(سورة السّجدة (فصّلت

سورة السّجدة مكّيّة. 

و آيها ثلاث أو أربع وخمسون.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ حم السّجدة كانت له نورا يوم القيامة مدّ بصره وسرورا، وعاش في الدّنيا محمودا مغبوطا.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [قال‏] .

 

و من قرأ حم السّجدة أعطي بعدد كلّ حرف منها عشر حسنات.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الّذي خلق، والنّجم، وتنزيل السّجدة، وحم السّجدة.

حم  قد مرّ تفسيره.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق‏

 

- عليه السّلام-: وأمّا حم فمعناه: الحميد المجيد.

و قيل : إن جعلته مبتدا، فخبره تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ  وإن جعلته تعديدا للحروف «فتنزيل» خبر محذوف أو مبتدأ لتخصّصه بالصّفة وخبره كِتابٌ. وهو على الأوّلين بدل منه، أو خبر آخر، أو خبر محذوف.

و لعلّ افتتاح هذه السّور السّبع «بحم» وتسميتها به لكونها مصدّرة ببيان الكتاب، متشاكلة في النّظم والمعنى. وإضافة «التّنزيل» إلى الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للدّلالة على أنّه مناط المصالح الدّينيّة والدّينويّة.

فُصِّلَتْ آياتُهُ: ميّزت باعتبار اللّفظ والمعنى.

و قرئ : «فصلت»، أي: فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني، أو فصلت بين الحقّ والباطل.

قُرْآناً عَرَبِيًّا: نصب على المدح، أو الحال من فُصِّلَتْ. وفيه امتنان بسهولة قراءته وفهمه.

لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ : العربيّة، أو لأهل العلم والنّظر.

و هو صفة أخرى «لقرآنا»، أو صلة «لتنزيل» أو «لفصّلت». والأوّل أولى لوقوعه بين الصّفات.

بَشِيراً وَنَذِيراً للعاملين به  والمخالفين له.

و قرئا  بالرّفع، على الصّفة «لكتاب» أو الخبر لمحذوف.

فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ: عن تدبّره وقبوله.

فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ : سماع تأمّل وطاعة.

وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ: أغطية. جمع كنان  مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ.

وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ: صمم. وأصله: الثّقل.

و قرئ  بالكسر.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله : لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها. يقول: طبع اللّه عليها فلا تعقل. وَلَهُمْ أَعْيُنٌ عليها غطاء عن الهدى لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها جعل في آذانهم وقر فلن يسمعوا الهدى.

وَ مِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ: يمنعنا عن التّواصل.

و «من» للدّلالة على أنّ الحجاب مبتدأ منهم ومنه، بحيث استوعب المسافة المتوسّطة ولم يبق فراغ. وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم، ومجّ  أسماعهم له، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرّسول.

فَاعْمَلْ: على دينك، أو في إبطال أمرنا إِنَّنا عامِلُونَ : على ديننا، أو في إبطال أمرك.

و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- في تفسيره قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن مخلّد الدّهان، عن الحسن بن عليّ بن أحمد العلويّ قال: بلغني عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لداود  البرقيّ: أيّكم ينال السّماء؟ فو اللّه، إنّ أرواحنا وأرواح النّبيّين لتنال  العرش كلّ ليلة جمعة.

يا داود، قرأ أبي، محمّد بن عليّ حم السّجدة حتّى بلغ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. ثمّ قال:

نزل جبرئيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بأنّ الإمام بعده عليّ [بن أبي طالب‏] - عليه السّلام. ثمّ قرأ: حم، تَنْزِيلٌ  مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ حتّى بلغ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن ولاية عليّ- عليه السّلام- فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ، وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ ، مثله، إلّا أنّ فيه: أيّكم ينال قطب سماءالدّنيا.

قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ: لست ملكا ولا جنّيا لا يمكنكم التلقّي منه، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول وأسماع، وإنّما أدعوكم إلى التّوحيد والاستقامة في العمل وقد يدلّ عليهما دلائل العقل وشواهد النّقل.

فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ: فاستقيموا في أفعالكم متوجّهين إليه. أو فاستووا إليه بالتّوحيد والإخلاص في العمل.

وَ اسْتَغْفِرُوهُ: ممّا أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل.

ثمّ هدّدهم على ذلك فقال: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ : من فرط جهالتهم واستخفافهم باللّه.

الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ: لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق، وذلك من أعظم الرّذائل.

و فيه دليل على أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.

و قيل : معناه: لا يفعلون ما يزكّي أنفسهم، وهو الإيمان والطّاعة.

وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ : حال مشعرة بأنّ امتناعهم عن الزّكاة لاستغراقهم في طلب الدّنيا وإنكارهم للآخرة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن سعدان  بن مسلم، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- وقد تلا هذه الآية: يا أبان، هل ترى اللّه- سبحانه- طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يعبدون معه إلها غيره؟

قال: قلت: فمن هم؟

قال: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ  الّذين أشركوا بالإمام الأوّل ولم يردّوا إلى الآخر ما قال فيه الأوّل، وهم به كافرون.

و روى  أحمد بن محمّد بن بشّار ، بإسناده الى أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه‏

 - عليه السّلام-: وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الّذين أشركوا مع الإمام الأوّل غيره ولم يردّوا إلى الآخر ما قال فيه الأوّل، وهم به كافرون.

فمعنى الزّكاة هاهنا: زكاة الأنفس، وهي طهارتها من الشّرك المشار إليه، وقد وصف اللّه- سبحانه- المشركين بالنّجاسة، يقول : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ. ومن أشرك بالإمام فقد أشرك بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. ومن أشرك بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقد أشرك باللّه.

و قوله- تعالى- لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ، أي: أعمال الزّكاة، وهي ولاية أهل البيت- عليهم السّلام- لأنّ بها تزكّي  الأعمال يوم القيامة.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ : لا يمنّ به عليهم، من المنّ: وهو الثّقل. أو القطع، من مننت الحبل: إذا قطعته. [و قيل:]  نزلت في المرضى والهرمى، إذا عجزوا عن الطّاعة كتب لهم الأجر كأصحّ ما كانوا يعملون.

قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، أي: في مقدار يومين. أو بنوبتين، وخلق في كلّ نوبة ما خلق في أسرع ما يكون.

و قيل : لعل المراد من الأرض: ما في جهة السّفل من الأجرام البسيطة، ومن خلقها في يومين: أنّه خلق لها أصلا مشتركا ثمّ خلق لها صورا بها صارت أنواعا، وكفرهم به:

إلحادهم في ذاته وصفاته.

وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً: ولا يصحّ أن يكون له ندّ.

ذلِكَ: الّذي خلق الأرض في يومين رَبُّ الْعالَمِينَ : خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربّيها.

وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ: استئناف غير معطوف على «خلق» للفصل بما هو خارج عن الصّلة.

مِنْ فَوْقِها: مرتفعة عليها ليظهر للنّاظر ما فيها من وجوه الاستبصار، وتكون منافعها معرضة للطّلّاب.وَ بارَكَ فِيها: وأكثر خيرها، بأن خلق فيها أنواع النّبات والحيوان.

وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها: أقوات أهلها، بأن عيّن لكلّ نوع ما يصلحه ويعيش به. أو أقواتا تنشأ منها، بأن خصّ حدوث كلّ قوت بقطر من أقطارها.

و قرئ : «و قسّم فيها أقواتها».

فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قيل : في تتمّة أربعة أيّام كقولك: سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة [أيّام‏]  وإلى الكوفة في خمسة عشر [يوما] . ولعلّه قال ذلك ولم يقل: في يومين، للإشعار باتّصالهما باليومين الأوّلين، والتّصريح على الفذلكة .

و في روضة الكافي ، بإسناده وإلى عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه خلق الخير يوم الأحد وما كان ليخلق الشّرّ قبل الخير، وفي يوم الأحد والاثنين خلق الأرضين وخلق أقواتها يوم الثّلاثاء، وخلق السّموات يوم الأربعاء ويوم الخميس وخلق أقواتها يوم الجمعة، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.

و في مجمع البيان : وروى عكرمة [عن ابن عبّاس‏] ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: إنّ اللّه خلق الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثّلاثاء، وخلق الشّجر والماء والعمران والخراب يوم الأربعاء، فتلك أربعة أيّام، وخلق يوم الخميس السّماء، وخلق يوم الجمعة الشّمس والقمر والنّجوم والملائكة وآدم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: حدّثني أبي، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: خرج هشام بن عبد الملك حاجّا ومعه الأبرش الكلبيّ، فلقيا أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في المسجد الحرام.

فقال هشام للأبرش: تعرف هذا؟قال: لا.

قال: هذا الّذي تزعم الشّيعة أنّه نبيّ من كثرة علمه.

فقال الأبرش: لأسألنّه عن مسألة لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ.

فقال هشام: وددت أنّك فعلت ذلك.

فلقى الأبرش أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: [يا أبا عبد اللّه‏]  أخبرني عن قول اللّه - تعالى-: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما. بما كان رتقهما وبما كان فتقهما؟

فقال أبو عبد اللّه: يا أبرش، هو كما وصف نفسه كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ  والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ ولم يكن يومئذ خلق غيرهما، والماء يومئذ عذب فرات. فلمّا أراد أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربت الماء حتّى صار موجبا، ثمّ أزبد فصارت زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلا من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، فقال اللّه - تبارك وتعالى-: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً. ثمّ مكث الرّبّ- تبارك وتعالى- ما شاء. فلمّا أراد أن يخلق السّماء أمر الرّياح فضربت البحور حتّى أزبدت بها، فخرج من ذلك الموج والزّبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السّماء وجعل فيها البروج والنّجوم ومنازل الشّمس والقمر وأجراها في الفلك، وكانت السّماء خضراء على لون الماء الأخضر وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب، وكانتا مرتوقتين ليس لها أبواب، ولم يكن للأرض أبواب [و هو النبت‏] ، ولم تمطر السّماء عليها فتنبت، ففتق السّماء بالمطر وفتق الأرض بالنّبات، وذلك قوله: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما.

فقال الأبرش: واللّه، ما حدّثني بمثل هذا الحديث أحد قطّ، أعد عليّ.

فأعاد عليه، وكان الأبرش ملحدا فقال: أنا أشهد أنّك ابن نبيّ، ثلاث مرّات.

سَواءً، أي: استوت سواء، بمعنى: استواء.

و الجملة صفة «أيّام»، ويدلّ عليه قراءة يعقوب بالجرّ.و قيل : حال من الضّمير في «أقواتها» أو في «فيها».

و قرئ  بالرّفع، على: هي سواء.

لِلسَّائِلِينَ  متعلّق بمحذوف، تقديره: هذا الحصر للسّائلين من مدة خلق الأرض وما فيها. أو «بقدّر»، أي: بما قدّر فيها الأقوات للطّالبين لها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي جميلة، عن أبان بن تغلب قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا أبان، أ ترى أنّ اللّه- عزّ وجلّ- طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ؟ قلت:

له جعلت فداك، فسّره لي.

فقال: ويل للمشركين الّذين أشركوا بالإمام الأوّل، وهم بالأئمّة الآخرين كافرون.

يا أبان، إنّما دعا اللّه العباد إلى الإيمان به، فإذا آمنوا باللّه وبرسوله، افترض عليهم الفرائض، ثمّ خاطب نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: قل لهم، يا محمّد: أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي [يَوْمَيْنِ. ومعنى‏]  يومين، أي: وقتين، ابتداء الخلق وانقضاؤه. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها، أي: لا تزول وتبقى . فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ، يعني: أربعة أوقات، وهي الّتي يخرج اللّه- عزّ وجلّ- فيها أقوات العالم من النّاس والبهائم والطّير وحشرات الأرض وما في البرّ ولبحر من الخلق، من  الثّمار والنّبات والشّجر، وما يكون فيه معاش الحيوان كلّه وهو الرّبيع والصّيف والخريف والشّتاء.

