغراض الدّنيا. و«سبيل اللّه» ما أمر بسلوكه.

فَإِنْ تَوَلَّوْا: عن الإيمان، المصاحبة للهجرة المستقيمة. وقيل : عن إظهارالإيمان. فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ: كسائر الكفرة.

وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ، أي: جانبوهم رأسا، ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة.

إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ: استثناء من مفعول فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ، أي: إلّا الّذين يتّصلون وينتهون إلى قوم عاهدوكم ويفارقون محاربتكم.

قيل : القوم هم خزاعة. وقيل : بنو بكر بن زيد مناة.

و قيل : الأسلميّون، فإنّه- عليه السّلام- وادع وقت خروجه إلى مكّة هلال بن عويم الأسلميّ على أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ما له.

و هو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- على ما في مجمع البيان.

أَوْ جاؤُكُمْ: عطف على الصّلة، أي: أو الّذين جاؤوكم كافّين من قتالكم وقتال قومهم. استثنى من المأمور بأخذهم وقتلهم من ترك المحاربين فلحق بالمعاهدين، أو أتى الرّسول وكفّ عن قتال الفريقين.

قيل: أو على صفة «قوم» فكأنّه قيل: إلّا الّذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم كافّين عن القتال لكم وعليكم.

و قرئ، بغير العاطف، على أنّه صفة بعد صفة. أو بيان «ليصلون». أو استئناف .

حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ: حال، بإضمار قد.

و قرئ: حصرة، وحصرات. وهو يؤيّد كونه حالا، أو بيان «لجاؤوكم» أو صفة لمحذوف، أي: جاؤوكم قوما حصرت صدورهم.

و الحصر، الضّيق والانقباض . على ما رواه العيّاشي، عن الصّادق- عليه السّلام- .

أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ، أي: عن أن. أو لأن. أو كراهة أن‏يقاتلوكم.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان، عن الفضل أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ (الآية) فقال: نزلت في بني مدلج، لأنّهم جاؤوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقالوا: إنّا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنّك رسول اللّه، فلسنا معك ولا مع قومنا عليك. قال: قلت: كيف صنع بهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال: وادعهم  إلى أن يفرغ من العرب ثمّ يدعوهم، فإن أجابوا وإلّا قاتلهم.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم ، في قوله- عزّ وجلّ-: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ- إلى آخر الآية-: نزلت في أشجع وبني ضمرة [و هما قبيلتان‏]  وكان من خبرهما ، أنّه لما خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى غزاة الحديبيّة  مرّ قريبا من بلادهم، وقد كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هادن بني ضمرة [و وادعهم قبل ذلك فقال أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا رسول اللّه، هذه بنو ضمرة]  قريبا منّا، ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشا، فلو بدأنا بهم. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

كلا، إنّهم أبرّ العرب بالوالدين، وأوصلهم للرّحم، وأوفاهم بالعهد.

و كان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بني ضمرة. وهم بطن من كنانة. وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف بالمراعاة  والأمان. فأجدبت بلاد أشجع. وأخصبت بلاد بني ضمرة. فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة. فلمّا بلغ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مسيرهم إلى بني ضمرة تهيّأ للمسير إلى أشجع. فيغزوهم للموادعة الّتي كانت بينه وبين بني ضمرة. فأنزل اللّه: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا. (الآية)استثنى بأشجع، فقال: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ. (الآية).

و كانت أشجع محالّها البيضاء والمحلّ والمستباح. وقد كانوا قربوا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فهابوا [تقرّبهم‏]  من رسول اللّه أن يبعث إليهم من يغزوهم.

و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا فهمّ بالمسير إليهم. فبينما هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة. وهم سبعمائة.

فنزلوا شعب سلع. وذلك في شهر ربيع الأوّل  سنة ستّ. فدعا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أسيد بن حصين، فقال له: اذهب في نفر من أصحابك حتّى تنظر ما أقدم أشجع.

فخرج أسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم، فقال: ما أقدمكم؟ فقام إليه مسعود بن رجيلة. وهو رئيس أشجع. فسلّم على أسيد وعلى أصحابه. وقالوا: جئنا لنوادع محمّدا.

فرجع أسيد إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبره. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم.

ثمّ بعث إليهم بعشرة أحمال تمر. فقدّمها أمامه. ثمّ قال: نعم الشي‏ء الهديّة أمام الحاجة.

ثمّ أتاهم فقال: يا معشر أشجع ما أقدمكم؟

قالوا: قربت دارنا منك. وليس في قومنا أقل عددا منّا. فضقنا بحربك  لقرب دارنا منك، وضقنا لحرب قومنا  لقلّتنا فيهم. فجئنا لنوادعك.

فقبل النّبيّ ذلك منهم ووادعهم، فأقاموا يومهم. ثمّ رجعوا إلى بلادهم. وفيهم نزلت هذه الآية: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ (الآية).

