سورة الحجرات‏

سورة الحجرات مدنيّة. 

و قيل : إلّا آية وهي قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‏] .

و هي ثماني عشرة آية بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال:

من قرأ سورة  الحجرات في كلّ ليلة أو في كلّ يوم، كان من زوّار محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: من قرأ سورة الحجرات اعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من أطاع اللَّه ورسوله ومن عصاه.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

في مجمع البيان : روى زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- انّه قال: ما سلّت السّيوف، ولا أقيمت الصّفوف في صلاة ولا زحوف، ولا جهر بأذان، ولا أنزل اللَّه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا حتّى أسلم أبناء قبيلة الأوس والخزرج.لا تُقَدِّمُوا، [أي: لا تقدّموا]  أمرا، فحذف المفعول ليذهب الوهم إلى كلّ ما يمكن. أو ترك، لأنّ المقصود نفي التّقديم رأسا. أو لا تتقدّموا، ومنه مقدّمة الجيش لتقدّمهم، ويؤيّده قراءة يعقوب : «لا تقدّموا».

و قرئ : «لا تقدموا» من القدوم.

بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: مستعار ممّا بين الجهتين المسامتتين ، كيدي الإنسان، تهجينا لما نهوا عنه. والمعنى. لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به.

و قيل : المراد بين يدي رسول اللَّه، وذكر اللَّه تعظيم له وإشعار بأنّه من اللَّه بمكان يوجب إجلاله.

وَ اتَّقُوا اللَّهَ: في التّقديم، أو مخالفة الحكم.

إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ: لأقوالكم عَلِيمٌ : بأفعالكم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، أي: إذا كلّمتموه فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته.

وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ.

قيل : ولا تبلغوا به الجهر الدّائر بينكم، بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته محاماة على التّرجيب  ومراعاة للأدب.

و قيل : معناه: ولا تخاطبوه باسمه وكنيته، كما يخاطب بعضكم بعضا، وخاطبوه بالنّبيّ والرّسول.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إنّ وفد بني تميم كانوا إذا قدموا على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقفوا على باب حجرته فنادوا: يا محمّد، اخرج إلينا. وكانوا إذا خرج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- تقدّموه في المشي، وكانوا إذا كلّموه  رفعوا أصواتهم فوق صوته، ويقولون: يا محمّد [يا محمّد] ، ما تقول في كذا وكذا، كما يكلّمون بعضهم‏بعضا. فأنزل اللَّه الآية .

و تكرير النّداء لاستدعاء مزيد الاستبصار، والمبالغة في الإيقاظ، والدّالة على استقلال المنادى له وزيادة الاهتمام به.

أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ: كراهة أن تحبط، فيكون علّة للنّهي.

أو لأن تحبط، على أنّ النّهي عن الفعل المعلّل باعتبار التّأدية ، لأنّ في الجهر والرّفع استخفافا قد يؤدّي إلى الكفر المحبط وذلك إذا انضمّ إليه قصد الإهانة وعدم المبالاة.

و في جوامع الجامع : وعن ابن عبّاس: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وكان في أذنه وقر، وكان جهوريّ الصّوت، فكان إذا كلّمه رفع صوته، وربّما تأذّى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بصوته .

و عن أنس : لمّا نزلت الآية، تخلّف عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- .

فتفقّدوه ودعاه .

فقال: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لقد أنزلت إليك هذه الآية، وإنّي رجل جهير  الصّوت، فأخاف أن يكون عملي قد حبط.

فقال- صلّى اللَّه عليه وآله-: لست هناك، إنّك تعيش بخير وتموت بخير، وإنّك من أهل الجنّة.

وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ : أنّها محبطة.

إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ: يحفضونها. عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ: مراعاة للأدب، أو مخافة عن مخالفة  النّهي.أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى‏: جرّ بها للتّقوى ومرّنها عليها. أو عرّفها كائنة للتّقوى خالصة لها، فإن الامتحان سبب المعرفة، و«اللّام» صلة محذوف، أو للفعل باعتبار الأصل .

أو ضرب اللَّه قلوبهم بأنواع المحن والتّكاليف [الشاقّة]  لأجل التّقوى، فإنّها لا تظهر إلّا بالاصطبار عليها. أو أخلصها لها، من امتحن الذّهب: إذا أذابه وميّز إبريزه  من خبثه .

و في أصول الكافي : محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل، عن محمد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه وفاة الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- وما كان من الحميراء  عند ذلك، وفيه قال : قال الحسين- عليه السّلام-: وقد قال اللَّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ. ولعمري، لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- المعاول، وقال اللَّه- عزّ وجل-: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى‏. ولعمري، لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقّه ما أمرهما اللَّه به على لسان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. إنّ اللَّه حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء.

لَهُمْ مَغْفِرَةٌ: لذنوبهم.

وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ : لغضهم، وسائر طاعاتهم.

و التّنكير، للتّعظيم. والجملة خبر ثان ل «إن»، أو استئناف لبيان ما هو جزاءالغاضّين إحمادا لحالهم، كما أخبر عنهم بجملة مؤلّفة من معرفتين، والمبتدأ اسم الإشارة  المتضمّن لما جعل عنوانا لهم . والخبر الموصول بصلة دلّت على بلوغهم أقصى الكمال، مبالغة في الاعتداد بغضّهم والارتضاء لهم، وتعريضا بشناعة الرّفع والجهر، وأنّ حال المرتكب لهما على خلاف ذلك.

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-:]  حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن أحمد ، عن المنذر بن جفير  قال: حدثني أبي، جفير  بن الحكيم ، عن منصور بن المعتمر ، عن ربعي بن خراش  قال: خطبنا عليّ- عليه السّلام- في الرّحبة، ثمّ قال: إنّه لما كان في زمان الحديبية خرج إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أناس من قريش من أشراف أهل مكّة، فيهم سهيل بن عمرو، وقالوا: يا محمّد، أنت جارنا وحليفنا وابن عمّنا، ولقد كان لحق بك أناس من أبنائنا  وإخواننا وأقاربنا، ليس بهم التّفقّه في الدّين ولا رغبة فيما عندك ولكن إنّما خرجوا فرارا من ضياعنا وأعمالنا وأموالنا، فارددهم علينا.

فدعا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أبا بكر، فقال له: انظر ما يقولون؟

فقال: صدقوا، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أنت جارهم فارددهم عليهم.

قال: ثمّ دعا عمر، فقال مثل قول أبي بكر.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عند ذلك: لا تنتهوا،- يا معشر قريش- حتّى يبعث اللَّه عليكم رجلا امتحن اللَّه قلبه للتّقوى يضرب رقابكم على الدّين. فقال أبوبكر: أنا هو يا رسول اللَّه؟

قال: لا.

فقال عمر: أنا هو يا رسول اللَّه؟

قال: لا، ولكنّه خاصف النّعل. وكنت أخصف نعل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قال: ثمّ التفت إلينا عليّ- عليه السّلام- وقال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: من كذب عليّ متعمّدا، فليتبوّأ مقعده من النّار.

إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ: من خارجها، خلفها أو قدّامها.

و «من» ابتدائية، فإنّ المناداة نشأت من جهة الوراء، وفائدتها الدّلالة على أنّ المنادى داخل الحجرة، إذ لا بدّ وأن يختلف المبدأ والمنتهى بالجهة.

و قرئ : «الحجرات» بفتح الجيم وسكونها، وثلاثتها جمع، حجرة، وهي القطعة من الأرض  المحجورة بحائط. ولذلك يقال لحظيرة الإبل: حجرة. وهي فعلة، بمعنى: مفعول، كالغرفة والقبضة.

و المراد: حجرات نساء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-. وفيها كناية عن خلوته فيها بالنّساء.

و مناداتهم من ورائها إمّا بأنّهم أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها، أو بأنّهم تفرّقوا على الحجرات متطلبين له، فأسند فعل الأبعاض إلى الكلّ.

و قيل : إنّ الّذي ناداه عيينة بن حصن  والأقرع بن حابس، وفدا على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظّهيرة وهو راقد فقالا: يا محمّد، اخرج إلينا.

و إنّما أسند الفعل إلى جميعهم لأنّهم رضوا بذلك، أو أمروا به، أو لأنّه وجد فيما بينهم.

أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ : إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة الحشمة،سيما لمن كان بهذا المنصب.

وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، اي: ولو ثبت صبرهم وانتظارهم حتّى تخرج إليهم. فإن «أنّ» وإن دلّت بما في حيزها على المصدر دلّت بنفسها على الثّبوت، ولذلك وجب إضمار الفعل.

و «حتّى» تفيد أنّ الصّبر ينبغي أن يكون مغيا بخروجه، فإن حتّى مختصّة بغاية الشي‏ء في نفسه، ولذلك تقول: أكلت السّمكة حتّى رأسها، ولا تقول: حتّى نصفها.

بخلاف «إلى» فإنّها عامّة.

و في «إليهم» إشعارا بأنّه لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتّى يفاتحهم بالكلام، أو يتوجّه إليهم.

لَكانَ خَيْراً لَهُمْ: لكان الصّبر خيرا لهم من الاستعجال، لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرّسول الموجبين للثّناء والثّواب، والإسعاف بالمسؤول. إذ نقل أنّهم وفدوا شافعين في أسارى بني العنبر فأطلق النّصف وفادى النّصف.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ : حيث اقتصر على النّصح [و التقريع‏]  لهؤلاء المسيئين الأدب، التّاركين تعظيم الرّسول.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا: فتعرّفوا وتوقّفوا فيه حتّى يثبت عندكم حقيقته.

روي : أنّه بعث الوليد بن عقبة مصدقا إلى بني المصطلق، وكان بينه وبينهم إحنة ، فلمّا سمعوا به استقبلوه فحسبهم مقاتليه، فرجع وقال لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: قد ارتدّوا ومنعوا الزّكاة، فهمّ بقتالهم، فنزلت.

و [قيل‏] : بعث إليهم خالد بن الوليد بعده فوجدهم منادين بالصّلاة متهجّدين، فسلّموا إليه الصّدقات فرجع.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن الحسن  بن عليّ- عليهماالسّلام- حديث طويل، يقول فيه: وأمّا أنت، يا وليد بن عقبة، فو اللَّه ما ألومك أن تبغض عليّا- عليه السّلام- وقد حدّك  في الخمر ثمانين جلدة، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر، أم كيف تسبّه فقد سمّاه اللَّه مؤمنا في عشر  آيات من القرآن وسمّاك فاسقا، وهو قوله- تعالى-: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الآية) .

و قرأ  حمزة والكسائيّ- والمرويّ عن الصّادق - عليه السّلام-: «فتثبّتوا»

، أي:

فتوقّفوا إلى أن يتبيّن لكم الحال.

و استدلّ بعضهم بالآية على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان عدلا، من حيث إنّ اللَّه أوجب التّوقف في خبر الفاسق فدلّ على أن خبر العادل لا يوجب التّوقف فيه.

و هذا لا يصحّ، لأنّ دليل الخطاب لا يعول  عليه عندنا وعند أكثر المحقّقين.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبي- رحمه اللَّه-، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي جميلة، المفضّل بن صالح، عن زيد الشّحّام قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن الرّفث والفسوق [و الجدال.

قال: أمّا «الرّفث» فالجماع، وأمّا «الفسوق»]  فهو الكذب، ألّا تسمع قول اللَّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ] . و«الجدال» [هو قول الرجل‏]  لا واللَّه، وبلى واللَّه، وسباب الرّجل الرّجل.

أَنْ تُصِيبُوا: كراهة إصابتكم.

قَوْماً بِجَهالَةٍ: جاهلين بحالهم.

فَتُصْبِحُوا: فتصيروا.

عَلى‏ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ : مغتمّين غمّا لازما، متمنّين أنّه لم يقع.و تركيب هذه الأحرف الثّلاثة  دائر مع الدّوام.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : إنّها نزلت في مارية القبطيّة، أمّ إبراهيم. وكان سبب ذلك أنّ عائشة قالت لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ إبراهيم ليس هو منك، وإنّما هو من جريح القبطيّ، فإنّه يدخل إليها في كلّ يوم.

فغضب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: [خذ السيف وائتي برأس جريح.

فأخذ أمير المؤمنين‏]  السّيف ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إنّك إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالسّفّود  المحماة في الوبر، فكيف تأمرني أثبت فيه أو أمضي على ذلك؟

فقال له رسول اللَّه: بل تثبت.

فجاء أمير المؤمنين- عليه السّلام- إلى مشربة أمّ إبراهيم فتسلّق عليها، فلمّا نظر جريح هرب منه وصعد النّخلة، فدنا منه أمير المؤمنين- عليه السّلام- وقال له: انزل.

فقال له: يا عليّ، اتّق اللَّه، ما ها هنا أناس  إنّي مجبوب .

ثمّ كشف عن عورته فإذا هو مجبوب، فأتى به إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ما شأنك، يا جريح؟

فقال: يا رسول اللَّه،- صلّى اللَّه عليه وآله- إنّ القبط يجبّون إلى حشمهم  ومن يدخل إلى أهليهم، والقبطيّون لا يأنسوا إلّا بالقبطيّين، فبعثني أبوها لأدخل إليها وأخدمها وأونسها.

فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ (الآية).

و في رواية عبد اللَّه  بن موسى : عن أحمد بن راشد ، عن مروان بن مسلم، عن‏عبد اللَّه بن بكير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قد أمر بقتل القبطيّ، وقد علم أنّها كذبت عليه أم لم يعلم، وإنّما دفع اللَّه عن القبطيّ القتل بتثبّت  عليّ- عليه السّلام-؟

فقال: بلى قد كان، واللَّه، أعلم، ولو كان عزيمة من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- القتل، ما رجع عليّ حتّى يقتله، ولكنّه إنّما فعل ذلك  رسول اللَّه لترجع عن ذنبها، فما رجعت ولا اشتدّ عليها قتل رجل مسلم بكذبها.

و يمكن الجمع بين هذا وخبر الاحتجاج المتقدّم، بأن الآية نزلت أوّلا في الوليد وجرت باعتبار عمومه المستفاد من التّنكير في عائشة وغيرها.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه للمنصور: لا تقبل في ذي رحمك وأهل الرّعاية من أهل بيتك قول [من حرّم اللَّه عليه الجنّة وجعل مأواه النّار. فإنّ النمّام شاهد الزور  وشريك إبليس في الإغراء  بين  [الناس‏] . وقد قال اللَّه - تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ (الآية) .

وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ «أن» بما في حيّزه سادّ مسدّ مفعولي «اعلموا» باعتبار ما قيّد به من الحال وهو قوله: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ. فإنّه حال من أحد ضميري «فيكم» ، ولو جعل استئنافا لم يظهر للأمر فائدة.

 

و المعنى: أن فيكم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على حال يجب تغييرها، وهو أنّكم تريدون أن يتّبع رأيكم في الحوادث ولو فعل ذلك لعنتم، أي: لوقعتم في الجهد من الإيقاع ببني المصطلق، أو قتل جريح القبطيّ البري‏ء ممّا رمي به، والندم عليه من العنت.وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ: استدراك ببيان عذرهم، وهو أنّهم من فرط حبّهم الإيمان وكراهتهم الكفر حملهم على ذلك لمّا سمعوا قول الوليد، أو عائشة، أو بصفة من لم يفعل ذلك، إحمادا لفعلهم وتعريضا بذمّ من فعل، ويؤيّده قوله: أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ : أي: أولئك المستثنون هم الّذين أصابوا الطّريق السّويّ.

و «كره» متعدّ بنفسه إلى مفعول واحد، فإذا شدّد زاد له  أخر ، لكنّه لمّا تضمّن معنى التّبعيض عدّي «بإلى».

و «الكفر» تغطية نعم اللَّه بالجحود.

و «الفسوق» الخروج عن القصد.

و «العصيان» الامتناع عن الانقياد.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمه، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله:

حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ، يعني: أمير المؤمنين. وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ الأوّل والثّاني والثّالث.

عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه، عن حمّاد]  عن حريز، عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن الحبّ والبغض أ من الإيمان هو؟

فقال: وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض. ثمّ تلا هذه الآية: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ (الآية) .

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ، جميعا، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدّنيا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن جعفر، عن يحيى بن زكريّا، عن‏عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله:

حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام. وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ الأول والثّاني والثّالث .

و في مجمع البيان :

الفسوق الكذب. عن ابن عبّاس وابن زيد، وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن محمّد بن خالد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن أيّوب بن الحرّ ، عن الحسن بن زياد قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ هل للعباد بما حبّب اللَّه  صنع؟

قال: لا، ولا كرامة.

