سورة يس‏

سورة يس وتدعى «المعمّة» تعمّ صاحبها خير الدّارين، و«الدّافعة» تدفع عنه كلّ سوء، و«القاضية» تقضي له كلّ حاجة.

و هي مكّيّة عند الجميع.

قال ابن عبّاس : إلّا آية منها: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ (الآية) نزلت بالمدينة.

و ايها ثلاث أو اثنتان وثمانون.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ لكلّ شي‏ء قلبا. وإنّ قلب القرآن يس. من قرأها قبل أن ينام، أو في نهاره قبل أن يمسي، كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتّى يمسي. ومن قرأها في ليله، قبل أن ينام، وكّل اللّه به ألف ملك يحفظونه من شرّ كلّ شيطان رجيم، ومن كلّ آفة. وإنّ مات في يومه، أدخله اللّه الجنّة. وحضر غسله ثلاثون ألف ملك، كلّهم يستغفرون له، ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار. فإذا أدخل في لحده، كانوا في جوف قبره يعبدون اللّه، وثواب عبادتهم له.

و فسح له في قبره مدّ بصره. وأومن من ضغطة القبر. ولم يزل له في قبره نور ساطع إلى عنان السّماء، إلى أن يخرجه اللّه من قبره. فإذا أخرجه، لم يزل ملائكة اللّه يشيّعونه،و يحدّثونه، ويضحكون في وجهه، ويبشّرونه بكلّ خير حتّى يجوزوا به الصّراط  والميزان، ويوفقوه  من اللّه موقفا لا يكون عند اللّه خلق  أقرب منه إلّا ملائكة اللّه المقرّبون وأنبياؤه المرسلون، وهو مع النّبيّين واقف بين يدي اللّه، لا يحزن مع من يحزن، ولا يهتمّ  مع من يهتمّ ، ولا يجزع مع من يجزع. ثمّ يقول له الرّبّ- تبارك وتعالى-: اشفع عبدي، أشفّعك في جميع ما تشفع. وسلني، أعطك- عبدي- جميع ما تسأل. فيسأل، فيعطى.

و يشفع، فيشفّع. فلا يحاسب فيمن يحاسب. ولا يوقف مع من يوقف. ولا يذلّ مع من يذلّ. ولا يكتب  بخطيئة ولا بشي‏ء من سوء عمله. ويعطى كتابه  منشورا، حتّى يهبط من عند اللّه فيقول النّاس بأجمعهم: سبحان اللّه! ما كان لهذا العبد من خطيئة واحدة! ويكون من رفقاء محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

و بإسناده  عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة يس في عمره مرّة واحدة، كتب اللّه له بكلّ خلق في الدّنيا، وبكلّ خلق في الآخرة وفي السّماء، بكلّ واحد ألفي ألف حسنة. ومحا عنه مثل ذلك. ولم يصبه فقر، ولا غرم ، ولا هدم، ولا نصب، [و لا جنون،]  ولا جزام ، ولا وسواس، ولا داء يضرّه. وخفّف اللّه عنه سكرات الموت وأهواله. وولي قبض روحه. وكان ممّن يضمن اللّه له السّعة في معيشته، والفرح عند لقائه، والرّضا بالثّواب في آخرته. وقال اللّه لملائكته أجمعين من في السّموات ومن في الأرض: قد رضيت عن فلان، فاستغفروا له.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب [عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-]  قال: من قرأ سورة يس، يريد بها اللّه- عزّ وجلّ- غفر اللّه له. وأعطي من الأجر كأنّما قرأ القرآن اثنتي عشرة  مرّة. وأيّما مريض قرئت  عنده سورة يس، نزل عليه بعدد كلّ حرف منهاعشرة أملاك، يقومون بين يديه صفوفا، ويستغفرون له، ويشهدون قبضه، ويشيّعون  جنازته، ويصلّون عليه، ويشهدون دفنه. وأيّما مريض قرأها، [و هو]  في سكرات الموت، أو قرئت عنده، جاءه رضوان خازن الجنان بشربة من شراب الجنّة، فسقاه إيّاها وهو على فراشه. فيشرب، فيموت ريّان، ويبعث ريّان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتّى يدخل الجنّة وهو ريّان.

أبو بكر ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: سورة يس تدعى في التّوراة المعمّة.

قيل: وما المعمّة؟

قال: تعمّ صاحبها خير الدّنيا والآخرة. وتكابد  عنه بلوى الدّنيا. وتدفع عنه أهاويل الآخرة. وتدعى الدّافعة  القاضية. تدفع عن صاحبها كلّ شرّ. وتقضي له كلّ حاجة. ومن قرأها، عدلت له عشرين حجّة. ومن سمعها، عدلت له ألف دينار في سبيل اللّه. ومن كتبها، ثمّ شربها، أدخلت جوفه ألف دواء، وألف نور، وألف يقين، وألف بركة، وألف رحمة. ونزعت منه كلّ داء .

و عن أنس بن مالك ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ لكلّ شي‏ء قلبا. وقلب القرآن يس.

و عنه ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من دخل المقابر، فقرأ سورة يس، خفّف اللّه عنهم يومئذ. وكان له بعدد من فيها حسنات.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه  بن جعفر، عن السّيّاريّ، عن محمّد بن بكر، عن أبي  الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: والّذي بعث محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- بالحقّ، وأكرم أهل بيته، ما من شي‏ء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق، أو سرق أو إفلات دابّة من صاحبها، أو ضالّة أوآبق إلّا وهو في القرآن. فمن أراد ذلك، فليسألني عنه.

قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين- عليه السّلام- أخبرني عنه الضّالّة.

فقال: اقرأ يس  في ركعتين، وقل: يا هادي الضّالّة، ردّ عليّ ضالّتي.

ففعل . فردّ اللّه عليه ضالّته.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

أبو عليّ الأشعريّ وغيره ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: سليم مولاك ذكر أنّه ليس معه من القرآن إلّا سورة يس. فيقوم من اللّيل، فينفذ ما معه من القرآن. أ يعيد ما قرأ؟

قال: نعم. لا بأس.

يس :

يس ك الم في المعنى والإعراب.

و قيل : معناه: يا إنسان، بلغة طي‏ء على أنّ أصله: يا أنيسين، فاقتصر على شطره، لكثرة النّداء به. كما قيل «من اللّه» في «أيمن اللّه».

و قرئ  بالكسر- كجير- وبالفتح على البناء كأين، أو الإعراب على: اتل يس، أو بإضمار حرف القسم [و الفتحة]  لمنع الصّرف، وبالضّمّ بناء- كحيث- أو إعرابا على: هذه يس: وأمال الياء حمزة والكسائيّ ويعقوب وأبو بكر وروح.

و في كتاب الخصال ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عشر أسماء. خمسة منها في القرآن. وخمسة ليست في القرآن. فأمّا الّتي في القرآن فمحمّد، وأحمد، وعبد اللّه، ويس، ون.

و في مجمع البيان : وروى محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- اثنى عشر اسما. خمسة منها في القرآن: محمّد، واحمد،و عبد اللّه، ويس، ون.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى عليّ- عليه السّلام- في قوله - عزّ وجلّ-:

سلام على آل ياسين قال: ياسين محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ونحن آل محمّد.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن [محمّد بن خالد، عن‏]  محمّد بن عيسى، عن صفوان، رفعه إلى أبي جعفر أو أبي عبد اللّه- عليهما السلام- قال: هذا محمّد، أذن لهم في التّسمية به. فمن أذن لهم في يس- يعني التّسمية- وهو اسم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله!؟

و أدغم  النّون في واو وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ  ابن عامر والكسائيّ ويعقوب وأبو بكر وورش. وهي واو القسم، أو العطف، إن جعل «يس» مقسما به.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النعمة : حدّثنا المظفّر بن حمزة العلويّ - رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا أبو القاسم قال: كتبت من كتاب أحمد الدّهّان ، عن القاسم بن حمزة، عن محمد بن أبي عمير قال: أخبرني أبو إسماعيل السّرّاج، عن خيثمة الجعفيّ قال: حدّثني أبو لبيد المخزوميّ قال: ذكر أبو جعفر- عليه السّلام- أسماء الخلفاء الاثني عشر الرّاشدين- صلوات اللّه عليهم. فلمّا بلغ آخرهم، قال: الثّاني عشر الّذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه عند سنة يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ.

إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ  لمن الّذين أرسلوا.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل.

 

و فيه: فأمّا ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [من كتاب اللّه‏]  فهو قول اللّه- سبحانه -:إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. ولهذه الآية ظاهر وباطن. فالظّاهر قوله: صَلُّوا عَلَيْهِ. والباطن قوله: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أي: سَلِّمُوا لمن وصّاه، واستخلفه، وفضّله عليكم ، وما عهده به إليه تَسْلِيماً. وهذا ممّا أخبرتك أنّه لا يعلم تأويله إلّا من لطف حسّه، وصفا ذهنه، وصحّ تمييزه.

و كذلك قوله : سلام على آل ياسين. لأنّ اللّه سمّى  النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [بهذه الاسم‏]  حيث قال: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لعلمه أنّهم يسقطون [قول اللّه‏]  «سلام على آل محمّد» كما أسقطوا غيره.

عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :

متعلّق ب «المرسلين» أي: من الّذين أرسلوا على صراط مستقيم وهو التّوحيد والاستقامة في الأمور.

و يجوز أن يكون عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ خبرا ثانيا، أو حالا من المستكنّ في الجارّ والمجرور. وفائدته وصف الشّرع بالاستقامة صريحا، وإن دلّ عليه لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ التزاما.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضاء- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه كلام له- عليه السّلام- سبق في الأحزاب عند قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ (الآية):

و في أثناء ذلك قال المأمون: فهل عندك في الآل شي‏ء أوضح من هذا في القرآن؟

قال أبو الحسن- عليه السّلام- نعم. أخبروني عن قول اللّه- تعالى-: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. فمن عنى بقوله: يس؟

قالت العلماء: يس  محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. لم يشكّ فيه أحد.

قال أبو الحسن- عليه السّلام- قال: فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- أعطى محمدا وآل محمّد من ذلك. فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلّا من عقله. وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- لم يسلّم على أحد إلّا على الأنبياء- صلوات اللّه عليهم. فقال - تبارك وتعالى-:سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ. وقال : سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ. وقال : سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ.

و لم يقل: سلام على آل نوح. ولم يقل: سلام على آل ابراهيم. ولم يقل: سلام على آل موسى وهرون. وقال : سلام على آل ياسين يعني: آل محمّد.

فقال المأمون: قد علمت أنّ في معدن النّبوّة شرح هذا وبيانه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. قال الصّادق- عليه السّلام-: يس اسم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. والدّليل على ذلك إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. قال: على الطّريق الواضح.

تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ :

خبر محذوف. والمصدر بمعنى المفعول. وقرأ  ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالنّصب، بإضمار أعني أو فعله، على أنّه على أصله. وقرئ بالجرّ على البدل من «القرآن».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. قال: القرآن.

لِتُنْذِرَ قَوْماً:

متعلّق ب تَنْزِيلَ أو بمعنى لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.

ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ: قوما غير منذر آباؤهم يعني: آباءهم الأقربين، لتطاول مدّة الفترة فيكون صفة مبيّنة لشدّة حاجتهم إلى إرساله. أو: الّذي أنذر به، أو شيئا أنذر به آباؤهم الأبعدون فيكون مفعولا ثانيا ل «تنذر». أو: إنذار آبائهم، على المصدر.

فَهُمْ غافِلُونَ :

متعلّق بالنّفي، على الاوّل أي: لم ينذروا، فبقوا غافلين. أو بقوله: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ على الوجوه الأخرى أي: أرسلتك إليهم لتنذرهم، فإنّهم غافلون.

لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ:

يعني قوله : لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ  لأنّهم ممّن علم اللّه أنّهم لا يؤمنون.

إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا:

تقرير لتصميمهم على الكفر والطّبع على قلوبهم- بحيث لا تغني عنهم الآيات والنّذر- بتمثيلهم بالّذين غلّت أعناقهم.

و قيل : معناه: كأنّ هذا القرآن أغلال في أعناقهم تمنعهم عن الخضوع لاستماعه وتدبّره، لثقله عليهم.

و قيل : إنّ المعنى بذلك ناس من قريش همّوا بقتل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فجعل أيديهم إلى أعناقهم، فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يدا.

و قيل : إنّ المراد به وصف حالهم يوم القيامة. فهو مثل قوله : إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ. وإنّما ذكره بلفظ الماضي للتّحقيق.

فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ: فالأغلال واصلة إلى أذقانهم، فلا تخلّيهم يطأطئون.

فَهُمْ مُقْمَحُونَ : رافعون رؤوسهم، غاضّون أبصارهم، في أنّهم لا يلتفتون لفت الحقّ، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم له.

و المقمح: الغاضّ بصره بعد رفع رأسه.

وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ :

تمثيل آخر لهم، بمن أحاط بهم سدّان، فغطّى أبصارهم، بحيث لا يبصرون قدّامهم ووراءهم، في أنّهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النّظر في الآيات والدّلائل.

