الجهاد

حثّ القرآن على الجهاد في العديد من الآيات : منها  :  إنَّ اللّه‏َ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأموَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّة يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللّه‏ِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيهِ حَقَّا في التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرآنِ وَمَن أوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللّه‏ِ فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ ([1 ]) .

ومنها :  لاَّ يَستَوي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ غَيرُ أُولي الضَّرَرِ وَالمُجَاهُدونَ فِي سَبِيلِ اللّه‏ِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فَضَّلَ اللّه‏ُ المُجَاهِدِينَ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّه‏ُ الحُسنَى وَفَضَّلَ اللّه‏ُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِّنهُ وَمَغفِرَةً وَرَحمَةً وَكَانَ اللّه‏ُ غَفُوراً رَّحِيماً ([2]) .

ومنها :  وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا استَطَعتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّه‏ِ وَعَدَّوكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لاَ تَعلَمُونَهُمُ اللّه‏ُ يَعلَمُهُم ([3]) . إلى كثير من الآيات .

__________________________________

[1] التوبة : 111 .

[2] النساء : 95 ـ 96 .

[3] الأنفال : 60 .

 

 

قال رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « من ترك الجهاد ألبسه اللّه‏ ذلاًّ وفقراً في معيشته ، ومحقاً في دينه »([1]) .

وقال أمير المؤمنين  عليه‏السلام : « الجهاد عزّ للإسلام »([2]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « الجهاد باب من أبواب الجنّة ، فتحه اللّه‏ لخاصّة أوليائه . . . وهو لباس التقوى ، ودرع اللّه‏ الحصينة ، وجنّته الوثيقة ، فمن تركه ألبسه اللّه‏ ثوب الذلّ ، وشمله البلاء ، وديث بالصغار والقماءة ـ أي الذلّ ـ وضرب على قلبه بالأسداد ، واُديل الحقّ منه بتضييع الجهاد ، وسيم الخسف ، ومنع النصف »([3]) .

__________________________________

[1] الوسائل 15 : 10 ، ب1 من أبواب جهاد العدوّ ، ح2 .

[2] الوسائل 1 : 22 ، ب1 من أبواب مقدّمة العبادات ، ح22 ، وفيه : « عن زينب بنت عليّ8 : قالت : قالت فاطمة 3 » .

[3] الوسائل 15 : 14 ، ب1 من أبواب جهاد العدوّ ، ح13 .

 

 

يجب الجهاد بإجماع المسلمين ، وضرورة الدين ، تماماً كالصوم والصلاة والحجّ والزكاة ، وقد دأب الشيعة منذ القديم أن يلقّنوا أولادهم وأطفالهم اُصول الدين وفروعه مردّدين عليهم ، حتّى يحفظوا عن ظهر قلب ، اُصول الدين خمسة : التوحيد ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة ، والمعاد في يوم القيامة . وفروع الدين خمسة : الصوم ، والصلاة ، والحجّ ، والزكاة ، والجهاد في سبيل اللّه‏ .

والجهاد نوعان : أحدهما للدعوة إلى الإسلام ، وثانيهما : للدفاع عنه وعن المسلمين ، والتفصيل في الفقرة التالية .

 

 

لوجوب الجهاد من أجل الدعوة إلى الإسلام وانتشاره شروط :

1 و 2 ـ  البلوغ والعقل ؛ لأ نّهما من الشروط العامّة للتكليف .

3 ـ  الذكوريّة بالإجماع ، ولأنّ الجهاد يحتاج إلى بطولة ورجولة لا إلى غنج ودلال وصبغ الخدود والشفاه ، وإلى حمل السلاح لا إلى لبس الأساور والأقراط ، وإلى المبيت في الخنادق لا إلى النوم في الأسرّة والمخادع ، ورغم هذا كلّه لو أحوج الأمر إليهنّ وجب ، كما قال العلاّمة في التذكرة([1]) .

4 ـ  السلامة من الضرر ، قال تعالى :  لَّيسَ عَلَى الأَعمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ ([2]) و :  لَّيسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى المَرضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا للّه‏ِِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى المُحِسنِينَ مِن سَبيلٍ وَاللّه‏ُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم قُلتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحمِلُكُم عَلَيهِ تَوَلَّوا وَّأعيُنُهُم تَفيِضُ مِنَ الدَّمعِ . . . ([3]) .

5 ـ  وجود النفقة له ولعياله مدّة غيابه عنهم ، ويدلّ على هذا الشرط قوله تعالى في الآية السابقة :  وَلاَ عَلَى الَّذينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ . . . وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم  .

