سورة مريم‏ الآية 1-20

مكية بالإجماع وآيها ثمان وتسعون . 

في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأها أعطي من الأجر بعدد من صدّق بزكريّاء وكذّب به، ويحيى ومريم وعيسى وموسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر مرّات ، وبعدد من دعا للّه ولدا، وبعدد من لم يدع للّه ولدا.

 

و في كتاب ثواب الأعمال  بإسناده عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أدمن قراءة  سورة مريم، لم يمت [في الدّنيا]  حتّى يصيب [منها]  ما يغنيه في نفسه وماله وولده. وكان في الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم- عليه السّلام. وأعطي في الآخرة مثل  ملك سليمان بن داود- عليهما السّلام- في الدّنيا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم‏

كهيعص :

امال أبو عمرو  الهاء، وابن عامر الياء، والكسائيّ وأبو بكر كليهما، لأنّ ألفات أسماء

التّهجّي ياءات.

في مجمع البيان : قد بيّنّا في أوّل البقرة اختلاف العلماء في الحروف المعجم الّتي في أوائل السّور، وشرحنا أقوالهم هناك.

و حدّث عطاء بن السّائب ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس أنّه قال: كاف من كريم. وهاء من هاد. وياء من حكيم. وعين من عليم. وصاد من صادق.

و في رواية عطاء  والكلبيّ  عنه أنّ معناه: كاف لخلقه. هاد لعباده. يده فوق أيديهم. عالم ببريّته . صادق في وعده.

و على هذا، فإنّ كلّ واحد من هذه الحروف يدلّ على صفة من صفات اللّه.

و روي عن أمير المؤمنين - عليه السّلام- أنّه قال في دعائه: أسألك  يا كهيعص.

و في كتاب الاحتجاج  روى بحذف الإسناد مرفوعا إلى سعد بن عبد اللّه بن خلف القمّيّ- رحمة اللّه عليه- قال: أردت نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل، بعد أن لم أجد لها مجيبا. فقصدت مولاي أبا محمّد الحسن العسكريّ- عليه السّلام- لسرّ من رأى.

فلمّا انتهيت منها إلى باب سيّدنا- عليه السّلام- فاستأذنّا. فخرج الإذن بالدّخول. فلمّا دخلنا، ما شبّهنا أبا محمّد [- عليه السّلام- حين غشّانا نور وجهه، إلّا بدرا قد استوفى ليالي أربعا بعد العشرة، وعلى‏]  فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر. فسلّمنا عليه. فألطف لنا في الجواب، وأمرنا بالجلوس. فلمّا جلسنا، سألته شيعته عن أمورهم في دينهم وهداياهم.

فنظر أبو محمّد العسكريّ إلى الغلام، فقال: يا بنيّ، أجب شيعتك ومواليك.

فأجاب كلّ واحد عمّا في نفسه، وعن تحفته، من قبل أن يسأله عنها، بأحسن جواب‏و أوضح برهان، حتّى حارت عقولنا في غامر علمه وإخباره بالغائبات.

ثمّ التفت إلي أبو محمّد، وقال: ما جاء بك يا سعد؟

قلت: شوقي إلى لقاء مولانا.

فقال: ما المسائل الّتي أردت أن تسأل عنها؟

قلت: على حالها يا مولاي.

قال: فاسأل قرّة عيني عنها- وأومأ إلى الغلام- وعمّا بدا لك منها.

فكان بعض ما سألته أن قلت: يا ابن رسول اللّه، أخبرني عن تأويل «كهيعص».

فقال: هذه الحروف من أنباء الغيب. أطلع اللّه عبده زكريّا عليها. ثمّ قصّها على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. وذلك أنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه الأسماء  الخمسة. فأهبط اللّه عليه جبرئيل، فعلّمه إيّاها.

فكان زكريّا إذا ذكر محمّدا وعليّا وفاطمة والحسن، سرى عنه همّه، وانجلى كربه.

و إذا ذكر الحسين، خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة.

فقال ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم، تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين- عليه السّلام- تدمع عيني، وتثور زفرتي!؟

فأنبأه- تبارك وتعالى- عن قصّته، فقال: «كهيعص». فالكاف اسم كربلاء.

