سورة طه الآية 1-20

مكّيّة وهي مائة وخمس  وثلاثون آية.

في كتاب ثواب الأعمال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا تدعوا قراءة سورة طه، فإنّ اللّه يحبّها، ويحبّ من قرأها. ومن أدمن قراءتها، أعطاه اللّه يوم القيامة كتابه بيمينه، ولم يحاسبه بما عمل في الإسلام. وأعطي. [في الآخرة من الأجر حتّى يرض.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأها، أعطي‏]  يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار.

أبو هريرة ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- قرأ «طه» و«يس» قبل أن يخلق آدم بألفي عام. فلمّا سمعت الملائكة القرآن، قالوا:

طوبى لأمّة ينزل  هذا عليها! وطوبى لأجواف تحمل هذا! وطوبى لألسن تكلّم  بهذا!

و عن الحسن  قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لا يقرأ أهل الجنّة من القرآن إلّا «يس» و«طه».بسم الله الرحمن الرحيم‏

طه :

فخّمهما  [قالون وابن كثير و]  ابن عامر وحفص ويعقوب على الأصل. وفخّم  الطّاء وحده أبو عمرو لاستعلائه وكذا ورش. وأمالهما الباقون. وهما من أسماء الحروف.

و قد مرّ بعض الاحتمالات في أوّل سورة البقرة.

و قيل : معناه: يا رجل، [على لغة عكّ‏] .

و قرئ : «طه»، على أنّه أمر للرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- بأن يطأ الأرض بقدميه، وأنّ أصله «طأ» فقلبت همزته هاء.

و في كتاب معاني الأخبار  بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ، عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وأمّا «طه» فاسم من أسماء النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. ومعناه: يا طالب الحقّ الهادي إليه.

و في شرح الآيات الباهرة : تأويل «طه» ذكره صاحب نهج الإيمان. قال: في تفسير الثّعلبيّ قال: قال جعفر بن محمّد الصّادق- عليه السّلام- قوله:- عزّ وجلّ-: «طه»، أي: طهارة أهل البيت - عليه السّلام- من الرّجس. ثمّ قرأ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

 

 .

ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى :

خبر  «طه»، إن جعلته مبتدا، على أنّه مؤوّل بالسّورة أو القرآن، والقرآن واقع  فيه موقع العائد. وجوابه، إن جعلته مقسما به. ومنادى له، إن جعلته نداء. واستئناف، إن كانت جملة فعليّة بإضمار مبتدأ، أو طائفة من الحروف محكيّة.

و المعنى: ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب. والشّقاء شائع بمعنى التعب. ومنه: «أشقى‏من رائض المهر»، و«سيّد القوم أشقاهم».

قيل : ولعلّه عدل إليه، للإشعار بأنّه أنزل إليه ليسعد.

و قيل : ردّ وتكذيب للكفرة. فإنّهم لما رأوا كثرة عبادته، قالوا: إنّك لتشقى بترك ديننا، وأنّ القرآن أنزل عليك لتشقى به!

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد عن عليّ بن  أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وأبي جعفر- عليه السّلام- قالا: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا صلّى، قام على أصابع رجليه، حتّى تورّمت. فأنزل اللّه- تبارك وتعالى-: «طه» بلغة طيّ: يا محمّد ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى.

و في أصول الكافي : حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهيب  بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عند عائشة ليلتها. فقالت: يا رسول اللّه، لم تتعب نفسك، وقد غفر [اللّه‏]  لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر!؟ فقال: يا عائشة، ألا أكون عبدا شكورا!؟

قال: وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقوم على أطراف أصابع رجليه.

فأنزل اللّه- سبحانه-: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ولقد قام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عشر سنين على أطراف أصابعه، حتّى تورّمت قدماه، واصفرّ وجهه. يقوم اللّيل أجمع، حتّى عوتب في ذلك، فقال اللّه- عزّ وجلّ-: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى بل لتسعد به.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى ابن عبّاس قال: كنّا جلوسا مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إذ هبط عليه الأمين جبرئيل- عليه السّلام- ومعه جام من البلّور الأحمر، مملوء مسكا وعنبرا. وكان إلى جنب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وولداه الحسن والحسين- عليهما السّلام. فقال له: السّلام عليك. اللّه يقرأ عليك السّلام، ويحيّيك بعده التّحيّة. ويأمرك أن تحيّي عليّا وولديه.