... إلى قوله: سَواءً لِلسَّائِلِينَ، يعني: المحتاجين، لأنّ كلّ محتاج سائل، وفي العالم من خلق اللّه من لا يسأل ولا يقدّر عليه من الحيوان كثير فهم سائلون وإن لم يسألوا.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن‏

 محمّد بن داود، عن محمّد بن عطيّة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: وخلق الشّي‏ء الّذي جميع الأشياء منه، وهو الماء، الّذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كلّ شي‏ء إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه، وخلق الرّيح من الماء ثمّ سلّط الرّيح على الماء فشققت الرّيح متن الماء حتّى ثار من الماء زبد على [قدر]  ما شاء أن يثور، فخلق من ذلك الزّبد أرضا بيضاء نقيّة ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة، ثمّ طواها فوضعها فوق الماء، ثمّ خلق اللّه النّار من الماء فشققت النّار متن الماء حتّى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء اللّه  أن يثور، فخلق من ذلك الدّخان سماء صافية نقيّة ليس فيها صدع ولا ثقب، وذلك قوله : وَالسَّماءَ بَنَيْناها  (الآية).

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: قصد نحوها، من قولهم: استوى إلى مكان كذا: إذا توجّه إليه توجّها لا يلوي على غيره.

و الظّاهر أنّ «ثمّ» لتفاوت ما بين الخلقين لا للتّراخي في المدّة، لقوله : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ودحوها متقدّم على خلق الجبال من فوقها.

وَ هِيَ دُخانٌ: أمر ظلمانيّ.

قال ابن عبّاس : كانت بخار الأرض.

و في روضة الكافي : محمّد عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، [و الحجّال، عن العلا، عن محمّد بن مسلم‏]  قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: كان كلّ شي‏ء ماء، وكان عرشه على الماء، فأمر- جلّ جلاله- الماء فاضطرم نارا، ثمّ أمر النّار فخمدت فارتفع من خمودها دخان، فخلق [اللّه‏] السّموات  من ذلك الدّخان وخلق الأرض من الرّماد.

فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا: بما خلقت فيكما من التّأثير والتّأثّر، وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوّعة. أو ائتيا في الوجود، على أنّ الخلق‏السّابق بمعنى: التّقدير. أو إتيان السّماء حدوثها، وإتيان الأرض أن تصير مدحوّة.

و قرئ : «و آتيا» من المؤاتاة، أي: لتوافق كلّ واحدة أختها فيما أردت منكما.

طَوْعاً أَوْ كَرْهاً: شئتما ذلك أو أبيتما، والمراد: إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده، لا إثبات الطّوع والكره لهما.

و هما مصدران، وقعا موقع الحال.

قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ : منقادين بالذّات.

قيل : والأظهر أنّ المراد: تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذّات عنها، وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع الطّائع، كقوله: كُنْ فَيَكُونُ.

و قيل : إنّه- تعالى- خاطبهما وأقدرهما على الجواب، وإنّما قال: طائِعِينَ على المعنى، باعتبار كونهما مخاطبتين، كقوله : ساجِدِينَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقد سئل أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام- عمّن كلّم اللّه لا من الجنّ ولا من الإنس.

فقال: السّموات والأرض في قوله: ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ.

و في نهج البلاغة : فمن شواهد خلقه خلق السّموات موطّدات  بلا عمد، قائمات بلا سند. دعاهنّ فأجبن طائعات مذعنات غير متلكّئات  [و لا مبطّئات‏] ، ولو لا إقرارهنّ له بالرّبوبيّة وإذعانهنّ بالطّواعية، لما جعلهنّ موضعا لعرشه، ولا مسكنا لملائكته، ولا مصعدا للكلم الطّيّب والعمل الصّالح من خلقه.

و فيه : وذلّل للهابطين بأمره والصّاعدين بأعمال خلقه حزونة  معراجها، وناداها بعد إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها .فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ: فخلقهنّ خلقا إبداعيّا وأتقن أمرهنّ.

و الضّمير للسّماء على المعنى، أو مبهم. وسَبْعَ سَماواتٍ حال على الأوّل، وتمييز على الثّاني.

فِي يَوْمَيْنِ.

قد مرّ بيانه في الحديث السّابق.

وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها: شأنها وما يتأتّى منها، بأن حملها عليه اختيارا أو طبعا.

و قيل : أوحى إلى أهلها بأوامره [و نواهيه‏] .

و قيل : خلق فيها ما أراده من ملك وغيره.

وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ: فإنّ الكواكب كلّها ترى كأنّها تتلألأ عليها.

وَ حِفْظاً، أي: وحفظناها من الآفات. أو من المسترقة حفظا.

و قيل : مفعول له على المعنى، كأنّه قال: وخصصنا السّماء الدّنيا بمصابيح زينة وحفظا.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى فضيل الرّسّان قال: كتب محمّد بن إبراهيم إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أخبرنا ما فضلكم أهل البيت- عليهم السّلام؟

فكتب إليه أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ الكواكب جعلت أمانا لأهل السّماء، فإذا ذهبت نجوم السّماء جاء أهل السّماء ما كانوا يوعدون. وقال رسول اللّه: جعل أهل بيتي أمانا لأمّتي، فإذا ذهبت أهل بيتي جاء أمّتي ما كانوا يوعدون.

و بإسناده  إلى أياس بن مسلمة : عن أبيه، رفعه قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: النّجوم أمان لأهل السّماء، وأهل بيتي أمان لأمّتي.

و بإسناده  إلى هارون بن عنزة ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام-

 

قال : قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: النّجوم أمان لأهل السّماء، فإذا ذهبت النّجوم ذهب أهل السّماء. وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.

ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ : البالغ في القدرة والعلم.

فَإِنْ أَعْرَضُوا: عن الإيمان بعد هذا البيان فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً:

فحذّرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع، كأنّه صاعقة مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ .

و قرئ : «صعقة مثل صعقة عاد وثمود.» وهي المرّة  من الصّعق. يقال: صعقته الصّاعقة، فصعق صعقا.

إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ: حال من صاعِقَةِ عادٍ. ولا يجوز جعله صفة «لصاعقة» أو ظرفا «لأنذرتكم» لفساد المعنى.

مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ قيل : أي: من جميع جوانبهم، واجتهدوا بهم من كلّ جهة. أو من جهة الزّمن الماضي بالإنذار عمّا جرى فيه على الكفّار، ومن جهة المستقبل بالتّحذير عمّا أعدّ لهم في الآخرة. وكلّ من اللّفظين يحتملهما. أو من قبلهم ومن بعدهم، إذ قد بلغهم خبر المتقدّمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخّرين داعين إلى الإيمان بهم أجمعين.

و يحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة، كقوله- تعالى-: يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله- عزّ وجلّ-: إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، يعني: [نوحا و]  إبراهيم وموسى وعيسى والنبيّين- صلوات اللّه عليهم. ومِنْ خَلْفِهِمْ أنت.

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ: بأن لا تعبدوا. أو أي لا تعبدوا.

قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا: إرسال الرّسل لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً: برسالته.

فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ على زعمكم كافِرُونَ : إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل‏لكم علينا.

فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ: فتعظّموا فيها على أهلها بغير استحقاق.

وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً: اغترار بقوّتهم وشوكتهم.

قيل : كان من قوّتهم أنّ الرّجل منهم ينزع الصّخرة فيقلعها بيده.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم: عن الصّادق أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال: لمّا بعث اللّه- عزّ وجلّ- هودا أسلم له العقب من ولد سام، وأمّا الآخرون فقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً. فأهلكوا بالرّيح العقيم، وأوصاهم هود وبشّرهم بصالح- عليه السّلام.

أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً: قدرة، فإنّه قادر بالذّات، مقتدر على [ما لا يتناهى، قويّ على  ما لا يقدر عليه غيره.

وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ : يعرفون أنّها حقّ وينكرونها. وهو عطف على فَاسْتَكْبَرُوا.

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً: باردة تهلك بشدّة بردها، من الصّر، وهو البرد الّذي يصرّ، أي: يجمع ويقبض. أو شديدة الصّوت في هبوبها، من الصّرير.

فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ: جمع نحسة، من نحس نحسا نقيض سعد سعدا.

و قرأ  الحجازيّان والبصريّان، بالسّكون، على التّخفيف، أو النّعت على فعل، أو الوصف بالمصدر.

قيل : كنّ آخر الشّوال من الأربعاء إلى الأربعاء، وما عذّب قوم إلّا في يوم الأربعاء.

و في نهج البلاغة : واتّعظوا فيها بالّذين قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً. حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا، وأنزلوا [الأجداث‏]  فلا يدعون ضيفانا، وجعل لهم من الصّفيح  أجنان  ومن التّراب أكفان ومن الرّفات  جيران.و في تفسير علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً و«الصّرصر» الرّيح الباردة فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ، أي: أيّام مياشيم.

لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

أضاف «العذاب» إلى «الخزي» وهو الذّلّ على قصد وصفه به، لقوله: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى. وهو في الأصل صفة المعذّب، وإنّما وصف  به العذاب على الإسناد المجازيّ للمبالغة .

وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ : بدفع العذاب عنهم.

وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ: فدللناهم على الحقّ بنصب الحجج وإرسال الرّسل.

و قرئ : «ثمود» بالنّصب بفعل مضمر يفسّره ما بعده، ومنوّنا في الحالين، وبضمّ الثّاء.

فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى: فاختاروا الضّلالة على الهدى.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى حمزة بن طيّار: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى قال:

عرّفناهم، فاستحبّوا العمى على الهدى وهم يعرفون.

و في اعتقادات الإماميّة  للصّدوق: قال الصّادق- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى قال: وجوب الطّاعات وتحريم المعاصي وهم يعرفون.

فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ: صاعقة من السّماء فأهلكتهم. وإضافتها إلى العذاب ووصفه بالهون للمبالغة.

بِما كانُوا يَكْسِبُونَ : من اختيار الضّلالة على الهدى.وَ نَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ : من تلك الصّاعقة.

وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ وقرئ : «يحشر» على البناء للفاعل، وهو اللّه- عزّ وجلّ.

و قرأ  نافع: «نحشر» بالنّون مفتوحة، وضمّ الشّين، ونصب «أعداء».

فَهُمْ يُوزَعُونَ : يحبس أوّلهم على آخرهم لئلّا يتفرّقوا. وهي عبارة عن كثرة أهل النّار.

حَتَّى إِذا ما جاؤُها: إذا حضروها. و«ما» مزيدة لتأكيد اتّصال الشّهادة بالحضور.

شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ :

بأن ينطقها [اللّه- تعالى‏] . أو يظهر عليها آثارا تدلّ على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال.

و قيل : إنّ اللّه- تعالى- يفعل الشّهادة، وإنّما أضافها إليها مجازا.

وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا: سؤال توبيخ. أو تعجّب، ولعلّ المراد به:

نفس التّعجّب.

قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ، أي: ما نطقنا باختيارنا بل أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ. أو ليس نطقنا بعجب من قدرة اللّه الّذي أنطق كلّ حيّ.

قيل : ولو أوّل الجواب والنّق بدلالة الحال بقي الشّي‏ء عامّا في الموجودات الممكنة.

و في كتاب التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه حاكيا حال أهل المحشر: ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه، فيقولون: واللّه، ربّنا ما كنّا مشركين. فيختم اللّه- تبارك وتعالى- على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكلّ معصية كانت منهم، ثمّ يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم:

لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ.وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ  يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود، وأن يكون استئنافا.

وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ، أي: كنتم تستترون من النّاس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم فما استترتم عنها.

و فيه تنبيه على أنّ المؤمن ينبغي أن يتحقّق أنّه لا يمرّ عليه حال إلّا وعليه رقيب.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول  فيه: وليست الجوارح تشهد على مؤمن إنّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب، فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، [قال اللّه - عزّ وجلّ-: فَمَنْ  أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ‏]  فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا.

عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه- عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد  قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، يقول فيه بعد أن قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها: ثمّ نظم [ما فرض‏]  على القلب واللّسان والسّمع والبصر في آية أخرى، فقال: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ، يعني بالجلود: الفروج والأفخاذ.

