المفطرات

يجب أن يمسك الصائم عن الأشياء التالية :

 

1 و 2 ـ  [  الأكل والشرب] :

الأكل والشرب حتّى ولو كانا غير معتادين كابتلاع الحصى وشرب الكاز .

 

 

3 ـ  [  الجماع ] :

الجماع قبلاً أو دبراً فإنّه يفسد صوم الفاعل والمفعول ، ولا نطيل الكلام في الاستدلال على هذه الثلاثة ؛ لأ نّها ثابتة ومعلومة بضرورة الدين .

 

 

4 ـ  [  الاستمناء ] :

الاستمناء سواء أكان بيده أو بآلة فإنّه محرّم بذاته ومفسد للصوم ومن داعب امرأته فسبقه المني فهل يفسد صومه ؟

 

الجواب:

إن تعمّد أو كان من عادته أن يمني إذا داعب فسد الصوم وعليه كفّارة أيضاً ، وإن لم يقصد ولا كان ذلك من عادته فلا شيء عليه . فقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان ؟ فقال : « ما لم يخف على نفسه فلا بأس »([1]) .

وسئل أبوه الإمام الباقر  عليه‏السلام عن ذلك ، فقال : « إنّي أخاف عليه فليتنزّه من ذلك إلاّ أن يثق أن لا يسبقه منيّه »([2]) . وعلى هاتين الروايتين تحمل الروايات الاُخر التي أوجبت الكفّارة مطلقاً وبدون تفصيل .

وإذا نام وحين استيقظ نهاراً رأى نفسه محتلماً صحّ صومه ولا شيء عليه .

 

 

5 ـ  [  تعمّد الكذب على اللّه‏ ورسوله] :

قال جمع من الفقهاء : إنّ تعمّد الكذب على اللّه‏ ورسوله يفسد الصوم ويوجب الكفّارة أيضاً ، واستدلّوا بقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « من كذب على اللّه‏ ورسوله وهو صائم نقض صومه ووضوءه إذا تعمّد »([3]) .

والحقّ أنّ هذا التعمّد حرام يجب الإمساك عنه ، بل هو من أعظم الكبائر ، ولكن وجوب الإمساك عن الكذب شيء وأ نّه من المفطرات شيء آخر ، أمّا قول الإمام عليه‏السلام : « إنّ الكذب على اللّه‏ ورسوله ينقض الصوم والوضوء » فهو تماماً كقوله [  عليه‏السلام] : « من اغتاب أخاه المسلم بطل صومه وانتقض وضوؤه »([4]) . وقوله [  عليه‏السلام] : « الغيبة تفطر الصائم وعليه القضاء »([5]) . مع العلم أ نّه لا قائل بأنّ الغيبة من المفطرات ولا من نواقض الوضوء . والمراد من هذه الرواية وما إليها هو المبالغة والتشدّد والحثّ على ترك الكذب والغيبة ، وأنّ الّذي يأتي بهما أو بأحدهما كمن صلّى بدون وضوء وأفطر في شهر رمضان ، وأنّ المطلوب من الإمساك في شهر الطاعة والغفران ليس مجرّد الأكل والشرب بل الصوم عن جميع المحرّمات بخاصّة الكذب على اللّه‏ والرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، وما أكثر استعمال ذلك في كتاب اللّه‏ وكلمات الرسول وآله والعرب قديماً وحديثاً .

وقد ذهب إلى عدم فساد الصوم بالكذب على اللّه‏ ورسوله كثير من المحقّقين منهم صاحب الجواهر وصاحب مصباح الفقيه([6]) وأكثر الفقهاء المتأخّرين بشهادة صاحب الجواهر وصاحب الحدائق([7]) .

 

 

6 ـ  [  غمس الرأس في الماء] :

المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة ـ كما قال صاحب الجواهر([8]) ـ أنّ غمس الرأس في الماء([9]) مفسد للصوم ، سواء أغمس وحده أم مع البدن ، واستدلّوا بقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء »([10]) .

