سورة إبراهيم الآية 1-20

بسم الله الرحمن الرحيم‏

سورة إبراهيم‏

مكّيّة، إلّا آيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً- إلى قوله- فَبِئْسَ الْقَرارُ. قاله ابن عبّاس وقتادة والحسن .

و هي إحدى وخمسون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعا، في كلّ جمعة، لم يصبه فقر أبدا ولا جنون ولا بلوى.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ سورة إبراهيم، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من يعبد  الأصنام وبعدد من لم يعبدها.

الر كِتابٌ، أي: هو كتاب.

أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ: بدعائك إيّاهم إلى ما تضمّنه .

مِنَ الظُّلُماتِ: من أنواع الضّلال.إِلَى النُّورِ: إلى الهدى والإيمان.

بِإِذْنِ رَبِّهِمْ: بتوفيقه وتسهيله. مستعار من الإذن، الّذي هو تسهيل الحجّاب .

و هو صلة «لتخرج». أو حال من فاعله، أو مفعوله .

إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ : بدل من قوله: «إلى النّور» بتكرير العامل. أو استئناف ، على أنّه جواب لمن يسأل عنه.

و إضافة الصّراط إلى اللّه، إمّا لأنّه مقصده، أو المظهر له.

و تخصيص الوصفين ، للتّنبيه على أنّه لا يذلّ سالكه ولا يخيب سائله.

اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ على قراءة نافع وابن عامر مبتدأ وخبر، أو «اللّه» خبر مبتدأ محذوف  و«الّذي» صفته.

و على قراءة الباقين عطف بيان «للعزيز»، لأنّه كالعلم لاختصاصه بالمعبود بالحقّ .

وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ : وعيد لمن كفر بالكتاب، ولم يخرج به من الظّلمات إلى النّور.

و «الويل» الهلاك، نقيض «الوأل» وهو النّجاة. وأصله النّصب، لأنّه مصدر إلّا أنّه لم يشتقّ منه لكنّه رفع لإفادة الثّبات.الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ: يختارونها عليها، فإنّ المختار للشّي‏ء يطلب من نفسه أن يكون أحبّ إليها من غيره .

وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: بتعويق النّاس عن الإيمان.

و قرئ : «و يصدّون»، من أصدّه، وهو منقول صدّ صدودا، إذا تنكّب .

و ليس فصيحا ، لأنّ في صدّه مندوحة عن تكلّف التّعدية [بالهمزة] .

وَ يَبْغُونَها عِوَجاً: ويبغون لها زيغا ونكوبا عن الحقّ، ليقدحوا فيه. فحذف الجارّ، وأوصل الفعل إلى الضّمير.

و الموصول بصلته يحتمل الجرّ صفة «للكافرين»، والنّصب على الذّم، والرّفع عليه . أو على أنّه مبتدأ خبره أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ، أي: ضلّوا عن الحقّ ووقعوا عنه بمراحل.

و «البعد» في الحقيقة للضّالّ، فوصف به فعله للمبالغة. أو للأمر الّذي به الضّلال، فوصف به لملابسته.

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ: الّذي هو منهم وبعث فيهم.

لِيُبَيِّنَ لَهُمْ: ما أمروا به، فيفقهوه عنه بيسر وسرعة.

و قرئ : «بلسن» وهو لغة فيه، كريش ورياش. و«لسن» بضمّتين، وضمة وسكون، على الجمع، كعمد وعمد.

و في كتاب الخصّال : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في حديث: ومنّ عليّ ربّي، وقال: يا محمّد، قد أرسلت كلّ رسول إلى أمّته  بلسانها، وأرسلتك إلى كلّ أحمرو أسود من خلقي.

و قيل : الضّمير في «قومه» لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- و[أنّ اللّه تعالى‏]  أنزل  الكتب كلّها بالعربيّة ثمّ [تر]  جمعها جبرئيل- عليه السّلام-. أو كل نبيّ بلغة المنزل عليهم.

