سورة الدّخان‏

سورة الدّخان مكّيّة، إلّا قوله- تعالى-: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ. (الآية) وهي سبع، أو تسع وخمسون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي حمزة قال: [قال أبو جعفر- عليه السّلام-:]  من أدمن على قراءة سورة الدّخان  في فرائضه ونوافله بعثه اللَّه من الآمنين يوم القيامة: وظلّله تحت عرشه، وحاسبه حسابا يسيرا، وأعطاه كتابه بيمينه.

و في مجمع البيان : وروى أبو حمزة الثماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

من قرأ سورة الدّخان في فرائضه- ونقل مثل ما نقلناه [عن ثواب الأعمال‏]  سواء.

ابيّ بن كعب ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة الدّخان في ليلة الجمعة، غفر له.

أبو هريرة ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: من قرأ سورة الدّخان في ليلته أصبح يستغفر له ألف ملك.

و عنه  [عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-]  قال: من قرأها في ليلة جمعة، أصبح‏مغفورا له.

أبو أسامة ، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: من قرأ سورة الدّخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، بنى اللَّه له بيتا في الجنّة.

و في أصول الكافي : بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال السّائل: يا ابن رسول اللَّه، كيف أعرف أنّ ليلة القدر تكون في كلّ سنة؟

قال: إذا أتى شهر رمضان، فاقرأ سورة الدّخان في كلّ ليلة مائة مرّة، فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين، فإنّك ناظر إلى تصديق الّذي سألت عنه.

حم .

قد مرّ بعض معانيه.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وأمّا «حم» فمعناه: الحميد المجيد.

وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ : القرآن. والواو للعطف إن كان «حم» مقسما به وإلّا فللقسم ، والجواب قوله : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ قيل : في ليلة القدر. أو البراءة ابتدئ فيها إنزاله. أو انزل فيها جملة إلى السّماء الدّنيا من اللّوح [المحفوظ]  ثمّ انزل على الرّسول نجوما، وبركتها لذلك، فإنّ نزول القرآن سبب المنافع الدّينيّة والدّنيويّة. أو لما فيها من نزول الملائكة والرّحمة، وإجابة الدّعوة، وقسم النّعمة، وفصل الأقضية.

و في مجمع البيان : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ، أي:

أنزلنا القرآن، واللّيلة المباركة هي ليلة القدر. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام-.

إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ : استئناف يبيّن المقتضي وللإنزال، وكذلك قوله:

فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ : فإنّ كونها مفرق الأمور المحكمة والملتبسة بالحكمةيستدعي أن ينزّل فيها القرآن، الّذي هو من عظائمها.

و يجوز أن يكون صفة «لليلة مباركة» وما بينهما اعتراض.

و قرئ : «يفرق» بالتّشديد. و«يفرق كلّ»، أي: يفرقه اللَّه. و«نفرق» بالنون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللَّه-: إِنَّا أَنْزَلْناهُ، يعني: القرآن. فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ وهي ليلة القدر.

أنزل اللَّه القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في طول عشرين سنة . فِيها يُفْرَقُ، أي: في ليلة القدر. كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أي: يقدّر اللَّه كلّ أمر من الحقّ والباطل، وما يكون في تلك السّنة، وله فيه البداء والمشيئة، يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض [و الأمراض‏]  ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء، ويلقيه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- ويلقيه أمير المؤمنين- عليه السّلام- إلى الأئمّة- عليهم السّلام- حتّى ينتهي ذلك إلى صاحب الزّمان، ويشترط له فيه البداء والمشيئة والتّقديم والتأخير. قال: حدّثني بذلك أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللَّه وأبي الحسن- عليهما السّلام-.

و حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن يونس، عن داود بن فرقد، عن أبي المهاجر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يا أبا المهاجر لا تخفى علينا ليلة القدر، وإنّ الملائكة يطوفون بنا فيها.

و في أصول الكافي : بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال اللَّه- تعالى- في ليلة القدرة: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [يقول: ينزل فيها كلّ أمر حكيم،]  والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شي‏ء واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف، فحكمه من‏حكم اللَّه، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأي أنّه مصيب  فقد حكم بحكم الطّاغوت، إنّه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر  تفصيل  الأمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر النّاس بكذا وكذا، وإنّه ليحدث لوليّ الأمر سوى ذلك كلّ  يوم علم اللَّه- عزّ وجلّ ذكره- الخاص و المكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك اللّيلة من الأمر. ثمّ قرأ: وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

و بإسناده  إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يا معشر الشّيعة، خاصموا بسورة «إنّا أنزلناه» تفلجوا ، فو اللَّه، إنّها لحجّة اللَّه على الخلق بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وإنّها لسيّدة دينكم، وإنّها لغاية علمنا.

يا معشر الشّيعة، خاصموا ب حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ،: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فإنّها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

يا معشر الشّيعة، يقول اللَّه : وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ.

قيل: يا أبا جعفر، نذيرها محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قال: صدقت، فهل كان نذير وهو حيّ من البعثة في أقطار الأرض؟

فقال السّائل: لا.

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: أ رأيت بعيثه أ ليس نذيره، كما أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في بعثته من اللَّه نذير؟

فقال: بلى.

قال: فكذلك لم يمت محمّد إلا وله بعيث نذير.

فإن قلت: لا، فقد ضيّع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من في أصلاب الرّجال من أمّته.قال: وما يكفيهم القرآن؟

قال: بلى، إن وجدوا له مفسّرا.

قال: وما فسره رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

قال: بلى، قد فسره لرجل واحد، وفسّر للأمّة شأن ذلك الرّجل، وهو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

 (الحديث).

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب [عن أبي حمزة] ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا قبض أمير المؤمنين- عليه السّلام- قام الحسن بن عليّ في مسجد الكوفة، فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-.