عنه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبيدة، زياد الحذّاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث له، قال: يا زياد، ويحك وهل الدّين إلّا الحبّ، ألا ترى إلى قول اللَّه»

: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. أو ما ترون  قول اللَّه لمحمّد- عليه السّلام-: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ. وقال: يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ.

و قال: الدّين هو الحبّ، والحبّ هو الدّين.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثنا الحسين بن سعيد قال:

حدّثنا أبو سعيد الأشجّ قال: حدثنا يحيى بن يعلى، عن يونس بن حبّاب، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: حبّ أمير المؤمنين  [عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-]  إيمان، وبغضه نفاق. ثمّ قرأ: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ- إلى قوله- : الرَّاشِدُونَ.

فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً: تعليل «لكرّه» أو «حبّب» وما بينهما اعتراض، لا «للرّاشدون» فإنّ الفضل فعل اللَّه، والرّشد وإن كان مسبّبا عن فعله مسند إلى ضميرهم.أو مصدر لغير فعله، فإنّ التّحبيب والرشد فضل من اللَّه وإنعامه.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ: بأحوال المؤمنين وما بينهم من التّفاضل.

حَكِيمٌ : حين يفضل وينعم بالتّوفيق عليهم.

وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا: تقاتلوا . والجمع باعتبار المعنى، فإن كلّ طائفة جمع.

فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما: بالنّصح، والدّعاء إلى حكم اللَّه.

فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏: تعدّت عليها.

فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ: ترجع إلى حكمه وما أمر به.

و إنّما اطلق الفي‏ء على الظّلّ لرجوعه بعد نسخ الشّمس، والغنيمة لرجوعها من الكفّار إلى المسلمين.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- أنّه قال:

القتل قتلان: قتل كفّارة، وقتل درجة. والقتال قتالان: قتال الفئة الكافرة حتّى يسلموا، وقتال الفئة الباغية حتّى يفيئوا.

و في الكافي ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل [أبي- عليه السّلام-]  عن حروب أمير المؤمنين- عليه السّلام- وكان السّائل من محبينا.

فقال له أبي: إن اللَّه بعث محمّدا بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد حتّى تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها، [فإذا طلعت الشمس من مغربها]  أن النّاس كلّهم في ذلك اليوم، فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً . وسيف منها مكفوف، وسيف منها مغمد  سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا.

... إلى قوله: وأما السّيف المكفوف فسيف على أهل البغي والتّأويل، قال اللَّه- عزّ وجلّ-: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- إلى قوله- : أَمْرِ اللَّهِ. فلمّا نزلت هذه الآية قال‏رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ منكم من يقاتل بعدي على التّأويل، كما قاتلت على التّنزيل.

فسئل النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- من هو؟

قال: خاصف النّعل، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال عمّار بن ياسر، قاتلت بهذه الرّاية مع رسول اللَّه ثلاثا وهذه الرّابعة، واللَّه، لو ضربونا حتّى بلغوا بنا السّعفات من هجر ، لعلمنا أنّا على الحقّ وأنّهم على الباطل.

و كانت السّيرة فيهم من أمير المؤمنين- عليه السّلام- ما كان من رسول اللَّه في أهل مكّة يوم فتح مكة، فإنّه لم يسب لهم ذريّة، وقال: من أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن. وكذلك قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- يوم البصرة، نادى فيهم:

لا تسبوا لهم ذريّة، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تتّبعوا مدبرا، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن.

فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ: بفصل ما بينهما على ما حكم اللَّه.

و تقييد الإصلاح بالعدل ها هنا لأنّه مظنّة الحيف، من حيث إنّه بعد المقاتلة.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن الحسين، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (الآية)  قال: الفئتان . إنّما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة، وهم أهل هذه الآية، وهم الّذين بغوا على أمير المؤمنين- عليه السّلام- فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتّى يفيئوا إلى أمر اللَّه، ولو لم يفيئوا، لكان الواجب عليه فيما أنزل اللَّه ألّا يرفع السّيف عنهم حتّى يفيئوا [إلى أمر اللَّه‏]  ويرجعوا عن رأيهم، لأنّهم بايعوا طائعين غير كارهين، وهي الفئة الباغية، كما قال اللَّه- تعالى- فكان الواجب على أمير المؤمنين- عليه السّلام- أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم، كما عدل رسول اللَّه- صلَّى اللَّه عليه وآله-في أهل مكّة، إنّما منّ عليهم وعفا، وكذلك صنع أمير المؤمنين- عليه السّلام- بأهل البصرة حيث ظفر بهم مثل ما صنع النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- بأهل مكّة حذو النّعل بالنّعل.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: سألت جعفر بن محمّد - عليه السّلام- عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية والأخرى عادلة اقتتلوا، فقتل رجل من أهل العراق أباه أو ابنه أو حميمه وهو من أهل البغي وهو وارثه، هل يرثه؟

قال: نعم، لأنّه قتله بحقّ.

 

وَ أَقْسِطُوا: واعدلوا في كلّ الأمور.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ : يحمد فعلهم بحسن الجزاء.

و في مجمع البيان : والآية نزلت في [قتال حدث بين الأوس والخزرج في عهده- صلّى اللَّه عليه وآله- بالسّعف والنّعال ... عن سعيد بن جبير.

و قيل : نزلت في رهط عبد اللَّه بن ابيّ بن سلول من الخزرج ورهط عبد اللَّه بن رواحة من الأوس، وسببه أنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وقف على عبد اللَّه بن ابيّ فراث حمار رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأمسك عبد اللَّه أنفه، وقال: إليك عنّي.

فقال عبد اللَّه بن رواحة: [و اللَّه‏]  لحمار رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أطيب ريحا منك ومن أبيك. فغضب [و أعانه‏]  قومه، وأعان ابن رواحة قومه، وكان بينهما ضرب بالحديد  والأيدي والنّعال.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ: من حيث إنّهم منتسبون إلى أصل واحد هو الايمان الموجب للحياة الأبديّة. وهو تعليل وتقرير للأمر بالإصلاح، ولذلك كرّره مرتّبا عليه بالفاء .و في أصول الكافي : عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ بنو أب وأمّ، وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون.

عنه ، عن أبيه، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر  بن أبان، عن جابر الجعفيّ قال: تقبّضت بين يدي أبي جعفر- عليه السّلام- فقلت: جعلت فداك، ربّما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتّى يعرف ذلك أهلي في وجهي وصديقي.

فقال: نعم، يا جابر، إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه، ولذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه، فإذا أصاب روحا من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن، حزنت هذه، لأنّها منها.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه  ولا يظلمه [و لا يغشّه‏]  ولا يغيبه ولا يعده عدة فيخلفه.

و بإسناده  إلى أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: المؤمن أخو المؤمن، كالجسد الواحد إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالا بروح اللَّه من اتصال شعاع الشّمس بها.

و بإسناده  إلى الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- المسلم أخو المسلم، هو عينه ومرآته ودليله، لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه.

و بإسناده  إلى حفص بن البختريّ قال: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- ودخل عليه رجل.

فقال لي: تحبّه؟فقلت: نعم.

فقال لي: ولم لا تحبّه، وهو أخوك وشريكك في دينك وعونك على عدوّك، ورزقه على غيرك.

و بإسناده  إلى محمّد بن الفضيل : [عن أبي حمزة]  عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه، لأنّ اللَّه خلق المؤمنين من طينة الجنان، وأجرى في صورهم من ريح الجنّة. فذلك هم إخوة لأب وأمّ .

و بإسناده  إلى عليّ بن عقبة: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه.

أحمد بن محمّد بن عيسى ، [عن أحمد بن محمّد]  بن عبد اللَّه ، عن رجل، عن جميل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: المؤمنون خدم بعضهم لبعض.

قلت: وكيف يكونون خدما بعضهم [لبعض؟

قال: يفيد بعضهم‏]  بعضها.

 (الحديث)

و بإسناده  إلى الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ نفرا من المسلمين خرجوا إلى سفر لهم فضلّوا الطّريق، فأصابهم عطش شديد، فتكفّنوا ولزموا  أصول الشّجر، فجاءهم شيخ وعليه ثياب بيض.

فقال: قوموا فلا بأس عليكم، فهذا الماء.