و في من لا يحضره الفقيه : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة: يا بنيّ، لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كلّ ما تعلم، فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- قد فرض على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة.

... إلى قوله: وقال- عزّ وجلّ-: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ،يعني بالجلود: الفروج.

وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ : فلذلك اجترأتم على ما فعلتم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إنّها نزلت في قوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها، فيقولون: ما عملنا شيئا منها. فتشهد عليهم الملائكة الّذين كتبوا عليهم أعمالهم.

قال الصّادق- عليه السّلام-: فيقولون للّه: يا ربّ، هؤلاء ملائكتك يشهدون لك.

ثمّ يحلفون باللّه ما فعلوا من ذلك شيئا منها، وهو قول اللّه - عزّ وجلّ-: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ. وهم الّذين غصبوا أمير المؤمنين، فعند ذلك يختم اللّه- عزّ وجلّ- على ألسنتهم وينطق جوارحهم، فيشهد السّمع بما سمع ممّا حرّم اللّه- عزّ وجلّ-، ويشهد [البصر بما نظر به إلى ما حرّم اللّه- عزّ وجلّ-، وتشهد اليدان بما أخذتا، وتشهد الرّجلان بما سعتا فيما حرّم اللّه- عزّ وجلّ-، ويشهد]  الفرج بما ارتكب ممّا حرّم اللّه. ثمّ أنطق اللّه- عزّ وجلّ- ألسنتهم، فيقولون  هم لجلودهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أي من الله أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ و«الجلود» الفروج وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ.

وَ ذلِكُمْ: إشارة إلى ظنّهم هذا، وهو مبتدأ وقوله: ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ: خبران له.

و يجوز أن يكون «ظنّكم» بدلا و«أرداكم» خبرا.

فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ  إذ صار ما منحوا للاستسعاد به في الدّارين سببا لشقاء المنزلين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: حديث يرويه النّاس فيمن يؤمر به آخر النّاس إلى النّار.فقال لي: أما إنّه ليس كما يقولون: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ آخر عبد يؤمر به إلى النّار، فإذا أمر به التفت.

فيقول الجبّار- جلّ جلاله-: ردّوه. فيردّونه، فيقول له: لم التفتّ إليّ؟

فيقول: يا ربّ، لم يكن ظنّي بك هذا.

فيقول: وما كان ظنّك بي؟

فيقول: يا ربّ، كان ظنّي بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنّتك.

قال: فيقول الجبّار: يا ملائكتي، لا وعزّتي وجلالي وآلائي وعلوّي وارتفاع مكاني، ما ظنّ بي عبدي هذا ساعة من خير قطّ، ولو ظنّ بي ساعة من خير ما روّعته بالنّار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنّة.

ثمّ قال : قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ليس من عبد يظنّ باللّه- عزّ وجلّ- خيرا إلّا كان عند ظنّه به، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ.

و في مجمع البيان : وقال الصادق- عليه السّلام-: ينبغي للمؤمن أن يخاف اللّه خوفا، كأنّه يشرف على النّار، ويرجوه رجاء، كأنّه من أهل الجنّة، إنّ اللّه- تعالى- يقول: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ (الآية).

ثمّ قال: إنّ اللّه- تعالى- عند ظنّ عبده، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.

فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ: لا خلاف لهم عنها.

وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا: يسألوا العتبى، وهو الرّجوع إلى ما يحبّون.

فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ : المجابين إليها. ونظيره قوله - تعالى- حكاية: أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ.

و قرئ : «و إن يستعتوا فما هم من المعتبين»، أي: إن يسألوا أن يرضوا ربّهم فما هم فاعلون لفوات المكنة.

و في نهج البلاغة : وصارت الأجساد شحبة  بعد بضّتها ، والعظام نخرة بعد قوّتها،و الأرواح مرتهنة بثقل أعبائها، موقنة بغيب أنبائها، لا تستزاد من صالح عملها، ولا تستعتب  من سيّئ زللها!

وَ قَيَّضْنا: وقدّرنا لَهُمْ للكفرة قُرَناءَ: أخدانا من الشّياطين يستولون  عليهم استيلاء القيض على البيض، وهو القشر.

و قيل : أصل القيض: البدل، ومنه المقايضة للمعاوضة.

فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من أمر الدّنيا، واتّباع الشّهوات.

وَ ما خَلْفَهُمْ من أمر الآخرة وإنكاره .

وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، أي: كلمة العذاب.

فِي أُمَمٍ: في جملة أمم. وهو حال من الضّمير المجرور.

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وقد عملوا مثل أعمالهم. إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ : تعليل لاستحقاقهم العذاب.

و الضّمير لهم وللأمم.

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ: وعارضوه بالخرافات. أو ارفعوا أصواتكم بها لتشوّشوا على القارئ.

و قرئ  بضمّ الغين، والمعنى واحد. يقال: لغا يغلو، ولغي يلغي: إذا هذى.

لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ، أي: تغلبونه على على قراءته.

فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً المراد بهم: هؤلاء القائلون، أو عامّة الكفّار.

وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ : سيّئات أعمالهم.

و قد سبق مثله .

ذلِكَ: إشارة إلى «الأسوأ». جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ: خبره. النَّارُ: عطف‏بيان «للجزاء». أو خبر محذوف.

لَهُمْ فِيها: في النّار دارُ الْخُلْدِ فإنّها دار إقامتهم، وهو كقولك: في هذه الدّار دار سرور، وتعني بالدّار: عينها، على أنّ المقصود هو الصّفة .

جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ : ينكرون الحقّ، أو يلغون. وذكر الجحود، الّذي هو سبب اللّغو.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بن أسباط، عن عليّ بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: قال اللّه- عزّ وجلّ-: فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بتركهم ولاية عليّ- عليه السّلام. عَذاباً شَدِيداً في الدّنيا. وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ في الآخرة. ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ. والآيات: الأئمّة- عليهم السّلام.

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قيل : يعني: شيطاني النّوعين، الحاملين على الضّلالة والعصيان.

و قيل : هما إبليس وقابيل، فإنّهما سنّا الكفر والقتل.

و قرأ  ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والسّوسيّ: «أرنا» بالتخفيف، كفخذ، وفخذ.

نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا: ندسهما انتقاما منهما.