قال ابن عبّاس: فلمّا صارت في كفّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هلّل ثلاثا، وكبّر ثلاثا. ثمّ قال بلسان ذرب طلق- يعني الجام-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

إِلَّا تَذْكِرَةً: لكن تذكيرا.

و انتصابها على الاستثناء المنقطع.

قيل : ولا يجوز أن يكون بدلا من محلّ «تشقى»، لاختلاف الجنسين، ولا مفعولا له ل «أنزلنا». فإنّ الفعل الواحد لا يتعدّى إلى علّتين.

و قيل : هو مصدر في موضع الحال من الكاف أو «القرآن». أم مفعول له، على أنّ «لتشقى» متعلّق بمحذوف هو صفة «القرآن». أي: ما أنزلنا عليك القرآن المنزل لتتعب بتبليغه.

لِمَنْ يَخْشى : لمن في قلبه خشية ورقّة تتأثّر بالإنذار. أو: لمن علم اللّه منه أنّه يخشى بالتّخويف منه، فإنّه المنتفع.

تَنْزِيلًا:

نصب بإضمار فعله. أو ب «يخشى». أو على المدح. أو على البدل من «تذكرة» إن جعل حالا. وإن جعل مفعولا له لفظا أو معنى، فلا. لأنّ الشّي‏ء لا يعلّل بنفسه، ولا بنوعه.

مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى :مع ما بعده إلى قوله: الْأَسْماءُ الْحُسْنى تفخيم لشأن المنزل بعرض  تعظيم المنزل، بذكر أفعاله وصفاته، على التّرتيب الّذي هو عند العقل. فبدأ بخلق الأرض والسّموات الّتي هي أصول العالم. وقدّم الأرض، لأنّها أقرب إلى الحسّ، وأظهر عنده من السّموات العلى- وهو جمع العليا تأنيث الأعلى. ثمّ أشار إلى وجه  إحداث الكائنات وتدبير أمرها، بأن قصد العرش، فأجرى منه الأحكام والتّقادير، وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير، حسبما اقتضته [حكمته، وتعلّقت‏]  به مشيئته، فقال:

الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى :

في كتاب التّوحيد  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال السّائل: فقوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى؟

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: بذلك وصف نفسه. وكذلك هو مستول على العرش، بائن من خلقه. من غير أن يكون العرش حاملا له، ولا أن يكون العرش حاويا له، ولا أن يكون العرش محتازا  له. ولكنّا نقول: هو حامل العرش، وممسك العرش.

و نقول من ذلك ما قال : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. فثبتنا من العرش والكرسيّ ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش أو الكرسيّ حاويا له، وأن يكون- عزّ وجلّ- محتاجا إلى مكان، أو إلى شي‏ء ممّا خلق. بل خلقه محتاجون إليه.

و فيه  خطبة عجيبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: والمستولي  على العرش بلا زوال.

و فيه  عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل يذكر فيه عظمة اللّه- جلّ جلاله. يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله- بعد أن ذكر الأرضين السّبع:

ثمّ السّموات  السّبع ، والبحر المكفوف، وجبال البرد، وحجب النّور، والهواءالّذي تحار  فيه القلوب. وهذه السّبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء والحجب والكرسيّ عند العرش، كحلقة في فلاة. ثمّ تلا هذه الآية: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى.

ما تحمله ملك  إلّا بقول : لا إله إلّا اللّه. ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عبد الرّحمن بن أبي بخران، عن صفوان، عن خلف بن حمّاد، عن الحسين بن زيد  الهاشميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- مثله إلى قوله: استوى.

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى محمّد بن مارد : انّ أبا عبد اللّه- عليه السّلام- سئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. فقال: استوى من كلّ شي‏ء. فليس شي‏ء أقرب إليه من شي‏ء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  مثله.

