سورة القصص الآية 21-40

فَخَرَجَ مِنْها: في المدينة. خائِفاً يَتَرَقَّبُ: لحوق طالب.

قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : خلّصيني منهم، واحفظيني من لحوقهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: عن صاحبه وهرب. وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى- عليه السّلام- قد كتم إيمانه ستّمائة سنة. وهو الّذي قال اللَّه- عزّ وجلّ- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرّجل فطلبه ليقتله. فبعث المؤمن إلى موسى- عليه السّلام-إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ. فخرج منها كما حكى اللَّه- عزّ وجلّ- خائِفاً يَتَرَقَّبُ قال: يلتفت يمنة ويسرة. ويقول: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ: قبالة مدين، قرية شعيب. سمّيت باسم مدين بن إبراهيم. ولم تكن في سلطان فرعون. وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيّام.

و في مجمع البيان : وروى عبد اللَّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: كانت عصا موسى قضيب آس بالجنّة أتاه جبرائيل لمّا توجّه تلقاء مدين.

قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ : توكّلا على اللَّه، وحسن ظنّ به وكان لا يعرف الطّرق. فعنّ له ثلاث طرق، فأخذ بأوسطها. وجاء الطّلاب عقيبه، فأخذوا في الآخرين.

و في إرشاد المفيد  في مقتل الحسين- عليه السّلام-: فسار الحسين- عليه السّلام- إلى مكّة، وهو يقرأ: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. ولزم الطّريق الأعظم.

فقال له أهل بيته: لو تنكّبت الطّريق الأعظم كما صنع  ابن الزّبير، لئلّا يلحقك  الطّلب.

فقال: لا واللَّه، لا أفارقه حتّى يقضي اللَّه ما هو قاض. ولمّا دخل الحسين- عليه السّلام- مكّة، كان دخوله إليها ليلة الجمعة. لثلاث مضين من شعبان.

دخلها وهو يقرأ: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (الحديث).

فلمّا دعا ربّه، استجاب له ودلّه على الطّريق المستقيم إلى مدين.

و قيل: جاء ملك على فرس وبيده عنزة، فانطلق به إلى مدين.

و قيل: إنّه خرج حافيا. ولم يصل إلى مدين حتّى وقع خفّ قدميه.

 

وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ: وصل إليه. وهو بئر كانوا يستقون منها.

وَجَدَ عَلَيْهِ: وجد فوق شفيرها.أُمَّةً مِنَ النَّاسِ: جماعة كثيرة مختلفين. يَسْقُونَ: مواشيهم.

وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ: في مكان أسفل من مكانهم.

امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ: تمنعان أغنامهما عن الماء لئلّا تختلط بأغنامهم.

و قيل : تذودان النّاس عن مواشيهما.

قالَ ما خَطْبُكُما: ما شأنكما تذودان.

قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ: يصرف الرّعاة مواشيهم عن الماء. حذرا عن مزاحمة الرّجال. وحذف المفعول، لأنّ الغرض هو بيان ما يدلّ على عفّتهما ويدعوه إلى السّقي لهما ثمّة دونه.

و قراء أبو عمر وابن عامر. «يصدر»، أي: ينصرف .

و قرئ: «الرّعاء» بالضّمّ.

و هو اسم جمع، كالرّخال.

وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ : كبير السّنّ. لا يستطيع أن يخرج للسّقي، فيرسلنا اضطرارا. فَسَقى لَهُما: مواشيهما، رحمة عليهما.

و في جوامع الجامع : روي أنّ الرّعاء كانوا يضعون على رأس البئر حجرا، لا يقلّه إلّا سبعة رجال. وقيل: عشرة. وقيل أربعون. فأقلّه وحده. وسألهم دلوا، فأعطوه دلوهم.

و كان لا ينزعها إلّا عشرة. فاستقى بها وحده مرّة واحدة. فروى عنهما وأصدرهما.

و قيل : كانت بئر أخرى عليها صغرة، فرفعها واستقى منها.

ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ: لأيّ شي‏ء أنزلت.

مِنْ خَيْرٍ قليل أو كثير. فَقِيرٌ : محتاج سائل.

قال ابن عبّاس : سأل نبىّ اللَّه فلق خبز، يقيم به صلبه.

قال الأخفش : يقال: فقير إليه، وفقير له.و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. ومرّ نحو مدين.

و كان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة أيّام فلمّا بلغ باب مدين، رأى بئرا يستقي النّاس منها لأغنامهم ودوابّهم. فقعد ناحية، ولم يكن أكل منذ ثلاثة أيّام شيئا. فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات، لا تدنوان من البئر.

فقال لهما: ما لكما لا تستقيان؟

فقالتا كما حكى اللَّه- عزّ وجلّ-: لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ فرحمهما موسى- عليه السّلام- ودنا من البئر، فقال لمن على البئر: استقي لي دلوا ولكم دلوا.

و كان الدّلو يمدّه عشرة رجال. فاستقى وحده دلوا لمن على البئر، ودلوا لبنتي شعيب- عليه السّلام- وسقى أغنامهما ثمّ تولّى إلى الظّلّ، فقال: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ واللَّه، ما سأل اللَّه- عزّ وجلّ- إلّا خبزا يأكله. لأنّه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه من هزاله.

و في الكافي: عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله اللَّه- عزّ وجلّ- حكايته عن موسى- عليه السّلام-: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال: سأل الطّعام.

و في تفسير العيّاشيّ : عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول موسى لفتاه: آتِنا غَداءَنا وقوله: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال: إنّما عنى الطّعام. فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ موسى لذو جوعات.

 

عن ليث بن سليم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- شكا موسى- عليه السّلام- إلى ربّه الجوع في ثلاثة مواضع آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً.، لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: وإن شئت ثنّيت بموسى كليم اللَّه- عليه السّلام- حيث  يقول: إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ واللَّه، ما سأله إلّا خبزايأكله. لأنّه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقول ترى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذّب  لحمه.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، متّصلا بقوله: أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ- آخر ما نقلنا عنه سابقا- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ فخرج من مصر بغير ظهر ولا دابّة ولا خادم. تخفضه أرض وترفعه أخرى، حتّى انتهى إلى أرض مدين.

فانتهى إلى أصل شجرة فنزل، فإذا تحتها بئر، وإذا عندها أمّة من النّاس يسقون، وإذا جاريتان ضعيفتان، وإذا معهما غنيمة لهما.

قال: ما خَطْبُكُما قالَتا: أبونا شيخ كبير، ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرّجال، فإذا سقى النّاس سقينا. فرحمهما موسى- عليه السّلام- فأخذ دلوهما وقال لهما:

قدّما غنمكما. فسقى لهما. ثمّ رجعتا بكرة قبل النّاس. ثمّ تولّى موسى إلى الشّجرة، فجلس تحتها، وقال: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فروي: أنّه قال ذلك، وهو محتاج إلى شقّ تمرة.

فلمّا رجعتا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه السّاعة! قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا، فسقى لنا.

فقال لإحديهما: اذهبي فادعيه لي.

فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ، أي: مستحية، على عادة النّساء المخدّرات.

و قيل : أراد باستحيائها، أنّها عظّت وجهها بكمّ ورعها.

قيل : كانت الصّغرى منهما. وقيل: الكبرى. واسمها صفوراء، أو صفراء. وهي الّتي تزوّجها موسى.

قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ: ليكافئك.

أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا: جزاء سقيك لنا. ولعلّ موسى إنّما أجابها ليتبرّك برؤية

الشّيخ ويستظهر بمعرفته، لا طمعا في الأجر. بل روى : أنّه لمّا جاءه، قدّم إليه طعاما.

فامتنع عنه، وقال: إنّا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدّنيا . حتّى قال شعيب: هذه عادتنا مع كلّ من ينزل بنا.

فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : يريد فرعون وقومه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: من هذا له- إلى آخر ما نقلنا عنه سابقا- فلمّا رجعت ابنتا شعيب إلى شعيب، قال لهما: سرعتما الرّجوع. فأخبرتاه بقصّة موسى- عليه السّلام- ولم تعرفاه. فقال شعيب- عليه السّلام- لواحدة منهنّ: اذهبي إليه، فادعيه، لنجزيه أجر ما سقى لنا. فجاءت إليه كما حكى اللَّه- تعالى- تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فقام موسى معها. ومشت أمامه، فسفقتها الرّياح، فبان عجزها. فقال لها موسى: تأخّري، ودلّيني على الطّريق بحصاة تلقيها أمامي أتّبعها، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النّساء. فلمّا دخل على شعيب قصّ عليه قصّته.

فقال له شعيب- عليه السّلام-: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، متّصلا بقوله: أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فروى أنّ موسى- عليه السّلام- قال لها: وجّهينى إلى الطّريق وامشي خلفي، فإنّا بني يعقوب لا ننظر في أعجاز النّساء فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

قالَتْ إِحْداهُما، يعني: الّتي استدعته.

يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ: لرعي الغنم.

إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ : تعليل نسائع، يجرى مجرى الدّليل على أنّه حقيق بالاستئجار. وللمبالغة فيه جعل «خير» اسما. وذكر الفعل بلفظ الماضي، للدّلالة على أنّه امرؤ مجرّب معروف.نقل : أنّ شعيبا- عليه السّلام- قال [لها:]  وما أعلمك بقوّته وأمانته؟ فذكرت إقلال الحجر، [و أنّه صوّب رأسه  حين بلّغته رسالته،]  وأمرها بالمشي خلفه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. قالت إحدى بنات شعيب: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ.

فقال لها شعيب: أمّا قوّته، فقد عرّفتنيه أنّه يستقي الدّلو وحده. فبما عرفت أمانته؟

فقالت: إنّه لمّا قال لي: تأخّري عنّي ودلّيني على الطّريق، فإنّا من قوم لا ينظرون إلى أدبار النّساء عرفت أنّه ليس من الّذين ينظرون أعجاز النّساء. فهذه أمانته.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قوله اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ. [قال: قال لها شعيب: يا بنيّة، هذا قويّ قد عرّفتنيه  برفع الصّخرة. الأمين‏]  من أين عرفته؟

قالت: يا أبة إنّي مشيت قدّامه، فقال: امشي من خلفي، فإن ضللت فارشديني إلى الطّريق، فإنّا قوم لا ننظر في أدبار النّساء.

و في مجمع البيان : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لمّا قالت المرأة هذا، قال شعيب، وما علّمك بأمانته وقوّته؟

قالت [: أمّا قوّته فلأنّه‏]  فرفع الحجر الّذي لا يرفعه وكذا وكذا. وأمّا أمانته، فإنّه قال لي: امشي خلفي، فأنا أكره أن تصيب الرّيح ثيابك فتصف لي عجزك.

 

و روى الحسن بن سعيد : عن صفوان [عن يحيى،]  عن أبي عبد الّله- عليه السّلام- قال: سئل، أيّتها الّتي قالت: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ؟ قال: الّتي تزوّج بها.

قيل: فأي الأجلين قضى؟

قال: أوفاهما، وأبعدهما عشر سنين.قيل: فدخل بها قبل أن يمضى الشّرط، أو بعد انقضائه؟

قال: قبل أن ينقضي.

قيل له: فالرّجل يتزوّج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين، أ يجوز ذلك؟

قال: إنّ موسى- عليه السّلام- علم أنّه سيتم لّه شرطه .

قيل: كيف؟

قال: علم أنّه سيبقى حتّى يفي.

قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي: أن تأجر نفسك منّي. أو تكون لي أجيرا.

و قيل : معناه: أن تجعل جزائي وثوابي أيّاك على أن أنكحك إحدى ابنتيّ، أن تعمل لي ثماني سنين. فزوّجه ابنته بمهر واستأجره للرّعي. ولم يجعل ذلك مهرا، وإنّما شرط ذلك عليه. وهذا على وفق مذهب أبي حنيفة. والأوّل أصحّ وأوفق لظاهر الآية.

ثَمانِيَ حِجَجٍ: ظرف على الأوّلين. ومفعول به على الثّالث. بإضمار مضاف، أي: رعية ثماني حجج.

فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً: عمل عشر حجج.

فَمِنْ عِنْدِكَ: فإتمامه من عندك تفضّلا. لا من عندي إلزاما عليك.

و في الكافي : عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن أبيه، عن ابن سنان، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سألته عن الإجارة.

فقال: صالح لا بأس به، إذا نصح قدر طاقته. قد آجر موسى- عليه السّلام- نفسه واشترط، فقال: إن شئت ثمان ، وإن شئت عشرا فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- فيه.أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي جعفر محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- أنّ عليّا- عليه السّلام- قال: لا يحلّ النّكاح اليوم في الإسلام بإجارة، بأن يقول: أعمل عندك كذا وكذا على أن تزوّجني أختك أو ابنتك. قال: هو حرام، لأنّه ثمن رقبتها. وهي أحقّ بمهرها.

و في حديث آخر : إنّما كان ذلك لموسى بن عمران- عليه السّلام- لأنّه علم من طريق الوحي هل يموت قبل الوفاء أم لا. فوفى بأتمّ الأجلين.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ فروى: أنّه قضى أتمّهما.

لأنّ الأنبياء- عليهم السّلام- لا تأخذ  إلّا بالفضل [و التّمام.

