سورة الشّعراء الآية 21-40

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً: حكمة، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ :

ردّ أوّلا بذلك ما وبّخه به قدحا في نبوّته. ثمّ كرّ على ما عدّ عليه من النّعمة، ولم يصرّح بردّه، لأنّه كان صدقا غبر قادح في دعواه، بل نبّه على أنّه كان في الحقيقة نقمة، لكونه مسبّبا عنها، فقال:

وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ ، أي: وتلك التّربية نعمة تمنّها عليّ ظاهرا. وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وقصدهم بذبح أبنائهم، فإنّه السّبب في وقوعي إليك وحصولي في تربيتك.

و قيل : إنّه مقدّر بهمزة الإنكار، أي أو تلك نعمة تمنّها عليّ!؟ وهي أن عبّدت. ومحلّ «أن عبّدت» الرّفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أو بدل «نعمة». أو الجرّ، بإضمار الباء. او النّصب، بحذفها.

و قيل : «تلك» إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة. و«أن عبّدت» عطف بيانها.

و المعنى: تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنّها عليّ. وإنّما وحّد الخطاب في «تمنّها» وجمع فيها قبله، لأنّ المنّة كانت منه وحده، والخوف والفرار منه ومن ملئه.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس آخر للرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء- عليهم السّلام- بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون، وعنده الرّضا- عليه السّلام-. فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه، أليس من قولك إنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى.

قال: فما معنى قول موسى لفرعون: فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ؟ قال الرّضا- عليه السّلام-: إن فرعون قال لموسى لمّا أتاه: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ بى. قال موسى: فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ عن الطّريق بوقوعي [إلى مدينة من مدائنك‏] . فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏

 . وقد قال اللّه - تعالى- لنبيّه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى يقول: ألم يجدك وحيدا، فآوى إليك النّاس؟ وَوَجَدَكَ ضَالًّا، يعني: عند قومك.

فَهَدى، أي: فهداهم إلى معرفتك. وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى. يقول: أغناك بأن جعل دعاك مستجابا.

قال المأمون: بارك اللّه فيك يا ابن رسول اللّه!

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  بإسناده إلى المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق، عن أبيه أبي جعفر الباقر- عليهما السّلام- قال: إذا قام القائم- عليه السّلام- قال: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ.

و في شرح الآيات الباهرة : ذكر الشيخ المفيد - رحمه اللّه- في كتاب الغيبة، بإسناده عن رجاله، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إذا قام القائم، تلا هذه الآية مخاطبا للناس: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً [وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ .

فمعنى قوله: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً ، ذلك حقيق لأنّ اللّه- تعالى- [وهب له حكما عامّا في الدنيا لم يهبه لأحد]  قبله، ولا لأحد بعده، وعليه تقوم الساعة.

و قوله: جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ، على سبيل المجاز، أي: جعلني من أوصياء سيّد المرسلين وخاتم  أوصياء خاتم النبيين- صلّى اللّه عليهم أجمعين، صلاة دائمة في كلّ عصر وكلّ حين، متواترة إلى يوم الدين.

قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ :

أي: لمّا سمع جواب ما طعن به فيه، ورأى أنّه لم يدع  بذلك، شرع في الاعتراض على دعواه. فبدأ في الاستفسار عن حقيقة المرسل.

قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا:

عرّفه بأظهر خواصّه وآثاره، لمّا امتنع  تعريف الإفراد  إلّا بذكر الخواصّ والأفعال. وإليه أشار بقوله:

إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ : أي: إن كنتم موقنين الأشياء محقّقين لها، علمتم أنّ هذه الأجرام  المحسوسة ممكنة، لتركّبها وتعدّدها وتغيّر أحوالها، فلها مبدئ واجب لذاته.

و ذلك المبدئ، لا بدّ وأن يكون مبدئا لسائر الممكنات- ما يمكن أن يحسّ بها، وما لا يمكن- وإلّا لزم تعدّد الواجب، أو استغناء بعض الممكنات عنه، وكلاهما محال. ثمّ ذلك الواجب، لا يمكن تعريفه إلّا بلوازمه الخارجيّة، لامتناع التّعريف بنفسه وبما هو داخل فيه، لاستحالة التّركيب في ذاته.

و في أصول الكافي ، في باب جوامع التّوحيد، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

 

و فيها يقول- عليه السّلام-: الّذي سئلت الأنبياء عنه، فلم تصفه بحدّ ولا ببعض، بل وصفته بفعاله ودلّت عليه بآياته.

قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ : جوابه!؟ سألته عن حقيقته، وهو يذكر أفعاله! أو يزعم أنّه ربّ السّموات، وهي واجبة متحرّكة لذواتها، كما هو مذهب الدّهريّة.

قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ، عدولا إلى ما لا يمكن أن يتوهّم فيه مثله، ويشكّ في افتقاره إلى مصوّر حكيم. ويكون أقرب إلى النّاظر وأوضح عند المتأمّل.

قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ، أسأله عن شي‏ء، ويجيبني عن آخر! وسمّاه رسولا على السّخرية.

قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما: تشاهدون كلّ يوم أنّه يأتي بالشّمس من المشرق، ويحرّكها على مدار غير مدار اليوم الّذي قبله، حتّى يبلغها إلى المغرب‏على وجه نافع، تنتظم به أمور الكائنات.

إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ : إن كان لكم عقل، علمتم أن لا جواب لكم فوق ذلك.

لاينهم أوّلا. ثمّ لمّا رأى شدّة شكيمتهم، خاشنهم وعارضهم بمثل مقالتهم.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى ابن مسعود، قال: احتجّوا في مسجد الكوفة، فقالوا: ما بال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لم ينازع الثّلاثة، كما نازع طلحة والزّبير وعائشة ومعاوية!؟ فبلغ ذلك عليّا- عليه السّلام-. فأمر أن ينادى بالصّلاة جامعة.

فلمّا اجتمعوا، صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه. ثمّ قال: معاشر النّاس، إنّه بلغني عنكم كذا وكذا. قالوا: صدق أمير المؤمنين- عليه السّلام-. قد قلنا ذلك.

قال: فإنّ لي بسنّة الأنبياء أسوة فيما فعلت. قال اللّه- تعالى- في محكم كتابه :

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

قالوا: ومن هم يا أمير المؤمنين؟ قال: أوّلهم إبراهيم- عليه السّلام- إلى أن قال:

ولي بموسى- عليه السّلام- أسوة، إذ قال: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ. فإن قلتم: إنّ موسى فرّ من قومه بلا خوف كان له منهم، فقد كفرتم. وإن قلتم: إنّ موسى خاف منهم، فالوصيّ أعذر.

قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ، عدولا إلى التّهديد عن المحاجّة بعد الانقطاع. وهذا ديدن المعاند المحجوج.

و استدلّ به على ادّعائه الألوهيّة وإنكاره الصّانع. وإنّ تعجّبه بقوله: أَ لا تَسْتَمِعُونَ  من نسبة الرّبوبيّة إلى غيره. ولعلّه كان دهريّا، اعتقد أنّ من ملك قطرا وتولّى أمره بقوّة طالعه، استحقّ العبادة من أهله.

و اللّام في «المسجونين» للعهد. أي: ممّن عرفت حالهم في سجوني. فإنّه كان يطرحهم في هوّة عميقة حتّى يموتوا، ولذلك جعل أبلغ من «لأسجننّك».

قالَ أَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْ‏ءٍ مُبِينٍ ، أي: أ تفعل ذلك، ولو جئتك بشي‏ء مبين صدق دعواي؟يعني المعجزة، فإنّها الجامعة بين الدّلالة على وجود الصّانع وحكمته، والدّلالة على صدق مدّعي نبوّته. فالواو للحال وليها الهمزة بعد حذف الفعل.

قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ  في أنّ لك بيّنة. أو: في دعواك. فإنّ مدّعي النّبوّة، لا بدّ له من حجّة.

فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ : ظاهر ثعبانيّته.

و اشتقاق الثّعبان من: ثعبت الماء: إذا فجرته فانفجر.

وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ :

روي  أنّ فرعون لمّا رأى الآية الأولى، قال: فهل غيرها؟ فأخرج يده. قال: فما فيها؟ فأدخلها في إبطه ثمّ نزعها، ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسدّ الأفق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قالَ موسى أَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْ‏ءٍ مُبِينٍ قالَ فرعون‏أْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ‏

. فلم يبق أحد من جلساء فرعون إلّا هرب. ودخل فرعون من الرّعب ما لم يملك به نفسه. فقال فرعون: يا موسى، أنشدك باللّه وبالرّضاع، إلّا ما كففتها عنيّ. فكفّها. ثمّ نزع يده فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ. فلمّا أخذ موسى- عليه السّلام- العصا، رجع إلى فرعون نفسه وهمّ بتصديقه. فقام إليه هامان، فقال: له: بينما أنت إله تعبد، إذ صرت تابعا لعبد!

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم، قال لعليّ- عليه السّلام-: فإنّ موسى قد أعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمّد شي‏ء من هذا؟ قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أعطي ما هو أفضل من هذا. إنّ نورا كان يضي‏ء عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره أينما  جلس، وكان يراه النّاس كلّهم.