وقالوا : إنّ المتبادر من هذا النهي هو الحكم الوضعي ـ أي فساد الصوم ـ لا مجرّد الحكم التكليفي ، وهوالتحريم فقط ، ولذا اتّفق الجميع على أنّ النهي ـ هو الحكم في العبادة ـ يدلّ على الفساد . وقال آخرون : إنّ هذا الارتماس والغمس غير محرّم ولا مفسد للصوم ، وإنّما هو مكروه ، وحملوا الروايات الناهية عنه على ذلك ، وردّ عليهم صاحب الجواهر([11]) بأ نّه لا محيص للفقيه عن القول بأنّ الارتماس مفسد للصوم بعد أن ثبت في الصحيح قول الإمام  عليه‏السلام : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء »([12]) . وهو حقّ.

 

 

7 ـ  [  إيصال الغبار الغليظ] :

إيصال الغبار الغليظ إلى الفم مهما كان نوع الغبار ، ولم أجد دليلاً تركن إليه النفس يدلّ على أ نّه مفسد للصوم ، ولكن صاحب الجواهر قال : ( المشهور على ذلك ، بل لم أجد فيه خلافاً )([13]) . وألحقوا شرب التبغ بالغبار الغليظ ، وليس من شكّ بأنّ الترك أفضل وأكمل ، بخاصّة بعد أن ارتكز في الأفهام أنّ من يشرب الدخان لا يعدّ صائماً ، نقول هذا ، مع العلم بأنّ الأحكام الشرعيّة لا تؤخذ من العرف ، ولا من طريقة الناس إلاّ إذا أقرّها المعصوم [  عليه‏السلام] ، ونحن نعلم علم اليقين أنّ التبغ لم يكن معروفاً ولا مألوفاً في عهده .

ولمن يعتمد على الاستحسان والأدلّة الخطابيّة أن يقول : إنّ شرب الدخان يتنافى مع الآداب ، ولذا نتركه عند تلاوة القرآن الكريم ، وفي المساجد والمشاهد المشرّفة ، وفي الصلاة ، وفي حضور الكبار ، فبالأولى التأدّب في شهر اللّه‏ المعظّم .

 

 

8 ـ  [  الحقنة ] :

من المفطرات الحقنة ، وقد ورد في ذلك عن أهل البيت  عليهم‏السلام روايات : إحداها تنفي البأس عن الاحتقان مطلقاً ([14]) دون أن تفرّق بين أن يكون بالجامد أو بالمائع .

والثانية تقول : لا يجوز للصائم أن يحتقن([15]) دون أن تفرّق بينهما أيضاً . والثالثة تقول : لا بأس بالجامد([16]) أي أنّ الاحتقان بالمائع يفسد الصوم ، وبالجامد لا يفسده ، وحيث فصّلت هذه الرواية وفرّقت بين النوعين تكون لا محالة جامعة بين الروايتين المتعارضتين بظاهرهما ، وقرينة شرعيّة على أنّ المراد من الرواية الاُولى التي نفت البأس خصوص الاحتقان بالجامد ، ومن الثانية التي أثبتت البأس خصوص الاحتقان بالمائع ، وبذلك ينتفي التعارض والتضاد.

 

 

9 ـ  [  تعمّد القيء] :

تعمّد القيء ، قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « من تقيّأ متعمّداً وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة »([17]) . وقال ولده الإمام الكاظم  عليه‏السلام : « إن كان تقيّأ متعمّداً فعليه قضاؤه ، وإن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شيء »([18]) .

 

 

10 ـ  البقاء على الجنابة :

العاشر والأخير ممّا يفسد الصوم أن يتعمّد الصائم البقاء على الجنابة حتّى مطلع الفجر في غير ضرورة تدعوه إلى ذلك ، والمفروض أنّ الصوم واجب عليه لا مندوب ، هذا ما قاله المشهور شهرة عظيمة بشهادة صاحب الحدائق والجواهر([19]) .