ثم قال: أيّها النّاس، إنّه قد قبض في هذه اللّيلة رجل ما سبقه الأوّلون ولا يدركه الآخرون. واللَّه، لقد قبض في اللّيلة الّتي قبض فيها وصي موسى يوشع بن نون، واللّيلة الّتي عرج فيها بعيسى بن مريم، واللّيلة التي نزل فيها القرآن.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

أحمد بن مهران  وعليّ بن إبراهيم، جميعا، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال: كنت عند أبي الحسن، موسى- عليه السّلام- إذ أتاه رجل نصرانيّ، فقال: إنّي أسألك، أصلحك اللَّه .

فقال: سل.

فقال: أخبرني عن كتاب اللَّه الّذي انزل على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- ونطق به، ثمّ وصفه بما وصفه فقال: حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ [فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏]  ما تفسيرها في الباطن؟

فقال: أمّا «حم» فهو محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. وهو في كتاب هود الّذي انزل عليه، وهو منقوص الحروف. وأمّا «الكتاب المبين» فهو أمير المؤمنين عليّ- عليه السّلام-. وأمّا «اللّيلة» ففاطمة. وأمّا قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ يقول: يخرج‏منها خير كثير، فرجل حكيم، ورجل حكيم، [و رجل حكيم‏] .

فقال الرّجل: صف لي الأول والآخر من هؤلاء الرّجال.

فقال: إنّ الصّفات تشتبه، ولكنّ الثّالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله، وإنّه عندكم لفي الكتب الّتي نزلت عليكم

إن لم تغيّروا وتحرّفوا وتكفروا ، وقديما ما فعلتم.

قال له النّصرانيّ: إنّي لا أستر عنك ما علمت ولا أكذبك، وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه، واللَّه، لقد أعطاك اللَّه من فضله وقسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ولا يستره السّاترون ولا يكذب فيه من كذب، فقولي لك في ذلك الحقّ كلّما ذكرت.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر  بن أذينة، عن الفضيل وزرارة ومحمّد بن مسلم، عن حمران أنّه سأل أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ.

قال: نعم، ليلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر، قال اللَّه- عزّ وجلّ-: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ قال:

يقدّر في ليلة القدر كلّ شي‏ء يكون في تلك السّنة  إلى مثلها من قابل، خير وشرّ وطاعة ومعصية ومولود وأجل و رزق، فما قدّر في تلك السّنة وقضي فهو المحتوم، وللَّه فيه المشيئة.

 (الحديث)

محمّد بن يحيى ، [عن محمّد بن أحمد] ، عن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللَّه المؤمن، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعته يقول، وناس يسألونه يقولون: الأرزاق تقسّم ليلة النصف من شعبان.

قال: فقال: لا، واللَّه، ما ذلك إلّا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فإنّ في [ليلة]  تسع عشرة يلتقي الجمعان، وفي ليلة إحدى‏و عشرين يفرق كلّ أمر حكيم، وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضي ما أراد اللَّه- عزّ وجلّ- من ذلك، وهي ليلة القدر الّتي قال اللَّه- تعالى-: خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

قال: قلت: ما معنى قوله: «يلتقي الجمعان»؟

قال: يجمع اللَّه فيها ما أراد من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه.

قال: قلت: فما معنى يمضيه في ثلاث وعشرين؟

قال: إنّه يفرقه في ليلة [إحدى وعشرين‏]  إمضاء ، ويكون له فيه البداء، فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين أمضاه فيكون من المحتوم الّذي لا يبدو له فيه.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن بن عليّ، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى السّاباطيّ قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فقل: اللّهمّ.

... إلى أن قال: واجعل فيما تقضي وتقدّر من الأمر المحتوم فيما يفرق  من الأمر الحكيم في ليلة القدر من القضاء الّذي لا يردّ ولا يبدّل، أن تكتبني من حجّاج بيتك الحرام.

و في روضة الكافي»: حميد بن زياد، عن الحسن  بن محمّد الكنديّ، عن أحمد بن عديس ، عن أبان، عن يعقوب بن شعيب قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: يفرق في ليلة القدر ما كان من شدّة أو رخاء أو مطر، يقدّر  ما يشاء [اللَّه- عزّ وجلّ-]  أن يقدّر إلى مثلها من قابل.

و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى زرارة: عن أحدهما- عليهما السّلام- قال:

في ليلة تسع عشرة يكتب فيها وفد الحاجّ، وفيها يفرق كلّ أمر حكيم.

 (الحديث)

أبو الصّباح الكنانيّ ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إذا كان ليلة القدر،و فيها يفرق كلّ أمر حكيم، نادى مناد تلك اللّيلة من بطنان العرش: إنّ اللَّه قد غفر لمن أتى قبر الحسين في هذه اللّيلة.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن يونس، عن الحارث بن المغيرة البصريّ، [و عن عمرو] ، عن ابن أبي عمير، عمّن رواه، عن هشام قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قول اللَّه: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.

قال: تلك ليلة  القدر يكتب فيها وفد الحاجّ، وما يكون فيها من طاعة أو معصية أو حياة أو موت، ويحدث اللَّه في اللّيل والنّهار ما يشاء ثمّ يلقيه إلى صاحب الأرض.

قال [الحارث بن المغيرة البصري‏] : فقلت: ومن صاحب الأرض؟

قال: صاحبكم.

العبّاس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم، عن عبد اللَّه بن سنان قال: سألته عن النّصف من شعبان.

فقال: ما عندي فيه شي‏ء، ولكن إذا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، قسّم فيها الأرزاق وكتب فيها الآجال، وخرج فيها صكاك الحاجّ، واطّلع اللَّه على عباده فغفر اللَّه لهم إلّا شارب خمر مسكر  فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين فيها يفرق كلّ أمر حكيم [ثمّ‏]  ينهى ذلك ويمضي.

قلت: إلى من؟

قال: إلى صاحبكم، ولولا ذلك لم يعلم.