فقاموا وشربوا وارتووا، فقالوا: من أنت، يرحمك اللَّه؟

فقال: أنا من الجنّ الّذين بايعوا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. إنّي سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، فلم تكونوا تضيعوا بحضرتي.

و بإسناده  إلى ربعي: عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه‏السّلام- يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله .

قال ربعي: فسألني رجل من أصحابنا بالمدينة، فقال: سمعت الفضيل يقول ذلك.

قال: فقلت له: نعم، فقال: فإني سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول:

المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يغشه [و لا يخذله‏]  ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبي عبد اللَّه، أحمد بن محمّد السّياريّ، وحسن بن معاوية، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّمالي، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه، وذلك أنّ اللَّه- تبارك وتعالى- خلق المؤمن من طينة جنان السّموات وأجرى فيهم من ريح روحه ، فلذلك هو أخوه لأبيه وأمّه.

و في بصائر الدّرجات : الحسن بن عليّ بن معاوية، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن عيسى بن أسلم، عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-:

جعلت فداك، هذا الحديث الّذي سمعته منك ما تفسيره؟

قال: وما هو؟

قال: إنّ المؤمن ينظر بنور اللَّه.

فقال: يا معاوية، إنّ اللَّه خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرّفهم نفسه، فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه، أبوه النّور وأمّه الرّحمة، وإنّما ينظر بذلك النّور [الّذي خلق منه‏] .

و في إرشاد المفيد - رحمه اللَّه-، بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ: عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه: يا فاطمة، إنّ لعليّ ثمانية أضراس قواطع لم تجعل لأحد من الأولين والآخرين [مثلها] ، هو أخي في الدّنيا والآخرة. وليس ذلك لغيره  من النّاس.و في مجمع البيان : وروى الزّهريّ، عن سالم، عن أبيه أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج اللَّه بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره اللَّه  يوم القيامة. أورده البخاريّ ومسلم في صحيحهما.

و في وصية النبيّ - صلّى اللَّه عليه وآله- لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: سر ميلًا عد مريضا، سر ميلين شيّع جنازة، سر ثلاثة [أميال‏]  أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخا في اللَّه، سر خمسة أميال أجب [دعوة]  الملهوف، سر ستة أميال  انصر المظلوم، وعليك بالاستغفار.

فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ:

وضع الظّاهر موضع الضّمير مضافا إلى المأمورين للمبالغة في التّقرير والتّخصيص، وخصّ الاثنين بالذّكر لأنّهما أقلّ من يقع بينهما الشّقاق.

و قيل : المراد بالأخوين الأوس والخزرج.

و قرئ : «بين إخوتكم» و«إخوانكم».

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة، عن حبيب الأحول قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: صدقة يحبّها اللَّه إصلاح بين النّاس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا.

عنه ، عن محمّد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- مثله.

عنه ، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لئن أصلح بين اثنين، أحبّ إليّ من أتصدّق بدينارين.

عنه ، عن أحمد بن محمّد [عن‏]  ابن سنان، عن مفضل قال: قال أبو عبد اللَّه‏- عليه السّلام-: إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي.

ابن سنان ، عن أبي حنيفة سائق  الحاجّ قال: مرّ بنا المفضّل، وأنا وختني  نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل. فأتيناه، فأصلح بيننا بأربعمائة درهم، فدفعها إلينا من عنده، [حتّى‏]  إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه قال: أما إنّها ليست من مالي، ولكن أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شي‏ء أن أصلح بينهما وأفتديهما  من ماله، فهذا من مال أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: المصلح ليس بكاذب .

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب أو معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال: أبلغ عنّي كذا وكذا. في أشياء أمر بها.

قلت: فأبلّغهم عنك، وأقول عنّي ما قلت لي وغير الّذي قلت؟

قال: نعم، إنّ المصلح ليس بكذّاب. [إنّما هو الصّلح، ليس بكذب‏] .

وَ اتَّقُوا اللَّهَ: في مخالفة حكمه والإهمال فيه.

لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ : على تقواكم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى‏ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى‏ أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ، أي: لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض، إذ قد يكون المسخور منه خيرا عند اللَّه من السّاخر.

و «القوم» مختصّ بالرّجال، لأنّه إمّا مصدر نعت به فشاع في الجمع، أو جمع لقائم، كزائر وزور. والقيام بالأمور وظيفه الرّجال، كما قال - تعالى-:الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ. وحيث فسّر بالقبيلين، كقوم عاد وفرعون، فإمّا على التّغليب، أو الاكتفاء بذكر الرّجال عن ذكرهنّ لأنّهنّ توابع. واختيار الجمع، لأنّ السّخرية تغلب في المجامع.

و «عسى» باسمها استئناف بالعلّة الموجبة للنّهي، ولا خبر لها لإغناء الاسم عنه.

و قرئ : «عسوا أن يكونوا» و«عسين أن يكنّ». فهي على هذا ذات خبر.

وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ، أي: ولا يطعن بعضكم بعضا، فإنّ المؤمنين كنفس واحدة. أو لا تفعلوا ما تلمزون به، فإنّ من فعل ما استحقّ به اللّمز فقد لمز نفسه.

و «اللّمز»: الطّعن باللّسان.

و قيل : «اللّمز» العيب في المشهد، و«الهمز» العيب في المغيب.

و قيل : إنّ «اللّمز» يكون باللّسان والعين والإشارة، و«الهمز» لا يكون إلّا باللّسان.

و قيل : معناه: ولا يلعن بعضكم بعضا.

و قيل : معناه: ولا يغتب بعضكم بعضا.

و قرأ  يعقوب، بالضّمّ.

وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ: ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السّوء، فإنّ النّبز مختصّ بلقب السّوء عرفا.

و قيل . هو كلّ اسم لم يوضع له وإذا دعي به يكرهه، فأمّا إذا كان لا يسوؤه ولا يكرهه فلا بأس به، مثل: الفقيه والقاضي.

و قيل : هو قول الرّجل للرّجل: يا كافر، يا فاسق، يا منافق.

و قيل : كان اليهوديّ والنّصرانيّ يسلم، فيقال له بعد ذلك: يا يهوديّ، أو: يا نصرانيّ، فنهوا عن ذلك.

و قيل : هو أن يعمل إنسان شيئا من القبيح ثمّ يتوب منه، فيعير بما سلف منه.و في عيون الأخبار ، في باب ما أنشده الرّضا- عليه السّلام- من الشّعر في الحلم وغيره: حدّثنا الحاكم أبو عليّ، الحسين بن أحمد البيهقيّ قال: حدثنا محمّد بن يحيى الصّوليّ قال: حدّثنا محمّد بن يحيى بن أبي عبّاد قال: حدّثني عمّي قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يوما ينشد، وقليلا ما كان ينشد شعرا:

         كلّنا يأمل مدّا في الأجل             والمنايا هنّ آفات الأمل‏

         لا تغرّنك أباطيل المنى             والزم القصد  ودع عنك العلل‏

         إنّما الدّنيا كظلّ زائل             حلّ فيه راكب ثمّ رحل‏

 فقلت: لمن هذا، أعزّ اللَّه الأمير؟

فقال: لعراقيّ لكم.

قلت: أنشدنيه أبو العتاهية لنفسه.

فقال: هات اسمه ودع هذا، إنّ اللَّه- سبحانه وتعالى- يقول: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ. ولعلّ الرجل يكره هذا.

بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ، أي: بئس الذّكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسق بعد دخولهم الإيمان، أو اشتهارهم به.

و المراد به: إمّا تهجين نسبة الكفر والفسوق إلى المؤمنين خصوصا، أو الدّلالة على أنّ التّنابز فسق والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأما قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى‏ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً (الآية)  فإنّها نزلت في صفيّة بنت حيّ بن أخطب، وكانت زوجة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وذلك أنّ عائشة وحفصة كانتا تؤذيانها وتشتمانها، وتقولان لها: يا بنت اليهوديّة. فشكت ذلك إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.فقال لها: ألا تجيبيهما؟

فقالت: بماذا، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

قال: قولي: إنّ أبي هارون نبيّ اللَّه، وعمّي موسى كليم اللَّه، وزوجي محمّد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فما تنكران منّي؟

فقالت لهما، فقالتا: هذا علّمك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. فأنزل اللَّه في ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- إلى قوله -: بَعْدَ الْإِيمانِ.

