صورة القتال

قال تعالى :  وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا استَطَعتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيل ([1]) . و  إِنَّ اللّه‏َ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفَّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرصُوصٌ ([2]) .

وقال الإمام  عليه‏السلام : « خير الرفاق أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير العساكر أربعة آلاف ، ولن تغلب عشرة آلاف من قلّة »([3]) . أراد بكثرة القوّة .

وقال [  عليه‏السلام] : « قال رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : اركبوا وارموا ، وإن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا »([4]) .

الفقهاء :

قالوا : يجب في الحرب أوّلاً وقبل كلّ شيء الاستعداد لها بقيادة مؤمن غير مستهتر ، وشجاع غير متهوّر ، فإذا رأى العدوّ أكثر عدّة وعدداً تربّص حتّى تمكّنه الفرصة من المبادرة ، وأن يصفّ المقاتلون أنفسهم في الميدان صفّاً ثابتين كالبنيان ، وأن لا يبدأوا بالقتال إلاّ بعد الدعوة إلى الإسلام وامتناع العدوّ عن قبول ـ كما تقدّم ـ وأن يكون الداعي إليه الإمام أو من يختاره لذلك .

__________________________________

[1] الأنفال : 60 .

[2] الصفّ : 4 .

[3] الوسائل 15 : 135 ، ب54 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

[4] الوسائل 15 : 140 ، ب58 من أبواب جهاد العدوّ ، ح3 .

 

 

قال تعالى :  يَّا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدَبارَ * وَمَن يُوَلِّهِم يَومَئذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَو مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَد بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللّه‏ِ ([1]) . و  الآنَ خَفَّفَ اللّه‏ُ عَنكُم وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُم ضَعفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مّائةٌ صَابِرَةٌ يَغلِبُوا مِائَتَينِ وإِن يَكُنِ مِّنكُم ألفٌ يَغلِبُوا أَلفَينِ بِإِذنِ اللّه‏ِ وَاللّه‏ُ مَعَ الصَّابِرِينَ ([2]) .

وقال الإمام الرضا  عليه‏السلام : « حرّم اللّه‏ الفرار من الزحف لما فيه من وهن في الدين . . . ومن الجرأة على المسلمين ، ومن السبي والقتال ، وإبطال دين اللّه‏ ، وغير ذلك من الفساد »([3]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « من فرّ من رجلين في القتال فقد فرّ ، ومن فرّ من ثلاثة فلم يفرّ »([4]) .

الفقهاء :

قالوا : إذا التقى الصفّان وجب الثبات ، وحرم الفرار ، إلاّ إذا زاد العدوّ على عدد المسلمين بأكثر من مرّتين ، أو انحرف المقاتل إلى فئة من جماعة تحتاج إلى النجدة أو لإصلاح سلاحه أو ليستدبر الشمس ، وما إلى ذلك ممّا تستدعيه الضرورة ، وهذا بالحقيقة ليس من الفرار في شيء ما دام الإنصراف لغاية مشروعة .

__________________________________

[1] الأنفال : 15 ـ 16 .

[2] الأنفال : 66 .

[3] الوسائل 15 : 87 ، ب29 من أبواب جهاد العدوّ ، ح2 .

[4] الوسائل 15 : 84 ، ب27 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

 

 

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « نهى رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أن يلقى السمّ في بلاد المشركين . . . »([1]) . و « عن قتل النساء والولدان في دار الحرب . . . وعن الأعمى والشيخ الفاني . . . »([2]) . و « ما بيّت [ رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم]([3]) عدّواً قط في ليل »([4]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « مرّ أمير المؤمنين  عليه‏السلام بشيخ مكفوف يسأل الناس ، فقال : من هذا ؟ قالوا : نصرانيّ ، قال : استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه ؟ ! أنفقوا عليه من بيت المال »([5]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « يجيء كلّ غادر بإمام يوم القيامة مائلاً شدقيه حتّى يدخل النار »([6]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « لا يقتل الرسول ولا الرهن »([7]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « كان رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم إذا بعث سريّة دعا أميرها فأجلسه إلى جنبه ، وأجلس أصحابه بين يديه ، ثمّ قال : سيروا بسم اللّه‏ ، وفي سبيل اللّه‏ ، وعلى ملّة رسول اللّه‏ ، لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثّلوا ، ولا تقطعوا شجرة إلاّ أن تضطرّوا إليها ، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا إمرأة »([8]) .