و الهاء هلاك العترة. والياء يزيد- لعنه اللّه. وهو ظالم الحسين- عليه السّلام. والعين عطشه. والصّاد صبره.

فلمّا سمع بذلك زكريّا، لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام، ومنع فيها  النّاس من الدّخول عليه، وأقبل على البكاء والنّحيب. [و كانت ندبته‏] : إلهي! أتفجع خير [جميع‏]  خلقك بولده!؟ [إلهي!]  أ تنزل بلوى هذه الرّزيّة بفنائه!؟ إلهي! أ تلبس عليّا وفاطمة ثياب هذه المصيبة!؟ إلهي! أ تحلّ كرب هذه الفجيعة  بساحتهما!؟

ثمّ كان يقول: إلهي! ارزقني ولدا تقرّبه عيني عند الكبر، [و أجعله وارثا وصيّا.

و اجعل محلّه منّي محلّ الحسين‏] . فإذا رزقتنيه، فافتنّي بحبّه. ثمّ افجعني به كما تفجع محمّداحبيبك- صلّى اللّه عليه وآله- بولده.

فرزقه اللّه يحيى، وفجعه به. وكان حمل يحيى- عليه السّلام- ستّة أشهر. وحمل الحسين- عليه السّلام- كذلك.

و في كتاب المناقب ، عنه- عليه السّلام- مثله.

 

و في كتاب معاني الأخبار ، عن الصّادق- عليه السّلام-: معناه: أنا الكافي الهادي الوليّ العالم الصّادق الوعد.

و عنه - عليه السّلام-: كافي لشيعتنا، هاد لهم، وليّ لهم، عالم بأهل طاعتنا، صادق لهم وعده ، حتّى يبلغ بهم المنزلة الّتي وعدهم إيّاها في بطن القرآن.

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ:

خبر ما قبله إن أوّل بالسّورة أو القرآن، فإنّه مشتمل عليه. أو خبر محذوف. أي: هذا المتلوّ ذكر رحمة ربّك. أو مبتدأ حذف خبره. أي: فيما يتلى عليك [ذكرها] .

و قرئ : «ذكر»- على الماضي- و«ذكّر» على الأمر.

عَبْدَهُ:

مفعول الرّحمة، [أو الذّكر، على أنّ الرّحمة]  فاعله على الاتّساع، كقولك: ذكرني جود فلان.

زَكَرِيَّا :

بدل منه، أو عطف بيان له. وهو اسم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، كان من أولاد هارون أخي موسى.

إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا :

لأنّ الإخفاء والجهر عند اللّه سيّان، والإخفاء أشدّ إخباتا وأكثر إخلاصا. وفي هذا دلالة على أنّ المستحبّ في الدّعاء الإخفاء، وأنّ ذلك أقرب إلى الإجابة.

و في مجمع البيان : وفي الحديث: خير الدّعاء الخفيّ. وخير الرّزق ما يكفي.أو لئلّا يلام على طلب الولد في أبان الكبر. أو لئلّا يطّلع عليه مواليه الّذين خافهم.

أو لأنّ ضعف الهرم أخفى صوته.

و اختلف في سنّة حينئذ. فقيل: ستّون. وقيل: سبعون. وقيل: خمس وسبعون. وقيل:

ثمانون.

قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي:

تفسير للنّداء. والوهن: الضّعف. وتخصيص العظم، لأنّه دعامة البدن وأصل بنائه.

و لأنّه أصلب ما فيه. فإذا وهن، كان ما وراءه اوهن. والمراد به الجنس ولذلك وحّد.

و قرئ  بضمّ العين وكسرها. ونظيره كمل في الحركات الثّلاث.

وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً:

شبّه الشّيب في بياضه [و إنارته بشواظ النّار، وانتشاره في الشّعر باشتعالها. ثمّ أخرج مخرج الاستعارة، وأسند الاشتعال إلى الرّأس الّذي‏]  هو محلّ الشّيب مبالغة، وجعله مميّزا، إيضاحا للمقصود. واكتفى باللّام عن الإضافة، للدّلالة على أنّ علم المخاطب بتعيّن المراد يغني عن التّقييد.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى حفص بن البختريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال : كان النّاس لا يشيبون. فأبصر إبراهيم- عليه السّلام- شيبا [في لحيته‏] . فقال: يا ربّ ما هذا؟ فقال: هذا وقار . فقال: ربّ زدني وقارا.

و بإسناده  إلى الحسين  بن عمّار، عن [نعيم، عن‏]  أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أصبح إبراهيم- عليه السّلام- فرأى في لحيته شيبا شعرة بيضاء. فقال: الحمد للّه ربّ العالمين الّذي بلغني هذا المبلغ، ولم أعص اللّه طرفة عين.

و بإسناده  إلى خالد بن إسماعيل بن أيّوب المخزوميّ، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه سمع أبا الطّفيل يحدّث أنّ عليّا- عليه السّلام- يقول: كان الرّجل يموت،و قد بلغ الهرم ولم يشب. فكان الرّجل يأتي النّادي فيه الرّجل وبنوه، فلا يعرف الأب من  الابن، فيقول : أيّكم أبوكم؟

فلمّا كان زمن إبراهيم- عليه السّلام- قال : اللّهمّ اجعل لي شيبا أعرف به.

فقال : فشاب وابيضّ رأسه ولحيته.

وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ، أي: مخيّبا، بل كلّما دعوتك، استجبت لي.

و هو توسّل بما سلف معه من الاستجابة، وتنبيه على أنّ المدعوّ له، وإن لم يكن معتادا، فإجابته معتادة. وأنّه- تعالى- عوّده بالإجابة، وأطمعه فيها. ومن حقّ الكريم أن لا يخيّب من أطمعه.

وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ: أن لا يحسنوا خلافتي على أمّتي، ويبدّلوا عليهم دينهم.

في مجمع البيان : هم  العمومة وبنو العمّ. عن أبي جعفر- عليه السّلام.

و قيل: هم الورثة.

مِنْ وَرائِي: بعد موتي.

و عن ابن كثير  بالمدّ والقصر، بفتح الياء. وهو متعلّق بمحذوف. أو بمعنى الموالي. أي:

خفت فعل الموالي من ورائي، أو الّذين يلون الأمر من ورائي.

و في الجوامع: قرأ السّجّاد والباقر- عليهما السّلام-: «خفّت»

 . بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التّاء. أي: قلّوا وعجزوا عن إقامة الدّين. أو: خفّوا ودرجوا قدّامى.

فعلى هذا كان الظّرف متعلّقا ب «خفّت».

وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً: عقيما لا تلد.

فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ، فإنّ مثله لا يرجى إلّا من فضلك وكمال قدرتك، فإنّي وامرأتي لا نصلح للولادة.

وَلِيًّا  من صلبي، يلي أمري.

يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ:صفتان له.

و جزمهما أبو عمرو والكسائيّ ، على أنّهما جواب الدّعاء.

و في مجمع البيان  عن السجّاد والباقر- عليهما السّلام- أنّهما قرءا: «يرثني وأرث من آل يعقوب».

و هو يعقوب بن ماتان . وأخوه عمران بن ماتان  أبو مريم. عن الكلبيّ ومقاتل.

و قيل : هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. لأنّ زكريّا كان متزوّجا بأخت [أمّ‏]  مريم بنت عمران، ونسبها يرجع إلى يعقوب. لأنّها من ولد سليمان بن داود- عليهما السّلام- وهو من ولد يهودا بن يعقوب، وزكريّا [من ولد هارون وهو]  من ولد لاوي بن يعقوب.

عن السّدّيّ.

ثمّ اختلف في معناه. فقيل : «يرثني» مالي «و يرث من آل يعقوب» النّبوّة. وقيل :

يرث نبوّتي ونبوّة آل يعقوب.