 [فما يتراءى من هذا النّقل من منافاته لما سبق، لأنّه في هذا النّقل جعل إلّا الّذين يصلون‏]  عبارة عن الأشجع حين صاروا إلى بني ضمرة المعاهدين، والذين‏جاؤوكم حصرت صدورهم أيضا عبارة عنهم حين جاؤوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وفي الخبرين الأوّلين، جعل الأوّل عبارة عن الأسلميّين، والثّاني عبارة عن بني مدلج [فمدفوع إن صحّ النّقل بحملهما على أنّهما من أشجع- أيضا- أو يجعل ما تتناوله العبارة فرقتين: الأولى الأسلميّون وأشجع والثّاني بني مدلج‏]  وأشجع.

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ: بأن قوّى قلوبهم، وبسط صدورهم، وأزال الرّعب عنهم.

فَلَقاتَلُوكُمْ: ولم يكفّوا عنكم.

فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ: ولم يتعرّضوا لكم.

وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ: الاستسلام والانقياد.

فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا : فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان سيرة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قبل نزول سورة براءة ألّا يقاتل إلّا من قاتله ولا يحارب إلّا من حاربه وأراده. وقد كان نزل عليه في ذلك من اللّه- عزّ وجلّ-: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا فكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة، وأمر بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله إلّا الّذين قد كان عاهدهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم فتح مكّة إلى مدّة، منهم صفوان بن أميّة وسهيل بن عمرو.

و الحديث طويل، وهو مذكور بتمامه في أوّل براءة.

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ:

قيل : هم أسد وغطفان.

و قيل: بنو عبد الدّار، أتوا المدينة وأظهروا الإسلام ليأمنوا المسلمين، فلما رجعوا كفروا.

و في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-: نزلت في عيينة بن الحصين‏

الفزاريّ، أجدبت بلادهم. فجاء إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. ووادعه على أن يقيم بطن نخل ولا يتعرّض له، وكان منافقا ملعونا. وهو الّذي سمّاه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الأحمق المطاع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  مثله، إلّا أنّه لم يسنده إليه- عليه السّلام-.

 

كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ: دعوا إلى الكفر. أو إلى قتال المسلمين.

أُرْكِسُوا فِيها: عادوا إليها، وقلبوا فيها أقبح قلب.

فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ: ولم يستسلموا لكم.

وَ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ: ولم يكفّوا أيديهم عن قتالكم.

فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ: حيث تمكّنتم منهم.

وَ أُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً : حجّة واضحة في التّعرّض لهم بالقتل والسّبي، لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم وغدرهم. أو تسلّطا ظاهرا حيث أذن لكم في قتلهم.

وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ: وما صحّ لمؤمن، ولا استقام له، وما لاق بحاله.

أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً: بغير حقّ.

إِلَّا خَطَأً: لأنّه في عرضة الخطأ. ونصبه على الحال. أو المفعول له. أو على المصدر، أي: لا يقتله في حال من الأحوال إلّا في حال الخطأ. أو لا يقتله لعلّة إلّا للخطأ.

أو إلّا قتلا خطأ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: لا عمدا ولا خطأ، و«إلّا» في موضع «لا» وليست باستثناء وقيل : «ما كان» في معنى النّهي. والاستثناء منقطع، أي: ولكن إن قتله خطأ فجزاؤه ما نذكره.

و في تفسير العيّاشي : عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: كلّما أريد به ففيه القود، وإنّما الخطأ أن يريد الشي‏ء فيصيب غيره.عن زرارة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ليس الخطأ أن تعمده ولا تريد قتله بما لا يقتل مثله، والخطأ ليس فيه شكّ أن يعمد شيئا آخر فيصيبه.

عن عبد الرّحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّما الخطأ، أن يريد شيئا فيصيب غيره، فأمّا كلّ شي‏ء قصدت إليه فأصبته فهو العمد.

عن الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الخطأ الّذي فيه الدّية والكفّارة، وهو الرّجل يضرب الرّجل ولا يتعمّد قتله؟

قال: نعم.

قلت: فإذا رمى شيئا فأصاب رجلا؟

قال: ذلك الخطأ الّذي لا شكّ فيه، وعليه الكفّارة والدّية.

و قرئ: «خطاء» بالمدّ. و«خطا» كعصا، بتخفيف الهمزة .

و في مجمع البيان : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ، أخي أبي جهل لأمّه. كان أسلم وقتل بعد إسلامه رجلا مسلما وهو لا يعلم بإسلامه. وكان المقتول الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة العامريّ. قتله بالحرّة.

و كان أحد من ردّه عن الهجرة. وكان يعذّب عيّاشا مع أبي جهل.

و في البيضاويّ : لقيه في طريق. وكان قد أسلم ولم يشعر به عيّاش. فقتله.

وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، أي: فعليه. أو فواجبه تحرير رقبة.

و التّحرير، الإعتاق. والحرّ، كالعتيق للكريم من الشّي‏ء. ومنه: حرّ الوجه، لأكرم موضع منه، سمّي به لأنّ الكرم في الأحرار. والرّقبة عبّر بها عن النّسمة، كما عبّر بها عن الرّأس.

مُؤْمِنَةٍ، مقرّة بالإسلام، قد بلغت الحنث.