و في كتاب الخصال : عن أبان بن تغلب قال: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- إذا دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلّم عليه، فردّ [عليه السّلام‏]  وقال له:

مرحبا بك، يا سعد.

فقال له الرّجل: بهذا الاسم سمّتني أمّي، وما أقلّ من يعرفني به! فقال له أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: صدقت، يا سعد المولى.

فقال الرّجل: جعلت فداك، بهذا كنت القّب.

فقال له أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: لا خير في اللّقب، إن اللَّه يقول في كتابه:

وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ.

وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ: عمّا نهي عنه فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ : بوضع العصيان موضع الطّاعة، وتعريض النّفس للعذاب.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ: كونوا على جانب منه.

قيل : وإبهام «الكثير» ليحتاط في كلّ ظنّ ويتأمل حتى يعلم أنّه من أي القبيل، فإنّ من الظّن ما يجب اتّباعه، كالظّنّ حيث لا قاطع فيه من العمليّات، وحسن الظّنّ باللَّه، وما يحرم، كالظّنّ في الإلهيّات والنّبوّات وحيث يخالفه قاطع، وظنّ السّوء بالمؤمنين، وما يباح، كالظّنّ في الأمور المعاشيّة.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن الحسين بن حازم، عن حسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه- إلى قوله-: بعدنقل حديث عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-. وقبل هذا: عليّ بن إبراهيم : عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-. ونقل حديثا- أيضا- عنه، عن أبيه، عمن حدّثه، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا.

و بإسناده» إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: قال اللَّه- تعالى-: ولا يتّكل العاملون على أعمالهم الّتي يعملونها لثوابي، فإنّهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصّرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي.

... إلى قوله: ولكن برحمتي فليثقوا، وفضلي فليرجوا، وإلى حسن الظّنّ بي فليطمئنّوا.

و بإسناده  إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وجدنا في كتاب عليّ- عليه السّلام- أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: وهو على منبره:

و الّذي لا إله إلّا هو، ما اعطي مؤمن قطّ خير الدّنيا والآخرة إلّا بحسن ظنّه باللَّه ورجائه له وحسن خلقه والكفّ عن اغتياب المؤمنين.

و الّذي إلّا هو، لا يعذّب اللَّه مؤمنا بعد التّوبة والاستغفار إلّا بسوء ظنّه باللَّه [و تقصيره  من رجائه‏]  وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين.

و الّذي لا إله إلّا هو، لا يحسن ظن عبد مؤمن باللَّه إلّا كان اللَّه عند ظنّ عبده المؤمن، لأنّ اللَّه كريم بيده الخيرات يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظّنّ ثمّ يخلف ظنّه ورجاءه، فأحسنوا باللَّه الظّنّ وارغبوا  إليه.

و بإسناده  إلى الرّضا- عليه السّلام- قال: أحسن الظّنّ باللَّه، فإنّ اللَّه‏- عزّ وجلّ- يقول: أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا.

و بإسناده  إلى سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: حسن الظّنّ باللَّه ألّا ترجو إلّا اللَّه، ولا تخاف إلّا ذنبك.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب: اطرحوا سوء الظّنّ بينكم، فإنّ اللَّه نهى عن ذلك.

و في نهج البلاغة : وقال- عليه السّلام-: إذا استولى الصّلاح على الزّمان وأهله ثم أساء رجل الظّنّ برجل لم تظهر منه حوبة  فقد ظلم، وإذا استولى الفساد على الزّمان وأهله ثمّ أحسن رجل الظّنّ برجل فقد غرّر.

و في مجمع البيان : وفي الحديث: إيّاكم والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب  الحديث.

إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ: تعليل مستأنف للأمر.

و «الإثم» الذّنب الّذي يستحقّ العقوبة عليه، والهمزة فيه [بدل‏]  من الواو، كأنّه يثم الأعمال، أي: يكسرها.

وَ لا تَجَسَّسُوا: ولا تبحثوا عن عورات المسلمين. تفعّل، من الجسّ، باعتبار ما فيه من معنى الطّلب، كالتّلمّس.

و قرئ ، بالحاء، من الحسّ: الّذي هو أثر الجسّ وغايته. ولذلك قيل للحواسّ: الجواسّ.

و في أصول الكافي : بإسناده إلى عبد اللَّه بن بكير: عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قالا: أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرّجل على الدّين، فيحصي عليه عثراته وزلّاته ليعنّفه بها يوما ما.

و بإسناده  إلى زرارة: عن أبي جعفر- عليه السّلام- نحوه، بتغيير يسير غير مغيّر للمعنى.و بإسناده  إلى ابن بكير: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: أبعد ما يكون العبد من اللَّه أن يكون الرّجل يؤاخي الرجل وهو يحفظ زلّاته ليعيّره بها يوما ما.

و بإسناده  إلى محمّد بن مسلم أو  الحلبيّ: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال:

قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإنّه من تتبع عثرات أخيه تتبّع اللَّه عثراته ، ومن تتبّع اللَّه عثراته  يفضحه ولو في جوف بيته.

و بإسناده  إلى أبي بصير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه، لا تتّبعوا عثرات المسلمين. فإنّه من تتبّع عثرات المسلمين، تتبّع اللَّه عثرته، ومن تتبّع اللَّه عثرته، يفضحه.

و بإسناده  إلى إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول:

قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم. فإنّه من تتبّع عوراتهم، تتبّع اللَّه عورته، ومن تتبّع اللَّه- تعالى- عورته، يفضحه ولو في بيته.

و بإسناده  إلى أبي الجارود: عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً: ولا يذكر بعضكم بعضا بالسّوء في غيبته.

أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً: تمثيل لما يناله المغتاب [عن عرض المغتاب‏]  على أحفش وجه، مع مبالغات الاستفهام المقرّر، وإسناد الفعل إلى «أحد» للتّعميم، وتعليق المحبّة بما هو في غاية الكراهة، وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، وجعل المأكول أخا وميتا، وتعقيب ذلك بقوله: فَكَرِهْتُمُوهُ: تقريرا وتحقيقا لذلك.

و المعنى: إن صحّ ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه، ولا يمكنكم إنكار كراهته.

و انتصاب «ميتا» على الحال من «اللّحم» أو «الأخ». وشدّده نافع.و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب: إيّاكم وغيبة المسلم فإنّ المسلم لا يغتاب أخاه، وقد نهى اللَّه [- عزّ وجلّ- عن ذلك فقال: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ‏]  أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً.

عن أسباط بن محمّد ، بإسناده، إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- انه قال:

الغيبة أشدّ من الزنا.

فقيل: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ولم ذلك؟

قال: صاحب الزّنا يتوب فيتوب اللَّه عليه، وصاحب الغيب يتوب فلا يتوب اللَّه عليه حتّى يكون صاحبه الّذي يخلّه .

عن عبد اللَّه بن سنان ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ثلاث من كنّ فيه أوجبن له على النّاس أربعا: من إذا حدّثهم لم يكذبهم، وإذا خالطهم لم يظلمهم، وإذا وعدهم لم يخلفهم، وجب أن تظهر في النّاس  عدالته، وتظهر فيهم مروّته، وأن تحرم عليه غيبته، وأن تجب عليهم أخوّته .

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة، وبإسناده قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من عامل النّاس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروّته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوّته، وحرمت غيبته.

و في أصول الكافي»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن العباس [بن عامر] ، عن أبان، عن رجل لا نعلمه إلّا يحيى الأزرق قال: قال أبو الحسن- عليه السّلام-: من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه النّاس لم يغتبه، ومن ذكره من‏خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه النّاس اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته.

و بإسناده  إلى عبد الرّحمن بن سيابة قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللَّه عليه وأمّا الأمر  الظّاهر فيه مثل الحدّة والعجلة فلا، والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه.

و بإسناده  إلى داود بن سرحان قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن الغيبة.

قال: هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، وتبثّ عليه أمرا قد ستره اللَّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ.

و بإسناده  إلى السّكونيّ: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الغيبة أسرع في دين الرّجل المسلم من الاكلة  في جوفه.

و قال : قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الجلوس في المسجد انتظارا للصّلاة عبادة ما لم يحدث.