و استدلّ به أصحابنا على أنّ الأنبياء يورثون المال، فإنّ المراد بالإرث المذكور فيها المال دون العلم والنّبوّة، بأن قالوا: إنّ لفظة الميراث في اللّغة والشّريعة لا يطلق إلّا على ما ينتقل من الموروث إلى الوارث من الأموال. ولا يستعمل في غير المال إلّا على طريق المجاز. ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لم يكن يومئذ لزكريّا ولد يقوم مقامه ويرثه. وكانت هدايا بني إسرائيل ونذورهم للأحبار. وكان زكريّا رئيس الأحبار. وكانت امرأة زكريّا [أخت مريم بنت عمران بن ماثان (و يعقوب بن ماثان) . وبنو ماثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل‏]  وبنو ملوكهم، وهم من ولد سليمان بن داود.

وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا  ترضاه قولا وعملا.و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام بن سهيل ، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود النّجّار قال: حدّثني أبو الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: كنت عند أبي يوما قاعدا حتّى أتى رجل، فوقف به وقال: أفي القوم  باقر العلم ورئيسه محمّد بن عليّ؟ قيل له: نعم.

فجلس طويلا. ثمّ قام إليه فقال: يا ابن رسول اللّه، أخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ- في قصّة زكريّا: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً (الآية).

قال: نعم. الموالي بنو العمّ، وأحبّ اللّه أن يهب له وليّا من صلبه. وذلك أنّه فيما كان علم من فضل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- قال: يا ربّ، أ مع ما شرّفت محمّدا وكرّمته ورفعت ذكره حتّى قرنته بذكرك، فما يمنعك- يا سيّدي- أن تهب له  ذرّيّة من صلبه، فيكون فيها النّبوّة؟

قال: يا زكريّا، قد فعلت ذلك بمحمّد. ولا نبوّة بعده، وهو خاتم الأنبياء. ولكنّ الإمامة لابن عمّه وأخيه عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- من بعده. وأخرجت الذّرّيّة من صلب عليّ إلى بطن فاطمة بنت محمّد، وصيّرت بعضها من بعض. فخرجت [منه‏]  الأئمّة حججي على خلقي. وإنّي مخرج من صلبك ولدا يرثك ويرث من آل يعقوب.

فوهب اللّه له يحيى- عليه السّلام.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن خالد، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: مرّ عيسى بن مريم- عليه السّلام- بقبر يعذّب صاحبه. ثمّ مرّ به من قابل، فإذا هو لم يعذّب.

فقال: يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أوّل، فكان يعذّب. ومررت به العام، فإذا هوليس بمعذّب!؟]  فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: إنّه أدرك له ولد صالح لي . فأصلح طريقا. وآوى يتيما. فلهذا غفرت له بما عمل  ابنه.

ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ميراث اللّه- عزّ وجلّ- من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده.

ثمّ تلا أبو عبد اللّه- عليه السّلام- آية زكريّا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا.

 

يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى:

جواب لندائه، ووعد بإجابة دعائه. وإنّما تولّى تسميته تشريفا له.

لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا :

لم يسمّ أحد بيحيى قبله.

قيل : وهو شاهد بأنّ التّسمية بالأسامي الغريبة تنويه للمسمّى. وفيه أنّه لعلّ المراد سميّا شبيها، كقوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا. لأنّ المتماثلين يشاركان في الاسم.

و هو إمّا أعجميّ- وهو الأظهر- أو منقول عن الفعل.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا حميد بن زياد، عن أحمد بن الحسين بن بكير  قال: حدّثنا الحسن  بن عليّ بن فضّال بإسناده إلى عبد الخالق قال:

 

سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول في قول اللّه- عزّ وجلّ-: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا. قال: ذلك يحيى بن زكريّا، لم يكن من قبل سميّا. وكذلك الحسين. لم يكن من قبل سميّا. ولم تبك السّماء إلّا عليهما أربعين صباحا.

قلت: فما كان بكاؤها؟ قال: تطلع الشّمس حمراء، [و تغيب حمراء] . قال: وكان‏قاتل الحسين- عليه السّلام- ولد زنا، وقاتل يحيى بن زكريّا ولد زنا.