و قيل : نجعلهما في الدّرك الأسفل.

لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ : [مكانا، أو ذلّا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم :- رحمه اللّه-: قال العالم- عليه السّلام-: من الجنّ إبليس الّذي دلّ  على قتل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في دار النّدوة، وأضلّ‏النّاس بالمعاصي، وجاء بعد وفاة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى أبي بكر  فبايعه، ومن الإنس فلان.

و في روضة الكافي : محمّد بن أحمد القمّي، عن [عمّه‏]  عبد اللّه بن الصّلت، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن سنان، عن حسين الجمّال، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ.]  قال: هما.

ثمّ قال: وكان فلان شيطانا.

يونس ، عن سورة بن كليب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ.

قال: يا سورة، هما، واللّه، هما ثلاثا. واللّه، يا سورة، إنّا لخزّان علم اللّه في السّماء، وإنّا لخزّان علم اللّه في الأرض.

و في مجمع البيان : رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا (الآية)، يعنون: إبليس الأبالسة، وقابيل بن آدم أوّل من أبدع المعصية. روي ذلك عن عليّ- عليه السّلام.

و في شرح الآيات الباهرة : وذكر ابن قولويه- رحمه اللّه عليه- في «كامل الزّيارات» شيئا في هذا المعنى في حديث طويل يأتي في آخر الكتاب، وهو: فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط من نار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضع على جبال الدّنيا لذابت حتّى تصير رمادا فيضربان بها.

ثمّ يجثو أمير المؤمنين- عليه السّلام- بين يدي اللّه- عزّ وجلّ- للخصومة مع الرّابع، ويدخل الثّلاثة في جبّ فيطبق عليهم لا يراهم أحد ولا يرون أحدا، فيقول الّذين كانوا في ولايتهم: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ.

إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ: اعترافا بربوبيّته، وإقرارا بوحدانيّته.

ثُمَّ اسْتَقامُوا قيل : أي: في العمل.

و «ثمّ» لتراخيه عن الإقرار الرّتبة من حيث إنّه مبدأ الاستقامة، أو لأنّها عسرة قلّما تتبع الإقرار.

و في مجمع البيان : روى محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- عن الاستقامة.

فقال: هي، واللّه، ما أنتم عليه.

و عن أنس  قال: قرأ علينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هذه الآية، ثمّ قال:

قد قالها أناس ثمّ كفر أكثرهم، فمن قالها حتّى يموت فهو ممّن استقام عليها.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني حفص  بن محمّد الأحمسيّ قال:

 

حدّثنا محول عن أبي مريم قال: سمعت أبان بن تغلب- رحمه اللّه- يسأل جعفرا- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا [قال:

استقاموا]  بولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام.

تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ قيل : فيما يعنّ  لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن.

و قيل»

: عند الخروج عن القبر.

و قيل‏1»

:

عند الموت.

و في مجمع البيان : روي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

 

أَلَّا تَخافُوا: على ما تقدمون عليه.

وَ لا تَحْزَنُوا: على ما خلّفتم.

و «أن» مصدريّة، أو مخفّفة مقدّرة بالباء، أو مفسّرة.وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ : في الدّنيا على لسان الرّسل.

و في بصائر الدّرجات : عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن الحسين  بن عليّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن سهيل  الأشعريّ، عن أبيه، عن [أبي‏]  اليسع قال: دخل حمران بن أعين على أبي جعفر- عليه السّلام- فقال له: جعلت فداك، يبلغنا أنّ الملائكة تتنزّل عليكم.

قال: إي، واللّه، ولتنزل علينا فتطأ فرشنا، أما تقرأ كتاب اللّه- تبارك وتعالى-:

إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة، بن أيّوب، عن الحسين بن عثمان، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: استقاموا على الأئمّة واحدا بعد واحد تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

و عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- أنّه قال: بينا أبي- عليه السّلام- جالس وعنده نفر إذ استضحك ثمّ حتّى اغرورقت عيناه دموعا، ثمّ قال: هل تدرون ما أضحكني؟

قال: فقالوا: لا.

قال: زعم ابن عبّاس أنّه من الّذين قالوا  ربّنا اللّه ثمّ استقاموا.

فقلت له: هل رأيت الملائكة، يا ابن عبّاس، تخبرك بولايتها لك في الدّنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن؟

قال: فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يقول : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وقد دخل في‏هذا جميع الأمّة.

فاستضحكت ثمّ قلت: صدقت، يا ابن عبّاس.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة : وإنّي متكلّم بعدة اللّه وحجّته، قال اللّه- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. وقد قلتم: رَبُّنَا اللَّهُ، فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج أمره وعلى الطّريقة الصّالحة من عبادته، ثمّ لا تمرقوا منها، ولا تبتدعوا فيها، ولا تخالفوا عنها، فإنّ أهل المروق منقطع بهم يوم القيامة.

و في الخرائج والجرائح ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا فقال: أمّا، واللّه، لربّما وسدّناهم الوسائد في منزلنا.

قيل له: الملائكة تظهر لكم؟

فقال: لهم ألطف بصبياننا منّا بهم. وضرب بيده إلى مسور  في البيت فقال: واللّه، لطالما اتّكت عليها الملائكة، وربّما التقطنا من زغبها .

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن الحسين بن حميد، عن جعفر بن عبد اللّه المحمّديّ، عن كثير بن عيّاش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا يقول: استكملوا طاعة اللّه ورسوله وولاية آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- ثمّ استقاموا عليها تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ يوم القيامة أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. فأولئك هم الّذين إذا فزعوا يوم القيامة حين يبعثون تتلقّاهم الملائكة ويقولون لهم: لا تخافوا ولا تحزنوا، نحن الّذين كنّا معكم في الحياة الدّنيا لا نفارقكم حتّى تدخلوا الجنّة وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.و قال- أيضا : حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد السّيّاري، عن محمّد بن خالد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (الآية) قال: استقاموا على الأئمّة واحدا بعد واحد.

و قال- أيضا : حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا.

قال: هو، واللّه، ما أنتم عليه وهو قوله - تعالى-: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً.

