سورة مريم‏ الآية 21-40

قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ، أي: ونفعل ذلك، لنجعله. أو: لنبيّن به قدرتنا، ولنجعله.

و قيل : عطف على «لهيب» على طريقة الالتفات.

آيَةً لِلنَّاسِ: علامة لهم وبرهانا على كمال قدرتنا. وَرَحْمَةً مِنَّا على العباد يهتدون بإرشاده.

وَ كانَ أَمْراً مَقْضِيًّا : تعلّق به قضاء اللّه في الأزل.

فَحَمَلَتْهُ: بأن نفخ في حبيب مدرعتها، فدخلت النّفخة في جوفها.

في أصول الكافي : أحمد بن مهران وعليّ بن إبراهيم جميعا، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- أنّه قال لرجل نصرانيّ سأله عن مسائل فأجابه- عليه السّلام- فيها:

أعجلك  أيضا خبرا لا يعرفه إلّا قليل ممّن قرأ الكتب. أخبرني ما اسم أمّ مريم؟ وأيّ يوم نفخت فيه مريم؟ ولكم من ساعة من النّهار، وأيّ يوم وضعت مريم فيه عيسى؟

و لكم من ساعة من النّهار؟

فقال النّصرانيّ: لا أدري.

فقال أبو إبراهيم- عليه السّلام-: أمّ مريم، فاسمها مرتار . وهي وهيبة بالعربيّة.

و أمّا اليوم الّذي حملت فيه مريم، فهو يوم الجمعة للزّوال. وهو اليوم الّذي هبط فيه الرّوح الأمين. وليس للمسلمين عيد كان أولى منه. عظّمه اللّه- تبارك وتعالى-و عظّمه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فأمر أن يجعله عيدا. فهو يوم الجمعة.

و أمّا اليوم الّذي ولدت فيه مريم، فهو يوم الثّلاثاء لأربع ساعات ونصف من النّهار.

و النّهر الّذي ولدت عليه مريم عيسى هل تعرفه؟

قال: لا.

قال: هو الفرات. وعليه شجر النّخل والكرم. وليس يساوى شي‏ء بالفرات للكروم والنّخل.

فأمّا اليوم الّذي حجبت فيه لسانها، ونادى قيدوس  ولده وأشياعه، فأعانوه وأخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم، فقالوا لها ما قصّ اللّه عليك في كتابه [و علينا في كتابه‏] ، فهل فهمته؟

قال: نعم، وقرأته اليوم الأحدث.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى عبد الرّحمن بن كثير»

 الهاشميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- وقد ذكر فاطمة- عليها السّلام-: فعلقت وحملت بالحسين- عليه السّلام. فحملت ستّة أشهر. ثمّ وضعته. ولم يعش مولود  قطّ لستّة أشهر غير الحسين بن علىّ- عليهما السّلام- وعيسى بن مريم- عليه السّلام.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عليّ بن إسماعيل، عن محمّد بن عمرو الزّيّات، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: ولم يولد لستّة أشهر إلّا عيسى بن مريم والحسين بن عليّ- عليهما السّلام.و في مجمع البيان : وروي عن الباقر- عليه السّلام-: أنّه تناول جيب مدرعتها، فنفخ فيه نفخة. فكمل الولد في الرّحم من ساعته، كما يكمل الولد في أرحام النّساء تسعة أشهر. فخرجت من المستحمّ، وهي حامل مثقل. فنظرت إليها خالتها ، فأنكرتها. ومضت مريم على وجهها مستحية من خالتها ومن زكريّا.

و قيل : كانت حملها في تسع ساعات. وهذا مرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

فَانْتَبَذَتْ بِهِ: فاعتزلت وهو في بطنها. مَكاناً قَصِيًّا : بعيدا من أهلها.

في تهذيب الأحكام : محمّد بن أحمد بن داود، عن محمّد بن همّام قال: حدّثنا [جعفر بن محمّد بن مالك قال: حدّثنا]  سعد بن عمرو الزّهريّ قال: حدّثنا بكر بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في هذه الآية قال: خرجت من دمشق حتّى أتت كربلاء. فوضعت في موضع قبر الحسين- عليه السّلام. ثمّ رجعت من ليلتها.

فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ: [فألجأها المخاض‏] .

و هو في الأصل منقول من «جاء»، لكنّه خصّ به، كآتى في أعطى.