و يؤيّده ما رواه في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى مسلم بن خالد المكّيّ:

 

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: ما أنزل اللّه- تبارك وتعالى- كتابا ولا وحيا إلّا بالعربيّة، [فكان يقع في مسامع الأنبياء- عليهم السّلام- بألسنة قومهم، وكان يقع في مسامع نبيّنا- صلّى اللّه عليه وآله- بالعربيّة، فإذا كلّم به قومه  كلّمهم‏]  بالعربيّة فيقع في مسامعهم بلسانهم. وكان احد  لا يخاطب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بأيّ لسان خاطبه إلّا وقع في مسامعه بالعربيّة، وكلّ ذلك يترجم جبرئيل- عليه السّلام- عنه تشريفا من اللّه- عزّ وجلّ- له- صلّى اللّه عليه وآله-.

فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ: فيخذله عن الإيمان.

وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ: بالتّوفيق له.

وَ هُوَ الْعَزِيزُ: فلا يغلب على مشيئته.

الْحَكِيمُ : الّذي لا يفعل ما يفعل إلّا بحكمة.

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا، يعني: اليد والعصا وسائر معجزاته.

أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، بمعنى: أي: أخرج، لأنّ في الإرسال معنى القول. أو بأن أخرج، فإنّ صيغ الأفعال سواء في الدّلالة على المصدر، فيصحّ أن يوصل بها «أن» النّاصبة.

وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ.

قيل : بوقائعه الّتي وقعت على الأمم الدّارجة. وأيّام العرب: حروبها.و قيل : بنعمائه وبلائه.

و في تفسير العيّاشي : عن إبراهيم عن عمر ، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قال: بآلاء اللّه، يعني: بنعمه.

و في كتاب الخصال : عن مثنّى الخيّاط  قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: أيام الله يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أيام الله ثلاثة: أيام  يوم يقوم  القائم، ويوم الموت، ويوم القيامة.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ : يصبر على بلائه ويشكر لنعمائه، فإنّه إذا سمع بما نزل على من قبله من البلاء وأفيض عليهم من النّعماء، اعتبر وتنبّه لما يجب عليه من الصّبر والشّكر.

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، أي: اذكروا نعمته وقت إنجائه إيّاكم.

و يجوز أن ينتصب «بعليكم» إن جعلت مستقرّة، غير صلة «للنّعمة»  وذلك إذا اريدت بها العطيّة دون الإنعام. ويجوز أن يكون بدلا من «نعمة اللّه» بدل الاشتمال.

يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ: أحوال من «آل فرعون»، أو من ضمير المخاطبين.

و المراد بالعذاب- هاهنا- غير المراد في سورة البقرة والأعراف، لأنّه مفسّر بالتّذبيح‏و القتل ثمّة ، ومعطوف عليه التّذبيح- هاهنا-. وهو إمّا جنس العذاب ، أو استعبادهم واستعمالهم بالأعمال الشّاقّة.

وَ فِي ذلِكُمْ: من حيث أنّه بإقدار اللّه إيّاهم وإمهالهم فيه.

بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ : ابتلاء منه.

و يجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء، والمراد بالبلاء: النّعمة.

وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ: أيضا من كلام موسى- عليه السّلام-.

و «تأذّن» بمعنى: آذن، كتوعّد وأوعد، غير أنّه أبلغ لما في التّفعّل من معنى التّكلّف والمبالغة، أي: أعلم ربّكم.

لَئِنْ شَكَرْتُمْ: يا بني إسرائيل، ما أنعمت عليكم من الإنجاء وغيره بالإيمان والعمل الصّالح.

لَأَزِيدَنَّكُمْ: نعمة إلى نعمة.

وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ : فلعلّي أعذبكم على الكفران عذابا شديدا. ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرّح بالوعد، ويعرّض بالوعيد .

و الجملة مفعول قول مقدّر . أو مفعول «تأذن» على أنّه يجري مجرى «قال»، لأنّه ضرب منه.