 

أبي- رحمه اللّه- قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. فقال استوى من كلّ شي‏ء.

فليس شي‏ء أقرب اليه من شي‏ء.]  لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب. استوى من كلّ شي‏ء.

و في الكافي  مثل سواء.

 

و بإسناده  إلى زاذان : عن سلمان الفارسيّ حديث طويل، يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة، مع مائة من النّصارى، بعد قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-و سؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها. ثمّ أرشد إلى أمير المؤمنين [علي بن أبي طالب‏] - عليه السّلام- فسأله عنها، فأجابه. فكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن ربّك، أ يحمل أو يحمل؟

فقال عليّ- عليه السّلام-: إنّ ربّنا- جلّ جلاله- يحمل ولا يحمل.

قال النّصراني: وكيف ذلك، ونحن نجد في الإنجيل: «و يحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية»!؟

فقال عليّ- عليه السّلام-: إنّ الملائكة تحمل العرش. وليس العرش كما تظنّ كهيئة السّرير، ولكنّه شي‏ء محدود مخلوق مدبّر، وربّك- عزّ وجلّ- مالكه، لا أنّه عليه، ككون الشّي‏ء علي الشّي‏ء. وأمر الملائكة بحمله. فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه.

قال النّصرانيّ: قد صدقت. يرحمك اللّه.

و بإسناده  إلى الحسن بن موسى الخشّاب، عن بعض رجاله، رفعه عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى.

فقال: استوى من كلّ شي‏ء. فليس شي‏ء أقرب إليه من شي‏ء.

و بإسناده  إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من زعم أنّ اللّه- عزّ وجلّ- من شي‏ء، أو في شي‏ء، أو على شي‏ء، فقد كفر. قلت: فسّر لي. قال: أعني بالحواية من الشي‏ء له، أو بإمساكه  له، أو من شي‏ء سبقه.

و في رواية أخرى  قال: من زعم أنّ اللّه من شي‏ء، فقد جعله محدثا. ومن زعم أنّ اللّه في شي‏ء، فقد جعله محصورا. ومن زعم أنّه على شي‏ء، فقد جعله محمولا.

و بإسناده  إلى مقاتل بن سليمان قال: سألت جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. فقال: استوى من كلّ شي‏ء. فليس شي‏ء أقرب إليه من شي‏ء.

و بإسناده  إلى الحسن بن محبوب، عن حمّاد قال: قال أبو عبد اللّه- عليه‏

 السّلام-: كذب من زعم أنّ اللّه- عزّ وجلّ- من شي‏ء، أو في شي‏ء، أو على شي‏ء.

و بإسناده  إلى محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من زعم أنّ اللّه من شي‏ء، أو في شي‏ء، أو على شي‏ء، فقد أشرك. ثمّ قال: من زعم أنّ اللّه من شي‏ء، فقد جعله محدّثا. ومن زعم أنّه في شي‏ء، فقد زعم أنّه محصور. ومن زعم أنّه على شي‏ء، فقد جعله محمولا.

و بإسناده  إلى حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن العرش  والكرسيّ. فقال: إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة.

فقوله : رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ يقول: الملك العظيم.

و قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى يقول: على الملك احتوى. وهذا ملك الكيفوفيّة في الأشياء.

ثمّ العرش في الوصل منفرد عن الكرسيّ، لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعا غيبان، وهما في الغيب مقرونان. لأنّ الكرسيّ هو الباب الظّاهر من الغيب الّذي منه يطلع  البدع، ومنه الأشياء كلّها. والعرش هو الباب الباطن الّذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحدّ والأين والمشيئة وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ والحركات والتّرك، وعلم العود والبدء . فهما في العلم بابان مقرونان. لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسيّ، وعلمه أغيب من علم الكرسيّ. فمن ذلك قال: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. أي:

صفته أعظم من صفة الكرسيّ، وهما في ذلك مقرونان.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى الحسن بن عبد اللّه، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فسألوه عن أشياء.

فكان فيما سألوه عنه، أن قال له أحدهم: لم صار البيت المعمور مربّعا؟ قال: لأنّه‏بحذاء العرش [و هو مربّع‏] .