في تفسير العيّاشي : عن كردويه الهمدانيّ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قول اللّه: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كيف تعرف المؤمنة؟ قال: على الفطرة.عن السّكونيّ،  عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ- عليهما السّلام- قال: الرّقبة المؤمنة الّتي ذكر اللّه إذا عقلت، والنّسمة الّتي لا تعلم إلّا ما قلته وهي صغيرة.

و في الكافي . [عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر وابن أبي عمير جميعا، عن معمّر بن يحيى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل يظاهر من امرأته، يجوز عتق المولود في الكفّارة؟

فقال:]  كلّ العتق يجوز فيه المولود إلّا في كفّارة القتل. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، يعني: بذلك مقرّة قد بلغت الحنث.

و هذا، أي: التّحرير، يجب عليه فيما بينه وبين اللّه. كما رواه العيّاشيّ، عن الصّادق- عليه السّلام-.

 

و أمّا ما يجب عليه، فيما بينه وبين أولياء المقتول، فالدّية. كما يقول:

وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ: مؤدّاة إلى أولياء المقتول.

إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا: يتصدّقوا عليه بالدّية. سمّى العفو عنها صدقة، حثّا عليه، وتنبيها على فضله.

و في الحديث، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله -: كلّ معروف صدقة.

و هو متعلّق «بعليه»، أي: يجب الدّية عليه. أو «بمسلّمة»، أي: يسلّمها إلى أهله إلّا حال تصدّقهم عليه. أو زمانه، فهو في محلّ النّصب على الحال من القاتل، أو الأهل، أو على الظّرف.

فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أي: إن كان المقتول خطأ من قوم كفّار وهو مؤمن، فيجب عتق رقبة مؤمنة وليس دية، إذ لا وراثة بينه وبينهم لأنّهم محاربون.

و في من لا يحضره الفقيه : روى ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في رجل مسلم كان في أرض الشّرك فقتله المسلمون ثمّ علم به الإمام بعد؟فقال: يعتق مكانه رقبة مؤمنة، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: وفَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.

و روى العيّاشيّ  في هذا المعنى ما يدلّ صريحا، على أنّ التّحرير على القاتل وليس عليه دية.

كما سيجي‏ء.

وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ: وإن كان المؤمن المقتول خطأ من قوم كفرة معاهدين أو أهل الذّمّة، فيجب دية مسلّمة إلى أهله- وهو وارثه المسلم، الّذي عليه سبيل بالإرث. أو الإمام إن لم يكن وارث مسلم، فإنّه أهل من لا وارث له- وتحرير رقبة مؤمنة، كفّارة لقتله المؤمن خطأ.

 [و في تفسير العيّاشي : عن مسعدة بن صدقة قال: سئل جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن قول اللّه: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً]  فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ.

 

قال: أمّا تحرير رقبة مؤمنة ففيما بينه وبين اللّه، وأمّا الدّية المسلّمة إلى أولياء المقتول فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ قال: وإن كان من أهل الشّرك الّذين ليس لهم في الصّلح وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فيما بينه وبين اللّه، وليس عليه الدّية وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وهو مؤمن، فتحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين اللّه ودية مسلّمة إلى أهله.

عن حفص  بن البختريّ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً إلى قوله: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ.

قال: إذا كان من أهل الشّرك فتحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين اللّه، وليس عليه دية وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ قال: تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين اللّه، ودية مسلّمة إلى أوليائه.

و في مجمع البيان : واختلف في صفة هذا القتيل، أهو مؤمن أم كافر؟ قيل: بل‏هو مؤمن، تلزم قاتله الدّية، يؤدّيها إلى قومه المشركين، لأنّهم أهل ذمّة.

و رواه أصحابنا- أيضا- إلّا أنّهم قالوا: تعطى ديته ورثته المسلمين، دون الكفّار.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ: رقبة، بأن لا يملكها، ولا ما يتوصّل به إليها.

فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ: فعليه، أو فالواجب عليه صوم شهرين.

 [و في من لا يحضره الفقيه ، عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- حديث طويل، يذكر فيه وجوه الصّوم وفيه: وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق، واجب لقول اللّه- عزّ وجلّ-: ومَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إلى قوله- عزّ وجلّ-: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ‏] .

تَوْبَةً: نصب على المفعول له، أي: شرّع ذلك توبة من تاب عليه إذا قبل توبته. أو على المصدر، أي: تاب عليكم توبة. أو حال بحذف مضاف، أي: فعليه صيام شهرين ذا توبة.

مِنَ اللَّهِ: صفتها.

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: بحاله.

حَكِيماً : فيما أمر في شأنه.

و في عيون الأخبار ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان أنّه سمعها عن الرّضا- عليه السّلام-: فإن قال: فلم وجب في الكفّارة على من لم يجد تحرير رقبة الصّيام، دون الحجّ والصّلاة وغيرهما؟ قيل: لأنّ الصّلاة والحجّ وسائر الفرائض مانعة للإنسان من التّقلّب في أمر دنياه.

فإن قال: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين، دون أن يجب عليه شهر واحد وثلاثة أشهر؟قيل: لأنّ الفرض الّذي فرضه اللّه- عزّ وجلّ- على الخلق هو شهر واحد، فضوعف في هذا الشّهر في الكفّارة توكيدا وتغليظا عليه.