ولا شيء في هذه الأقوال يحتاج إلى الشرح والتوضيح ، وقد أفتى بها الفقهاء ، وأجمعوا كلمة واحدة على صحّتها ووجوب العمل بها ، ولو قارنّا بينها وبين ما عليه الدول الكبرى من تسميم الجوّ بتفجير القنابل وإلقائها على الولدان والنساء والعجزة([9]) ، وتدميرها العمران ومصادر الحياة لعرفنا إنسانيّة الإسلام وعدله ورحمته وتمدّنه وحضارته ، ووقاحة الغرب وصفاقته وجهله وتوحّشه ، وإفراطه بالشرّ والخبث ، والتسلّط والاغتصاب ، وما إلى ذاك ممّا يعجز القلم عن تصوير قبحه وبشاعته .

__________________________________

[1] الوسائل 15 : 62 ، ب16 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

[2] الوسائل 15 : 64 ، ب18 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

[3] ما بين المعقوفين من المصدر .

[4] الوسائل 15 : 63 ، ب17 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

[5] الوسائل 15 : 66 ، ب19 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

[6] الوسائل 15 : 70 ، ب21 من أبواب جهاد العدوّ ، ح2 ، وفيه : « شدقه» .

[7] الوسائل 15 : 117 ، ب44 من أبواب جهاد العدوّ ، ح2 .

[8] الكافي 5 : 30 ، ح9 .

[9] في الطبعات السابقة : « والعجز » .

 

 

قال تعالى :  فَإِذَا لَقيِتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثخَنتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَربُ أَوزَارَهَا ([1]) .

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله ولا تقتله »([2]) .

وجاؤوا إلى أمير المؤمنين  عليه‏السلام بأسير يوم صفّين فبايعه ، فقال أمير المؤمنين[  عليه‏السلام] : « لا أقتلك إنّي أخاف اللّه‏ ربّ العالمين » وخلّى سبيله ، وأعطاه سلبه الّذي جاء به([3]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إطعام الأسير حقّ على من أسّره وإن كان يراد من الغد قتله ، فإنّه ينبغي أن يُطعم ويُسقى ويُرفق به ، كافراً كان أو غيره »([4]) .

وسئل عن قوله تعالى :  وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً  ؟ قال [  عليه‏السلام] : « هو الأسير »([5]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « طعام الأسير والإحسان إليه حقّ واجب »([6]) .

الفقهاء :

قالوا : الاُسارى الإناث والولدان لا يجوز قتلهم بحال ؛ لأنّ النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم نهى عن قتلهم([7]) . أمّا الرجال فينظر ، فإذا اُسّروا بعد أن وضعت الحرب أوزارها فلا يجوز قتلهم ، ويتخيّر الإمام أو نائبه بين إطلاق سبيلهم بدون عوض ، وبين أن يفدوا أنفسهم بمال ، وإذا اُسّروا والحرب قائمة فإن أسلموا حرم قتلهم ؛ لقول الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « اُمرت أن اُقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه‏ ، فإذا قالوا : عصمت دماؤهم »([8]) .

وقال الإمام  عليه‏السلام : « الأسير إذا أسلم حقن دمه »([9]) . وإن أبى الأسرى عن الإسلام ولم يقبلوه فقد ذهب المشهور إلى وجوب قتلهم .

والّذي نراه هو العمل بما تستدعيه المصلحة ، فإن لم يؤمن غائلة الأسير إذا اُطلق قتل ، ومع الأمن منه ومن غائلته ونكايته في المسلمين جاز إطلاقه ، على أنّ عليّاً أمير المؤمنين  عليه‏السلام([10]) منّ على ابن العاص وابن أرطاة وابن الحكم ، مع عدم الأمن من غائلتهم وغدرهم . والثابت قطعاً أ نّه منّ على الأوّلين والحرب قائمة . ومهما يكن فإنّ الأسير يجب أن يطعم ويسقى ويداوى ويرفق به ويحسن إليه حتّى مع عناده وإصراره على عدم قبول الإسلام.

__________________________________

[1] محمّد : 4 .

[2] الوسائل 15 : 72 ، ب23 من أبواب جهاد العدوّ ، ح2 ، وفيه : « عن علي بن الحسين 8 » .

[3] الوسائل 15 : 73 ، ب23 من أبواب جهاد العدوّ ، ح3 .

[4] الوسائل 15 : 91 ، ب32 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

[5] الوسائل 15 : 92 ، ب32 من أبواب جهاد العدوّ ، ح2 .

[6] الوسائل 15 : 92 ، ب32 من أبواب جهاد العدوّ ، ح3 .

[7] الوسائل 15 : 64 ، ب18 من أبواب جهاد العدوّ ، ح1 .

[8] سنن البيهقي 9 : 182 .

[9] الوسائل 15 : 72 ، ب23 من أبواب جهاد العدوّ ، ح2 .

[10] انظر شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة 1 : 23 .