سورة طه الآية 101-120

خالِدِينَ فِيهِ: في الوزر. أو: في حمله.

و الجمع فيه والتّوحيد في «أعرض» للحمل» على المعنى واللّفظ.

وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا ، أي: بئس لهم.

ففيه ضمير يفسّره «حملا». والمخصوص بالذّمّ محذوف. أي: ساء حملا وزرهم.و اللّام في «لهم» للبيان كما في «هيت لك» . ولو جعلت «ساء» بمعنى أحزن  والضّمير الّذي فيه للوزر، أشكل أمر اللّام ونصب «حملا»  ولم يفد مزيد معنى .

يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ:

و قرأ  أبو عمرو بالنّون، على إسناد النّفخ إلى الآمر به تعظيما له أو للنّافخ.

و قرئ  بالياء المفتوحة، على أنّ فيه ضمير اللّه، أو ضمير إسرافيل- وإن لم يجر ذكره- لأنّه المشهور بذلك.

و قرئ : «في الصّور». وهو جمع صورة. وقد سبق بيان  ذلك.

وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ:

و قرئ : «و يحشر المجرمون».

زُرْقاً : زرق العيون.

وصفوا بذلك، لأنّ الزّرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب. فإنّ الرّوم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق. [و لذلك قالوا في صفة العدوّ: أسود الكبد، أصهب السّبال ، أزرق العين. أو: عميا. فإنّ حدقة الأعمى تزرقّ‏] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : تكون أعينهم [مزراقة لا يقدرون أن يطرفوها.و قيل : عطاش  يظهر في أعينهم‏]  كالزّرقة.

يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ: يخفضون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرّعب والهول.

و الخفت: خفض الصّوت وإخفاؤه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يشير بعضهم إلى بعض.

إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً :

أي في الدّنيا. يستقصرون مدّة لبثهم فيها، لزوالها، أو لاستطالتهم مدّة الآخرة، أو لتأسّفهم عليها لمّا عاينوا الشّدائد، وعلموا أنّهم استحقّوها على إضاعتها في قضاء الأوطار واتّباع الشّهوات.

أو: في القبر، لقوله : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ (إلى آخر الآيات).

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ- وهو مدّة لبثهم- إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً:

أعدلهم رأيا أو عملا: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً :

استرجاح  لقول من يكون أشدّ تفاؤلا  منهم.

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ عن مآل أمرها.

قيل : وقد سأل عنها رجل من ثقيف.

فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً : يجعلها كالرّمل، ثمّ يرسل عليها الرّياح فتفرّقها.

فَيَذَرُها: فيذر مقارّها، أو الأرض.

و إضمارها من غير ذكر، لدلالة الجبال عليها، كقوله : ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ.

قاعاً: خاليا صَفْصَفاً : مستويا، كأنّ أجزاءها على صفّ واحد.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : القاع: الّذي لا تراب عليه. والصّفصف: الّذي لا نبات له.

لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً : اعوجاجا ولا نتوء، إن تأمّلت فيها بالقياس الهندسيّ.

قيل : وثلاثتها أحوال مترتّبة، فالأوّلان باعتبار الإحساس، والثّالث باعتبار المقياس. ولذلك ذكر العوج- بالكسر - وهو يخصّ المعاني، والأمت وهو النّتوء اليسير.

و قيل : «لا ترى» استئناف مبيّن للحالين.

و في عيون الأخبار  بإسناده إلى عليّ بن النّعمان، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، إنّ بي ثآليل  كثيرة، وقد اغتممت بأمرها. فأسألك أن تعلّمني شيئا أنتفع به.

فقال- عليه السّلام-: خذ لكلّ ثؤلول  سبع شعيرات. واقرأ على كلّ شعيرة سبع مرّات: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ- إلى قوله:- فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا  وقوله- عزّ وجلّ-:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً. ثمّ  تأخذ الشّعير شعيرة [شعيرة] . فامسح بها على كلّ ثؤلول. ثمّ صيّرها في خرقة جديدة واربط  على الخرقة حجرا، وألقها في كنيف.