فإن قال: فلم جعلت متتابعين؟

قيل: لئّلا يهون عليه الأداء فيستخفّ به، لأنّه إذا قضاه متفرّقا هان عليه القضاء.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قطع صوم كفّارة اليمين وكفّارة الظّهار وكفّارة القتل؟

فقال: إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشّهر الأوّل فإنّ عليه أن يعيد الصّيام، وإن صام الشّهر الأوّل وصام من الشّهر الثّاني شيئا ثمّ عرض له ما له فيه عذر فإنّ عليه أن يقضي.

عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول في الرّجل يصوم شعبان وشهر رمضان؟

قال: هما الشّهران اللّذان قال اللّه- تبارك وتعالى-: شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ.

 

قلت: فلا يفصل بينهما؟

قال: إذا أفطر من اللّيل فهو فصل. وإنّما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

لا وصال في صيام، يعني: لا يصوم الرّجل يومين متواليين من غير إفطار.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب ، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشّهر الحرام؟

قال: تغلّظ عليه الدّية، وعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم.

قلت: فإنّه يدخل في هذا شي‏ء؟فقال: ما هو؟

قلت: هو يوم العيد وأيّام التّشريق.

قال: يصومه، فإنّه حقّ يلزمه.

وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً :

في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسن بن ميمون، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: فلمّا أذن اللّه لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- في الخروج من مكّة إلى المدينة، بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- عبده ورسوله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان.

و أنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض، وأخبره بالمعاصي الّتي أوجب اللّه عليها وبها النّار لمن عمل بها، وأنزل عليه في بيان القاتل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ولا يلعن اللّه مؤمنا، قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً، خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً وكيف تكون في المشيئة وقد ألحق به حين جزاه جهنّم الغضب واللّعنة، وقد بيّن ذلك من الملعونين في كتابه.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا محمّد بن موسى قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السّعدآباديّ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عبد العظيم بن عبد اللّه قال: حدّثني محمّد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: قتل النّفس من الكبائر، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً إلى قوله: وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً..

و في كتاب معاني الأخبار : عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ.

 قال: من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمّد، الّذي قال اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه: وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً.

 

قلت: فالرّجل يقع بين الرّجل وبينه شي‏ء فيضربه بالسّيف فيقتله؟

قال: ليس ذلك المتعمّد، الّذي قال اللّه- عزّ وجلّ-.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ- ونقل مثل ما في معاني الأخبار سواء.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن الحسن قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي السّفاتج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ.

 

قال: إن جازاه.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان وابن بكير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّدا، أ له توبة؟

فقال: إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له. وإن كان لغضب أو بسبب شي‏ء من أشياء الدّنيا فإنّ توبته أن يقاد منه، وإن يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم. فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدّية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستّين مسكينا، توبة إلى اللّه- عزّ وجلّ-.

محمّد بن يحيى ، عن عبد اللّه بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما. وقال لا يوفّق قاتل المؤمن متعمّدا للتّوبة.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: من قتل مؤمنا على دينه لم تقبل  توبته. ومن‏قتل نبيّا أو وصيّ نبيّ فلا توبة له، لأنّه لا يكون له مثله فيقاد به‏] .

و قيل : إنّ الآية نزلت في مقيس بن ضبابة، وجد أخاه هشاما [قتيلا]  في بني النّجّار ولم يظهر قاتله. فأمرهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يدفعوا إليه ديته.

فدفعوا إليه. ثمّ حمل على مسلم فقتله ورجع إلى مكّة مرتدّا.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: سافرتم وذهبتم للغزو.

فَتَبَيَّنُوا: فاطلبوا بيان الأمر وثباته، وميّزوا بين الكافر والمؤمن.

و قرأ حمزة والكسائيّ: «فتثبّتوا» من التّثبّت. هنا، وفي الحجرات .

وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ: لمن حيّاكم بتحيّة الإسلام.

و قرأ نافع وابن عامر وحمزة: «السّلم» بغير ألف، أي: الاستسلام والانقياد.

و فسّر به السّلام- أيضا- .

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلم لست مؤمنا.

لَسْتَ مُؤْمِناً: وإنّما فعلت ذلك من الخوف.

و قرئ: «مؤمنا» بالفتح، أي: مبذولا له الأمان .

تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا: تطلبون ماله، الّذي هو حطام سريع النّفاد.

و هو حال من الضّمير في «تقولوا» وهو مشعر بما هو الحامل لهم على العجلة وترك التّثبّت.

فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ: تغنيكم عن قتل أمثاله لما له.

كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ، أي: أوّل ما دخلتم في الإسلام تفوّهتم بكلمتي الشّهادة فحصنت بها دماؤكم وأموالكم، من غير أن يعلم مواطأة قلوبكم ألسنتكم.

فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ: بالاشتهار بالإيمان، والاستقامة في الدّين.

فَتَبَيَّنُوا: فافعلوا بالدّاخلين كما فعل اللّه بكم، ولا تبادروا إلى قتلهم ظنّا بأنّهم دخلوا فيه اتّقاء وخوفا. فإنّ إبقاء الكافر أهون عند اللّه من قتل امرئ مسلم.و تكريره، تأكيد لتعظيم الأمر، وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم.

