سورة ألم نشرح

سورة ألم نشرح‏

مكّيّة.

و آيها ثمان بالإجماع.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أكثر قراءة والشمس وو الضحى وأ لم نشرح. (الحديث) وقد تقدّم في وَالشَّمْسِ وَضُحاها.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأها، اعطي من الأجر كمن لقي محمّدا  مغتمّا ففرّج عنه.

و روى  أصحابنا: أنّ الضحى وأ لم نشرح سورة واحدة، لتعلّق إحداهما بالأخرى.

أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ .

قيل : ألم نفسّحه حتّى وسع مناجاة الحقّ ودعوة الخلق، فكان غائبا حاضرا. أو ألم نفسّحه بما أودعنا فيه من الحكم، وأزلنا عنه ضيق الجهل. أو بما يسّرنا لك تلقّي الوحي‏بعد ما كان يشقّ عليك.

و قيل : إنّه إشارة إلى ما

روي أنّ جبرئيل أتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في صباه، أو يوم الميثاق، فاستخرج قلبه فغسله، ثمّ ملأه إيمانا وعلما.

و معنى الاستفهام: إنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته، ولذلك عطف عليه الفعل الّذي بعده.

و في مجمع البيان : وروى سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد سألت ربّي مسألة وددت أنّي لم أسأله.

قلت: أي ربّ إنّه كان أنبياء قبلي، منهم من سخّرت له الرّيح، ومنهم من كان يحيي الموتى.

قال: فقال: ألم أجدك يتيما فآويتك؟

قال: قلت: بلى.

قال: ألم أجدك ضالّا فهديتك؟

قال: قلت: بلى أي ربّ.

قال: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [و وضعت عنك وزرك‏] ؟

قال: قلت: بلى، أي ربّي.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، قال: بعليّ- عليه السّلام- فجعلناه وصيّك.

قال: وحين فتح مكّة ودخلت قريش في الإسلام، شرح اللّه صدره وسرّه .

و عن ابن عبّاس  قال: سئل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقيل: يا رسول اللّه، أ ينشرح الصّدر؟

قال: نعم.

قالوا: يا رسول اللّه، وهل لذلك علامة يعرف بها؟قال: نعم، التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل نزول الموت . حلول الفوت.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن  الحسن بن راشد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ قال: بولاية أمير المؤمنين.

وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ .

قيل : عبأك الثّقيل.

 

الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ : الّذي حمله على النّقيض، وهو صوت الرّحل عند الانتقاض. من ثقل الحمل.

قيل : وهو ما ثقل عليه من جهله بالحكم والأحكام، أو حيرته، أو تلقّي الوحي ، أو ما كان يرى من ضلال قومه مع العجز عن إرشادهم، أو من إصرارهم وتعدّيهم في إيذائه حين دعاهم إلى الإيمان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال: بعليّ الحرب.

الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، [أي: أثقل ظهرك‏] .

وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ : بالنّبوّة وغيرها. وأيّ رفع، مثل أن قرن اسمه باسمه في كلمتي الشّهادة، وجعل طاعته طاعته، وصلّى عليه في ملائكته، وأمر المؤمنين بالصّلاة عليه، وخاطبه بالألقاب. وإنّما زاد «لك»  ليكون إبهاما قبل إيضاح، فيفيد المبالغة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قال: تذكر إذا ذكرت، وهو قول النّاس: هد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّد رسول اللّه.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر- عليهماالسّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لعليّ- عليه السّلام-: هذا إدريس رفعه  اللّه مكانا عليّا.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- اعطي ما هو أفضل من هذا، إنّ اللّه- جلّ ثناؤه- قال فيه: ورفعنا له ذكرك فكفى بهذا من اللّه رفعة.

قال له اليهوديّ: فقد ألقى اللّه على موسى محبّة منه.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، وقد أعطى اللّه محمّدا ما هو أفضل من هذا، لقد ألقى اللّه إليه محبّة منه، فمن هذا الّذي يشركه في هذا الاسم إذ تمّ من اللّه به الشّهادة، فلا تتمّ الشّهادة إلّا أن يقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمّد رسول اللّه، ينادى به على المنابر، فلا يرفع صوت بذكر اللّه إلّا رفع ذكر محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- معه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ، كضيق الصّدر، والوزر المنقض للظّهر، وضلال القوم وإيذائهم.

يُسْراً ، كالشّرح والوضع والتّوفيق للاهتداء والطّاعة، فلا تيأس من روح اللّه إذا عراك ما يغمّك. وتنكيره للتّعظيم، والمعنى: بما في «إنّ مع» من المصاحبة، المبالغة في معاقبة اليسر للعسر واتّصاله به اتّصال المتقاربين.

إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً : تكرير للتأكيد. أو استئناف وعده بأنّ العسر مشفوع بيسر [آخر، كثواب‏]  الآخرة، كقولك: إنّ للصّائم فرحتين: فرحة عند الإفطار، وفرحة عند لقاء الربّ. [فعليه قوله - عليه السّلام-: « (لن يغلب)  عسر يسرين». فإنّ العسر معرّف فلا يتعدّد سواء كان للعهد أو الجنس، واليسر منكر فيحتمل أن يراد بالثاني فرد يغاير]  ما أريد بالأوّل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال : إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [قال: ما كنت‏فيه من العسر، أتاك اليسر.

