سورة هود الآية 1-20

سورة هود مكّيّة. وهي مائة وثلاث وعشرون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي محمّد، الحسن بن عليّ - عليهما السّلام- قال: من قرأ سورة هود في كلّ جمعة، بعثه اللَّه- عزّ وجلّ- يوم القيامة في زمرة النّبيّين، ولم يعرف له خطيئة عملها يوم القيامة.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: من قرأها، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بنوح- عليه السّلام- وكذّب به، وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى. وكان يوم القيامة من السّعداء.

و روى الثّعلبيّ ، بإسناده: عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة قال: قيل:

يا رسول اللَّه، قد أسرع إليك الشّيب.

قال: شيّبتني هود وأخواتها.

و في كتاب الخصال : عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: قال أبو بكر:

يا رسول اللَّه، أسرع إليك الشّيب.

قال: شيّبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون.

الر كِتابٌ: مبتدأ وخبر. أو «كتاب» خبر مبتدأ محذوف. وسبق تأويل «الر» في أوّل سورة يونس.

أُحْكِمَتْ آياتُهُ: نظّمت نظما محكما، لا يعتريه إخلال من جهة اللّفظ والمعنى.

قيل»

: أو منعت من الفساد والنّسخ، فإنّ المراد آيات السّورة وليس فيها منسوخ.

أو أحكمت بالحجج والدّلائل. أو جعلت حكيمة، منقول  من حكم بالضّمّ: إذا صار حكيما. لأنّها مشتملة على أمّهات الحكم النّظريّة والعمليّة.

ثُمَّ فُصِّلَتْ: بالفوائد، من العقائد والأحكام والمواعظ والأخبار. أو بجعلها سورا. أو بالإنزال نجما نجما. أو فصّل فيها ولخّص ما يحتاج إليه.

و قرئ : «ثمّ فصلت»، أي: فرقت بين الحقّ والباطل. وأُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ على البناء للمتكلّم. و«ثمّ» للتّفاوت في الحكم أو للتّراخي في الأخبار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هو القرآن.

مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ : صفة أخرى للكتاب. أو خبر بعد خبر. أو صلة ل «أحكمت» أو «فصّلت». وهو تقرير لإحكامها وتفصيلها على أكمل ما ينبغي، باعتبار ما ظهر أمره وما خفي.

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ: لأن لا تعبدوا.

و قيل : «أن» مفسّرة، لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول.

و قيل : يجوز أن يكون كلاما مبتدأ، للإغراء على التّوحيد. أو الأمر بالتّبرؤ من عبادة الغير، كأنّه قيل: ترك عبادة غير اللَّه، بمعنى: ألزموه ، أو اتركوها  تركا.

إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ: من اللَّه.نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ : بالعقاب على الشّرك، والثّواب على التّوحيد.

وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ: عطف على «ألّا تعبدوا».

ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ: ثمّ توسّلوا إلى مطلوبكم بالتّوبة. فإنّ المعرض عن طريق الحقّ لا بدّ له من رجوع.

و قيل : استغفروا من الشّرك، ثمّ توبوا إلى اللَّه بالطّاعة.

و يجوز أن يكون «ثمّ» لتفاوت ما بين الأمرين.

يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً: يعيّشكم في أمن ودعة.

إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: هو آخر أعماركم المقدّرة. أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال.

وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ: ويعط كلّ ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدّنيا والآخرة. وهو وعد للموحد التّائب بخير الدّارين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ ذلك عليّ بن أبي طالب- صلوات اللَّه عليه-.

و نقل ابن مردويه  من العامّة ، بإسناده: عن رجاله، عن ابن عبّاس قال: قوله- تعالى-: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أنّ المعنيّ به: عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

وَ إِنْ تَوَلَّوْا: وإن تتولّوا.

فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ : يوم القيامة.

و قيل : يوم الشّدائد، وقد ابتلوا بالقحط حتّى أكلوا الجيف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّه الدّخان والصّيحة.

و قرئ : «و إن تولّوا» من ولي.إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ: رجوعكم في ذلك اليوم. وهو شاذّ عن القياس.

وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : فيقدر على تعذيبهم أشدّ عذاب. وكأنّه تقدير لكبر اليوم.

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ: يثنونها عن الحقّ وينحرفون عنه. أو يعطفونها على الكفر وعداوة النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-. أو يولّون ظهورهم.

و قرئ : «تثنوني» بالتّاء والياء، من أثنوني، وهو بناء المبالغة.

و في الجوامع : وفي قراءة أهل البيت- عليهم السّلام-: يثنوني، على يفعول . من الثّني وهو [بناء]  مبالغة.

و «تثنون» من الثّن: وهو الكلأ الضّعيف. أراد به ضعف قلوبهم، أو مطاوعة صدورهم للثّني. و«نثنئنّ» من اثنأنّ، كابيأضّ، بالهمزة.

لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ: من اللَّه بسرّهم، فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه.

قيل : أو من رسوله.

قيل : إنّها نزلت في طائفة من المشركين، قالوا: إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-، كيف يعلم.