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً : عالما به وبالغرض منه، فلا تتهافتوا في القتل واحتاطوا فيه.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّها نزلت لمّا رجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من غزوة خيبر، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام. وكان رجل من اليهود يقال له: مرادس بن نهيك الفدكيّ، في بعض القرى. فلمّا أحسّ بخيل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل. فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فمرّ به أسامة بن زيد فقتله. فلمّا رجع إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أخبره بذلك.

فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قتلت رجلا شهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّي رسول اللّه.

فقال: يا رسول اللّه [إنّما]  قالها  تعوّذا من القتل.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أفلا شققت الغطاء عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في نفسه علمت؟

فحلف أسامة بعد ذلك، أنّه لا يقاتل أحدا [قال:]  أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فتخلّف عن أمير المؤمنين في حروبه. وأنزل اللّه في ذلك: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ. (الآية).

و في رواية العامّة : أنّ مرادس أضاف إلى الكلمتين: السّلام عليكم.

و هي تؤيّد قراءة السّلام، وتفسيره بتحيّة السّلام .

لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ: عن الحرب.

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: في موضع الحال من «القاعدون» أو من الضّمير الّذي فيه.

و يحتمل الصّفة.

غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ: الأصحّاء. بالرّفع صفة «للقاعدون» لأنّه لم يقصد قوم بأعيانهم. أو بدل منه.

و قرأ نافع وابن عامر والكسائيّ، بالنّصب، على الحال. أو الاستثناء.

و قرئ، بالجرّ، على أنّه صفة للمؤمنين. أو بدل منه .

في مجمع البيان : نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن الرّبيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن أميّة من بني واقف، تخلّفوا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم تبوك، وعذر اللّه أولي الضّرر وهو عبد اللّه بن أمّ مكتوم. قال:

رواه أبو حمزة الثّماليّ في تفسيره.

و في عوالي اللّئالي : روى زيد بن ثابت أنّه لم يكن في آية نفي المساواة بين المجاهدين والقاعدين استثناء غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ. فجاء ابن أمّ مكتوم، وكان أعمى، وهو يبكي فقال: يا رسول اللّه، كيف لمن لا يستطيع الجهاد؟ فغشيه الوحي ثانيا، ثمّ أسري  عنه فقال: اقرأ: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فألحقتها. والّذي نفسي بيده، لكأنّي أنظر الى ملحقها عند صدع في الكتف.

وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، أي: لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد، من غير علّة. وفائدته تذكير ما بينهما من التّفاوت، ليرغب القاعد في الجهاد رفعا لرتبته، وأنفة عن انحطاط منزلته.

فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً: جملة موضّحة لمّا نفى الاستواء فيه. و«القاعدون» على التّقييد السّابق. و«درجة» نصبه بنزع الخافض. أو على المصدر، لأنّه تضمّن معنى التّفضيل ووقع موقع المرّة منه. أو الحال، بمعنى: ذوي درجة.

وَ كُلًّا: من القاعدين والمجاهدين.

وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى: المثوبة الحسنى، وهي الجنّة، لحسن عقيدتهم وخلوص نيّتهم. وإنّما التّفاوت في زيادة العمل، المقتضي لمزيد الثّواب.و في الجوامع : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد خلّفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم. وهم الّذين صحّت نيّاتهم ونصحت جيوبهم وهوت أفئدتهم إلى الجهاد. وقد منعهم من المسير ضرر أو غيره.

وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً : نصب على المصدر، لأنّ فضّل، بمعنى: أجر. أو المفعول الثّاني له، لتضمّنه معنى الإعطاء، كأنّه قيل : وأعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما.

دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً: كلّ واحدة منها بدل من «أجرا». ويجوز أن ينتصب «درجات» على المصدر، كقولك: ضربته أسواطا. و«أجرا» على الحال عنها تقدّمت عليها. لأنّها نكرة. و«رحمة ومغفرة» على المصدر بإضمار فعليهما.

و في مجمع البيان : وجاء في الحديث: إنّ اللّه- سبحانه- فضّل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة، بين كلّ درجتين مسيرة سبعين خريفا للفرس الجواد المضمر.

كرّر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه إجمالا وتفصيلا، تعظيما [للجهاد]  وترغيبا فيه.

و قيل : الأوّل، ما حقّ لهم في الدّنيا من الغنيمة والظّفر وجميل الذّكر.

و الثّاني، ما جعل لهم في الآخرة.

و قيل : المراد «بالدّرجة» الأولى، ارتفاع منزلتهم عند اللّه- تعالى- و«الدّرجات» منازلهم في الجنّة.

و قيل : «القاعدون» الأوّل، هم الأضرّاء. و«القاعدون» الثّاني، هم الّذين أذن لهم في التّخلّف، اكتفاء بغيرهم.

و قيل : «المجاهدون» الأوّلون، من جاهد الكفّار. والآخرون، من جاهد نفسه، كما ورد في الحديث: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.

و قيل:  يحتمل أن يكون المراد بالأوّل قوما، وبالآخر آخرين، فإنّ ما بين القاعد والمجاهد كما بين السّماء والأرض.وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً: لما عسى يفرط منهم.