و قرأ  حمزة والكسائيّ وحفص: «سدّا» بالفتح. وهو لغة فيه. وقيل: ما كان بفعل النّاس فبالفتح. وما كان بخلق اللّه، فبالضّمّ.

و قرئ : «فأغشيناهم» من العشيّ.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال: سألته‏]  عن قول اللّه: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ.قال: لتنذر القوم الّذين  أنت فيهم كما أنذر آباؤهم. فَهُمْ غافِلُونَ عن اللّه وعن رسوله وعن وعيده. لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ ممّن لا يقرّون بولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- والأئمّة من بعده، فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بإمامة أمير المؤمنين- عليه السّلام- والأوصياء من بعده. فلمّا لم يقرّوا، كانت عقوبتهم ما ذكر [اللّه‏] : إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ في نار جهنّم. ثمّ قال: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ، عقوبة منه لهم، حيث أنكروا ولاية أمير المؤمنين والأئمّة من بعده. هذا في الدنيا، وفي الآخرة في نار جهنّم مقمحون.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ، وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة، حديث طويل. وفيه: وسأله: كم حجّ آدم- عليه السّلام- من حجّة؟

فقال له: سبعين حجّة [على قدمه‏] . وأوّل حجّة حجّها، كان معه الصّرد، يدلّه على مواضع الماء. وخرج معه من الجنّة. وقد نهي عن أكل الصّرد والخطّاف.

و سأله: ما باله لا يمشي؟

قال: لأنّه ناح على بيت المقدس، فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه. ولم يزل يبكي مع آدم- عليه السّلام. فمن هناك سكن البيوت. ومعه تسع آيات من كتاب اللّه- تعالى- ممّا كان آدم يقرأها في الجنّة. وهي معه إلى يوم القيامة: ثلاث آيات من أوّل الكهف وثلاث آيات من  سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى، وهي: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ  وثلاث آيات من يس، [و هي:]  وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا- إلى قوله تعالى- فَهُمْ مُقْمَحُونَ. قال: قد رفعوا رؤوسهم.

و في رواية أبي الجارود  [عن أبي جعفر- عليه السّلام-]

 في قوله- تبارك‏و تعالى-: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ يقول:

فأعميناهم، فهم لا يبصرون الهدى. أخذ اللّه سمعهم وأبصارهم وقلوبهم، فأعماهم عن الهدى. نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من أهل بيته. وذلك أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قام يصلّى، وقد حلف أبو جهل- لعنه اللّه- لئن رآه يصلّى، ليدمغه .

فجاءه ومعه حجر، والنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قائم يصلّي. فجعل كلّما رفع الحجر ليرميه، أثبت اللّه- عزّ وجلّ- يده إلى عنقه، ولا يدور الحجر بيده. فلمّا رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده. ثمّ قام رجل آخر- وهو من رهطه أيضا- فقال: أنا أقلته.

فلمّا دنا منه، فجعل يسمع  فأرعب، فرجع إلى أصحابه فقال: حال بيني وبينه كهيئة الفحل  يخطر بذنبه. فخفت أن أتقدّم.

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فإنّ ابراهيم حجب عن نمرود بحجب ثلاث.

قال عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك. ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- حجب عمّن أراد قتله بحجب خمس. ثلاثة بثلاثة، واثنان فضل. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- وهو يصف محمدا- صلّى اللّه عليه وآله- قال: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا فهذا الحجاب الأوّل، وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فهذا الحجاب الثّاني، فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ، فهذا الحجاب الثّالث. ثمّ قال: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً. فهذا الحجاب الرّابع. ثمّ قال: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ. فهذه خمس حجب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  كلام طويل في بيان خروج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من بيته إلى الغار وغيره ذلك. وفيه: وأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يفرش له. ففرش له. فقال لعليّ بن أبي‏طالب- عليه السّلام- افدني بنفسك.

قال: نعم، يا رسول اللّه.

قال: يا عليّ، نم على فراشي. والتحف ببردتي.

فنام عليّ- صلوات اللّه عليه- [على فراش رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  والتحف ببردته. وقد جاء جبرئيل- عليه السّلام- وأخذ بيد رسول اللّه، فأخرجه على قريش وهو نيام، وهو يقرأ: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ.

وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :

سبق في البقرة تفسيره.

في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بآخر ما نقلنا عنه- أعنى قوله: فخفت أن أتقدم-: وقوله- عزّ وجلّ-: وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. فلم يؤمن من أولئك الرّهط من بني مخزوم أحد. وهو يعني: ابن المغيرة.

إِنَّما تُنْذِرُ إنذارا يترقّب عليه البغية المرومة.

مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ أي: القرآن، بالتّأمّل فيه والعمل به.

وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ: وخاف عقابه، قبل حلوله ومعاينة أهواله- أو في سريرته- ولا يغترّ برحمته. فإنّه كما هو رحمن منتقم قهّار.

فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ :

و في أصول الكافي ، متّصلا بآخر ما نقلناه عنه سابقا- أعني قوله عليه السّلام: في نار جهنّم مقمحون- ثمّ قال يا محمّد وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ باللّه وبولاية عليّ ومن بعده. ثم قال: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ، يعني أمير المؤمنين- عليه السّلام- وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ.

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى: الأموات بالبعث، أو الجهّال بالهداية.

وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا: ما أسلفوا من الأعمال الصّالحة والطّالحة، وَآثارَهُمْ الحسنة- كعلم علّموه وحبس وقفوه- والسّيّئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم.و قيل : ما قدّموه من عمل ليس له أثر، وَآثارَهُمْ أي: ما يكون له أثر.

وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ :

قيل : يعنى: اللّوح المحفوظ.

و قيل : أراد به صحائف أعمالهم.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحارث بن جعفر، عن عليّ بن إسماعيل بن يقطين، عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضّرير قال: حدّثني موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: أليس كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- كاتب الوصيّة، ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المملي عليه، وجبرئيل والملائكة المقرّبون شهود؟! قال: فأطرق طويلا. ثمّ قال: يا أبا الحسن، قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الأمر، نزلت الوصيّة من عند اللّه كتابا مسجّلا نزل به  جبرئيل مع أمناء اللّه- تبارك وتعالى- من الملائكة.

فقلت لأبي الحسن: بأبي أنت وأمّي! ألا تذكر ما كان [في الوصيّة] ؟

فقال: سنن اللّه، وسنن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

فقلت: أ كان في الوصيّة توثّبهم  وخلافهم على أمير المؤمنين- عليه السّلام؟ فقال:

نعم- واللّه!- شيئا شيئا، وحرفا حرفا. أما سمعت قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: اتّقوا المحقّرات من الذّنوب! فإنّ لها طالبا. يقول أحدكم: أذنب وأستغفر! إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول:س نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ. وقال - عزّ وجلّ-: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبار، عن ابن فضّال والحجّال، جميعا عن ثعلبة، عن زياد قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نزل بأرض قرعاء ، فقال لأصحابه: ائتوا بحطب.

فقالوا: يا رسول اللّه، نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب! قال: فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه.

فجاءوها به، حتّى رموا بين يديه بعضه على بعض. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: هكذا تجتمع الذّنوب.

ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذّنوب! فإنّ لكلّ شي‏ء طالبا. ألا وإنّ طالبها يكتب ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ.

و في مجمع البيان : قيل: معناه: نكتب خطاهم إلى المساجد. وسبب ذلك ما رواه أبو سعيد الخدريّ: أنّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة. فشكوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بعد منازلهم من المسجد والصّلاة معه. فنزلت الآية.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ، قام أبو بكر وعمر من مجلسها، وقالا: يا رسول اللّه، هو التّوراة؟

قال: لا.

قالا: فهو الإنجيل؟ قال: لا.

قالا: فهو القرآن؟ قال: لا. [قال:]  فأقبل أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هو هذا! إنّه الإمام الّذي أحصى اللّه فيه- تبارك وتعالى- علم كلّ شي‏ء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ، [أى: في كتاب مبين‏] . وهو محكم.

و ذكر ابن عبّاس عن أمير المؤمنين أنّه قال: أنا- واللّه!- الإمام المبين. أبيّن الحقّ من الباطل. وورثته من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه: معاشر النّاس! ما من علم إلّا [علّمنيه ربّي، وأنا علّمته عليّا- عليه السّلام‏] . وقد أحصاه اللّه فيّ. وكلّ علم علّمت، فقد أحصيته في إمام المتّقين.

و ما من علم إلّا علّمته عليّا. [و هو الإمام المبين.]

 

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عبد اللّه بن أبي العلا، عن محمّد بن الحسن بن شمّون ، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن عبد اللّه بن القاسم، عن صالح بن سهل قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقرأ:  وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ قال: في أمير المؤمنين.

قال : ويؤيّد هذا التّأويل، ما

رواه الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ- رحمه اللّه- في كتاب مصباح الأنوار، بإسناده إلى رجاله، مرفوعا إلى المفضّل بن عمر قال: دخلت على الصّادق- عليه السّلام- ذات يوم، فقال لي: يا مفضّل، هل عرفت محمّدا وعليّا وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السّلام- كنه معرفتهم؟

قلت: يا سيّدي، وما كنه معرفتهم؟

قال: يا مفضّل، تعلم أنّهم في طير عن  الخلائق، بحيث يسكنون بجنب  الروضةالخضرة. فمن عرفهم كنه معرفتهم، كان مؤمنا  في السّنام الأعلى.

قال: قلت: عرّفني ذلك يا سيّدي.

قال: يا مفضّل، تعلم أنّهم علموا ما خلق اللّه- عزّ وجلّ- وذرأه وبرأه. وأنّهم كلمة التّقوى وخزّان  السّموات والأرضين والجبال والرّمال والبحار. وعرفوا كم في السّماء نجم وملك، ووزن الجبال وكيل ماء البحار وأنهارها وعيونها. وما تسقط من ورقة، إلّا علموها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ، وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ وهو في علمهم، وقد علموا ذلك.

 [و قال- عليه السّلام-: يا مفضّل، إنّ العالم منّا يعلم حتّى تقلّب جناح الطّير في الهواء. ومن أنكر ذلك، فقط كفر باللّه من فوق عرشه.]

 

فقلت: يا سيّدي، قد علمت ذلك، وأقررت به، وآمنت.

قال: نعم يا مفضّل! نعم يا مكرّم! نعم يا محبور! نعم يا طيّب! طبت، وطابت لك الجنّة، ولكلّ مؤمن بها.

و روى الشّيخ أبو جعفر الطّوسي- رحمه اللّه - في كتاب مصباح الأنوار قال: ومن عجائب آياته ومعجزاته، ما رواه أبو ذرّ الغفاري قال:

كنت سائرا في أغراض [مع‏]  أمير المؤمنين- عليه السّلام- إذ مررنا بواد ونمله  كالسّيل السّاري  فذهلت ممّا رأيت فقلت: اللّه أكبر! جلّ محصيه! فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لا تقل ذلك- يا أبا ذر- ولكن قل: جلّ بارئه. فو الّذي صوّرك، إنّى أحصي عددهم، وأعلم الذّكر منهم والأنثى، بإذن اللّه- عزّ وجلّ.

وَ اضْرِبْ لَهُمْ: ومثّل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي: مثال واحد. وهو يتعدّى إلى مفعولين- لتضمّنه معنى الجعل- وهما: مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ، على حذف مضاف. أي: اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلا. ويجوز أن‏يقتصر على واحد، ويجعل المقدّر بدلا من الملفوظ، أو بيانا له.

و «القرية» أنطاكية.

إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ :

بدل من «أصحاب القرية».

و «المرسلون» رسل عيسى- عليه السّلام- إلى أهلها. وإضافته إلى نفسه في قوله:

إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ، لأنّه فعل رسوله وخليفته. وهما يحيى ويونس- والثّالث شمعون- وقيل غيرهما.

و قيل : الرّسولان من اللّه فقيل: هما شمعون ويوحنّا، والثّالث يونس وقيل:

صادق وصدق، والثّالث سلوم.

فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا: فقوّينا.

و قرأ  أبو بكر مخفّفا. من: عزّه: إذا غلبه.

و حذف المفعول لدلالة ما قبله عليه، ولأنّ المقصود ذكر المعزّز به.

بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ :

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن تفسير هذه الآية.

فقال: بعث اللّه- عليه السّلام- رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية. فجاءاهم بما لا يعرفون. فغلظوا عليهما. فأخذوهما، وحبسوهما في بيت الأصنام. فبعث اللّه الثّالث، فدخل المدينة فقال: أرشدوني إلى باب الملك.

قال: فلمّا وقف على باب الملك، قال: أنا رجل كنت أتعبّد في فلاة من الأرض، وقد أحببت أن أعبد إله الملك. فأبلغوا كلامه الملك فقال: أدخلوه إلى بيت الآلهة.

فأدخلوه. فمكث سنة مع صاحبيه فقال لهما: بهذا ينقل قوم من دين إلى دين بالخرق . أ فلا رفقتما؟ ثمّ قال لهما: لا تقرّان بمعرفتي.

