سورة الانعام الآية 141-165

وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ: من الكروم. مَعْرُوشاتٍ: مرفوعات على ما يحملها.

وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ: ملقيات على وجه الأرض.

و قيل : «المعروشات» ما غرسه النّاس فعرشوه. «و غير معروشات» ما نبت في البراري والجبال.

وَ النَّخْلَ.في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي يحيى الواسطيّ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لمّا خلق آدم من طينة، فضل  من تلك الطّينة فضل  فخلق اللّه منها النّخلة. فمن أجل ذلك إذا قطع رأسها، لم تنبت وهي تحتاج إلى اللقّاح.

أي الكفّاح .

وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ: ثمره الّذي يؤكل في الهيئة والكيفيّة.

و الضّمير «للزّرع» والباقي مقيس عليه، إذ النّخل والزّرع داخل في حكمه لأنّه معطوف عليه. أو للجميع، على تقدير أكل ذلك، أو كلّ واحد منهما.

 «و مختلفا» حال مقدّرة، لأنّه لم يكن كذلك عند الإنشاء.

وَ الزَّيْتُونَ.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبي الطّفيل عامر بن واثلة ، عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل: وأمّا أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض، فإنّ اليهود يزعمون أنّها الزّيتون، وكذبوا ولكنّها النّخلة من العجوة نزل بها آدم- عليه السّلام- معه من الجنّة بالفحل . وأصل النّخلة كلّه من العجوة.

قال له اليهوديّ: أشهد باللّه لقد  صدقت.

وَ الرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ: يتشابه بعض أفرادهما في اللّون والطّعم، ولا يتشابه بعضها.

كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ: من ثمر كلّ واحد من ذلك.إِذا أَثْمَرَ: وإن لم يدرك ولم يينع بعد.

و قيل : فائدته رخصة المالك في الأكل ومنه قبل أداء حقّ اللّه- تعالى-.

و إنّما يصحّ ذلك إذا خرص ما يأكل.

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.

في تفسير العيّاشي : عن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، عن أبيه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أنّه كان يكره أن يصرم  النّخل باللّيل وأن يحصد الزّرع باللّيل. لأنّ اللّه يقول: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.

قيل: يا نبيّ اللّه، وما حقّه؟

قال: ناول منه  المسكين والسّائل.

و عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام - في قوله: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ كيف يعطى؟

قال: تقبض بيدك الضّغث .

في حديث آخر ، عن الحلبيّ : فسمّاه اللّه: حقا .

قال: قلت: وما حقّه يوم حصاده؟

قال: الضغث تناوله من حضرك من أهل الحاجة .

أبو الجارود  [زياد بن المنذر]  قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.قال: الضّغث تناوله  من المكان بعد المكان تعطي المسكين .

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن شريح قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: في الزّرع حقّان: حقّ تؤخذ به، وحقّ تعطيه.

قلت: [و]  ما الّذي أؤخذ به، وما الّذي أعطيه؟

قال: أمّا الّذي تؤخذ به، فالعشر ونصف العشر. وأمّا الّذي تعطيه، فقول  اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ، يعني: من حصدك الشّي‏ء بعد الشّي‏ء. ولا أعلمه إلّا قال: الضّغث ثمّ الضّغث حتّى يفرغ .

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.

فقالوا جميعا: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: هذا من الصّدقة، تعطي  المسكين القبضة بعد القبضة. ومن الجذاذ الحفنة  بعد الحفنة حتّى يفرغ . ويعطى الحارث  أجرا معلوما، ويترك  من النّخل معا فارة وأمّ جعرور . ويترك للحارس  يكون في الحائط العذق  والعذقان والثلاثة، لحفظه إيّاه.عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا تصرم باللّيل، ولا تحصد باللّيل، ولا تضحّ باللّيل، ولا تبذر باللّيل. فإنّك إن تفعل، لم يأتك القانع والمعترّ.

فقلت: وما القانع والمعترّ؟

قال: القانع  الّذي يقنع بما أعطيته. و«المعترّ» الّذي يمرّ بك فيسألك. وإن حصدت باللّيل، لم يأتك السّؤال. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ عند الحصاد، يعني: القبضة بعد القبضة إذا حصدته. وإذا خرج، فالحفنة بعد الحفنة.

و كذلك عند الصّرام. وكذلك [عند]  البذر. [و]  لا تبذر باللّيل لأنّك تعطي من البذر، كما تعطي من  الحصاد.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن أبان، عن أبي مريم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [قال: تعطي المسكين يوم حصادك، الضغث ثمّ إذا وقع في البيدر ثمّ إذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن- عليه السّلام-، قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ‏]  وَلا تُسْرِفُوا قال: كان أبي- عليه السّلام- يقول: من الإسراف في الحصاد والجذاذ  أن يتصدّق  الرجل بكفّيه جميعا، وكان أبي إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدّق بكفّيه صاح به أعط بيد واحدة القبضة [بعد القبضة] ، والضغث بعد الضغث من‏السنبل.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثنّى قال: سأل رجل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.

فقال: كان فلان بن فلان الأنصاريّ- و سمّاه- وكان له حرث، وكان إذا أخذ يتصدّق به ويبقى هو وعياله بغير شي‏ء. فجعل اللّه- عزّ وجلّ- ذلك سرفا .

عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه‏] ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدّقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: وفي غير آية من كتاب اللّه يقول: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التّقتير .

لكن أمر بين أمرين، لا يعطي جميع ما عنده ثمّ يدعو اللّه أن يرزقه فلا يستجيب له.

و في قرب الإسناد للحميريّ : أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا [أيّ شي‏ء الإسراف‏] ؟

قال: هكذا يقرأها من قبلكم؟

قلت: نعم.

قال: افتح  الفم بالحاء.

 [قلت: حصاده‏]  [قال- عليه السّلام-] : وكان أبي يقول: من الإسراف وذكر إلى آخر ما نقلناه عنه- عليه السّلام- من الكافي سواء.و في تفسير علي بن إبراهيم  قوله: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.

قال: يوم حصاد  [و]  كذا نزلت.

قال: فرض اللّه يوم الحصاد من كل قطعة أرض قبضة للمساكين، وكذا في جذاذ  النّخل وفي الثمرة  كذا عند البذر .

 [أخبرنا]  أحمد بن إدريس  قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن شعيب العقرقوفيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.

قال: الضّغث من السّنبل والكفّ من التّمر إذا خرص.

قال: وسألته  هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله؟

قال: لا، هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته.

و عنه ، عن أحمد البرقيّ، عن سعد بن سعد، عن الرّضا- عليه السّلام- قال:

قلت: فإن  لم يحضر المساكين وهو يحصد ، كيف يصنع؟

قال: ليس عليه شي‏ء.

قيل : يريد بالحقّ ما [كان‏]  يتصدّق به يوم الحصاد، لا الزّكاة المقدّرة لأنّ الزّكاة  فرضت بالمدينة والآية مكّيّة. وقيل : [بل هو]  الزّكاة.أي: لا تؤخّره عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء. والآية مدنيّة. وما سبق من الأخبار يدلل على أنّه غير الزّكاة، وأنّ إيتاءه على الاستحباب المؤكّد دون الوجوب.

وَ لا تُسْرِفُوا: في التّصدّق، كقوله: «و لا تبسطها كلّ البسط».

إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ : لا يرتضي فعلهم.

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيغ، عن صالح بن عقبة، عن سليمان بن صالح قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- أدنى ما يجيئ من حدّ الإسراف.

فقال: إبدالك ثوب يصونك، وإهراقك فضل إنائك، وأكلك التّمر ورميك بالنّوى  هاهنا وهاهنا.

و في كتاب الخصال : عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ، بإسناده يرفعه  إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ليس في الطّعام من  سرف.

عن  أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: للمسرف ثلاث علامات: يشتري  ما ليس له، ويلبس ما ليس له، ويأكل  ما ليس له.

وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً: عطف على «جنّات»، أي: وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذّبح. أو ما يفرش المنسوج من شعره وصوفه ووبره.

و قيل : الكبار الصّالحة للحمل، والصّغار الدّانية من الأرض، مثل الفرش المفروش عليها.

كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ: كلوا ممّا أحلّ لكم منه.

وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ: في التّحليل والتّحريم من عند أنفسكم.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن النّعمان الأحول، عن سلام بن المستنير قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: [أما]  إنّ أصحاب محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- قالوا: يا رسول اللّه، نخاف علينا النّفاق.