في كتاب الخصّال : عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: يا معاوية، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة: من أعطي الدّعاء أعطي الإجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة، ومن اعطي التّوكل اعطي الكفاية. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ. ويقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ويقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أيّما عبد أنعم اللّه عليه بنعمة، فعرفها بقلبه وحمد اللّه عليها بلسانه، لم ينفد  كلامه حتّى يأمر اللّه له بالزّيادة، وهو قوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، [و عليّ بن محمد، عن القاسم بن محمّد] ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ من عرف نعمة اللّه بقلبه، استوجب المزيد من اللّه- عزّ وجلّ- قبل أن يظهر شكرها على لسانه.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

سهل  عن عبيد اللّه، عن أحمد بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- أنا وحسين بن  ثوير بن أبي فاختة فقلت له: جعلت فداك، إنّا كنّا في سعة من الرّزق وغضارة من العيش، فتغيّرت الحال بعض التّغييّر، فادع لنا  اللّه- عزّ وجلّ- أن يردّ ذلك إلينا.

فقال: أي شي‏ء تريدون، تكونون ملوكا، أ يسرّك أن تكون مثل  طاهر  وهرثمة وأنّك على خلاف ما أنت عليه؟قلت: لا، واللّه، ما يسرّني أنّ لي الدّنيا بما فيها ذهبا وفضّة وأنّي على خلاف ما أنا عليه.

قال: فقال: فمن أيسر منكم فليشكر اللّه، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي عمرو  المدائنيّ قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: أيّما عبد أنعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه- وفي رواية أخرى- فأقرّ بها بقلبه وحمد اللّه عليها بلسانه، لم ينفد كلامه حتّى يأمر اللّه له بالزّيادة.

و في رواية أبي إسحاق المدائنيّ : حتّى يأذن اللّه له بالزّيادة، وهو قوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.

و عن أبي ولّاد ، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أ رأيت هذه النّعمة الظّاهرة علينا  من اللّه، أليس إن شكرناه عليها وحمدناه  زادنا، كما قال اللّه في كتابه:

لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ؟

فقال: نعم، من حمد اللّه على نعمته وشكره وعلم أنّ ذلك منه لا من غيره [زاد اللّه نعمه‏] .

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: تلقّوا النّعم، يا سدير، بحسن مجاورتها، واشكروا من أنعم عليكم وأنعموا على من شكركم، فإنّكم إذا كنتم كذلك استوجبتم من اللّه الزّيادة ومن إخوانكم المناصحة. ثمّ تلا: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.

و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن رجلين [من أصحابنا]  سمعاه، عن أبي عبد اللّه- عليه‏

 السّلام- قال: ما أنعم اللّه على عبد من نعمة، فعرفها بقلبه وحمد اللّه ظاهرا بلسانه فتمّ كلامه، حتّى يؤمر له بالمزيد.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن [محمد بن‏]  خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف عن عميرة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: هل للشّكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: يحمد اللّه على كلّ نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم [عليه‏]  في ماله حقّ أدّاه.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلّاد قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول: من حمد اللّه على النّعمة فقد شكره، وكان الحمد أفضل من تلك النّعمة.

محمّد [بن يحيى ] ، عن أحمد، عن عليّ بن الحكم، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لي: ما أنعم اللّه على عبد بنعمة صغرت أو كبرت، فقال: الحمد للّه، إلّا أدّى شكرها.

أبو عليّ الاشعريّ ، عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عن القاسم بن محمّد، عن إسماعيل بن أبي الحسن ، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: [من أنعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدّى شكرها]

 

 [عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن هشام، عن ميسر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏]

 شكر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشّكر قول الرّجل: الحمد للّه ربّ العالمين.و في كتاب الخصّال : عن سعيد  بن علاقة قال: سمعت أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول: شكر المنعم  يزيد في الرّزق.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه-  بإسناده إلى مالك بن أعين الجهنيّ قال: أوصى عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- بعض ولده فقال: يا بنيّ اشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك، فإنّه لا زوال للنّعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت، والشاكر بشكره أسعد منه بالنّعمة الّتي وجب عليه الشّكر لها. وتلا، يعني: عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- [قول اللّه- تعالى-]  إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عليّ بن الحسين  بن عليّ بن فضّال، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: السّجدة بعد الفريضة شكر اللّه- تعالى- ذكره على ما وفّق العبد من أداء فرائضه ، وأدنى ما يجزي فيها من القول أن يقال: شكرا للّه شكرا للّه، ثلاث مرّات.