و روي عليّ بن إبراهيم  في تفسيره، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن عبد الخالق قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول- وذكر مثل ما ذكر في الخبر السّابق بأدنى تغيير غير مغيّر للمعنى.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: روى سفيان بن عيينة، [عن عليّ بن زيد] ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: خرجنا مع الحسين بن عليّ- عليهما السّلام. فما نزل منزلا، ولا رحل  منه، إلّا ذكر يحيى بن زكريّا وقتله. وقال : ومن هو ان الدّنيا على اللّه أنّ رأس يحيى بن زكريّا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل.

و في مجمع البيان  مثله إلّا أنّ فيه: وقال يوما: ومن هو ان الدّنيا (إلى آخره).

قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا :

من: عتا الرّجل يعتو: إذا كبر وأسنّ. وأصله: عتوو- كعقور. فاستثقلوا توالي الضّمتين والواوين، فكسروا التّاء. فانقلبت الواو الأولى ياء. ثمّ قلبت الثّانية وأدغمت.

و قرأ  حمزة والكسائيّ وحفص: «عتيّا»- بالكسر.

و إنّما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر، اعترافا بأنّ المؤثّر فيه كمال قدرته- تعالى- وأنّ الوسائط عند التّحقيق ملغاة.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عنهم- عليه السّلام- قال : فيما وعظ اللّه- عزّ وجلّ- به عيسى- عليه السّلام-: ونظيرك يحيى من خلقي. [وهبته لأمّه بعد الكبر من غير قوّة بها. أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني، وتظهر  فيك قدرتي.قالَ- أي اللّه،]  أو المّلك المبشّر، تصديقا-: كَذلِكَ، أي: الأمر كذلك.

أو منصوب بقال في: قالَ رَبُّكَ. و«ذلك» إشارة إلى مبهم يفسّره هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ. وقراءة الواو  يؤيّد الأوّل. أي: الأمر كما قلت. وهو على ذلك يهون عليّ. وكما وعدت، لا أحتاج فيما أريد أن أفعله، إلى الأسباب.

و مفعول «قال» الثّاني محذوف.

وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ، بل كنت معدوما صرفا.

و فيه دليل على أنّ المعدوم ليس بشي‏ء.

قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً: علامة أستدلّ بها على وقت كونه.

في مجمع البيان : وروى الحكم بن عيينة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّما ولد يحيى بعد البشارة له من اللّه بخمس سنين.

قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا : سويّ الخلق، ما بك من خرس ولا بكم.

اعتقل لسانه من غير علّة، يدعو اللّه ويسبّحه، ولا يمكنه أن يكلّم النّاس. وهذا أمر خارج عن العادة.

و إنّما ذكر اللّيالي هاهنا، والأيّام في «آل عمران»  للدّلالة على أنّه استمرّ عليه المنع من كلام النّاس والتّجرّد للذّكر والشّكر ثلاثة أيّام ولياليهنّ.

فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ: من المصلّى. أو من الغرفة.

و سمّي المحراب محرابا، لأنّ المتّوجّه  إليه في صلاته كالمحارب للشّيطان على صلاته. والأصل فيه: مجلس الأشراف الّذي يحارب دونه، ذبّا عن أهله.

قالوا: وكان زكريّا قد أخبر قومه بما بشّر به. فلمّا خرج عليهم، وامتنع من كلامهم، علموا إجابة دعائه، فسرّوا بذلك.

 

فَأَوْحى إِلَيْهِمْ: فأومأ إليهم، لقوله : «إلّا رمزا».

و قيل : كتب لهم على الأرض.

أَنْ سَبِّحُوا: بأن سبّحوا. و«أن» يحتمل أن تكون مصدريّة، وأن تكون مفسّرة.

أي: صلّوا ونزّهوا ربّكم.

بُكْرَةً وَعَشِيًّا : طرفي النّهار.

في مجمع البيان : قال ابن جريح: أشرف عليهم زكريّا من فوق غرفة كان يصلّي فيها لا يصعد إليها إلّا بسلّم. وكانوا يصلّون معه الفجر والعشاء. وكان يخرج إليهم فيأذن  لهم بلسانه. فلمّا اعتقل لسانه، خرج على عادته، وأذن لهم بغير كلام. فعرفوا عند ذلك أنّه قد جاء وقت حمل امرأته بيحيى. فمكث ثلاثة أيّام لا يقدر على الكلام معهم ويقدر على التّسبيح والدّعاء.