فقيل له: ولم صار العرش مربّعا؟ قال: لأنّ الكلمات الّتي بني  عليها [الإسلام‏]  أربع [و هي‏] : سبحان اللّه. والحمد للّه. ولا إله إلّا اللّه. واللّه أكبر.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث. وفيه. قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى، يعني: استوى تدبيره، وعلا أمره.

و عن الحسن بن راشد  قال: سئل أبو الحسن بن  موسى- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. [فقال: استولى‏]  على ما دقّ وجلّ.

و في أصول الكافي  خطبة مرويّة عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: والمستولي  على العرش بلا زوال.

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى :

 [الثّرى: التّراب النّديّ.

و في كتاب الخصال : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه تلا هذه الآية فقال:

فكلّ شي‏ء على الثّرى. والثّرى‏]  على القدرة. والقدرة تحمل كلّ شي‏ء.

و في كتاب التّوحيد  حديث طويل عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يذكر فيه عظمة اللّه- جلّ جلاله. وفيه يقول- عليه السّلام- بعد أن ذكر الأرضين السّبع وما فيهنّ وما عليهنّ:

و السّموات السّبع ومن فيهنّ ومن عليهنّ على ظهر الدّيك، كحلقة في فلاة قيّ .

و الدّيك له [جناحان:]  جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، ورجلاه في التّخوم. .

و السّبع والدّيك بمن فيه ومن عليه، على الصّخرة، كحلقة في فلاة قيّ.

و السّبع  والدّيك والصّخرة بمن فيها ومن عليها، على ظهر الحوت، كحلقة في فلاة قيّ.

و السّبع والدّيك والصّخرة والحوت، عند البحر المظلم، كحلقة في فلاة قيّ.

و السّبع والدّيك والصّخرة والحوت والبحر المظلم، عند الهواء [كحلقة في فلاة قيّ.

و السّبع والدّيك والصّخرة والبحر المظلم والهواء]  عند الثّرى، كحلقة في فلاة قيّ.

ثمّ تلا هذه الآية: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى. ثمّ انقطع الخبر.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن صفوان، عن خلف بن حمّاد، عن الحسين بن زيد  الهاشميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- مثله.

 

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد  رفعه قال: قال عليّ- عليه السّلام- ليهوديّ- وقد سأله عن مسائل-: أمّا قرار هذه الأرض، لا يكون إلّا على عاتق ملك. وقدما ذلك الملك على صخرة. والصّخرة على قرن ثور. والثّور قوائمه على ظهر الحوت. [و الحوت ] في اليمّ الأسفل. واليمّ على الظّلمة.

و الظلمة على العقيم. والعقيم على الثّرى. وما يعلم تحت الثّرى إلّا اللّه- تعالى.

و الحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عليّ بن مهزيار، عن العلاء  المكفوف، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

 قال: سئل عن الأرض على أي شي‏ء هي. قال: على الحوت.

قيل له: فالحوت على أيّ شي‏ء هو؟ قال: على الماء.

فقيل له: فالماء على أيّ شي‏ء هو؟ قال على الثّرى.

قيل له: فالثّرى على أيّ شي‏ء هو؟ قال عند ذلك انقضى علم العلماء.

محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن سهل، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الأرض على أيّ شي‏ء هي. قال: على الحوت.

قلت: فالحوت على أيّ شي‏ء هو؟ قال: على الماء.

قلت: فالماء على أيّ شي‏ء هو؟ قال: على الصّخرة.

قلت: فعلى أيّ شي‏ء الصّخرة؟ قال: على قرن ثور أملس.

قلت: فعلى أيّ شي‏ء [الثّور؟ قال: على الثّرى.

قلت: فعلى أيّ شي‏ء]  الثّرى؟ قال: هيهات! هيهات! عند ذلك ضلّ علم العلماء.

و في روضة الكافي : محمّد، عن  أحمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

 

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد وعبد اللّه بن عامر، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر الجعفيّ  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول- وقد ذكر أئمّة الهدى عليهم السّلام-: وجعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد بأهلها والحجّة البالغة على من فوق  الأرض ومن تحت الثّرى.