قال: فقال: ولم تخافون ذلك؟

قالوا: إذا كنّا عندك فذكّرتنا ورغّبتنا، وجلنا ونسينا الدّنيا وزهدنا حتّى كأنّا نعاين الآخرة والجنّة والنّار ونحن عندك. فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا [الأهل والعيال‏] ، نحوّل عن الحال الّتي كنّا عليها عندك وحتّى كأنّا لم نكن على شي‏ء. أ فتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟

فقال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كلا، إنّ هذه خطوات الشّيطان فيرغّبكم في الدّنيا.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ : ظاهر العداوة.

ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ: بدل من «حمولة» و«فرشا». أو مفعول «كلوا» «و لا تتّبعوا» معترض بينهما، أو فعل دلّ عليه. أو حال من «ما» بمعنى: مختلفة أو متعدّدة. والزّوج:

ما معه آخر من جنسه يزاوجه، وقد يقال لمجموعهما. والمراد الأوّل.

مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ: زوجين اثنين، الأهليّ والوحشيّ.

و قيل : الكبش والنّعجة. وهو بدل من «ثمانية».

و قرئ : «اثنان» على الابتداء.

و «الضّأن» اسم جنس، كالإبل. وجمعه، ضئين. أو ضائن، كتاجر وتجر.

و قرئ ، بفتح الهمزة. وهو لغة فيه.

وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ: الأهليّ والوحشيّ.

و قيل : التّيس والعنز.

و قرأ  ابن كثير وابن عامر ويعقوب، بالفتح. وهو جمع، ماعز، كصاحب وصحب، وحارس وحرس.

و قرئ : معزى.

قُلْ آلذَّكَرَيْنِ: ذكر الضّأن وذكر المعز.

حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ: أم أنثييهما. ونصب «الذّكرين» «و الأنثيين» «بحرّم».

أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ: وما حملت أناث الجنسين، ذكرا كان أو أنثى.

نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ: بأمر معلوم يدلّ على أنّ اللّه- تعالى- حرّم شيئا من ذلك.

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : في دعوى التّحريم عليه.

وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ، كما سبق.

و المعنى إنكار أنّ اللّه- تعالى- حرّم من الأجناس الأربعة ذكرا أو أنثى أو ما يحمل أناثها، ردّا عليهم. فإنّهم كانوا يحرّمون ذكور الأنعام تارة، [و إناثها تارة]  وأولادها كيف كانت تارة، زاعمين  أنّ اللّه- تعالى- حرّمها.

أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ: أ  كنتم حاضرين شاهدين.

إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا: حين وصّاكم بهذا التّحريم. إذ أنتم لا تؤمنون بنبيّ، ولا طريق لكم إلى معرفة أمثال ذلك إلّا المشاهدة والسّماع.

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً: فنسب إليه تحريم ما لم يحرّم.و المراد، كبراؤهم المقرّرون لذلك. أو عمرو بن لحيّ  المؤسّس له، الّذي بحر البحائر وسيّب السّوائب.

لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .

في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمّد، عن السلمي  عن داود الرّقيّ قال: سألني بعض الخوارج عن هذه الآية مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ. ما الّذي أحلّ اللَّه من ذلك وما الّذي حرّم؟ فلم يكن عندي فيه  شي‏ء.

فدخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وأنا حاجّ، فأخبرته بما  كان. فقال: إنّ اللّه- تعالى- أحلّ في الأضحيّة [بمنى الضأن والمعز  الأهليّة، وحرّم أن يضحّى بالجبليّة.

و أمّا قوله: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ فإنّ اللّه- تعالى- أحلّ في الأضحيّة]  الإبل العراب ، وحرّم فيها البخاتيّ، وأحلّ البقر الأهليّة أن يضحّى بها، وحرّم الجبليّة.

فانصرفت إلى الرّجل، فأخبرته بهذا الجواب. فقال: هذا شي‏ء حملته الإبل من الحجاز.

و في روضة الكافي : محمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل الجعفيّ وعبد الكريم بن عمرو وعبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: حمل نوح- صلّى اللّه عليه- في السّفينة الأزواج الثّمانية [الّتي‏]  قال اللّه- عزّ وجلّ-: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ- وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ. فكان من الضّأن اثنين زوج داجنة يربّيها النّاس، والزّوج الآخرالضّأن الّتي يكون في الجبال الوحشيّة أحلّ لهم صيدها. ومن المعز اثنين زوج داجنة يربّيها النّاس، والزّوج الآخر الظّباء  الّتي [تكون في المفاوز]  ومن الإبل اثنين، البخاتيّ والعراب. ومن البقر اثنين زوج داجنة للنّاس، والزّوج الآخر البقرة الوحشيّة.

و كلّ طير طيّب وحشي و انسيّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال- صلّى اللّه عليه وآله-: قوله: «من الضّأن اثنين»، عنى: الأهليّ والجبليّ. «و من المعز اثنين»، عنى: الأهليّ والوحشيّ الجبليّ.

 «و من البقر اثنين»، يعني: الأهليّ والوحشيّ الجبليّ. «و من الإبل اثنين»، يعني:

البخاتيّ والعراب. فهذه أحلّها اللّه.

و في تفسير العيّاشي : عن أيّوب بن نوح بن درّاج قال: سألت أبا الحسن الثّالث- عليه السّلام- عن الجاموس، وأعلمته أنّ أهل العراق يقولون: إنّه مسخ.

فقال: أو ما سمعت قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ.

و كتبت إلى أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- بعد مقدمي من خراسان أسأله عما حدّثني [به‏]  أيّوب في الجاموس.

فكتب: هو كما  قال لك.

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ، أي: في القرآن. أو فيما أوحي إليّ مطلقا.

و فيه تنبيه على، أنّ التّحريم إنّما يعلم بالوحي لا بالهوى. وأنّ الأصل في كل شي‏ء لم يوح تحريمه، تحليله.

مُحَرَّماً: طعاما محرّما.

عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ: الطّعام «ميتة».و قرأ  ابن كثير وحمزة: «تكون» بالتّاء، لتأنيث الخبر.

و قرأ  ابن عامر، بالتّاء، ورفع «ميتة». على أنّ «كان» هي التّامّة.

أَوْ دَماً مَسْفُوحاً: عطف على «أن» مع ما في حيّزه، أي: إلّا وجوده ميتة، أو دما مسفوحا، أي: مصبوبا، كالدّم في العروق. لا كالكبد والطّحال والمختلط باللحم بحيث لا يمكن تخليصه.

أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ: فإنّ الخنزير أو لحمه قذر، لتعوّده أكل النّجاسة.

أو خبيث مخبث.

أَوْ فِسْقاً: عطف على «لحم خنزير». وما بينهما اعتراض للتّعليل.

أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ: صفة له موضّحة. وإنّما سمّي ما ذبح على اسم الصنم «فسقا»، لتوغّله في الفسق.

و يجوز أن يكون «فسقا» مفعولا له من «أهلّ»، وهو عطف على «يكون».

و المستكنّ فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكنّ في «يكون».

فَمَنِ اضْطُرَّ: فمن دعته الضّرورة إلى تناول شي‏ء من ذلك.

غَيْرَ باغٍ: على مضطرّ آخر مثله.

وَ لا عادٍ: قدر الضّرورة.

فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : لا يؤاخذه بأكله. وقد مضى تفسير الباغي والعادي.

فإن قيل: لم خصّ هذه الأشياء الأربعة هنا بذكر التّحريم، مع أنّ غيرها محرم- أيضا-. فإنّه- سبحانه- ذكر في المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردّية وغيرها. وقد ورد الأخبار الصّحيحة بتحريم كلّ ذي  مخلب من الطّير وكلّ ذي ناب من الوحش وما لا قشر له من السّمك، إلى غير ذلك؟

قلنا: أمّا المذكورات في المائدة، فكلّها يقع عليها  اسم الميتة فيكون في حكمها.فأجمل هاهنا وفصّل هناك. وأمّا غيرها، فليس بهذه المثابة في الحرمة. فخصّ هذه الأشياء بالتّحريم، تعظيما لحرمتها. وبيّن تحريم ما عداها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وورد أنّه ممّا يعاف عنه.

ففي التّهذيب : الحسين بن سعيد، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الجرّيّ و[المارماهي وما ليس‏]  له قشر من السّمك، حرام هو؟

فقال لي: يا محمّد، اقرأ هذه الآية الّتي في الأنعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ.

فقال : فقرأتها حتّى فرغت منها.

فقال: إنّما الحرام، ما حرم اللّه ورسوله في كتابه. ولكنّهم قد كانوا يعافون أشياء، فنحن نعافها.

الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه سئل عن سباع الطّير والوحش، حتّى ذكر له  القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل.

فقال: ليس الحرام، إلّا ما حرّم اللّه في كتابه. وقد نهى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم خيبر عن أكل لحم  الحمير. وإنّما نهاهم من أجل ظهورهم [أن يفنوه‏] ، فليست  الحمير بحرام.

ثم قال: اقرأ هذه الآية قُلْ لا أَجِدُ (الآية).

الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة قال:سألت أبا الحسن  عن الجريث.

فقال: وما الجريث؟

فنعته  له.

فقال: لا أَجِدُ (الآية).

ثمّ قال: لم يحرّم اللّه شيئا من الحيوان في القرآن، إلّا الخنزير بعينه. ويكره كلّ شي‏ء من البحر ليس له قشر، مثل الورق. وليس بحرام، إنّما هو مكروه.

و عن أحدهما - عليهما السّلام-: أنّ أكل الغراب ليس بحرام. إنّما الحرام ما حرّمه  اللّه في كتابه، ولكنّ الأنفس تتنزّه عن كثير من ذلك تقزّزا.

قال صاحب التّهذيب : قوله: «ليس الحرام إلّا ما حرّم اللّه في كتابه». المعنى فيه: أنّه ليس الحرام المخصوص المغلّظ الشّديد الحظر، إلّا ما ذكره اللّه في القرآن. وإن  كان فيما عداه- أيضا- محرّمات كثيرة، إلّا أنّها دونه في التّغليظ.

و في تفسير العيّاشي : عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سئل عن سباع الطّير والوحش  حتّى ذكر القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل.

فقال: ليس الحرام، إلّا ما حرّم اللّه في كتابه. وقد نهى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير. وإنّما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه، وليس  الحمير بحرام.

ثمّ  قال: اقرأ هذه الآية  قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ، فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ .عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قد كان أصحاب المغيرة يكتبون إليّ أن أسأله عن  الجرّيّ والمارماهي والزّمّير وما ليس له قشر من السّمك، أ  حرام هو أم لا؟

قال: فسألته عن ذلك.

فقال: يا محمّد، اقرأ هذه الآية الّتي في الأنعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ.

قال: فقرأتها حتّى فرغت منها.

فقال: إنّما الحرام ما حرّم اللّه في كتابه، ولكنّهم كانوا يعافون أشياء ونحن  نعافها.

عن زرارة  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الجرّيّ.

فقال: [و]  ما الجرّيّ؟

فنعته له.

فقال: لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ (الآية).

ثمّ قال: لم يحرّم اللّه شيئا من الحيوان في القرآن إلّا الخنزير [بعينه‏] . ويكره كلّ شي‏ء من البحر ليس فيه قشر.

قال: قلت: وما القشر؟

قال: [و هو]  الّذي مثل الورق. وليس هو بحرام، إنّما هو مكروه.

وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ: كلّ ما له إصبع، كالإبل والسّباع والطّيور.و قيل : كلّ ذي مخلب وحافر. وسمّي الحافر: ظفرا، مجازا. ولعلّ المسبّب عن الظّلم تعميم التّحريم.

و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام- قال: [أبو عبد اللّه‏] - عليه السّلام-: كلّ ذي ناب من السّباع وذي مخلب من الطّير حرام.

و فيه - أيضا-: وحرّم الأرنب، لأنّها بمنزلة السّنّور ولها مخالب كمخالب  السّنّور. وسباع الوحش .

و في باب ما كتبه الرّضا - عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين: ويحرّم  كلّ ذي ناب من السّباع، وكلّ ذي مخلب من الطّير.

و في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه قال في حديث طويل: وكلّ ذي ناب من السّباع و[ذي‏]  مخلب من الطّير، [فأكله‏]  حرام.

وَ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما: الثّروب وشحوم الكلى.

و الإضافة، لزيادة الرّبط.

إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما: إلّا ما علقت بظهورهما.

أَوِ الْحَوايا: أو ما اشتمل على الأمعاء. جمع، حاوية، أو حاوياء، كقاصعاء وقواصع. أو حوية، كسفينة وسفائن.

و قيل . هو عطف على «شحومهما». و«أو» بمعنى: الواو.أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ: وهو شحم الإلية، لاتصالها بالعصعص.

و في تفسير العيّاشي : عن [محمّد]  الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: حرّم على بني إسرائيل كلّ ذي ظفر والشّحوم إلّا ما حملت ظهورهما، أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً ، [يعني: لحوم الإبل والبقر والغنم‏] . هكذا أنزلها الله فاقرأوها هكذا. وما كان الله ليحلّ شيئا في كتابه ثمّ [يحرّمه من‏]  بعد ما أحلّه، ولا يحرّم شيئا [ثمّ يحلّه‏]  [من‏]  بعد ما حرّمه.

قلت: وكذلك- أيضا- [قوله‏]  وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما؟

قال: نعم.

ذلِكَ: التّحريم، أو الجزاء.

جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ: بسبب ظلمهم.

وَ إِنَّا لَصادِقُونَ : في الإخبار والوعد والوعيد.

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ: يمهلكم على التّكذيب. فلا تغتروا بإمهاله، فإنّه يمهل.

وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ : حين ينزل. أو ذو رحمة واسعة للمطيعين وذو بأس شديد للمجرمين. فأقام مقامه «و لا يردّ بأسه»، لتضمّنه التّنبيه على إنزال البأس عليهم، مع الدّلالة على أنه لازب بهم لا يمكن ردّه عنهم.و في كتاب معاني الأخبار ، خطبة طويلة لعليّ- عليه السلام-. وفيها يقول- عليه السّلام-: أنا قابض الأرواح وبأس اللّه الّذي لا يردّه عن القوم المجرمين.

سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا: إخبار عن مستقبل. ووقوع مخبره يدلّ على إعجازه.

لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ‏ءٍ، أي: لو شاء الله خلاف ذلك مشيئة ارتضاء، كقوله: فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ لما فعلنا نحن ولا آباؤنا.

و لمّا احتمل أنّهم أرادوا بذلك أنّهم على الحقّ المشروع المرضيّ عند اللّه لا الاعتذار عن ارتكاب هذه القبائح بإرادة اللّه- تعالى- إيّاها منهم، انتهض ذمّهم به دليلا للمعتزلة.

و عطف «آباؤنا» على الضّمير في «أشركنا» من غير تأكيد، للفصل «بلا».

كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أي: مثل هذا التّكذيب لك في أنّ اللّه منع من الشّرك ولم يحرّم ما حرّموه، كذّب الّذين من قبلهم الرّسل.

حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا: الّذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم.

قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ: من أمر معلوم يصحّ الاحتجاج به على ما زعمتم.

فَتُخْرِجُوهُ لَنا: فتظهروه لنا.

إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ: ما تتّبعون في ذلك إلّا الظّنّ.

وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ : تكذبون على اللّه.

قيل : وفيه دليل على المنع من اتّباع الظّنّ، سيّما في الأصول. ولعلّ ذلك حيث يعارضه قاطع، إذ الآية فيه.

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ: البيّنة الواضحة، الّتي بلغت غاية المتانة والقوّة على الإثبات، أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه. وهي من الحجّ، بمعنى: القصد، كأنّها تقصد إثبات الحكم وتطلبه.

و في تفسير العيّاشي : الحسين قال: سمعت أبا طالب القمّيّ يروي، عن سدير، عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نحن الحجّة البالغة على من دون السّماء وفوق‏

الأرض.

فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ : بالتّوفيق لها والحمل عليها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.

قال: لو شاء لجعلكم كلّكم على أمر واحد، ولكن جعلكم على الاختلاف.

و في كتاب الاحتجاج للطّبرسي - رحمه اللّه-، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام-: ولو علم المنافقون، لعنهم اللّه، ما عليهم من ترك هذه الآيات الّتي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه. ولكنّ الله- تبارك اسمه- ماض حكمه بإيجاب الحجّة على خلقه، كما قال: [اللّه- تعالى-]  فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ. أغشى أبصارهم، وجعل على قلوبهم أكنّة عن  تأمّل ذلك، فتركوه  بحاله وحجبوا عن تأكيده الملتبس  بإبطاله. فالسّعداء يتنبهون  عليه، والأشقياء يعمون  عنه.

و في أمالي شيخ الطائفة - قدس سرّه- بإسناده إلى مسعدة بن صدقة  قال:

 

سمعت جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- وقد سئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ.