و في عيون الأخبار ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها من الرّضا- عليه السّلام- مرّة بعد مرّة وشيئا بعد شي‏ء: فإذا قيل: فلم جعل الصّوم في شهر رمضان دون سائر الشّهور؟

قيل: لأنّ شهر رمضان هو الشّهر الّذي أنزل فيه [القرآن، وفيه فرق بين الحقّ‏و الباطل، كما قال اللَّه : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ‏]  الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَالْفُرْقانِ. وفيه نبّئ  محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. وفيه ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر، وفيها يفرق كلّ أمر حكيم، وهو رأس  السنة يقدر فيها ما يكون في السّنة من خير أو شرّ أو مضرّة أو منفعة أو أجل أو رزق، ولذلك سمّيت ليلة القدر.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى الحسين بن يزيد النّوفليّ : عن عليّ بن سالم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من نام  في اللّيلة الّتي يفرق فيها كلّ أمر حكيم، لم يحجّ تلك السّنة، وهي ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، لأنّ فيها يكتب وفد الحاجّ، وفيها تكتب الأرزاق والآجال، وما يكون من السّنة إلى السّنة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه بعد أن ذكر الحجج، [قال السائل: من هؤلاء الحجج؟] .

قال: هم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ومن حلّ محلّه من أصفياء اللَّه، الّذين قرنهم اللَّه بنفسه وبرسوله، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه، وهم ولاة الأمر الّذين قال اللَّه  فيهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. وقال  فيهم: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.

قال السّائل: ما ذلك الأمر؟

قال: الّذي به تنزّل الملائكة في اللّيلة الّتي يفرق فيها كلّ أمر حكيم، من خلق ورزق وأجل وعمل [و عمر]  وحياة وموت وعلم غيب السّموات والأرض والمعجزات الّتي لا تنبغي إلّا للَّه وأصفيائه والسّفرة بينه وبين خلقه، وهم وجه اللَّه الّذي قال .فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. و هم بقيّة اللَّه، يعني: المهديّ- عليه السّلام-  يأتي عند انقضاء هذه النظرة فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، ومن آياته الغيبة والاكتتام  عند عموم الطّغيان وحلول الانتقام، ولو كان هذا الأمر الّذي عرّفتك نبأه  للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- دون غيره، لكان الخطاب يدلّ على فعل ماض غير دائم ولا مستقبل، ولقال: نزلت الملائكة وفرق كلّ أمر حكيم، ولم يقل: «تنزّل الملائكة» [و «يفرق كلّ أمر حكيم»]»

.

أَمْراً مِنْ عِنْدِنا، أي: أعني بهذا الأمر: أمرا حاصلا من عندنا على مقتضى حكمتنا، وهو مزيد تفخيم للأمر.

و يجوز أن يكون حالا من «كلّ»، أو «أمر» أو ضميره المستكنّ في «حكيم» لأنّه موصوف، وأن يكون المراد به: مقابل النّهي وقع مصدرا «ليفرق» أو لفعله مضمرا، من حيث أنّ الفرق به. أو حالا من أحد ضميري «أنزلناه»، بمعنى: آمرين، أو مأمورا.

إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ  رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ: بدل من «إنّا كنّا منذرين»، أي:

إنّا أنزلنا، القرآن، لأنّ من عادتنا إرسال الرّسل بالكتب إلى العباد لأجل الرّحمة عليهم، ووضع «الرب»  موضع الضّمير للإشعار بأن الرّبوبيّة اقتضت ذلك، فإنّه أعظم أنواع التّربية. أو علّة «ليفرق» أو «أمرا»، و«رحمة» مفعول به، أي: يفصل فيها كلّ أمر حكيم. أو تصدر الأوامر من عندنا، لأنّ من شأننا أن نرسل رحمتنا، فإنّ فصل كلّ أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الآلهيّة من باب الرّحمة.

و قرئ : «رحمة» على: تلك رحمة.

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: فإن قالوا: من الرّاسخون في العلم؟

فقل: من لا يختلف في علمه.فإن قالوا: فمن هو ذاك؟

فقل: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- صاحب ذلك، فهل بلّغ أم لا؟

فإن قالوا: قد بلّغ.

فقل: هل مات- صلّى اللَّه عليه وآله- والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟

فإن قالوا: لا.

فقل: إنّ خليفة- رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- مؤيّد، ولا يستخلف رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلّا من يحكم بحكمه، وإلّا من  يكون مثله إلّا النّبوة، وإن كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لم يستخلف في علمه أحدا، فقد ضيّع من في أصلاب الرّجال ممّن يكون بعده.

فإن قالوا: فإن علم رسول اللَّه كان من القرآن .

فقال: حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ- إلى قوله-: إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ.

فإن قالوا لك: لا يرسل اللَّه إلّا إلى نبيّ .

فقل: هذا الأمر الحكيم الّذي يفرق  فيه هو من الملائكة والرّوح والّتي تتنزّل من سماء إلى سماء، أو من سماء إلى الأرض؟

فإن قالوا: من سماء إلى سماء، فليس في السّماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية.فإن قالوا: من سماء إلى أرض، وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك.

فقل: فهل لهم  بدّ من سيّد  يتحاكمون إليه؟

فإن قالوا: فإنّ الخليفة هو حكمهم.

فقل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ- إلى قوله-:

خالِدُونَ . ولعمري ما في الأرض ولا في السّماء وليّ للَّه إلّا وهو مؤيّد، ومن ايّد لم يخطئ، وما في الأرض عدوّ للَّه إلّا وهو مخذول، ومن خذل  لم يصب، كما أنّ الأمر لا بدّ من تنزيله من السّماء يحكم به أهل الأرض، كذلك لا بدّ من وال.

فإن قالوا: لا نعرف هذا.

فقل لهم: قولوا ما أحببتم، أبى  اللَّه- تعالى- بعد محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- أن يترك العباد ولا حجّة عليهم.

إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ : يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم. وهو وما بعده تحقيق لربوبيّته، وأنّها لا تحقّ إلّا لمن هذه صفاته.

رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما: خبر آخر، أو استئناف.

و قرأ  الكوفيّون، بالجرّ، بدلا من «ربّك».

إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ، أي: إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم. أو إن كنتم موقنين  في إقراركم، إذا سئلتم: من خلقها؟ فقلتم: اللَّه، علمتم أنّ الأمر كما قلنا. أو إن كنتم مريدين اليقين، فاعلموا ذلك.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: إذ لا خالق سواه.

يُحْيِي وَيُمِيتُ، كما تشاهدون.

رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ .

و قرئتا  بالجرّ، بدلا [من «ربّك»] .بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ : ردّ لكونهم موقنين.

فَارْتَقِبْ، أي: فانتظر لهم.

يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ .

قيل : يوم شدّة ومجاعة، فإن الجائع يرى بينه وبين السّماء كهيئة الدّخان من ضعف بصره، أو لانّ الهواء يظلم عام القحط لقلّة الأمطار وكثرة الغبار، أو لأنّ العرب تسمّي الشّرّ الغالب: دخانا، وقد قحطوا حتّى أكلوا جيف الكلاب وعظامها.

و إسناد الإتيان إلى السّماء، لأنّ ذلك يكفه عن الأمطار.

و في مجمع البيان : وذلك أن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- دعا على قومه لمّا كذبوه، فقال: اللّهمّ، اجعل  سنينا كسني يوسف. فأجدبت الأرض فأصابت قريشا المجاعة.

و قيل : يوم ظهور الدّخان المعدود في أشراط السّاعة، لما

روي أن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا قال: أول الآيات الدّخان ، ونزول عيسى، ونار تخرج من قعر عدن إبين  تسوق النّاس إلى المحشر.

قيل: وما الدّخان؟

فتلا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الآية، وقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوما وليلة، أمّا المؤمن فيصيبه كهيئة الزّكام، وأمّا الكافر فهو كالسّكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره.

و قيل : يوم القيامة، والدّخان يحتمل المعنيين. وهو بعيد عن سياق الآية.

و في جوامع الجامع : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. واختلف في الدّخان، فقيل:

إنّه دخان يأتي من السّماء قبل قيام السّاعة، يدخل في أسماع الكفرة حتّى يكون رأس الواحد كالرّأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزّكام، وتكون‏الأرض كلّها كبيت أوقد فيه  ليس فيه خصاص ، يمتدّ ذلك أربعين يوما. وروي ذلك عن عليّ  [- عليه السّلام- و]  ابن عبّاس والحسن .

يَغْشَى النَّاسَ: يحيط بهم، صفة «للدّخان». وقوله: هذا عَذابٌ أَلِيمٌ  رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ : مقدر بقول وقع حالا، و«إنّا مؤمنون» وعد بالايمان إن كشف العذاب عنهم.

أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى‏: من أين لهم، وكيف يتذكرون بهذه الحالة؟! وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ : يبين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الأذكار من الآيات والمعجزات.

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ .

قال بعضهم: يعلّمه غلام أعجميّ لبعض ثقيف، وقال آخرون: إنّه مجنون.

إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ: بدعاء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فإنّه دعا فرفع القحط.

قَلِيلًا: كشفا قليلا  أو زمانا قليلا وهو ما بقي من أعماركم.

إِنَّكُمْ عائِدُونَ : إلى الكفر غبّ  الكشف.

و من فسر الدّخان بما هو من الأشراط، قال: إذا جاء الدّخان غوّث الكفّار بالدّعاء فيكشفه اللَّه عنهم بعد الأربعين، فريثما يكشفه عنهم يرتدّون.

و من فسره بما في القيامة، أوّله بالشّرط والتّقدير.

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى‏: يوم القيامة، أو يوم بدر. ظرف لفعل دلّ عليه إِنَّا مُنْتَقِمُونَ  لا «لمنتقمون» فإنّ «إنّ» تحجزه عنه . أو بدل من «يوم تأتي».

و قرئ : «نبطش»، أي: نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم. أو نحمل‏الملائكة على بطشهم، وهو التّناول بصولة.

وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ: امتحنّاهم بإرسال موسى إليهم. أو أوقعناهم في الفتنة بالإمهال وتوسيع الرّزق عليهم.

و قرئ  بالتشديد، للتأكيد أو لكثرة القوم .

وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ : على اللَّه وعلى المؤمنين. أو في نفسه، لشرف نسبه وفضل حسبه.

أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ: بأن أدّوهم إليّ وأرسلوهم معي. أو بأن أدّوا إليّ حقّ اللَّه من الإيمان وقبول الدعوة، يا عباد اللَّه.

و يجوز أن تكون «أن» مخفّفة، أو مفسّرة لأنّ مجي‏ء الرسول يكون برسالة ودعوة.

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ : غير متّهم لدلالة المعجزات على صدقه، أو لائتمان اللَّه إيّاه على وحيه، وهو علة الأمر.

وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ: ولا تتكبّروا عليه بالاستهانة بوحيه ورسوله.

 [و «أن» ك «أن» الأولى في وجوهها] .

إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ : علّة للنّهي. ولذكر الأمين مع الأداء، والسّلطان مع العلاء، شأن لا يخفى .

وَ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ: التجأت إليه، وتوكّلت عليه.

أَنْ تَرْجُمُونِ : أن تؤدوني ضربا، أو شتما. أو أن تقتلوني.

و قرئ : غدت  بالإدغام.

وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ : فكونوا بمعزل منّي لا عليّ ولا لي ولا تتعرّضوا لي بسوء، فإنّه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم ذلك.

فَدَعا رَبَّهُ: بعد ما كذّبوه.

أَنَّ هؤُلاءِ: بأنّ هؤلاء قَوْمٌ مُجْرِمُونَ : وهو تعريض بالدّعاءعليهم بذكر ما استوجبوه به، ولذلك سمّاه: دعاء.

و قرئ  بالكسر ، على إضمار القول.

فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا، أي: فقال: إن كان الأمر كذلك فأسر.

و قرئ  بوصل الهمزة، من سرى.

إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ : يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم.

وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً: مفتوحا ذا فجوة واسعة. أو ساكنا على هيئته بعد ما جاوزته، ولا تضر به بعصاك، ولا تغيّر منه شيئا ليدخله القبط.

إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ .

و قرئ  بالفتح، بمعنى: لأنّهم.

كَمْ تَرَكُوا: كثيرا تركوا.

مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ  وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ : محافل مزيّنة، ومنازل حسنة.

وَ نَعْمَةٍ: وتنعّم.

كانُوا فِيها فاكِهِينَ : متنعّمين.

و قرئ : «فكهين».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: النّعمة في الأبدان.

و قوله: «فاكهين»، أي: فاكهين للنّساء.

كَذلِكَ: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها. أو الأمر كذلك.

وَ أَوْرَثْناها: عطف على الفعل المقدر، أو على «تركوا».

قَوْماً آخَرِينَ : ليسوا منهم في شي‏ء، وهم بنو إسرائيل.

و قيل : غيرهم، لأنّهم لم يعودوا إلى مصر.

فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ‏قيل : مجاز عن عدم  الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم، كقولهم:

بكت عليهم السّماء والأرض  وكسفت لمهلكهم  الشمس، في نقيض ذلك ومنه:

ما روي في الأخبار، أنّ المؤمن ليبكي عليه مصلّاه، ومحلّ عبادته، ومصعد عمله، ومهبط رزقه.

و قيل : تقديره: فما بكت عليهم أهل  السّماء والأرض.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: حدثني أبي، [عن جدّه‏]  عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: مرّ عليه رجل عدو للَّه ولرسوله، فقال: فَما  بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ.

ثمّ مرّ عليه الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- فقال: لكنّ هذا لتبكيّن  عليه السّماء والأرض، وما بكت السماء والأرض إلّا على يحيى بن زكرياء والحسين بن عليّ- عليهم السّلام-.

قال: وحدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن العلا، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- دمعة حتّى تسيل على خدّه، بوّأه اللَّه بها في الجنّة غرفا يسكنها أحقابا .

و أيّما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتّى يسيل  على خدّه لأذى مسّنا من عدوّنا في الدّنيا، بوّأه اللَّه مبوّأ صدق في الجنّة.

و أيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى يسيل  دمعه على خدّيه من‏مضاضة  ما أوذي فينا، صرف اللَّه عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنّار.

و حدّثني أبي ، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من ذكرنا [أو ذكرنا]  عنده، فخرج من عينيه»

 دمع مثل جناح بعوضة، غفر اللَّه له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

و في مجمع البيان : وروى زرارة بن أعين، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: بكت السّماء على يحيى بن زكريّاء وعلى الحسين بن عليّ أربعين صباحا .

قلت: فما بكاؤها؟

قال: كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: عن الباقر- عليه السّلام- في قوله: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ، يعني: عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وذلك أنّ عليّا- عليه السّلام- خرج قبل الفجر متوكّئا على عنزة  والحسين خلفه يتلوه، حتّى أتى حلقة  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. [فرمى بالعنزة]  ثمّ قال: إن اللَّه ذكر أقواما فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ [و اللَّه‏]  ليقتلنّه ولتبكينّ السّماء عليه.

و قال الصّادق - عليه السّلام-: بكت السّماء على الحسين- عليه السّلام- أربعين يوما بالدّم.

عن إسحاق الأحمر ، عن الحجّة- عليه السّلام- حديث طويل، وفي أواخره: وذبح يحيى كما ذبح الحسين- عليه السّلام-. ولم تبك السّماء والأرض إلّا عليهما.و في مجمع البيان : وروى أنس، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: ما من مؤمن إلّا وله باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه.

و في من لا يحضره الفقيه ، بعد أن نقل حديثا عن الصّادق- عليه السّلام-: وقال- عليه السّلام-: إذا مات المؤمن بكت عليه بقاع الأرض الّتي كان يعبد اللَّه فيها، والباب الّذي كان يصعد منه عمله، وموضع سجوده.

وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ : ممهلين إلى وقت آخر.

وَ لَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ : من استعباد فرعون وقتله أبناءهم.

مِنْ فِرْعَوْنَ: بدل من «العذاب» على حذف المضاف. أو جعله عذابا لإفراطه في التّعذيب. أو حال من «المهين» بمعنى: واقعا من جهته.

و قرئ : «من فرعون» على الاستفهام، تنكيرا له لنكر ما كان عليه من الشّيطنة.

إِنَّهُ كانَ عالِياً: متكبّرا.

مِنَ الْمُسْرِفِينَ : في العتوّ والشّرارة. وهو خبر ثان، أي: كان متكبّرا مسرفا. أو حال من الضّمير في «عاليا»، أي: كان رفيع الطّبقة من بينهم.

وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ: اخترنا بني إسرائيل.

عَلى‏ عِلْمٍ: بأنّهم أحقّاء بذلك. أو مع علم منّا بأنّهم يزيّفون في بعض الأحوال.

عَلَى الْعالَمِينَ : لكثرة الأنبياء فيهم. أو على عالمي زمانهم.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في هاروت وماروت: قال الإمام الحسن بن عليّ- عليه السّلام-: حدّثني أبي، عن جدّي ، عن الرّضا- عليه السّلام-، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ اللَّه اختارنا، معاشر آل محمد- صلوات اللَّه عليهم- واختار النّبيّين واختارالملائكة المقرّبين، وما اختارهم إلّا على علم منه بهم أنّهم لا يواقعون  ما يخرجون به  عن ولايته ، وينقطعون به عن عصمته، وينتمون  به إلى المستحقّين لعذابه  ونقمته .

و في شرح الآيات الباهرة  روى عمن رواه، عن محمد بن جمهور، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قوله: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى‏ عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ. قال: الأئمة من المؤمنين، وفضّلناهم على من سواهم.

وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ، كفلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المنّ والسّلوى.

ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ : نعمة جليّة، أو اختبار ظاهر.

إِنَّ هؤُلاءِ، يعني: كفّار قريش، لأن الكلام فيهم، وقصّة فرعون [و قومه‏]  مسوقة للدّلالة على أنّهم مثلهم في الإصرار على الضّلالة والإنذار عن مثل ما حلّ بهم.

لَيَقُولُونَ  إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى‏: ما العاقبة ونهاية الأمر إلّا الموتة المزيلة للحياة الدّنيويّة، ولا قصد فيه إلى إثبات ثانية، كما في قولك: حجّ زيد  الحجّة الأولى ومات.

و قيل : لما قيل لهم: إنّكم تموتون موتة تعقبها حياة، كما تقدّمتكم موتة، كذلك قالوا: إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى‏، أي: ما الموتة الّتي من شأنها ذلك  إلّا الموتة الأولى.

وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ : بمبعوثين.

فَأْتُوا بِآبائِنا: خطاب لمن وعدهم بالنّشور، من الرّسول والمؤمنين.

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : في وعدكم ليدلّ عليه.أَ هُمْ خَيْرٌ: في القوة والمنعة أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ.

في مجمع البيان : هو تبّع الحميريّ الّذي سار بالجيوش حتّى  حيّر الحيرة، ثمّ أتى سمرقند فهدمها ثمّ بناها، وكان إذا كتب كتب: باسم الّذي ملك برّا وبحرا وضحا وريحا. عن قتادة. وسمّي تبّعا لكثرة أتباعه من النّاس.

و قيل : سمّي: تبّعا، لأنّه تبع من قبله من ملوك اليمن ، والتّبابعة  اسم ملوك اليمن ، فتبّع لقب له، كما يقال: خاقان لملك التّرك، وقيصر لملك الرّوم، واسمه: سعد أبو بكر .

و روى سهل بن سعد ، عن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: لا تسبّوا تبّعا فإنّه كان قد أسلم. [و قال كعب: نعم الرجل الصالح، ذمّ اللَّه قومه ولم يذمّه.] .

و روى الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ تبّعا قال للأوس والخزرج: كونوا هاهنا حتّى يخرج هذا النبي- صلّى اللَّه عليه وآله-. أما إني لو أدركته لخدمته. ولخرجت معه.

وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كعاد وثمود.

أَهْلَكْناهُمْ: استئناف بمآل قوم تبّع والّذين من قبلهم، هدّد به كفّار قريش، أو حال بإضمار «قد». أو خبر من الموصول إن استؤنف به.

إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ : بيان للجامع المقتضي للهلاك.

وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما: وما بين الجنسين.

و قرئ : «و ما بينهنّ».

لاعِبِينَ : لاهين. وهو دليل على صحّة الحشر، كما مرّ في الأنبياء وغيرها.ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ قيل : أي: بالعلم الدّاعي إلى خلقهما ، والعلم لا يدعو إلّا إلى الصّواب والحقّ.

و قيل : إلّا للحقّ، وهو الامتحان بالأمر والنّهي والتمييز بين  المحسن والمسي‏ء.

و قيل : إلّا على الحقّ الّذي يستحقّ به الحمد، خلاف الباطل الّذي يستحقّ به الذّمّ.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : لقلّة نظرهم.

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ: فصل الحقّ عن الباطل، والمحقّ عن المبطل بالجزاء. أو فصل الرّجال عن أقاربه وأحبّائه.

مِيقاتُهُمْ: وقت موعدهم . أَجْمَعِينَ .

و قرئ : «ميقاتهم» بالنّصب، على أنه الاسم، أي: أنّ ميعاد جزائهم في يوم الفصل.

يَوْمَ لا يُغْنِي: بدل من «يوم الفصل». أو صفة «لميقاتهم».

أو ظرف لما دلّ عليه الفصل، لا له، للفصل .

مَوْلًى: من قرابة، أو غيرها.

عَنْ مَوْلًى: أيّ مولى كان.

شَيْئاً: شيئا من الإغناء.

وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ : الضّمير «لمولى» الأوّل، باعتبار المعنى لأنّه عامّ .

إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ: بالعفو عنه، أو قبول الشّفاعة فيه. ومحلّه الرّفع على البدل‏من الواو، أو النّصب على الاستثناء.

و في أصول الكافي : أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسنيّ، عن عليّ بن أسباط، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن زيد الشّحّام قال: قال لي أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- ونحن في الطّريق في ليلة الجمعة: اقرأ، فإنّها ليلة الجمعة، قرآنا.

فقرأت: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ  مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ.

فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: نحن، واللَّه، الّذي رحم  اللَّه. و[نحن واللَّه‏]  الّذي استثنى اللَّه فكنّا  نغني عنهم.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد، واللَّه، ما استثنى اللَّه بأحد من الأولياء  أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين- عليه السّلام- وشيعته، فقال في كتابه وقوله الحقّ: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ، يعني بذلك: عليّا- عليه السّلام- وشيعته‏

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ: لا ينصر من أراد تعذيبه.

الرَّحِيمُ : لمن أراد أن يرحمه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً قال: من والى غير أولياء اللَّه لا يغني بعضهم عن بعض.

ثمّ استثنى من والى آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم- فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.

و في شرح الآيات الباهرة : [محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-]  عن حميد بن زياد،عن عبد اللَّه بن أحمد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم  بن عبد الحميد، عن أبي أسامة، زيد الشّحّام قال: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- ليلة جمعة ، فقال لي: اقرأ.

فقرأت.

ثمّ قال لي: اقرأ.

فقرأت.

ثمّ قال: يا شحّام، اقرأ فإنّها ليلة قرآن. فقرأت، حتّى إذا بلغت: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ. قال: هم.

قال: قلت : إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ.