قلت: فما معنى قوله: شكرا للّه؟

قال: يقول: هذه السّجدة منّي شكرا للّه على ما وفّقني له من خدمته وأداء فرضه. والشّكر موجب للزّيادة، فإن كان في الصّلاة تقصير تمّ بهذه السّجدة.

و في مجمع البيان : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إذا أقبلت عليكم أطراف النّعم، فلا تنفروا وأقصاها  بقلّة الشّكر.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال في تفسير وجوه الكفر: الوجه الثّالث من الكفر كفر النّعم، قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً: من الثّقلين.

فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ: عن شكركم.

حَمِيدٌ : مستحقّ للحمد في ذاته، محمود تحمده الملائكة وينطق بنعمته ذرّات المخلوقات، فما ضررتم بالكفران إلّا أنفسكم حين حرمتموها مزيد الإنعام وعرّضتموها للعذاب الشّديد.

أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ: من كلام موسى- عليه السّلام-. أو كلام مبتدأ من اللّه- تعالى- وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ: جملة وقعت اعتراضا . وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ عطف على ما قبله، ولا يَعْلَمُهُمْ اعتراض.

و المعنى: أنّهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلّا اللّه. ولذلك قال ابن مسعود- رضي اللّه عنه-: كذب النّسّابون .

جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ.

قيل : فعضّوها غيظا ممّا جاءت به الرّسل، كقوله: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ. أو وضعوها عليها [تعجّبا منه، أو]  استهزاء عليه، كمن غلبه الضّحك . أو إسكاتا للأنبياء، وأمرا لهم بإطباق الأفواه. أو أشاروا بها إلى ألسنتهم وما نطقت به، من قولهم: إِنَّا كَفَرْنا تنبيها على أنّ لا جواب لهم سواه. أو ردّوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التّكلّم، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلا .

و قيل : الأيدي بمعنى: الأيادي، أي: ردّوا أيادي الأنبياء الّتي هي مواعظهم وما أوحي إليهم من الحكم والشّرائع في أفواههم، لأنّهم إذ كذّبوها ولم يقبلوها فكأنّهم‏ردّوها إلى حيث جاءت منه.

وَ قالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ: على زعمكم.

وَ إِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ: من الإيمان.

و قرئ : «تدعونا» بالإدغام.

مُرِيبٍ : موقع في الرّيبة. أو ذي ريبة، وهي قلق النّفس وأن لا تطمئنّ إلى شي‏ء.

قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللَّهِ شَكٌّ ادخلت همزة الإنكار على الظّرف، لأنّ الكلام في المشكوك فيه لا في الشّكّ ، أي: إنّما ندعوكم إلى اللّه، وهو لا يحتمل الشّكّ لكثرة الأدّلة وظهور دلالتها عليه. وأشار إلى ذلك بقوله: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: وهو صفة. أو بدل، و«شكّ» مرتفع بالظّرف.

يَدْعُوكُمْ: إلى الإيمان ببعثه إيّاناً  لِيَغْفِرَ لَكُمْ. أو يدعوكم إلى المغفرة، كقولك: دعوته لينصرني. على إقامة المفعول له مقام [المفعول‏]  به .

مِنْ ذُنُوبِكُمْ.

قيل : أي: بعض ذنوبكم، وهو ما بينكم وبينه- تعالى-. فإنّ الإسلام يجبّه دون المظالم.

و قيل : جي‏ء «بمن» في خطاب الكفّار دون المؤمنين في جميع القرآن، تفرقة بين الخطابين. ولعلّ المعنى فيه: أنّ المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفّار مرتّبة على الإيمان، وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطّاعة والتّجنّب عن المعاصي ونحو ذلك، فتتناول الخروج عن المظالم .وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: إلى وقت سمّاه اللّه وجعله آخر أعماركم.

قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا: لا فضل لكم علينا، فلم تخصّون بالنّبوّة دوننا، ولو شاء اللّه أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من جنس أفضل.

تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا: بهذه الدّعوة.

فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ : يدلّ على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزيّة. أو على صحّة ادّعائكم النّبوّة، كأنّهم لم يعتبروا ما جاؤوا به من البيّنات والحجج، واقترحوا عليهم آية أخرى تعنّتا ولجاجا.

قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ: سلّموا مشاركتهم في الجنس، وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنّبوّة فضل اللّه ومنّه عليهم بخصائص فيهم ليست في أبناء جنسهم.

وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، أي: ليس إلينا الإتيان بالآيات ولا تستبدّ به استطاعتنا حتّى نأتي بما اقترحتموه، وإنّما هو أمر يتعلّق بمشيئة اللّه فيخصّ كلّ نبيّ بنوع من الآيات.

وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ : فلنتوكّل عليه في الصّبر على معاندتكم [و معاداتكم‏] .

عمّموا الأمر للإشعار بما يوجب التّوكّل عليه ، وهو الإيمان، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوّليّا. ألا ترى قوله: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ، أي: أيّ عذر لنا في أن لا نتوكّل عليه وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا: الّتي بها نعرفه، ونعلم أنّ الأمور كلّها بيده.

وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا: جواب قسم محذوف، أكّدوا به توكّلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفّار عليهم.

وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ : فليثبت المتوكّلون على ما استحدثوه‏من توكّلهم المسبّب عن إيمانهم.

و في مجمع البيان : وروى الواقديّ، بإسناده، [عن أبي مريم‏]  عن أبي الدّرداء، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا آذاك البراغيث، فخذ قدحا من ماء، فاقرأ عليه سبع مرّات: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ (الآية) [و قل:]  فإن كنتم آمنتم باللّه فكفّوا شرّكم وأذاكم عنّا. ثمّ ترشّ الماء حول فراشك، فإنّك تبيت تلك اللّيلة آمنا من شرّها.

و في من لا يحضره الفقيه : وسئل- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ.

قال: الزّارعون.

و في تفسير العيّاشي : عن الحسن بن ظريف، عن محمّد بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

 

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا:

حلفوا على أن يكون أحد الأمرين، إمّا إخراجهم للرّسل، أو عودهم إلى ملّتهم. وهو بمعنى الصّيرورة، لأنّهم لم يكونوا على ملّتهم قطّ.

و يجوز أن يكون الخطاب لكلّ رسول ولمن آمن معه، فغلّبوا الجماعة على الواحد.

فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، أي: إلى الرّسل.

لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ : على إضمار القول. أو إجراء الإيحاء مجراه، لأنّه نوع منه.

وَ لَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ، أي: أرضهم وديارهم مِنْ بَعْدِهِمْ.

و قرئ : «ليهلكنّ»، و«ليسكننّكم» بالياء اعتبارا لأوحى، كقولك: أقسم زيد ليخرجنّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، رفعه، إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه اللّه داره، وهو قوله:وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا- إلى قوله- فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ.

و في مجمع البيان : جاء في الحديث: من آذى جاره ورثه اللّه داره.

ذلِكَ: إشارة إلى الموحى به، وهو إهلاك الظّالمين وإسكان المؤمنين.

لِمَنْ خافَ مَقامِي: موقفي، وهو الموقف الّذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة. أو قيامي عليه وحفظي لأعماله.

و قيل : المقام مقحم.

وَ خافَ وَعِيدِ : أي: وعيدي بالعذاب. أو عذابي الموعود للكفّار.

و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريسي : عن ابن مسعود قال: لمّا نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ تلاها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على أصحابه فخرّ فتى مغشيّا عليه، فوضع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يده على فؤاده فوجده يكاد يخرج من مكانه.

فقال: يا فتى، قل: لا إله إلّا اللّه. فتحرّك الفتى، فقالها، فبشّره النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بالجنّة.

فقال القوم: يا رسول اللّه، من بيننا؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أما سمعتم اللّه يقول: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ.