قلت: متى تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ؟

فقال: عند الموت ويوم القيامة، معناه: عند الموت في الدّنيا، ويوم القيامة في الآخرة.

نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

: نلهمكم الحقّ ونحملكم على الخير بدل ما كان الشّياطين تفعل بالكفرة.

وَ فِي الْآخِرَةِ

: بالشّفاعة والكرامة حيثما يتعادى الكفرة وقرناؤهم.

و في مجمع البيان : نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ

 قيل: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ [فِي الْحَياةِ الدُّنْيا]

 ، أي: نحرسكم في الدّنيا وعند الموت وفي الآخرة ... عن أبي جعفر- عليه السّلام.

وَ لَكُمْ فِيها

: في الآخرة ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ‏

 من اللّذائذ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، إنّي أردت أن أسألك عن شي‏ء أستحيي منه.

قال: سل.قلت: جعلت فداك،]  هل في الجنّة غناء؟

قال: إنّ في الجنّة شجرا يأمر اللّه رياحها فتهبّ فتضرب تلك الشّجرة بأصوات لهم يسمع الخلائق مثلها حسنا.

ثمّ قال: هذا عوض لمن ترك السّماع للغناء في الدّنيا مخافة اللّه.

و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريستيّ ، بإسناده إلى عبد اللّه بن عبّاس- رحمه اللّه- قال: إنّه سمع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إنّ الجنّة لتتّخذ وتزين  من الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أوّل ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها: المبشّرة  المثيرة، فتصفّق ورق أشجار الجنان وحلق المصاريع فيسمع لذلك طنين لم يسمع السّامعون أحسن منه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ‏

 : ما تتمنّون من الدّعاء، بمعنى: الطّلب، وهو أعمّ من الأوّل.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمّد بن إسحاق المدنيّ ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وذكر حديثا طويلا، يقول فيه حاكيا حال أهل الجنّة والثّمار دانية منهم، وهو قوله- عزّ وجلّ-: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا من قربها منهم يتناول المؤمن من النّوع الّذي يشتهيه من الثّمار بعينه بفيه  وهو متّكئ. وإنّ الأنواع من الفاكهة ليقلن لوليّ اللّه: يا وليّ اللّه، كلني قبل أن تأكل هذا قبلي.

قال: وليس من مؤمن في الجنّة إلّا وله جنان كثيرة معروشات [و غير معروشات‏]  وأنهار من خمر، وأنهار من [ماء، وأنهار]  لبن، وأنهار من عسل، فإذا دعا وليّ اللّه بغذائه أتي بما تشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غير أن يسمّي شهوته.

نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ : حال من ما تَدَّعُونَ‏

، للإشعار بأنّ ما يتمنّون  بالنّسبة إلى ما يعطون ممّا لا يخطر ببالهم، كالنزل للضّيف.و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: ثمّ ذكر المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قال: على ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام.

تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ قال: عند الموت.

أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال: كنّا نحرسكم من الشّياطين. وَفِي الْآخِرَةِ

، أي: عند الموت. وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ‏

، يعني: في الجنّة. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ.

حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلّا ويحضره رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين والحسن والحسين- عليهم السّلام- فيسرّوه  ويبشّروه، وإن كان غير موال لنا يراهم بحيث يسوؤه، والدّليل على ذلك قول أمير المؤمنين- عليه السّلام- لحارث الهمدانيّ:

         يا حار همدان من يمت يرني             من مؤمن أو منافق قبلا

 

 

و في تفسير الإمام العسكريّ : قال الإمام- عليه السّلام- قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة، لا يتيقّن الوصول إلى رضوان اللّه، حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له، وذلك أنّ ملك الموت يرد على المؤمن، وهو في شدّة علّته  وعظيم ضيق صدره بما يخلّفه من أمواله [و عياله‏] ، وما هو  عليه من [شدّة]  اضطراب أحواله في معامليه وعياله وقد بقيت في نفسه حسراتها  واقتطع دون أمانيه فلم ينلها.

فيقول له ملك الموت: مالك تتجرّع غصصك؟

فيقول: لاضطراب أحوالي واقتطاعي  دون [أموالي و]  آمالي.فيقول له ملك الموت: وهل يجزع  عاقل من فقد درهم زائف وقد اعتاض عنه بألف ألف  ضعف الدّنيا؟

فيقول: لا.

فيقول له ملك الموت: فانظر فوقك.

فينظر، فيرى درجات الجنان وقصورها الّتي تقصر دونها الأماني.

فيقول له ملك الموت: هذه منازلك ونعمك وأموالك [و أهلك‏]  وعيالك ومن كان من [أهلك هاهنا و]  ذرّيّتك صالحا فهم هناك معك، أ فترضى به بدلا ممّا هاهنا؟

فيقول: بلى واللّه.

ثمّ يقول له ملك الموت: انظر. فينظر، فيرى محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّا والطّيّبين من آلهما في أعلى علّيّين.

فيقول له: أو تراهم، هؤلاء ساداتك وأئمّتك، هم هناك جلساؤك وأنساؤك ، فما ترضى بهم بدلا ممّا تفارق هاهنا؟

فيقول: بلى، وربّي.

فذلك ما قال اللّه- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا  فما أمامكم من الأهوال فقد كفيتموه، وَلا تَحْزَنُوا على ما تخلّفونه من الذّراريّ والعيال والأموال، فهذا الّذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. هذه منازلكم، وهؤلاء جلساؤكم وأمناؤكم ، نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ‏

.

وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ: إلى عبادته.

وَ عَمِلَ صالِحاً: فيما بينه وبين ربّه.

وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ : تفاخرا به، أو اتّخاذا للإسلام دينا ومذهبا،من قولهم: هذا قول فلان، لمذهبه.

و الآية عامّة لمن استجمع تلك الصّفات.

و قيل : نزلت في النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.

و قيل : في المؤذّنين.

و في تفسير العيّاشي : عن جابر قال: قلت لمحمّد بن عليّ- عليهما السّلام-: قول اللّه- تبارك وتعالى- في كتابه : الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.

قال: هما والثّالث والرّابع [و عبد الرحمن‏]  وطلحة، وكانوا سبعة عشر رجلا .