رَحِيماً : يرحمهم بإعطاء الثّواب.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ: يحتمل الماضي والمضارع.

و قرئ: «توفّتهم» و«توفّاهم» على مضارع وفيت، بمعنى: أنّ اللّه يوفّي الملائكة أنفسهم فيتوفّونها، أي: يمكّنهم من استيفائها فيتوفّونها .

ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ: في حال ظلمهم أنفسهم، بترك الهجرة وموافقة الكفرة.

في كتاب الاحتجاج : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه سئل عن قول اللّه- تعالى -: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وقوله : قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وقوله- جلّ وعزّ -: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وقوله : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ فمرّة يجعل الفعل لنفسه، ومرّة لملك الموت، ومرة للرّسل، ومرّة للملائكة؟ فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أجلّ وأعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله. لأنّهم بأمره يعملون.

فاصطفى من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه. وهم الّذين قال اللّه فيهم : اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ فمن كان من أهل الطّاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرّحمة. ومن كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النّقمة. ولملك الموت أعوان من ملائكة الرّحمة والنّقمة يصدرون عن أمره. وفعلهم فعله. وكلّ ما يأتونه منسوب إليه. وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت، ففعل ملك الموت فعل اللّه. لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء. ويعطي ويمنع ويثبت ويعاقب على يد من يشاء. وإنّ فعل أمنائه فعله، كما قال : وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.

و في من لا يحضره الفقيه : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن ذلك فقال: إنّ اللّه- تعالى- جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح، بمنزلة صاحب الشّرطة له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجه، فيتوفّاهم الملائكة ويتوفّاهم ملك‏الموت من الملائكة مع ما يقبض هو، ويتوفّاها اللّه من ملك الموت.

و في كتاب التوحيد : سئل أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن ذلك فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يدبّر الأمر كيف يشاء ويوكّل من خلقه من يشاء بما يشاء. أمّا ملك الموت فإنّ اللّه يوكّله بخاصّة من يشاء. ويوكّل رسله من الملائكة خاصّة بمن يشاء من خلقه. والملائكة الّذين سمّاهم اللّه- عزّ ذكره- وكلّهم بخاصة من يشاء من خلقه.

و اللّه - تبارك وتعالى- يدبّر الأمور كيف يشاء. وليس كلّ العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكلّ النّاس. لأنّ منهم القويّ والضّعيف. ولأنّ منه ما يطاق حمله، ومنه ما لا يطيق حمله إلّا من يسهّل اللّه له حمله وأعانه عليه من خاصّة أوليائه. وإنّما يكفيك أن تعلم أنّ اللّه المحيي والمميت، وأنّه يتوفّى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكة وغيرهم.

قالُوا، أي: الملائكة. توبيخا لهم.

فِيمَ كُنْتُمْ في أيّ شي‏ء كنتم من أمر دينكم.

قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ: اعتذار عمّا وبّخوا به، بضعفهم عن إظهار الدّين وإعلاء كلمته لقلّة العدد وكثرة العدوّ.

قالُوا، أي: الملائكة. تكذيبا لهم.

أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها: إلى قطر آخر، كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة.

فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ: لتركهم الواجب، ومساعدتهم الكفّار، وكفرهم. وهو خبر «إنّ» و«الفاء» فيه لتضمّن الاسم معنى الشّرط. و«قال فيم كنتم» حال من الملائكة، بإضمار قد. أو الخبر «قالوا» والعائد محذوف، أي: قالوا لهم.

و هو جملة معطوفة على الجملة التي قبلها، مستنتجة منها.

وَ ساءَتْ مَصِيراً ، أي: مصيرهم. أو جهنّم.

و قيل : الآية نزلت في ناس من مكّة، أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة. والظّاهر، أنّها في الكفرة.و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: هم قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاص بن منبه بن الحجّاج، وعليّ بن أميّة بن خلف.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: ولا يقع استضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها أذنه ووعاها قلبه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين- عليه السّلام- ولم يقاتلوا معه، فقال الملائكة لهم عند الموت: فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، أي: لم نعلم مع من الحقّ. فقال اللّه: أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، أي: دين اللّه وكتابه واسع فتنظروا فيه.

و الجمع بينه وبين الأوّل، أنّها نزلت في الأوّل وجرت في الثّاني. وفي الآية دلالة على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكّن الرّجل فيه من إقامة دينه.

 [و في مجمع البيان : وروى الحسن عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض، استوجب الجنّة وكان رفيق إبراهيم ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.] .

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام- بعد أن أمر بالكلام بما ينفع ولا يضرّ: فإن لم تجد السّبيل إليه، فالانقلاب والسّفر  من بلد إلى بلد، وطرح النّفس في بوادي التّلف بسرّ صاف وقلب خاشع وبدن صابر، قال اللّه- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن يسار، عن معروف بن خربوذ، عن الحكم بن المستنير، عن عليّ بن الحسين‏

 - عليهما السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الأرض مسيرة خمسمائة عام، الخراب منها مسيرة أربعمائة والعمران منها مسيرة مائة عام.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ: استثناء منقطع، لعدم دخولهم في الموصول يظلموا ، ولا في ضميره، ولا في الإشارة إليه.