فقال: إن اللّه- تعالى- يقول للعبد يوم القيامة: عبدي، أ كنت عالما؟

فإن قال: نعم.

قال له: أفلا عملت بما علمت؟

و إن قال: كنت جاهلا.

قال له: أفلا تعلّمت حتّى تعمل؟ فيخصمه. فتلك الحجّة البالغة.و في أصول الكافيّ : [أبو عبد اللّه الاشعري عن‏]  بعض أصحابنا رفعه ، عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام-: يا هشام، إنّ اللّه على النّاس حجّتين: حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة. فأمّا الظّاهرة، فالرسل والأنبياء والأئمّة- عليهم السّلام-. وأمّا الباطنة، فالعقول.

محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن محبوب، عن داود الرّقيّ، عن العبد الصّالح- عليه السّلام- قال: إنّ الحجّة لا تقوم للّه على خلقه إلّا بإمام حتّى يعرف.

عليّ بن موسى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن  محمد بن خالد البرقيّ، عن النّضر بن سويد رفعه، عن سدير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

قلت له: جعلت فداك، ما أنتم؟

قال: نحن خزّان علم اللّه، ونحن تراجمة وحي الله. نحن الحجّة البالغة على من دون السّماء و[من‏]  فوق الأرض.

أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- باب اللّه الّذي لا يؤتى إلّا منه، وسبيله الّذي من سلك بغيره هلك. وكذلك «نجزي  المحسنين» الأئمّة  الهدى واحد بعد واحد، جعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد بأهلها وحجّته  البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثّرى.محمّد بن يحيى  ومحمّد بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن جعفر، عن الحسن بن ظريف وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن بكر بن صالح، عن عبد الرّحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه  قال: في اللّوح الّذي أنزله اللّه وفيه أسماء الأئمة- عليهم السّلام-: وجعلت حسينا خازن وحيي، وأكرمته بالشّهادة، وختمت له بالسّعادة. فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشّهداء درجة. جعلت كلمتي التّامّة معه وحجّتي البالغة عنده.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن أبي عبد اللّه  ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن الحسن بن العبّاس بن الجريش ، عن أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: سأل إلياس- عليه السّلام-  [أبي- عليه السّلام-]  فقال: يا ابن رسول اللّه، باب غامض، أ رأيت إن قالوا حجّة اللّه القرآن؟

قال: إذن أقول لهم: إنّ القرآن ليس بناطق يأمر وينهى، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون. وأقول لهم : قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة ما هي في السّنّة والحكم الّذي ليس فيه اختلاف وليست في القرآن، أبى اللّه لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض وليس في حكمه رادّ لها ولا  مفرّج عن أهلها.

قال : فقال: هاهنا تفلجون ، يا ابن رسول اللّه، أشهد أنّ اللّه- عزّ ذكره- قد علم بما يصيب من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم من الدّين أو غيره فوضع القرآن دليلا.

قال: فقال: هل تدري، يا ابن رسول اللّه، دليل ما هو؟قال أبو جعفر- عليه السّلام-: نعم، فيه جمل  الحدود  وتفسيرها عند الحكم.

فقال: أبى اللّه أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه، أو في نفسه، و ماله وليس في أرضه من حكمه قاض بالصّواب في تلك المصيبة.

قال: فقال: أما في هذا الباب، فقد فلجتم  بحجّته إلّا أن يفتري خصمكم على الله فيقول: ليس للّه- جلّ ذكره- حجّة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ: أحضروهم.

اسم فعل لا يتصرّف، عند أهل الحجاز.

و فعل يؤنّث ويجمع، عند بني تميم.

و أصله عند البصريّين «هالمّ» من لمّ: إذا قصد. حذفت الألف التقدير السّكون في اللام، فإنّه الأصل.

و عند الكوفيّين «هل أمّ» فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام. وهو بعيد، لأنّ «هل» لا تدخل الأمر ويكون متعدّيا، كما في الآية. ولازما، كما في قوله- تعالى-:

هَلُمَّ إِلَيْنا.

الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا، يعني: قدوتهم فيه. استحضرهم ليلزمهم الحجّة، ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم، وأنه لا متمسّك  لهم، كمن يقلّدهم. ولذلك قيّد الشّهداء بالإضافة، ووصفهم بما يقتضي العهد بهم.

فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ: فلا تصدّقهم فيه وبيّن لهم فساده. فإنّ تسليمهم موافقة لهم في الشّهادة الباطلة.

وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا: من وضع المظهر موضع المضمر. للدّلالة على أنّ مكذّب الآيات متّبع الهوى لا غير، وأنّ متّبع الحجّة لا يكون إلّا مصدّقا بها.

وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ: كعبدة الأوثان.وَ هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ : يجعلون له عديلا.

قُلْ تَعالَوْا: أمر من التّعالي. وأصله، أن يقول من كان في علو لمن كان في سفل. فاتّسع فيه للتّعميم.

أَتْلُ: أقرأ.

ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ: منصوب «بأتل».

و «ما» يحتمل الخبريّة والمصدريّة. ويجوز أن تكون استفهامية منصوبة «بحرّم».

و الجملة مفعول «أتل» [لأنّه بمعنى: أقل‏]  أيّ شي‏ء حرّم ربّكم.

عَلَيْكُمْ: متعلّقة «بحرّم»، أو «أتل».

أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ، أي: لا تشركوا، ليصحّ عطف الأمر عليه. ولا يمنعه تعليق الفعل المفسّر بما حرم، فإنّ التّحريم باعتبار الأوامر يرجع إلى أضدادها.

و من جعل «أن» ناصبة، فمحلّها النّصب «بعليكم». على أنّه للإغراء، أو بالبدل من «ما»، أو من عائده المحذوف على «أن لا» زائدة، أو الجرّ بتقدير اللام، أو الرّفع على التّقدير المتلوّ «أن لا تشركوا» أو المحرّم أن لا تشركوا به شَيْئاً: يحتمل المصدر، والمفعول.

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، أي: وأحسنوا بهما إحسانا.

وضعه موضع النّهي عن الإساءة إليهما، للمبالغة، وللدّلالة على أنّ ترك الإساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: الوالدان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

و أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ: من أجل فقر أو من خشيته، كقوله:

خَشْيَةَ إِمْلاقٍ.

نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ: منع لموجبيّة ما كانوا يفعلون لأجله، واحتجاج عليه.

وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ: كبائر الذّنوب، أو الزّنا.ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ: بدل منه. وهو مثل قوله- تعالى-: ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ.

في الكافي ، و في تفسير العيّاشيّ: عن السّجاد- عليه السّلام-: «ما ظهر» نكاح امرأة الأب. «و ما بطن» الزّنا.

و في تفسير العيّاشيّ: عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليه-: «ما ظهر» نكاح امرأة الأب. «و ما بطن» الزّنا.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: «ما ظهر» هو الزّنا. «و ما بطن» [هو المخالّة ] .

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ الله- تبارك وتعالى- غيور [يحبّ كلّ غيور] . ولغيرته حرّم الفواحش ظاهرها وباطنها.

وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، كالقود، وقتل المرتدّ، ورجم المحصن.

ذلِكُمْ: إشارة إلى ما ذكر مفصّلا.

وَصَّاكُمْ بِهِ، أي: بحفظه.

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ : ترشدون. فإنّ كمال العقل هو الرّشد.

وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏

: إلّا بالفعلة الّتي هي أحسن ما  يفعل بماله كحفظه  وتميّزه.حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ‏

: حتّى يصير بالغا.

و هو جمع، شدّة، كنعمة وأنعم. أو شدّ، كصرّ وأصرّ.

و قيل : مفرد [كآنك‏] .

في من لا يحضره الفقيه، والتّهذيب : عن الصّادق- عليه السّلام-: [قال‏]  انقطاع يتم اليتيم، الاحتلام. وهو أشدّه. وإن احتلم ولم يؤنس منه  رشد وكان سفيها أو ضعيفا، فليمسك عنه وليّه ماله.

و فيهما، وفي الكافيّ  عنه [قال‏] : إذا بلغ [الغلام‏]  أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة، وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم.

و  كتبت عليه السّيئات، وكتبت له الحسنات، وجاز له كلّ شي‏ء إلّا أن يكون ضعيفا أو  سفيها.

و في كتاب الخصال : عن عبد اللّه بن سنان، عنه- عليه السّلام- مثله.

 

و فيه : عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم، متى يجوز أمره؟

قال: حتّى يبلغ أشدّه.

قال: قلت : وما أشدّه؟

قال: احتلامه .قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولا يحتلم.