و قرئ : «المخاض»- بالكسر. وهما مصدر مخضت المرأة: إذا تحرّك الولد في بطنها للخروج.

إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ: لتستتر به، وتعتمد عليه عند الولادة. وهو ما بين العرق والغصن.

و كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة. وكان الوقت شتاء. والتّعريف إمّا للجنس، أو للعهد، إذ لم يكن ثمّ غيرها، وكانت كالمتعالم عند النّاس.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن الحسين بن الحسن بن يزيد، عن بدر، عن أبيه قال: حدّثني سلام أبو عليّ الخراسانيّ، عن سلام بن سعيد المخزوميّ قال : بينا

أنا جالس عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ دخل عليه عبّاد بن كثير عابد أهل البصرة وابن شريح فقيه أهل مكّة. وعند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- ميمون القدّاح مولى أبي جعفر- عليه السّلام.

فسأله عبّاد بن كثير فقال: يا أبا عبد اللّه، في كم ثوب كفّن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله؟

قال: في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين، وثوب حبرة، وكان في البرد قلّة.

فكأنّما ازورّ  عبّاد بن كثير من ذلك. فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ نخلة مريم إنّما كانت عجوة ، ونزلت من السّماء. فما كان  من أصلها، كان عجوة. وما كان من لقاط ، فهو لون.

فلمّا خرجوا من عنده، قال  عبّاد بن كثير لابن شريح: واللّه، ما أدري ما هذا المثل الّذي ضربه لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام! فقال ابن شريح: هذا الغلام يخبرك. فإنّه منهم. يعني ميمون.

فسأله. فقال ميمون: أما تعلم ما قال لك؟ قال: لا واللّه.

قال: إنّه ضرب لك مثل نفسه، فأخبرك أنّه ولد من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [و علم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  عندهم. فما جاء من عندهم، فهو صواب. وما جاء من عند غيرهم، فهو لقاط.

قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا، استحياء من النّاس ومخافة لومهم.

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر: «متّ» من: مات يموت.

في مجمع البيان : وروي عن الصّادق- عليه السّلام-: لأنّها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزّهها من السّوء.

وَ كُنْتُ نَسْياً [من شأنه أن ينسى و]  لا يطلب. ونظيره الذّبح لما يذبح.و قرأ  حمزة وحفص بالفتح. وهو لغة فيه، أو مصدر سمّي به.

و قرئ  بالهمزة. وهو: الحليب المخلوط بالماء ينسؤه أهله لقلّته.

مَنْسِيًّا : منسي الذّكر بحيث لا يخطر ببالهم.

و قرئ  بكسر الميم، على الإتباع.

فَناداها مِنْ تَحْتِها عيسى- عليه السّلام.

و قيل : جبرئيل- عليه السّلام- كان يقبل الولد.

أَلَّا تَحْزَنِي: [، أي: لا تحزني.]  أو: بأن لا تحزني.

قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا : جدولا. كذا في الجوامع  عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.

 

و في مجمع البيان : قيل: ضرب جبرئيل برجله، فظهر ماء عذب.

و قيل : بل ضرب عيسى برجله، فظهر عين ماء تجري. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام.

و قيل : سيّدا من السّرو، وهو عيسى.

وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ: أميليه إليك. والباء مزيدة للتّأكيد. أو: افعلي الهزّة به. أو: هزّي الثّمرة بهزّه. والهزّ: تحريك بجذب ودفع.

تُساقِطْ عَلَيْكِ:

أصله: تتساقط، فأدغمت التّاء الثّانية في السّين. وحذفها حمزة .

و قرأ  يعقوب بالياء. وحفص: «تساقط» بمعنى: أسقطت. وقرئ : «تتساقط» و«يسقط»  و«تسقط». فالتّاء للنّخلة، والياء للجذع.

رُطَباً جَنِيًّا :

تمييز أو مفعول به. أي: طريّا.

و كانت النّخلة قد يبست منذ مدّة دهر. فمدّت يدها إلى النّخلة. فأورقت، وأثمرت،و سقط عليها الرّطب الطّريّ، وطابت نفسها. فقال لها عيسى: قمّطيني، وسوّيني. ثمّ افعلي كذا وكذا. فقمّطته وسوّته.