يا يَحْيى: على تقدير القول: وفيه اختصار عجيب تقديره: فوهبنا له يحيى، وآتيناه الفهم والعقل، وقلنا له: يا يحيى.

خُذِ الْكِتابَ: التّوراة. بِقُوَّةٍ: بجدّ واستظهار بالتّوفيق.

وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا :

في مجمع البيان : أي: آتيناه النّبوّة في حال صباه، وهو ابن ثلاث سنين. عن ابن عبّاس.

و روي العيّاشي  بإسناده عن عليّ بن أسباط قال: قدمت المدينة، وأنا أريد مصر.

فدخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ الرّضا- عليه السّلام- وهو إذ ذاك خماسيّ.

فجعلت  أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر. فنظر إليّ فقال لي: يا عليّ، إنّ اللّه قد أخذ في الإمامة، كما أخذ في النّبوّة:

فقال [عن يوسف‏] : وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً .و قال [عن يحيى‏] : وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا.

فقد يجوز أن يؤتى الحكم ابن أربعين سنة. ويجوز أن يعطاه الصّبيّ.

 

و فيه : وعن معمّر قال: إنّ الصّبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب. فقال: ما للّعب خلقنا. فأنزل اللّه- تعالى-: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا. وروي ذلك عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد  الكناسي، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: مات زكريّا. فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة، وهو صبيّ صغير. أما تسمع لقوله- عزّ وجلّ- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا!؟

فلمّا بلغ عيسى- عليه السّلام- سبع سنين، تكلّم بالنّبوّة والرّسالة، حين أوحى اللّه  إليه. فكان عيسى الحجّة على يحيى وعلى النّاس أجمعين.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط قال: [رأيت أبا جعفر- عليه السّلام- وقد]  خرج عليّ. فأحدت النّظر إليه، وجعلت أنظر  إلى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر. فبينا أنا كذلك حتّى قعد فقال: يا عليّ، إن اللّه احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النّبوّة، فقال: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا. [قال:]  ولمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً  فقد يجوز أن يؤتى الحكمة، وهو صبيّ. ويجوز أن يؤتى الحكمة ، وهو ابن أربعين سنة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمة اللّه-: وروي عن موسى بن جعفر، عن‏

 أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليه السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم، قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فهذا يحيى بن زكريّا، يقال: إنّه أوتي الحكمة صبيّا والحلم  والفهم. وأنّه كان يبكي من غير ذنب. وكان يواصل الصّوم.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك. ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أعطي ما هو أفضل من هذا. إنّ يحيى بن زكريّا كان في عصر لا أوثان فيه، ولا جاهليّة، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أوتي الحكم والفهم صبيّا بين عبدة الأوثان وحزب الشّيطان. فلم يرغب لهم في صنم قطّ. ولم ينشط لأعيادهم. ولم ير منه كذب قطّ- صلّى اللّه عليه وآله. وكان أمينا صدوقا حليما. [و كان‏]  يواصل صوم الأسبوع والأقلّ والأكثر. فيقال له في ذلك، فيقول: إنّي لست كأحدكم. إنّي أظلّ عند ربّ، فيطعمني ويسقيني. وكان يبكي- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى يبتلّ  مصلّاه، خشية من اللّه- عزّ وجلّ- من غير جرم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب محمّد بن إسحاق بالإسناد: جاء أبو سفيان إلى عليّ- عليه السّلام- فقال: يا أبا الحسن، جئتك في حاجة.

قال: وفيم جئتني؟

قال: تمشي معي إلى ابن عمّك محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فنسأله  أن يعقد لنا عقدا، ويكتب لنا كتابا.

فقال: يا أبا سفيان، لقد عقد لك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عقدا لا يرجع عنه أبدا.