و قيل : نزلت في المنافقين. وفيه نظر، إذ الآية مكّيّة، والنّفاق حدث بالمدينة.

و في روضة الكافي : ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سدير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أخبرني جابر بن عبد اللَّه، أنّ المشركين كانوا إذا مرّوا برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حول البيت، طأطأ أحدهم ظهره ورأسه- هكذا- وغطّى رأسه بثوبه حتّى  لا يراه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. فأنزل اللَّه الآية.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: يكتمون ما في صدورهم من بغض عليّ- عليه السّلام-. قال رسول اللَّه- صلّى‏اللَّه عليه وآله-: إنّ آية المنافق بغض عليّ- عليه السّلام- [قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-]  فكان قوم يظهرون المودّة لعليّ- عليه السّلام- عند النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و يسرّون  بغضه.

أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ: ألا حين يأوون إلى فراشهم يتغطّون  ثيابهم كراهة استماع كلام اللَّه، كقوله: جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ.

و قيل : يتغطّون بثيابهم.

يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ: في قلوبهم.

وَ ما يُعْلِنُونَ: بأفواههم. يستوي في علمه سرّهم وعلتهم، فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه.

إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ : بالأسرار ذات الصّدور، أو بالقلوب وأحوالها.

وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها: غذاؤها ومعاشها، لتكفّله إيّاه تفضّلا ورحمة. وإنّما أتى بلفظ الوجوب، تحقيقا لوصوله، وحملا على التّوكّل فيه.

وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها: أماكنها في الحياة والممات. أو الأصلاب والأرحام. أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل، ومودعها من الموادّ والمقارّ حين كانت بعد بالقوة.

كُلٌّ كلّ واحد من الدّوابّ وأحوالها.

فِي كِتابٍ مُبِينٍ : مذكور في اللّوح المحفوظ. وكأنّه أريد بالآية: بيان كونه عالما بالمعلومات كلّها وبما بعدها بيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها، تقريرا للتّوحيد ولما سبق من الوعد الوعيد.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: قسّم أرزاقهم، وأحصى آثارهم وأعمالهم، وعدّد أنفسهم  وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضّمير، ومستقرّهم‏و مستودهم من الأرحام والظّهور، إلى أن تتناهى بهم  الغايات.

و في تفسير العيّاشيّ : محمد بن فضيل، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أتى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- رجل من أهل البادية.

فقال: يا رسول اللَّه، إنّ لي بنين وبنات وإخوة وأخوات وبني بنين وبني بنات وبني إخوة وبني أخوات، والمعيشة علينا خفيفة . فإن رأيت، يا رسول اللَّه، أن تدعو اللَّه أن يوسّع علينا؟

قال: وبكى. فرقّ له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-  وقرأ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ. وقال و من كفل بهذه الأفواه المضمونة على اللَّه رزقها، صبّ اللَّه عليه الرّزق صبّا، كالماء المنهمر.

إن قليل فقليلا، وإن كثير فكثيرا.

قال: ثمّ دعا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأمّن له المسلمون.

قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فحدّثني من رأى الرّجل في زمن عمر، فسأله عن حاله.

فقال: من أحسن من خوّله  حلالا وأكثرهم مالا.

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، أي: خلقهما وما فيهما، كما مرّ بيانه في الأعراف. أو ما في جهتي العلو والسّفل. وجمع السّموات دون الأرضين، لاختلاف العلويّات بالأصل والذّات دون السّفليّات.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- خلق الدّنيا في ستّة أيّام، ثمّ اختزلها  عن أيّام السّنة. فالسّنة ثلاثمائة وأربع وخمسون يوما.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل.

 و فيه: وأمّا قوله: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ  فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ ذكره- أنزل  عزائم الشّرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة، كما خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ. ولو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر ، ولكنّه جعل الأناة والمداراة أمثالا  لأمنائه وإيجابا للحجّة على خلقه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ- إلى قوله - وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ. وذلك في مبتدأ  الخلق، أنّ الرّبّ- تبارك وتعالى- خلق الهواء، ثمّ خلق القلم فأمره أن يجري.

فقال: يا ربّ، بما أجري؟

فقال: بما هو كائن.

ثمّ خلق الظّلمة من الهواء، وخلق النّور من الهواء، [و خلق الماء من الهواء،]  وخلق العرش من الهواء، وخلق العقيم  من الهواء، وهو الرّيح الشّديد، وخلق النّار من الهواء، وخلق الخلق كلّهم من هذه السّتّة الّتي خلقت من الهواء. فسلّط العقيم على الماء، فضربته فأكثرت الموج والزّبد، وجعل يثور دخانه في الهواء.

فلمّا بلغ الوقت الّذي أراد، قال للزّبد: اجمد، فجمد. وقال للموج: اجمد، فجمد. فجعل الزّبد أرضا، وجعل الموج جبالا رواسي للأرض.

فلمّا أجمدها، قال للرّوح والقدرة: سوّيا عرشي إلى السّماء، فسوّيا عرشه إلى السّماء. وقال للدّخان: اجمد، فجمد. ثمّ قال له: ازفر، فزفر. فناداها والأرض جميعا ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ.