__________________________________

[1] التذكرة 9 : 11 .

[2] النور : 61 .

[3] التوبة : 91 ـ 92 .

 

 

هل يشترط لوجوب الجهاد إذن الإمام  عليه‏السلام أو نائبه الخاصّ الّذي نصّ عليه وأسماه بالذات ، نقول : هذا العلم بأ نّه مجرّد فرض في عصرنا أو نائبه العامّ وهو الّذي جمع بين وصفي العدالة والاجتهاد المطلق ؟

الجواب :

قسّم الفقهاء الجهاد إلى نوعين :

الأوّل  : جهاد الغزو في سبيل اللّه‏ وانتشار الإسلام ، وإعلاء كلمته في بلاد اللّه‏ وعباده . وهذا النوع من الجهاد لا بدّ فيه من إذن الإمام .

قال عليّ أمير المؤمنين  عليه‏السلام : « لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ، ولا ينفذ في الفيء أمر اللّه‏ عزّ وجلّ »([1]) .

وقال حفيده الإمام الصادق  عليه‏السلام لعبد الملك بن عمرو : « لمَ لا تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك ـ أي تجاهد مع الحاكم ـ ؟ » قال عبد الملك : أنتظر أمركم والاقتداء بكم ، قال الإمام [  عليه‏السلام] : « إي واللّه‏ لو كان خيراً ما سبقونا إليه » ، قال عبد الملك : إنّ الزيديّة يقولون : ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلاّ أ نّه لا يرى الجهاد ، قال الإمام [  عليه‏السلام] : « أنا لا أرى الجهاد ؟ ! بلى واللّه‏ إنّي أراه ، ولكنّي أكره أن أدع علمي إلى جهلهم »([2]) .

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الجهاد هو الّذي يجب وجوباً كفائيّاً لا عينيّاً ، وهو الّذي يشترط فيه الشروط الخمسة السابقة ، بالإضافة إلى إذن الإمام أو نائبه.

وأيضاً تجدر الإشارة إلى أنّ كلّ من أعان جائراً فقد عصى اللّه‏ سبحانه واستحقّ العقاب ، وضمن كلّ ما يتلفه ويجني عليه حتّى في حال حربه مع الجائر باسم الدعوة إلى الإسلام ، بعد أن بيّناً أنّ الحرب وجهاد الغزو لابدّ فيه من إذن الإمام أو نائبه . أجل إذا كان التطوّع في جيش الجائر دفاعاً عن الإسلام وقوّة له جاز ، بل يجب بدون ريب .

النوع الثاني  : جهاد الدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين والدفاع عن النفس والمال والعرض ، بل الدفاع عن الحقّ إطلاقاً ، سواء أكان له أم لغيره ، على شريطة أن يكون القصد خالصاً لوجه اللّه‏ والحقّ.

وهذا الدفاع لا يشترط فيه إذن الإمام ولا نائبه الخاصّ أو العامّ ، ولا شيء من الشروط السابقة ، ويجب عيناً لا كفاية ـ بالنسبة إلى الدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين ـ على كلّ من كان في دفاعه أدنى نفع لصدّ العدوان عن الإسلام وأهله ، دون فرق بين الرجل والمرأة ، ولا بين الأعرج والصحيح ، ولا بين الأعمى والبصير ، ولا بين المريض والسليم .

قال صاحب الجواهر : ( إذا داهم المسلمين عدوّ من الكفّار يخشى منه على بيضة الإسلام ـ مأخوذة من الخوذة التي يضعها المحارب على رأسه يتّقي بها الضربات ـ  أو يريد الكفّار الاستيلاء على بلاد المسلمين وأسرهم وسبيهم وأخذ أموالهم إذا كان كذلك وجب الدفاع على الحرّ والعد والذكر والاُنثى والسليم والمريض والأعمى والأعرج وغيرهم إن احتيج إليهم ، ولا يتوقّف الوجوب على حضور الإمام ولا إذنه ، ولا يختصّ بالمعتدى عليهم والمقصودين بالخصوص ، بل يجب النهوض على كلّ من علم بالحال وإن لم يكن الاعتداء موجّهاً إليه . هذا إذا لم يُعلم بأنّ من يراد الاعتداء عليهم قادرين على صدّ العدوّ ومقاومته ، ويتأكّد الوجوب على الأقرب من مكان الهجوم فالأقرب )([3]) .

ويدلّ على أنّ الجهاد في سبيل الدعوة إلى الإسلام لابدّ فيه من إذن الإمام دون الدفاع عن النفس والمال ويدلّ عليه قول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « الجهاد واجب مع إمام عادل ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد »([4]) . أي وإن لم يأذن له الإمام أو نائبه إذناً خاصّاً .