و كانت فاطمة- عليه السّلام- من وراء السّتر، والحسن يدرج بين يديها، وهو طفل من أبناء أربعة عشر شهرا. فقال لها: يا بنت محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- قولي لهذا الطّفل يكلّم لي جدّه فيسود بكلامه  العرب والعجم.فأقبل الحسن- عليه السّلام- إلى أبي سفيان، وضرب إحدى يديه على أنفه، والأخرى على لحيته. ثمّ أنطقه اللّه- عزّ وجلّ- بأن قال: يا أبا سفيان! قل: لا إله إلّا اللّه. محمّد رسول اللّه. حتّى أكون شفيعا.

فقال- عليه السّلام-: الحمد للّه الّذي جعل من ذرّيّة محمّد المصطفى- صلّى اللّه عليه وآله- نظير يحيى بن زكريّا، آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بن سليمان الرّازيّ، عن محمّد بن خالد الطّيالسيّ، عن سيف بن عميرة، عن حكم  بن أيمن قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: واللّه، لقد أوتي عليّ- عليه السّلام- الحكم صبيّا، كما أوتي زكريّا الحكم صبيّا.

وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا: ورحمة منّا عليه وتعطّفا.

 [عطف على الحكم.]

في محاسن البرقيّ : وفي رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-:

قوله في كتابه: حَناناً مِنْ لَدُنَّا.

قال: قال: إنّه كان يحيى إذا قال في دعائه: «يا ربّ، يا اللّه» ناداه اللّه من السّماء:

لبّيك يا يحيى. سل حاجتك .

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن سنان، عن أبي سعيد المكاريّ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: فما عنى بقوله في يحيى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا [وَ زَكاةً] »؟

قال: تحنّن اللّه.

 [قلت: فما بلغ من تحنّن اللّه‏]  عليه؟

قال: كان إذا قال: يا ربّ، قال اللّه- عزّ وجلّ-: لبّيك يا يحيى.

 [و الحديث‏طويل: أخذت منه موضع الحاجة.]

وَ زَكاةً: له وطهارة من ذنوب. أو: صدقة.

مجمع البيان : أي: وعملا صالحا زاكيا. عن قتادة والضحّاك وابن جريح.

و قيل : زكاة لمن قبل دينه، حتّى يكونوا أزكياء. عن الحسن.

و قيل : يعني بالزكاة طاعة اللّه والإخلاص. عن ابن عبّاس.

و قيل : معناه: وصدقة تصدّق [اللّه‏]  به على أبويه. عن الكلبيّ.

و قيل : «معنا»: وزكّيناه بحسن الثّناء عليه، كما يزكّى الشّهود الإنسان. عن الجبّائيّ.

فهذه خمسة أقوال.

وَ كانَ تَقِيًّا ، أي: مخلصا مطيعا متّقيا لما نهى اللّه عنه.

قالوا : وكان من تقواه أنّه لم يعمل خطيئة، ولم يهمّ بها.

وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ‏

، أي: بارّا بهما، محسنا إليهما، مطيعا لهما، لطيفا بهما، طالبا مرضاتهما.

وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً

، أي: متكبّرا متطاولا على الخلق.

و قيل : الجبّار: الّذي يقتل ويضرب على الغضب.

عَصِيًّا

 : عاقّا، أو عاصي ربّه.

و في تفسير الإمام  في سورة البقرة، عند تفسير قوله- تعالى-: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ: ما ألحق اللّه صبيّا برجال كاملي العقول إلّا هؤلاء الأربعة:

عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريّا، والحسن، والحسين- عليهم السّلام.

ثمّ ذكر قصّتهم، وذكر في قصّة يحيى قوله- تعالى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا. قال:

و من ذلك الحكم أنّه كان صبيّا، فقال له الصّبيان: هلمّ  نلعب.

قال: واللّه ما للّعب خلقنا. وإنّما خلقنا للجدّ لأمر عظيم.ثمّ قال: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا، يعني: تحنّنا ورحمة على والديه وسائر عبادنا.