فلمّا أخذ في رزق خلقه خلق السّماء وجنانها  والملائكة يوم الخميس، وخلق‏الأرض يوم الأحد، وخلق دواب البرّ والبحر يوم الاثنين، وهما اليومان اللّذان يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ . وخلق الشّجر ونبات الأرض  وأنهارها وما فيها والهوامّ في يوم الثّلاثاء، وخلق الجانّ، وهو أبو الجنّ يوم السّبت، وخلق الطّير في يوم الأربعاء، وخلق آدم في ستّ ساعات في يوم الجمعة. فهذه  السّتّة الأيّام خلق اللَّه السّموات والأرض وما بينهما.

و في روضة الكافي : عبد اللَّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللَّه خلق الخير يوم الأحد [و ما كان ليخلق الشّرّ قبل الخير، وفي يوم الأحد]  والاثنين خلق الأرضين، وخلق أقواتها في يوم الثّلاثاء، وخلق السّموات يوم الأربعاء ويوم الخميس، وخلق أقواتها يوم الجمعة. وذلك قول اللَّه- عزّ وجلّ-: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.

وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ: قبل خلقهما.

قيل : لم يكن حائل بينهما، لا أنّه كان موضوعا على متن الماء. واستدلّ به على إمكان الخلاء، وأنّ الماء أوّل حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم.

و قيل : كان الماء على متن الرّيح.

و في كتاب التّوحيد : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقّاق- رحمه اللَّه- قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللَّه الكوفيّ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ قال: حدّثنا جذعان بن نصر [أبو نصر]  الكنديّ قال: حدّثنا سهل بن زياد الآدميّ، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللَّه  بن كثير، عن داود الرّقّيّ قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ.

فقال لي: ما يقولون [في ذلك‏] .قلت: يقولون: إنّ العرش كان على الماء، والرّبّ فوقه.

فقال: كذبوا. من زعم هذا، فقد صيّر اللَّه محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أنّ الشّي‏ء الّذي يحمله أقوى منه.

قلت: بيّن لي، جعلت فداك.

فقال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- حمّل علمه ودينه الماء قبل أن تكون سماء أو أرض أو إنس أو جنّ أو شمس أو قمر. فلمّا أراد أن يخلق الخلق، نثرهم بين يديه.

فقال لهم: من ربّكم؟

فكان أوّل من نطق رسول اللَّه وأمير المؤمنين والأئمّة- صلوات اللَّه عليهم-. فقالوا:

أنت ربّنا.

فحمّلهم العلم والدّين. ثمّ قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي، وهم المسئولون.

ثمّ قيل لبني آدم: أقرّوا للّه بالرّبوبيّة ولهؤلاء النّفر بالطّاعة.

فقالوا: نعم، ربّنا، أقررنا.

فقال للملائكة: اشهدوا.

فقالت الملائكة: شهدنا على أن لا يقولوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ .

إنّ  ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق.

و على هذا الخبر، المراد بالعرش: العلم، كما سبق- أيضا- في الأخبار الاخر.

و معنى كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ: أنّ علمه التّفصيليّ الّذي هو عين الموجودات كان منحصرا في الماء. فلا يلزم إمكان الخلاء، ولا مح  آخر.

و في أصول الكافي : محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن داود الرّقّيّ قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ.

فقال: ما يقولون؟قلت: يقولون: إنّ العرش كان على الماء، والرّب فوقه.

فقال: كذبوا. من زعم هذا، فقد صيّر اللَّه محمولا ووصفه بصفة المخلوقين  ولزمه أنّ الشّي‏ء الّذي يحمله أقوى منه.

قلت: بيّن لي، جعلت فداك.

فقال: إنّ اللَّه حمّل دينه وعلمه على  الماء قبل أن يكون سماء أو أرض أو جن أو إنس أو شمس أو قمر.

محمّد بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصّيرفيّ قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ .

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله. فابتدع السّموات والأرضين، ولم يكن قبلهنّ سموات ولا أرضون. أما تسمع لقوله- تعالى-: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن عمران العجليّ قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أيّ شي‏ء كان موضع البيت حيث كان الماء في قول اللَّه- تعالى-: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ؟

قال: كان مهاة بيضاء، يعني: درّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: خرج هشام بن عبد الملك حاجّا ومعه الأبرش الكلبيّ، فلقيا أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- في المسجد الحرام.

فقال هشام للأبرش: تعرف هذا؟

قال: لا.

قال: هذا الّذي تزعم الشّيعة أنّه وصيّ إمام لكثرة  علمه.فقال الأبرش: لأسألنّه عن مسألة  لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ.

فقال هشام: وددت أنّك فعلت ذلك.