و ذكر «الولدان» إن أريد به المماليك، فظاهر. وإن أريد به الصّبيان، فللمبالغة في الأمر، والإشعار بأنّهم على صدد وجوب الهجرة، فإنّهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها، وأنّ قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت.

لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا : صفة للمستضعفين، إذ لا توقيت فيه. أو حال عنه، أو عن المستكن فيه. واستطاعة الحيلة، قدرة ووجدان أسباب دفع الكفر. واهتداء السّبيل، وجدان سبيل الإيمان بنفسه أو بدليل.

في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال:

 

حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد وفضالة بن أيّوب جميعا، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ.

 

فقال: هو الّذي لا يستطيع الكفر فيكفر، ولا يهتدي سبيل الإيمان فيؤمن.

و الصّبيان ومن كان من الرّجال والنّساء على مثل عقول الصّبيان، مرفوع عنهم القلم.

قوله- عليه السّلام-: «هو الّذي لا يستطيع الكفر »

، يعني: ليس له من العقل ما به يطّلع على الكفر فيكفر، أو يدفعه عن نفسه.

و بإسناده إلى سالم بن مكرم الجمّال ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله- عزّ وجلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ إلى قوله: سَبِيلًا فقال: لا يستطيعون حيلة إلى النّصب فينصبون، ولا يهتدون سبيلا. إلى الحقّ  فيدخلون فيه. وهؤلاء يدخلون الجنّةبأعمال حسنة وباجتناب المحارم الّتي نهى اللّه- عزّ وجلّ- عنها، ولا ينالون منازل الأبرار.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رحمه اللّه - قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن حجر بن زائدة عن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ (الآية) قال: هم أهل الولاية.

قلت: وأيّ ولاية؟

فقال: أما إنّها ليست بولاية في الدّين. لكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة. وهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفّار. وهم المرجون لأمر اللّه.

حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويّ  قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ (الآية).

قال: يا سليمان، في هؤلاء المستضعفين من هو أثخن رقبة  منك. المستضعفون قوم يصومون ويصلّون ، تعفّ بطونهم وفروجهم، لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا، آخذين بأغصان الشّجرة. فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم إذا كانوا آخذين بالأغصان، وإن لم يعرفوا أولئك فإن عفا عنهم فبرحمته وإن عذّبهم فبضلالتهم عمّا عرّفهم.

أبي- رحمه اللّه- قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصّباح، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال في المستضعفين الّذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا:

لا يستطيعون حيلة فيدخلوا في الكفر، ولم يهتدوا فيدخلوا في الإيمان. فليس هم من الكفر والإيمان في شي‏ء.و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن سليم مولى طربال قال: حدّثني هشام، عن حمزة بن طيّار قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: [النّاس على ستّة أصناف‏] .

قال: قلت: أ تأذن لي أن أكتبها؟

قال نعم.

قلت: ما أكتب؟

قال: اكتب إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً  إلى الكفر وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا إلى الإيمان فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال: دخلت أنا وحمران، أو أنا وبكير على أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: إنّا نمدّ المطمار .

قال: وما المطمار ؟

قلت: التّرّ . فمن وافقنا  من علويّ أو غيره  تولّيناه. ومن خالفنا من علويّ أو غيره  برئنا منه.

فقال لي: يا زرارة، قول اللّه أصدق من قولك، فأين الّذين قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا أين المرجون لأمر اللّه؟ والحديثان طويلان، أخذنا منهما موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: المستضعفون الّذين لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا قال: لا يستطيعون حيلة إلى الإيمان ولا يكفرون، الصّبيان وأشباه عقول الصّبيان من‏الرّجال والنّساء.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن المستضعف؟ فقال: هو الّذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر، ولا يهتدي بها إلى سبيل الإيمان ، لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر.

قال: والصّبيان، ومن كان من الرّجال والنّساء على مثل عقول الصّبيان.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن جندب، عن سفيان بن السّمط البجليّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول في المستضعفين؟

فقال لي شبيها بالفزع: فتركتم أحدا يكون مستضعفا، وأين المستضعفون؟ فو اللّه لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهنّ، وتحدّث به السّقّايات في طريق المدينة.

الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء، عن مثنى، عن إسماعيل الجعفيّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- في حديث طويل: فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟

فقال: لا، إلّا المستضعفين. قلت: من هم؟

قال: نساؤكم وأولادكم. ثمّ قال: أ رأيت أمّ أيمن، فإنّي أشهد أنّها من أهل الجنّة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

و بإسناده إلى أيّوب بن الحرّ  قال: قال رجل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- ونحن عنده: جعلت فداك إنّا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين.

قال: فقال: لا واللّه لا يفعل اللّه ذلك بكم أبدا.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن محمّد بن منصور الخزاعيّ، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- قال: سألته‏عن الضّعفاء؟ فكتب إليّ: الضّعيف، من لم يرفع إليه حجّة ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.