قال: ففعلت. فنظرت إليها يوم السّابع، فإذا هي مثل راحتي. وينبغي أن يفعل  ذلك في محاق الشّهر.

يَوْمَئِذٍ، أي: يوم إذ نسفت. على إضافة اليوم إلى وقت النّسف. ويجوز أن يكون بدلا ثانيا من يوم القيامة.

يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ: داعي اللّه إلى المحشر.

قيل : هو إسرافيل يدعو النّاس قائما على صخرة بيت المقدس، فيقبلون من كلّ أوب إلى صوبه.

لا عِوَجَ لَهُ: لا يعوجّ له مدعوّ، ولا يعدل عنه.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا محمّد بن همّام بن سهيل ، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام- عن أبيه- عليهم السّلام- قال: سألت أبي عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ. قال:

الدّاعي أمير المؤمنين.

وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ: خضعت  لمهابته.

فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً : صوتا خفيّا. ومنه الهميس لصوت أخفاف الإبل.

و قد فسّر الهمس بخفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي محمّد الوابشيّ، عن أبي الورد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، جمع اللّه- عزّ وجلّ- النّاس في صعيد واحد حفاة عراة.

فيوقفون في المحشر، حتّى يعرقوا عرقا شديدا، وتشتدّ أنفاسهم. فيمكثون في ذلك مقدار  خمسين عاما. وهو قول اللّه: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً.

قال : ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش: أين النّبيّ الأمّي؟ فيقول النّاس: قد أسمعت فسمّه  باسمه. فينادي: أين نبيّ الرّحمة؟ أين محمّد بن عبد اللّه الأمّي؟

فيتقدّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أمام النّاس  كلّهم، حتّى ينتهي إلى‏حوض طوله ما بين إيلة وصنعاء، فيقف عليه. فينادى بصاحبكم. فيتقدّم عليّ أمام النّاس. فيقف معه.

ثمّ يؤذن للنّاس، فيمرّون. فبين وارد الحوض يومئذ  وبين مصروف عنه.

فإذا رأى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من يصرف عنه  من محبّينا، يبكي .

فيقول: يا ربّ! شيعة عليّ [أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النّار، ومنعوا ورود حوضي!] .

قال: قال: فيبعث اللّه إليه ملكا، فيقول له: ما يبكيك يا محمّد؟ فيقول: أبكي لأناس من شيعة عليّ [أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النّار، ومنعوا ورود الحوض.

قال:]  فيقول له الملك: إنّ اللّه يقول [لك: يا محمّد، إنّ شيعة عليّ‏]  قد وهبتهم لك يا محمّد وصفحت لهم عن ذنوبهم، بحبّهم لك ولعترتك. وألحقتهم بك وبمن كانوا يقولون  به. وجعلناهم في زمرتك. فأوردهم حوضك.

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فكم من باك يومئذ وباكية ينادون: «يا محمّد!»  إذا رأوا ذلك. ولا يبقى أحد يومئذ يتوالانا ويحبّنا، ويتبرّأ من عدوّنا ويبغضهم، إلّا كانوا في حزبنا ومعنا ويردون  حوضنا.

يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ:

الاستثناء من الشّفاعة. أي: إلا شفاعة من أذن. أو من أعمّ المفاعيل. أي: من أذن في أن يشفع له، فإنّ الشّفاعة تنفعه. ف «من» على الأوّل مرفوع على البدليّة. وعلى الثّاني منصوب على المفعوليّة.

وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا ، أي: ورضي لمكانه عند اللّه قوله في الشّفاعة. أو:

رضي لأجله قول الشّافع في شأنه، أو قوله لأجله وفي شأنه.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن‏

 همّام ، عن محمّد بن إسماعيل  العلويّ، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: سمعت أبي يقول، ورجل يسأله عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: [يَوْمَئِذٍ]  لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ [قَوْلًا.

قال:

لا ينال شفاعة محمّد يوم القيامة، إلّا من أذن له بطاعة آل محمّد، ورضي له‏]  قولا وعملا فيهم، فحيي على مودّتهم، ومات عليها، فرضي اللّه قوله وعمله فيهم. ثمّ قال:

 «و عنت الوجوه للحيّ القيّوم وقد خاب من حمل ظلما لآل محمّد». كذا نزلت.