قال: نحن القوم الّذين رحم  اللَّه، ونحن القوم الّذين استثنى اللَّه، وإنّا- واللَّه- نغني عنهم.

و روي- أيضا -، عن أحمد بن محمّد النّوفليّ، عن محمّد بن عيسى، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن مسكان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ. قال: نحن أهل الرّحمة.

و روي- أيضا- ، عن الحسن  بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن إسحاق بن عمّار، عن شعيب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ. قال:

نحن، واللَّه، الّذين رحم اللَّه، والّذين استثنى اللَّه ، والّذين تغني ولايتنا.

إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ .

و قرئ  بكسر الشّين. ومعنى الزّقوم سبق في الصّافّات.

طَعامُ الْأَثِيمِ . الكثير الآثام، والمراد به: الكافر، لدلالة ما قبله ومابعده عليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال- تعالى-: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ نزلت في أبي جهل بن هشام.

و في مجمع البيان : وروي أنّ أبا جهل أتى بتمر وزبد، فجمع بينهما وأكل، وقال: هذا هو الزّقوم الّذي يخوّفنا محمّد به.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من أشبع مؤمنا وجبت له الجنة، ومن أشبع كافرا كان حقّا على اللَّه أن يملأ جوفه من الزّقّوم مؤمنا كان أو كافرا.

كَالْمُهْلِ قيل : هو ما يمهل في النّار حتّى يذوب.

و قيل : درديّ الزّيت .

يَغْلِي فِي الْبُطُونِ .

و قرأ  ابن كثير وحفص ورويس، بالياء، على أنّ الضّمير «للطّعام» أو «الزّقّوم» لا «للمهل»، إذ الأظهر أنّ الجملة حال من أحدهما.

كَغَلْيِ الْحَمِيمِ : غليانا مثل غليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: «كالمهل» قال: «المهل» الصّفر المذاب.

يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ وهو الّذي قد حمي وبلغ المنتهى.

خُذُوهُ: على إرادة القول، والمقول له الزّبانية.

فَاعْتِلُوهُ: فجرّوه.

 «و العتل» الأخذ بمجامع الشّي‏ء، وجرّه بقهر.و قرأ  الحجازيّان وابن عامر ويعقوب، بالضّمّ، وهما لغتان.

إِلى‏ سَواءِ الْجَحِيمِ : وسطه.

ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ .

كان أصله: «يصبّ من فوق رؤوسهم [الحميم». فقيل: يصبّ من فوق رؤوسهم‏]  عذاب هو الحميم للمبالغة، ثم أضيف العذاب إلى الحميم للتّخفيف، وزيد «من» للدّلالة على أنّ المصوب بعض هذا النّوع.

ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ، أي: وقولوا له ذلك استهزاء به، وتقريعا على ما كان يزعمه.

و قرأ  الكسائيّ: «انّك» بالفتح، أي: ذق لأنّك، أو عذاب أنّك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ، أي: فاضغطوه من كلّ جانب، ثمّ انزلوا به إلى سواء الجحيم، ثمّ يصبّ عليه ذلك الحميم، ثمّ يقال له: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ. فلفظه خبر ومعناه حكاية عمّن يقول له ذلك، وذلك أن أبا جهل كان يقول: أنا العزيز الكريم. فيعيّر  بذلك في النّار.

و في جوامع الجامع : روى أنَّ أبا جهل قال لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-:

ما بين جبليها أعزّ ولا أكرم منّي.

إِنَّ هذا، أي: إنّ هذا العذاب.

ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ : تشكّون وتمارون فيه.

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ: في موضع إقامة.

و قرأ  نافع وابن عامر، بضمّ الميم.

أَمِينٍ : يأمن صاحبه عن الآفة والانتقال .

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد  بن عيسى، عن ابن‏محبوب، عن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: أيّما عبد أقبل [قبل‏]  ما يحبّ اللَّه، أقبل اللَّه قبل ما يجب، ومن اعتم باللَّه عصمه اللَّه، ومن أقبل اللَّه قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السّماء على الأرض، أو كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بليّة كان في حزب  اللَّه بالتّقوى من كلّ بليّة، أ ليس اللَّه يقول: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ.

 جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ‏

 : بدل من «مقام» جي‏ء به للدّلالة على نزاهته، واشتماله على ما يستلذّ  به من المآكل والمشارب.

يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ: خبر ثان.

أو حال من الضّمير في الجارّ. أو استئناف.

و «السّندس» ما رقّ من الحرير. و«الإستبرق» ما غلظ منه، معرّب، أو مشتقّ من البراقة.

مُتَقابِلِينَ : في مجالسهم، ليستأنس بعضهم ببعض.

كَذلِكَ: الأمر كذلك. أو آتيناهم مثل ذلك.

وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ : قرناهم بهنّ، ولذلك عدّي بالباء.

و «الحوراء» البيضاء، و«العيناء» عظيمة العينين. واختلف في أنّهنّ نساء الدّنيا أو غيرها، والمفهوم من الأخبار أنهن غيرهنّ.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، بعث ربّ العزة عليّا- عليه السّلام- فأنزلهم منازلهم من الجنّة فزوّجهم. فعليّ- عليه السّلام- واللَّه، الّذي يزوّج أهل الجنّة في الجنّة، وما ذاك إلى أحد غيره كرامة من اللَّه وفضلا فضّله اللَّه ومنّ به عليه.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحسن التّيميّ، عن محمّد بن عبد اللَّه، عن زرارة،عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول لرجل من الشّيعة: أنتم الطّيّبون ونساؤكم الطّيّبات، كلّ مؤمنة حوراء عيناء، وكل مؤمن صدّيق.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن [محمّد بن‏]  أبي نصر، عن الحسين بن خالد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان الخزّاز ، عن رجل، عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن مهر السّنّة، كيف صار خمسمائة؟

فقال: إن اللَّه أوجب  على نفسه أن لا يكبّره مؤمن مائة تكبيرة ويسبّحه مائة تسبيحة ويحمّد مائة تحميدة ويهلّله مائة تهليلة ويصلّي على محمّد وآل محمّد مائة مرّة، ثم يقول: اللّهمّ، زوّجني من الحور العين إلّا زوّجه اللَّه حوراء ، وجعل ذلك مهرها. ثمّ أوحى اللَّه إلى نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أن سنّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم، ففعل ذلك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و أيّما مؤمن خطب إلى أخيه حرمته، فقال: خمسمائة درهم، فلم يزوجه، فقد عقّه واستحقّ من اللَّه ألّا يزوّجه حوراء.