واستدلّوا بأنّ الإمام الصادق  عليه‏السلام سئل عن رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّداً حتّى أصبح ؟ قال : « يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً »([20]) .

وكلّ ما جاء عن أهل البيت  عليهم‏السلام غير هذه الرواية ، فإن كان في معناها فهو مؤيّد ومعزّز ، وإن كان مطلقاً وشاملاً للعامد وغيره وجب حمله وتقييده بهذه الرواية ، وإن أبى الحمل عليها والتقييد بها فهو شاذّ بشهادة ما نقله صاحب الحدائق([21]) عن المحقّق في كتاب المعتبر .

 

 

ويتفرّع على ذلك مسائل:

1 ـ  لمن تعمّد البقاء على الجنابة أن يصوم تطوّعاً واستحباباً ، فقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن التطوّع وصوم الأ يّام الثلاثة ( 13 و 14 و 15 ) من الشهر الهلالي إذا أجنب الرجل في أوّل الليل وهو يعلم أ نّه أجنب فينام متعمّداً حتّى يطلع الفجر أيصوم أو لا يصوم ؟ قال الإمام  عليه‏السلام : « يصوم »([22]) .

2 ـ  من أصبح في شهر رمضان جنباً من غير عمد صحّ صومه ولا شيء عليه .

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح ؟ قال : « لا بأس ، يغتسل ويصلّي ويصوم »([23]) .

وإن صادف معه ذلك في قضاء شهر رمضان فلا يصحّ منه الصوم ، فقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل أصابته جنابة فلم يغتسل حتّى طلع الفجر ؟ قال : « لا يصوم هذا اليوم ويصوم غداً »([24]) . هذا إذا كان وقت القضاء موسّعاً ، أمّا إذا كان مضيّقاً فحكمه حكم رمضان تماماً .

واتّفق الجميع على أنّ الاحتلام في النهار لا يفسد الصوم إطلاقاً ، واجباً كان أو مندوباً ؛ لقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء ـ أي القهري ـ والاحتلام والحجامة »([25]) .

3 ـ  إذا نام دون أن ينوي الاغتسال فسد صومه وعليه القضاء ، وبالأولى إذا نوى العدم.

4 ـ  من أجنب في ليل رمضان ثمّ نام ومن نيّته أن يغتسل قبل الفجر ولكن استمرّ به النوم حتّى أصبح صحّ صومه ولا قضاء عليه ، وإذا انتبه ثمّ نام ثانية على نيّته حتّى أصبح فعليه أن يصوم ذلك اليوم ويعيد ، وإذا انتبه ونام للمرّة الثالثة حتّى

الصباح فعليه القضاء والكفّارة.

والدليل على هذا التفصيل قول الإمام  عليه‏السلام : « إذا أصابتك جنابة في أوّل الليل فلا بأس أن تنام متعمّداً وفي نيّتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر ، فإن غلبك النوم حتّى تصبح فليس عليك شيء إلاّ أن تكون انتبهت في بعض الليل ثمّ نمت وتوانيت ولم تغتسل وكسلت فعليك صوم ذلك وإعادة يوم آخر مكانه . وإن تعمّدت النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفّارة ، وهي صوم شهرين متتابعين ، أو عتق رقبة ، أو إطعام ستّين مسكيناً »([26]) .

5 ـ  إذا لم يتمكّن المجنب من الاغتسال لفقد الماء أو لمرض تعيّن عليه التيمّم قبل الفجر ، وإذا تركه عامداً بطل صومه ، تماماً كما هو الشأن بالقياس إلى الغسل ؛ لعموم التراب بمنزلة الماء ، وجعل اللّه‏ التراب طهوراً ، كما جعل الماء طهوراً ، وما إلى ذاك.