فلقي الأبرش أبا عبد اللَّه- عليه السّلام-. فقال: يا أبا عبد اللَّه، أخبرني عن قول اللَّه: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما . فبما كان رتقهما، وبما كان فتقهما؟

فقال أبو عبد اللَّه: يا أبرش، هو كما وصف نفسه وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ ولم يكن يومئذ خلق غيرهما، والماء عذب فرات. فلمّا أراد أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربت الماء حتّى صار موجا، ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلا من زبد، ثمّ دحى الأرض من تحته فقال اللَّه- تبارك وتعالى-: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ، ثمّ مكث الرّبّ- تبارك وتعالى- ما شاء. فلمّا أراد أن يخلق السّماء، أمر الرّياح، فضربت البحور حتّى أزبدت بها. فخرج من ذلك الموج والزّبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السّماء وجعل فيها البروج والنّجوم ومنازل الشّمس والقمر وأجراها في الفلك. وكانت السّماء خضراء على لون الماء الأخضر، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وستقف عليه بتمامه عند قوله- تعالى-: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا (الآية) إن شاء اللَّه.

حدّثني أبي ، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن الطّفيل ، عن أبي جعفر، عن أبيه، عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه قال: وقد أرسل إليه ابن عبّاس يسأل عن مسائل: وأمّا ما سأل عنه من العرش ممّ خلقه اللَّه؟ فإنّ اللَّه خلقه أرباعا لم يخلق قبله إلّا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنّور. ثمّ خلقه اللَّه ألوانا مختلفة .

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النّعمان الأحول، عن سلام‏

 

بن المستنير ، عن ثوير  بن أبي فاختة، وذكر حديثا طويلا ستقف عليه إذا لزم إن شاء اللَّه- تعالى-. وفيه يقول- عليه السّلام-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ، يعني: بأرض لم تكسب عليها الذّنوب، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات، كما دحاها أوّل مرّة. ويعيد عرشه على الماء، كما كان أوّل مرّة، مستقلّا بعظمته وقدرته.

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا: متعلّق ب «خلق»، أي: خلق ذلك، كخلق من خلق، ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون. فإنّ جملة ذلك أسباب وموادّ لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم، ودلائل وأمارات تستدلّون بها وتستنبطون منها.

و إنّما جاز تعليق فعل البلوى، لما فيه من معنى العلم من حيث أنّه طريق إليه، كالنّظر والاستماع.

و إنّما ذكر صيغة التّفضيل والاختبار الشّامل، لفرق المكلّفين باعتبار الحسن والقبح، للتّحريض على أحاسن المحاسن والتّحضيض على التّرقّي دائما من مراتب العمل والعلم. فإنّ المراد بالعمل ما يعمّ عمل القلب والجوارح.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، [عن أبيه‏]  عن القاسم بن محمّد، عن المنقريّ، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-:

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.

قال: ليس معنى: أكثركم  عملا، ولكن أصوبكم عملا. وإنّما الإصابة خشية اللَّه والنّيّة الصّادقة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و روى العامّة : عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: أيّكم أحسن عقلا ، وأورع عن محارم اللَّه، وأسرع في طاعة اللَّه.و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: ألا إنّ اللَّه قد كشف الخلق كشفة، لا أنّه جهل ما أخفوه من [مصون‏]  أسرارهم و مكنون ضمائرهم «و لكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملا». فيكون الثّواب جزاء، والعقاب بواء .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن [الحسن بن‏]  عليّ بن محمّد العسكريّ- عليه السّلام- أنّ أبا الحسن، موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: إنّ اللَّه خلق الخلق فعلم ما هم إليه صائرون، فأمرهم  ونهاهم. فما أمرهم به من شي‏ء، فقد جعل لهم السّبيل إلى الأخذ به. وما نهاهم عنه من شي‏ء، فقد جعل لهم السّبيل إلى تركه. ولا يكونون آخذين ولا تاريكن إلّا بأذنه. [و ما جبر اللَّه أحدا من خلقه على معصية ، بل اختبرهم بالبلوى، كما قال: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.

قوله- عليه السّلام-: ولا يكونون آخذين ولا تاركين، إلّا بإذنه‏]  أي: إلّا1»

 بتخليته .

وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ، أي: ما البعث، أو القول به، أو القرآن المتضمّن لذكره إلّا، كالسّحر في الخديعة والبطلان.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «إلّا ساحر». على أنّ الإشارة إلى القائل.

و قرئ : «أنّكم» بالفتح. على تضمّن «قلت» معنى: ذكرت. أو «أنّ» بمعنى: علّ، أي: ولئن قلت علّكم مبعوثون، بمعنى: توقعوا بعثكم ولا تبتّوا بإنكاره، لعدّوه من قبيل ما لا حقيقة له مبالغة في إنكاره.

وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ: الموعود.إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ: إلى جماعة من الأوقات قليلة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: يعني به: الوقت.

لَيَقُولُنَّ: استهزاء.

ما يَحْبِسُهُ: ما يمنعه من الوقوع.

أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ.

قيل : كيوم بدر.

لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ: ليس العذاب مدفوعا عنهم.

و «يوم» منصوب بخبر ليس مقدّما عليه. وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها.

وَ حاقَ بِهِمْ: وأحاط بهم. وضع الماضي موضع المستقبل، تحقيقا ومبالغة في التّهديد.

ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ، أي: العذاب الّذي كانوا به يستعجلون. فوضع «يستهزئون» موضع «يستعجلون»، لأنّ استعجالهم كان استهزاء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: إن متّعناهم في هذه الدّنيا إلى خروج القائم- عليه السّلام- فنردّهم ونعذّبهم. لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ، أي: ليقولون لا يقوم القائم ولا يخرج على حدّ الاستهزاء.

أخبرنا أحمد بن إدريس  قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف عن  حسّان، عن هشام بن عمّار، عن أبيه، وكان من أصحاب عليّ- عليه السّلام-. [عن علي- عليه السّلام-]  في قوله: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ.

 [قال:]  الأمة المعدودة أصحاب القائم- صلوات اللَّه عليه- الثّلاثمائة والبضعة عشر.و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسين، عن الخرّاز، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ. [قال: هو القائم وأصحابه.

عن أبان بن مسافر ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: في قول اللَّه وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ] ، يعني: عدّة، كعدّة بدر. لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ. قال: العذاب.

عن عبد الأعلى الحلبيّ  قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: أصحاب القائم الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا، هم واللَّه الأمّة المعدودة، الّتي قال اللَّه في كتابه. وتلا هذه الآية.

قال: يجتمعون، واللَّه ، في ساعة واحدة قزعا ، كقزع الخريف.

و في روضة الكافي ، وفي مجمع البيان: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- تعالى-:اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

 .

قال: «الخيرات» الولاية.

و قوله- تبارك وتعالى-:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً، يعني: أصحاب القائم الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا.

قال: وهم، واللَّه، الأمّة المعدودة.

قال: يجتمعون، واللَّه، في ساعة واحدة قزعا، كقزع الخريف.

وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً: ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذّتها.

ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ: ثمّ سلبنا تلك النّعمة منه.

إِنَّهُ لَيَؤُسٌ: قطوع رجاءه من فضل اللَّه، لقلّة صبره وعدم ثقته باللّه.كَفُورٌ : مبالغ في كفران ما سلف له من النّعمة.

وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ: كصحّة بعد سقم، وغنى بعد عدم.

و في اختلاف الفعلين في الإسناد نكتة لا تخفى.

لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي، أي: المصائب الّتي ساءتني.

إِنَّهُ لَفَرِحٌ: بطر بالنّعم، مغترّ بها.

فَخُورٌ : على النّاس، مشغول عن الشّكر والقيام بحقّها.

و في لفظ الإذاقة والمسّ تنبيه على أنّ ما يجده الإنسان في الدّنيا من النّعم والمحن، كالأنموذج لما يجده في الآخرة، وأنّه يقع في الكفران والبطر بأدنى شي‏ء. لأنّ الذّوق إدراك الطّعم، والمسّ مبتدأ الوصول.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إذا أغنى اللَّه العبد ثمّ افتقر، أصابه الأياس والجزع والهلع. وإذا كشف اللَّه عنه ذلك، فرح.

إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا: على الضّرّاء، إيمانا باللّه واستسلاما لقضائه.

وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ: شكرا لآلائه، سابقها ولاحقها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: صبروا في الشّدّة، وعملوا الصّالحات في الرّخاء.

أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ: لذنوبهم.

وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ : أقلّه الجنّة.

و الاستثناء من الإنسان، لأنّ المراد به: الجنس. فإذا كان محلّى بالّلام، أفاد الاستغراق. ومن حمله على الكافر، لسبق ذكرهم، جعل الاستثناء منقطعا.

فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ: تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك، وهو ما يخالف رأي المشركين، مخافة ردّهم واستهزائهم. ولا يلزم من توقّع الشّي‏ء لوجود ما يدعو إليه وقوعه، لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرّسل عن الخيانة في الوحي والثّقة في التّبليغ هاهنا.

وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ: وعارض لك أحيانا ضيق صدرك، بأن تتلوه عليهم مخافة.أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ: ينفقه في الاستتباع، كالملوك.

أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ: يصدّقه.

و قيل : الضّمير في «به» مبهم، يفسّره «أن يقولوا».

إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ: ليس عليك إلّا الإنذار بما أوحي إليك، ولا عليك ردّوا أو اقترحوا. فما بالك يضيق به صدرك.

وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ : فتوكّل عليه، فإنّه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاء أقوالهم وأفعالهم.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد [عن محمّد]  بن خالد والحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن مسكان، عن عمّار بن سويد  قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول في هذه الآية: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا نزل قديد ، قال لعليّ- عليه السّلام-: [يا علي‏]  إنّي سألت ربّي أن يوالي بيني وبينك، ففعل. وسألت ربّي أن يؤاخي بيني وبينك، ففعل. وسألت ربّي أن يجعلك وصيّي، ففعل.

فقال رجلان من قريش: واللَّه، لصاع من تمر في شنّ بال  أحب إلينا ممّا سأل محمّد ربّه. فهلّا سأل ربّه ملكا يعضده على عدوّه، أو كنزا يستغني به عن فاقته. واللَّه، ما دعاه إلى حقّ ولا باطل إلّا أجابه إليه.