قال: إذا بلغ وكتب عليه الشّي‏ء، جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ

: بالعدل والسّويّة.

لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها

: إلّا ما يسعها، ولا يعسر عليها.

و في اتّباع إيفاء الكيل والوزن بذلك، تنبيه على تعسّره. وأن ما وراء الوسع فيه، معفوّ.

وَ إِذا قُلْتُمْ‏

: في حكومة ونحوها.

فَاعْدِلُوا

: فيه.

وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى‏

: ولو كان المقول له أو عليه من ذوي قرابتكم.

وَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

، يعني: ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشّرع.

ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏

 : تتّعظون به.

و قرأ  حمزة وحفص والكسائيّ: «تذكرون» بتخفيف الذّال حيث وقع في القرآن.

و الباقون، بتشديدها.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير قال: كنت جالسا عند أبي جعفر- عليه السّلام- وهو متّك على فراشه، إذ  قرأ الآيات المحكمات الّتي لم ينسخهنّ شي‏ء من الأنعام.

فقال : شيّعهنّ سبعون ألف ملك قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (الآيات).

و في مجمع البيان ، عن ابن عبّاس: أنّ  هذه الآيات محكمات، لم ينسخهنّ شي‏ء من جميع الكتب. وهي محرّمات على بني آدم كلّهم. وهنّ أمّ الكتاب. من عمل‏بهنّ، دخل الجنّة. ومن تركهنّ، دخل النّار.

وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً قيل : الإشارة فيه إلى ما ذكر في السّورة. فإنّها بأسرها في إثبات التّوحيد والنّبوّة، وبيان الشّريعة.

و قرأ  حمزة والكسائيّ «إنّ» بالكسر، على الاستئناف. وابن عامر ويعقوب، بالفتح، والتّخفيف. والباقون به مشدّدة، بتقدير «اللّام» على أنّه علّة لقوله:

فَاتَّبِعُوهُ.

و قرأ  ابن عامر: «صراطي» بفتح الياء.

و قرئ : «هذا صراطي». و«هذا صراط ربّكم». و«هذا صراط ربّك».

وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ: الأديان المختلفة المشعّبة عن الأهوية المتباينة. فإنّ مقتضى الحجّة واحد، ومقتضى الهوى متعدّد، لاختلاف الطّبائع والعادات.

فَتَفَرَّقَ بِكُمْ: فتفرّقكم وتزيلكم.

عَنْ سَبِيلِهِ: الّذي هو اتّباع الوحي واقتضاء البرهان.

ذلِكُمْ: الاتّباع.

وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ : الضّلال، والتّفرّق عن الحقّ.

و في تفسير العيّاشي : عن بريد العجليّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

 [أ]  تدري ما يعني ب «صراطي مستقيما»؟

قلت: لا.

قال: ولاية عليّ والأوصياء.

قال: وتدري ما يعني «فاتّبعوه»؟

قلت: لا.قال: يعني: عليّ بن أبي طالب- صلوات اللّه عليه-.

قال: وتدري ما يعني وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ؟

قلت: لا.

قال: ولاية فلان وفلان، واللّه. قال: وتدري ما يعني «فتفرّق» بكم عن سبيله؟

قال: يعني: سبيل عليّ- عليه السّلام-.

عن سعد ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ.

قال: آل محمّد- عليهم السّلام- الصّراط الّذي دلّ عليه.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [فَتَفَرَّقَ بِكُمْ.

قال:]  سألت اللّه أن يجعلها لعليّ، ففعل.

و في شرح الآيات الباهرة : وذكر عليّ بن يوسف بن جبير  في كتاب نهج الإيمان قال: «الصّراط  المستقيم» هو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في هذه الآية [ل‏]  ما رواه إبراهيم الثّقفيّ في كتابه بإسناده إلى أبي  بريدة الأسلميّ قال: قال رسول اللّه- صلّى الله عليه وآله-: أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قد سألت اللّه أن يجعلها لعليّ، ففعل. فقوله: «يجعلها لعليّ- عليه السّلام-»، أي : سبيله الّتي هي الصّراط  المستقيم، وسبيله القويم الهادي إلى جنّات النّعيم.

و في بصائر الدرجات : عمران بن موسى [عن موسى‏]  بن جعفر، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن فضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

سألته عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ.

قال: هو، واللّه، عليّ  [هو، واللّه‏]  الميزان والصّراط.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا الحسن بن الحسن بن عليّ بن عليّ، عن أبيه، عن الحسن  بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن أبي خالد القمّاط-، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية قال: نحن السّبل  فمن أتى فهذه السّبل .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ، بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل. وفيه خطبة الغدير، وفيها: معاشر النّاس، إنّ الله قد أمرني ونهاني وقد نهاني وقد أمرت عليّا ونهيته، فعلم الأمر والنّهي من ربّه. فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوه  تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده ولا تتفرّق بكم السّبل عن سبيله. معاشر النّاس، أنا الصّراط  المستقيم الّذي أمركم باتّباعه، ثمّ عليّ من بعدي، ثمّ ولدي من صلبه أئمّة يهدون بالحقّ  وبه يعدلون.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : فرات قال: حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن أبي مالك الأسديّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: قول اللّه‏- تعالى-: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [إلى آخر الآية] .

فبسط أبو جعفر- عليه السّلام- يده اليسرى ، ثمّ دوّر فيها يده اليمنى، ثمّ قال:

نحن صراط  المستقيم. فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل، فتفرّق بكم عن سبيله يمينا وشمالا.

 [ثمّ خطّ]  بيده.

فرات  قال: حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن حمران قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول في قول اللّه- تعالى-: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ.

قال: عليّ بن أبي طالب والأئمّة من ولد فاطمة- عليهما السّلام-. هم [صراط اللّه‏] . فمن أتاه سلك السّبل .

فرات  قال: حدّثني محمّد بن القاسم بن عبيد  معنعنا، عن حمران قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- [يقول‏]

 في قول اللّه- تعالى-: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ.

قال: عليّ بن أبي طالب والأئمّة من ولد فاطمة- عليهما السّلام-. هم صراط اللّه. فمن أتاه، سلك السّبل .

فرات  قال: حدّثني محمّد بن الحسن بن إبراهيم  معنعنا، عن أبي جعفر قال:

 

حدّثنا أبو برزة قال: بينما نحن عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- إذ قال، وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ‏

  (إلى آخر الآية).

فقال رجل: أليس إنّما يعني اللّه: فضل هذا الصّراط على ما سواه؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: هذا جفاء بك ، يا فلان. أمّا قولك: «فضّل الإسلام على ما سواه» كذلك .

و أمّا قول اللّه: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ فإنّي  قال قلت لربّي مقبل من  غزوة تبوك الأولى: اللّهم، إنّي جعلت عليا منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة له من بعدي. فصدّق كلامي، وأنجز وعدي. واذكر عليّا [بالقرآن كما ذكرت‏]  هارون، فإنّك قد ذكرت اسمي في القرآن. فقرأ آية، فأنزل تصديق قولي، فرسخ حسده  من أهل هذه القبلة، وتكذيب المشركين حتّى شكّوا في منزلة  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فنزل «هذا صراط عليّ مستقيم» وهو هذا  جالس عندي. فاقبلوا نصيحته ، واتّبعوا  قوله. فإنّه من [سبّني، فقد سبّ‏]  اللّه. ومن سبّ عليّا، فقد سبّني.

ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ: عطف على «وصّاكم». و«ثمّ» للتّراخي في الأخبار، أو للتّفاوت في الرّتبة، كأنّه قيل: ذلكم وصّاكم به قديما وحديثا، ثمّ أعظم من ذلك إنّا آتينا موسى الكتاب.

تَماماً: للكرامة والنّعمة.

عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ: على من أحسن القيام. ويؤيّده أن قرئ: «على الّذين‏أحسنوا»، «أو على الّذي أحسن تبليغه»  وهو موسى- عليه السّلام- أو تماما على ما أحسنه، أي: أحاده من العلم والشّرائع، أي: زيادة على علمه إتماما له.

و قرئ : بالرّفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: على الدّين الّذي هو أحسن. أو على الوجه الّذي هو أحسن ما يكون عليه الكتب.

وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ: بيانا مفصّلا لكل ما يحتاج إليه في الدّين. وهو عطف على تماما. ونصبهما يحتمل العلّة، والحال، والمصدر.

وَ هُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ: لعلّ بني إسرائيل.

بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ، أي: بلقاء الجزاء.

وَ هذا كِتابٌ، يعني: القرآن.

أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ: كثير النّفع.

فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ : بواسطة اتّباعه. وهو العمل بما فيه.

أَنْ تَقُولُوا: كراهة أن تقولوا. علّة «لأنزلناه».

إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا، أي: اليهود والنّصارى.

قيل : ولعلّ الاختصاص في «إنّما»، لأنّ الباقي المشهور حينئذ من الكتب السّماويّة لم يكن غير كتبهم.

وَ إِنْ كُنَّا.

 «إن» هي المخفّفة. ولذلك دخلت اللام الفارقة على خبر كان، أي: وإنّه كنّا.

عَنْ دِراسَتِهِمْ: قراءتهم.

لَغافِلِينَ : لا ندري ما هي. أو لا نعرف مثلها.

أَوْ تَقُولُوا: عطف على الأوّل.

لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ: لحدّة أذهاننا وثقابة أفهامنا.و لذلك تلقّفنا من العلم، كالقصص والأشعار  والخطب، على أنّا أمّيّون.

فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ: حجّة واضحة تعرفونها.

وَ هُدىً وَرَحْمَةٌ: لمن تأمّل فيه وعمل به.

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ: بعد أن عرف صحّتها، أو تمكّن من معرفتها.

وَ صَدَفَ: وأعرض، أو صدّ.

عَنْها: فضلّ وأضلّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، أي : دفع عنها. [فضلّ وأضلّ‏] .

سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ: لشدّته.

بِما كانُوا يَصْدِفُونَ : بإعراضهم، أو صدّهم، أو دفعهم.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى الحسين بن المختار قال:

دخل حيّان  السّراج على الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- فقال له: يا حيان ، ما يقول أصحابك في محمّد بن الحنفيّة؟

قال: يقولون: إنّه حيّ يرزق.

فقال الصّادق- عليه السّلام-: حدّثني أبي أنّه كان في من عاده في مرضه، وفي من أغمضه، وأدخله حفرته، وزوّج نسائه، وقسم ميراثه.

فقال: يا أبا عبد اللّه، إنّما مثل محمّد بن الحنفيّة في هذه الأمّة، كمثل عيسى بن مريم- عليه السّلام- شبّه أمره للنّاس.

فقال الصّادق- عليه السّلام-: شبّه أمره على أوليائه أو على أعدائه؟قال: [بل‏]  على أعدائه.

فقال: أ تزعم أنّ أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- عدوّ عمّه محمّد بن الحنفيّة؟

فقال: لا.

فقال الصّادق- عليه السّلام-: يا حيان ، إنّكم صدفتم عن آيات اللّه، وقد قال اللّه- تبارك وتعالى- سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ.

هَلْ يَنْظُرُونَ: إنكار، أي: ما ينتظرون، يعني: أهل مكّة. وهم ما كانوا منتظرين لذلك، ولكن لمّا كان يلحقهم ما يلحق المنتظر من الإعراض والصّد شبّهوا بالمنتظرين.

إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ: ملائكة الموت، أو العذاب.

و قرأ  حمزة والكسائي، بالياء.

أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ، أي: أمره بالعذاب. أو كلّ آياته، يعني: آيات القيامة والهلاك الكلّيّ، لقوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ.

قيل : يعني: أشراط السّاعة.

و في كتاب الاحتجاج : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في معنى هذه الآية:

فإنّما خاطب نبيّنا- صلّى اللّه عليه وآله- هل ينتظر  المنافقون والمشركون إلّا أن تأتيهم الملائكة، فيعاينوهم . أو يأتي ربّك. أو يأتي بعض آيات ربّك، يعني بذلك: أمر ربّك. والآيات هي العذاب في دار الدّنيا، كما عذّب الأمم السّالفة والقرون الخالية.

و فيه، وفي كتاب التّوحيد : عنه- عليه السّلام-: يخبر محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- عن المشركين والمنافقين الّذين لم يستجيبوا للّه ولرسوله، فقال:هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ. وحيث لم يستجيبوا للّه ولرسوله أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ، يعني بذلك: العذاب يأتيهم في دار الدّنيا، كما عذّب القرون الأولى.

و في رواية العامّة ، عن حذيفة والبراء بن عازب: كنّا نتذاكر السّاعة، إذ أشرف علينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال: ما تتذاكرون؟

قلنا: نتذاكر السّاعة.

قال: إنّها لا تقوم حتّى تروا قبلها عشر [آيات: الدخان‏] ، ودابّة الأرض، وخسفا بالمشرق، وخسفا بالمغرب، وخسفا بجزيرة العرب، والدّجّال، وطلوع الشّمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى، ونارا تخرج من عدن.

يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها، كالمحتضر، إذا صار الأمر عيانا والإيمان برهانيّ.

و قرئ : «تنفع» بالتّاء. لإضافة الإيمان إلى ضمير المؤنّث.

لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ: صفة «نفسا».

أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً: عطف على «آمنت».

و المعنى: أنّه لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدّمة إيمانها. أو مقدمة إيمانها، غير كاسبة في إيمانها خيرا.

و في كتاب التّوحيد ، في الحديث السّابق: «من قبل»، يعني: من قبل أن تجي‏ء هذه الآية. وهذه الآية طلوع الشّمس من مغربها.

و في كتاب الخصال : عن [حفص بن غياث عن‏]  أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل أبي - عليه السّلام- عن حروب أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وكان‏السّائل من محبّينا.

فقال له أبي : إنّ اللّه- تعالى- بعث محمّدا بخمسة أسياف، [ثلاثة]  منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها. فإذا طلعت الشّمس من مغربها، آمن النّاس كلّهم في ذلك اليوم.

فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي ، مثله.

 

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- في قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها.

قال: طلوع الشّمس من المغرب، وخروج الدّابّة، والدّجّال، والرّجل يكون مصرّا ولم يعمل  عمل  الإيمان. ثمّ تجي‏ء الآيات، فلا ينفعه إيمانه.

عن عمرو بن شمر ، عن أحدهما- عليه السّلام- في قوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً. قال: المؤمن العاصي حالت بينه وبين إيمانه كثرة ذنوبه وقلّة حسناته، فلم يكسب في إيمانه خيرا.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : حدّثنا أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في هذه الآية: «الآيات» هم الأئمّة- عليهم السّلام-. والآية المنتظرة، القائم- عليه السّلام-. فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ قيامه بالسّيف، وإن آمنت بمن تقدّمه من آبائه- عليهم السّلام-.و بإسناده  إلى عليّ بن أبي حمزة: عن أبي بصير قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً، يعني: خروج القائم المنتظر منّا.

و بإسناده  إلى إنزال بن سيّارة : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل يذكر فيه خروج الدّجال وقاتله. وفي آخره يقول: ألا إنّ بعد ذلك الطّامّة الكبرى.

قيل : وما ذلك، يا أمير المؤمنين؟

قال: خروج دابّة [من‏]  الأرض عند الصّفا معها خاتم سليمان وعصا موسى- عليهما السّلام-. تضع  الخاتم على وجه كلّ مؤمن فينطبع فيه: هذا مؤمن حقّا.

و تضعه  على وجه كلّ كافر فيكتب : هذا كافر حقّا. حتّى أنّ المؤمن لينادي: الويل لك، يا كافر. وأنّ الكافر لينادي: طوبى لك، يا مؤمن، وددت أنّي [اليوم‏]  كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما. ثمّ ترفع الدّابّة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن اللّه- جلّ جلاله-. وذلك بعد طلوع الشّمس من مغربها. فعند ذلك ترفع التّوبة، فلا توبة تقبل  ولا عمل يرفع ولا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً.

ثمّ قال- عليه السّلام-: لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا، فإنّه [عهده‏]  إليّ حبيبي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن لا أخبر به غير عترتي.

و بإسناده  إلى [الربيع بن‏] محمّد بن المسلى  عن  عبد اللّه بن سليمان العامريّ:

 عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما زالت الأرض وللّه- تعالى ذكره- فيها حجّة، يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل اللّه- جلّ وعزّ-. ولا ينقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوما قبل يوم القيامة. فإذا رفعت الحجّة، أغلقت أبواب التّوبة. ولن ينفع نفسا إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أن ترفع الحجّة. أولئك شرار من  خلق اللّه. وهم الّذين تقوم عليهم القيامة.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن حمدان بن سليمان، عن عبد اللّه بن محمّد اليمانيّ، عن منيع بن الحجّاج، عن يونس، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، يعني: في الميثاق. أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً. قال: الإقرار بالأنبياء والأوصياء، وأمير المؤمنين خاصّة. قال: لا ينفع إيمانها لأنّها سلبت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا طلعت الشّمس من مغربها، فكلّ من آمن في ذلك اليوم لا  ينفعه إيمانه.