 

__________________________________

[1] الوسائل 15 : 49 ، ب12 من أبواب جهاد العدوّ ، ح8 ، وفيه : « عن أبي عبداللّه‏ عن آبائه: » .

[2] الوسائل 15 : 46 ، ب12 من أبواب جهاد العدوّ ، ح2 .

[3] الجواهر 21 : 18 ـ 19 .

[4] الوسائل 15 : 49 ، ب12 من أبواب جهاد العدوّ ، ح9 .

 

 

يجوز القتال في زمان دون زمان وفي مكان دون مكان ، أمّا المكان الّذي لا يجوز القتال فيه فهو المسجد الحرام ، إلاّ إذا ابتدأ المعتدي بالقتال ، قال تعالى :  وَلاَ تُقَاتِلُوهُم عِندَ المَسجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُم فِيهِ فإِن قَاتَلُوكُم فَاقتُلُوهُم كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافرِينَ ([1]) . والمكان الّذي يجوز القتال فيه ابتداء للدعوة إلى الإسلام هو ما عدا المسجد الحرام .

أ مّا الزمان الّذي لا يجوز القتال فيه الأشهر الحرم ، وعددها أربعة : ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب ، إلاّ إذا ابتدأ المعتدي فيها بالقتال فيجوز الدفاع حينئذٍ ، قال تعالى :  فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُّمُوهُم ([2]) . و الشَّهرُ الحَرَامُ بِالشَّهرِ الحَرَامِ وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم ([3]) . أي أنّ الّذي يستحلّ قتالكم في الشهر الحرام استحلّوا أنتم أيضاً قتاله في هذا الشهر قصاصاً له على اعتدائه . ويجوز القتال في غير هذه الأشهر .

__________________________________

[1] البقرة : 191 .

[2] التوبة : 5 .

[3] البقرة : 194 .

 

 

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « جاء رجل إلى رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم فقال له : إنّي راغب في الجهاد نشيط ، فقال له النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : فجاهد في سبيل اللّه‏ . . . قال الرجل : إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أ نّهما يأنسان بي ويكرهان خروجي ، قال النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : أقم مع والديك ، والّذي نفسي بيده لاُنسك بهما يوماً وليلة خير من جهاد سنة »([1]) .

الفقهاء :

قالوا : للوالدين أن يمنعا ولدهما من جهاد الغزو ، على شريطة أن لا يأمره الإمام أو نائبه بذلك ، أو يحتاج المسلمون إليه شخصيّاً لكفاءته العسكريّة بحيث لا يستطيعون المقاومة بدونه ؛ اذ يجب الجهاد عليه في هذه الحال عيناً ، دون أن يتوقّف على إذن أحد إطلاقاً ، تماماً كالصلاة والصيام ، سواءً رضي الأبوان أم غضبا ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

__________________________________

[1] الوسائل 15 : 20 ، ب2 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 ، وفيه : « لاُنسهما بك يوماً » .

 

 

قال تعالى :  يّا أَ يُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللّه‏َ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ([1]) .

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « الرباط ثلاثة أيّام ، وأكثره أربعون يوماً ، فإذا كان ذلك فهو جهاد »([2]) .

وسئل حفيده الإمام الرضا  عليه‏السلام عن الرجل يرابط فجاء العدوّ إلى الموضع الّذي هو فيه مرابط كيف يصنع ؟ قال : « يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء »([3]) . أي لا عن الحاكم الجائر .

الفقهاء :

قالوا : معنى المرابطة الإقامة على الحدود ، وهي على نوعين : تارةً تكون لمجرّد الاستطلاع والتعرّف على نوايا العدوّ وأ نّه هل يريد الهجوم والعدوان أو لا ، واُخرى يُعلم أنّ العدوّ ينوي العدوان قطعاً ويعبّأ قواه للهجوم ، والمرابطة الاُولى مستحبّة استحباباً مؤكّداً ، ويرابط الإنسان من ثلاثة أيّام إلى أربعين ثمّ يعود إلى أهله ، ويحلّ مكانه غيره ، والثانية واجبة ؛ لأ نّها تدخل في جهاد الدفاع عن الإسلام والمسلمين .

__________________________________

[1] آل عمران : 200 .

[2] الوسائل 15 : 29 ، ب6 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 ، وفيه : « فإذا جاوز ذلك فهو جهاد » .

[3] الوسائل 15 : 30 ، ب6 من أبواب جهاد العدوّ ، ذيل الحديث2 .