فأنزل اللَّه إليه: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ (الآية).

و في تفسير العيّاشي : عن جابر بن أرقم، عن أخيه، زيد بن أرقم قال: إنّ جبرئيل، الرّوح الأمين نزل على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عشيّة عرفة. فضاق بذلك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-، مخافة تكذيب أهل الإفك والنّفاق. فدعا قوما أنا فيهم، فاستشارهم في ذلك ليقوم به في الموسم، فلم ندرما نقول له. وبكى- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فقال له جبرئيل: [ما لك‏]  يا محمّد، أجزعت من أمر اللَّه؟

فقال كلّا، يا جبرئيل، ولكن قد علم ربّي ما لقيت من قريش إذ لم يقرّوا لي بالرّسالة حتّى أمرني بجهادهم وأهبط إليّ جنودا من السّماء فنصروني. فكيف يقرّون لعليّ من بعدي؟

فانصرف عنه جبرئيل- عليه السّلام-. فنزل عليه فَلَعَلَّكَ تارِكٌ (الآية).

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ «أم» منقطعة. و«الهاء» لما يوحى.

قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ: في البيان وحسن النّظم.

تحدّاهم أوّلا بعشر سور، ثمّ لمّا عجزوا عنها سهّل الأمر عليهم وتحدّاهم بسورة.

و توحيد المثل، باعتبار كلّ واحدة.

مُفْتَرَياتٍ: مختلقات من عند أنفسكم، إن صحّ أنّي اختلقته من عند نفسي. فإنّكم عرب فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما أقدر عليه، بل أنتم أقدر لتعلّمكم القصص والأشعار وتعوّدكم القريض والنّظم.

وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ: إلى المعاونة على المعارضة.

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : أنّه مفترى.

فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ: بإتيان ما دعوتم إليه.

و جمع الضّمير إمّا لتعظيم الرّسول، أو لأنّ المؤمنين- أيضا- كانوا يتحدّونهم. وكان أمر الرّسول متناولا لهم من حيث أنّه يجب اتّباعه عليهم في كلّ أمر إلّا ما خصّه الدّليل.

و للتّنبيه على أنّ التّحدّي ممّا يوجب رسوخ إيمانهم وقوّة يقينهم، فلا يغفلون عنه. ولذلك رتب عليه قوله: فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ: ملتبسا بما لا يعلمه إلّا اللَّه ولا يقدر عليه سواه.

وَ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: واعلموا أن لا إله إلّا هو، اللَّه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره، ولظهور عجز آلهتهم، ولتنصيص هذا الكلام الثّابت صدقه بإعجازه عليه.

و فيه تهديد وإقناط من أن يجيرهم من بأس اللَّه- تعالى- آلهتهم.فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ : ثابتون على الإسلام راسخون مخلصون فيه، إذا تحقّق عندم إعجازه مطلقا.

و يجوز أن يكون الكلّ خطابا للمشركين.

و الضّمير في «لم يستجيبوا» ل «من استطعتم»، أي: فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم، وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعارضة، فاعلموا أنّه نظم لا يعلمه إلّا اللَّه، وأنّه منزل من عند اللَّه، وأنّ ما دعاكم إليه من التّوحيد حقّ، فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجّة القاطعة؟

و في مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطّلب، والتّنبيه على قيام الموجب وزوال العذر.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: «فإن لم يستجيبوا لك» في ولاية عليّ- عليه السّلام-. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لعليّ ولايته.

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها: بإحسانه وبرّه.

نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها: نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدّنيا، من الصّحّة والسعة والرّئاسة وسعة الرّزق وكثرة الأولاد.

و قرئ : «يوفّ» بالياء، أي.: يوفّ اللَّه. و«توفّ» بالتّاء، على البناء للمفعول. و«نوف» بالتّخفيف والرّفع، لأنّ الشّرط ماض، كقوله:

         وإن أتاه كريم  يوم مسغبة             يقول لا غائب مالي ولا حرم‏

 وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ : لا ينقصون شيئا من أجورهم.

و الآية قيل»

: في أهل الرّياء.

و قيل»

: في المنافقين.

و قيل»

: في الكفرة وبرّهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-، يعني: فلان وفلان.أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ: مطلقا في مقابلة ما عملوا.

لأنّهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة، وبقيت لهم أوزار العزائم السّيّئة.

وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها: لأنّه لم يبق لهم ثواب في الآخرة. أو لم يكن، لأنّهم لم يريدوا به وجه اللَّه. والعمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص.

و يجوز تعليق الظّرف ب «صنعوا». على أنّ الضّمير للدّنيا.

وَ باطِلٌ: في نفسه.

ما كانُوا يَعْمَلُونَ : لأنّه لم يعمل على ما ينبغي. وكأنّ كلّ واحدة من الجملتين علّة لما قبلها.

و قرئ : «و باطلا» على أنّه مفعول «يعملون»، و«ما» إبهاميّة. أو في معنى المصدر، و«ما» موصولة على معنى: وبطل بطلانا ما كانوا يعملون. و«بطل»  على الفعل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال : من عمل الخير على أن يعطيه اللَّه ثوابه في الدّنيا، أعطاه اللَّه ثوابه في الدّنيا، وكان له في الآخرة النّار.