و اعلم أنّه من لم يعتبر الإيمان المجرّد عن العمل، استدلّ بهذه الآية وبعض الأخبار السّالفة. وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم. وحمل التّرديد على اشتراط عدم النّفع بأحد الأمرين على معنى: لا ينفع نفسا خلت عنها إيمانها. والعطف على «لم تكن» بمعنى: لا ينفع نفسا إيمانها الّذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيرا. وحمل بعض الأخبار على ما إذا حالت معاصيه بينه وبين إيمانه، أي: صار قساوة المعاصي سبب زوال إيمانه واعتقاده.

قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ : وعيد لهم، أي: انتظروا إتيان أحد الأمور الثّلاثة فإنّا منتظرون، وحينئذ لنا الفوز وعليكم الويل.

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ: بدّدوه. فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، وافترقوا فيه.

و قرأ  حمزة والكسّائيّ: «فارقوا»، أي:

باينوا.

و نسبها في مجمع البيان إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشي : عن الصّادق- عليه السّلام- قال: كان عليّ- عليه السّلام- يقرأها: «فارقوا دينهم».

ثمّ قال: فارق واللّه القوم [دينهم‏] .

وَ كانُوا شِيَعاً: فرقا، يتشيّع كلّ فرقة إماما.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: إنّهم أهل الضلالة  وأصحاب الشّبهات والبدع من هذه الأمّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: فارقوا أمير المؤمنين- عليه السّلام- وصاروا أحزابا.

و عن الصّادق- عليه السّلام - في هذه الآية: فارق القوم [و اللّه‏]  دينهم.

و عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، كلّها في الهاوية إلّا واحدة. وافترقت النّصارى على ثنتين وسبعين فرقة، كلّها في الهاوية إلّا واحدة. وستفترق  أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلّها في الهاوية  إلّا واحدة.

و في رواية أخرى  عنه- عليه السّلام-: ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلّها في النّار إلّا واحدة، وهي الّتي تتبع وصيّي عليّا.

لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ‏ءٍ.قيل : أي: [في شي‏ء]  من السّؤال عنهم وعن تفرّقهم. أو من عقابهم. أو أنت بري‏ء منهم.

و قيل : معناه: أنّك على المباعدة التّامّة من الاجتماع معهم في شي‏ء  من مذاهبهم الفاسدة.

و الحمل على العموم، أولى.

و قيل : هو نهي عن التّعرض لهم، وهو منسوخ بآية السيف.

إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ: يتولّى جزاءهم.

ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ : بالعقاب.

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، أي: عشر حسنات أمثالها فضلا من اللّه.

و قرأ  يعقوب: «عشر» بالتّنوين، «و أمثالها» بالرّفع على الوصف. وهذا أقلّ ما وعد من الأضعاف. وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب. ولذلك قيل: المراد بالعشرة، الكثرة دون العدد.

و في مجمع البيان : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [أنه قال‏] : لمّا نزلت هذه الآية: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها  قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ربّ زدني فأنزل اللّه- سبحانه- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (الحديث).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فهذه ناسخة لقوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها.

و أقول: إنّما تكون ناسخة إذا كان بينهما منافاة ولبس، فليس بل هي تفصيل‏لها.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: هل للمؤمن فضل على المسلم في شي‏ء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟

فقال: لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحد. ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقرّبان به إلى اللّه- عزّ وجلّ-.

قلت : أليس اللّه- عزّ وجلّ- يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وزعمت أنهم مجتمعون على الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ مع المؤمن؟

قال: أليس قد قال اللّه- عزّ وجلّ-: [فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً ؟ فالمؤمنون هم الذين‏]  يضاعف اللّه- عزّ وجلّ- لهم حسناتهم، لكلّ حسنة سبعون ضعفا. فهذا فضل المؤمن. ويزيده الله في حسناته على قدر صحّة إيمانه أضعافا كثيرة، ويفعل اللّه بالمؤمنين ما يشاء من الخير. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن سلمة قال: حدّثنا [محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا]  يحيى بن زكريا اللّؤلؤيّ، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية: [قال‏]  هي للمسلمين عامّة.

و الحسنة الولاية. فمن عمل حسنة، كتب له عشرا .

قال: فإن لم تكن له ولاية، دفع  عنه بما عمل من حسنة في الدّنيا وماله في الآخرة من خلاق.وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها: قضيّة للعدل.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ : بنقص الثّواب وزيادة العقاب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لما أعطى اللّه- تعالى- إبليس ما أعطاه من القوّة  قال آدم: يا ربّ، سلّطته على ولدي وأجريته فيهم  مجرى الدّم في العروق، وأعطيته ما أعطيته. فما لي ولولدي؟

فقال: لك ولولدك السّيّئة بواحدة والحسنة بعشر  أمثالها.

قال: ربّ، زدني.

قال: التّوبة مبسوطة إلى [أن تبلغ‏]  النّفس الحلقوم.

فقال: يا ربّ، زدني.

قال: أغفر ولا أبالي.

قال: حسبي.

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يقول: ويل لمن غلبت آحاده [أعشاره‏] .

فقلت له: وكيف هذا؟ فقال: أما سمعت الله- عزّ وجلّ- يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها. فالحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشرا، والسّيّئة الواحدة إذا عملها كتبت له واحدة. فنعوذ باللّه [ممن يرتكب‏]  في يوم واحد عشر سيّئات ولا يكون له حسنة واحدة، فتغلب حسناته سيّئاته.و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن البرقيّ، عن القاسم بن محمّد، عن العيص، عن نجم بن حطيم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من نوى الصّوم ثمّ دخل على أخيه، فسأله أن يفطر عنده، فليفطر وليدخل عليه السّرور. فإنه يحسب له بذلك اليوم عشرة أيّام. وهو قول اللّه- تعالى-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن الصّوم في الحضر.

فقال: ثلاثة أيّام في كلّ شهر، الخميس من جمعة، والأربعاء من جمعة، والخميس من جمعة أخرى.

و قال: [قال‏]  أمير المؤمنين- عليه السّلام-: صيام شهر الصّبر [و ثلاثة أيّام من كلّ شهر يذهبن ببلابل الصدور]  وصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدهر . إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى زيد بن عليّ- عليه السّلام- قال: سألت أبي سيّد العابدين- عليه السّلام- فقلت: يا أبة، أخبرني عن جدّنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لما عرج به إلى السّماء وأمره ربّه- عزّ وجلّ- بخمسين صلاة، كيف لم يسأله التّخفيف عن أمّته حتّى قال له موسى بن عمران: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك؟

فقال: يا بنيّ، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [كان‏]  لا يقترح على ربّه- عزّ وجلّ- ولا يراجعه في شي‏ء يأمره به. فلمّا سأله موسى- عليه السّلام- ذلك وصار شفيعا لأمّته إليه، لم يجز له ردّ شفاعة أخيه موسى- عليه السّلام-. فرجع إلى ربّه فسأله التّخفيف إلى أن ردّها  إلى خمس صلوات.قال: فقلت له: يا أبة، فلم لم يرجع إلى ربّه- عزّ وجلّ- ولم يسأله التّخفيف بعد  خمس صلوات؟

فقال: يا بنيّ، أراد- صلّى اللّه عليه وآله- أن يحصل لأمّته التّخفيف مع أجر خمسين صلاة. لقول  اللّه- عزّ وجلّ-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير فرات بن إبراهيم  الكوفيّ: [فرات‏]  قال: حدّثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قوله : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فإذا جاء بها مع الولاية، فله عشر أمثالها. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ  في نار جهنّم لا يخرج منها ولا يخفّف عنها العذاب. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ من غيرهم فَلا يُجْزى  إِلَّا مِثْلَها.

قوله: [مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ]  أمن من فزع يوم القيامة. قال: الحسنة ولايتنا وحبّنا. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ولم يقبل لهم عدلا ولا صرفا ولا عملا، فهو بغضنا أهل البيت. هل يجزون إلّا ما كانوا يعملون»؟

قال بعض الموافقين : لعلّ السّر في كون الحسنة بعشر أمثالها والسّيّئة مثلها، أنّ الجوهر الإنسانيّ المؤمن [بطبعه مائل‏]  إلى العالم العلويّ، لأنه مقتبس عنه. وهبوطه إلى القالب الجسمانيّ، غريب من طبيعته. والحسنة [إنّما]  ترتقى إلى ما يوافق طبيعة ذلك الجوهر، لأنها من جنسه. والقوّة الّتي تحرّك الحجر إلى [ما]  فوق ذراعا واحدا [هي‏]  بعينها إن استعملت في تحريكه إلى أسفل حرّكته عشرة أذرع وزيادة. فلذلك  كانت‏الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ومنها ما يوفى  بغير حساب. والحسنة الّتي لا يدفع تأثيرها سمعة أو رياء أو عجب، كالحجر الّذي يدور من شاهق لا يصادفه دافع.