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: ما تقدّم من الأحوال. وَما خَلْفَهُمْ: [و ما بعدهم ممّا يستقبلونه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم:  قال: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ما مضى من أخبار الأنبياء.

وَ ما خَلْفَهُمْ‏]  من أخبار القائم- عليه السّلام.

وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً : ولا يحيط علمهم بمعلوماته.

و قيل : بذاته.

و قيل : الضّمير لأحد الموصولين، أو لمجموعهما، فإنّهم لم يعلموا جميع ذلك، ولا تفصيل ما علموا منه.

و في كتاب التّوحيد  حديث طويل عن عليّ- عليه السّلام- يقول فيه- وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات في هذه الآية-:

لا يحيط الخلائق باللّه- عزّ وجلّ- علما، [إذ هو]1»- تبارك وتعالى- جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، ولا قلب يثبته بالحدود. فلا تصفه  إلّا كما وصف نفسه. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ [وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  العليم ، الأوّل والآخر،و الظّاهر والباطن، الخالق البارئ المصوّر. خلق الأشياء فليس من الأشياء شي‏ء]  مثله- تبارك وتعالى.

و في أصول الكافي : أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام. فاستأذنته في ذلك. فأذن. فدخل عليه. فسأله عن الحلال والحرام [و الأحكام‏] ، حتّى بلغ سؤاله إلى التّوحيد.

فقال أبو قرّة: إنا روينا أنّ اللّه قسّم الرّؤية والكلام بين نبيّين. فقسّم الكلام لموسى، ولمحمّد الرّؤية.

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: فمن المبلّغ عن اللّه إلى الثّقلين من الجنّ والإنس:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ  ولا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ !؟ أليس محمّد!؟

قال: بلى.

قال: كيف يجي‏ء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنّه جاء من عند اللّه، وأنّه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه، فيقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ولا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما، وهو على صورة البشر!؟ أما تستحيون!؟ ما قدرت الزّنادقة [أن ترميه‏]  بهذا أن يكون يأتي من عند اللّه بشي‏ء، ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر- إلى قوله- عليه السّلام-:

و قد قال اللّه : وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً. فإذا رأته الأبصار، فقد أحاطت به العلم، ووقعت المعرفة.

فقال أبو قرّة: فتكذّب بالرّوايات!؟

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: إذا كانت الرّوايات مخالفة للقرآن، كذّبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علما، ولا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ.و في كتاب التّوحيد  خطبة عن عليّ- عليه السّلام- و. فيها: قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح  العقول. وتحيّرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليّته.

وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ: ذلّت وخضعت له خضوع العناة- وهم الأسارى في يد الملك القاهر.

و ظاهرها يقتضي العموم. ويجوز أن يراد بها وجوه المجرمين. فيكون اللّام بدل الإضافة.

و في كتاب التّوحيد  خطبة لعليّ- عليه السّلام- وفيها: وعنت الوجوه من مخافته.

و في نهج البلاغة : وتعنو الوجوه لعظمته.

وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً :

يحتمل الحال والاستئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم.

وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ بعض الطّاعات وَهُوَ مُؤْمِنٌ- إذ الأيمان شرط في صحّة الطّاعات وقبول الخيرات- فَلا يَخافُ ظُلْماً: [منع ثواب مستحقّ بالوعد]  وَلا هَضْماً : ولا كسرا منه بنقصان، أو جزاء ظلم وهضم، لأنّه لم يظلم غيره ولم يهضم حقّه.

و قرئ : «فلا يخف» على النّهي.

و في الحديث السّابق المنقول عن الآيات الباهرة  عن أبي جعفر- عليه السّلام- ثمّ قال: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً قال: مؤمن بمحبّة آل محمّد، ومبغض لعدوّهم.

وَ كَذلِكَ:

عطف على «كذلك [نقصّ» . أي: مثل ذلك‏]  الإنزال. أو: مثل إنزال هذه الآيات المتضمّنة للوعيد.أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا كلّه على هذه الوتيرة وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ:

مكرّرين فيه آيات الوعيد.

لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ المعاصي، فتصير التّقوى لهم ملكة أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً : عظة واعتبارا حين يسمعونها، فيثبّطهم عنها. ولهذه النّكتة أسند التّقوى إليهم والإحداث إلى القرآن.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: وروي عن صفوان بن يحيى قال:

 

قال أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام- لأبي قرّة صاحب شبرمة: التّوراة والإنجيل [و الزبور]  والفرقان وكلّ كتاب أنزل ، كان كلام اللّه أنزله للعالمين نورا  وهدى.

و هي كلّها محدّثة، وهي غير اللّه، حيث يقول: أَوْ  يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً.

فَتَعالَى اللَّهُ  في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم، كما لا يماثل ذاته ذاتهم.

و في أصول الكافي  خطبة مرويّة عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: والمتعالي على الخلق بلا تباعد منهم، ولا ملامسة منه لهم.

الْمَلِكُ النّافذ أمره ونهيه، الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده.

الْحَقُّ في ملكوته يستحقّه لذاته. أو: الثّابت في ذاته وصفاته.

وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ:

قيل : نهي عن الاستعجال في تلقّي الوحي من جبرئيل ومساوقته [في القراءة]  حتّى يتمّ وحيه، بعد ذكر الإنزال، على سبيل الاستطراد.

و قيل : نهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتي بيانه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا نزل‏عليه القرآن، بادر بقراءته قبل نزول تمام الآية والمعنى. فأنزل اللّه: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، أي: يفرغ من قراءته.

وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ، أي: سل اللّه زيادة العلم بدل الاستعجال. فإنّ ما أوحي إليك، تناله لا محالة.

و في أصول الكافي  بإسناده إلى أبي يحيى الصّنعانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لي: يا أبا يحيى، لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشّأن.

قال: قلت: جعلت فداك، وما ذلك؟

قال: يؤذن لأرواح الأنبياء- عليه السّلام- الموتى، وأرواح الأوصياء الموتى، وروح الوصيّ الّذي بين أظهركم، يعرج بها إلى السّماء، حتّى توافى عرش ربّها. فتطوف به أسبوعا. وتصلّي عند كلّ قائمة من قوائم العرش ركعتين. ثمّ تردّ إلى الأبدان الّتي كانت فيها. فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سرورا. ويصبح الوصيّ الّذي بين ظهرانيكم، وقد زيد في علمه مثل جمّ الغفير.

و بإسناده  إلى المفضّل قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام- ذات يوم- وكان لا يكنّيني قبل ذلك-: يا أبا عبد اللّه! قال: قلت: لبّيك. قال: إنّ لنا في كلّ ليلة جمعة سرورا.

قال: قلت: زادك اللّه. وما ذلك؟ قال: إذا كان ليلة الجمعة، وافى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- العرش، ووافى الأئمّة- عليه السّلام- معه، ووافينا معهم. فلا تردّ أرواحنا إلى أبداننا إلّا بعلم مستفاد. ولو لا ذلك لأنفدنا.

و بإسناده» إلى يونس، أو المفضّل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [نحوه بتغيير يسير.

 

و بإسناده  إلى صفوان بن يحيى قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام-]  يقول: كان جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- يقول : لولا أنّا نزداد، لأنفدنا. [و بإسناده  إلى ذريح المحاربيّ قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا ذريح، لو لا أنّا نزداد، لأنفدنا.]

 

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن ثعلبة، عن زرارة قال:

 

سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: لولا أنّا نزداد، لأنفدنا.

قال: قلت تزدادون شيئا لا يعلمه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله؟

قال: أما إنّه إذا كان ذلك، عرض على رسول اللّه، ثمّ على الأئمّة، ثمّ انتهى الأمر إلينا.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ليس يخرج شي‏ء من عند اللّه- عزّ وجلّ- حتّى يبدأ برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ بأمير المؤمنين- عليه السّلام- ثمّ بواحد بعد واحد. لكي لا يكون آخرنا أعلم من أوّلنا.