وَ زَكاةً، يعني: طهارة لمن آمن به وصدّقه. وَكانَ تَقِيًّا يتّقي الشّرور والمعاصي. وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ‏

: محسنا إليهما، مطيعا لهما. وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا

 يقتل على الغضب، ويضرب على الغضب. لكنّه ما من عبد اللّه- تعالى- إلّا وقد أخطأ، أو همّ بخطيئة، ما خلا يحيى بن زكريّا، فلم يذنب، ولم يهمّ بذنب.

وَ سَلامٌ عَلَيْهِ‏

 من اللّه، يَوْمَ وُلِدَ

 من أن يناله الشّيطان، بما ينال به بني آدم، وَيَوْمَ يَمُوتُ‏

 من عذاب القبر، وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

  من هول القيامة وعذاب النّار.

في عيون الأخبار  بإسناده إلى ياسر الخادم قال: سمعت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- يقول: إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج  من بطن أمّه، فيرى الدّنيا، ويوم يموت، فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في الدّنيا . وقد سلّم اللّه- عزّ وجلّ- على يحيى في هذه المواطن الثّلاثة، وآمن روعته، فقال: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

. وقد سلّم عيسى بن مريم على نفسه في هذه المواطن الثّلاثة، فقال: وَالسَّلامُ  عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا

 

 .

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ‏

، أي: القرآن. مَرْيَمَ‏

: يعني قصّتها.

إِذِ انْتَبَذَتْ‏

: اعتزلت.

بدل من مريم، بدل الاشتمال، لأنّ الأحيان مشتملة على ما فيها. أو بدل الكلّ، لأنّ المراد بمريم قصّتها، وبالظّرف الأمور الواقعة فيه، وهما واحد. أو ظرف لمضاف مقدّر.

و قيل : «إذ» بمعنى أن المصدريّة، كقولك: أكرمتك، إذ لم تكرمني. فتكون بدلا لا محالة.

مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا

  من بيت المقدّس، أو في شرقي دارها.

قيل : ولذلك اتّخذ النّصارى المشرق قبلة. و«مكانا» ظرف أو مفعول، لأنّ‏ «انتبذت» متضمّنة معنى أتت.

فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً

: سترا من أهلها، لئلّا يرونها، وتخلّت للعبادة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: في محرابها.

فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا

:

قال : يعني جبرئيل.

فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا

 :

قيل : في صورة شابّ سويّ الخلق.

قيل : قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض، محتجبة بشي‏ء يسترها. وكانت تتحوّل من المسجد إلى بيت خالتها، إذا حاضت. وتعود إليه، إذا طهرت. فبينا هي  في مغتسلها، أتاها جبرئيل، فتمثّل بصورة شابّ أمرد سويّ الخلق، لتستأنس بكلامه.

فأنكرته واستعاذت باللّه منه.

قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ‏

- من غاية عفافها- إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا

 :

تتّقي اللّه وتحتفل بالاستعاذة.

و جواب الشّرط محذوف دلّ عليه ما قبله. أي: فإنّي عائذة منك. أو: فتعوذ  بتعويذي. أو: فلا تتعرّض لي. ويجوز أن يكون للمبالغة. أي: إن كنت تقيّا متورّعا، فإنّي أعوذ منك، فكيف إذا لم تكن كذلك! قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ‏

 الّذى استعذت به. لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً

: لأكون سببا في هبته بالنّفخ في الدّرع.

و يجوز أن يكون حكاية لقول اللّه- سبحانه. ويؤيّده قراءة أبي عمرو وابن كثير  عن نافع ويعقوب بالياء.

زَكِيًّا

 : طاهرا من الذّنوب، أو ناميا على الخير، أي: مترقّيا من سنّ إلى على الخير والصّلاح.قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ: ولم يباشرني رجل بالحلال.

فإنّ هذه الكنايات إنّما تطلق فيه. وأمّا الزّنا، فإنّما يقال فيه: خبث بها، وفجر، ونحو ذلك.

و يعضده عطف قوله:

وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا : زانية.

و هو فعول من البغي. قلبت واوه ياء، وأدغمت. ثمّ كسرت العين اتباعا. ولذلك لم تلحقه التّاء. أو فعيل بمعنى الفاعل. ولم تلحقه ، لأنّه للمبالغة، أو للنّسبة، كطالق.