لأنّه  لا يتقدّر مقدار هويته  بحساب حتّى تبلغ الغاية. (انتهى كلامه).

و لا يخفى أنّه لو تمّ، لناسب ادعاء كون النّفس إلى ارتكاب الحسنة أميل وعليه من ارتكاب السّيّئة أقدر. ولا يخفى كذب ذلك الادعاء كلّيّا وعدم ادّعائه هاهنا جزئيّا.

فهذا خبط في أمانة السّرّ، وعلى اللّه التّكلان في التّوفيق للبرّ.

قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه-، بإسناده إلى النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل. فيه يقول لعليّ- عليه السّلام-: من أحبّك لدينك  وأخذ بسبيلك، فهو ممّن هدي إلى صراط مستقيم.

دِيناً: يدل من محلّ «إلى صراط»، إذ المعنى: هداني صراطا. أو مفعول فعل مضمر، دلّ عليه الملفوظ.

قِيَماً: فيعل، من قام، كسيّد من ساد، وهيّن من هان. وهو أبلغ من المستقيم باعتبار الزّنة، والمستقيم باعتبار الصّيغة.

و قرأ  ابن عامر وحمزة والكسائيّ: «قيما»، على أنّه مصدر نعت به. وكان قياسه «قوما» كعوض فاعل لإعلال فعله، كالقيام.

مِلَّةَ إِبْراهِيمَ: عطف بيان ل «دينا».

حَنِيفاً: حال من «إبراهيم». وهو أحد المواضع الثّلاثة الّتي يجوز فيها الحال عن المضاف إليه.

وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .

في كتاب الخصال : عن زرارة قال أبو جعفر- عليه السّلام-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بني الإسلام على عشرة أسهم: على شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وهي الملّة والصلاة  وهي الفريضة. (الحديث)

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي عبد الرّحمن، عن أبي كلدة، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل. يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله- وقد ذكر إبراهيم- عليه السّلام-: دينه ديني وديني دينه، وسنّته سنّتي وسنّتي سنّته، وفضلي فضله وأنا أفضل منه.

و عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ما أبقت الحنيفية  شيئا، حتّى أنّ منها قصّ الأظفار والأخذ من الشّارب والختان.

و عن جابر الجعفيّ ، عن محمّد بن عليّ- عليه السّلام- قال: ما من أحد من هذه الامّة  يدين بدين إبراهيم- عليه السّلام- غيرنا، وغير  شيعتنا.

و عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه بعث خليله بالحنيفية  وأمره بأخذ الشّارب، وقصّ الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان.

و عن  عمر بن أبي تميم قال: سمعت عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليه- يقول:

ما من  أحد على ملّة إبراهيم إلّا نحن وشيعتنا، وسائر النّاس منها براء.

قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي: عبادتي كلّها، أو قرباني، أو حجّي.وَ مَحْيايَ وَمَماتِي: وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطّاعة. أو طاعات الحياة وخيرات الممات، كالوصيّة والتّدبير. أو الحياة والممات أنفسهما.

و قرأ  نافع: «محياي» بإسكان الياء، إجراء للوصل مجرى الوقف.

لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ : خالصة.

لا شَرِيكَ لَهُ: لا أشرك فيها غيره.

وَ بِذلِكَ، أي: القول، أو الإخلاص، أو الأعمّ.

أُمِرْتُ: من اللّه.

وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ .

قيل : لأنّ إسلام كلّ نبيّ متقدّم على إسلام أمّته.

و قيل : بل لأنّه- صلّى اللّه عليه وآله- أوّل من أجاب في الميثاق في عالم الذّرّ، كما ورد عنهم- عليهم السّلام-.

فإسلامه متقدّم على إسلام الخلائق كلّهم.

و يمكن إرجاع القولين إلى شي‏ء واحد، إذ قال القائل الأوّل: بأنّ الأنبياء السّابق من أمّته- أيضا-، كما ورد ذلك في بعض الأخبار.

قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا: فأشركه في عبادتي. وهو جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم.

وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: حال في موضع العلّة للإنكار والدّليل له، إذ كلّ ما سواه مربوب مثلي لا يصحّ للرّبوبيّة.

وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ: جزاء عمل من طاعة أو معصية.

إِلَّا عَلَيْها: فعليها عقاب معصيتها ولها ثواب طاعتها.

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏: لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى. جواب عن قولهم: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ.

في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال:هذه شرائع الدّين- إلى أن قال-: ولا يأخذ اللّه- عزّ وجلّ- البري‏ء بالسّقيم، ولا يعذّب اللّه- عزّ وجلّ- الأطفال بذنوب الآباء. فإنّه  قال في محكم كتابه: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏.

و في مجمع البيان : روى عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: لا تجن  يمينك على شمالك.

و في عيون الأخبار : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ- رضي اللّه عنه- قال: حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: يا ابن رسول اللّه ما تقول في حديث روي عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين- عليه السّلام- بفعال آبائهم ؟

فقال- عليه السّلام-: هو كذلك.

فقلت: قول اللّه- تعالى-: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ ما معناه؟

قال: صدق اللّه في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين- عليه السّلام- يرضون بفعال  آبائهم ويفتخرون بها. ومن رضي شيئا، كان كمن أتاه. ولو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل في المغرب، لكان الرّاضي عند اللّه- عزّ وجلّ- شريك القاتل.

و إنّما يقتلهم القائم- عليه السّلام- إذا خرج، لرضاهم بفعل آبائهم.

و فيه ، وفي باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين: ولا يأخذ اللّه- تعالى- البري‏ء بالسّقيم، ولا يعذّب اللّه- تعالى- الأطفال بذنوب الآباء وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏.

و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ ، بإسناده إلى الباقر- عليه السّلام- حديث‏طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: إنّ عليّ بن الحسين- عليه السّلام- لمّا حدّث بهذا الحديث قال له بعض من في مجلسه: يا ابن رسول اللّه، كيف يعاتب  اللّه ويوبّخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتاها أسلافهم وهو يقول: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏؟

فقال زين العابدين- عليه السّلام-: إنّ القرآن نزل بلغة العرب، فهو يخاطب فيه أهل اللّسان بلغتهم. يقول الرّجل لتميميّ  قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه: أغرتم على بلد كذا، أو فعلتم كذا. ويقول العربيّ: ونحن فعلنا ببني فلان، ونحن سبينا آل فلان، ونحن خرّبنا بلد كذا. لا يريد أنّهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأولئك بالافتخار  أنّ قومهم فعلوا كذا. وقول اللّه- عزّ وجلّ- في هذه الآيات إنّما هو توبيخ لأسلافهم وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين. لأنّ  ذلك هو اللّغة الّتي نزل بها القرآن، ولأنّ  هؤلاء الأخلاف [أيضا]  راضون بما فعل أسلافهم مصوّبون ذلك  لهم.

فجاز أن يقال أنتم: فعلتم [أي‏] : إذا رضيتم قبيح فعلهم.

ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ: يوم القيامة.

فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ : فيبيّن الرّشد من الغّي، ويميّز المحقّ من المبطل.

وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ: يخلف بعضكم بعضا. أو خلفاء اللّه في أرضه تتصرفّون فيها، على أنّ الخطاب عامّ. أو خلفاء الأمم السّابقة، على أنّ الخطاب للمؤمنين.

وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ: في الشّرف والغنى.

لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ: من الجاه والمال كيف تشكرون نعمه.

إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ: لأنّ ما هو آت قريب. ولأنّه يسرع إذا أراده.وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ .

وصف العقاب، ولم يضفه إلى نفسه. ووصف ذاته بالمغفرة، وضمّ إليه الوصف بالرّحمة. وأتى ببناء المبالغة واللام المؤكّدة، تنبيها على أنّه- تعالى- غفور بالذّات، معاقب بالعرض، كثير الرّحمة مبالغ فيها، قليل العقوبة مسامح فيها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ قال: في القدر والمال. «ليبلوكم»، أي: يختبركم. فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.