الاعتكاف

معنى الاعتكاف:

الاعتكاف والعكوف في كلام العرب هو الإقامة على الشيء بالمكان ، يقال : عكف أو اعتكف فلان مكان كذا إذا أقام فيه ولم يخرج منه ، قال تعالى :  مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتي أَنتُم لَهَا عَاكِفُونَ ([1]) . وفي الشرع الإقامة على شيء خاصّ في مكان خاصّ بشروط معيّنة ، ويأتي بيانها جميعاً .

________________

[1] الأنبياء : 52 .

 

 

استحباب الاعتكاف:

والاعتكاف مشروع ومستحبّ بالكتاب والسنّة والإجماع ، فمن الكتاب قوله عزّ وجلّ :  أَن طَهِّرَا بَيتيَ لِلطَّائِفِينَ وَ العَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ([1]) . ومن السنّة قول الإمام الصادق عليه‏السلام : « اعتكف رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم في شهر رمضان في العشرة الاُولى ، ثمّ اعتكف في الثانية في العشرة الوسطى ، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشرة الأخيرة ، ثمّ لم يزل يعتكف في هذه الأخيرة »([2]) . إلى غير ذلك من الروايات .

_______________

[1] البقرة : 125 .

[2] الوسائل 10 : 534 ، ب1 من أبواب الاعتكاف ، ح4.

 

 

الشروط:

1 و 2 و 3 ـ  الإيمان ، والعقل ، ونيّة التقرّب إلى اللّه‏ ؛ لأنّ الاعتكاف عبادة ، ولا  تصحّ العبادة إلاّ بهذه الأوصاف.

4 ـ  الصوم ؛ لقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « لا اعتكاف إلاّ بصوم »([1]) ، وعليه فلا يصحّ الاعتكاف في العيدين حيث يحرم الصوم فيهما ، ولا من الحائض والنفساء حيث يحرم الصوم عليهما كما يحرم المكث في المساجد.

5 ـ  أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع ـ أي في مسجد البلد العامّ ـ لا مسجد الحيّ أو الاُسرة ؛ لقول الإمام الصادق عليه‏السلام : « يعتكف في المسجد الجامع »([2]) .

وأفضلها جميعاً المساجد الأربعة وهي : مسجد حرم اللّه‏ ، ومسجد حرم الرسول ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة.

6 ـ  أن لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام بليلتين ؛ لقول الإمام الصادق   عليه‏السلام : « لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام »([3]) .

7 ـ  استدامة اللبث في المسجد ، بمعنى أن لا يخرج منه بغير سبب موجب ؛ لقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « لا ينبغي أن يخرج معتكف من المسجد إلاّ لحاجة لا بدّ منها ، ثمّ لا يجلس حتّى يرجع ـ أي لا يتأخّر مهما أمكن ـ ولا يخرج لشيء إلاّ لجنازة أو يعود مريضاً ، ولا يجلس حتّى يرجع »([4]) .

________________

[1] الوسائل 10 : 536 ، ب2 من أبواب الاعتكاف ، ح6.

[2] الوسائل 10 : 539 ، ب3 من أبواب الاعتكاف ، ح4 ، وفيه : « عن أبي عبداللّه‏ عن أبيه8 » .

[3] الوسائل 10 : 545 ، ب4 من أبواب الاعتكاف ، ح5.

[4] الوسائل 10 : 549 ، ب7 من أبواب الاعتكاف ، ح2.

 

 

مسائل:

1 ـ  ينقسم الاعتكاف إلى واجب ومندوب ، والأوّل ما وجب بنذر أو عهد أو يمين . والثاني ما يتبرّع به الإنسان بدافع العبادة المقرّبة من اللّه‏ سبحانه . والواجب إذا كان معيّناً في زمان خاصّ ـ كمن نذر أن يعتكف الأ يّام البيض من شعبان ـ فمتى باشر لا يجوز له العدول عنه ، لا في اليوم الأوّل ، ولا في الّذي يليه . أمّا المندوب فله أن يعدل عنه قبل انقضاء اليومين الأوّل والثاني ، فإذا مضيا وجب الثالث حتماً .