و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد الحميد الطّائيّ، عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أ تزوّج بمرجئة أو حروريّة؟

قال: لا، عليك بالبله من النّساء.

قال زرارة: فقلت: واللّه ما هي إلّا مؤمنة أو كافرة.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: وأين أهل ثنوي اللّه- عزّ وجلّ- قول اللّه أصدق من قولك: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا.

 

و في تفسير العيّاشيّ -: عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال سألته: عن المستضعفين. فقال: البلهاء في خدرها، والخادمة تقول لها: صلّي. فتصلّي لا تدري إلّا ما قلت لها، والجليب الّذي لا يدري إلّا ما قلت له، والكبير الفاني، والصّبيّ، والصّغير، هؤلاء المستضعفين.

فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ: ذكر بكلمة الإطماع. ولفظ «العفو» إيذانا بأنّ ترك الهجرة أمر خطير، حتّى المضطرّ من حقّه أن لا يأمن ويترصّد الفرصة ويعلّق بها قلبه.

وَ كانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً : ذا صفح عن ذنوب عباده، ساتر عليهم ذنوبهم.

وَ مَنْ يُهاجِرْ: يفارق أهل الشّرك، ويهرب بدينه من وطنه إلى أرض الإسلام.

فِي سَبِيلِ اللَّهِ: في منهاج دينه .

يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً: متحوّلا. من الرّغام، وهو التّراب.

و قيل : طريقا يراغم قومه بسلوكه، أي: يفارقهم على رغم أنوفهم. وهو أيضا من الرّغام وَسَعَةً: في الرّزق وإظهار الدّين، فيرغم بذلك أنوف قومه في من ضيّق عليه.

وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ:

و قرئ: «يدركه» بالرّفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: ثمّ هو يدركه. وبالنّصب، على إضمار «أن» كقوله: وألحق بالحجاز فاستريحا .

فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ:

الوقوع والوجوب، متقاربان. وفي لفظ الوقوع زيادة مبالغة، لإشعاره  بأنّ أجره وقع.

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً :

في مجمع البيان : عن أبي حمزة الثّماليّ: لمّا نزلت آية الهجرة، سمعها رجل من المسلمين وهو جندع أو جندب بن ضمرة  وكان بمكّة. فقال: واللّه ما أنا ممّن استثنى اللّه، إنّي لأجد قوّة وإنّي لعالم بالطّريق. وكان مريضا شديد المرض. فقال لبنيه: واللّه لا أبيت بمكّة حتّى أخرج منها. فإنّي أخاف أن أموت فيها. فخرجوا يحملونه على سرير حتّى إذا بلغ التّنعيم مات. فنزلت الآية.

 [و ممّا جاء في معنى الآية من الحديث ما رواه الحسن، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله - قال: من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنّة، وكان رفيق إبراهيم ومحمّد- عليهما السّلام-.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن قال: حدّثنا حمّاد، عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول العامّة أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة؟

قال: الحقّ واللّه.قلت: فإنّ إماما هلك، ورجل بخراسان لا يعلم من وصيّه، لم يسعه ذلك؟

قال: لا يسعه، إنّ الإمام إذا هلك وقعت حجّة وصيه على من هو معه في البلد، وحقّ النّفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول : فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

قلت: فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم؟

قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أصلحك اللّه، بلغنا شكواك وأشفقنا، فلو أعلمتنا أو علّمتنا من؟

فقال: إنّ عليّا- عليه السّلام- كان عالما والعلم يتوارث، فلا يهلك عالم إلّا بقي من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء اللّه.

قلت: أ فيسع النّاس إذا مات العالم أن لا يعرفوا الّذي بعده؟

فقال: أمّا أهل هذه البلدة فلا، يعني: المدينة. وأمّا غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم، إنّ اللّه يقول : وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

قال: قلت: أ رأيت من مات في ذلك؟ فقال: هو بمنزلة من خرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت، فقد وقع أجره على اللّه.] .

و في تفسير العيّاشي ، بإسناده، عن محمّد بن أبي عمير  قال: وجّه زرارة بن أعين  ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر  وعبد اللّه. فمات قبل أن يرجع إليه عبيد ابنه.قال محمّد بن أبي عمير: حدّثني محمّد بن حكيم قال: ذكرت  لأبي الحسن - عليه السّلام- زرارة وتوجيهه  عبيدا إلى المدينة.

فقال : إنّي لأرجو أن يكون زرارة ممّن قال اللّه: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ (الآية).

عن أبي الصّباح  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول في رجل دعي إلى هذا الأمر فعرفه وهو في أرض منقطعة إذ جاء موت الإمام، فبينا هو ينتظر إذ جاءه الموت؟

فقال: هو واللّه بمنزلة من هاجر إلى اللّه ورسوله فمات، فقد وقع أجره على اللّه.

و في الكافي : عليّ بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمّد بن سليمان الدّيلمي  عن أبي حجر الأسلميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أتى مكّة حاجّا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة، ومن مات في أحد الحرمين مكّة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب، ومن مات مهاجرا إلى اللّه- تعالى- حشره اللّه- تعالى - مع أصحاب بدر.