وَ اسْتَفْتَحُوا: سألوا من اللّه الفتح على أعدائهم. أو القضاء بينهم وبين أعدائهم، من الفتاحة بمعنى: الحكومة، كقوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ.

و هو معطوف على «فأوحى» والضّمير للأنبياء.

و قيل : للفريقين.

و قيل : للكفرة، فإنّ كلّهم سألوه أن ينصر المحقّ ويهلك المبطل.

و قرئ ، بلفظ الأمر، عطفا على «لنهلكنّ».

وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، أي: ففتح لهم فأفلح المؤمنون، وخاب كلّ‏عات متكبّر على اللّه معاند للحقّ فلم يفلح. ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع .

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم، ولولا أن يقول فيك طوائف من أمّتي، ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك قولا لا تمرّ بملإ من النّاس إلّا أخذوا التّراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة.

قال: فغضب الأعرابيّان والمغيرة بن شعبة وعدّة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلا إلّا عيسى بن مريم.

فأنزل اللّه على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، وَقالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ، إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ، وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ، يعني: من بني هاشم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ.

قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهريّ، فقال: اللَّهُمَّ، إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ أنّ بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل  فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ.

فأنزل اللّه عليه مقالة الحارث، ونزلت هذه الآية وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. ثمّ قال له: يا [ابن‏]  عمرو، إمّا تبت وإمّا رحلت.

فقال: يا محمّد، تجعل لسائر قريش ممّا في يدك  فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم.فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ليس ذلك إليّ، ذلك إلى اللّه تبارك وتعالى.

فقال: يا محمّد، قلبي ما يتابعني على التّوبة، ولكن أرحل عنك. فدعا براحلته فركبها، فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضّت هامته .

ثمّ أتى الوحي إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين بولاية علي ليس له دافع، من الله ذي المعارج.

قال: قلت: جعلت فداك، إنّا لا نقرأها هكذا.

فقال: هكذا، واللّه، نزل بها جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وهكذا هو، واللّه، مثبت في مصحف فاطمة- عليها السّلام-.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به، قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى الحسن بن الصّباح قال: حدّثني أنس، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ من أبى أن يقول: لا إله إلّا اللّه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم . في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: العنيد المعرض عن الحقّ.

مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ: أي: بين يدي هذا الجبّار نار جهنّم، فانّه مرصد بها واقف على شفيرها  في الدّنيا، مبعوث إليها في الآخرة.

و قيل : من وراء حياته، وحقيقته ما توارى عنك.

وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ: عطف على محذوف، تقديره: من ورائه جهنّم يلقي فيها [ما يلقى‏]  ويسقى من ماء.

صَدِيدٍ : عطف بيان «لماء».قيل : هو ما يسيل من جلود أهل النّار.

في مجمع البيان : وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ، أي: ويسقى ممّا يسيل من الدّم والقيح من فروج الزّواني في النّار. عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

و روى أبو أمامة ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: يقرّب إليه فيكرهه.

فإذا ادني منه شوى وجهه  ووقعت  فروة رأسه، فإذا شرب قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره، يقول اللّه- عزّ وجلّ-: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ويقول: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ.

و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين يوما، فإن مات وفي بطنه شي‏ء من ذلك كان حقّا على اللّه- عزّ وجلّ- أن يسقيه من طينة خبال، وهو صديد أهل النّار وما يخرج من فروج الزّناة، فيجتمع ذلك في قدور جهنّم، فيشربه أهل النّار فيصهر به ما في بطونهم والجلود. رواه شعيب  بن واقد، عن الحسين بن يزيد، عن الصّادق، عن آبائه- عليهم السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال يقرّب إليه فيكرهه، وإذا ادني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شرب تقطّعت أمعاؤه وفرقت  تحت قدميه، وأنّه يخرج من أحدهم مثل الوادي صديدا وقيحا.

ثمّ قال: وإنّهم ليبكون حتّى تسيل من دموعهم [فوق‏]  وجوههم جداول، ثمّ تنقطع الدّموع فتسيل الدّماء، حتّى لو أنّ السّفن لو أجريت فيها لجرت، وهو قوله:

وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.