قال له اليهوديّ: فإنّ هذا موسى بن عمران، قد أعطي العصا، وكانت تحوّل ثعبانا؟ قال له عليّ- عليه السّلام- لقد كان كذلك، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أعطي ما هو أفضل من هذا.إنّ رجلا كان يطالب أبا جهل بن هشام بدين ثمن جزور  قد اشتراه. فاشتغل عنه، وجلس يشرب. فطلبه الرّجل، فلم يقدر عليه. فقال له بعض المستهزئين: من تطلب؟ قال:

عمرو بن هشام- يعني أبا جهل- لي عليه دين. قال: قال: فأدلّك على من يستخرج منه الحقوق. قال: نعم. فدلّه على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. وكان أبو جهل يقول: ليست لمحمّد إليّ حاجة، فأسخر به وأردّه.

فأتى الرّجل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال له: يا محمّد، بلغني أنّ بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة وأنا أستشفع بك إليه. فقام معه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأتى بابه . فقال له: قم يا أبا جهل، فأدّ إلى الرّجل حقّه. وإنّما كنّاه أبا جهل  ذلك اليوم. فقام مسرعا، فأدّى  إليه حقّه.

فلمّا رجع إلى مجلسه، قال له بعض أصحابه: فعلت ذلك فرقا  من محمّد؟ قال:

ويحكم! اعذروني. إنّه لمّا أقبل، رأيت عن يمينه رجالا بأيديهم  حراب تتلألأ، وعن يساره ثعبانين تصطلك أسنانهما، وتلمع النّيران من أبصارهما. ولو امتنعت لما آمن أن يبعجوا  بالحراب بطني، وتقضمني الثّعبانان.

هذا أكبر ممّا أعطي موسى. [ثعبان بثعبان موسى‏]  وزاد اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله وسلم- ثعبانا، وثمانية أملاك، معهم الحراب.

و في مجمع البيان : وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ إليها، أي: وأخرج يده من كمّه أو جيبه، على ما روي.

و في أصول الكافي : أحمد بن مهران- رحمه اللّه- عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن منصور ، عن أخيه، قال: دخلت على الرّضا- عليه السّلام- في بيت داخل في جوف بيت ليلا. فرفع يده. فكانت كأنّ في البيت عشرة مصابيح. واستأذن عليه رجل. فخلا يده، ثمّ‏أذن له.

قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ: مستقرّين حوله. وهو ظرف وقع موقع الحال.

إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ : فائق في علم السّحر.

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ :

بهره سلطان المعجزة، حتّى حطّه عن دعوى الرّبوبيّة إلى مؤامرة القوم وائتمارهم، وتنفيرهم عن موسى وإظهار الاستشعار عن ظهوره واستيلائه على ملكه.

قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ:

قيل : أخّر أمرهما.

و قيل : احبسهما.

و في مجمع البيان  روى عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث طويل، قال: فلمّا رجع موسى إلى امرأته، قالت: من أين جئت؟ قال: من عند ربّ تلك النّار. فغذا إلى فرعون. فو اللّه لكأنّي أنظر إليه: طويل الباع، ذو شعر آدم، عليه جبّة من صوف، عصاه في كفّه مربوط حقوه  بشريط، نعله من جلد حمار، شراكها من ليف.

فقيل لفرعون: إنّ على الباب فتى يزعم أنّه رسول ربّ العالمين. فقال فرعون لصاحب الأسد: خلّ سلاسلها. وكان إذا غضب على رجل، خلّاها، فقطّعته. فخلّاها.

فقرع موسى الباب الأوّل، وكانت تسعة أبواب. فلمّا قرع الباب الأوّل، انفتحت له الأبواب التّسعة. فلمّا دخل، جعلن يبصبصن  تحت رجليه، كأنّهن جراء.

 

فقال فرعون لجلسائه: رأيتم مثل هذا قطّ؟! فلمّا أقبل إليه، قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً- إلى قوله:- وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ. فقال فرعون لرجل من أصحابه: قم، فخذ بيده.

و قال للآخر: أضرب عنقه. فضرب جبرئيل بالسّيف، حتّى قتل ستّة من أصحابه. فقال:

خلّوا عنه.

قال: فأخرج يده، فإذا هي بيضاء، قد حال شعاعها بينه وبين وجهه. فألقى العصا، فإذا هي حيّة، فالتقمت الإيوان بلحييها. فدعاه أن يا موسى، أقلني إلى غد. ثمّ‏كان من أمره ما كان.

وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ . شرطا يحشرون السّحرة.

يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ . يفضلون عليه في هذا الفنّ. وقرئ : «بكلّ ساحر».

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ : لما وقّت به من ساعات يوم معيّن. وهو وقت الضّحى من يوم الزّينة.

وَ قِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ :

فيه، استبطاء لهم في الاجتماع، حثّا على مبادرتهم إليه.

لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ : لعلّنا نتّبعهم في دينهم إن غلبوا.

و التّرجّي باعتبار الغلبة المقتضية للاتّباع. ومقصودهم الأصليّ أن لا يتّبعوا موسى، لا أن يتّبعوا السّحرة، فساقوا الكلام مساق الكناية [لأنهم إذا اتّبعوهم لم يتّبعوا موسى‏] .