ثمّ أدخل على الملك، فقال له الملك: بلغني أنّك كنت تعبد إلهي. فلم أزل وأنت أخي. فسلني حاجتك. فقال: مالي حاجة- أيّها الملك- ولكن رأيت رجلين في بيت‏الآلهة فما بالهما؟ قال الملك: هذان رجلان أتيا يضلّانى عن دينى ، ويدعواني إلى إله سماويّ. فقال: أيّها الملك مناظرة جميلة فإن يكن الحقّ لهما، اتّبعناهما وإن يكن الحقّ لنا، دخلا معنا في ديننا. وكان لهما ما لنا، وعليهما  [ما علينا] .

قال: فبعث الملك إليهما. فلمّا دخلا إليه، قال لهما صاحبهما: ما الّذي جئتما به؟ قالا:

جئنا ندعوه إلى عبادة الّذي خلق السّموات والأرض. ويخلق في الأرحام ما يشاء. ويصوّر كيف يشاء. وأنبت الأشجار والثّمار. وأنزل القطر من السّماء.

قال: فقال لهما: أ إلهكما هذا الّذي تدعوان إليه وإلى عبادته، إن جئنا بأعمى، يقدر أن يردّه صحيحا؟ قالا: إذا سألناه أن يفعل، فعل إن شاء . قال: أيّها الملك عليّ بأعمى لم يبصر شيئا  قطّ.

قال: فأتي به. فقال لهما: ادعوا إلهكما أن يردّ. بصر هذا. فقاما، وصلّيا ركعتين. فإذا عيناه مفتوحتان، وهو ينظر إلى السّماء. فقال: أيّها الملك، عليّ بأعمى آخر. فأتي به.

قال: فسجد سجدة. ثمّ رفع رأسه. فإذا الأعمى بصير. فقال: أيّها الملك، حجّة بحجّة. عليّ بمقعد. فأتى به. فقال لهما مثل ذلك. فصلّيا ودعوا اللّه. فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه، وقام يمشي. فقال: أيّها الملك، عليّ بمقعد آخر. فأتي به. فصنع به، كما صنع أوّل مرّة. فانطلق المقعد. فقال: أيّها الملك قد أتيا  بحجّتين، وأتينا بمثلهما . ولكن بقي شي‏ء واحد فإن فعلاه ، دخلت معهما في دينهما. ثمّ قال: أيّها الملك، بلغني أنّه كان للملك ابن واحد ومات. فإن أحياه لهما، دخلت معهما في دينهما. فقال له الملك: وأنا أيضا معك. ثمّ قال لهما: قد بقيت هذه الخصلة الواحدة. قد مات ابن الملك، فادعوا إلهكما أن يحييه.

قال: فخرّا ساجدين للّه- عزّ وجلّ- وأطالا السّجود. ثمّ رفعا رؤوسهما وقالا للملك: ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره، إن شاء اللّه- تعالى.

قال: فخرج النّاس ينظرون، فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التّراب.

قال: فأتي به إلى الملك، فعرف أنّه ابنه. فقال له: ما حالك يا بنيّ؟ قال: لكنت‏

ميّتا، فرأيت رجلين من بين يدي ربّي السّاعة ساجدين، يسألانه أن يحييني. فأحياني.

قال: يا بنيّ تعرفها إذا رأيتهما؟ فقال: نعم. قال: فأخرج النّاس جملة إلى الصّحراء. فكان يمرّ عليه رجل رجل، فيقول له أبو: انظر. فيقول: لا، [لا] . ثمّ مرّوا عليه بأحدهما بعد جمع كثير، فقال: أحدهما. وأشار بيده إليه. ثمّ مرّوا أيضا بقوم كثيرين، حتّى رأى صاحبه الآخر فقال: وهذا الآخر.

قال: فقال النّبيّ صاحب الرّجلين: أمّا أنا، فقد آمنت بإلهكما، وعلمت أنّ ما جئتما به هو الحقّ.

قال: فقال الملك: وأنا أيضا. وآمن أهل مملكته كلّهم.

و

في مجمع البيان : قال وهب بن منبّه: بعث عيسى هذين الرّسولين الى أنطاكية.

فأتياها، ولم يصلا إلى ملكها، وطالت مدّة مقامهما. فخرج الملك ذات يوم. فكبّرا، وذكرا اللّه. فغضب [الملك‏] ، وأمر بحبسهما. وجلد كلّ واحد منهما مائة جلدة. فلمّا كذّب الرّسولان، وضربا، بعث عيسى شمعون الصّفا رأس الحواريّيّن على أثرهما، لينصرهما.

فدخل شمعون البلدة متنكّرا . فجعل يعاشر حاشية الملك، حتّى أنسوا به، فرفعوا خبره إلى الملك. فدعاه، ورضى عشرته، وأنس به، وأكرمه. ثمّ قال له ذات يوم: [أيّها الملك،]  بلغني أنّك حبست رجلين في السّجن، وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك.

فهل سمعت قولهما؟ قال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإن رأى الملك، دعاهما حتّى نطّلع  ما عندهما.

فدعاهما الملك. فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا: اللّه الّذي خلق كلّ شي‏ء، لا شريك له. قال: وما آيتكما؟ قالا: ما تتمنّاه. فأمر الملك حتّى جاؤوا بغلام مطموس العينين، وموضع عينيه كالجبهة. فما ذا لا يدعوان اللّه، حتّى انشقّ موضع البصر.

فأخذا بندقتين  من الطّين، فوضعاهما في حدقتيه. فصارتا مقلتيه، يبصر بهما.

فتعجّب الملك. فقال شمعون للملك: أ رأيت لو سألت إلهك حتّى يصنع صنيعا مثل‏هذا، فيكون لك ولإلهك شرفا. فقال الملك: ليس لي عنك سرّ. إنّ إلهنا الّذي نعبده لا يضرّ ولا ينفع.

ثمّ قال الملك للرّسولين: إن قدر إلهكما على إحياء ميّت، آمنّا به وبكما. قالا: إلهنا قادرا على كلّ شي‏ء. قال الملك: إنّ هاهنا ميّتا مات منذ سبعة أيّام لم ندفنه، حتّى يرجع أبوه، وكان غائبا. فجاءوا بالميّت، وقد تغيّر وأروح .

فجعلا يدعوان ربّهما علانية. وجعل شمعون يدعو ربّه سرّا. فقام الميّت وقال لهم إنّي قد متّ منذ سبعة أيّام، وأدخلت في سبعة أو دية من النّار. وأنا أحذّركم ما أنتم فيه! فآمنوا باللّه! فتعجّب الملك. فلمّا علم شمعون أنّ قوله أثّر في الملك، دعاه إلى اللّه. فآمن، وآمن من أهل مملكته قوم، وكفر آخرون.

و قد روى  مثل ذلك العيّاشيّ بإسناده عن الثّماليّ وغيره، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- إلّا أنّ في بعض الرّوايات: بعث اللّه الرّسولين إلى أهل انطاكية.

ثمّ بعث الثّالث. وفي بعضها: أنّ عيسى روح اللّه أوحى اللّه اليه أن يبعثهما. ثمّ بعث وصيّه شمعون ليخلّصهما. وأن الميّت الّذي أحياه بدعائه، كان ابن الملك. وأنّه قد خرج من قبره ينفض التّراب من رأسه. فقال له: يا بنيّ، ما حالك؟ قال: كنت ميّتا، فرأيت رجلين ساجدين يسألان اللّه أن يحييني. قال: يا بنيّ، أ تعرفهما إذا رأيتهما؟ قال: نعم.

فأخرج النّاس إلى الصّحراء. فكان يمرّ عليه رجل بعد رجل. فمرّ أحدهما بعد جمع كثير، فقال: هذا أحدهما. ثمّ مرّ الآخر. فعرفهما، وأشار بيده إليهما. فآمن الملك وأهل مملكته.

قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا: لا مزيّة لكم علينا يقتضي اختصاصكم بما تدعون.

و رفع بشر لانتقاض النّفي المقتضي إعمال ما ب «إلّا».

وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْ‏ءٍ: وحي ورسالة.

إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ : في دعوى رسالته.

قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ :

استشهدوا بعلم اللّه. وهو يجرى مجرى القسم. وزادوا اللّام المؤكّدة، لأنّه جواب عن إنكارهم.وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ : الظّاهر البيّن بالآيات الشّاهدة لصحّته. وهو المحسّن للاستشهاد فإنّه لا يحسن إلّا ببيّنة.

قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ: تشاء منا بكم.

و ذلك لاستغرابهم ما ادّعوه، واستقباحهم له، وتنفّرهم عنه.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: في كلّ أمر واحدة من ثلث: الكبر، والطّيرة، والّمنّي. فإذا تطيّر أحدكم، فليمض علي طيرته، وليذكر اللّه- عزّ وجلّ. وإذا خشي اكبر، فليأكل مع عبده وخادمه، وليحلب الشّاة. وإذا تمنّى، فليسأل اللّه- عزّ وجلّ- وليبتهل إليه، ولا تنازعه نفسه إلى الإثم.

و في روضة الكافي : عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن  المغيرة، عن عمرو بن حريث ، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: الطّيرة على ما تجعلها. إن هوّنتها، تهوّنت . وإن شدّدتها، تشدّدت. وإن لم تجعلها شيئا، لم تكن شيئا.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كفّارة الطيرة التّوكّل.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب قال: أخبرنا النّضر بن قرواش الجمّال قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- قال رسول اللّه: لا عدوى. ولا طيرة. ولا شؤم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في لا يحضره الفقيه : وروى سليمان  بن جعفر الجعفريّ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: الشّؤم للمسافر في طريقه في ستّة : الغراب، النّاعق عن يمينه، والكلب النّاشر لذنبه، والذّئب العاوي الّذي يعوي في وجه الرّجل- وهو مقع‏على ذنبه يعوي، ثمّ يرتفع، ثمّ ينخفض ثلاثا- والظّبي السّانح  عن يمين إلى شمال، والبومة الصّارخة، والمرأة الشّمطاء  تلقى فرجها، والأتان العضباء - يعني: الجذعاء .

فمن أوجس  في نفسه منهنّ شيئا، فليقل: اعتصمت بك- يا ربّ- من شرّ ما أجد في نفسي. فاعصمني من ذلك. قال: فيعصم من ذلك.

و في تفسير علي بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ قال:

بأسمائكم.

لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عن مقالتكم هذه، لَنَرْجُمَنَّكُمْ بالحجارة. أو:

نشتمنّكم.

وَ لَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ :

قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ: سبب شؤمكم معكم، وهو سوء عقيدتكم وأعمالكم.

و قيل : حظّكم ونصيبكم.

و قرئ : «طيركم».

أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ: وعظتم به.

و جواب الشّرط محذوف مثل: تطيّرتم، أو توعّدتم بالوجم والتّعذيب.

و قد قرئ  بألف بين الهمزتين، وبفتح «إن»- بمعنى: أ تطيّرتم لأن ذكّرتم و«إن» [و «أن»]  بغير استفهام، و«أين ذكّرتم» بمعنى: طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو أبلغ.

بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ : قوم عادتكم الإسراف في العصيان- فمن ثمّ جاءكم الشّؤم- أو في الضّلال، ولذلك توعّدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرّك به.

وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى:هو حبيب النّجّار. وكان ينحت أصنامهم. وهو ممّن آمن بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وبينهما ستّمائة سنة.

و قيل : كان في غار يعبد اللّه. فلمّا بلغه خبر الرّسل، أتاهم، وأظهر دينه.

و قيل : وقد كان آمن بالرّسل عند ورودهم القرية. وكان منزله  عند أقصى باب من باب المدينة. فلمّا بلغه أنّ قومه قد كذّبوا، وهمّوا بقتلهم، جاء يعدو ويشتدّ. وإنّما علم نبوّتهم، لأنّهم لمّا دعوه قال: أ تأخذون على ذلك أجرا؟ قالوا: لا.

و قيل : إنّه كان به زمانة أو جذام، فأبرؤوه، فآمن بهم.

و قيل  كان له ولد مريض. فمسحاه، فبرأ فآمن.

قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ  اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على النّصح وتبليغ الرّسالة.

و في كتاب الخصال ، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين: مؤمن آل يس، وعليّ بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون.

و في جوامع الجامع ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: سبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا [باللّه‏]  طرفة عين: عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون. فهم الصّدّيقون. وعليّ أفضلهم.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطيّة، عن يونس بن عمّار  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- جعلت فداك هذا الّذي قد ظهر بوجهي ، يزعم النّاس أنّ اللّه- عزّ وجلّ- لم يبتل به عبدا له فيه حاجة.

فقال لي: [لا!]  لقد كان مؤمن آل فرعون مكنّع  الأصابع فكان يقول هكذا،و يمدّ يده ، ويقول: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ هُمْ مُهْتَدُونَ  إلى طريق الحقّ سالكون سبيله.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن أبي ليلى رفعه قال: قال [أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:]

 الصّدّيقون ثلاثة: حبيب النّجّار، مؤمن آل يس الّذي يقول: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ وحزقيل، مؤمن آل فرعون وعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. وهو أفضلهم.

و في مجمع البيان : فلمّا قال هذا، أخذوه فرفعوه إلى الملك. فقال له الملك: أ فأنت تتّبعهم؟ فقال:

وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي:

تلطّف بالإرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه، وإمحاض النّصح حيث أراد لهم ما أراد لها.

و المراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره. ولذلك قال: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، مبالغة في التّهديد.

ثمّ عاد إلى المساق الأوّل فقال:

أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً. لا تنفعني شفاعتهم، وَلا يُنْقِذُونِ  بالنّصر والمظاهرة. إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ .

فإنّ إيثار ما لا ينفع ولا يدفع ضرّا بوجه ما، على الخالق المقتدر على النّفع والضّرّ، وإشراكه به، ضلال بيّن لا يخفى على عاقل.

إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الّذي خلقكم. فَاسْمَعُونِ : فاسمعوا إيماني.

و قيل : الخطاب للرّسل. فإنّه لمّا نصح قومه، أخذوا يرجمونه. فأسرع نحوهم قبل أن‏يقتلوه، وقال هذا، يشهدهم على إيمانه.

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ:

قيل له ذلك لمّا قتلوه، بشرى  بأنّه من أهل الجنّة، أو إكراما وإذنا في دخولها كسائر الشّهداء. أو: لمّا همّوا بقتله، رفعه اللّه- تعالى- إلى الجنّة على ما قاله الحسن .

و إنّما لم يقل: «له»، لأنّ الغرض بيان المقول دون المقول له فإنّه معلوم.

و الكلام استئناف في حيّز الجواب عن السّؤال عن حاله عند لقاء ربّه، بعد تصلّبه في نصر دينه. ولذلك قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ  بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ . فإنّه جواب عن السّؤال عن قوله عند ذلك القول له.

و إنّما تمنّى علم قومه بحاله، ليحملهم على اكتساب مثلها بالتّوبة عن الكفر والدّخول في الإيمان والطّاعة، على دأب الأولياء في كظم الغيظ والتّرحّم على الأعداء. أو ليعلموا أنّهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنّه كان على حقّ.

و قرئ : «المكرّمين».

و «ما» خبريّة، أو مصدريّة. والباء صلة «يعلمون». أو استفهاميّة جاءت على الأصل، والباء صلة «غفر». أي: بأيّ شي‏ء غفر لي. يريد به المهاجرة عن دينهم، والمصابرة على أذيّتهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ قال: نزلت في حبيب النّجّار.

و في جوامع الجامع : قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ.

ورد في حديث مرفوع أنّه نصح قومه حيّا وميّتا.

وَ ما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ: من بعد إهلاكه أو رفعه مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ لإهلاكهم، كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك.

و فيه استحقار لإهلاكهم، وإيماء بتعظيم الرّسول-- صلّى اللّه عليه وآله.

وَ ما كُنَّا مُنْزِلِينَ : وما صحّ في حكمتنا أن ننزل جندا لإهلاك قومه إذقدّرنا لكلّ شي‏ء سببا، وجعلنا ذلك سببا لانتصارك من قومك.

و قيل : «ما» موصولة معطوفة على «جند». أي: وممّا كنّا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وأمطار شديدة.

و قيل : معناه: وما أنزلنا على قومه من بعده رسالة من السّماء. فطبع اللّه عليهم الرّسالة، حيث قتلوا رسولهم.

إِنْ كانَتْ: ما كانت الأخذة، أو العقوبة، إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبرئيل.

و قرئت  بالرّفع، على كان التّامّة.

فَإِذا هُمْ خامِدُونَ : ميّتون.

شبّهوا بالنّار، رمزا إلى أن الحيّ كالنّار السّاطعة، والميّت كرمادها كمال قال لبيد:

         وما المرء إلّا كالشّهاب وضوئه             يحور رمادا بعد إذ هو ساطع‏

 يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ تعالي. وهذه من الأحوال الّتي من حقّها أن تحضري فيها.

و هي ما دلّ عليها: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ . فإنّ المستهزئين بالنّاصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدّارين، أحقّاء بأن يتحسّروا ويتحسّر عليهم. وقد تلهّف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثّقلين.

و يجوز أن يكون تحسّرا من اللّه عليهم، على سبيل الاستعارة، لتعظيم ما جنوه على أنفسهم. ويؤيّده قراءة : «يا حسرتا».

و نصبها لطولها بالجارّ المتعلّق بها. وقيل : بإضمار فعلها والمنادى محذوف.

و في جوامع الجامع : وروي عن عليّ بن الحسين زين العابدين- عليه السّلام-: «يا حسرة العباد» على الإضافة إليهم، لاختصاصها بهم، من حيث أنّها موجّهة  إليهم.

و «يا حسرة على العباد» بإجراء الوصل مجرى الوقف.

أَ لَمْ يَرَوْا: ألم يعلموا. وهو معلّق عن قوله: كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ. لأنّ «كم» لا يعمل فيها ما قبلها، وإن كانت خبريّة لأنّ أصلها الاستفهام.أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ :

بدل من «كم» على المعنى. أي: ألم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم.

و قرئ  بالكسر، على الاستئناف. وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ  يوم القيامة للجزاء.

و «إن» مخفّفة من المثقّلة. واللّام هي الفارقة. و«ما» مزيدة للتّأكيد.

و قرأ  ابن عامر وعاصم وحمزة: «لمّا» بالتّشديد، بمعنى إلّا. فيكون «إن» نافية.

و «جميع» فعيل بمعنى مفعول. و«لدينا» ظرف له أو ل «محضرون».

وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ وقرأ نافع بالتّشديد.

أَحْيَيْناها:

خبر «للأرض». والجملة خبر «آية» أو صفة لها إذ لم يرد بها معيّنة. وهي الخبر أو المبتدأ. والآية خبرها، أو استئناف لبيان كونها آية.

وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا: جنس الحبّ. فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ :

قدّم الصّلة للدّلالة على أنّ الحبّ معظم ما يؤكل ويعاش به.

وَ جَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ: من أنواع النّخل والعنب. ولذلك جمعهما دون الحبّ فإنّ الدّالّ على الجنس مشعر بالاختلاف، ولا كذلك الدّالّ على الأنواع.

و ذكر النّخيل دون التّمور ليطابق الحبّ والأعناب، لاختصاص شجرها. بمزيد النّفع وآثار الصّنع.

وَ فَجَّرْنا فِيها:

و قرئ  بالتّخفيف. والفجر والتّفجير كالفتح والتّفتيح، لفظا ومعنى.

مِنَ الْعُيُونِ  أي: شيئا من العيون. فحذف الموصوف، وأقيمت الصّفة مقامه. أو: العيون، و«من» مزيدة، عند الأخفش.

لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ: ثمر ما ذكر، وهو الجنّات.و قيل : الضّمير للّه، على طريقة الالتفات، والإضافة إليه. لأنّ الثّمر بخلقه.

و قرأ  حمزة والكسائي بضمّتين. وهو لغة فيه، أو جمع ثمار. وقرئ  بضمّة وسكون.

وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ:

عطف على الثّمر. والمراد ما يتّخذ منه كالعصير والدّبس ونحوهما.

و قيل : «ما» نافية. والمراد أنّ الثّمر بخلق اللّه، لا بفعلهم. ويؤيّد الأوّل قراءة  الكوفيّين- غير حفص- بلا هاء. فإنّ حذفه من الصّلة، أحسن من غيرها.

أَ فَلا يَشْكُرُونَ :

أمر بالشّكر من حيث إنّه إنكار لتركه.

سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها: الأنواع والأصناف، مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ: من النّبات والشّجر، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ: الذّكر والأنثى، وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ : وأزواجا ممّا لم يطلعهم اللّه عليه، ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته، ممّا خلقه في بطون الأودية وقعر البحار، فلم يشاهدوه، ولم يتّصل خبره بهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  في هذه الآية قال: فإنّه حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ النّطفة تقع من السّماء إلى الأرض على النّبات والثّمر والشّجر، فيأكل النّاس منه والبهائم، فتجري فيهم.

وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ: نزيله ونكشف عن مكانه. مستعار من سلخ الجلد. والكلام في إعرابه ما سبق.

فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ : داخلون في الظّلام.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: فضرب اللّه مثل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- الشّمس، ومثل الوصيّ القمر. وهو قول اللّه - عزّ وجلّ-:

جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً. وقوله: وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ. وقوله - عزّ وجلّ-: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ‏

 يعني: قبض محمّد، وظهرت الظّلمة، فلم يبصروا فضل أهل بيته.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي ولّاد قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه خلق حجابا من ظلمة ممّا يلي المشرق، ووكّل به ملكا. فإذا غابت الشّمس، اعترف ذلك الملك غرفة بيده. ثمّ استقبل بها المغرب، يتبع الشّفق، ويخرج من بين يديه قليلا قليلا. ويمضي، فيوافي المغرب عند سقوط الشّمس ، فيسرّح [في‏]  الظّلمة. ثمّ يعود إلى المشرق. فإذا طلع الفجر، نشر جناحيه، فاستاق الظّلمة من المشرق إلى المغرب حتّى يوافي بها المغرب عند طلوع الشّمس.

وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها: لحدّ معيّن ينتهي إليه دورها فشبّه بمستقرّ المسافر إذا قطع مسيره. أو: لكبد السّماء فإنّ حركتها فيه يوجد إبطاء بحيث يظنّ أنّ لها هناك وقفة. أو: لاستقرار لها على نهج مخصوص. أو: لمنتهى مقدّر لكلّ يوم من المشارق والمغارب، فإنّ لها في دورها ثلاثمائة وستّين مشرقا ومغربا، تطلع كلّ يوم من مطلع، وتغرب من مغرب، ثمّ لا يعود إليهما إلى العام القابل. أو: لمنقطع جريها عند خراب العالم.

و قرئ : «لا مستقرّ لها» أي: لا سكون فإنّها متحرّكة دائما. و«لا مستقرّ»، على أنّ «لا» بمعنى ليس.

و في مجمع البيان : روي عن عليّ بن الحسين وأبي جعفر الباقر وجعفر الصّادق- عليهم السّلام-: «لا مستقرّ لها» بنصب الرّاء.

ذلِكَ الجري على هذا التّقدير المتضمّن للحكم الّتي تكلّ الفطن عن إحصائها، تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ: الغالب بقدرته على كلّ مقدور الْعَلِيمِ  المحيط علمه بكلّ معلوم.

و في كتاب التّوحيد ، م بإسناده إلى أبى ذرّ الغفاريّ- رحمه اللّه- قال: كنت آخذا بيد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ونحن نتماشى جميعا، فما زلنا ننظر  إلى الشّمس حتّى غابت.

فقلت: يا رسول اللّه أين تغيب؟

قال: في السّماء. ثمّ ترفع من سماء إلى سماء حتّى ترفع إلى السّماء السابعة  العليا، حتّى تكون تحت العرش. فتخرّ ساجدة، فتسجد معها الملائكة الموكّلون بها. ثمّ تقول:

يا ربّ، من أين تأمرني أن أطلع؟ من مغربي، أم من مطلعي؟ فذك قوله- عزّ وجلّ-:

وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. يعني بذلك صنع الربّ العزيز في ملكه، [العليم‏]  بخلقه.

قال: فيأتيها جبرئيل بحلّة ضوء من نور العرش، على مقادير ساعات النّهار في طوله في الصّيف، وفي قصره في الشّتاء، أو ما بين ذلك في الخريف والرّبيع.

قال: فتلبس تلك الحلّة، كما يلبس أحدكم ثيابه. ثمّ تنطلق بها في جوّ السّماء، حتّى تطلع من مطلعها.

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: كأنّي بها، وقد حبست مقدار ثلاث ليال. ثمّ لا تكسى ضوءا، وتؤمر أن تطلع من مغربها. فذلك قوله - عزّ وجلّ-: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ. والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في أفق السّماء، ومغربه وارتفاعه إلى السّماء السّابعة، ويسجد تحت العرش. ثمّ يأتيه جبرئيل بالحلّة من نور الكرسيّ. فذلك قوله - عزّ وجلّ-: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد قال: سئل العالم- عليه السّلام- كيف علم اللّه؟

قال: علم، وشاء، وأراد، وقدّر، وقضى، وأمضى. فأمضى ما قضى. وقضى ما قدّر. وقدّر ما أراد. فبعلمه كانت المشيئة. وبمشيئته كانت الإرادة. وبإرادته كان التّقدير. وبتقديره كان القضاء. وبقضائه كان الإمضاء. والعلم متقدّم [على‏]  المشيئة، والمشيئة ثانية، والإرادة ثالثة. والتّقدير واقع على القضاء بالإمضاء. فللّه- تبارك وتعالى- البداء فيما علم، متى شاء، وفيما أراد لتقدير الأشياء. فإذا وقع القضاء بالإمضاء، فلا بداء.فالعلم في المعلوم قبل كونه. والمشيئة في المشاء  قبل عينه. والإرادة في المراد قبل قيامه. والتّقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا. والقضاء بالإمضاء، هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواسّ من ذوي لون وريح ووزن وكيل، وما دبّ ودرج من إنس وجنّ وطير وسباع، وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ. فللّه- تبارك وتعالى- فيه البداء ممّا لا عين له. فإذا وقع العين المفهوم المدرك، فلا بداء.

و اللّه يفعل ما يشاء.

فبالعلم علم الأشياء قبل كونها. وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها، وأنشأها قبل إظهارها. وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها. وبالتّقدير قدّر أقواتها، وعرف أوّلها وآخرها. وبالقضاء أبان للنّاس أماكنها، ودلّهم عليها. وبالإمضاء شرح عللها، وأبان أمرها. ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.

وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ: قدّرنا مسيره مَنازِلَ. أو: سيره في منازل. وهي ثمانية وعشرون: الشرطان ، البطين، الثريّا، الدّبران، الهقعة الهنعة، الذّراع، النّثرة، الطّرف، الجبهة، الزّبرة، الصّرفة، العوّاء، السّماك، الغفر، الزّبانا، الإكليل، القلب، الشّولة، النّعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السّعود، سعد الأخبية، فرغ الدّلو المقدّم، فرغ الدّلو المؤخّر، الرّشا، وهو بطن الحوت. ينزل كلّ ليلة في واحدة منها، لا يتخطّاه، ولا يتقاصر عنه. فإذا كان في آخر منازله- وهو الّذي يكون فيه قبيل الاجتماع- دقّ واستقوس.

و قرأ  الكوفيّون وابن عامر: وَالْقَمَرَ بنصب الرّاء.

حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ: كالشّمراخ المعوّج. فعلون من الانعراج، وهو:

الاعوجاج.

و قرئ : كَالْعُرْجُونِ. وهما لغتان كالبزيون والبزيون.

الْقَدِيمِ : العتيق.

و قيل : ما مرّ عليه حول فصاعدا.

و في تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن داود بن محمّد النّهديّ  قال:

 دخل أبو سعيد المكاريّ [و كان واقفيّا]  على أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- فقال له: أبلغ من قدرك أن تدّعي ما ادّعاه  أبوك؟! فقال له الرّضا- عليه السّلام-: مالك؟! أطفأ اللّه نورك! وأدخل الفقر بيتك! أمّا علمت أنّ اللّه- عزّ وجلّ- أوحى إلى عمران أنّي واهب لك ذكرا، فوهب له مريم، ووهب لمريم عيسى- عليه السّلام؟! فعيسى من مريم. ومريم من عيسى. ومريم وعيسى [شي‏ء]  واحد. وأنا من أبي. وأبي منّي. وأنا وأبي شي‏ء واحد.

فقال له أبو سعيد: فأسألك عن مسألة.

قال: سل، ولا أخالك تقبل منّي، وليست من غنمي ولكن هاتها.

فقال له: ما تقول في رجل قال عند موته: كلّ مملوك لي  قديم، فهو حرّ لوجه اللّه؟

قال: نعم ما كان له ستّة  أشهر، فهو قديم [و هو]  حرّ. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. فما كان لستّة أشهر، فهو قديم [حرّ.

قال: فخرج‏]  من عنده، وافتقر، وذهب بصره. ثمّ مات- لعنه اللّه- وليس عنده مبيت ليلة.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: وقضى عليّ- عليه السّلام- في رجل وصّى فقال: أعتقوا عنّي كلّ عبد قديم في ملكي. فلمّا مات، لم يعرف الوصيّ ما يصنع. فسأله عن ذلك، فقال: يعتق عنه كلّ عبد له في ملكه ستّة أشهر. وتلا قوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ.

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها: يصحّ لها ويتسهّل أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ في سرعة سيره. فإنّ ذلك يخلّ بتكوّن النّبات وتعيّش الحيوان. أو: في آثاره ومنافعه. أو: مكانه، بالنّزول إلى محلّه. أو: سلطانه، فتطمس نوده.و إيلاء حرف النّفي الشّمس، للدّلالة على أنّها مسخّرة لا يتيسّر لها إلّا ما أريد منها.

وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ، فيفوته ولكن يعاقبه. وقيل : المراد بهما آيتاهما، وهما النّيّران. وبالسّبق، سبق القمر إلى سلطان الشّمس. فيكون عكسا للأوّل. وتبديل الإدراك بالسّبق، لأنّه الملائم لسرعة سيره.

وَ كُلٌّ: وكلّهم.

و التّنوين عوض عن المضاف إليه. والضّمير للشّموس والأقمار- فإنّ اختلاف الأحوال يوجب تعدّدا ما في الذّات- أو إلى الكواكب فإنّ ذكرهما مشعر بهما.

فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ : يسيرون فيه بانبساط.

و إنّما قال: يَسْبَحُونَ بالواو والنّون، لمّا أضاف إليها ما هو من فعل الآدميّين كما قال : ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يقول: الشّمس سلطان النّهار. والقمر سلطان اللّيل. لا ينبغي للشّمس أن تكون مع ضوء القمر [باللّيل‏]  ولا يسبق اللّيل النّهار. يقول: لا يذهب اللّيل حتى يدركه النّهار. وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. يقول: يجي‏ء  وراء الفلك على ظاهر الاستدارة.

و في مجمع البيان : وروى العيّاشيّ في تفسير بالاستناد عن الأشعث بن حاتم قال: كنت بخراسان حيث اجتمع الرّضا والفضل بن سهل والمأمون في الإيوان  بمرو. فوضعت المائدة.

فقال الرّضا- عليه السّلام-: إنّ رجلا من بني إسرائيل سألني بالمدينة فقال: النّهار خلق قبل أم اللّيل؟ فما عندكم؟

قال: وأداروا الكلام. فلم يكن عندهم في ذلك شي‏ء. فقال الفضل للرّضا- عليه السّلام-: أخبرنا بها- أصلحك اللّه.

قال: نعم. من القرآن، أم من الحساب؟

قال له الفضل: من جهة الحساب.

فقال: قد علمت- يا فضل- أنّ طالع الدّنيا السّرطان والكواكب في موضع شرفها. فزحل في الميزان. والمشتري في السّرطان. والشّمس في الحمل. والقمر في الثّور.

فذلك يدلّ على كينونة الشّمس [في الحمل‏]  في العاشر من الطّالع في وسط السّماء .

فالنّهار خلق قبل اللّيل. وفي قوله- تعالى-: الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ. أي قد سبقه النّهار.

و في روضة الكافي : ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق الشّمس قبل القمر. وخلق النّور قبل الظّلمة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال السّائل: فخلق النّهار قبل اللّيل؟ قال: نعم . خلق النّهار قبل اللّيل، والشّمس قبل القمر، والأرض قبل السّماء.

وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ:

قيل : أولادهم الّذين يبعثونهم إلى تجاراتهم. أو: صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم. فإنّ الذّرّيّة تقع عليهنّ، لانّهنّ مزارعها. وتخصيصهم، لأنّ استقرارهم في السّفن أشقّ، وتماسكهم  فيها أعجب.

و قرأ  نافع وابن عامر: «ذرّيّاتهم».

فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ : المملوء.

و قيل : المراد فلك نوح. وحمل اللّه ذرّيّاتهم فيها أنّه حمل فيها آباءهم الأقدمين وفي‏أصلابهم ذرّيّاتهم. وتخصيص الذّرّيّة، لأنّه أبلغ في أبلغ في الامتنان وأدخل في التّعجّب مع الإيجاز.

و في كتاب الخصال ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: قال: فما التّسعون؟ قال: الفلك المشحون. اتّخذ نوح- عليه السّلام- فيه تسعين بيتا للبهائم.

وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ: من مثل الفلك، أو سفينة نوح ما يَرْكَبُونَ :

قيل : من الإبل فإنّها سفائن البرّ.

و قيل : مثل السّفينة من الدّوابّ كالإبل والبقر والحمير، أو من السّفن والزّوارق.

وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ: فلا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق. أو: فلا إغاثة كقولهم: أتاهم الصّريخ.

وَ لا هُمْ يُنْقَذُونَ : ينجون من الموت به إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً: إلّا لرحمة ولتمتيع بالحياة إِلى حِينٍ : زمان قدّر لآجالهم.

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ أي: المشركين:

اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ:

قيل : الوقائع الّتي خلت، والعذاب المعدّ في الآخرة. أو: نوازل السّماء، ونوائب الأرض كقوله : أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ. أو:

عذاب الدّنيا، وعذاب الآخرة أو عكسه. أو: ما تقدّم من الذّنوب، وما تأخّر.

و في مجمع البيان : ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ. و

روى الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: معناه: اتّقوا ما بين أيديكم من الذّنوب، وما خلفكم من العقوبة.

لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ : لتكونوا راجعين رحمة اللّه.

و جواب «إذا» محذوف، دلّ عليه قوله: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ . كأنّه قال: وإذا قيل لهم: اتّقوا العذاب، أعرضوا لأنّهم اعتادوه، وتمرّنوا عليه.

و «من» الأولى هي الّتي تزاد في النّفي للاستغراق. و«من» الثّانية للتّبعيض.وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ على محاويجكم، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالصّانع - يعني: الزّنادقة- لِلَّذِينَ آمَنُوا، تهكّما بهم من إقرارهم به، وتعليقهم الأمور بمشيئته: أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ على زعمكم؟! وقيل : قاله مشركو قريش، حين استطعمهم فقراء المؤمنين، إيهاما بأنّ اللّه لمّا كان قادرا أن يطعمهم، ولم يطعمهم، فنحن أحقّ بذلك. وهذا من فرط جهالتهم. فإنّ اللّه يطعم بأسباب منها حثّ الأغنياء على إطعام الفقراء، وتوفيقهم له.

و قيل : هم اليهود حين أمروا بإطعام الفقراء.

إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ  حيث أمرتمونا ما يخالف مشيئة اللّه، أو أمرتم بالإنفاق على من منعه اللّه.

و يجوز أن يكون جوابا من اللّه لهم، أو حكاية لجواب المؤمنين لهم.

وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :

يعنون وعد البعث، أو وعد نزول العذاب. وهذا استهزاء منهم بخبر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وخبر المؤمنين. فقال- تعالى- في جوابهم:

ما يَنْظُرُونَ: ما ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً- هي النّفخة الأولى- تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ : يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم، لا يخطر ببالهم أمرها. كقوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ  بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.

في مجمع البيان : وفي الحديث: تقوم السّاعة، والرّجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فما يطويانه حتّى تقوم. والرّجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه، حتّى تقوم. والرّجل يليط حوضه ، ليسقي ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم.

و قيل : وهم يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا. وأصله: يختصمون. فسكّنت التاء، وأدغمت. ثمّ كسرت الخاء، لالتقاء السّاكنين.و قرأ  أبو بكر بكسر الياء، للإتباع. وقرأ ابن كثير وورش وهشام بفتح الخاء، على إلقاء حركة التّاء إليه. وأبو عمرو وقالون به، مع الاختلاس. وعن نافع الفتح فيه والإسكان والتّشديد. وكأنّه جوّز الجمع بين السّاكنين، إذا كان الثّاني مدغما. وقرأ حمزة: «يخصمون». من خصمه: إذا جادله.

فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً في شي‏ء من أمورهم.

وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ، فيروا حالهم بل يموتون حيث تبغتهم الصّيحة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: ذلك في آخر الزّمان. يصاح فيهم صيحة، وهم في أسواقهم يتخاصمون. فيموتون كلّهم في مكانهم، لا يرجع أحد منهم إلى منزله، ولا يوصي بوصيّة. وذلك قوله- عزّ وجلّ-: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ.

وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ أي: مرّة ثانية، فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ: من القبور. جمع جدث.

و قرئ  بالفاء. والجدث- محرّكة-: القبر.

إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ : يسرعون .

و قرئ  بالضّمّ.

قالُوا يا وَيْلَنا وقرئ : «يا ويلتا».

مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا.

و قرئ : «من هبّنا» بمعنى: أهبّنا. من: هبّ من نومه: إذا انتبه. وفيه ترشيح ورمز وإشعار بأنّهم، لاختلاط عقولهم، يظنّون أنّهم كانوا نياما. و«من بعثنا» و«من هبّنا»، على من الجارّة والمصدر. وسكت حفص وحده سكتة لطيفة. والوقف عليها في سائر القراءات حسن.

و في جوامع الجامع : وروي عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قرأ: «من بعثنا» على من الجارّة والمصدر.هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ :

مبتدأ وخبر. و«ما» مصدريّة، أو موصولة محذوفة الرّاجع. أو «هذا» صفة ل «مرقدنا» و«ما وعد» خبر محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف أي: ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون حقّ.

قيل : وهو من كلامهم.

و قيل : جواب الملائكة أو المؤمنين، عن سؤالهم، معدول عن سننه تذكيرا لكفرهم، وتقريعا لهم عليه، وتنبيها بأنّ الّذي يهمّهم هو السؤال عن البعث دون الباعث.

كأنّهم قالوا: بعثكم الرّحمن الّذي وعدكم البعث، وأرسل إليكم الرّسل، فصدقوكم.

و ليس الأمر كما تظنّونه فإنّه ليس ببعث النّائم، فيهمّكم السّؤال عن الباعث، وإنّما هو البعث الأكبر ذو الأهوال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا: قالت الملائكة: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.

و في روضة الكافي : الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى، [جميعا]  عن محمّد بن سالم بن أبي مسلمة، عن الحسن بن شاذان الواسطيّ قال: كتبت إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- أشكوا جفاء أهل واسط، وحملهم عليّ. وكانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني.

فوقّع بخطّه: إنّ اللّه- جلّ ذكره- أخذ ميثاق أوليائنا على الصّبر في دولة الباطل.

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ . فلو قد قام سيّد الخلق، لقالوا: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان أبو ذرّ- رحمه اللّه- يقول في خطبته: وما بين الموت والبعث إلّا كنومة نمتها، ثمّ استيقظت منها.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً:

هي النّفخة الأخيرة. وقرئت  بالرّفع على كان التّامّة.

فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ  بمجرّد تلك الصّيحة.

و في كلّ ذلك تهوين أمر البعث والحشر، واستغناؤهما عن الأسباب الّتي ينوطان بها فيما يشهدونه .

فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :

حكاية لما يقال لهم حينئذ، تصويرا للموعود، وتمكينا له في النّفوس. وكذا قوله:

إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ : متلذّذون في النّعمة. من الفكاهة.

و في تنكير «شغل» وإبهامه، تعظيم لما هم فيه من البهجة والتّلذّذ، وتنبيه على أنّه أعلى ما يحيط به الإفهام، ويعرب عن كنهه الكلام.

و قرأ  ابن كثير ونافع وابن عمرو: «في شغل» بالسّكون. ويعقوب في رواية:

 «فكهون» للمبالغة.

و هما خبران ل «إنّ». ويجوز أن يكون «في شغل» صلة ل «فاكهون».

و قرئ : «فكهون» بالضّمّ- وهو لغة كنطس ونطس- و«فاكهين» و«فكهين» على الحال من المستكنّ في الظّرف، و«شغل» بفتحتين، وفتحة وسكون.

و الكلّ لغات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن زيد النّرسيّ ، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إذا أمات اللّه أهل الأرض، لبث كمثل ما خلق اللّه [الخلق‏] ، ومثل ما أماتهم وأضعاف ذلك. ثمّ أمات أهل السّماء الدّنيا. ثمّ لبث مثل ما خلق الخلق ، ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل سماء  الدّنيا وأضعاف ذلك. ثمّ أمات أهل السّماء الثّانية ثمّ‏

لبث مثل ما خلق الخلق ، ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل سماء  الدّنيا والسّماء الثّانية [و أضعاف ذلك‏] . [ثمّ أمات أهل السّماء]  الثّالثة. ثمّ لبث مثل ما خلق الخلق ، ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السّماء الدّنيا والسّماء الثّانية والسّماء الثّالثة وأضعاف ذلك في كلّ سماء مثل ذلك وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات ميكائيل. ثمّ لبث مثل ما خلق الخلق  ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات جبرئيل- عليه السّلام. ثم لبث مثل ما خلق الخلق  ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك. ثمّ أمات إسرافيل. ثمّ لبث مثل ما خلق الخلق ، ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات ملك الموت. ثمّ لبث مثل ما خلق الخلق  ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك.

ثمّ يقول اللّه - عزّ وجلّ-: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ. فيردّ على نفسه: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ . أين الجبّارون؟! وأين المتكبّرون؟! وأين الّذين ادّعوا معي إلها آخر ونحوهم.

ثمّ يبعث الخلق.

قال عبيد بن زرارة: فقلت: إنّ هذا الأمر كائن طولت ذلك. فقال: أ رأيت ما كان، هل علمت به؟ فقال: لا. قال: فكذلك هذا.

و قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ قال : في افتضاض العذارى فاكهون. قال: يفاكهون النّساء، ويلاعبونهنّ.

و في مجمع البيان : فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ. وقيل: شغلوا بافتضاض العذارى.

عن ابن عبّاس وابن مسعود. وهو المرويّ عن الصّادق- عليه السّلام- قال : وحواجبهنّ كالأهلّة. وأشفار أعينهنّ كقوادم النّسور.

هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ: جمع ظلّ كشعاب، أو ظلّة كقباب. ويؤيّده قراءة  حمزة والكسائيّ: «في ظلل».عَلَى الْأَرائِكِ: على السّرر المزيّنة مُتَّكِؤُنَ .

و «هم» مبتدأ خبره «في ظلال». و«على الأرائك» جملة مستأنفة، أو خبر ثان. أو «متّكئون» والجارّان صلتان له. أو تأكيد للضّمير في «في شغل» أو في «فاكهون» وعَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ خبر آخر ل «إنّ». و«أزواجهم» عطف على «هم» للمشاركة في الأحكام الثّلاثة. و«في ظلال» حال من المعطوف والمعطوف عليه.

و في تفسير علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ: الأرائك السّرر عليها الحجال.

حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وذكر حديثا طويلا يذكر فيه حال المؤمن إذا دخل الجنّة: فإذا جلس المؤمن على سريره، اهتزّ سريره فرحا. فإذا استقرّت بولىّ اللّه في الجنّة، استاذن عليه الملك الموكّل  بجنانه ليهنّئه بكرامة اللّه إيّاه.

فيقول خدّام المؤمن ووصفاؤه: مكانك! فإنّ وليّ اللّه قد اتّكأ على أرائكه، وزوجته الحوراء العيناء قد هيّئت. فاصبر لوليّ اللّه، حتّى يفرغ من شغله.

قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها، تمشي مقبلة، وحولها وصفاؤها يحجبنها  عليها سبعون حلّة منسوجة بالياقوت واللّؤلؤ والزّبرجد، صبغن بمسك وعنبر. وعلى رأسها تاج الكرامة. وفي رجليها  نعلان من ذهب مكلّلان بالياقوت واللّؤلؤ، شراكهما  ياقوت أحمر. فإذا دنت  من وليّ اللّه، وهم [أن‏]  يقوم إليها شوقا، تقول له: يا وليّ اللّه، ليس هذا يوم تعب ولا نصب. ولا تقم أنا لك وأنت لي. فيعتنقان قدر خمسمائة عام من أعوام الدّنيا لا يملّها ولا تملّه.

قال: فينظر إلى عنقها. فإذا عليها قلادة من قضيب  ياقوت أحمر. وسطها لوح مكتوب: أنت يا وليّ اللّه حبيبي. وأنا الحوراء حبيبتك. إليك تتأهّب  نفسي. وإلىّ‏تتأهّب  نفسك. ثمّ يبعث اللّه ألف ملك يهنّئونه [بالجنّة] ، ويزوّجونه بالحوراء.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمّد بن إسحاق المدنيّ، عن أبي جعفر قال: سئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ونقل عنه- صلّى اللّه عليه وآله- حديثا طويلا  يقول فيه- حاكيا حال أهل الجنّة-: والمؤمن ساعة مع الحوراء، وساعة مع الآدميّة، وساعة يخلو بنفسه على الأرائك متّكئا ينظر بعض المؤمنين  إلى بعض.

لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ : ما يدّعون به لأنفسهم. يفتعلون من الدّعاء كاشتوى واجتمل : إذا شوى وجمل  لنفسه. أو: ما يتداعونه كقولك : ارتموه بمعنى: تراموه. أو: يتمنّون. من قولهم: ادّع عليّ ما شئت، بمعنى: تمنّه عليّ. أو: ما يدّعونه في الدّنيا من الجنّة ودرجاتها.

و «ما» موصولة، أو موصوفة مرتفعة بالابتداء. و«لهم» خبرها. وقوله: سَلامٌ بدل منها، أو صفة أخرى. ويجوز أن يكون خبرها، أو خبر محذوف، أو مبتدأ محذوف الخبر . أي: ولهم سلام.

و قرئ  بالنّصب، على المصدر أو الحال. أي: لهم مرادهم خالصا.

قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ  أي: يقول اللّه، أو يقال لهم قولا كائنا من جهته.

و المعنى: أنّ اللّه يسلّم عليهم بواسطة الملائكة، أو بغير واسطة، تعظيما لهم. وذلك مطلوبهم ومتمنّاهم. ويحتمل نصبه على الاختصاص.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- في قوله- عزّ وجلّ- سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ قال: السّلام منه هو الأمان.

وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ، وانفردوا عن المؤمنين. وذلك حين‏يسار  بهم إلى الجنّة. كقوله : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ.

و قيل : اعتزلوا من كلّ خير. أو: تفرّقوا في النّار. فإنّ لكلّ كافر بيتا يتفرّد به لا يرى ولا يرى.

و في تفسير علي بن إبراهيم : وقوله: وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ قال: إذا جمع اللّه الخلق يوم القيامة، بقوا قياما على أقدامهم. حتّى يلجمهم العرق، فينادون: يا ربّ! حاسبنا، ولو إلى النّار! فيبعث اللّه- عزّ وجلّ- رياحا، فتضرب بينهم. وينادي مناد:

وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ. فيميّز بينهم. فصار المجرمون إلى  النّار. ومن كان في قلبه إيمان  صار إلى الجنّة.

أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ:

من جملة ما يقال لهم، تقريعا وإلزاما للحجّة. وعهده إليهم، ما نصب لهم من الحجج العقليّة والسّمعيّة الآمرة بعبادته، الزّاجرة عن عبادة غيره. وجعلها عبادة الشّيطان، لأنّه الآمر بها، والمزيّن لها.

و قرئ : «اعهد» بكسر حرف المضارعة وأحهد وأحد على لغة تميم.

إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ :

تعليل للمنع عن عبادته بالطّاعة فيما يحملهم عليه.

و في اعتقادات الإماميّة  للصّدوق- رحمه اللّه- قال- عليه السّلام-: من أصغى إلى ناطق، فقد عبده. فإن كان النّاطق عن اللّه، فقد عبد اللّه. وإن كان النّاطق عن إبليس، فقد عبد إبليس.

وَ أَنِ اعْبُدُونِي:

عطف على أَنْ لا تَعْبُدُوا.

هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ :

إشارة إلى ما عهد إليهم، أو إلى عبادته. فالجملة استئناف لبيان المقتضى للعهدبشقّيّه، أو بالشّقّ الآخر. والتّنكير للمبالغة والتعظيم، أو للتّبعيض. فإنّ التّوحيد سلوك بعض الطّريق المستقيم.

وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ :

رجوع إلى بيان معاداة الشّيطان، مع ظهور عداوته ووضوح إضلاله، لمن له أدنى عقل ورأي.

و الجبلّ: الخلق والجماعة والجمع الّذين جبلوا على خليقة . وأصل الجبلّ: الطّبع ومنه: الجبل لأنّه مطبوع على الثّبات. وقيل : أصله الغلظة والشدّة.

و قرأ  يعقوب بضمّتين. وابن كثير وحمزة والكسائيّ بهما مع تخفيف اللّام. وابن عامر وأبو عمرو بضمّة وسكون، مع التّخفيف. والكلّ لغات. وقرئ : «جبلا» جمع جبلة كخلقة وخلق. و«جيلا» واحد الأجيال.

هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ .

اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ : ذوقوا حرّها اليوم، بكفركم في الدّنيا. وأصله: اللّزوم.

و قيل»

: معناه: صيروا صلاها أي: وقودها.

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، لمنعها من الكلام.

وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ :

قيل : ذلك بظهور آثار المعاصي عليها، ودلالتها على أفعالها.

و قيل : يجعل اللّه- تعالى- فيها كلاما. وإنّما نسب الكلام إليها، لأنّه لا يظهر أثر الكلام إلّا من جهتها.

و قيل : بإنطاق اللّه إيّاها.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثني أبو عمرو الزّبيرىّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا

 يقول فيه- بعد أن قال: [إنّ اللّه‏] - تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم، وقسّمه عليها، وفرّقه فيها-: شهدت الأيدي والأرجل على أنفسهما، وعلى أربابهما، من تضييعهما لما أمر اللّه- عزّ وجلّ- وفرضه عليهما. الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. فهذا أيضا ممّا فرض اللّه على اليدين، وعلى الرّجلين. وهو عملهما، وهو من الإيمان.

عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- وذكر حديثا طويلا يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله-: وليست تشهد الجوارح على مؤمن. إنّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب. فأمّا المؤمن، فيعطى كتابه بيمينه. قال اللّه - عزّ وجلّ-: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا.

و في من لا يحضره الفقيه :

 

قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة- رضي اللّه عنه-: وقال اللّه- عزّ وجلّ-: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. فأخبر عنها أنّها تشهد على صاحبها يوم القيامة.

و في تفسير العيّاشي ، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد- عليه السّلام- عن جدّه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في خطبته يصف هول يوم  القيامة: ختم على الأفواه، فلا تكلّم. وتكلّمت الأيدي، و[شهدت‏]  الأرجل، ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون اللّه حديثا.

و في تفسير علي بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ- إلى قوله:- بِما كانُوا يَكْسِبُونَ قال: إذا جمع اللّه- عزّ وجلّ- الخلق يوم القيامة، دفع  إلى كلّ إنسان كتابه. فينظرون فيه، فينكرون أنّهم عملوا من ذلك شيئا. فتشهد عليهم الملائكة، فيقولون: يا ربّ، ملائكتك يشهدون لك! ثمّ يحلفون أنّهم لم يعلموا من ذلك‏شيئا. وهو قول اللّه - عزّ وجلّ-: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ. فإذا فعلوا  ذلك، ختم اللّه على ألسنتهم وتنطق جوارحهم  بما كانوا يكسبون.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، فإنّ ذلك في مواطن غير واحد، من مواطن ذلك اليوم الّذي كان مقداره خمسين ألف سنة، يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا. والكفر في هذه الآية البراءة. يقول: فيبرأ بعضهم من بعض. ونظيرها في سورة إبراهيم  قول الشّيطان: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ وقول إبراهيم خليل الرّحمن: كَفَرْنا بِكُمْ ، يعني: تبرّأنا منكم.

ثمّ يجتمعون في مواطن أخر، فيستنطقون فيه. فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ . وهؤلاء خاصّة هم المقرّون في دار الدّنيا بالتّوحيد، فلا ينفعهم إيمانهم مع مخالفتهم رسله، وشكّهم فيما أتوا به عن ربّهم، ونقضهم عهوده في أوصيائه ، واستبدالهم الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. فكذّبهم اللّه فيما انتحلوه من الإيمان بقوله : انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ. فيختم اللّه على أفواههم، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكلّ معصية كانت منهم. ثمّ يرتفع  عن ألسنتهم الختم، فيقولون لجلودهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ .

وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ: لمسحنا أعينهم حتّى تصير ممسوحة.

و الطّمس: محو الشّي‏ء حتّى يذهب أثره.

فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فاستبقوا إلى الطّريق الّذي اعتادوا سلوكه.

و انتصابه بنزع الخافض، أو بتضمين الاستباق معنى الابتدار، أو جعل المسبوق إليه‏مسبوقا، على الاتّساع، أو بالظّرف.

فَأَنَّى يُبْصِرُونَ : الطّريق وجهة السّلوك، فضلا عن غيره.

و «أنّى» في محل النّصب، على الحال من «يبصرون»، أو على أنّه في معنى مصدره.

وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ بتغيير صورهم وإبطال قواهم عَلى مَكانَتِهِمْ:

مكانهم، بحيث يجمدون فيه.

و قرأ  أبو بكر: «على مكاناتهم». فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا: ذهابا، وَلا يَرْجِعُونَ  ولا رجوعا. فوضع الفعل موضعه للفواصل.

و قيل : ولا يرجعون عن تكذيبهم.

و قرئ : «مضيّا» بإتباع الميم الضّاد المكسورة، لقلب الواو ياء، كالعتيّ والعتيّ.

و «مضيّا» كالصّبيّ.

و المعنى: أنّهم بكفرهم ونقضهم بما عهد إليهم أحقّاء بأن يفعل بهم ذلك، لكنّا لم نفعل لشمول الرّحمة لهم، واقتضاء الحكمة إمهالهم.

وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ: نطل عمره، نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ نقلبه فيه. فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه، عكس ما كان عليه بدء أمره.

و قرأ  عاصم وحمزة: «ننكّسه» من التّنكيس. وهو أبلغ. والنّكس أشهر. أَ فَلا يَعْقِلُونَ  أنّ من قدر على ذلك، قدر على الطّمس والمسخ فإنّه مشتمل عليهما وزيادة، غير أنّه تدرّج.

و قرأ  نافع وابن عامر ويعقوب بالتّاء، لجري الخطاب قبله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ. فإنه ردّ على الزّنادقة الّذين يبطلون التّوحيد، ويقولون: إنّ الرّجل إذا نكح المرأة، وصارت النّطفة في رحمها، تلقّته الأشكال من الغذاء، ودار عليه الفلك، ومرّ عليه اللّيل والنّهار. فيولد الإنسان بالطّبائع من الغذاء ومرور اللّيل والنّهار. فنقض اللّه- عزّ وجلّ- عليهم قولهم في حرف واحد، فقال- جلّ ذكره-: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ. قال: لو كان هذا كما يقولون، لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبدا،ما دامت الأشكال قائمة واللّيل والنّهار قائمين  والفلك يدور. فكيف صار يرجع إلى النّقصان كلّما ازداد في الكبر إلى حدّ الطّفوليّة ونقصان السّمع والبصر والقوّة والعلم والمنطق حتّى [ينتقص و]  ينتكس في الخلق؟! ولكن ذلك من خلق العزيز العليم وتقديره.

وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ:

ردّ لقولهم إنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- شاعر. أي: ما علّمناه  الشعر بتعليم القرآن، فإنّه غير مقفّى ولا موزون، وليس معناه ما يتوخّاه الشعراء من التّخيّلات المرغّبة والمنفّرة ونحوها.

وَ ما يَنْبَغِي لَهُ: وما ينبغي له أن يقول الشّعر. أو: لا يتأتّي له إن أراد.

و في مجمع البيان : روي عن الحسن أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان يتمثّل بهذا البيت:

         كفى الإسلام والشّيب             للمرء ناهيا

 فقال له أبو بكر: يا رسول اللّه، إنّما قال الشاعر:

         كفي الشّيب والإسلام             للمرء ناهيا

 وأشهد أنّك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وما علّمك اللّه الشّعر، وما ينبغي لك.

و عن عائشة أنّها قالت: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتمثّل ببيت أخي بني قيس:

         ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا             ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

 فجعل يقول: ويأتيك من لم تزود بالأخبار. فيقول أبو بكر: ليس هكذا يا رسول اللّه! فيقول: إنّي ليس بشاعر. وما ينبغي لي.

فأمّا قوله- عليه السّلام:

          أنا النبيّ لا كذب             أنا ابن عبد المطّلب‏

 

 

فقد قال قوم: إنّ هذا ليس بشعر. وقال آخرون: إنّما هو اتّفاق منه، وليس بقصد إلى قول‏الشّعر . وقد صحّ‏

أنّه- عليه السّلام- كان يسمعه ويحثّ عليه. وقال لحسّان بن ثابت: لا تزال- يا حسّان- مؤيّدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.

و قيل»

: الضّمير للقرآن. أي: ما يصحّ للقرآن أن يكون شعرا.

إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ: عظة وإرشاد من اللّه وَقُرْآنٌ مُبِينٌ : وكتاب سماويّ يتلى في المعابد، ظاهر أنّه ليس من كلام البشر، لما فيه من الإعجاز.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - متّصلا بقوله: من خلق العزيز العليم وتقديره-:

و قوله- عزّ وجلّ-: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ قال: كانت قريش تقول: إنّ هذا الّذي يقوله محمّد - صلّى اللّه عليه وآله- شعر. فردّ اللّه- عزّ وجلّ- عليهم، فقال:

وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ. ولم يقل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- شعرا قطّ.

لِيُنْذِرَ القرآن، أو الرّسول- ويؤيّده قراءة  نافع وابن عامر ويعقوب بالتّاء- مَنْ كانَ حَيًّا: عاقلا فهما فإنّ الغافل كالميّت. أو: مؤمنا في علم اللّه- تعالى- فإنّ الحياة الأبديّة بالإيمان. وتخصيص الإنذار به، لأنّه المنتفع به.

وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ: وتجب كلمة العذاب عَلَى الْكافِرِينَ : على المصرّين على الكفر.

و جعلهم في مقابلة مَنْ كانَ حَيًّا، إشعارا بأنّهم لكفرهم وسقوط حجّتهم وعدم تأمّلهم أموات في الحقيقة.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسين بن زيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وقال اللّه - عزّ وجلّ-: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ  الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ. فالحيّ: المؤمن الّذي تخرج طينته من طينة الكافر. والميّت‏

الّذي يخرج من الحيّ، هو الكافر الّذي يخرج من طينة المؤمن. فالحيّ المؤمن. والميّت الكافر. وذلك قوله - عزّ وجلّ-: أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ. فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر. وكان حياته حين فرّق اللّه- عزّ وجلّ- بينهما بكلمته. كذلك يخرج اللّه- عزّ وجلّ- المؤمن في الميلاد من الظّلمة بعد دخوله [فيها إلى النور. ويخرج الكافر من النور إلى الظّلمة، بعد دخوله‏]  الى النّور . وذلك قوله- عزّ وجلّ-: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ.

و في مجمع البيان : ويجوز أن يكون المراد بمن كان حيّا عاقلا. وروي ذلك عن عليّ- عليه السّلام.

أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا: ممّا تولّينا إحداثه، ولم يقدر على إحداثه غيرنا.

و ذكر الأيدي وإسناد الفعل إليها، استعارة مبالغة في الاختصاص والتّفرّد بالإحداث.

أَنْعاماً:

خصّها بالذّكر، لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع.

فَهُمْ لَها مالِكُونَ : متملّكون بتمليكنا إيّاهم. أو: متمكّنون من ضبطها والتّصرّف فيها، بتسخيرنا إيّاها لهم.

وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ: فصيّرناها منقادة لهم.

فَمِنْها رَكُوبُهُمْ: مركوبهم.

و قرئ : «ركوبتهم» وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة. وقيل: جمعه. و«ركوبهم» أي: ذو ركوبهم، [أو: فمن منافعها ركوبهم‏] .

وَ مِنْها يَأْكُلُونَ :

في كتاب طبّ الأئمّة ، بإسناده إلى جابر بن راشد، عن أبي عبد اللّه‏

 - عليه السّلام- الصّادق قال: بينما هو في سفر، إذ نظر إلى رجل عليه كآبة وحزن. فقال له: ما لك؟ قال: دابّتي حرون . قال ويحك! اقرأ هذه الآية في أذنها : أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ.

وَ لَهُمْ فِيها مَنافِعُ من الجلود والأصواف والأوبار، وَمَشارِبُ من اللّبن. جمع مشرب بمعنى الموضع أو المصدر.

و أمال الشّين ابن عامر وحده برواية هشام.

أَ فَلا يَشْكُرُونَ  نعم اللّه في ذلك إذ لو لا خلقه لها، وتذليله إيّاها، كيف أمكن التّوصّل  إلى تحصيل هذه المنافع المهمّة؟! وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً أشركوها به في العبادة، بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنّعم  المتظاهرة، وعلموا أنّه المتفرّد بها.

لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ : رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم من الأمور والأمر بالعكس، لأنّهم لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ لآلهتهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ : معدّون لحفظهم والذّبّ عنهم. أو: محضرون أثرهم في النّار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ يقول: لا تستطيع الآلهة لهم نصرا، وهم للآلهة جند محضرون.

فَلا يَحْزُنْكَ: فلا يهمّك- وقرئ  بضمّ الياء، من أحزن- قَوْلُهُمْ في اللّه بالإلحاد والشّرك. وقيل : [فيك‏]  بالتّكذيب والتّهجين به.

إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ، فنجازيهم عليه. وكفى ذلك أن تتسلّى به.

و هو تعليل للنّهي، على الاستئناف. ولذلك لو قرئ : «أنّا»- بالفتح- على‏حذف لام التّعليل، جاز.

أَ وَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ :

تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنّسبة إلى إنكارهم الحشر. وفيه تقبيح بليغ لإنكاره حيث عجب منه، وجعله إفراطا في الخصومة بيّنا، ومنافاة لجحود القدرة على ما هو أهون ممّا عمله في بدء خلقه، ومقابلة النّعمة الّتي لا مزيد عليها- وهي خلقه من أخسّ شي‏ء وأمهنه شريفا مكرما- بالعقوق والتّكذيب.

و قيل : معنى فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ: فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا، مميّز منطيق قادر على الخصام، معرب عمّا في نفسه.

وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا: أمرا عجيبا. وهو نفي القدرة على إحياء الموتى، وتشبيهه بخلقه، بوصفه بالعجز عمّا عجزوا عنه.

وَ نَسِيَ خَلْقَهُ: خلقنا إيّاه.

قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، منكرا إيّاه، مستبعدا له.

و الرّميم: ما بلي من العظام. ولعلّه فعيل بمعنى فاعل- من: رمّ الشّي‏ء- صار اسما بالغلبة. ولذلك لم يؤنّث. أو بمعنى مفعول من رممته.

و فيه دليل على أنّ العظم ذو حياة فيؤثّر فيه الموت، كسائر الأعضاء.

و في مجمع البيان : واختلف في القائل لذلك. فقيل: هو أبّي بن خلف. عن قتادة ومجاهد. وهو المرويّ عن الصّادق- عليه السّلام.

و قيل: هو العاص بن وائل السّهميّ.

عن سعيد بن جبير. وقيل: أميّة بن خلف. عن الحسن.

و من لا يحضره الفقيه  حديث طويل، وفيه. قالوا: وقد رممت يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله! يعنون: صرت رميما. فقال: كلّا! إنّ اللّه- عزّ وجلّ- حرّم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا.