و في مجمع البيان : روت عائشة عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما يقرّبني إلى اللّه، فلا بارك اللّه لي في طلوع شمسه.

و في من لا يحضره الفقيه . وروى المعلّى بن محمّد البصريّ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عمرو بن زياد، عن مدرك بن عبد الرّحمن، عن أبي عبد اللّه الصّادق  جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، جمع اللّه- عزّ وجلّ- النّاس في صعيد واحد، ووضعت الموازين. فيوزن دماء الشّهداء مع مداد العلماء. فيرجح مداد العلماء على دماء الشّهداء.

و في علل الشّرائع  بإسناده إلى أبي الدّرداء قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يجمع العلماء يوم القيامة ويقول لهم: لم أضع نوري وحكمتي في صدوركم، إلّا وأنا أريد بكم خير الدّنيا والآخرة. اذهبوا فقد غفرت لكم على ما كان منكم.وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ: ولقد أمرناه.

يقال: تقدّم الملك إليه، وأوعز إليه وعزم عليه، وعهد إليه: إذا أمره. واللّام جواب قسم محذوف.

قيل : وإنّما عطف قصّة آدم على قوله: وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ للدّلالة على أنّ أساس بني آدم على العصيان، وعرقهم راسخ في النّسيان.

مِنْ قَبْلُ: من قبل هذا الزّمان فَنَسِيَ العهد ولم يعتن به حتّى غفل عنه.

وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً : تصميم رأي وثباتا.  على الأمر.

و هو إن كان من الوجود الّذي بمعنى العلم، ف «له عزما» مفعولاه. وإن كان من الوجود المناقض للعدم، ف، «له» حال من «عزما» أو متعلّق ب «نجد».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: فيما نهاه عنه من  أكل الشّجرة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن محمّد بن الفضل ، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- عهد إلى آدم- عليه السّلام- أن لا يقرب الشّجرة.

فلمّا بلغ الوقت الّذي كان في علم اللّه- تبارك وتعالى- أن يأكل منها، نسي، فأكل منها. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ- تبارك وتعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنا (الآية).

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضل ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- عهد إلى آدم- عليه السّلام- أن لا يقرب هذه‏الشّجرة. فلمّا بلغ الوقت الّذي كان في علم اللّه أن يأكل منها، نسي، فأكل منها.

و هو قول اللّه- تعالى-: وَلَقَدْ عَهِدْنا (الآية).

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية قال: فقال:

 [إنّ اللّه‏] - عزّ وجلّ- لمّا قال لآدم: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ  قال له: يا آدم، لا تقرب هذه الشّجرة. قال: وأراه إيّاها. فقال آدم لرّبّه: كيف أقربها، وقد نهيتني عنها أنا وزوجتي!؟

قال: فقال لهما: لا تقرباها، يعني: لا تأكلا منها. فقال آدم وزوجته: نعم- يا ربّنا- لا نقربها، ولا نأكل منها. ولم يستثنيا في قولهما: نعم. فوكلهما اللّه في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما.

و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن المفضّل بن صالح، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية قال : عهد إليه في محمّد والأئمّة من بعده. فترك، ولم يكن له عزم فيهم. أنّهم هكذا. وإنّما سمّوا  أولو العزم، لأنّهم عهد إليهم في محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- والأوصياء من بعده والمهديّ وسيرته، فأجمع عزمهم أنّ ذلك كذلك والإقرار به.

و في أصول الكافي  كذلك سواء.

 

و في بصائر الدّرجات : أبو جعفر أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله سواء.

 

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن عبيد اللّه ، عن محمّد بن عيسى القمّيّ، عن محمّد بن سليمان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: «و لقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة- عليهم السّلام- من ذرّيّتهم فنسي». هكذا واللّه أنزلت  على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن داود العجليّ، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- حيث خلق [الخلق‏]»

، خلق  ماء عذبا وماء مالحا  أجاجا. فامتزج الماءان. فأخذ طينا من أديم الأرض، فعركه  عركا شديدا. فقال لأصحاب اليمين- وهم كالذرّ يدبّون -: إلى الجنّة بسلام! وقال لأصحاب الشّمال:

إلى النّار! ولا أبالي. ثمّ قال : أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ.