و في أصول الكافي  بإسناده إلى المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-

 حديث طويل يذكر فيه الأئمّة- عليه السّلام. وفيه: جعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد بأهلها، والحجّة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثّرى.

و بإسناده  إلى سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل يذكر فيه حال الأئمّة- عليهم السّلام. وفيه، جعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد بأهلها»

، والحجّة البالغة  على من فوق الأرض ومن تحت الثّرى.

وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى : وإن تجهر بذكر اللّه ودعائه، فاعلم أنّه غنيّ عن جهرك، فإنّه يعلم السّرّ وأخفى منه، وهو ضمير النّفس.

و فيه تنبيه على أنّ شرع الذّكر والدّعاء والجهر فيهما، ليس لإعلام اللّه تعالى، بل لتصوير النّفس بالذّكر ورسوخه فيها، ومنعها عن الاشتغال بغيره، وهضمها بالتّضرّع والابتهال.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه - رضي اللّه عنه- قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ قال: حدّثني موسى بن سعدان الحنّاط ، عن عبد اللّه بن القاسم، عن عبد اللّه بن مسكان عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: يَعْلَمُ السِّرَّ [وَ أَخْفى. قال: «السّرّ»]  ما أكننته  في نفسك. و«أخفى» ما خطر ببالك، ثمّ أنسيته.

و في مجمع البيان : وروي عن السّيّدين الباقر والصّادق- عليهما السّلام-: «السّرّ» ما أخفيته في نفسك. و«أخفى» ما خطر ببالك، ثمّ أنسيته.

ثمّ لمّا ظهر بذلك أنّه المستجمع لصفات الألوهيّة، بيّن أنّه المتفرّد بها والمتوحّد بمقتضاها. فقال:

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى : الحسنى: تأنيث الأحسن.في مجمع البيان : روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: إنّ للّه- سبحانه- تسعة وتسعين اسما. من أحصاها، دخل الجنّة.

وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى :

قيل : قفّى تمهيد نبوّته قصّة موسى- عليه السّلام- ليأتمّ به في تحمّل  أعباء النّبوّة وتبليغ الرّسالة والصّبر على مقاساة الشّدائد. فإنّ السّورة من أوائل ما نزل.

إِذْ رَأى ناراً:

ظرف للحديث، لأنّه حدث. أو مفعول لا ذكر.

قيل : إنّه استأذن شعيبا- عليه السّلام- في الخروج إلى أمّه، وخرج بأهله. فلمّا وافى وادي طوى- وفيه الطّور- ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة. وكانت ليلة الجمعة. وقد ضلّ الطّريق، وتفرّقت ماشيته، إذ رأى من جانب الطّور نارا.

فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا: أقيموا مكانكم.

و قراء  حمزة: «لأهله امكثوا» هنا، وفي القصص  بضمّ الهاء في الوصل. والباقون بكسرها فيه.

إِنِّي آنَسْتُ ناراً: أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه.

و قيل : الإيناس: إبصار ما يؤنس به.

لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ: بشعلة من النّار.

و قيل : جمرة.

أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً : هاديا يدلّني على الطّريق.

قيل : أو يهديني أبواب  الدّين. فإنّ أفكار الأبرار مائلة إليها، في كلّ ما يعنّ  لهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام [في قوله: آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ‏]  يقول: «آتيكم» بقبس من النّار، تصطلون من البرد. [و قوله:]  أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً. كان قد أخطأ الطّريق. يقول: أو أجد على النّار طريقا.

و لمّا كان حصولهما مترقّبا، بني الأمر فيهما على الرّجاء بخلاف الإيناس. فإنّه كان محقّقا لهم، ولذلك حقّقه لهم، ليوطّنوا أنفسهم عليه.

و معنى الاستعلاء في «على» أنّ أهلها مشرفون عليها، أو مستعلون المكان القريب منها. كما قال سيبويه في «مررت بزيد»: إنّه لصوق بمكان يقرب منه.