و قال الصّادق - عليه السّلام- إنّ اللّه- عزّ وجلّ- حرّم عظامنا على الأرض.

و حرّم لحومنا على الدّوابّ أن تطعم  منها شيئا.قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ:

فإنّ قدرته كما كانت لامتناع التّغيير فيه والمادّة على حالها في القابليّة اللّازمة لذاتها.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- في احتجاج أبي عبد اللّه الصّادق- عليه السّلام-: قال السّائل: أ فيتلاشى  الرّوح بعد خروجه عن قالبه، أم هو باق؟

قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصّور. فعند ذلك، تبطل الأشياء، وتفنى فلا حسّ ولا محسوس. ثمّ أعيدت الأشياء كما بدأها، مدبّرها. وذلك أربعمائة سنة يسبت  فيها الخلق. وذلك بين النّفختين.

قال: وأنّى له بالبعث، والبدن قد بلى، والأعضاء قد تفرّقت؟ فعضو ببلدة يأكلها سباعها! وعضو بأخرى تمزّقه هو امّها! وقد عضو قد صار ترابا يبنى به مع الطّين حائط ! قال: إنّ الّذي أنشأه»

 من غير شي‏ء، وصوّره  على غير مثال كان سبق إليه، قادر على  أن يعيده كما بدأه.

قال: أوضح لي ذلك.

قال: إنّ الرّوح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسي‏ء في ضيق وظلمة. والبدن يصير ترابا، كما منه خلق. وما تقذف به السّباع والهوامّ من أجوافها، ممّا أكلته ومزّقته، كلّ ذلك في التّراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض، ويعلم عدد الأشياء ووزنها. وإنّ تراب الرّوحانيّين بمنزلة الذّهب في التّراب. فإذا كان حين البعث، مطرت الأرض مطر النّشور. فتربو الأرض، ثمّ تمخض  مخض السّقاء. فيصير تراب البشر كمصير الذّهب من التّراب، إذا غسل بالماء والزّبد من اللّبن، إذا مخض. فيجتمع تراب كلّ قالب إلى قالبه، فينتقل بإذن اللّه- تعالى- القادر إلى حيث الرّوح. فتعود الصّور بإذن المصوّر، كهيئتها. وتلج الرّوح فيها. فإذا قد استوى، لاينكر من نفسه شيئا.

وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ : يعلم تفاصيل المخلوقات بعلمه، وكيفيّة خلقها.

فيعلم أجزاء الأشخاص المتفتّتة المتبدّدة أصولها وفصولها ومواقعها، وطريق تمييزها وضمّ بعضها إلى بعض على النّمط السّابق، وإعادة الأعراض والقوى الّتي كانت فيها، أو إحداث مثلها.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه- عن موسى بن جعفر- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام-: انّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم، قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فإنّ إبراهيم قد بهت الّذي كفر ببرهان على نبوّته.

قال له علي- عليه السّلام-: لقد كان كذلك. ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أتاه مكذّب بالبعث بعد الموت- وهو أبيّ بن خلف الجمحيّ- معه عظم نخر. ففركه، ثمّ قال: يا محمّد! مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟! فأنطق اللّه محمدا بمحكم آياته، وبهته ببرهان نبوّته، فقال: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. فانصرف مبهوتا.

الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ كالمرخ والعفار. وما شجرتان يتّخذ الأعراب زنودها منهما.

و في مجمع البيان : وتقول العرب: في كلّ شجرة نار. واستمجد المرخ والعفار.

و قال الكلبيّ: كلّ شجرة ينقدح منها النّار إلّا العنّاب.

ناراً بأن يسحق المرخ على العفار- وهما خضراوان يقطر منهما الماء- فينقدح منه النّار.

فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ، لا تشكّون في أنّها نار خرجت منه. فمن قدر على إحداث النّار من الشّجر الأخضر،- مع ما فيه من المائيّة المضادّة لها بكيفيّته- كان أقدر على إعادة الغضاضة فيما كان غضّا فيبس وبلي.

و قرئ : «من الشّجر الخضراء» على المعنى كقوله : فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ.و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- قال أبو محمّد العسكريّ: قال الصّادق- عليه السّلام-: وأمّا الجدال بالّتي هي أحسن، فهو ما أمر اللّه- تعالى- به نبيّه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له. فقال [اللّه‏]  حاكيا عنه:

وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. فقال اللّه في الرّدّ عليه:

قل يا محمّد يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. فأراد [اللّه‏]  من نبيّة أن يجادل المبطل الّذي قال:

كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم؟! قال: فقل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ.

أ فيعجز من ابتدأ به لا من شي‏ء، أن يعيده بعد أن يبلى؟! بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته! ثمّ قال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً أي: إذ أكمن النّار الحارّة في الشّجر  الأخضر الرّطب، ثمّ يستخرجها، فعرّفكم  أنّه على إعادة من بلي  أقدر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن سعيد بن أبي سعيد، عن إسحاق بن جرير ، قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أي شي‏ء يقول أصحابك في قول إبليس:

خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ؟

قلت: جعلت فداك قد قال ذلك، وذكره اللّه في كتابه.

قال: كذب إبليس، يا إسحاق. ما خلقه إلّا من طين. ثمّ قال: قال اللّه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. خلقه اللّه من تلك  النّار، و[النّار]  من تلك الشّجرة أصلها من طين.

أَ وَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مع كبر جرمهما وعظم شأنهما، بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ في الصّغر والحقارة بالإضافة إليهما. أو: مثلهم في أصول الذّات وصفاتها. وهو المعاد.

و عن يعقوب : «يقدر».بَلى:

جواب من اللّه لتقرير ما بعد لنّفي، مشعر بأنّه لا جواب سواه.

وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ : كثير المخلوقات والمعلومات.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- متّصلا بقوله سابقا: أنّه على إعادة من بلي اقدر: ثمّ قال: أَ وَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ أي: إذا كان خلق السّموات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي، فكيف جوّزتم من اللّه خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم، ولم تجوّزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟! قال الصّادق- عليه السّلام-: فهذا الجدال بالّتي هي أحسن. لأنّ فيها قطع عذر الكافرين، وإزالة شبههم. وأمّا الجدال بغير الّتي هي أحسن، فأن تجحد حقّا لا يمكنك أن تفرّق بينه وبين باطل من تجادله وإنّما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحقّ. فهذا هو المحرّم.

لأنّك مثله جحد هو حقّا، وجحدت أنت حقّا آخر.

قال أبو محمّد- عليه السّلام-: فقام إليه رجل آخر فقال: يا ابن رسول اللّه، أ فجادل  رسول اللّه؟

قال الصّادق- عليه السّلام-: مهما ظننت برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من شي‏ء، فلا تظنّنّ  به مخالفة اللّه- تعالى. أليس اللّه قد قال : وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وقُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ لمن ضرب اللّه مثلا؟! أ فتظنّ أنّ رسول اللّه خالف ما أمره اللّه به، فلم يجادل بما أمره اللّه به، ولم يخبر عن أمر اللّه بما أمره أن يخبر به؟!

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّما أَمْرُهُ: إنّما شأنه إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  أي: فهو يكون. أي: فيحدث.

و هو تمثيل لتأثير قدرته في مراده، بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور، من غير امتناع وتوقّف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة، قطعا لمادّة الشّبهة وهو قياس قدرة اللّه على قدرة الخلق.و نصبه  ابن عامر والكسائيّ، عطفا على «يقول».

فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ:

تنزيه له عمّا ضربوا له، وتعجيب عمّا قالوا فيه، معلّلا بكونه مالكا للملك كلّه، قادرا على كلّ شي‏ء.

وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ :

وعد ووعيد للمقرّين والمنكرين.

و قرأ  يعقوب بفتح التّاء.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: وعن يعقوب بن جعفر، عن أبي إبراهيم- عليه السّلام- أنّه قال: ولا أجده يلفظ بشقّ فم ولكن [كما]  قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ بمشيئته من غير تردّد في نفس .

و في نهج البلاغة : يقول لمّا أراد كونه : كُنْ فَيَكُونُ لا بصوت يقرع ، ولا نداء يسمع. وإنّما كلامه- سبحانه- فعل منه أنشأه ومثّله، لم يكن من قبل ذلك كائنا.

و لو كان قديما، لكان إلها ثانيا.

و فيه  أيضا: يقول ولا يلفظ. [و يحفظ ولا يتحفّظ.]  ويريد ولا يضمر.

و فيه  أيضا: يريد بلا همّة.

و في كتاب الإهليلجة  المنقول عن الصّادق- عليه السّلام-: إنّ الإرادة من العباد، الضّمير وما يبدو بعد ذلك من الفعل. وأمّا من اللّه- عزّ وجلّ- فالإرادة للفعل إحداثه. إنّما يقول له كُنْ فَيَكُونُ بلا تعب، ولا كيف.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعرىّ،

 عن الحسين بن سعيد الأهوازيّ، عن النّضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: لم يزل اللّه مريدا؟

قال: إنّ المريد لا يكون إلّا لمراد  معه. لم يزل [اللّه‏]  عالما قادرا. ثمّ أراد.

أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: أخبرني عن الإرادة من اللّه ومن الخلق.

قال: فقال: الإرادة من الخلق، الضّمير، وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل. وأمّا من اللّه  فإرادته إحداثه، لا غير ذلك. لأنّه لا يروّي، ولا يهمّ، ولا يتفكّر. وهذه الصّفات منفيّة عنه، وهي صفات الخلق. فإرادة اللّه الفعل، لا غير ذلك. يقول له: كُنْ فَيَكُونُ، بلا لفظ، ولا نطق بلسان، ولا همّة، ولا تفكّر. ولا كيف لذلك، كما أنّه لا كيف له.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع أهل الأديان والمقالات في التّوحيد، كلام للرّضا- عليه السّلام- مع عمران، يقول فيه.

 

و اعلم أنّ الإبداع والمشيئة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة. وكان أوّل إبداعه وإرادته ومشيئته الحروف الّتي جعلها أصلا لكلّ شي‏ء ودليلا على كلّ مدرك، وفاصلا لكلّ مشكل. وتلك الحروف تفريق  كلّ شي‏ء من اسم حقّ وباطل، أو فعل ، أو مفعول، أو معنى، أو غير معنى. وعليها اجتمعت الأمور كلّها.

و لم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى  ولا وجود لها، لأنّها مبدعة بالإبداع. والنّور في هذا الموضع أوّل فعل اللّه الّذي هو نور السّموات والأرض.

و الحروف هي المفعول بذلك الفعل. وهي الحروف الّتي عليها [مدار]  الكلام والعبارات، كلّها من اللّه- عزّ وجلّ- علّمها خلقه.

و هي ثلاثة وثلاثون حرفا. فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدلّ على لغات العربيّة. ومن‏الثّمانية والشعرين اثنان وعشرون حرفا تدلّ على لغات السّريانيّة والعبرانيّة. ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللّغات من العجم والأقاليم واللّغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّف من الثّمانية والعشرين حرفا من اللّغات. فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا.

و أمّا الخمسة المختلفة فتححج  لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه. ثمّ جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها، فعلا منه. كقوله- عزّ وجلّ-: كُنْ فَيَكُونُ. وكُنْ منه صنع، وما يكون به المصنوع.

فالخلق الأوّل من اللّه- عزّ وجلّ- الإبداع لا وزن له، ولا حركة، ولا سمع، ولا لون، ولا حسّ. والخلق الثّاني حروف  لا وزن لها، ولا لون. وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها. والخلق الثّالث ما كان من الأنواع كلّها محسوسا ملموسا  ذا ذوق منظورا  إليه. واللّه- تبارك وتعالى- سابق للإبداع، لأنّها ليس قبله- عزّ وجلّ- شي‏ء ، ولا كان معه شي‏ء. والإبداع سابق للحروف . والحروف لا تدلّ على غير نفسها.

قال المأمون: كيف لا تدلّ على غير نفسها ؟] .

قال الرّضا- عليه السّلام-: لأنّ اللّه- تبارك وتعالى- لا يجمع منها شيئا بغير معنى أبدا. فإذا ألّف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستّة، أو أكثر من ذلك أو أقلّ، لم يؤلّفها لغير معنى، ولم يك إلّا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا .

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرّضا- عليه السّلام-: أمّا المعرفة، فوجه ذلك وبيانه أنّك تذكر الحروف، إذا لم ترد بها غير نفسها، ذكرتها فردا [فقلت:]  ا ب ت ث ج ح خ حتّى تأتي إلى  آخرها فلم تجد لها معنى  غير أنفسها. وإذا ألّفت وجمعت منها ، وجعلتها اسماء وصفة لمعنى‏

ما طلبت ووجه ما عنيت ، كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها. أ فهمته؟

قال: نعم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال- عزّ وجلّ-: أَ وَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ- إلى قوله:- كُنْ فَيَكُونُ [قال:]  فإنّ خزائنه في الكاف والنون.