و في صحيفة الرّضا - عليه السّلام-: وبإسناده قال : قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الّذي يسقط من المائدة مهور الحور العين.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أربعة أوتوا سمع الخلائق: النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- والحور العين، والجنّة، والنّار. فما من عبد يصلّي على النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- ويسلّم عليه إلّا بلغه ذلك وسمعه، وما من أحد قال:

اللّهمّ، زوّجني من الحور العين إلّا سمعنه وقلن: يا ربّ، إنّ فلانا خطبنا إليك، فزوّجنا منه‏

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: المؤمن يزوّج ثمانمائة عذراء وألف  ثيّب وزوجتين من الحور العين.

قلت: جعلت فداك، ثمانمائة عذراء؟! قال: نعم، ما يفترش  فيهنّ إلا وجدها كذلك.

 (الحديث)

و في مجمع البيان : عن زيد بن أرقم قال: جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا أبا القاسم، تزعم أنّ أهل الجنّة يأكلون ويشربون.

قال: والّذي نفسي بيده، إنّ الرّجل منهم ليؤتى قوة مائة رجل  في الأكل والشّرب والجماع.

 

 (الحديث)

و في روضة الكافي ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: إن خيرا نهر في الجنّة، مخرجه من الكوثر، [و الكوثر]  مخرجه من ساق العرش، عليه منازل الأوصياء وشيعتهم، على حافتي ذلك النّهر جواري نابتات كلّما قلعت واحدة نبتت أخرى.

و في الاحتجاج للطّبرسي - رحمه اللَّه-: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: قال السّائل له- عليه السّلام-: فكيف تكون الحوراء في كلّ ما أتاها زوجها عذراء؟

قال: [لأنّها]  خلقت من الطّيب، لا تعتريها عاهة ولا يخالط جسمها آفة ولا يجري في ثقبها شي‏ء ولا يدنّسها حيض، فالرّحم ملتزقة ، إذ ليس فيه ، لسوى الإحليل مجرى.

قال: فهي تلبس  سبعين حلّة، ويرى زوجها  مخّ ساقها من وراء حللهاو بدنها؟

قال: نعم، كما يرى أحدكم الدّرهم إذا ألقي  في ماء صاف، قدره قدر رمح.

يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ: يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه، لا يتخصّص شي‏ء منها بزمان ولا مكان.

آمِنِينَ : من الضّرر.

لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى‏: بل يحيون فيها دائما، والاستثناء منقطع. أو متصل والضّمير للآخرة والموت أوّل أحوالها، أو الجنّة والمؤمن يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكأنّه فيها. أو الاستثناء للمبالغة في تعميم النّفي.

و امتناع الموت، فكأنّه قال: لا يذوقون فيها الموت إلّا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل.

وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ .

و قرئ : «و وقاهم» على المبالغة.

فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ، أي: أعطوا كلّ ذلك عطاء وتفضّلا منه.

و قرئ  بالرّفع، أي: ذلك فضل .

ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ : لأنّه خلاص من المكاره، وفوز بالمطالب.

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ: سهّلناه، حيث أنزلناه بلغتك. وهو فذلكة  للسّورة.

لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ : لعلّهم يفهمونه فيتذكّرون به. فلمّا لم يتذكّروا فَارْتَقِبْ: فانتظر ما يحلّ بهم.

إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ : منتظرون ما يحلّ بك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ وصف ما أعدّه [اللَّه‏]  للمتّقين من شيعة أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ- إلى قوله-: إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى‏،يعني: في الجنّة غير الموتة الّتي في الدّنيا. [وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ- إلى قوله-: فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ، أي: انتظر إنّهم منتظرون‏] .

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسين بن عبد الرّحمن، عن سفيان الجريري ، عن أبيه، عن سعد الخفّاف، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال حاكيا عن القرآن.

يأتي الرّجل من شيعتنا الّذي كان يعرفه ويجادل به أهل الخلاف فيقوم  بين يديه، فيقول: ما تعرفني؟ فينظر إليه الرّجل فيقول: ما أعرفك، يا عبد اللَّه.

قال: فيرجع في صورته الّتي كانت في الخلق الأوّل، فيقول: ما تعرفني؟

فيقول: نعم، فيقول القرآن: أنا الّذي أسهرت ليلك وأنصبت عيشك وسمعت الأذى ورجمت بالقول فيّ، ألا وإنّ كلّ تاجر قد استوفى تجارته وأنا ورائك اليوم.

قال: فينطلق به إلى ربّ العزّة، فيقول: يا رب، عبدك وأنت أعلم به، قد كان نصبا  بي مواظبا عليّ يعادي بسببي ويحبّ في ويبغض.

فيقول اللَّه: أدخلوا عبدي جنّتي، واكسوه حلّة من حلل الجنّة، وتوّجوه بتاج.

فإذا فعل به ذلك عرض على القرآن، فيقال  له: هل رضيت بما صنع بوليّك؟

فيقول: يا ربّ، إنّي أستقلّ هذا له، فزده مزيد الخير كلّه.

فيقول: وعزّتي وجلالي وعلوّي وارتفاع مكاني، لأنحلنّ له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له ولمن كان بمنزلته: ألا إنّهم شباب لا يهرمون، وأصحّاء لا يسقمون، وأغنياء لا يفتقرون، وفرحون لا يحزنون، وأحياء لا يموتون.

ثمّ تلا هذه الآية: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى‏.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.