يَتَجَرَّعُهُ: يتكلّف جرعه .

و هو صفة «الماء»، أو حال من الضّمير في «يسقى».وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ: ولا يقارب أن يسيغه، فكيف يسيغه بل يغصّ به فيطول عذاب.

و «السّوغ» جواز الشّراب على الحلق بسهولة.

وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ، أي: أسبابه من الشّدائد، فتحيط به من جميع الجهات.

و قيل : من كل مكان [من جسده، حتّى‏]  من أصول شعره وإبهام رجله.

وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ: فيستريح.

وَ مِنْ وَرائِهِ: ومن بين يديه.

عَذابٌ غَلِيظٌ : أي: يستقبل في كلّ وقت [عذابا أشدّ ممّا هو]  عليه.

و قيل : هو الخلود في النّار.

و قيل : حبس الأنفاس.

و قيل : الآية منقطعة عن قصّة الرّسل، نازلة في أهل مكّة، طلبوا الفتح الّذي هو المطّر في سنيهم الّتي أرسل اللّه- تعالى- عليهم بدعوة رسله، فخيّب رجاءهم فلم يسقهم، ووعد لهم أن يسقيهم في جهنّم بدل سقياهم صديد أهل النّار.

و في تفسير العيّاشي : عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ أهل النّار لمّا غلى الزّقوم والضّريع في بطونهم، كغلي الحميم، سألوا الشّراب، فاتوا بشراب غسّاق صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ وحميم تغلي به جهنّم منذ خلقت كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً.

 

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ: مبتدأ خبره محذوف، أي: فيما يتلى عليكم صفتهم الّتي هي مثل في الغرابة. أو قوله: أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ. وهو على الأوّل جملة مستأنفة لبيان مثلهم.و قيل : «أعمالهم» بدل من «المثل» والخبر «كرماد».

اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ: حملته وأسرعت الذّهاب به.

و قرأ  نافع: «الريّاح».

فِي يَوْمٍ عاصِفٍ.

 «العصوف» اشتداد الرّيح، وصف به زمانه للمبالغة، كقولهم: نهاره صائم وليله قائم.

شبّه صنائعهم، من الصّدقة، وصلة الرّحم، وإغاثة الملهوف، وعتق الرّقاب، ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها لبنائها على غير أساس من معرفة اللّه- تعالى- والتّوجّه بها إليه، أو أعمالهم للأصنام، كرماد طيّرته الرّيح العاصفة.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن علا بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: اعلم، يا محمّد، أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون»

 عن دين اللّه، قد ضلّوا وأضلّوا، فأعمالهم الّتي يعملونها كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ‏ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: من لم يقرّ بولاية أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- بطل عمله، مثله مثل الرّماد الّذي تجي‏ء الرّيح فتحمله.

لا يَقْدِرُونَ: يوم القيامة.

مِمَّا كَسَبُوا: من أعمالهم.

عَلى شَيْ‏ءٍ: لحبوطه، فلا يرون له أثرا من الثّواب. وهو فذلكة  التّمثيل.

ذلِكَ: إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنّهم محسنون.

هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ : فإنّه الغاية في البعد عن طريق الحقّ.

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ: خطاب للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والمراد به: أمّته.

و قيل : لكلّ واحد من الكفرة على التّلوين .

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ: بالحكمة والوجه الّذي يحقّ أن تخلق عليه، ولم يخلقها عبثا باطلا.

و قرأ  حمزة والكسائي: «خالق السماوات».

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ : يعدمكم ويخلق خلقا آخر مكانكم.

رتّب ذلك على كونه خالقا للسّماوات والأرض استدلالا به عليه، فإنّ من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم، ثمّ كوّنهم بتبديل الصّور وتغيير الطّبائع، قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك، كما قال: وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ : بمتعذّر أو متعسّر، فإنّه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن هذا شأنه كان حقيقا بأن يعبد ويؤمن به رجاء لثوابه وخوفا من عقابه يوم الجزاء.