 

 

قال تعالى :  إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِم قَالُوا فِيمَ كُنتُم قَالُوا كُنَّا مُستَضعَفينَ في الأرضِ قَالُوا أَلَم تَكُن أَرضُ اللّه‏ِ وَاسِعَةً فَتَهاجِرُوا فِيهَا فَأُولئَكَ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَسَاءَت مَصِيراً ([1]) .

واستناداً إلى هذه الآية الكريمة أفتى الفقهاء بتحريم المقام على المستضعف في بلد الكفر الّذي لا يستطيع فيه من أداء الفرائض وشعائر الإسلام ، وأوجبوا عليه الهجرة والرحيل منه إلى بلد مسلم يؤدّي فيه ما أوجبه اللّه‏ عليه إلاّ إذا عجز ولم يتمكّن من الهجرة . ومن المؤلم المؤسف أنّ الكثير من شبابنا المسلم اليوم قد عكس الآية إلى نقيضها ، فيهاجر من بلده المسلم إلى أميركا واُوربا لا لشيء إلاّ للفسق والفجور والزنا والخمور .

__________________________________

[1] النساء : 97 .

 

 

قدّمنا أنّ الجهاد تارةً يكون للدعوة إلى الإسلام ، واُخرى للدفاع عن الإسلام والمسلمين وعن النفس والمال ، وكلّ حقّ أينما كان ويكون . وفيما يلي ثلاثة أمثلة ، اثنان منها للنوع الأوّل من الجهاد ، وواحد للنوع الثاني ، وذكرناها هنا تبعاً لما جاء في كتب الفقه :

1 ـ  جهاد المشركين من الملحدين وعبدة الأصنام ، قال تعالى :  فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُّمُوهُم ([1]) .

ويجب قتالهم من أجل الدين وترك الإلحاد والشرك ، لا من أجل الغلبة واستعبادهم والاستيلاء على بلادهم ، ولا يجوز قتالهم بأمرين :

الأوّل  : أن يكون للمسلمين القدرة على مقاومتهم وإرغامهم . قال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق  عليهماالسلام : « لقد ترك رسول اللّه‏ جهاد المشركين بمكّة بعد النبوّة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة تسعة عشر شهراً ، ذلك لقلّة أعوانه عليهم »([2]) .

الأمر الثاني  : أن يُدعى هؤلاء المشركون إلى الإسلام ، فإن أظهروا قبوله ولو باللسان وجب الكفّ عنهم وإلاّ وجب قتالهم ، ولا تقبل منهم الجزية بحال . قال

الإمام الصادق  عليه‏السلام : « بعث رسول اللّه‏ عليّاً أمير المؤمنين  عليه‏السلام إلى اليمن وقال له : يا عليّ

لا تقاتل أحداً حتّى تدعوه إلى الإسلام ، وأيم اللّه‏ لئن يهدي اللّه‏ على يديك رجلاً خير  لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا عليّ »([3]) .

2 ـ  قتال أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى والمجوس([4]) ، وهؤلاء يخيّرون بين قبول الإسلام ودفع الجزية مع الالتزام بشرائط أهل الذمّة ، فإن أسلموا أو بذلوا الجزية حرم قتالهم ، وإن رفضوا الأُمرين معاً قوتلوا . قال اللّه‏ تعالى :  قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِاللّه‏ِ وَلاَ بِاليَوم الآخِر وَلاَ يُحَرّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّه‏ُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ اُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ ([5]) .

3 ـ  قتال الفئة الباغية من المسلمين على العادلة منهم ، فإذا اقتتلت طائفتان مسلمتان فعلى الوجوه والعقلاء أن يصلحوا ذات البين بالعدل ، فإن رجعت الفئة الباغية إلى طاعة اللّه‏ وترك القتال كان خيراً ، وإن أبت إلاّ القتال ظالمة للاُخرى ومعتدية عليها وجب قتال الظالم ومناصرة المظلوم . قال تعالى :  وَإِن طَائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا فَإِن بَغتْ إِحداهُمَا عَلَى الاُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتي تَبغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمرِ اللّه‏ِ فَإِن فَاءَت فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا بِالعَدلِ وَأَقسِطُوا إِنّ اللّه‏َ يُحِبُّ المُقسِطِينَ * إنَّمَا المُؤمِنُون إِخوَةٌ فَأصلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللّه‏َ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ ([6]) .

وقد وضعت هذه الآية الكريمة الأساس الصحيح للفصل بين الفئتين أو الدولتين المتقاتلتين ، وذلك أن تعمل فئة ثالثة غير منحازة لجمع الشمل وحقن الدماء بالمفاوضات السلميّة([7] بين الطرفين وإنهاء النزاع بالحقّ والعدل ، فإذا أصرّت إحداهما على البغي والعدوان وجب ردعها بقوّة السلاح .