و في تفسير العيّاشي : قال الحلبيّ: سئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- عن البيت، أ كان يحجّ قبل أن يبعث النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

قال: نعم وتصديقه في القرآن‏]  قول شعيب حين قال لموسى حيث تزوّج عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ولم يقل ثماني سنين.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أنس قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: بكى شعيب- عليه السّلام- من حبّ اللَّه- عزّ وجلّ- حتّى عمي، فردّ اللَّه- عزّ وجلّ- عليه بصره. ثمّ بكى حتّى عمي، فردّ اللَّه عليه بصره. [ثمّ بكى حتّى عمي فردّ اللَّه عليه بصره‏]  فلمّا كانت الرّابعة، أوحى اللَّه إليه: يا شعيب، إلى متى يكون هذا أبدا منك؟ إن يكن هذا خوفا من النّار، فقد أجرتك. وإن يكن شوقا إلى الجنّة، فقد أبحتك.

قال:  إلهي وسيّدي، أنت تعلم أنّي ما بكيت خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنّتك، ولكن‏عقد حبّك على قلبي فلست أصبر أو أراك.

فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه أمّا إذا كان هذا هكذا، فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عبد اللَّه بن مسعود: عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: إنّ يوشع بن نون وصيّ موسى- عليه السّلام- عاش بعد موسى ثلاثين سنة. وخرجت عليه صفراء بنت شعيب، زوجة موسى- عليه السّلام- فقالت: أنا أحقّ منك بالأمر. فقاتلها فقتل مقاتلتها وأحسن أسرها.

و فيه : حديث طويل، يقول فيه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- وقد ذكر موسى- عليه السّلام-: وخرج إلى مدينة مدين، فأقام عند شعيب ما أقام: فكانت الغيبة الثّانية أشدّ عليهم من الأولى وكانت نيفا وخمسين [سنّة.]

 

و بإسناده إلى عبد اللَّه بن سنان ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول في القائم- عليه السّلام-: سنّة من موسى بن عمران- عليه السّلام-.

فقلت: وما سنّته من موسى بن عمران؟

قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه.

فقلت: وكم غاب موسى عن أهله؟

قال: ثمانية وعشرين سنة.

وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ: بإلزام إتمام العشر. أو المناقشة في مراعاة الأوقات، واستيفاء الأعمال. واشتقاق المشقّة، من الشّقّ. فإنّ ما يصعب عليك [، يصعب‏]  اعتقادك في إطاقته ورأيك في مزاولته.

سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ : في حسن المعاملة، ولين الجانب، والوفاء بالمعاهدة.

قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أي: ذلك الّذي عاهدتني فيه قائم بيننا، لا تخرج عنه.أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ: أطولهما. أو أقصرهما.

قَضَيْتُ: وفيتك إيّاه.

فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ: لا تعتدي عليّ بطلب الزّيادة.

و في مجمع البيان : وروى الواحديّ بالإسناد: عن ابن عبّاس قال: سئل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-: أيّ الأجلين قضى موسى؟

قال: أوفاهما وأبطأهما.

و بالإسناد عن أبي ذرّ  قال: قال لي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-: إذا سئلت، أيّ الأجلين قضى موسى- عليه السّلام-؟ فقل: خيرهما وأبرّهما. وإن سئلت، أيّ المرأتين تزوّج؟ فقل: الصّغرى منهما. وهي الّتي جاءت وقالت: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ.

و قرئ: «أيما» بسكون الياء كقوله:

         تنظّرت نصرا والسّماكين أيّهما             عليّ من الغيث استهلت مواطره

 وأيّ الأجلين ما قضيت فيكون «ما» مزيدة لتأكيد الفعل، أي: أيّ الأجلين جروت عزمي لقضائه. «و عدوان» بالكسر.

وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ: من المشارطة.

وَكِيلٌ  شاهد حفيظ.

و في من لا يحضره الفقيه : قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-: من خرج في سفر ومعه عصا لوز مرّ، وتلا هذه الآية: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ إلى قوله: وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ [آمنه اللَّه من كلّ سبع ضارّ، ومن كلّ لصّ عاد، ومن كلّ ذات حمّة حتّى يرجع إلى أهله ومنزله. وكان معه سبعة وسبعون‏]  من المعقّبات يستغفرون له حتّى يرجع ويضعها.

 و في كتاب ثواب الأعمال ، مثله سواء.

 

فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ: بامرأته.

و روي : أنّه قضى أقصى الأجلين. ومكث عنده بعد ذلك عشرا أخر، ثمّ عزم على الرّجوع.

آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً: أبصر من الجهة الّتي تلي الطّور.

و في مجمع البيان : وروى عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث قال: فلمّا رجع موسى إلى امرأته، قالت: من أين جئت؟

قال: من عند ربّ تلك النّار.

قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ: بخبر الطّريق.