فَلَمَّا أَتاها:

قيل : أتى النّار وجد نارا بيضاء تتّقد في شجرة خضراء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  عن أبي جعفر- عليه السّلام-: فأقبل نحو النّار يقتبس.

فإذا شجرة ونار تلتهب عليها. فلمّا ذهب نحو النّار يقتبس منها، أهوت إليه. ففزع منها، وعدا، ورجعت النّار إلى الشّجرة. فالتفت إليها، وقد رجعت إلى الشّجرة. فرجع الثّانية ليقتبس، فأهوت إليه. فعدا، وتركها. ثمّ التفت [إليها، وقد رجعت‏]  إلى الشّجرة. فرجع إليها الثّالثة، فأهوت إليه. فعدا، وَلَمْ يُعَقِّبْ ، أي: لم يرجع. فناداه اللّه - عزّ وجلّ.

و سيأتي تمام الحديث في سورة القصص- إن شاء اللّه.

نُودِيَ يا مُوسى  إِنِّي أَنَا رَبُّكَ:

فتحه  ابن كثير وأبو عمرو أي: بأنّي. وكسره الباقون بإضمار القول وإجراء النّداء مجراه.

و تكرير الضّمير للتّوكيد والتّحقيق.

قيل : إنّه لمّا نودي، قال: من المتكلّم؟ قال: إنّي أنا اللّه. فوسوس إليه إبليس:

لعلّك تسمع كلام شيطان! فقال: إنّي عرفت أنّه كلام اللّه، بأن أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء. وهو إشارة إلى أنّه- عليه السّلام- تلقّى من ربّه كلامه  روحانيّا، ثمّ تمثّل ذلك الكلام لبدنه، وانتقل إلى الحسّ المشترك، فانتقش به، من غير اختصاص‏بعضو وجهة.

فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ:

أمره بذلك، إمّا لأنّ الحفوة تواضع للّه وأدب، أو لنجاسة نعليه، أو لكليهما.

و ما في تفسير عليّ بن إبراهيم  في حديث أبي جعفر- عليه السّلام- قال: «كانتا من جلد حمار ميّت» محمول على الإنكار.

و كذا ما روي في من لا يحضره الفقيه  عن الصّادق- عليه السّلام- مثل.

 

و يمكن أن يكون معناه: فرّغ قلبك من حبّ الأهل والمال.

يدّ عليه‏

ما روى في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  بإسناده إلى سعد بن عبد اللّه القمّيّ، عن الحجّة القائم- عليه السّلام- حديث طويل وفيه: قلت: فأخبرني يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن أمر اللّه لنبيّه موسى- عليه السّلام-: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً . فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة.

قال- صلوات اللّه عليه-: من قال ذلك، فقد افترى على موسى- عليه السّلام- واستجهله في نبوّته. لأنّه ما خلا الأمر فيها من خصلتين : إمّا أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة [أو غير جائزة].  [فإن كانت صلاته جائزة،]»

 جاز له لبسهما في تلك البقعة . وإن كانت مقدّسة مطهّرة، فليست بأقدس وأطهر من الصّلاة. وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما، فقد أوجب على موسى- عليه السّلام- أنّه لم يعرف الحلال من الحرام وما علم ما جاز  فيه الصّلاة وما لم يجز. وهذا كفر.

قلت: فأخبرني- يا مولاي- عن التّأويل فيها .

قال- صلوات اللّه عليه-: إنّ موسى ناجى ربّه  بالواد المقدّس فقال: يا ربّ،إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي، وغسلت قلبي عمّن سواك. وكان شديد الحبّ لأهله.

فقال اللّه- تعالى-: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ. أي: انزع حبّ أهلك من قلبك، إن كانت محبّتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسول.

و روي : أي: خوفك من ضياع أهلك، وخوفك من فرعون.

و روي  عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال لبعض أصحابه: كن لما لا ترجو، أرجى منك لما ترجو. فإنّ موسى بن عمران خرج ليقتبس لأهله نارا، فرجع إليهم وهو رسول نبيّ.