و في كتاب طبّ الأئمّة - عليه السّلام- بإسناده إلى جابر بن يزيد الجعفيّ: انّ رجلا أتى أبا جعفر- عليه السّلام- محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- فقال: يا ابن رسول اللّه، أغثني! قال: وما ذاك؟ قال: امرأتي قد أشرفت على الموت من شدّة الطّلق.

قال: اذهب واقرأ عليها: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ- الآية إلى:- رُطَباً جَنِيًّا. ثمّ ارفع صوتك بهذه الآية: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ  قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ . كذلك اخرج أيّها الطلق. فاخرج بإذن اللّه- تعالى. فإنّها تبرأ من ساعتها بإذن  اللّه- تعالى.

فَكُلِي وَاشْرَبِي: من الرّطب وماء السّريّ. أو: من الرّطب وعصيره.

وَ قَرِّي عَيْناً: وطيّبي نفسك، وارفضي عنها ما أحزنك وقرئ  بالكسر.

و اشتقاقه من القرار. فإنّ العين إذا رأت ما يسرّ النفّس، سكنت من النّظر إلى غيره. أو من القرّ. فانّ دمعة السّرور باردة، ودمعة الحزن حارّة. ولذلك يقال قرّة العين وسخنتها، للمحبوب والمكروه.

و في تهذيب الأحكام : عليّ بن الحسن، عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن كثير النوّا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال وقد ذكر يوم عاشوراء: وهذا اليوم الّذي ولد فيه عيسى بن مريم- عليه السّلام.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى الحسن بن عليّ الوشّاء، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم- عليه السّلام. وولد فيها عيسى بن مريم- عليه السّلام.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الخصال  فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة

 باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: ما تأكل الحامل من شي‏ء، ولا تتداوى به، أفضل من الرّطب. قال اللّه- تعالى- لمريم: وَهُزِّي إِلَيْكِ (الآية).

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عدّة من أصحابه، عن عليّ بن أسباط، عن عمّ  يعقوب بن سالم يرفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ليكن أوّل ما تأكل النّفساء الرّطب. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- قال لمريم: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا.

قيل: يا رسول اللّه، فإن لكم يكن أبان  الرّطب؟

قال: سبع تمرات من تمر المدينة. فإن لم يكن، فسبع تمرات من تمر أمصاركم. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وعزّتي وجلالي وعظمتي وارتفاع مكاني، لا تأكل النّفساء يوم تلد الرّطب، فيكون غلاما، إلّا كان حليما. وإن كانت جارية، [كانت‏]  حليمة.

و. في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعليّ بن محمّد [جميعا، عن القاسم بن محمّد] ، عن سليمان بن داود المنقرىّ، عن حفص قال: رأيت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يتخلّل بساتين الكوفة. فانتهى إلى نخلة، فتوضّأ عندها. ثمّ ركع وسجد.

فأحصيت في سجوده  خمسمائة تسبيحة. ثمّ استند إلى النّخلة، فدعا بدعوات. ثمّ قال: يا حفص، إنّها واللّه النّخلة الّتي قال اللّه- جلّ ذكره- لمريم- عليه السّلام-: وَهُزِّي إِلَيْكِ (الآية) .

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: عبد اللّه بن كثير قال: نزل أبو جعفر- عليه‏السّلام- بواد، فضرب خباءه فيه. ثمّ خرج يمشي [حتّى انتهى‏]  إلى نخلة يابسة، فحمد اللّه عندها. ثمّ تكلّم بكلام لم أسمع بمثله. ثمّ قال: أيّتها النّخلة، أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك. فتساقطت رطبا  أحمر وأصفر. فأكل ومعه أبو أميّة الأنصاريّ. فقال: يا أبا أميّة، هذه الآية فينا كالآية في مريم أن هزّي إليك، تساقط  رطبا جنيّا.

و في بصائر الدّرجات : [حدّثنا موسى بن الحسن، عن أحمد بن الحسين، عن أحمد بن إبراهيم، عن عبد اللّه بن بكير، عن عمر بن بويه‏] ، عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: وكان أبو عبد اللّه البلخيّ معه. فانتهى إلى نخلة خاوية فقال: أيّتها النّخلة السّامعة الطّيّبة  المطيعة لربّها، أطعمينا ممّا  جعل اللّه فيك. قال: فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه. فأكلنا حتّى تضلّعنا . فقال: البلخي: جعلت فداك، سنّة فيكم  كسنّة مريم- عليها السّلام.