و في مجمع البيان : وروى أبو منصور، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لما قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس، أخطأ الطّريق [ليلا]  فرأى نارا، قال لأهله [: امكثوا،]  إنّي آنست نارا.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي جميلة قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو. فإنّ موسى [بن عمران‏]  ذهب يقتبس نارا لأهله، فانصرف إليهم وهو نبيّ مرسل.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ، عمّن ذكره، عن عبد اللَّه بن القاسم، عن أبي عبد اللَّه، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال:

 

قال أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه-: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو. فإنّ موسى بن‏عمران- عليه السّلام- خرج يقتبس نارا لأهله، فكلّمه اللَّه ورجع نبّيا.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

أَوْ جَذْوَةٍ: عود غليظ. سواء كان في رأسه نار، أو لم تكن. ولذلك بيّنه بقوله:

مِنَ النَّارِ: وقرأ عاصم، بالفتح. وحمزة، بالضّمّ. وكلّها لغات.

لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ : تستدفئون بها.

فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ: أتاه النّداء من الشّاطئ الأيمن لموسى.

فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ: متّصل «بالشّاطى.» أو صلة «لنودي».

مِنَ الشَّجَرَةِ: بدل من «شاطئ» بدل الاشتمال. لأنّها كانت ثابتة على الشّاطئ.

أَنْ يا مُوسى، أي: يا موسى. إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ :

في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أيّ الأجلين قضى؟

قال: أتمّها، عشر حجج.

قلت له: فدخل بها قبل أن يقضي الأجل، أو بعده؟

قال: قبل.

قال [قلت:]  فالرّجل يتزوّج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين [مثلا،]  أ يجوز ذلك؟

قال: إنّ موسى- عليه السّلام- علم أنّه يتمّ له شرطه، فكيف لهذا أن يعلم أنّه يبقى حتّى يفي؟

قلت له: جعلت فداك، أيّهما   زوّجه شعيب من بناته؟

قال: الّتي ذهبت إليه فدعته وقالت لأبيها: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ. فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ قال لشعيب: لا بدّ لي أن أرجع إلى وطني وأمّي وأهل بيتي، فما لي عندك؟فقال شعيب- عليه السّلام-: ما وضعت أغنامي في هذه السّنة من غنم بلق فهو لك. فعمد موسى- عليه السّلام- عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه ، فقشر منه بعضه وترك بعضه وغرزه في وسط مريض الغنم وألقى عليه كساء أبلق، ثمّ أرسل الفحل على الغنم، فلم تضع [الغنم‏]  في تلك السّنة إلّا بلقا. فلمّا حال عليه الحول، حمل موسى امرأته وزوّده شعيب من عنده وساق غنمه. فلمّا أراد الخروج قال لشعيب: أبغي عصا تكون معي. وكانت عصى الأنبياء- عليهم السّلام- عنده ورثها مجموعة في بيت.

فقال له شعيب: ادخل هذا البيت، وخذ عصا من بين العصيّ. فدخل فوثب إليه عصا نوح وإبراهيم- عليهما السّلام- وصارت في كفّه. فأخرجها ونظر إليها شعيب، فقال:

ردّها وخذ غيرها. فردها ليأخذ غيره، فوثبت إليه تلك بعينها فردّها حتّى فعل ذلك ثلاث مرّات.

فلمّا رأى شعيب- عليه السّلام- ذلك قال له: اذهب، فقد خصّك اللَّه- عزّ وجلّ- بها. فساق غنمه فخرج يريد مصر. فلمّا صار في مفازة  ومعه أهله، أصابهم برد شديد وريح وظلمة، وجنّهم اللّيل. فنظر موسى- عليه السّلام- إلى نار قد ظهرت كما قال اللَّه- تعالى-:

فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. فأقبل نحو النّار يقتبس، فإذا شجرة ونار تلتهب عليها. فلمّا ذهب نحو النّار يقتبس منها، أهوت إليه ففزع وعدا [و رجعت النّار إلى الشّجرة. فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشّجرة، فرجع الثّانية ليقتبس فأهوت إليه فعدا]  وتركها. ثمّ التفت وقد رجعت إلى الشّجرة، فرجع إليها الثّالثة فأهوت إليه فعدا «و لم يعقّب»، أي: لم يرجع فناده اللَّه- عزّ وجلّ-: أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

و في تهذيب الأحكام : أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن الحسين بن عليّ بن مهزيار، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن مهزيار،  عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن الحكم، عن محزمة بن ربعي قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: شاطئ الوادي الأيمن الّذي ذكره اللَّه‏في القرآن، هو الفرات. والبقعة المباركة، هي كربلاء.

 

وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ، أي: فألقاها. فصارت ثعبانا واهتزّت.

فلمّا رآها تهتزّ.

كَأَنَّها جَانٌّ: في الهيئة والجثّة. أو في السّرعة.

وَلَّى مُدْبِراً: مهزوما من الخوف.

وَ لَمْ يُعَقِّبْ: ولم يرجع.

يا مُوسى: نودي: يا موسى.

أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ : عن المخاوف. فإنّه لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ .

اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ: أدخلها.

تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ عيب.

و في كتاب طبّ الأئمّة ، بإسناده إلى جابر الجعفيّ، عن الباقر- عليه السّلام- قال: قال اللَّه- عزّ وجلّ- في قصّة موسى- عليه السّلام-: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، يعني: من غير برص. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ: يديك المبسوطتين. تتّقي بهما الحيّة كالخائف الفزع، بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس. أو بإدخالهما في الجيب، فيكون تكريرا لغرض آخر. وهو أن يكون ذلك في وجه العدوّ إظهار جرأة، ومبدأ لظهور معجزة. ويجوز أن يراد بالضّمّ: التّجلّد والثّبات، عند انقلاب العصا حيّة. استعارة من حال الطّائر. فإنّه إذا خاف نشر جناحيه، وإذا أمن واطمأنّ ضمّهما إليه.

و قيل : أي ضمّ يدك إلى صدرك من الخوف، فلا خوف عليك.

و المعنى: أنّ اللَّه- تعالى- أمره أن يضمّه إلى صدره، يذهب ما أصابه من الخوف عند معاينة الحيّة.

مِنَ الرَّهْبِ، أي: من أجل الرّهب، أي: إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلّدا، أو ضبطا لنفسك.

و قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر، بضمّ الرّاء، وسكون الهاء .

و قرئ، بضمّهما.  و[قرأ حفص،] بالفتح والسّكون. والكلّ لغات.

فَذانِكَ: إشارة إلى العصا واليد. وشدّده ابن كثير وأبو عمرو ورويس.

بُرْهانانِ: حجّتان.

و برهان، فعلان. لقولهم: أبره الرّجل: إذا جاء بالبرهان. من قولهم: بره الرّجل: إذا ابيضّ ويقال: برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء.

و قيل : فعلال. لقولهم: برهن.

مِنْ رَبِّكَ: مرسلا بهما.

إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ : فكانوا أحقّاء بأن ترسل إليهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: رَبُّ الْعالَمِينَ. قال موسى- عليه السّلام- فما الدّليل على ذلك؟

قال اللَّه- عزّ وجلّ- ما في يمينك يا موسى؟

قالَ هِيَ عَصايَ قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ  حَيَّةٌ تَسْعى،  ففزع منها موسى وعدا.

فناداه اللَّه- عزّ وجلّ-: خذها وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، أي: من غير علّة. وذلك أنّ موسى- عليه السّلام- كان شديد السّمرة. فأخرج يده من جيبه ، فأضاءت له الدّنيا. فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ : بها.

وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً: معينا وهو في الأصل، اسم ما يعان به. كالدّف‏ء. يقال: فلان ردء لفلان: إذا كان ينصره، ويشدّ ظهره.

و قرأ نافع: «ردا» بالتّخفيف.

يُصَدِّقُنِي: بتلخيص الحقّ، وتقرير الحجّة، وتزييف الشّبهة. وإنّما كان سؤاله بعد أن أذن له فيه. لأنّ الإنسان لا يعلم أنّ المصلحة في إرسال نبيّ واحدا واثنين، إلّا بالوحي.

و قيل : معناه: لكي يصدّقني فرعون.

إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ : ولساني لا يطاوعني عند المحاجّة.

و قيل : المراد، تصديق القوم لتقرير هارون  وتوضيحه. [لكنّه أسند إليه إسناد الفعل إلى السّبب.

و قرأ عاصم وحمزة: «يصدّقني» بالرّفع. على أنّه صفة، والجواب محذوف ] .

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : فقال موسى كما حكى اللَّه: رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ.]

 

قال الرّاوي: فقلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: فكم مكث موسى- عليه السّلام- غائبا عن أمّه حتّى ردّه اللَّه- عزّ وجلّ- عليها؟

قال: ثلاثة أيّام.

قال: فقلت: فكان هارون أخا موسى- عليه السّلام- لأبيه وأمّه؟

قال: نعم. أما تسمع اللَّه- عزّ وجلّ- يقول:ا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي.

فقلت: أيّهما كان أكبر سنّا؟قال: هارون.

قلت: وكان الوحي ينزل عليهما جميعا؟

قال: كان الوحي ينزل على موسى، وموسى- عليه السّلام- يوحيه إلى هارون.

فقلت له: أخبرني عن الأحكام والقضاء والأمر والنّهي، أ كان ذلك إليهما؟

قال: كان موسى- عليه السّلام- الّذي يناجى ربّه، ويكتب العلم، ويقضي بين بني إسرائيل. وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة.

قلت: فأيّهما مات قبل صاحبه؟

قال: مات هارون قبل موسى- عليه السّلام- وماتا جميعا في التّيه.

قلت: فكان لموسى ولد؟

قال: لا. كان الولد لهارون، والذّرّيّة له.

قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ: سنقوّيك به. فإنّ قوّة الشّخص شدّة اليد على مزاولة الأمور. ولذلك يعبّر عنه باليد، وشدّتها بشدّة العضد.

وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً: غلبة وحجّة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا الحسن بن محمّد بن يحيى الحسينيّ ، عن جدّه يحيى بن الحسن، عن أحمد بن يحيى الأزديّ، عن عمر بن حامد بن طلحة، عن عبيد اللَّه بن المهلّب البصريّ، عن المنذر بن زياد الضّبّيّ، عن أبان، عن أنس بن مالك قال: بعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- مصدّقا إلى قوم. فعدوا على المصدّق، فقتلوه. فبلغ ذلك النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فبعث إليهم عليّا- عليه السّلام- فقتل المقاتلة وسبى الذّرّيّة. فلمّا بلغ عليّ- عليه السّلام- أدنى المدينة، تلقّاه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- والتزمه وقبّل بين عينيه، وقال: بأبي وأمّي من شدّ اللَّه به عضدي، كما شدّ عضد موسى بهارون.

فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما: باستيلاء. أو حجاج.

بِآياتِنا: متعلّق بمحذوف، أي: اذهبا بآياتنا. أو «بنجعل»، أي: نسلّطكما بها.

أو بمعنى لا يصلون، أي: تمتنعون منهم بآياتنا. أو قسم جوابه لا يصلون. أو بيان «للغالبون» في قوله: أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ : بمعنى: أنّه صلة لما بينه، أو صلة له. على‏أنّ اللّام فيه للتّعريف، لا بمعنى: الّذي.

و في كتاب طبّ الأئمّة- عليهم السّلام - بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة السّلميّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال الأصبغ: أخذت هذه العوذة منه- عليه السّلام- وقال لي: يا أصبغ، هذه عوذة السّحر والخوف من السّلطان. تقولها سبع مرّات: بسم اللَّه وباللَّه، سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا، أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ. وتقول في وجه السّاحر إذا فرغت من صلاة اللّيل، قبل أن تبدأ بصلاة النّهار سبع مرّات. فإنّه لا يضرّك إن شاء اللَّه.

فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً: سحر تختلقه، لم يفعل قبل مثله. أو سحر تعمله، ثمّ تفتريه على اللَّه. أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السّحر.

وَ ما سَمِعْنا بِهذا، يعنون: السّحر. أو ادّعاء النّبوّة.

فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ : كائنا في أيّامهم. وإنّما قالوا ذلك مع اشتهار قصّة نوح وهود وصالح وغيرهم، لأحد أمرين: إمّا للفترة الّتي بين الوقتين والزّمان الطّويل.

و إمّا لأنّ آباءهم ما صدّقوا بشي‏ء من ذلك ولا دانوا به. فيكون المعنى: ما سمعنا بآبائنا أنّهم صدّقوا الرّسل فيما جاؤوا به.

وَ قالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ: فيعلم أنّه محقّ وأنتم مبطلون.

و قراء ابن كثير «قال» بغير واو. لأنّه «قال» جوابا لمقالتهم. ووجه العطف، أنّ المراد حكاية القولين. ليوازن النّاظر بينهما، فيميّز صحيحهما في الفاسد .

وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ: العاقبة المحمودة. فإنّ المراد بالدّار الدّنيا، وعاقبتها الأصليّة هي الجنّة. لأنّها خلقت مجازا الى الآخرة. والمقصود منها بالذّات، هو الثّواب والعقاب وإنّما قصد بالعرض.

و قراء حمزة والكسائي: «يكون»  بالياء.

إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ : لا يفوزون بالهدى في الدّنيا، وحسن العاقبة في‏العقبى.

وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي: نفى علمه بإله غيره دون وجوده، إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم. ولذلك أمر ببناء الصّرح ليصعد عليه ويطّلع على الحال. بقوله: فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ، أي: فأجّج النّار على الطّين واتّخذ الآجر.

و قيل : إنّه أوّل من اتّخذ الآجر وبنى به.

فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً: قصرا وبناء عاليا.

لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى: كأنّه توهّم أنّه لو كان، لكان جسما في السّماء يمكن التّرقّي إليه. ثمّ قال:

وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ : أو أراد أن يبني له رصدا، يترصّد منها أوضاع الكواكب، فيرى هل فيها ما يدّل على بعثة رسول، وتبدّل دولة.

و قيل : المراد بنفي العلم، نفي المعلوم. كقوله- تعالى- : أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ. فإنّ معناه: بما ليس فيهنّ. وهذا من خواصّ العلوم الفعليّة، فإنّها لازمة لتحقّق معلوماتها. فيلزم من انتفائها، انتفاؤها. ولا كذلك العلوم الانفعاليّة.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللَّه- نقلا عن تفسير الكلبيّ، عن الكلبيّ،  عن أبي صالح، عن ابن عبّاس أنّ جبرائيل- عليه السّلام وسلّم- قال لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا  محمّد، لو رأيتني وفرعون يدعو بكلمة الإخلاص آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وأنا أدسّه  في الماء والطّين، لشدّة غضبي عليه، مخافة أن يتوب فيتوب اللَّه- عزّ وجلّ- عليه.

قال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: وما كان شدّة غضبك عليه يا جبرائيل؟قال: لقوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وهي كلمته الآخرة منهما، وإنّما قالها حين انتهى إلى البحر. وكلمته الأولى : [ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي‏]  فكان بين الأولى والآخرة أربعين سنة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ. فبنى هامان له في الهواء صرحا، حتّى بلغ مكانا في الهواء لا يتمكّن الإنسان أن يقيم  عليه من الرّياح القائمة في الهواء. فقال لفرعون: لا نقدر أن نزيد على هذا. فبعث اللَّه- عزّ وجلّ- رياحا فرمت به. فاتّخذ فرعون وهامان عند ذلك التّابوت. وعمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وربّياها. حتّى إذا بلغت القوّة وكبرت، عمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وربّياها حتى إذا بلغت القوّة وكبرت، عمدا إلى جوانب التّابوت الأربعة فغرسا في كلّ جانب منه خشبة. وجعلا على رأس كلّ خشبة لحما، وجوّعا الأنسر. وشدّا أرجلها بأصل الخشبة. فنظرت الأنسر إلى اللّحم، فأصوت إليه [و صفقت‏]  بأجنحتها وارتفعت بهما في الهواء، وأقبلت تطير بومها. فقال فرعون لهامان: أنظر إلى السّماء، هل بلغناها؟ فنظر هامان، فقال: أرى السّماء كما كنت أراها من الأرض في البعد. فقال: انظر إلى الأرض. فقال: لا أرى الأرض، ولكن أرى البحار والماء.

قال: فلم يزل النّسر ترتفع حتّى غابت الشّمس، وغابت عنهم البحار والماء. فقال فرعون: يا هامان، انظر إلى السّماء. فنظر السّماء فقال: أراها كما كنت أراها من الأرض.

فلمّا جنهم اللّيل، نظر هامان إلى السّماء. فقال فرعون: هل بلغناها؟ قال: أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض، ولست أرى من الأرض إلّا الظّلمة.

قال: ثمّ جالت الرّياح القائمة في الهواء [فانقلبت‏]  فأقلبت  التّابوت بهما. فلم يزل يهوي بهما حتّى وقع على الأرض. وكان فرعون أشدّ ما كان عتوّا في ذلك الوقت.

وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ: بغير الاستحقاق.و في جامع الجوامع : وكل متكبّر  سوى اللَّه- عزّ وجلّ- فاستكباره بغير الحقّ.

و هو- جلّ جلاله- المتكبّر على الحقيقة، أي: البالغ في الكبرياء .

و قال- عليه السّلام- فيما حكاه عن ربّه- عزّ وجلّ-: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري. فمن نازعني واحدا منهما، ألقيته في النّار.

وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ : بالنّشور.

و قرأ نافع وحمزة والكسائيّ، بفتح الياء وكسر الجيم .

فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ: كما مرّ بيانه. وفيه فخامة وتعظيم لشأن الآخذ، واستحقار للمأخوذين. كأنّه  أخذهم مع كثرتهم في كفّ  وطرحهم في اليّم.

و نظيره: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

فَانْظُرْ: يا محمّد.

كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ : وحذّر قومك عن مثلها.