و في مجمع البيان : وقال الصّادق- عليه السّلام-: حدّثني أبي عن جدّي، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: كن لما لا ترجو، أرجى منك لما ترجو. فإنّ موسى بن عمران- عليه السّلام- خرج ليقتبس لأهله نارا، فكلّمه اللّه- عزّ وجلّ- فرجع نبيّا.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ:

تعليل للأمر باحترام البقعة.

في كتاب علل الشّرائع  [بإسناده إلى‏]  عبد اللّه بن يزيد بن سلام أنّه سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: أخبرني عن الواد المقدّس [لم سمّي المقدّس‏] ؟

فقال: لأنّه قدّست فيه الأرواح، واصطفيت فيه الملائكة، وكلّم اللّه- عزّ وجلّ- موسى تكليما.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

طُوىً :

علم البقعة. عطف بيان للوادي.

و نوّنه  ابن عامر والكوفيّون بتأويل المكان.

و قيل : هو كثنى من الطّيّ مصدر ل «نودي». أو «المقدّس». أي: نودي نداءين أو قدّس مرّتين.و في الخرائج والجرائح : قال عليّ بن أبي حمزة: كنت مع موسى- عليه السّلام- بمنى. ثمّ مضى إلى داره بمكّة. فأتيته- وقد صلّى المغرب- فدخلت عليه. فقال: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً. فخلعت نعليّ، وجلست معه.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ: اصطفيتك للنّبوّة.

و قرئ : «و إنّا اخترناك».

فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى : للّذي يوحى إليك، أو للوحي.

و اللّام تحتمل التّعلّق بكلّ من الفعلين.

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي:

بدل ممّا يوحى، دالّ على أنّه مقصور على التّوحيد- الّذي هو منتهى العلم- والأمر بالعبادة، الّتي هي كمال العمل.

وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي :

قيل : خصّها بالذّكر وأفردها بالأمر، للعلّة التي أناط بها إقامتها، وهي: تذكّر المعبود، وشغل القلب واللّسان بذكره.

و قيل : «لذكري» لأنّي ذكرتها في الكتب، وأمرت بها. أو: لأن أذكرك بالثّناء.

أو: لذكري خاصّة لا ترائي بها [و لا تشوبها]  بذكر غيري. أو: لأوقات ذكري، وهي مواقيت الصّلاة.

و قيل : لذكر صلاتي، لما روى أنس عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من نسي صلاة، فليصلّها إذا ذكرها، ولا كفّارة عليه غير ذلك. وقرأ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي. رواه مسلم في الصّحيح. كذا في مجمع البيان.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد جميعا، عن القاسم بن عروة، عن عبيد بن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا فاتتك صلاة، فذكرتها في وقت أخرى، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت الّتي‏فاتتك، كنت من الأخرى في وقت، فابدأ بالّتي فاتتك. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي. وإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت الّتي فاتتك، [فاتتك‏]  الّتي بعدها، فابدأ بالّتي أنت في وقتها، فصلّها. ثمّ أقم الأخرى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي قال: إذا نسيتها، ثمّ ذكرتها، فصلّها.

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ: كائنة لا محالة.

أَكادُ أُخْفِيها:

قيل : أريد إخفاء وقتها. أو: أقرب أن أخفيها فلا أقول إنّها آتية. ولولا ما في الأخبار بإتيانها من اللّطف وقطع الأعذار، ما أخبرت به. أو: أكاد أظهرها. من أخفاه:

إذا سلب خفاءه. ويؤيّده القراءة بالفتح من خفاه: إذا أظهره.

و في مجمع البيان : وروى ابن عبّاس «أكاد أخفيها أخفيها  من نفسي». وهي كذلك في قراءة أبيّ. وروي ذلك عن الصّادق- عليه السّلام.

و. في جوامع الجامع : و. في مصحف أبيّ: «أكاد أخفيها من نفسي». وروي ذلك عن الصّادق- عليه السّلام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أَكادُ أُخْفِيها قال: «من نفسي». هكذا نزلت.

قلت: كيف يخفيها؟ قال: جعلها من غير وقت.

لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى :

متعلّق ب «آتية» أو ب «أخفيها» بمعنى أظهرها.

فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها: عن تصديق السّاعة، أو عن الصّلاة مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها:

نهى الكافر عن أن يصدّ موسى عنها. والمراد نهيه أن ينصدّ عنها، تنبيها على أنّ‏الفطرة  السّليمة لو خلّيت بحالها، لاختارها، ولم يعرض عنها. وأنّه ينبغي أن يكون راسخا في دينه. فإنّ صدّ الكافر إنّما يكون بسبب ضعفه فيه.

وَ اتَّبَعَ هَواهُ، أي: ميل نفسه إلى اللّذّات المحسوسة المخدجة، فقصر نظره عليها.

فَتَرْدى  فتهلك بالانصداد بصدّه.

و الظّاهر أنّ خطاب موسى- عليه السّلام- بعدم الانصداد بصدّ الكافر، للتّعريض بغيره، بأنّه يجب أن لا ينصدّ بصدّ إبليس أو كافر آخر ممّن تبع  هواه. والتّنبيه على أنّه مع كونه نبيّا كليما، لو انصدّ بصدّ الكافر، ومال عن الحقّ لوقع في الهلاك والعذاب الدّائم، فكيف بغيره! وَما تِلْكَ:

استفهام يتضمّن استيقاظا لما يريه فيها من العجائب.

بِيَمِينِكَ:

حال من معنى الإشارة.

و قيل : صلة «تلك».

يا مُوسى :

تكرير لزيادة الاستئناس والتّنبيه.

قالَ هِيَ عَصايَ:

و قرئ : «عصيّ» على لغة هزيل.

قيل : كانت العصا من آس الجنّة، أخرجها آدم- عليه السّلام- وتوارثها الأنبياء، إلى أن بلغ شعيبا، فدفعها إلى موسى.

و قيل : كانت من عوسج. وكان طولها عشرة أذرع، على مقدار قامة موسى.

أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها: أعتمد عليها إذا عييت، أو وقفت على رأس القطيع.

وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي: وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي.

و قرئ : «أهشّ»- من باب الإفعال- وكلاهما من: هشّ الخبز يهشّ: إذا انكسر لهشاشته.

و قرئ  بالسّين من الهسّ، وهو: زجر الغنم. أي: أنحي عليها زاجرا لها.

وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى : حاجات أخر: مثل أن كان إذا سار، ألقاها على عاتقه، فعلّق بها أدواته، وإذا كان في البرّيّة، ركزها وعرض الزّندين على شعبتيها، وألقى عليها الكساء واستظلّ به، وإذا قصر الرّشاء، وصله بها، وإذا تعرّضت السّباع لغنمه، قاتل بها.

قيل : فكأنّ موسى- عليه السّلام- فهم أنّ المقصود من السّؤال أن يذكر حقيقتها، وما يرى من منافعها، حتّى إذا رآها بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة، ووجد منها خصائص أخرى خارقة للعادة- مثل أن تشتعل شعبتاها باللّيل كالشّمع، وتصيران دلوا عند الاستقاء وتطول بطول البئر، وتحارب عنه إذا ظهر عدوّه، وينبع الماء بركزها، وينضبّ بنزعها، وتورق وتثمر إذا اشتهى ثمرة فركزها- علم أنّ ذلك آيات باهرة ومعجزات قاهرة أحدثها اللّه فيها لأجله، وليست من خواصّها. فذكر حقيقتها [و منافعها]»

 مفصّلا ومجملا، على معنى أنّها من جنس العصيّ تنفع منافع أمثالها، ليطابق جوابه الغرض الّذي فهمه.

قالَ أَلْقِها يا مُوسى .

فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى :

قيل : لمّا ألقاها، انقلبت حيّة صفراء بغلظ العصا. ثمّ تورّمت وعظمت. فلذلك سمّاها «جانّا»  تارة، نظرا إلى المبدأ، و«ثعبانا»  مرّة باعتبار المنتهى، و«حيّة» أخرى بالاسم الّذي يعمّ الحالين.

و قيل : كانت في ضخامة الثّعبان وجلادة الجانّ. ولذلك قال: كَأَنَّها جَانٌّ.