الهيثم النّهديّ ، عن إسماعيل بن مهران  [عن عبد اللّه بن الكنّاسيّ‏] ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب في بعض عمره  ومعه رجل من ولد الزّبير كان  يقول بإمامته.

قال : فنزلوا في منزل في تلك المنازل  تحت نخل يابس قد  يبس من العطش.

قال: ففرش للحسن تحت نخلة، وللزّبيريّ بحذائه تحت نخلة أخرى.

قال: فقال الزّبيريّ- ورفع رأسه-: لو كان في هذا النّخل رطب، لأكلنا منه.

فقال له الحسن- عليه السّلام: وإنّك لتشتهي الرّطب؟ قال: نعم. فرفع الحسن- عليه‏السّلام- يده إلى السّماء، ودعا بكلام لم يفهمه الزّبيريّ. فاخضرّت النّخلة، ثمّ صارت إلى حالها، فأورقت  وحملت رطبا.

قال: فقال له الجمّال الّذي اكتروا منه: سحر واللّه! فقال له الحسن- عليه السّلام-: ويلك! ليس بسحر، ولكن دعوة ابن نبيّ  مجاب.

قال: فصعدوا إلى النّخلة حتّى يصرموا  ما  كان فيها. فأكفاهم.

فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً: إن تري آدميّا.

و قرئ  «ترئن»- بالهمزة- على لغة من يقول: لبأت بالحجّ، لتآخ بين الهمزة وحرف اللّين. و«ترين»- بسكون الياء والتّخفيف.

فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً: صمتا- وقرئ  به- أو صياما. وكانوا لا يتكلّمون في صيامهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال لها عيسى: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً وصمتا. كذا نزلت.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى أبو بصير، عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ الصّوم  ليس من الطّعام والشّراب وحده. إنّ مريم قالت: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً، أي: صمتا. فاحفظوا ألسنتكم. وغضّوا أبصاركم. ولا تحاسدوا ولا تنازعوا .

فإنّ الحسد يأكل الإيمان، كما تأكل النّار الحطب.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب، في مناقب أبي جعفر الباقر- عليه السّلام-: وسأل طاوس اليماني أبا جعفر- عليه السّلام- عن صوم لا يحجز  عن أكل وشرب. فقال- عليه السّلام-: الصّوم من قوله: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً.و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جرّاح المدائنيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ الصّيام ليس من الطّعام والشّراب وحده. ثمّ قال: قالت مريم: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً، أي: [صوما]  صمتا- [و في نسخة أخرى: أي صمتا- فإذا صمتم، فاحفظوا ألسنتكم، وغضّوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا] .

و الحديث طويل. أخذت موضع الحاجة.

و في محاسن البرقي : وعنه، عن أبيه، عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ستّة كرهها اللّه لي، فكرهتها للأئمّة من ذرّيّتي. ولتكرهها  الأئمّة أتباعهم .

إلى قوله: قلت: وما الرّفث في الصّيام؟ قال: ما كره اللّه لمريم في قوله: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا.

قال: قلت: من أبيّ شي‏ء؟ قال: من الكذب.

فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ، بعد أن أخبرتكم بنذري. وإنّما أكلّم الملائكة، وأناجي ربّي.

و قيل : أخبرتهم بنذرها بالإشارة. وأمرها بذلك، لكراهة المجادلة والاكتفاء بكلام عيسى- عليه السّلام. فإنّه قاطع في قطع الطّاعن.

فَأَتَتْ بِهِ مع ولدها قَوْمَها، راجعة إليهم بعد ما طهرت من النّفاس.

تَحْمِلُهُ: حاملة إيّاه.

قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا : بديعا منكرا. من: فرى الجلد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ففقدوها في المحراب.

فخرجوا في طلبها. وخرج خالها زكريّا». فأقبلت، وهو في صدرها. وأقبلن مؤمنات‏بني إسرائيل يبزقن في وجهها. فلن  تكلّمهنّ حتّى دخلت في محرابها. فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريّاء فقالوا لها: يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا.

يا أُخْتَ هارُونَ:

قيل : يعنون هارون النّبيّ- عليه السّلام- وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة.

و قيل : كانت من نسله، وكان بينهما ألف سنة.

و في مجمع البيان : عن المغيرة بن شعبة مرفوعا إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: انّ هارون هذا كان رجلا صالحا في بني إسرائيل، ينسب إليه كلّ من عرف بالصّلاح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : انّ هارون كان رجلا فاسقا زانيا، فشبّهوها به.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللّه- من كتاب عبد الرّحمن بن محمّد الأزديّ: وحدّثني سماك بن حرب، عن المغيرة بن شعبة أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بعثه إلى نجران. فقالوا: ألستم تقرءون: يا أُخْتَ هارُونَ، وبينهما كذا وكذا!؟

فذكر ذلك للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: ألا قلت لهم: إنّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصّالحين منهم.

ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا :

تقرير لأنّ ما جاءت به فري. وتنبيه على أنّ الفواحش من أولاد الصّالحين أفحش.

فَأَشارَتْ إِلَيْهِ: إلى عيسى. أي: كلّموه ليجيبكم.

قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ، ولم نعهد صبيّا في المهد كلّمه عاقل! و«كان» زائدة. و«صبيّا» حال من المستكنّ فيه. أو تامّة، أو دائمة نحو: «و كان اللّه عليما حكيما». أو بمعنى صار.

قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ:أنطقه اللّه به أوّلا، لأنّه أوّل المقامات، وللرّدّ على من زعم ربوبيّته.

آتانِيَ الْكِتابَ: الإنجيل.

وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا :

وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً: نفّاعا، أَيْنَ ما كُنْتُ: حيث كنت.

في كتاب معاني الأخبار  بإسناده إلى عبد اللّه بن جبلّة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ قال: نفّاعا.

و في أصول الكافي  مثله سواء.

 

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عنهم- عليهم السّلام- قال: فيما وعظ اللّه- عزّ وجلّ- به عيسى- عليه السّلام- إلى قوله: فبوركت كبيرا. وبوركت صغيرا حيثما كنت. أشهد أنّك عبدي ابن أمتي.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد  الكناسيّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام-: أ كان عيسى بن مريم حين تكلّم في المهد حجّة اللّه على أهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبيّا حجّة للّه  غير مرسل. أما تسمع لقوله حين قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا!؟

قلت: فكان يومئذ حجّة للّه على زكريّاء في تلك الحال وهو في المهد!؟ فقال: كان عيسى في تلك الحال آية للنّاس، ورحمة من اللّه لمريم، حين تكلّم فعبّر عنها. وكان نبيّا حجّة على من سمع كلامه في تلك الحال . ثمّ صمت، فلم يتكلّم، حتّى مضت له سنتان. وكان زكريّاء الحجّة [للّه- عزّ وجلّ- بعد صمت عيسى بسنتين ثمّ مات زكريّاء، فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة، وهو صبيّ صغير. أما تسمع لقوله‏] - عزّ وجلّ-:يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا!؟ فلمّا بلغ عيسى- عليه السّلام- سبع سنين، تكلّم بالنّبوّة والرّسالة، حين أوحى اللّه إليه. فكان عيسى الحجّة على يحيى وعلى النّاس أجمعين.

و ليس تبقى الأرض- يا أبا؟؟ الد!- يوما واحدا بغير حجّة للّه على النّاس، منذ يوم خلق اللّه آدم- عليه السّلام- وأسكنه الأرض.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرّضا- عليه السّلام-: قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه  لك أبا جعفر، فكنت تقول: يهب اللّه لي غلاما. فقد وهب اللّه لك، فقرّ عيوننا. فلا أرانا اللّه يومك، فان كان كون، فإلى من؟

فأشار بيده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- وهو قائم بين يديه. فقلت: جعلت فداك، هذا أبن ثلاث سنين!؟ قال: وما يضرّه من ذلك شي‏ء، وقد قام عيسى- عليه السّلام- بالحجّة، وهو ابن ثلاث سنين.

الحسين بن محمّد ، عن الخيرانيّ، عن أبيه قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن- عليه السّلام- بخراسان  فقال له قائل: [يا سيّدي‏] ، إن كان كون، فإلى من؟ قال:

إلى أبي جعفر ابني.

فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر- عليه السّلام- فقال أبو الحسن - عليه السّلام- إنّ اللّه- تبارك وتعالى- بعث عيسى بن مريم رسولا نبيّا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السّن الّذي فيه أبو جعفر- عليه السّلام.

وَ أَوْصانِي، أي: أمرني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا :

قيل : زكاة المال إن ملكته، أو تطهير النّفس عن الرّذائل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام- في قوله: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ. قال: زكاة الرّؤوس، لأنّ كلّ النّاس ليست لهم أموال، وإنّما الفطرة

على الفقير والغنيّ والصّغير والكبير.

و في الكافي : حدّثني محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم، وأحبّ ذلك إلى اللّه- عزّ وجلّ- ما هو.

فقال: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصّلاة. ألا ترى أنّ العبد الصّالح عيسى بن مريم قال: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا؟!

وَ بَرًّا بِوالِدَتِي: وبارّا بها.

عطف على «مباركا».

و قرئ  بالكسر، على أنّه مصدر وصف به، أو منصوب بفعل دلّ عليه «أوصاني».

أي: وكلّفني برّا بوالدتي. ويؤيّده القراءة بالكسر والجرّ عطفا على الصّلاة.

وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا  عند اللّه من فرط التّكبّر.

في عيون الأخبار  بإسناده عن الصّادق- عليه السّلام- حديث في تعداد الكبائر.

 

يقول- عليه السّلام-: ومنها عقوق الوالدين. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- جعل العاقّ جبّارا شقيّا في قوله- تعالى- حكاية عن  عيسى- عليه السّلام-: وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا.

 

و في كتاب الخصال  عن سماعة بن مهران، عن الصّادق- عليه السّلام- في حديث طويل، يقول- عليه السّلام-: وبرّ الوالدين، وضدّه العقوق.

و فيه : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: برّوا آباءكم، يبرّكم  أبناؤكم.

و عفّوا عن نساء النّاس، [تعفّ نساؤكم ] .

و في أصول الكافي  بإسناده إلى الحكم بن مسكين، عن محمّد بن مروان قال: قال‏

 أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما يمنع الرّجل منكم أن يبرّ والديه، حيّين أو ميّتين. يصلّي عنهما. ويتصدّق عنهما. ويحجّ عنهما. ويصوم عنهما. فيكون الّذي صنع، لهما، وله مثل ذلك. فيزيده اللّه- عزّ وجلّ- ببرّه وصلته خيرا كثيرا.

وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ، كما هو على يحيى.

و التّعريف للعهد.

قيل : والأظهر أنّه للجنس، والتّعريض باللّعن على أعدائه. فإنّه لمّا جعل جنس السّلام على نفسه، عرّض بأن ضدّه عليهم. كقوله - تعالى-: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى فإنّه تعريض بأنّ العذاب على من كذّب وتولّى.

في عيون الأخبار  بإسناده إلى ياسر الخادم: قال: سمعت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- يقول: إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاث مواطن: يوم يولد ويخرج  من بطن أمّه، فيرى الدّنيا، ويوم يموت، فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث، فيرى أحكاما لم يرها في دار الدّنيا. وقد سلّم اللّه- عزّ وجلّ- على يحيى في هذه الثّلاثة المواطن، وآمن روعته، فقال: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

. وقد سلّم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثّلاثة المواطن، فقال: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا.

 

و في كتاب علل الشّرائع : عن وهب بن منبّه اليماني  قال: إنّ يهوديّا سأل النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا محمّد، أ كنت في أمّ الكتاب نبيّا قبل أن يخلق آدم ؟

قال: نعم.

قال: وهؤلاء أصحابك المؤمنون مثبّتون معك قبل أن يخلقوا؟ قال: نعم.

قال: فما شأنك لم تتكلّم بالحكمة حين خرجت من بطن أمّك، كما تكلّم عيسى بن مريم على زعمك، وقد كنت قبل ذلك نبيّا!؟فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّه ليس أمري كأمر عيسى بن مريم. إنّ عيسى بن مريم خلقه اللّه- عزّ وجلّ- من أمّ ليس له أب، كما خلق آدم من غير أب ولا أمّ. ولو أنّ عيسى حين خرج من أمّه، لم ينطق بالحكمة، لمن يكن لأمّه عذر عند النّاس،- وقد أتت به من غير أب- وكانوا يأخذونها، كما يؤخذ به مثلها من المحصنات. فجعل اللّه- عزّ وجلّ- منطقه عذرا لأمّه.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد [بن محمّد]  بن عبد اللّه، عن أبي مسعود ، عن عبد اللّه بن إبراهيم الجعفريّ قال: سمعت إسحاق بن جعفر يقول: [سمعت أبي يقول:]  الأوصياء إذا حملت بهم أمّهاتهم- إلى قوله:- فإذا كان اللّيلة الّتي تلد فيها، ظهر لها في البيت نور تراه ولا يراه غيرها إلّا أبوه. فإذا ولدته، ولدته قاعدا، ونفجت  له حتّى يخرج متربّعا. ثمّ  يستدير  بعد وقوعه إلى الأرض، فلا يخطئ القبلة حيث كانت بوجهه. ثمّ يعطس ثلاثا، يشير بإصبعه بالتّحميد. ويقع مسرورا  مختونا، ورباعيّتاه من فوق وأسفل وناباه وضاحكاه، ومن بين يديه مثل سبيكة الذّهب نور. ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا. وكذلك الأنبياء إذا ولدوا. وإنّما الأوصياء أعلاق من الأنبياء.

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه- بإسناده إلى أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- قال: لمّا ولد عيسى بن مريم- عليه السّلام- كان ابن يوم كأنّه ابن شهرين. فلمّا كان ابن سبعة أشهر، أخذته  والدته، وجاءت به إلى  الكتاب، وأقعدته بين يدي المؤدّب.

فقال له المؤدّب: قل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. [فقال عيسى- عليه السّلام- بسم اللّه الرحمن الرّحيم‏] .فقال له المؤدّب: قل: أبجد. فرفع عيسى- عليه السّلام- رأسه فقال: وهل تدري ما أبجد؟ فعلاه بالدرّة ليضربه . فقال: يا مؤدّب، لا تضربني. إن كنت تدري، وإلّا فسلني، حتّى أفسّر لك. قال: فسّر لي.

فقال عيسى- عليه السّلام-: الألف آلاء اللّه. والباء بهجة اللّه . والجيم جمال اللّه. والدّال دين اللّه. هوّز: الهاء هول جهنّم. والواو ويل لأهل النّار. والزّاء زفير جهنّم. حطّي: حطّت الخطايا عن المستغفرين. كلمن: كلام اللّه، لا مبدّل لكلماته.

سعفص: صاع بصاع، والجزاء بالجزاء. قرشت: قرشهم فحشرهم.

فقال المؤدّب: أيّتها المرأة، خذي بيد ابنك [، فقد علم‏]  ولا حاجة له في المؤدّب.

ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: الّذى تقدّم نعته، هو عيسى بن مريم، لا ما تصفه النّصارى.

و هو تكذيب لهم فيما يصفونه على الوجه الأبلغ والطّريق البرهانيّ، حيث جعله الموصوف بأضداد ما يصفونه، ثمّ عكس الحكم.

قَوْلَ الْحَقِّ:

خبر مبتدأ محذوف. أي: هو قول الحقّ الّذي لا ريب فيه. والإضافة للبيان.

و قيل : صفة عيسى أو بدله. أو خبر ثان معناه. وكلمة اللّه.

و قرأ  عاصم وابن عامر ويعقوب: «قول» بالنّصب، على أنّه مصدر مؤكّد.

و قرئ : «قال الحقّ» وهو بمعنى القول.

الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ : في أمره يشكّون، أو يتنازعون، فقالت اليهود: ساحر، وقالت النّصارى: ابن اللّه.

و قرئ  بالتّاء، على الخطاب.

ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ:

تكذيب للنصارى وتنزيه للّه عمّا بهتوه.

إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ :تبكيت لهم بانّ من إذا أراد شيئا  أوجده ب «كن»، كان منزّها من شبه الخلق والحاجة في اتّخاذ الولد بإحبال الإناث.

و قرئ : «فيكون»- بالنّصب- على الجواب.

وَ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ :

سبق تفسيره في سورة آل عمران.

و قرئ : «و أنّ»- بالفتح- على ولأنّ، أو على أنّه معطوف على الصّلاة.

فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ: اليهود والنّصارى. أو فرق النّصارى. نسطوريّة قالوا: إنّه ابن اللّه. ويعقوبيّة قالوا: هو اللّه. هبط إلى الأرض، ثمّ صعد  إلى السّماء.

و ملكانيّة قالوا، هو عبد اللّه ونبيّه.