و في مجمع البيان : وفي الحديث، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في هذه الآية قال: قال لي جبرئيل: قال اللّه- عزّ وجلّ-: إذا ذكرت، ذكرت معي‏] .

إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً روى عطاء، عن ابن عبّاس قال: يقول اللّه: خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين، فلن يغلب عسر يسرين.

و عن الزّجّاج  قال: خرج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [يوما]  مسرورا فرحا وهو يضحك، ويقول: لن يغلب عسر يسرين فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.

قال الفرّاء: إنّ العرب تقول: إذا ذكرت نكرة ثمّ أعدتها نكرة مثلها صارتا اثنتين، كقولك: إذا كسبت درهما فأنفق درهما، فالثّاني غير الأوّل. فإذا أعدتها معرفة فهي هي، كقولك: إذا كسبت الدرهم ، فأنفق الدّرهم، فالثّاني هو الأوّل.

و نحو هذا ما قاله الزّجّاج: إنّه ذكر العسر مع الألف واللّام ثمّ ثنّى ذكره، فصار المعنى: إنّ مع العسر يسرين.

و في تهذيب الأحكام : ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، [عن أبيه،]  عن عبد اللّه بن المغيرة، عن السّكونيّ، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ- عليه السّلام-: أنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها، وكان زوجها معسرا، فأبى أن يحبسه وقال: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.

و في كتاب طبّ الأئمّة ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: إنّي لأعرف آيتين من كتاب اللّه المنزل تكتبان للمرأة إذا عسر عليها ولدها، تكتبان في رقّ ظبي وتعلّقه عليها في حقويها بسم اللّه وباللّه، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً سبع مرّات يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ- إلى قوله-:عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .

و في من لا يحضره الفقيه ، بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: وأعلم أنّ مع الصّبر النّصر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا أنّ مع العسر يسرا.

فَإِذا فَرَغْتَ: من التّبليغ.

فَانْصَبْ : فاتعب في العبادة، شكرا لما عدّدنا عليك من النّعم السّابقة ووعدنا بالنّعم الآتية.

و قيل : إذا فرغت من الغزو فانصب [في العبادة. أو فإذا فرغت من الصّلاة فانصب‏]  بالدّعاء.

وَ إِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ : بالسّؤال ولا تسأل غيره، فإنّه القادر وحده على إسعافه.

و قرئ : «فرغّب» ، أي: فرغّب النّاس إلى طلب ثوابه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال: إذا فرغت من حجّة الوداع فانصب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

حدّثنا  محمّد بن جعفر، عن يحيى بن زكرياء، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: فَإِذا فَرَغْتَ من نبوّتك فانصب عليّا وَإِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ في ذلك.

و في أصول الكافي : محمّد بن الحسين وغيره، عن سهل، عن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين جميعا، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، وعبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه حاكيا عن رسول اللّه: فاحتجّ عليهم حين اعلم بموته ونعيت إليه نفسه، فقال اللّه- جلّ ذكره-: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ يقول: إذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصيّك، فأعلمهم فضله علانية فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، ثلاث مرّات.

ثمّ قال: لأبعثنّ رجلا يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ليس بفرّار، يعرّض بمن رجع يجبّن  أصحابه ويجبّنونه .

و قال- صلّى اللّه عليه وآله-: عليّ سيّد المؤمنين.

و قال- صلّى اللّه عليه وآله-: عليّ- عليه السّلام- عمود الدّين.

و قال: هذا هو الّذي يضرب النّاس بالسّيف على الحقّ بعدي.

و قال: الحقّ مع عليّ- عليه السّلام- أينما مال.

و قال- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّي تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلّوا، كتاب اللّه وأهل بيتي عترتي. أيّها النّاس، اسمعوا وقد بلّغت، إنّكم ستردون عليّ الحوض فأسألكم عمّا فعلتم في الثّقلين، والثّقلان: كتاب اللّه وأهل بيتي، فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

و في مجمع البيان : فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ معناه: فإذا فرغت [من الصّلاة المكتوبة]  فانصب إلى ربّك في الدّعاء، وارغب إليه في المسألة يعطك. عن مجاهد وقتادة والضّحّاك ومقاتل والكلبيّ، وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.

و قال الصّادق - عليه السّلام-: هو الدّعاء في دبر الصّلا وأنت جالس.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همام، عن عبد اللّه بن جعفر، عن الحسن بن موسى، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال- تعالى-: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ بعليّ- عليه السّلام- وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ فَإِذا فَرَغْتَ من نبوّتك فانصب عليّا- عليه السّلام- وصيّا وَإِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ في ذلك.

و قال - أيضا-: حدّثنا محمّد بن همام، بإسناده، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن‏أبي عمير، عن المهلبي ، عن سلمان قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قوله:

أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.

قال: بعليّ- عليه السّلام- فاجعله وصيّا.

قلت: وقوله: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ.

قال: إنّ اللّه أمره بالصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ، ثمّ أمره إذا فعل ذلك أن ينصب عليّا وصيّه.

و قال - أيضا-: حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد ابن عليّ، عن أبي جميلة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قوله: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ كان رسول اللّه حاجّا فنزلت فَإِذا فَرَغْتَ من حجّتك فَانْصَبْ عليّا للنّاس.

و قال - أيضا-: حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد، بإسناده إلى المفضّل ابن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ عليّا بالولاية.