الحيض والاستحاضة والنفاس

قال تعالى :   وَيَسأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ أَذىً فَاعتَزِلُوا النِّسَاءَ في المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطهُرنَ فَإِذَا تَطَهَّرنَ فَأتُوهُنَّ مِن حَيثُ أَمَرَكُمُ اللّه‏ُ إِنَّ اللّه‏َ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ  ([1]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم ترَ حمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش »([2]) .

وقال  عليه‏السلام في رواية أُخرى : « إذا أكمل لها تسع سنين أمكن حيضها »([3]) .

وقال  عليه‏السلام : « أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثره عشرة أيّام »([4]) .

وقال  عليه‏السلام : « لا يكون القرء ـ أي الطهر من الحيض ـ في أقلّ من عشرة أيّام من حين تطهر إلى أن ترى الدم »([5]) .

الفقهاء  :

قسّم الفقهاء ما تراه المرأة من الدم إلى ثلاثة أقسام : دم حيض ، ودم استحاضة ، ودم نفاس .

والحيض هو الدم الخارج من الفرج من غير علّة ولا نفاس ، وقد كتبه اللّه‏ على النساء حفظاً للأنساب ، وعلماً ببراءة الأرحام .

وهذا الدم يتحادر من أعماق الجسم إلى الرحم ، فيجمعه طوال مدّة الطهر . ولذا سمّي الطهر قرءً من قولهم : قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه .

ودم النفاس هو الدم الخارج من الفرج عند الولادة ، وحكمه حكم الحيض ، كما يأتي .

ودم الاستحاضة هو غير دم الحيض والنفاس ، وهو بدم العلّة والفساد أشبه .

______________________

[1] البقرة : 222 .

[2] الوسائل 2 : 335 ، ب31 من أبواب الحيض ، ح2 .

[3] انظر الوسائل 19 : 365 ، ب44 من كتاب الوصايا ، ح12 .

[4] الوسائل 2 : 294 ، ب10 من أبواب الحيض ، ح1 .

[5] الوسائل 2 : 297 ، ب11 من أبواب الحيض ، ح1 .

 

 

الحيض  :

إنّ وقت الحيض لا يبدأ قبل بلوغ الاُنثى تسع سنين قمريّة ، فإذا رأت الدم قبل أن تبلغ هذه السنّ لا يكون دم حيض ، بل دم علّة وفساد ، وكذلك ما تراه المرأة

القرشيّة بعد الستّين ، وغير القرشيّة بعد الخمسين لا يكون حيضاً ، بل دم علّة وفساد .

ومع الشكّ وعدم العلم بأ نّها قرشيّة ، ولا غير قرشيّة يكون حكمها حكم غير القرشيّة ؛ لأنّ الأصل عدم الانتساب إلى قريش .

ومع الشكّ في أ نّها بلغت التاسعة فهي غير بالغة ، ومع الشكّ في أ نّها تجاوزت الخمسين أو الستّين فهي غير آيسة عملاً بالاستصحاب .

وأقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، فإذا كان ثلاثة إلاّ ساعة فليس بحيض ، وأكثره عشرة أيّام ، فما زاد بعد العشرة فليس بحيض .

وأقلّ الطهر الّذي يفصل بين حيضتين ، ويعتبر في عدّة المطلّقة هو عشرة أيّام ، أمّا أكثر الطهر فلا حدّ له .

ودم الحيض يكون في الغالب حارّاً عبيطاً أسود ، له دفع وحرارة كما قال الإمام الصادق  عليه‏السلام([1]) .

______________

[1] الوسائل 2 : 275 ، ب3 من أبواب الحيض ، ح2 .

 

 

سؤال وجواب  :

وتسأل : أنّ الفقهاء قالوا بأنّ حيض الاُنثى علامة على بلوغها ، ولا يجتمع هذا مع قولهم بأنّ الدم الّذي تراه قبل التسع يكون حيضاً ؟

الجواب  :

إنّ الفرق كبير جدّاً بين العلم بأنّ سنّها دون التسع ، وبين الجهل وعدم المعرفة بالسنّ ، والدم الّذي تراه في الحال الاُولى ليس بحيض ، والدم الّذي تراه في الحال الثانية يكون حيضاً وعلامة على البلوغ ، شريطة أن يكون جامعاً لأوصاف الحيض ، وهذا ما أراده الفقهاء .

 

 

قاعدة الإمكان  :

ذكر الفقهاء في باب الحيض قاعدة أسموها قاعدة الإمكان ، وهي « أنّ كلّ ما أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض » . ومعنى هذا أنّ الأصل في الدم الّذي يخرج من فرج المرأة أن يكون حيضاً ، حتّى نعلم بأ نّه ليس بحيض . ونعلم ذلك بأُمور هي : أن ترى الدم قبل أن تبلغ التاسعة ، أو تراه بعد سنّ الستّين إن كانت قرشيّة ، أو بعد الخمسين إن لم تكنها ، أو قبل أن تمضي عشرة أيّام من الطهر ، أو يتجاوز العشرة ، فإنّ ما زاد عنها لا يمكن أن يكون حيضاً ، أو لا يستمرّ ثلاثة أيّام متوالية ، أو يعلم بأ نّه دم جرح أو بكارة .

فإذا لم يثبت شيء من ذلك أمكن أن يكون حيضاً ، ومجرّد الإمكان كافٍ في ثبوت الحيض ، أي لو كان الدم تجانس أو اختلف ، كما قال العلاّمة في التذكرة([1]) وصاحب الشرائع([2]) ، بل قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه : ( يكاد يلحق هذا بالبديهيّات لملاحظة الأخبار المتضافرة المتكاثرة الآمرة بترتيب آثار الحيض برؤية الدم من دون اعتبار لسائر الاحتمالات )([3]) .

_______________

[1] التذكرة 1 : 257 .

[2] الشرائع 1 : 21 .

[3] مصباح الفقيه 4 : 68 .

 

 

أقسام الحائض  :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن الجارية البكر أوّل ما تحيض فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أ يّام يختلف عليها طمثها في الشهر عدّة أ يّام سواء ؟ قال :

« فلها أن تجلس ، وتدع الصلاة ما دامت‏ترى الدم ما لم تجز العشرة ، فإذا اتفق الشهران عدّة أ يّام سواء فتلك أ يّامها »([1]) .

وفي رواية اُخرى أ نّه قال [  عليه‏السلام] : « إن انقطع الدم لوقته في الشهر الأوّل سواء حتّى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً معلوماً وخلقاً معروفاً وتدع ما سواه »([2]) .

وينبغي الانتباه إلى قوله عليه‏السلام : « صار لها وقتاً معلوماً وخلقاً معروفاً » فالحيضتان المتّفقتان كمّاً تتحقّق بهما العادة ، ومتى تحقّقت العادة تعمل بها ، وتدع ما سواها .

الفقهاء  :

قسّم الفقهاء الحائض إلى خمسة أقسام :

الاُولى  : أن تستقيم عادتها وقتاً وعدداً ، كالتيترى الدم مرّتين أو أكثر في أوّل كلّ شهر خمسة أ يّام دون زيادة أو نقصان ، بحيث لا تراه مرّة خمسة ، واُخرى أربعة ، وحيناً ستّة ، ولا مرّة في أوّل الشهر ، واُخرى في آخره ، وحيناً في وسطه .

وهذه تترك الصلاة بمجرّد رؤية الدم بالإتّفاق ، سواء أكان بصفات الحيض أم لم يكن .

الثانية  :  أن تستقيم عادتها وقتاً لا عدداً ، كالتيترى الدم في أوّل كلّ شهر ، لكن مرّة يستمرّ ثلاثة أيّام ، وحيناً أربعة أو أكثر ، وتسمّى مستقيمة الوقت مضطربة العدد . وهذه أيضاً تترك الصلاة بمجرّد رؤية الدم مطلقاً كالاُولى .

الثالثة  : أن تستقيم عادتها عدداً لا وقتاً ، كالتيترى الدم كلّ مرّة خمسة أ يّام ـ  مثلاً  ـ ولكن مرّه‏ترى في أوّل الشهر ، واُخرى في آخره ، وحيناً في وسطه ، وتسمّى مستقيمة العدد مضطربة الوقت .

وهذه تترك الصلاة برؤية الدم على شريطة أن يكون بصفات الحيض ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام : « فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة »([3]) . وإذا لم يكن بصفات الحيض فعليها أن تترك ما تتركه الحائض من دخول المسجد وما إليه ، وتفعل ما تفعله المستحاضة من الصوم والصلاة .

الرابعة  : أن لا تستقيم لها عادة أبداً لا وقتاً ولا عدداً ، كالتيترى الدم مرّة أربعة أ يّام في أوّل الشهر ، واُخرى خمسة في آخره ، وحيناً ثلاثة في وسطه ، وتسمّى مضطربة الوقت والعدد ، وحكمها حكم الثالثة ، تترك الصلاة إن كان الدم بصفات الحيض ، وإلاّ فعليها أن تحتاط .

الخامسة  : أن ترى الدم الأوّل مرّة ، وتسمّى مبتدئة ، وحكمها كالثالثة والرابعة تماماً ؛ لأنّ الثلاثة : المضطربة وقتاً ، والمضطربة وقتاً وعدداً ، والمبتدئة يشملها ويعمّها قول الإمام  عليه‏السلام : « فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » .

_____________

[1] الوسائل 2 : 305 ، ب14 من أبواب الحيض ، ح1 .

[2] الوسائل 2 : 287 ، ب 7 من أبواب الحيض ، ح2 .

[3] الوسائل 2 : 275 ، ب3 من أبواب الحيض ، ح2 .

 

 

تجاوز العادة  :

إذا كانت ذات عادة عدديّة ثمّ صادف في إحدى الحيضات أن استمرّ الدم أكثر من عادتها المألوفة ، فإن لم يتجاوز العشرة ـ كما لو كانت خمسة ـ واستمرّت إلى السبعة أو العشرة فقط كان المجموع حيضاً ، وإن تجاوز العشرة فالحيض أيّام العادة فقط ، وما زاد عنها فاستحاضة بما في ذلك الأ يّام التي في ضمن العشرة ـ مثلاً ـ إذا استمرّ أحد عشر يوماً ، والعادة خمسة فقط ، فالحيض الخمسة الاُولى ، والستّة الأخيرة استحاضة .

 

 

الحيض والدم  :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن الحبلى‏ترى الدم أتترك الصلاة ؟ قال : « نعم ، أنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم »([1]) .

وعلى ذلك أكثر الفقهاء ، أي أنّ الحيض يجتمع مع الحمل .

_________________

[1] الوسائل 2 : 330 ، ب30 من أبواب الحيض ، ح1 .

 

 

هنّ مصدّقات  :

قال الإمام أبو جعفر  عليه‏السلام : « العدّة والحيض للنساء إذا ادّعت صدّقت »([1]) . ولا خلاف فيه بين الفقهاء .

_____________

[1] الوسائل 2 : 358 ، ب47 من أبواب الحيض ، ح1 .

 

 

ما يحرم على الحائض  :

تشترك الحائض مع الجنب في جميع ما يحرم عليه ، وتزيد بأنّ الصوم والصلاة صحيحان من الجنب المعذور ، ولا يصحّان من الحائض بحال ، ويصحّ طلاق المرأة اليائسة ، وإن تكن في الجنابة ، ولا يصحّ طلاق الحائض إلاّ في بعض الحالات التي نذكرها في باب الطلاق إن شاء اللّه‏ ، ويجوز وط‏ء المرأة المجنبة ، ولا يجوز وط‏ء الحائض ؛ لقوله تعالى :   فَاعتَزِلُوا النِّسَاءَ في المَحِيضِ   وللرجل أن يستمتع بها دون القبل والدبر ، ويكره فيما بين السرّة والركبة .

وإذا عصى الرجل وغلبته الشهوة ووطأ زوجته وهي في الحيض ، قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « عليه أن يتصدّق بدينار إن كان الحيض بعدُ في أوّله ، وفي وسطه بنصف دينار ، وفي آخره بربع دينار ، فإن لم يكن عنده ما يتصدّق به استغفر اللّه‏ ولا يعود ، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفّارة »([1]) .

___________________

[1] الوسائل 2 : 327 ، ب28 من أبواب الحيض ، ح1 .

 

 

غسل الحائض  :

يجب على الحائض أن تغتسل بعد انتهاء الحيض ؛ لأجل الصلاة والصيام والطواف ، وما إلى ذلك ممّا تقدّم في غسل الجنابة .

أمّا صورة الغسل فهي كصورة غسل الجنابة ترتيباً وارتماساً ، لا يفترقان في شيء سوى أنّ غسل الجنابة لا وضوء معه ، ولا بدّ في غسل الحائض من الوضوء ؛ لقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة »([1]) .

وقال جماعة من كبار الفقهاء : لا وضوء مع جميع الأغسال حتّى المستحبّة منها ، ومال إلى هذا السيّد الحكيم في المستمسك ، وهذه عبارته بالحرف الواحد : ( إنّ الشارع شرع طهارتين وضوءً وغسلاً ، يجزي كلّ منهما في كلّ موضع يشرع فيه من دون حاجة إلى ضمّ الآخر )([2]) . وحمل قول الإمام  عليه‏السلام : « في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة » حمله على مجرّد ثبوت المشروعيّة ، أي على جواز الوضوء لا وجوبه .

______________

[1] الوسائل 2 : 493 ، ب6 من أبواب غسل الميت ، ح5 .

[2] المستمسك 3 : 345 ـ 346 .

 

 

القضاء  :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة »([1]) . متّفق عليه .

_______________

[1] الوسائل 2 : 347 ، ب41 من أبواب الحيض ، ح1 .

 

 

الاستحاضة  :

دخلت امرأة على الإمام الصادق  عليه‏السلام وسألته عن امرأة يستمرّ بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره ؟ قال : « إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة »

فخرجت المرأة وهي تقول : واللّه‏ لو كان امرأة ما زاد على هذا([1]) .

وقال  عليه‏السلام : « المستحاضة تنظر أيّامها فلا تصلّي فيها ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكرسف([2]) اغتسلت للظهر والعصر تؤخّر هذه وتعجّل هذه ، وللمغرب والعشاء غسل تؤخّر هذه وتعجّل هذه ، وتغتسل للصبح وتحتشي ، وتستثفر([3]) ـ أي تلبس حفاظاً ـ ولا تنحني وتضمّ فخذيها في المسجد ، ولا يأتيها بعلها أ يّام قرئها ، وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد ، ولا يأتيها بعلها إلاّ بعد أ يّام حيضها »([4]) . وقال [  عليه‏السلام] في بعض الروايات : « دم الاستحاضة فاسد »([5]) .

الفقهاء  :

قدّمنا أنّ الدم الّذي تراه المرأة ـ غير دم الجرح والقرح والبكارة ـ لا بدّ أن يكون واحداً من ثلاثة : إمّا دم حيض ، وإمّا دم نفاس ، وإمّا دم استحاضة ، فإذا انتفى الاثنان تعيّن الثالث ، واُعبّر بتعبير آخر قلنا فيما تقدّم : إنّ قاعدة الإمكان تقضي على أنّ ما تراه المرأة من الدم محمول على أ نّه دم حيض حتّى يُعلم أ نّه ليس بحيض ، فإذا علمنا أ نّه ليس بحيض ولا دم ولادة ولا دم بكارة وما إليها تعيّن قهراً أن يكون دم علّة وفساد المعبّر عنه بدم الاستحاضة . وعليه فما تراه الاُنثى زيادة على عشرة أ يّام ودون ثلاثة أ يّام متوالية ، وفي حال الصغر قبل التاسعة وبعد اليأس لا يكون دم حيض ، مع العلم بأ نّه ليس بدم نفاس أيضاً ، فيكون استحاضة لا محالة . وبهذا يكون لدينا قاعدة ثانية وهي : « كلّ ما لا يمكن أن يكون حيضاً ولا نفاساً ولا دم بكارة وجرح فهو دم استحاضة » .

ودم الاستحاضة يكون ـ في الغالب ـ أصفر بارداً رقيقاً ، يخرج بفتور على العكس من صفات دم الحيض ، وقد يكون الأصفر حيضاً إذا جاء أ يّام الحيض ، وقد يكون الأسود دم الاستحاضة إذا جاء بعد الحيض أو قبله ، كما لو زاد على عشرة أيّام ، أو نقص عن الثلاثة .

__________________

[1] الوسائل 2 : 275 ، ب3 من أبواب الحيض ، ح2 .

[2] الكرسف هو القطن [  منه  قدس‏سره ] .

[3] في الطبعات السابقة « وتستقرّ » وما أثبتناه من المصدر .

[4] الوسائل 2 : 371 ، ب1 من أبواب الاستحاضة ، ح1 .

[5] الوسائل 2 : 276 ، ب3 من أبواب الحيض ، ح3 .

 

 

 

أقسام المستحاضة  :

قسّم الفقهاء المستحاضة إلى ثلاثة أقسام : صغرى ، ووسطى ، وكبرى . وبنوا هذا التقسيم على أنّ عليها أن تختبر نفسها ، وذلك بأن تحشو فرجها بقطنة ثمّ تنظر فإن ظهر الدم على القطنة ولم يغمسها فهي صغرى ، وإن غمسها من غير أن يسيل فهي وسطى ، وإن سال فهي كبرى .

ولا يجب الغسل على الصغرى ، ولكن عليها أن تغيّر القطنة ، وتتوضّأ لكلّ صلاة ، ولا تجمع بين صلاتين في وضوء واحد ، ويجب على الوسطى أن تغيّر القطنة ، وتغتسل غسلاً واحداً قبل صلاة الغداة ، وأن تتوضّأ لكلّ صلاة ، ولا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، ويجب على الكبرى ثلاثة أغسال : الأوّل قبل صلاة الغداة ، والثاني لصلاة الظهرين تجمع بينهما ، والثالث لصلاة العشاءين تجمع بينهما أيضاً ، على أن تتوضّأ لكلّ صلاة بعد أن تغيّر القطنة .

وكلّ من الوسطى والكبرى محدثة بالحدث الأكبر ، تماماً كالحائض ، فإن لم تفعل ما وصفناه من واجباتها حرم عليها كلّ ما يحرم على الحائض من دخول المسجد ، ومسّ كتابة القرآن ، وقراءة العزائم ، وعدم جواز الوط‏ء ، وفساد الصلاة . أمّا

الصوم فإن أخلّت بالغسل بطل ، وعليها أن تعيد . وإن أخلّت بالوضوء فقط صحّ ؛ لأنّ الوضوء ليس شرطاً في صحّة الصوم .

وإن فعلت ما وصفناه صحّ منها الصوم والصلاة والطواف ، وحلّ وطؤها ، وجاز لها كلّ ما يجوز للطاهر .

أمّا الصغرى فهي بحكم من أحدث بالحدث الأصغر كالبول والريح ؛ لأنّ المفروض أنّ حدثها يوجب الوضوء دون الغسل ، وعلى هذا يصحّ منها الصوم ، ويحلّ وطؤها ؛ لأ نّهما غير مشروطين بالوضوء ، أمّا الصلاة فتصحّ مع الوضوء ، على أن لا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، كما قدّمنا([1]) .

وغسل الاستحاضة تماماً كالغسل من الحيض والجنابة .

________________

[1] يظهر من قول الإمام  عليه‏السلام : « إذا لم يثقب الدم الكرسف يأتيها بعلها إلاّ أ يّام حيضها » ، ومن قول الفقهاء المكرور في كتبهم : ويحلّ وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ، ومتى جازت الصلاة جاز الوط‏ء ، ومتى امتنعت الصلاة امتنع الوط‏ء ، يظهر من ذلك كلّه أنّ الصغرى أيضاً لا يحلّ وطؤها حتّى تغيّر القطنة ، وتغسل فرجها وتتوضأ ، ولا ريب أنّ هذا أفضل وأحوط [  منه  قدس‏سره ] .

 

 

النفساء  :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « النفساء تكفّ عن الصلاة أ يّامها التي كانت تمكث فيها ـ أي حين الحيض ـ ثمّ تغتسل ، وتعمل عمل المستحاضة »([1]) .

وقال  عليه‏السلام : « تقعد النفساء أ يّامها التي كانت تقعد في الحيض »([2]) .

وسئل أبوه الباقر  عليه‏السلام عن النفساء ؟ قال : « تقعد قدر حيضها »([3]) .

وفي معنى هذه الروايات كثير غيرها .

الفقهاء  :

قالوا : إذا ولدت ولم ترَ دماً فلا نفاس ؛ للإجماع ، والبراءة ممّا لا دليل على ثبوته ، وإذا رأته مع الولادة حتّى مع السقط والمضغة فهو نفاس .

واتّفقوا على أ نّه لا حدّ لأقل النفاس ؛ لأنّ الشرع لم يحدّده صراحة ، فيتحقّق بالقطرة ، واختلفوا في أكثره ، والمشهور أ نّه لا يزيد عن عشرة أ يّام ، تماماً كالحيض ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام في روايات كثيرة : « تقعد قدر حيضها » .

وإذا خرج الولد بعمليّة جراحيّة من غير المكان المعتاد لا تكون نفساء ، ولكن تنقضي به عدّة الطلاق .

وحكم النفساء والحائض واحد في كلّ ما ذكرناه من تحريم مسّ كتابة القرآن ، وقراءة العزائم ، والمكوث في المسجد ، والوط‏ء ، وعدم صحّة الطلاق ، والصوم والصلاة ، وأ نّها تقضي الصوم دون الصلاة ، إلى غير ذلك .

والغسل من النفاس تماماً كالغسل من الحيض والاستحاضة والجنابة .

______________________

[1] الوسائل 2 : 382 ، ب3 من أبواب النفاس ، ح1 ، وفيه : « عن أحدهما  عليهماالسلام » .

[2] الوسائل 2 : 384 ، ب3 من أبواب النفاس ، ح5 .

[3] الوسائل 2 : 383 ، ب3 من أبواب النفاس ، ح2 .