أحكام الوضوء

قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز   :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره ـ أي في غير الوضوء ـ فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه »([1]) .

وسئل عن الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ ؟ قال [  عليه‏السلام] : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ »([2]) .

وقال زرارة : سألت الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ؟ قال : « يمضي » ، قلت : شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ؟ قال : « يمضي » ، قلت : شكّ في التكبير وقد قرأ ؟ قال : « يمضي » ، قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ؟

قال : « يمضي » ، قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ؟ قال : « يمضي على صلاته ، يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء »([3]) .

إنّ في الفقه قواعد عامّة استخرجها الفقهاء من النصوص الشرعيّة ، أو من اُصول الفقه اللفظيّة ، أو من المقرّرات العقليّة ، وقد استنبطوا من النصّ المتقدّم قاعدتين ، أطلقوا على إحداهما قاعدة الفراغ ، وعلى الثانية قاعدة التجاوز . وكلّ من القاعدتين موردها الشكّ .

 

والفرق بينهما أنّ مورد قاعدة الفراغ الشكّ في صحّة العمل بعد الفراغ منه ، والدخول في شيء آخر ، كما لو شكّ الإنسان في صحّة الوضوء بعد أن باشر بالصلاة ، أو في صحّة الصلاة بعد أن انتهى منها وصرف النظر ، أو في صحّة الصيام بعد انتهاء رمضان ، أو صحّة الحجّ بعد الفراغ منه ، أو عقد البيع أو الإجارة أو غيرها بعد إجرائه . وقاعدة الفراغ مسلّمة عند الكلّ ، معمول بها في جميع أبواب الفقه ، وفي أيّ عمل من الأعمال دون استثناء لوضوء أو غسل أو تيمّم أو غير ذلك .

أمّا قاعدة التجاوز فيختصّ موردها بالشكّ في جزء من أجزاء العمل حين المباشرة ، وقبل الانتهاء من مجموع العمل ، كما لو شكّ في أ نّه هل غسل ذراعيه وهو ما زال قاعداً على وضوئه ، أو شكّ في أ نّه قرأ السورة أو لا وهو بعد في الصلاة وقبل أن يسلّم .

واتّفق الفقهاء قولاً واحداً على أنّ قاعدة التجاوز تجري في الصلاة عملاً بخبر زرارة المتقدّم « شكّ في التكبير وقد قرأ . . . إلخ » .

وأيضاً اتّفقوا قولاً واحداً على أ نّها لا تجري في الوضوء عملاً بما تقدّم ، وبقول الإمام أبي جعفر  عليه‏السلام : « إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه »([4]) .

واختلفوا في قاعدة التجاوز : هل تجري في الغسل والتيمّم أو لا ؟

ولهم في ذلك قولان : أحدهما : أ نّها لا تجري فيهما ، تماماً كالوضوء ، وبكلمة أنّ قاعدة التجاوز لا تجري إطلاقاً في الطهارات الثلاث : الوضوء والغسل والتيمّم .

القول الثاني : أ نّها تجري في الغسل والتيمّم ، ويختصّ عدم العمل بها بالوضوء فقط ، ونحن على هذا القول ، أخذاً بعموم « كلّ شيء شكّ فيه ممّا جاوزه ودخل في غيره فليمضِ عليه » الشامل للشكّ في جزء العمل ، ولصحّة العمل بمجموعه خرج الوضوء بالنصّ ، فيبقى غيره مشمولاً للعموم .

_____________________

[1] الوسائل 1 : 470 ، ب42 من أبواب الوضوء ، ح2 .

[2] الوسائل 1 : 471 ، ب42 من أبواب الوضوء ، ح7 .

[3] الوسائل 8 : 237 ، ب23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح1 .

[4] الوسائل 1 : 469 ، ب42 من أبواب الوضوء ، ح1 .

 

 

الشكّ والتردّد  :

إذا كان على يقين من الوضوء وبعد أمد شكّ في أ نّه هل أحدث أو لا ؟ بنى على بقاء الوضوء إجماعاً ونصّاً ، وهو قول الإمام  عليه‏السلام : « ليس لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً »([1]) .

وإذا شكّ في أ نّه هل توضّأ أو لا ؟ بنى على بقاء الحدث وعدم الوضوء ، لنفس الدليل .

ولو افترض أ نّه بعد أن شكّ في الوضوء ولم يتوضّأ ذهل عن نفسه وصلّى كانت صلاته فاسدة ؛ لأ نّها من غير وضوء .

وإذا لم يشكّ أبداً قبل الصلاة لا في الوضوء ولا في الحدث ثمّ صلّى وبعد أن أدّى الصلاة حصل له الشكّ في أنّ صلاته هذه هل كانت على وضوء أو لا فصلاته صحيحة ؛ لقاعدة الفراغ ، ولكن عليه أن يتوضّأ للصلاة الثانية ؛ لأنّ الأصل بقاء

الحدث وعدم الوضوء .

وربّ قائل : كيف أمكن الجمع بين الحكم بصحّة الصلاة ، وبين الحكم بعدم الوضوء ، مع العلم بأ نّه لا صلاة إلاّ بطهور ، وأنّ صحّة الصلاة تستدعي وجود الوضوء ، كما أنّ عدم الوضوء يستدعي فساد الصلاة ؟

وجوابنا على هذا أنّ التنافي والتضاد إنّما يحصل إذا توارد الإيجاب والسلب على موضوع واحد ، أمّا مع تعدّد الموضوع فلا . وموضوع قاعدة الفراغ هنا هو الشكّ في صحّة الصلاة ، وموضوع أصل الاستصحاب هو الشكّ في صدور الوضوء ، وإذا اختلف الموضوع ارتفع التنافي .

هذا ، إلى أ نّا لم نحكم بصحّة الصلاة وعدم الوضوء في الواقع ، بل بحسب الظاهر فقط ، والتفكيك بين الأحكام الظاهرية ، وبين آثارها غير عزيز ـ كما قيل ـ .

وإذا علم أ نّه قد توضّأ قطعاً وأ نّه قد أحدث قطعاً ، ولكنّه لم يدرِ : هل كان الوضوء متأخّراً كي يكون الآن على وضوء ، أو كان الحدث متأخّراً عن الوضوء كييكون محدثاً ، فماذا يصنع ؟

الجواب  :

قال أكثر الفقهاء وخصوصاً المتقدّمين منهم : أ نّه في حكم المحدث ، وأنّ عليه أن يتوضّأ إذا أراد الصلاة ـ كما نقل صاحب المدارك([2]) ـ لأنّ اللّه‏ سبحانه قد أمر بالوضوء ، ولا بدّ من امتثال أمره وإحراز الوضوء ، إمّا بالوجدان وإمّا باستصحاب الوضوء السالم عن معارضة استصحاب الحدث ، وهنا يقينان أحدهما بالوضوء والثاني بالحدث ، فاستصحاب كلٍّ معارض باستصحاب الآخر ، فيتساقطان ، وإذا لم يثبت الوضوء بالأصل ولا بالوجدان ـ كما هو المفروض ـ يكون هذا الشاكّ بحكم المحدث .

____________

[1] الوسائل 3 : 477 ، ب41 من أبواب النجاسات ، ح1 .

[2] المدارك 1 : 254 .

 

 

كثرة الشكّ  :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل يشكّ كثيراً في صلاته فقال فيما قال : « إنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم »([1]) أي لا يعتني بالوهم والشكّ ، وهو عام للشكّ في الصلاة وغيرها . والأحاديث كثيرة عن النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم وأهل بيته   عليهم‏السلام : « أنّ كثرة الشكّ من الشيطان »([2]) .

هذا ، إلى أنّ العناية بكثرة الشكّ مشقّة وحرج ، ولا حرج في الشريعة .

ومن هنا جاءت القاعدة الفقهيّة المعروفة : « لا شكّ لكثير الشكّ » . وعليها إذا شكّ من يكثر شكّه في جزء من أفعال الوضوء وهو يتوضّأ يمضي ولا يلتفت .

______________

[1] الوسائل 8 : 228 ، ب16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح2 .

[2] المصدر السابق : ذيل الحديث 1 .