قال الإمام الباقر أبو الإمام الصادق  عليهماالسلام : « من اعتكف ثلاثة أيّام فهو في الرابع بالخيار ، إن شاء زاد ثلاثة أيّام اُخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام اُخر »([1]) .

2 ـ  لا يجب أن يكون الصوم خاصّاً بالاعتكاف ، بل يكفي مطلق الصوم حتّى ولو كان لغاية اُخرى.

قال صاحب الجواهر : ( إنّ شرط الصوم للاعتكاف كشرط الطهارة للصلاة لا يعتبر فيه الوقوع له ، بل يكفي في صحّة الاعتكاف وقوعه معه وإن لم يكن له ، سواء أكان الصوم واجباً أم ندباً ، وسواء أكان الواجب لرمضان أم لغيره ، بلا خلاف فيه )([2]) .

3 ـ  يحرم على المعتكف مباشرة النساء ، وعلى المعتكفة مباشرة الرجال ليلاً ونهاراً ، حتّى اللمس والتقبيل بشهوة . قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « لا يأتي امرأته ليلاً ولا نهاراً وهو معتكف »([3]) .

وإذا جامع امرأته ليلاً أو نهاراً في غير شهر رمضان فعليه كفّارة ، فقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن معتكف واقع أهله ؟ قال : « عليه ما على الّذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً »([4]) . وأيضاً سئل عن معتكف وطئ امرأته ليلاً في شهر رمضان ؟ قال [  عليه‏السلام] :

« عليه كفّارة » ، قال السائل فإن وطئها نهاراً ؟ قال : « عليه كفّارتان »([5]) واحدة للاعتكاف ، والثانية للإفطار في شهر رمضان.

وأيضاً يحرم على المعتكف الاستمناء على ما قاله صاحب الشرائع([6]) . وقال صاحب الجواهر والمدارك : ( لم نقف فيه على نصّ بالخصوص )([7]) .

وأيضاً يحرم عليه البيع والشراء وشمّ الطيب والرياحين والمماراة ؛ لقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « المعتكف لا يشمّ الطيب ولا يتلذّذ بالرياحين ولا يماري ولا يشتري ولا يبيع »([8]) .

والمراد بالمماراة المجادلة والمنازعة في شيء من أشياء الدنيا ، أو في مسألة دينيّة حبّاً بالغلبة والظهور . ولا فرق في تحريم المذكورات ، وما إليها بين وقوعها ليلاً ونهاراً ؛ لأنّ الاعتكاف واقع فيهما . وبما أنّ الصوم شرط في الاعتكاف فكلّ ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف ، بداهة أنّ المشروط عدم عند عدم شرطه ، على تعبير الفقهاء والاُصوليّين.

4 ـ  إذا فسد الاعتكاف بشيء ممّا ذكرنا فهل يجب إعادته ثانية أو لا ؟

الجواب:

ينظر فإن كان واجباً فلا بدّ من الإعادة بنيّة القضاء إن كان وقته معيّناً وقد مضى ، وبنيّة الأداء إن لم يمض الوقت لوجوب الطاعة والامتثال في الأداء ، وللأمر بقضاء ما فات في غيره . وإذا كان الاعتكاف مستحبّاً وبطل قبل مضيّ اليومين فلا شيء عليه ؛ لعدم الوجوب من الأساس ، والفرع لا يزيد على الأصل ، وإن كان بعد مضيّهما وجبت الإعادة ؛ لمكان الوجوب كما تقدّم.

_______________________

[1] الوسائل 10 : 544 ، ب4 من أبواب الاعتكاف ، ح3.

[2] الجواهر 17 : 164 .

[3] الوسائل 10 : 545 ، ب5 من أبواب الاعتكاف ، ح1 ، وفيه : « عن أبي الحسن7 » .

[4]

[5]4 و (5) الوسائل 10 : 548 ، 547 ، ب6 من أبواب الاعتكاف ، ح5 ، 4 .

[6] الشرائع 1 : 196 .

[7] الجواهر 17 : 202 . المدارك 6 : 344.

[8] الوسائل 10 : 553 ، ب10 من أبواب الاعتكاف ، ح1 ، وفيه : « عن أبي جعفر 7 » .