قيل: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وما يحدث؟

قال: الاغتياب.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن حفص بن عمر، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سئل النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما كفّارة الاغتياب؟

قال: تستغفر اللَّه لمن اغتبته كلّما ذكرته.

و في من لا يحضره الفقيه ، في مناهي الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله-: ونهى عن الغيبة، وقال: من اغتاب امرا مسلما بطل صومه، ونقض وضوؤه، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذّى بها أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرّم اللَّه- عزّ وجلّ-.ألا ومن تطول على أخيه في غيبة  سمعها فيه في مجلس فردّها عنه ردّ اللَّه عنه ألف باب من الشرّ في الدّنيا والآخرة، فإن هو لم يردّها وهو قادر على ردّها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرّة.

و في مجمع البيان : في الحديث: قولوا في الفاسق ما فيه كي يحذره النّاس.

و عن جابر  قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إيّاكم والغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزّنا.

ثمّ قال: إنّ الرّجل يزني ثمّ يتوب فيتوب  اللَّه عليه، وإنّ صاحب الغيبة لا يغفر له إلّا أن يغفر له صاحبه.

و في الحديث : إذا ذكرت الرّجل بما فيه ممّا يكرهه فقد اغتبته، فإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه.

و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريستي ، بإسناده إلى أبي ذرّ: عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: يا باذرّ، إيّاك والغيبة فإنّ الغيبة أشدّ من الزّنا.

قلت: يا رسول اللَّه، ولم ذاك، فداك أبي وأمّي؟

قال: لأنّ الرّجل يزني فيتوب فيقبل اللَّه توبته، والغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها.

و في جوامع الجامع : وروي أنّ أبا بكر وعمر بعثا سلمان إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ليأتي لهما بطعام، فبعثه إلى أسامة بن زيد وكان خازن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على رحله، فقال: ما عندي شي‏ء.

فعاد إليهما، فقالا: بخل أسامة، ولو بعثنا سلمان إلى بئر سميحة لغار ماؤها.

ثمّ انطلقا إلى رسول اللَّه، فقال لهما: ما لي أرى خضرة اللّحم في أفواهكما؟

قالا: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ما تناولنا اليوم لحما.

قال: ظللتم  تأكلون لحم سلمان وأسامة: فنزلت.وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ:  لمن اتّقى ما نهى عنه، وتاب ممّا فرط منه.

و المبالغة في «التّواب» لأنّه بليغ في قبول التّوبة إذ يجعل صاحبها كمن لم يذنب، أو لكثرة المتوب عليهم. أو لكثرة ذنوبهم.

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‏: من آدم وحوّاء، أو خلقنا كلّ واحد منكم من أب وأمّ، فالكلّ سواء في ذلك فلا وجه للتّفاخر بالنسب.

و يجوز أن يكون تقريرا للأخوة المانعة من الاغتياب.

وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ.

 «الشّعب» الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد، وهو يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن يجمع الأفخاذ، والفخذ يجمع الفضائل.

فخزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصيّ بطن، وهاشم فخذ، وعبّاس فصيلة.

لِتَعارَفُوا: ليعرف بعضكم بعضا، لا للتّفاخر بالآباء والقبائل.

و قرئ : «لتعارفوا» بالإدغام، و«لتتعارفوا»، و«لتعرفوا».

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ: فإنّ التّقوى بها تكمل النّفوس وتتفاضل الأشخاص، فمن أراد شرفا فليتمس منها، كما

قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: من سرّه أن يكون أكرم النّاس فليتّق اللَّه.

و قال : يا أيّها النّاس، إنّما النّاس رجلان: رجل مؤمن تقيّ كريم على اللَّه، وفاجر شقيّ هيّن على اللَّه.

و في عيون الأخبار ، في باب قول الرّضا- عليه السّلام- لأخيه زيد بن موسى، حين افتخر على من في مجلسه: حدّثنا الحاكم أبو [علي‏]  الحسين بن أحمد البيهقيّ قال:

حدّثني محمّد بن يحيى الصّوليّ قال: حدّثني أبو عبد اللَّه، محمّد بن موسى بن نصر الرّازيّ قال: سمعت أبي يقول: قال رجل للرّضا- عليه السّلام-: واللَّه، ما على وجه الأرض‏أشرف منك أبا [و جدّا] .

فقال: التّقوى شرّفتهم، وطاعة اللَّه أحظتهم .

فقال له آخر: أنت، واللَّه، خير النّاس.

فقال له: لا تحلف، يا هذا، خير منّي من كان أتقى اللَّه - تعالى- وأطوع له.

و اللَّه، ما نسخت هذه الآية: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا قال:

 «الشّعوب العجم، و«القبائل» العرب. وقوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» هو ردّ على من يفتخر بالأحساب والأنساب.

و قال رسول اللَّه - صلّى اللَّه عليه وآله- يوم فتح مكّة: يا أيّها النّاس، إنّ اللَّه قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهليّة وتفاخرها بآبائها، إنّ العربيّة ليست بأب ووالدة، وإنّما هو لسان ناطق، فمن تكلّم به فهو عربي. ألا إنّكم من آدم وآدم من التّراب، وإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ .

أخبرنا الحسن بن عليّ ، عن أبيه، عن الحسن بن سعيد، عن الحسين بن علوان [الكلبيّ‏] ، عن عليّ بن الحسين العبديّ، عن أبي هارون العبديّ، عن ربيعة السّعديّ ، عن حذيفة بن اليماني  قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ اللَّه خلق الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسما، وذلك قوله: «و أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال»  فأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير  أصحاب اليمين .

ثمّ جعل القسمين أثلاثا، فجعلني في خيرها أثلاثا ، وذلك قوله :فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، [أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‏] . فأنا من السّابقين، وأنا خير السّابقين.

ثمّ جعل الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‏ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ. فقبيلتي خير القبائل، وأنا سيّد ولد  أولاد آدم وأكرمكم على اللَّه ولا فخر.

 (الحديث).

و في مجمع البيان : وقيل: أراد بالشّعوب الموالي، وبالقبائل العرب. في رواية عطاء، عن ابن عبّاس.

و إلى هذا ذهب قوم فقالوا: الشّعوب من العجم، والقبائل من العرب، والأسباط من بني إسرائيل. وروي ذلك عن الصّادق- عليه السّلام-.

و روي  عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: يقول اللَّه يوم القيامة: أمرتكم فضيّعتم ما عهدت إليكم فيه ورفعتم أنسابكم، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، أين المتّقون إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.

و روي  أنّ رجلا سأل عيسى بن مريم: أيّ النّاس أفضل؟

فأخذ قبضتين من تراب، ثمّ قال: أيّ هاتين أفضل؟ النّاس خلقوا من تراب، فأكرمهم أتقاهم.

أبو بكر البيهقيّ ، بالإسناد: عن عباية  بن ربعي، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ اللَّه جعل الخلق قسمين، فجعلني في خيرهم  قسما، وذلك قوله: «و أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال»  فأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير  أصحاب اليمين.

ثمّ جعل القسمين أثلاثا، فجعلني في خيرها ثلثا ، وذلك قوله: «و أصحاب‏الميمنة وأصحاب المشأمة»  السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . فأنا من السّابقين، وأنا خير السّابقين.

ثمّ جعل الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ (الآية) فأنا أتقى ولد آدم [و لا فخر]  وأكرمهم على اللَّه ولا فخر.

ثمّ جعل القبائل بيوتا، فجعلني في خيرها بيتا، وذلك قوله : إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. فأنا وأهلي مطهّرون من الذّنوب.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى الحسين بن خالد قال :

قال [عليّ بن موسى‏]  الرّضا- عليه السّلام-: لا دين لمن لا ورع له، ولا أيمان  لمن لا تقية له، وإنّ أكرمكم عند اللَّه أعملكم بالتّقيّة.

و في اعتقادات الإماميّة  للصّدوق: وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن قول اللَّه:

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.

قال: أعملكم بالتّقيّة.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عمر بن أبي بكار، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- زوّج مقداد بن الأسود ضباعة بنت الزّبير بن عبد المطّلب، وإنّما زوّجه لتتّضع المناكح وليتأسّوا برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-، وليعلموا أنّ أكرمهم عند اللَّه أتقاهم.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن هام بن سالم، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- زوّج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزّبير [بن عبد المطّلب، ثمّ قال: إنّما زوّجها المقداد لتتّضع المناكح. ولتتأسّوا  برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ولتعلموا أنّ أكرمكم عند اللَّه‏أتقاكم. وكان الزّبير]  أخا عبد اللَّه وأبي طالب لأبيهما وأمّهما.

و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنّان بن  عقبة بن بشير الأسديّ قال: [قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-:

أنا عقبة بن بشير الأسديّ وأنا في الحسب الضخم من قومي.

قال: فقال: ما تمنّ علينا بحسبك. إن اللَّه رفع بالإيمان من كان النّاس يسمّونه وضيعا]  إذا كان مؤمنا، ووضع بالكفر من كان النّاس يسمّونه شريفا إذا كان  كافرا.

فليس لأحد فضل على أحد إلّا بالتّقوى.

و في كتاب مقتل  الحسين  لأبي مخنف، من كلامه في موقف كربلاء: أما أنا ابن بنت نبيّكم، فو اللَّه، ما بين المشرق والمغرب لكم ابن بنت نبيّ غيري.

و من كلامه  للشّمر- لعنه اللَّه-: يا ويلك، من أنا؟

فقال: الحسين، وأبوك عليّ بن أبي طالب، وأمّك فاطمة الزّهراء، وجدّك محمّد المصطفى.

فقال له الحسين : يا ويلك، إذا عرفت بأنّ هذا حسبي ونسبي فلم تقتلني؟

و من أشعاره- عليه السّلام- :

         أنا بن عليّ الطّهر  من آل هاشم             كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

         وفاطم أمّي ثمّ  جدّي محمّد             وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر          ونحن ولاة الحوض نسقي محبّنا             بكأس رسول اللَّه من  ليس ينكر

          [إذا ما أتى يوم القيامة ظاميا             إلى الحوض يسقيه بكفّيه حيدر]

و من أشعاره- أيضا- :

         خيرة اللَّه من الخلق أبي             بعد جدّي فأنا بن الخيرتين‏

         أمّي الزّهراء حقّا وأبي             وارث العلم ومولى الثّقلين‏

         فضّة قد صفيت من ذهب              فأنا الفضّة وابن الذّهبين‏

         والدي شمس وأمّي قمر             فأنا الكوكب وابن القمرين‏

         عبد اللَّه غلاما يافعا             وقريش يعبدون الوثنين‏

         من له جدّ كجدّي في الورى             أو كأمّي في جميع المشرقين

         خصّه اللَّه بفضل وتقى             فأنا الأزهر وابن الأزهرين

          [جوهر من فضّة مكنونة             فأنا الجوهر وابن الدرّتين‏]           [جدّي المرسل مصباح الدّجى             وأبي الموفي بالبيعتين‏]

          [و الذي خاتمه جاد به             حين وافى رأسه للركعتين‏]

         أيّده اللَّه بطهر طاهر             صاحب الأمر ببدر وحنين‏

         ذاك واللَّه عليّ المرتضى             ساد بالفضل جميع  الحرمين‏

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن حنّان قال: سمعت أبي يروي، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد، فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتّى بلغوا سلمان.

فقال له عمر بن الخطّاب: أخبرني من أنت، ومن أبوك، وما أصلك؟

فقال: أنا سلمان بن عبد اللَّه، كنت ضالّا فهداني اللَّه- عزّ وجلّ- بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وكنت عائلا فأغناني اللَّه بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-، وكنت مملوكا فأعتقني اللَّه بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- هذا نسبي، وهذا حسبي.

قال: فخرج النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وسلمان- رضي اللَّه عنه- يكلّمهم.

فقال له سلمان: يا رسول اللَّه،- صلّى اللَّه عليه وآله- ما لقيت من هؤلاء، جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إليّ قال عمر بن الخطّاب: من أنت وما أصلك وما حسبك؟

فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: فما قلت له [يا سلمان‏] ؟

قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد اللَّه، كنت ضالّا فهداني اللَّه- عزّ ذكره- بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. وكنت عائلا، فأغناني اللَّه- عزّ ذكره- بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- . وكنت مملوكا فأعتقني اللَّه- عزّ ذكره- بمحمد- صلّى اللَّه عليه وآله- هذا نسبي، وهذا حسبي.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا معشر قريش، إنّ حسب الرّجل دينه ومروءته خلقه، وأصله عقله، قال اللَّه- تعالى-: إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‏- إلى قوله- : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.

ثم قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- لسلمان: ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلّا بتقوى اللَّه- عزّ وجلّ-. وإن كان التّقوى لك عليهم، فأنت أفضل.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحجّال، عن جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: فما الكرم؟

قال: التّقوى‏

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى يونس بن ظبيان، عن الصّادق [جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه قال: حدّثني أبي‏] ، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: أعبد النّاس من أقام الفرائض.

... إلى قوله: وأكرم النّاس أتقاهم، وأتقى النّاس من قال الحقّ فيما له وعليه.

 (الحديث)

و روى عليّ بن مهزيار : عن الحسن بن سعيد، عن الحارث  بن محمّد [بن‏]  النّعمان الأحوال، صاحب الطّاق، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من أحبّ أن يكون أتقى النّاس، فليتوكّل على اللَّه.إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ: بكم. خَبِيرٌ : ببواطنكم.

قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا نزلت  في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشّهادتين، وكانوا يقولون لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك، كما قاتل بنو فلان، يريدون الصّدقة ويمنّون.

قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا: إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب، ولم يحصل لكم، وإلّا لما مننتم على الرسول بالإسلام وترك المقاتلة، كما دلّ عليه آخر السّورة.

وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا: فإن الإسلام انقياد ودخول في السّلم وإظهار الشّهادتين ، وترك المحاربة يشعر به.

و كان نظم الكلام أن يقول: لا تقولوا آمنّا ولكن قولوا أسلمنا إذ لم تؤمنوا ولكن أسلمتم. فعدل منه إلى هذا النّظم احترازا من النّهي عن القول بالإيمان والجزم بإسلامهم، وقد فقد شرط اعتباره شرعا .

وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ: توقيت  «لقولوا»، فإنّه حال من ضميره، أي: ولكن قولوا: أسلمنا ولم تواطئ قلوبكم ألسنتكم بعد.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ.

فقال: ألا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، [و عدّة من أصحابنا] ، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن الوشّاء، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

سمعته يقول: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا. فمن زعم أنّهم‏آمنوا فقد كذب، ومن زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب .

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد [و محمّد بن زياد]  ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: الإسلام لا يشرك الإيمان [و الإيمان يشرك الإسلام‏] ، وهما في القول والفعل يجتمعان، كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة، وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان، وقد قال اللَّه- عزّ وجلّ-: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ. فقول اللَّه- عزّ وجلّ- أصدق القول.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن [محمّد بن‏]  عيسى، عن عليّ بن النّعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يا سليمان، أ تدري من المسلم؟

قلت: جعلت فداك، أنت أعلم.

قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

ثمّ قال: وتدري من المؤمن؟

قال: قلت: أنت أعلم.

قال: المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم، والمسلم حرام على المسلم أن يخذله أو يظلمه أو يدفعه دفعة تعتته .

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عمّن ذكره، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال في حديث طويل: إنّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون‏و يتناكحون، والإيمان عليه يثابون.

عليّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الرّحيم القصير قال: كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أسأله عن الإيمان ما هو؟

فكتب إليّ مع عبد الملك بن أعين: سألت- رحمك اللَّه- عن الإيمان، والإيمان هو الإقرار باللّسان وعقد في القلب وعمل بالأركان، والإيمان بعضه من بعض، وهو دار وكذلك الإسلام دار والكفر دار، فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتّى يكون مسلما، فالإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان.

فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي، أو صغيرة من صغائر المعاصي الّتي نهى اللَّه- عزّ وجلّ- عنها، كان خارجا من الإيمان ساقطا عنه اسم [الإيمان وثابتا  عليه اسم‏]  الإسلام.

فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان، ولا يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود والاستحلال أن يقول للحلال: هذا حرام، وللحرام: هذا حلال. ودان بذلك، فعندها يكون خارجا من الإيمان والإسلام داخلا في الكفر، وكان بمنزلة من دخل الحرم ثمّ دخل [في الكعبة]  وأحدث في الكعبة حدثا، فاخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النّار.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألته عن الإيمان والإسلام، قلت له: أفرق بين الإسلام والإيمان؟

قال: فأضرب لك مثلا؟

قال: قلت: أورد ذلك.

قال: مثل الإيمان والإسلام مثل الكعبة الحرام من الحرام، قد يكون في الحرم ولا يكون في الكعبة، ولا يكون في الكعبة حتّى يكون في الحرم، وقد يكون مسلما [و لا يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتّى يكون مسلما] .قال: قلت: فيخرج من الإيمان شي‏ء؟

قال: نعم.

قلت: فمصيره  إلى ما ذا؟

قال: إلى الإسلام أو الكفر.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سماعة قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أخبرني عن الإسلام والإيمان، أ هما مختلفان؟

فقال: إنّ الإيمان يشارك الإسلام، والإسلام لا يشارك الإيمان.

فقلت: فصفهما لي.

فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، والتّصديق برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- به حقنت الدّماء  وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة النّاس.

و الإيمان الهدى، وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام، وما ظهر من العمل به. والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة، إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظّاهر، والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن وإنّ اجتمعا في القول  والصّفة.

محمّد بن يحيى  [عن أحمد بن محمّد] ، عن عليّ بن الحكم، عن سفيان بن السمط  قال: سأل رجل أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن الإسلام والإيمان، ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه [ثمّ سأله فلم يجبه‏] ، ثمّ التقيا في الطّريق وقد أزف من الرّجل الرّحيل.

فقال له أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: كأنّه قد أزف منك رحيل؟

 [فقال: نعم‏] .

فقال: فألقني في البيت. فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟

قال: الإسلام هو الظّاهر الّذي عليه [النّاس‏]  شهادة أن لا إله إلّا اللَّه  وأنّ‏محمّدا رسول اللَّه ، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان، فهذا الإسلام.

و قال: الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما وكان ضالّا.

و في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن الصّادق- عليه السّلام- قال: هذه شرائع الدّين.

... إلى أن قال: والإسلام غير الإيمان، وهو كلّ مؤمن مسلم وليس كلّ مسلم مؤمنا .

عن أبي بصير  قال: كنت عند أبي جعفر- عليه السّلام- فقال له رجل: أصلحك اللَّه، إنّ بالكوفة قوما يقولون مقالة ينسبونها إليك.

قال: وما هي؟

قال: يقولون: الإيمان غير الإسلام.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: نعم.

فقال الرّجل: صفه لي.

فقال: من شهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأقرّ بما جاء من عند اللَّه، وأقام الصّلاة، وآتى الزكاة، وصام شهر رمضان، وحجّ البيت [فهو مسلم.

فقلت: فالإيمان؟

قال: من شهد ألّا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّدا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأقرّ بما جاء من عند اللَّه، وأقام الصّلاة، وآتى الزّكاة، وصام شهر رمضان، وحجّ البيت‏]  ولم يلق اللَّه بذنب أوعد عليه النّار فهو مؤمن.

 [قال له أبو بصير: جعلت فداك، وأيّنا لم يلق اللَّه بذنب أوعد عليه النار؟]  فقال: ليس هو حيث تذهب، إنّما هو لم يلق اللَّه بذنب أوعد عليه النّار ولم‏يتب منه.

و روى أنس ، عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: الإسلام علانية، والإيمان في القلب. وأشار إلى صدره.

وَ إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: بالإخلاص وترك النّفاق.

لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً: لا ينقصكم من أجورها. من لات ليتا: إذا نقص.

و قرأ  البصريّان: «لا يألتكم» من الألت، وهو لغة غطفان.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ: لما فرط من المطيعين. رَحِيمٌ : بالتفضّل عليهم.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا: لم يشكّوا. من ارتاب، مطاوع رابه: إذا أوقعه في الشّكّ مع التّهمة.

و فيه إشارة إلى ما أوجب نفي الإيمان عنهم.

و «ثمّ» للإشعار بأنّ اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان ليس حال الإيمان فقط، بل فيه وفيما يستقبل، فهي كما في قوله : «ثمّ استقاموا».

وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: في طاعته.

و المجاهدة بالأموال والأنفس تصلح للعبادات الماليّة والبدنيّة بأسرها.

أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ : الّذين صدقوا في ادّعاء الإيمان.

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا]  عليّ بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن حفص بن غياث، عن مقاتل بن سليمان، عن الضّحّاك بن مزاحم، عن ابن عبّاس أنّه قال في قول اللَّه- عزّ وجل-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ- إلى قوله -: هُمُ الصَّادِقُونَ قال ابن عبّاس: ذهب [عليّ- عليه السّلام-]  بشرفها وفضلها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا- أي: لم يشكّوا- وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏]  قال: نزلت في‏أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ: أ تخبرونه به بقولكم: آمنّا.

وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ : لا يخفى عليه خافية. وهو تجهيل لهم، وتوبيخ.

روي : أنّه لمّا نزلت الآية المتقدّمة جاؤوا وحلفوا أنّهم مؤمنون معتقدون، فنزلت هذه الآية.

يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا: يعدّون إسلامهم عليك منّة، وهي النّعمة الّتي لا يستثيب موليها ممن بزلها إليه. من المنّ، بمعنى: القطع. لأنّ المقصود بها قطع حاجته.

و قيل : النّعمة الثّقيلة من المنّ.

قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ: [أي: بإسلامكم‏]  فنصب بنزع الخافض، أو تضمين الفعل معنى الاعتداد .

بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ: على ما زعمتم، مع أنّ الهداية لا تستلزم الاهتداء.

و قرئ : «إن هداكم» بالكسر، و«إذ هداكم».

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : في ادّعاء الإيمان.

و جوابه محذوف يدلّ عليه ما قبله، أي: فللَّه المنة عليكم.

و في سياق الآية لطف، وهو أنّهم لمّا سمّوا ما صدر عنهم إيمانا ومنّوا به فنفى أنّه إيمان وسمّاه إسلاما، بأن قال: يمنّون عليك  بما هو في الحقيقة إسلام، وليس بجدير أن يمنّ عليك، بل لو صحّ ادّعاؤهم للإيمان فللَّه المنّة عليه بالهداية له لا لهم.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، [عن أبيه،]  عن عليّ بن أسباط، عن أحمد بن عمر الحلّال، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: عن العجب الّذي يفسد العمل.

فقال: العجب درجات، منها أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنّه يحسن، صنعا  ومنها أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على اللَّه وللَّه عليه فيه المنّ.

و في شرح الآيات الباهرة : ذكر الشيخ أبو جعفر الطّوسيّ- رحمه اللَّه- في كتاب «مصباح الأنوار»، بإسناده عن رجاله، يرفعه إلى جابر بن عبد اللَّه قال: كنت عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في حفر الخندق، وقد حفر النّاس وحفر عليّ- عليه السّلام-.

فقال له النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: [بأبي‏]  من يحفر وجبرئيل يكنس التّراب بين يديه، ويعينه ميكائيل ولم يكن يعين أحدا من الخلق قبله.

ثمّ قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- لعثمان بن عفان: احفر.

فغضب عثمان، وقال: لا يرضي محمّد أن أسلمناه على يده حتّى يأمرنا بالكدّ.

فأنزل اللَّه على نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ- إلى قوله -:

صادِقِينَ.

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: ما غاب فيهما.

وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ : في سرّكم وعلانيتكم، فكيف يخفى عليه ما.

في ضمائركم.

و قرأ  ابن كثير، بالياء، لما في الآية من الغيبة.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا نزلت في عثمان يوم الخندق. وذلك أنّه مرّ بعمّار بن ياسر وهو يحفر الخندق، وقد ارتفع  الغبار من الحفرة، فوضع عثمان  كمّه على أنفه ومرّ.

فقال عمّار: لا يستوي من يعمر  المساجد فيصلّي فيها راكعا وساجدا، كمن يمرّ بالغبار حائدا يعرض عنه جاحدا معاندا.

فالتفت إليه عثمان فقال: يا ابن السّوداء، إيّاي تعني؟ ثمّ أتى رسول اللَّه- صلّى‏اللَّه عليه وآله- فقال له: لم ندخل معك لتسبّ أعراضنا.

فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: قد أقلتك إسلامك، فاذهب.

فأنزل اللَّه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ- إلى قوله -: صادِقِينَ، أي: ليس هم صادقين .

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ- إلى قوله - تَعْمَلُونَ.