ولم تصل الاُمم المتّحدة بعدُ إلى هذا رغم أ نّها في عصر الحضارة والتقدّم ، وما زال المفكّرون المنصفون يطالبون أن تكون لهذه الاُمم قوّة مانعة رادعة عن الظلم والعدوان ، ولكنّها حتّى الآن مجرّد حلم واُمنية . ونحن الآن في سنة ( 1965 م ) والحرب تقوم ، ولا تقعد في فيتنام الشماليّة ، وقد كتبت هذه الكلمات بعد أن قرأت في الصحف أنّ ( 200 ) طائرة أمريكيّة تواصل غاراتها العدوانيّة على فيتنام ليل نهار ، وتدمّر المنشآت والمقدّرات ، وتقتل النساء والأطفال بمرأى ومسمع الاُمم المتّحدة دون أن تحرّك ساكناً ، حتّى كأنّ شيء لم يكن .

وسنعقد فصلاً خاصّاً لقتال أهل البغي وقطّاع الطريق .

__________________________________

[1] التوبة : 5 .

[2] البحار 29 : 435 ، ح22 .

[3] الوسائل 15 : 43 ، ب10 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

[4] جاء في بعض الأحاديث أنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب فأحرقوه [ الوسائل 15 : 126 ، ب49 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1] [ منه 1] .

[5] التوبة : 29 .

[6] الحجرات : 9 ـ 10 .

[7] في الطبعات السابقة : « السليمة » .

 

 

قال العلاّمة الحلّي في التذكرة : ( تجوز الاستعانة بأهل الذمّة والشرك على شريطة أن يكون في المسلمين قلّة وحاجة إلى الاستعانة بالكتابي أو المشرك ، وأن يأمن المسلمون شرّ من يستعينون به من غيرهم ، ويركنون إلى أمانته وعدم غدره ، فإنّ رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم قد استعان بصفوان بن اُميّة قبل إسلامه على حرب هوازن ، واستعان بيهود بني قينقاع وخصّهم بشيء من المال ، وإذا لم يكن الكتابي أو المشرك مأموناً أو كان المسلمون في غنى عنه فلا يجوز الاستعانة به إطلاقاً ، قال تعالى :  وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً  . وقال الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « لا أستعين بالمشركين على المشركين » أي مع فقد الشرطين ، ولأ نّهم من المغضوب عليهم فلا تحصل النصرة بهم )([1]) .

ويؤيّد ما قاله العلاّمة الحديث المعروف : « إنّ اللّه‏ ينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم »([2]) .

__________________________________

[1] التذكرة 9 : 49 ـ 50 ، مع اختلاف في اللفظ .

[2] الوسائل 15 : 40 ، ب9 من أبواب جهاد العدوّ ، قطعة من ح1 .

 

 

وليس معنى الحربي في اصطلاح الفقهاء من أعلن الحرب على المسلمين ، فكلّ من لا كتاب له ولا شبهة كتاب من أصناف الكفّار فهو حربي عندهم ، وهذا لا تقبل منه الجزية بالإتّفاق . أمّا من له كتاب ـ كاليهوديّ والنصرانيّ ـ أو شبهة كتاب ـ  كالمجوسيّ ـ فهو على قسمين : ذمّي وهو الّذي يقبل شروط الذمّة ويلتزم بها ، وغير ذمّي وهو الّذي يمتنع عن قبول هذه الشروط ، وحكمه حكم الحربي بإجماع الفقهاء .

والذمّي يدخل في ذمّة المسلمين وعهدتهم ، وعليهم أن لا يتعرّضوا له بسوء ، بل ويدفعوا عنه الاعتداء ما وفى بشروط الذمّة ، وهي أن يدفع الجزية ، ويتقاضى في المرافعات عند المسلمين ، ويقبل أحكامهم ، ويترك التعرّض للمسلمات بالنكاح ، ولا يبشّر ، ويبثّ الدعوة ضدّ الإسلام ، ولا ينكح المحارم ، ويتظاهر بارتكاب المنكرات كأكل الخنزير والربا وشرب الخمر ، ولا يأوي إليه أعداء الإسلام ، ويتجسّس على المسلمين . قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إنّ رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم قبل الجزية من أهل الذمّة على أن لا يأكلوا الربا ولا لحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات وبنات الأخ وبنات الاُخت ، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللّه‏ وذمّة رسوله »([1]) .

__________________________________

[1] الوسائل 15 : 124 ، ب48 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .