المطهّرات

المطهّرات هي التي تطهّر غيرها من([1]) النجاسة ، وهي على أنواع  :

______________

[1] في الطبعات السابقة « مع » والصحيح ما أثبتناه.

 

 

المـاء  :

المطهّر الأوّل الماء ، وهو الأصل بضرورة الدين .

ويشترط للتطهير به زوال عين النجاسة أوّلاً وقبل كلّ شيء ، ولا يضرّ بقاء لونها أو ريحها أو طعمها ، حتّى ولو قال العلم بأنّ بقاء شيء من هذه الأوصاف يدلّ على وجود ذرّات من النجاسة ؛ لأنّ المعوّل على العرف وتسامحه لا على العلم وتجاربه .

وأيضاً يشترط أن يكون الماء طاهراً لا متنجّساً ؛ لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه ، وضمَّ نجس إلى مثله لا يجعل المجموع طاهراً . وأيضاً لا بدّ أن يكون الماء مطلقاً لا مضافاً ؛ لأنّ المضاف وإن كان طاهراً في نفسه ، لكنّه غير مطهّر لغيره كما أسلفنا .

التطهير من الكلب والخنزير والجرذ والبول  :

سئل الإمام  عليه‏السلام عن خنزير يشرب من إناء ؟ قال : « يغسل سبع مرّات »([118]) .

وهذا متّفق عليه بين الفقهاء .

وقال الإمام  عليه‏السلام : « اغسل الإناء التي تصيب فيه الجرذ سبع مرّات »([119]) .

أيضاً متّفق عليه .

وقال  عليه‏السلام : « الكلب رجس نجس لا يتوضّأ بفضله ، فاصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ، ثمّ بالماء مرّتين »([120]) .

أيضاً متّفق عليه .

وسئل عن البول يصيب الجسد ؟ قال [  عليه‏السلام] : « صبّ عليه الماء مرّتين »([121]) .

أيضاً متّفق عليه .

وسئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن بول الصبيّ ؟ قال : « تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً ، والغلام والجارية شرع سواء »([122]) .

أيضاً متّفق عليه على شريطة أن لا يكون الرضيع قد أكل الطعام بعدُ ، وأن يكون للمربّية ثوب واحد .

تطهير الإناء والثوب والبدن  :

روي عن الإمام الصادق  عليه‏السلام أ نّه قال : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ فاغسله »([123]) .

وسئل عن الابريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء ؟

قال  [  عليه‏السلام] : « إذا غسل فلا بأس »([124]) .

إذا تنجّس الإناء بغير ولوغ الكلب والخنزير وموت الجرذ يطهر بمجرّد ملاقاته للماء الكثير ، أو بصبّ الماء عليه مرّة واحدة . وكذلك الثوب والبدن إذا تنجّسا بغير البول ، وقلنا : مرّة واحدة ؛ لأنّ الإمام لم يقيّد الغسل بالمرّتين أو الثلاث ، وجاء في بعض الروايات عن الإمام  عليه‏السلام : « اغسله ثلاث مرّات »([125]) .

وقال صاحب المدارك : ( المعتمد الإجزاء بالمرّة المزيلة للعين مطلقاً ؛ لأنّ الشارع أمر بغسل ما أصابته النجاسة ، والامتثال يتحقّق بالمرّة ، أمّا إجماع الفقهاء على النجاسة فهو منتفٍ بعد الغسلة الواحدة )([126]) .

الغسالة  :

الغسالة هي الماء المنفصل عن المحل المغسول ، سواء انفصل بنفسه أم بواسطة العصر ، وحكمها النجاسة إذا كانت هي السبب في زوال العين النجسة ، وإلاّ فطاهرة .

التخلّي  :

روي عن النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أ نّه قال : « إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ، ولا تستدبرها ، ولكن شرّقوا وغرّبوا »([127]) .

وعن الإمام الباقر  عليه‏السلام والد الإمام الصادق  عليه‏السلام : « يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنّة من رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، أمّا البول فلا بدّ من غسله »([128]) .

وعن الإمام الصادق  عليه‏السلام أ نّه قال : « نهى رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أن يستنجي الرجل بيمينه »([129]) .

وعنه [  عليه‏السلام] أيضاً : « إذا اغتسل أحدكم في فضاء الأرض فليحاذر على عورته ، ولا يدخل أحدكم الحمّام إلاّ بمئزر ، ولا ينظر الرجل إلى عورة أخيه ، ومن تأمّلها لعنه سبعون ألف ملك ، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة »([130]) .

يجب ستر العورة عن الناظر المحترم في حال التخلّي وغيره ، كما يحرم النظر إلى عورة الغير مماثلاً كان أو غير مماثل ، مسلماً كان أو غير مسلم ، حتّى المرأة يحرم عليها أن تنظر عورة ابنتها المميّزة .

ويجب أن يعظّم القبلة ، فلا يستقبلها ولا يستدبرها ببول أو غائط .

ويكره أن يستنجي بيمينه تنزيهاً لها عن مباشرة الأقذار ؛ لأ نّه يباشر بها الأكل وما إليه .

والماء المستعمل في تطهير محلّ البول والغائط يسمّى بالاستنجاء ، وهو طاهر على شريطة أن لا يتغيّر بالنجاسة ، ولا تصل إليه نجاسة من الخارج ، وأن لا تتعدّى النجاسة المخرج تعدّياً فاحشاً ، وأن لا يخرج مع البول ، أو الغائط دم ، وأن لا يكون مع الماء أجزاء من الغائط .

وإذا مسح مخرج الغائط بأحجار ثلاثة طاهرة كفاه هذا المسح عن الماء ، وكذا تكفي الخرق والورق والخزف والأعواد ، وغيرها من الأجسام المزيلة للنجاسة ، على شريطة أن لا تكون من المأكولات المحترمة .

أمّا موضع البول ومخرجه فلا يطهر إلاّ بالماء كما مرّ .

____________________

[1] الوسائل 1 : 225 ، ب1 من أبواب الأسآر ، ح2 .

[2] الوسائل 3 : 497 ، ب53 من أبواب النجاسات ، ح1 .

[3] الوسائل 3 : 516 ، ب70 من أبواب النجاسات ، ح1 ، وليس فيه : « مرّتين » .

[4] الوسائل 3 : 395 ، ب1 من أبواب النجاسات ، ح3 .

[5] الوسائل 3 : 398 ، ب3 من أبواب النجاسات ، ح2 .

[6] الوسائل 3 : 469 ، ب38 من أبواب النجاسات ، ح3 .

[7] الوسائل 3 : 494 ، ب51 من أبواب النجاسات ، ح1 .

[8] المصدر السابق  : ذيل الحديث 1 .

[9] المدارك 2 : 338 .

[10] الوسائل 1 : 302 ، ب2 من أبواب أحكام الخلوة ، ح5 ، وفيه : « أو غرّبوا » .

[11] الوسائل 1 : 315 ، ب9 من أبواب أحكام الخلوة ، ح1 .

[12] الوسائل 1 : 321 ، ب12 من أبواب أحكام الخلوة ، ح1 .

[13] الوسائل 1 : 299 ، ب1 من أبواب أحكام الخلوة ، ح2 .

 

 

الأرض  :

المطهّر الثاني الأرض ، فعن الحلبي أ نّه قال : قلت للإمام الصادق  عليه‏السلام : إنّ طريقي إلى المسجد زقاق يبال فيه فربّما مررت فيه وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ » قلت : بلى ، قال :

« لا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً »([1]) .

ولذا اتّفق الفقهاء على أنّ الأرض تطهّر باطن القدم والنعل فقط بالمشي عليها أو بالمسح بها ، على شريطة أن تزول عين النجاسة .

__________________

[1] الوسائل 3 : 459 ، ب32 من أبواب النجاسات ، ح9 .

 

 

الشمس  :

المطهّر الثالث الشمس ، قال الإمام الباقر والد الإمام الصادق  عليهماالسلام : « كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر »([1]) .

وفي رواية اُخرى : « إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه ، فإنّه طاهر »([2]) .

واستناداً إلى هاتين الروايتين وغيرهما قال الفقهاء : إنّ الشمس تطهّر الأبنية ، وما إليها من الأشياء الثابتة ، كأبواب البيوت وأخشابها ، والأوتاد والأشجار ، وثمارها ما دامت على الشجر ، والنبات وما عليه من خضار قبل اقتلاعه من الأرض ، وكذلك الظروف المثبتة في الأرض كالخوابي ، وألحقوا بها الحصر والسفن .

_________________

[1] الوسائل 3 : 453 ، ب29 من أبواب النجاسات ، ح6 .

[2] الوسائل 3 : 451 ، ب29 من أبواب النجاسات ، ح1 .

 

 

الإنقلاب  :

الرابع من المطهّرات الإنقلاب ، كالخمر ينقلب خلاًّ ، فلقد سئل الإمام الصادق عليه‏السلام عن الخمر العتيقة تجعل خلاًّ ؟ قال : «لابأس»([1]) . « إذا تحوّل اسم الخمر فلابأس به »([2]) .

__________________

[1] الوسائل 25 : 370 ، ب31 من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح1 .

[2] الوسائل 25 : 371 ، ب31 من أبواب الأشربة المحرّمة ، ح5 .

 

 

الاستحالة  :

المطهّر الخامس الاستحالة ، كالعذرة تستحيل تراباً أو رماداً ، فتطهر بالإتّفاق ، لتغيّر الموضوع .

جسد الحيوان  :

قال الفقهاء : إذا أصاب جسد الحيوان نجاسة فإنّه يطهر بمجرّد زوالها عنه ، بدون أيّة حاجة إلى الماء ، أو غير الماء .

وقال السيّد الحكيم في المستمسك : ( والعمدة فيه السيرة القطعيّة على مباشرة الحيوانات المعلوم تلوّثها بالنجاسة . . . مع العلم بعدم ورود المطهّر عليها ، وكأ نّه لوضوح الحكم لم يقع مورداً للسؤال من المسلمين ، وللبيان من المعصومين  عليهم‏السلام )([1]) .

ومعنى هذا الكلام أنّ الحيوان إذا أصاب الميتة أو العذرة أو ما إليها من النجاسات ثمّ زالت عنه بغير التطهير بالماء فإنّا نعلم علم اليقين أنّ الفقهاء والناس أجمعين يباشرون هذا الحيوان بدون تحفّظ ، وما ذاك إلاّ لأ نّه طاهر عندهم بالبديهة ، ومن أجل أنّ الطهارة في عقيدتهم من الواضحات لم يسأل سائل الإمام عنها ، كما أنّ الإمام لم يبيّنها([2]) للناس من تلقائه .

الـدباغ  :

جلد الميتة لا يطهر بالدباغ بالإتّفاق .

هذا ملخّص لأهم المطهّرات أو جلّها ، وقد ذكر السيّد صاحب العروة الوثقى أشياء أُخر يمكن النقاش فيها أو في عدّها من المطهّرات ، مثل غيبة المسلم المطهّرة لبدنه وثوبه وأدواته([3]) ، وذهاب ثلثي العصير العنبي([4]) ، والتبعيّة([5]) ، وما إلى ذاك .

__________________________

[1] المستمسك 2 : 130 .

[2] في الطبعات السابقة « يبنها » والصحيح ما أثبتناه .

[3] العروة الوثقى 1 : 112 .

[4] المصدر السابق : 105 .

[5] المصدر السابق : 109 .