و في مجمع البيان : أنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: بشّروا  أمّتي بالثّناء والتّمكين في الأرض. فمن عمل منهم عملا للدّنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف.

فقال: أ ترى يخيب اللَّه هذا الخلق كلّه؟

فقال أبي: ما وقف [بهذا الموقف‏]  أحد إلّا غفر له، مؤمنا كان أو كافرا. إلّا أنّهم في مغفرتهم على ثلاث منازل: مؤمن غفر اللَّه له.

- إلى أن قال-: وكافر وقف هذا الموقف يريد  زينة الحياة الدّنيا، غفر اللَّه ماتقدّم من ذنبه إن تاب من الشّرك فيما بقي من عمره. وإن لم يتب، وفّاه أجره ولم يحرمه أجر هذا الموقف. وذلك قوله- عزّ وجلّ-: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ: برهان من اللَّه يدلّه على الحقّ والثّواب فيما يأتيه ويذره.

و «الهمزة» لإنكار أن يعقب ما هذا شأنه هؤلاء المقصّرين هممهم وأفكارهم على الدّنيا، وأن يقارب بينهم في المنزلة. وهو الّذي أغنى عن ذكر الخبر، وتقديره: أ فمن كان على بيّنة، كمن كان يريد الدّنيا.

وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ: من اللَّه يشهد له.

مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى، يعني: التّوراة.

و مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى جملة مبتدأة.

و قرئ: «كتاب» بالنّصب، عطفا على الضّمير في «يتلوه»، أي: يتلو القرآن شاهد من كان على بيّنة دالّة على أنّه حقّ، كقوله- تعالى-: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ.

و يقرأ: «من قبل القرآن التّوراة».

إِماماً: كتابا مؤتمّا به في الدّين.

وَ رَحْمَةً: على المنزّل عليهم، لأنّه الوصلة إلى الفوز بخير الدّارين.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن أحمد بن عمر الحلّال قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ.

فقال: أمير المؤمنين- عليه السّلام- الشّاهد على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على بيّنة من ربّه.

و في مجمع البيان : عن الباقر والرّضا- عليهما السّلام-: أنّ الشّاهد منه عليّ بن‏

أبي طالب، يشهد للنّبيّ وهو منه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن [الصّادق- عليه السّلام-: إنّما نزل ا فمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى.

حدّثني‏]  أبي ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس، عن أبي بصير والفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّما أنزلت أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، يعني:

رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى أولئك يؤمنون به. فقدّموا وأخّروا في التّأليف.

و في تفسير العيّاشي : عن بريد بن معاوية العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الّذي على بيّنة من ربّه رسول اللَّه. والّذي تلاه من بعده الشّاهد منه أمير المؤمنين، ثمّ أوصياؤه واحد بعد واحد.

عن جابر بن عبد اللَّه بن يحيى  قال: سمعت عليّا- عليه السّلام- وهو يقول: ما من رجل من قريش إلّا وقد نزل  فيه آية أو آيتان من كتاب اللَّه.

فقال له رجل من القوم: فما نزل فيك، يا أمير المؤمنين؟

فقال: أما تقرأ الآية الّتي في هود أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ. محمّد على بيّنة من ربّه، وأنا الشّاهد.

و في بصائر الدّرجات : محمّد بن الحسين، عن عبد اللَّه بن حمّاد، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: واللَّه، ما نزلت آية في كتاب اللَّه في ليل أو نهار إلّا وقد علمت أن فيمن أنزلت ولا ممّن على رأسه المواسي  [من قريش‏]  إلّا وقد أنزلت فيه آية من كتاب اللَّه، تسوقه إلى الجنّة أو إلى‏النّار.

فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، ما الآية الّتي نزلت فيك؟

قال له: أما سمعت اللَّه يقول: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ- إلى قوله- شاهِدٌ مِنْهُ.

فرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على بيّنة من ربّه، وأنا شاهد له فيه وأتلوه منه .

و على هذه الرّواية يكون المراد بالبيّنة: القرآن. ويكون «يتلوه» من التّلاوة.

و في كتاب الاحتجاج : قال سليم بن قيس: سأل رجل عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فقال، وأنا أسمع: أخبرني بأفضل منقبة لك.

قال: ما أنزل اللَّه في كتابه.

قال: و ما أنزل اللَّه فيك؟ قال: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ .

أنا الشّاهد من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و فيه : في حديث قال له بعض الزّنادقة: وأجد اللَّه يخبر أنّه يتلو نبيّه شاهد منه، وكان الّذي تلاه عبّد الأصنام برهة من دهره.