6 ـ  إذا طهرت كلّ من الحائض من دم حيضها والنفساء من دم نفاسها ليلاً في شهر رمضان وتركت الغسل حتّى أصبحت من غير عذر فسد صومها ووجب عليها القضاء ، تماماً كالجنب . ويدلّ عليه قول الإمام  عليه‏السلام : « إن طهرت بليل من حيضها ثمّ توانت ولم تغتسل في رمضان حتّى أصبحت فعليها قضاء ذلك اليوم»([27]) . ويسري حكم الحائض الّذي دلّت عليه هذه الرواية إلى النفساء ؛ إذ لا قائل بالفرق بينهما ، وإذا تعذّر عليها([28]) الغسل تيمّمت ؛ لأنّ التيمّم بدل عنه .

وهل تلحق الحائض والنفساء بالجنب في حكم النوم من أ نّهما إذا نامتا على نيّة الغسل ولم تنتبها حتّى الصباح فلا شيء عليهما ، وإن انتبهتا ثمّ نامتا فعليهما القضاء فقط ، وإن انتبهتا ثمّ نامتا للمرّة الثالثة فعليهما القضاء والكفّارة ؟

الجواب:

كلاّ ؛ لأنّ النصّ في ذلك مختصّ بالجنب ، والقياس باطل عندنا ، أمّا قول صاحب الجواهر([29]) بأنّ حدث الحيض أشدّ من حدث الجنابة فإنّما يتمّ لو نصّ الشارع على ذلك صراحة ، بحيث يكون من العلل المنصوصة ، وليس لأحد كائناً من كان أن يستنبط علل الأحكام من عندياته .

أمّا المستحاضة فيتوقّف صحّة صومها على الإتيان بما يلزمها من الأغسال في الليل والنهار على النحو الّذي ذكرناه في باب الطهارة عند الكلام عن المستحاضة وأقسامها وأحكامها ، وعلى هذا فإن أخلّت بوظيفتها فعليها القضاء .

قال صاحب الحدائق : ( وحيث كان هذا الحكم متّفقاً عليه بين الأصحاب ، وهو الأوفق بالاحتياط ، فلا بأس بالمصير إليه )([30]) .

__________________________

[1] الوسائل 10 : 98 ، ب33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح6 .

[2] الوسائل 10 : 100 ، ب33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح13 .

[3] الوسائل 10 : 34 ، ب2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح7 .

[4] الوسائل 10 : 34 ، ب2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح5 .

[5] الوسائل 10 : 35 ، ب2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح8 .

[6] الجواهر 16 : 225 . مصباح الفقيه 14 : 381.

[7] الجواهر 16 : 224 . الحدائق 13 : 141.

[8] الجواهر 16 : 229 .

[9] أمّا غسل الرأس بصبّ الماء عليه من الإبريق ونحوه فلا يفسد الصوم بالإتّفاق [ منه 1 ] .

[10] الوسائل 10 : 38 ، ب3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح8 .

[11] الجواهر 16 : 228 .

[12] الوسائل 10 : 31 ، ب1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1 .

[13] الجواهر 16 : 232 .

[14] الوسائل 10 : 41 ، ب5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1 .

[15] الوسائل 10 : 42 ، ب5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح4 .

[16] الوسائل 10 : 42 ، ب5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح2 .

[17] الوسائل 10 : 88 ، ب29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح6 . وفيه : « عن أبي عبد اللّه‏ عن أبيه 8 » .

[18] الوسائل 10 : 89 ، ب29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح10 .

[19] الحدائق 13 : 112 ـ 113 . الجواهر 16 : 236.

[20] الوسائل 10 : 63 ، ب16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح2 .

[21] الحدائق 13 : 116 .

[22] الوسائل 10 : 68 ، ب20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1 .

[23] الوسائل 10 : 59 ، ب13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح7 .

[24] الوسائل 10 : 67 ، ب19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح2 .

[25] الوسائل 10 : 103 ، ب35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1 .

[26] فقه الرضا 7 : 307 . المستدرك 7 : 330 ، ب9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1 .

[27] الوسائل 10 : 69 ، ب21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1 .

[28] في الطبعات السابقة: « عليهما».

[29] الجواهر 16 : 245 .

[30] الحدائق 13 : 126 .