سورة طه الآية 21-40

قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ:فإنّه لمّا رآها حيّة تسرع وتبتلع الحجر [و الشجر] ، خاف وهرب منها.

سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى : هيئتها وحالتها المتقدّمة.

و هي فعلة من السّير، تجوّز بها للطّريقة والهيئة. وانتصابها على نزع الخافض. أو على أنّ «أعاد» منقول من «عاده» بمعنى: عاد إليه. أو على الظّرف. أي: سنعيدها في طريقتها. أو على تقدير فعلها. أي: سنعيد العصا بعد ذهابها تسير سيرتها الأولى، فتنتفع بها ما كنت تنتفعه قبل.

و قيل : لمّا قال له ربّه ذلك، اطمأنّت نفسه، حتّى أدخل يده في فمها، وأخذ بلحييها.

وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ: إلى جنبك تحت العضد.

يقال لكلّ ناحيتين «جناحان»- كجناحي العسكر- استعارة من جناحي الطّائر. سمّيا بذلك، لأنّه يجنحهما عند الطّيران.

تَخْرُجْ بَيْضاءَ، كأنّها مشعّة.

في جوامع الجامع : وروي أنّه كان آدم ، فأخرج يده من مدرعته بيضاء لها شعاع كشعاع الشّمس يغشي البصر.

مِنْ غَيْرِ سُوءٍ: من غير عاهة وقبح.

كنّى به عن البرص، كما كنّى بالسّوأة عن العورة. لأنّ الطّباع تعافه وتنفر عنه.

في كتاب طبّ الأئمّة ، بإسناده إلى جابر الجعفيّ عن الباقر- عليه السّلام-: يعني من غير برص .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أي علّة. وذلك أنّ موسى- عليه السّلام- كان شديد السّمرة، فأخرج يده من جيبه، فأضاءت الدّنيا.

آيَةً أُخْرى : معجزة ثانية.

و هي حال من ضمير «تخرج» ك «بيضاء». أو من ضميرها. أو مفعول بإضمارخذ أو دونك.

لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى :

متعلّق بهذا المضمر، أو بما دلّ عليه «آية»، أو القصّة. أي: دللنا بها. أو: فعلنا ذلك «لنريك». و«الكبرى» صفة «آياتنا» أو مفعول «نريك». و«من آياتنا» حال منها.

اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ: بهاتين الآيتين، وادعه الى العبادة.

إِنَّهُ طَغى : عصى وتكبّر.

قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي  وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي :

لمّا أمره اللّه- تعالى- بخطب عظيم وأمر جسيم، سأله أن يشرح صدره، ويفسح قلبه، لتحمّل أعبائه والصّبر على مشاقّه والتّلقّي لما ينزل عليه، ويسهّل الأمر عليه، بإحداث الأسباب ورفع الموانع.

و فائدة «لي» إبهام المشروح والميسّر أوّلا، ثمّ رفعه بذكر الصّدر والأمر ثانيا، تأكيدا ومبالغة.

وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي  يَفْقَهُوا قَوْلِي :

فإنّما يحسن التّبليغ من البليغ. وكان في لسانه رتّة من جمرة أدخلها فاه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلّما يلدون، ويربّي موسى ويكرمه، ولا يعلم أنّ هلاكه على يده.

فلمّا درج موسى، كان يوما عند فرعون. فعطس موسى فقال: الحمد للّه ربّ العالمين. فأنكر فرعون ذلك  عليه، ولطمه، فقال: ما هذا الّذي تقول!؟ فوثب موسى على لحيته، وكان طويل اللّحية، فهلّبها- أي: قلعها- فألّمه ألما شديدا.

 

فهمّ فرعون بقتله. فقالت له امرأته. هذا غلام حدث، ولا يدري ما يقول [و قد لطمته بلطمتك إيّاه‏] . فقال فرعون: بل يدري! فقالت له: ضع بين يديه تمرا وجمرا. فإن‏ميّز بينهما، فهو الّذي تقول.

فوضع بين يديه تمرا وجمرا، وقال له: كل. فمدّ يده إلى التّمر. فجاء جبرئيل- عليه السّلام- فصرفها إلى الجمر. فأخذ الجمر في فيه. فاحترق لسانه، وصاح وبكى.

فقالت آسية لفرعون: ألم أقل لك إنّه لم يعقل!؟ فعفا عنه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و اختلف في زوال العقدة بكمالها. فمن قال به، تمسّك بقوله : قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ.

و من لم يقل، احتجّ بقوله : هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً وقوله : لا يَكادُ يُبِينُ، وأجاب عن الأوّل بأنّه لم يسأل حلّ عقدة لسانه مطلقا، بل عقدة تمنع الإفهام، ولذلك نكّرها، وجعل «يفقهوا» جواب الأمر.

و «من لساني» يحتمل أن يكون صفة «عقدة» وأن يكون صلة «احلل».

وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي  هارُونَ أَخِي ، يعينني على ما كلّفتني به.

و اشتقاق الوزير، إمّا من الوزر،- لأنّه يحمل الثّقل عن أميره- أو من الوزر، وهو:

الملجأ، لأنّ الأمير يعتصم برأيه، ويلتجئ إليه في أموره. ومنه: المؤازرة.

و قيل : أصله: أزير. من الأزر بمعنى: القوّة. فعيل بمعنى الفاعل- كالعشير والجليس. قلبت همزته واوا، كقلبها في موازر.

و مفعولا «اجعل» إمّا «وزيرا» و«هارون»- قدّم ثانيهما للعناية به، و«لي» صلة أو حال- أو «لي وزيرا»، و«هارون» عطف بيان للوزير، أو «وزيرا» و«من أهلي»، و«لي» تبيين، كقوله : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. و«أخي» على الوجوه بدل من «هارون»، أو مبتدأ خبره.

اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي  وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي :

على لفظ الأمر.

و قرأ  ابن عارم على لفظ الخبر، على أنّهما جواب الأمر.كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً  وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً :

لأنّ التّعاون يهيّج الرّغبات، ويؤدّي إلى تكاثر الخير وتزايده.

إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً : عالما بأحوالنا، وأنّ التّعاون ممّا يصلحنا، وأنّ هارون نعم المعين لي فيما أمرتني به.

و في مجمع البيان  عن ابن عبّاس، عن أبي ذرّ الغفاريّ قال: صلّيت مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوما من الأيّام صلاة الظّهر. فسأل سائل في المسجد. فلم يعطه أحد [شيئا] . فرفع السّائل يده إلى السّماء وقال: اللّهمّ إنّي سألت في مسجد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فلم يعطني أحد شيئا! وكان عليّ راكعا. فأومأ بخنصره اليمنى إليه، وكان يتختمّ فيها. فأقبل السّائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره. وذلك بعين النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.

فلمّا فرغ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من صلاته، رفع رأسه إلى السّماء وقال:

اللّهمّ، إنّ أخي موسى سألك فقال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما اللّهمّ، وأنا محمّد نبيّك وصفيّك. اللّهمّ، فاشرح لي صدري. ويسّر لي أمري. واجعل لي وزيرا من أهلي، عليّا. اشدد به ظهري.

قال أبو ذرّ: فو اللّه، ما استتمّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الكلمة حتّى نزل جبرئيل- عليه السّلام- من عند اللّه فقال: يا محمّد، اقرأ! قال: وما أقرأ؟

قال: اقرأ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ .

و في قرب الإسناد  للحميريّ بإسناده إلى جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: وقف النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. بمعرج ، ثمّ قال:اللّهمّ، إنّ عبدك [موسى‏]  دعاك. فاستجبت له، وألقيت عليه محبّة منك.

و طلب منك أن تشرح له صدره، وتيسّر له أمره، وتجعل له وزيرا من أهله، وتحلّ العقدة من لسانه.

و أنا أسألك بما سألك به عبدك موسى- عليه السّلام- أن تشرح لي  صدري، وتيسّر لي أمري، وتجعل لي وزيرا من أهلي، عليّا أخي.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: انّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا أراد الخروج إلى غزوة تبوك، استخلف أمير المؤمنين- عليه السّلام- في أهله وولده وأزواجه ومهاجره، فقال له: يا عليّ، إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي، أو بك.

فحسده أهل النّفاق، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وعلموا أنّها تنحرس» به، ولا يكون للعدوّ فيها مطمع. فساءهم ذلك [و كانوا يؤثرون خروجه معه‏]  لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاف  عند خروج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عنها.

فأرجفوا به- عليه السّلام- وقالوا: لم يستخلفه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إكراما له ولا إجلالا ومودّة. وإنّما استخلفه، استثقالا له! فلمّا بلغ أمير المؤمنين- عليه السّلام- إرجاف المنافقين به، أراد تكذيبهم وفضيحتهم. فلحق بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال يا رسول اللّه، إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلّفتني استثقالا ومقتا. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

ارجع- يا أخي- إلى مكانك. فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك. وأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي. أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي!؟

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن الحسن الخثعميّ، عن عبّاد بن يعقوب، عن عليّ بن هاشم، عن عمرو  بن حارث، عن‏

 عمران بن سليمان، عن حصين التّغلبيّ ، عن أسماء بنت عميس قالت: رأيت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بإزاء ثبير  وهو يقول: أشرق ثبير  أشرق ثبير . اللّهمّ، إنّي أسألك ما سألك أخي موسى- عليه السّلام- أن تشرح لي صدري.

و أن تيسّر لي أمري. وأن تحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي. وأن تجعل لي وزيرا من أهلي عليّا [أخي‏] . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً. إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً.

و فيه : روى أبو نعيم الحافظ بإسناده عن رجاله، عن ابن عبّاس قال: أخذ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بيد عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وبيدي، ونحن بمكّة.

و صلّى أربع ركعات. ثمّ رفع يديه إلى السّماء وقال:

اللّهمّ إنّ نبيّك موسى بن عمران سألك فقال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (الآية). وأنا محمّد بنيّك. أسألك: [رَبِ‏]  اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي.

 

و احلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي. واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا  اشدد به أزري.

و أشركه في أمري.

قال [ابن عبّاس‏] : فسمعت مناديا ينادي: قد أوتيت ما سألت.

و فيه : وروى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ- رحمه اللّه- عن رجاله مسندا إلى الفضل بن شاذان يرفعه إلى بريدة الأسلميّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام: يا عليّ، إنّ اللّه- تعالى- أشهدك معي سبعة  مواطن:

أمّا أوّلهنّ، فليلة أسري بي إلى السّماء، فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟ قلت: ودّعته خلفي. قال: فادع اللّه، فليأتك به. فدعوت اللّه. فإذا أنت معي. وإذا الملائكة صفوف‏وقوف. فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الملائكة يباهيهم اللّه بك. فأذن لي.

فنطقت بمنطق لم تنطق الخلائق بمثله. نطقت بما خلق اللّه، وبما هو خالق إلى يوم القيامة.

و الموطن الثّاني: أتاني جبرئيل، فأسرى بي إلى السّماء. فقال لي: أين أخوك؟ ودّعته خلفي. قال: فادع اللّه، فليأتك به. فدعوت اللّه- عزّ وجلّ. فإذا أنت معي. فكشف اللّه لي عن السّموات السّبع والأرضين السّبع، حتّى رأيت  سكّانها وعمّارها، وموضع كلّ ملك منها. فلم أر من ذلك شيئا إلّا وقد رأيته.

و الموطن الثّالث: ذهبت إلى الجنّ ، ولست معي. فقال جبرئيل: أين أخوك؟

قلت: ودّعته خلفي. فقال: فادع اللّه، فليأتك به. فدعوت اللّه- عزّ وجلّ- فإذا أنت معي. فلم أقل لهم شيئا، ولم يردّوا عليّ شيئا، إلّا وقد سمعته وعلمته، [كما سمعته وعلمته‏] .

و الموطن الرّابع: انّي لم أسأل اللّه شيئا، إلّا أعطانيه فيك، إلّا النّبوّة، فإنّه قال : يا محمّد، خصصتك بها [و ختمتها بك‏] .

و الموطن الخامس: خصصنا بليلة القدر، وليست لغيرنا.

و الموطن السّادس: أتاني جبرئيل، فأسرى. بي إلى السّماء. فقال لي: أين أخوك؟

قلت: ودّعته خلفي. قال: فادع اللّه- عزّ وجلّ- فليأتك به. فدعوت اللّه- عزّ وجلّ- فإذا أنت معي. فأذّن جبرئيل. فصلّيت بأهل السّموات جمعيا، وأنت معي.

و الموطن السّابع: إنّا نبقى  حين لا يبقى أحد. وهلاك الأحزاب بأيدينا.

فمعنى قوله: «نبقى  حين لا يبقى أحد. وهلاك الأحزاب بأيدينا» دليل على أنّهما يكرّان إلى الدّنيا، ويلبثان فيها ما شاء اللّه.

كما روي عن الأئمّة في حديث الرّجعة. ثمّ يبقيان حين لا يبقى أحد من الخلق.

و قوله: «هلاك الأحزاب [بأيدينا». والأحزاب‏]  هم أحزاب الشّيطان وأهل الظّلم والعدوان- فعليهم لعنة الرّحمن، ما كرّ الجديدان، وما اطّرد الخافقان.و ممّا ورد  في الأمور الّتي شارك فيها أمير المؤمنين- عليه السّلام- رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيها، وأنّ أمره أمره ، ونهيه نهيه ، وأنّ الفضل جرى له كما جرى لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولرسول اللّه الفضل على جميع خلق اللّه- عزّ وجلّ- فيكون هو كذلك، هو

ما رواه الشّيخ في أماليه عن رجاله، عن سعيد الأعرج قال: دخلت أنا وسليمان بن خالد على أبي عبد اللّه- عليه السّلام. فابتدأني فقال: يا سعيد، ما جاء عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يؤخذ به. وما نهي عنه، ينتهى عنه. جرى له من الفضل، ما جرى لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. ولرسول اللّه الفضل على جميع الخلق.

العائب على أمير المؤمنين في شي‏ء، كالعائب على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. والرّادّ عليه في صغير أو كبير  على حدّ الشّرك [باللّه‏] .

كان- واللّه - أمير المؤمنين باب اللّه الّذي لا يؤتى إلّا منه، وسببه  الّذي من تمسّك بغيره، هلك.

و كذلك جرى الحكم للأئمّة واحدا بعد واحد  جعلهم [اللّه‏]  أركان الأرض.

و هم الحجّة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثّرى.

أما علمت أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- كان يقول:

أنا قسيم اللّه بين الجنّة والنّار. وأنا الفاروق الأكبر. وأنا صاحب العصا والميسم.

و لقد أقرّ لي جميع الملائكة والرّوح بمثل ما أقرّوا لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

و لقد حملت مثل حمولة محمّد، وهي حمولة الرّبّ. وأنّ محمّدا يدعى فيكسى، ويستنطق فينطق، وأنا أدعى فأكسى، وأستنطق فأنطق. ولقد أعطيت خصالا لم يعطها أحد قبلي: علّمت المنايا والقضايا  وفصل الخطاب.قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ، أي: مسؤولك، فعل بمعنى المفعول- كالخبز والأكل، بمعنى المخبوز والمأكول.

وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى : أنعمنا عليك في وقت آخر.

إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ:

قيل : بإلهام، وفي منام، أو على لسان نبيّ في وقتها، أو ملك- لا على وجه النّبوّة- كما أوحي إلى مريم.

ما يُوحى : ما لا يعلم إلّا بالوحي. أو: ممّا ينبغي أن يوحى ولا يخلّ به، لعظم شأنه وفرط الاهتمام به.

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ: بأن اقذفيه. [أ: أي اقذفيه‏] ، لأنّ الوحي بمعنى القول.

فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ:

و القذف يقال للإلقاء وللوضع.

فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ:

قيل : لمّا كان إلقاء البحر إيّاه إلى الساحل أمرا واجب الحصول لتعلّق الإرادة به، جعل البحر كأنّه ذو تمييز مطيع أمره بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر. والأولى أن يجعل الضّمائر كلّها لموسى، مراعاة للنّظم. فالمقذوف في البحر والملقى إلى السّاحل، وإن كان التّابوت بالذّات، فموسى بالعرض.

يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ:

جواب «فليلقه». وتكرير «عدوّ» للمبالغة، أو لأنّ الأوّل باعتبار الواقع، والثّاني باعتبار المتوقّع.

وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، أي: محبّة كائنة منّي قد زرعتها في القلوب، بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك. فلذلك أحبّك فرعون.

و يجوز أن يتعلّق «منّي» ب «ألقيت». أي: أحببتك. ومن أحبّه اللّه، أحبّته القلوب.

و ظاهر اللّفظ أنّ اليمّ ألقاه بساحله، وهو شاطئه. لأنّ الماء يسلحه فالتقط منه.

و لا ينافيه ما قيل : «إنّ امّه جعلت في التّابوت قطنا، ووضعته فيه. ثمّ قيّرته، وألقته في اليمّ. وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر. فدفعه الماء إليه، فأدّاه إلى بركة في البستان. وكان فرعون جالسا على رأسها مع امرأته آسية بنت مزاحم. فأمر به، فاخرج.

ففتح، فإذا هو صبيّ أصبح النّاس وجها. فأحبّه حبّا شديدا». لأنّه لا يبعد أن يؤول السّاحل. بجنب  فوهة نهره.

وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي : ولتربّى ويحسن إليك وأنا راعيك وراقبك.

و العطف على علّة مضمرة، مثل: ليتعطّف عليك. أو على الجملة السّابقة بإضمار فعل معلّل، مثل: فعلت ذلك.

و قرئ : «و لتصنع»- بكسر اللّام وسكونها والجزم- على أنّه أمر، «و لتصنع»- بالنّصب وفتح التّاء- أي: وليكون عملك على عين منّي، لئلّا تخالف به عن أمري.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فلقد ألقى اللّه على موسى محبّة منه.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك. ولقد أعطى اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- ما هو أفضل منه. لقد ألقى اللّه- عزّ وجلّ- عليه محبّة منه. فمن هذا الّذي يشركه في هذا الاسم، إذ تمّ من اللّه- عزّ وجلّ- به الشّهادة!؟ فلا تتمّ الشّهادة، إلّا أن يقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه. وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. ينادى به على المنابر، فلا يرفع صوت بذكر اللّه- عزّ وجلّ- إلّا رفع بذكر محمّد معه.

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ:

ظرف ل «ألقيت» أو ل «تصنع». أو بدل من «إذا أوحينا» على أنّ المراد بها وقت متّسع.

فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ:و ذلك أنّه كان لا يقبل ثدي المراضع. فجاءت أخته متفحّصة خبره. فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها، فقالت هل أدلّكم؟ فجاءت بأمّه . فقبل ثديها.

فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ، وفاء لقولنا : إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ.

كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك، وَلا تَحْزَنَ هي بفراقك، أو أنت على فراقها وفقد إشفاقها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: [إنّ موسى‏]  لمّا حملت به أمّه، لم يظهر حملها إلّا عند وضعها له. وكان فرعون قد وكلّ بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظونهنّ.

و ذلك  لما كان بلغه عن بني إسرائيل أنّهم يقولون: إنّه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران، يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده. فقال فرعون: عند ذلك لأقتلنّ ذكور أولادهم، حتّى لا يكون ما يريدون. وفرّق بين الرّجال والنّساء، وحبس الرّجال في المحابس.

فلمّا وضعت أمّ موسى بموسى- عليه السّلام- نظرت إليه، وحزنت عليه، واغتمّت وبكت وقالت يذبح السّاعة! فعطف اللّه الموكّلة بها عليه، فقالت لأمّ موسى:

مالك قد اصفرّ لونك!؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي. فقالت: لا تخافي.

و كان موسى لا يراه أحد إلّا أحبّه. وهو قول اللّه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي.

فأحبّته القبطيّة الموكّلة بها .

و أنزل اللّه  على أمّ  موسى التّابوت، ونوديت أمّه. ضعيه في التّابوت. فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ- وهو البحر. وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ .

فوضعته في التّابوت وأطبقته  عليه وألقته في النّيل.و كان لفرعون قصر  على شطّ النّيل منتزها . فنظر من قصره، ومعه آسية امرأته.

 [فنظر]  إلى سواد في النّيل ترفعه الأمواج، والرّياح تضربه، حتّى جاءت به إلى باب قصر فرعون.

فأمر فرعون بأخذه. فأخذ التّابوت، ورفع إليه، فلمّا فتحه، وجد فيه صبيّا. فقال:

هذا إسرائيليّ! فألقى اللّه- عزّ وجلّ- في قلب فرعون لموسى محبّة شديدة. وكذلك في قلب آسية.

و أراد فرعون أن يقتله. فقالت آسية: لا تقتله عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ  أنّه موسى. ولم يكن لفرعون ولد.

فقال: ائتوا ظئرا  تربّيه. فجاءوا بعدّة نساء قد قتل أولادهنّ. فلم يشرب لبن أحد من النّسا. وهو قول اللّه - عزّ وجلّ-: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ.

و بلغ أمّه أنّ فرعون قد أخذه. فحزنت وبكت. كما قال اللّه : وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ قال: كادت  أن تخبر بخبره، أو تموت. ثمّ حفظت نفسها. كما قال اللّه : لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقالَتْ لِأُخْتِهِ [- أي: لأخت موسى-]  قُصِّيهِ ، أي: اتّبعيه. فجاءت أخته إليه فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ- أي: عن بعد- وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ .

فلمّا لم يقبل موسى ثدي أحد من النّساء، اغتمّ فرعون غمّا شديدا. «فقالت» أخته:

هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ ؟ فقال: نعم.

فجاءت بأمّه. فلمّا أخذته في حجرها، وألقمته ثديها، التقمه وشرب. ففرح فرعون وأهله، و أكرموا أمّه. فقالوا لها: ربّيه لنا. ولك الكرامة ما تختارين .فسأله الرّاوي: فكم مكث موسى غائبا عن أمّه حتّى ردّه اللّه عليها؟ قال: ثلاثة أيّام.

وَ قَتَلْتَ نَفْساً: نفس القبطيّ الّذي استغاثه عليه الإسرائيلّ. كما يأتي في قصّته في سورة القصص.

في مجمع البيان : وروي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: رحم اللّه أخي موسى! قتل رجلا خطأ، وكان ابن اثنتي عشرة سنة.

فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ: غمّ قتله، خوفا من عقاب اللّه واقتصاص فرعون، بالمغفرة والأمن منه، بالهجرة إلى مدين.

وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً: أي: ابتليناك ابتلاء، أو أنواعا من الابتلاء- على أنّه جمع فتن أو فتنة، على ترك الاعتداد بالتّاء، كحجوز وبدور، في حجزة وبدرة- فخلّصناك مرّة بعد أخرى.

و هو إجمال لما ناله في سفره- من الهجرة عن الوطن ومفارقة الالّاف، والمشي راجلا على حذر، وفقد الزّاد، وأجر نفسه، إلى غير ذلك- أو له ولما سبق ذكره.

فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ: لبثت فيهم عشر سنين قضاء لأوفى الأجلين.

في تفسير عليّ بن إبراهيم  عند قوله : أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [فَلا عُدْوانَ عَلَيَ‏]  قال: قلت للصّادق- عليه السّلام-: أيّ الأجلين قضى؟ قال: أتمّها عشر حجج .

و «مدين» على ثمان مراحل من مصر.

ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ قدّرته، لأن أكلّمك وأستنبئك غير مستقدم ولا مستأخر وقته المعيّن. أو: على مقدار من السّنّ يوحى فيه إلى الأنبياء.

قيل : وهو رأس أربعين سنة.

يا مُوسى :

قيل : كرّره عقيب ما هو غاية الحكاية، للتّنبيه على ذلك.