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ : من شهود يوم عظيم هو له وحسابه وجزاؤه، وهو يوم القيامة. أو من وقت الشّهود. أو مكانه فيه. أو من شهادة ذلك اليوم عليهم. وهو أن يشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم بالكفر والفسوق. أو من وقت الشّهادة. أو من مكانها.

و قيل : هو ما به شهدوا في عيسى وأمّه.

في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وأنزل في الكيل : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. ولم يجعل الويل لأحد حتّى يسمّيه كافرا. قال اللّه- عزّ وجلّ-: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ.

 

أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ:

تعجّب معناه أنّ أسماعهم وأبصارهم، يَوْمَ يَأْتُونَنا- أي: يوم القيامة- جدير بأن يتعجّب منهما بعد ما كانوا صمّا وعميا في الدّنيا. أو تهديد بما سيسمعون وسيبصرون‏يومئذ.

و قيل : أمر بأن يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك اليوم وما يحيق بهم فيه. والمجرور على الأوّلين في موضع الرّفع بالفاعليّة. وعلى الثّالث في موضع النّصب بالمفعوليّة.

لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ :

أوقع الظّالمين موقع الضّمير، إشعارا بأنّهم ظلموا أنفسهم، حيث أغفلوا الاستماع والنّظر حين ينفعهم. وسجّل على إغفالهم بأنّه ضلال.

وَ أَنْذِرْهُمْ  يَوْمَ الْحَسْرَةِ: يتحسّر فيه النّاس، المسي‏ء على إساءته، والمحسن على قلّة إحسانه.

و في كتاب معاني الاخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن القاسم بن محمّد الأصفهانيّ، عن [سليمان بن‏]  داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال: يَوْمَ الْحَسْرَةِ يوم يؤتى بالموت فيذبح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-]  قال: سئل عن قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ.

 

قال: ينادي مناد من عند اللّه عزّ وجلّ- وذلك بعد ما صار أهل الجنّة في الجنّة، وأهل النّار في النّار-: يا أهل الجنّة! ويا أهل النّار! هل تعرفون الموت في صورة من الصّور؟ فيقولون: لا.

فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنّة والنّار. ثمّ ينادون جميعا:

أشرفوا وانظروا إلى الموت. فيشرفون. ثمّ يأمر اللّه- عزّ وجلّ- به، فيذبح. ثمّ يقال: يا أهل الجنّة! خلود، فلا موت أبدا. ويا أهل النّار! خلود، فلا موت أبدا. وهو قوله- عزّ وجلّ-: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ. أي: قضي على أهل الجنّة بالخلود فيها، [و قضي على أهل النّار بالخلود فيها] .و في مجمع البيان : وروى مسلم في الصّحيح، بالإسناد عن أبي سعيد الخدريّ قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، قيل: يا أهل الجنّة! فيشرفون  وينظرون. [و قيل: يا أهل النّار! فيشرفون  وينظرون‏] .

فيجاء بالموت كأنّه كبش أملح. فيقال لهم: هل  تعرفون الموت؟ فيقولون: هذا هذا. وكلّ قد عرفه.

قال: فيقدّم ، فيذبح. ثمّ يقال: يا أهل الجنّة! خلود فلا موت. ويا أهل النّار! خلود فلا موت. قال: فذلك قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (الآية) .

و رواه أصحابنا  عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللّه- عليه السّلام. ثمّ جاء في آخره: فيفرح أهل الجنّة فرحا لو كان أحد يومئذ ميّتا، لماتوا فرحا. ويشهق أهل النّار شهقة لو كان أحد ميّتا، لماتوا.

إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ: فرغ من الحساب، وتصادر الفريقان إلى الجنّة [و النّار] .

و «إذ» بدل من اليوم. أو ظرف للحسرة.

وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :

حال متعلّقة بقوله: فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. وما بينهما اعتراض. أو ب «أنذرهم». أي:

أنذرهم غافلين غير مؤمنين. فتكون حالا متضمّنة للتّعليل.

إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها، لا يبقى لأحد غيرنا لا عليها ولا عليهم ملك ولا ملك. أو: نتوفّى الأرض ومن عليها بالإهلاك والإفناء، توفّي الوارث لإرثه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: كلّ شي‏ء خلقه اللّه يرثه اللّه يوم القيامة.وَ إِلَيْنا يُرْجَعُونَ : يردّون للجزاء.