فقال- عليه السّلام-: وأمّا قوله: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فذلك حجّة اللَّه أقامها اللَّه على خلقه، وعرّفهم أنّه لا يستحقّ مجلس النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- إلّا من يقوم مقامه، ولا يتلوه إلّا من يكون في الطّهارة مثله بمنزلته . لئلّا يتّسع لمن ماسّه حسّ  الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام الرّسول، وليضيّق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه. إذ كان اللَّه قد حظر على من ماسّه  الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله  لإبراهيم: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ، أي: المشركين. لأنّه سمّى الشّرك ظلمابقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . فلمّا علم إبراهيم أنّ عهد اللَّه [بالإمامة]  لا ينال عبدة الأصنام قال: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ . واعلم أنّ من آثر المنافقين على الصّادقين والكفّار على الأبرار، فقد افترى على اللَّه إثما عظيما. إذ كان قد بيّن في كتابه الفرق بين المحقّ والمبطل والطّاهر والنّجس والمؤمن والكافر، وأنّه لا يتلو النّبيّ عند فقده إلّا من حلّ محلّه صدقا وعدلا وطهارة وفضلا.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه-، بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه كان يوم الجمعة يخطب على المنبر، فقال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي  إلّا وقد نزلت فيه آية من كتاب اللَّه- عزّ وجلّ-.

أعرفها، كما أعرفه.

فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما آيتك الّتي أنزلت فيك؟

فقال: إذا سألت فافهم، ولا عليك أن لا تسأل عنها غيري. أقرأت سورة هود؟

قال: نعم، [يا أمير المؤمنين.

قال: أ فسمعت اللَّه يقول: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ؟

قال: نعم‏] .

قال: الّذي على بيّنه من ربّه محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. و[الذي‏]  يتلوه شاهد منه، [و هو الشاهد وهو منه وأنا عليّ بن أبي طالب وأنا منه‏]  أنا الشّاهد وأنا منه.

و في مجمع البيان : عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام-: شاهد من اللَّه، محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و على هذا فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ يعمّ كلّ مؤمن مخلص ذو بصيرة في دينه، وهذا لا ينافي في نزوله في النّبيّ والوصيّ. وإلى التّعميم نظر من فسّر الشّاهد بالقرآن، أي:

شاهد من اللَّه يشهد بصحّته.أُولئِكَ: إشارة إلى «من كان على بيّنة».

يُؤْمِنُونَ بِهِ: بالقرآن، أو بالرّسول.

وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ: من أهل مكّة ومن تحزّب معهم على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ: يردها لا محالة.

و في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: لا يسمع بي أحد من الامة، لا يهوديّ ولا نصرانيّ ثمّ لا يؤمن بي، إلّا كان من أهل النّار.

و في روضة الكافي ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة.

 

يقول- عليه السّلام- فيها، بعد أن ذكر النّبيّ: وفي التّولي والإعراض عنه محادّة اللَّه وغضبه وسخطه، والبعد منه و مسكن النّار. وذلك قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ، يعني: الجحود به والعصيان له.

فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ: من الموعد، أو القرآن.

و قرئ : «مرية» بالضّمّ. وهما: الشّكّ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: في ولاية عليّ.

إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ : لقلّة نظرهم واختلال فكرهم.

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، كأن أسند إليه ما لم ينزله. أو نفي عنه ما أنزله.

أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ: في الموقف، بأن يحبسوا وتعرّض أعمالهم.

وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ: من الملائكة والنّبيّين. أو من جوارحهم.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: عن الباقر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-:

وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ.

قال: نحن الأشهاد.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ، وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ، يعني بالأشهاد: الأئمّة- عليهم السّلام-. أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ لآل محمّد حقّهم.

و هو جمع، شاهد، كأصحاب. أو شهيد، كأشراف، جمع شريف.

هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ :

تهويل عظيم ممّا يحيق بهم- حينئذ- لظلمهم بالكذب على اللَّه.

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: عن دينه.

وَ يَبْغُونَها عِوَجاً: ويصفونها بالانحراف عن الحقّ والصّواب. أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالرّدّة.

وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ : والحال أنّهم كافرون بالآخرة.

و تكرير كلمة «هم» لتأكيد كفرهم واختصاصهم به.

و في تفسير العيّاشيّ : عليّ بن إبراهيم ، عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ أَظْلَمُ- إلى قوله- يَبْغُونَها عِوَجاً.

قال: هم أربعة ملوك من قريش، يتبع بعضهم بعضا.

و الملوك الأربعة: الثّلاثة، ومعاوية.

و فيه : يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، [يعني:]  يصدّون عن طريق اللَّه، وهي الإمامة. يَبْغُونَها عِوَجاً صرفوها إلى غيره .

أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، أي: ما كانوا معجزين اللَّه في الدّنيا أن يعاقبهم.

وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ: يمنعونهم من العقاب، ولكنّه أخّر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشدّ وأدوم.يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ: استئناف.

و قرأ  ابن كثير وابن عامر ويعقوب: «يضعّف» بالتّشديد.

ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ: لتصامّهم عن الحقّ وبغضهم له.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ : لتعاميهم عن آيات اللَّه. وكأنّه العلّة لمضاعفة العذاب.

و قيل : هو بيان لما نفاه من ولاية الآلهة  بقوله: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ. فإنّ ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية. وقوله: يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ اعتراض.