ثمّ أخذ الميثاق على النّبيّين، فقال: أ لست بربّكم؟ وأنّ هذا محمّد رسولي؟ وأنّ هذا عليّ أمير المؤمنين؟ فقالوا: بلى. فثبتت لهم النّبوّة، وأخذ الميثاق على أولي العزم: أنّني ربّكم، ومحمّد رسولي، وعليّ أمير المؤمنين، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي، وأنّ المهديّ- صلوات اللّه عليه- أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وانتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعا وكرها. قالوا: أقررنا يا ربّ وشهدنا.

و لم يجحد آدم، ولم يقرّ. فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ، ولم يكن لآدم عزيمة  علي الإقرار به. وهو قوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً. قال: إنّما [هو: فترك.ثمّ‏]  أمر نارا، فأججت. فقال لأصحاب الشّمال: ادخلوها! فهابوها. وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها! فدخلوها. فكانت عليهم بردا وسلاما. فقال أصحاب الشّمال: يا ربّ، أقلنا! فقال: قد أقلتكم. اذهبوا فادخلوها. فهابوها. فثمّ ثبتت الطّاعة والولاية والمعصية.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب، عن الباقر- عليه السّلام- في قوله: «و لقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ- عليه السّلام- وفاطمة- عليها السّلام- والحسن- عليه السّلام- والحسين- عليه السّلام- والأئمّة من ذرّيّتهم». كذا نزلت على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

و في تفسير العيّاشيّ : عن موسى بن محمّد بن عليّ، عن أخيه، عن أبي الحسن الثّالث- عليه السّلام- قال: الشّجرة الّتي نهي [اللّه‏]  آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد. عهد إليهما أن لا ينظر  إلى من فضّل اللّه عليه وعلى خلائقه بعين الحسد، ولم يجد له عزما .

عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته: كيف أخذ اللّه آدم بالنّسيان؟

فقال: إنّه لم ينس. وكيف ينسى وهو يذكره ويقول له إبليس: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ‏

 

 !؟ وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ مقدّر باذكر.

قيل : أي اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبيّن لك أنّه نسي، ولم يكن من أولي العزيمة والثّبات.

فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ:

قد سبق القول فيه.

أَبى :

جملة مستأنفة لبيان ما منعه من السّجود، وهو الاستكبار. وعلى هذا لا يقدّر له مفعول مثل السّجود المدلول عليه بقوله: «فسجدوا»، لأنّ المعنى أظهر الإباء عن المطاوعة.

فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ:

فلا يكوننّ سببا لإخراجكما.

و المراد نهيهما من أن يكونا بحيث يتسبّب الشّيطان إلى إخراجهما من الجنّة.

فَتَشْقى :

أفرده بإسناد الشّقاء إليه بعد اشتراكهما في الخروج، اكتفاء باستلزام شقائه شقاءها، من حيث إنّه قيّم عليها. ومحافظة على الفواصل. ولأنّ المراد بالشّقاء التّعب في طلب المعاش، وذلك وظيفة الرّجال.

إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى  وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى :

بيان وتذكير لماله في الجنّة من أسباب الكفاية وأقطاب الكفاف الّتي هي الشّبع والرّيّ والكسوة والكنّ ، مستغنيا عن اكتسابها والسّعي في تحصيل أغراض ما عسى أن ينقطع ويزول منها، بذكر نقائضها، ليطرق سمعه بأصناف الشّقوة المحذّر منها .

و «تضحى» من: ضحى الرّجل يضحي ضحى: إذا برز للشّمس.

و قرأ  نافع وأبو بكر: «إنّك لا تظمؤا» بكسر الهمزة، والباقون بفتحها .

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ: فأنهى إليه وسوسته.قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ: الشجرة الّتي من أكل منها، خلد ولم يمت أصلا. فأضافها إلى «الخلد» وهو الخلود، لا أنّها سببه بزعمه.

وَ مُلْكٍ لا يَبْلى : لا يزول ولا يضعف.