قال: لما وجّه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وعمّار بن ياسر إلى أهل مكّة قالوا: بعث هذا الصّبيّ ولو بعث غيره، يا حذيفة، إلى أهل مكّة وفي مكّة صناديدها. وكانوا يسمّون عليّا، الصّبيّ، لأنّه كان اسمه في كتاب اللّه الصّبيّ، لقول اللّه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وهو صبيّ وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ: في الجزاء وحسن العاقبة.

و «لا» الثّانية لتأكيد النّفي.

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: ادفع السّيّئة حيث اعترضتك بالّتي هي أحسن منها، وهي الحسنة، على أنّ المراد بالأحسن: الزّائد مطلقا . أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات.

و إنّما أخرجه مخرج الاستئناف على أنّه جواب من قال: كيف أصنع؟ للمبالغة ، ولذلك وضع [الأحسن موضع‏]  الحسنة.

فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، أي: إذا فعلت ذلك صار عدوّك المشاقّ مثل الوليّ الشّفيق.و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: ثمّ أدّب اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قال: ادفع سيّئة من أساء إليك بحسنتك حتّى يكون الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ قال: «الحسنة» التّقيّة، و«السّيّئة» الإذاعة.

و قوله- عزّ وجلّ-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [السّيئة» قال: الّتي هي أحسن‏]  التقيّة فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثنا محمّد بن القاسم [بن عبيد]  قال: حدّثنا محمّد بن رزان  قال: حدّثنا عبيد اللّه ، يعني: [ابن‏]  محمّد القيسيّ، قال:

 

حدّثنا محمّد بن فضيل، عن تميم بن أسلم، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: جعلت فداك، لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ قال: «الحسنة» التّقيّة، و«السّيّئة» الإذاعة.

قال: قلت: جعلت فداك، وادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

قال: الصّمت.

ثمّ قال: يا معاوية، ناشدتك باللّه، هل تعرف ذلك في نفسك أنّك تكون مع قوم لا يعرفون ما أنت عليه من دينك‏]  ولا تكون لهم ودّا وصديقا، فإذا عرفوك وشعروك، أبغضوك ؟

قلت: صدقت.

قال: فقال لي: فذا من ذلك.و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى عبد اللّه بن زهير قال: وفد العلا بن الحضرميّ على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ لي أهل بيت أحسن إليهم ويسيئون، وأصلهم ويقطعون.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

فقال العلا بن الحضرميّ: إنّي قد قلت شعرا هو أحسن من هذا.

قال: وما قلت؟

فأنشده:

         وحيّ ذوي الأضغان  تسب قلوبهم             تحيّتك العظمى فقد يرفع النّغل

 

 

         فإنّ أظهروا خيرا فجاز بمثله             وإن خنسوا عنك  الحديث فلا تسل‏

 

 

         فإنّ الّذي يؤذيك منه سماعه             وإنّ الّذي قالوا وراءك لم يقل‏

 فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ من الشّعر لحكما، وإنّ من البيان لسحرا، وإنّ شعرك لحسن، وإنّ كتاب اللّه أحسن.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ قال: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن سورة بن كليب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فقال رسول اللّه-: أمرت بالتّقيّة، فسار بها عشرا حتّى أمر أن يصدع [بما أمر، وأمر بها عليّ- عليه السّلام- فسار بها حتّى أمر أن يصدع‏]  بها. ثمّ أمر الأئمّة بعضهم بعضا فساروا بها، فإذا قام قائمنا سقطت التّقيّة وجرّد السّيف، ولم يأخذ من النّاس ولم يعطهم إلّا بالسّيف.

و قال- أيضا : حدّثنا الصّالح، الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن‏

 

يونس بن عبد الرّحمن، عن محمّد بن فضيل، عن العبد الصّالح- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ.

قال: نحن الحسنة، وبنو أمية السّيّئة.

وَ ما يُلَقَّاها: [و ما يلقّى‏]  هذه السّجية وهي مقابلة الإسائة بالإحسان إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا فإنّها تحبس النّفس عن الانتقام.

وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ  من الخير وكمال اليقين.

و قيل : «الحظّ العظيم» الجنّة.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه-، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ، جميعا، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا حفص، إنّ من صبر صبر قليلا، وإنّ من جزع جزع قليلا.

ثمّ قال: عليك بالصّبر في جميع أمورك، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- بعث محمّدا فأمره بالصّبر والرّفق، فقال- تبارك وتعالى-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ... فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. فصبر [رسول اللّه‏]  حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: صافح عدوّك وإن كره، فإنّه ممّا أمر اللّه به عباده، يقول: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وما تكافئ  عدوّك بشي‏ء أشدّ عليه من أن تطيع اللّه فيه، وحسبك أن ترى عدوّك يعمل بمعاصي اللّه.

و في مجمع البيان : روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: «و ما يلقّاها إلّا كلّ‏ذي حظّ عظيم».

وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ: نخس. شبّه به وسوسته لانّها بعث على مالا ينبغي، كالدّفع بما هو أسوأ. وجعل النّزغ نازغا على طريقه: جدّ جدّه. أو أريد منه:

نازغ وصفا للشّيطان بالمصدر.

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ: من شرّه ولا تطعه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ [، أي: إن عرض لقلبك نزغ من الشيطان‏]  فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. والمخاطبة لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والمعنى للنّاس.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: إذا وسوس الشّيطان إلى أحدكم فليستعذ باللّه، وليقل: آمنت باللّه [و برسوله‏]  مخلصا له الدّين.

إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ: لاستعاذتك. الْعَلِيمُ  بنيّتك وبصلاحك.

وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ: لأنّهما مخلوقان مأموران مثلكم. وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ.

الضّمير للأربعة المذكورة، والمقصود: تعليق الفعل بهما إشعارا بأنّهما من عداد ما لا يعلم ولا يختار.

إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ : فإنّ السّجود أخصّ العبادات.

فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا: عن الامتثال.

فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ: من الملائكة.

يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، أي: دائما، لقوله: وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ، أي: لا يملّون.

و في مجمع البيان : والمرويّ عن ابن عبّاس وقتادة وابن المسيّب: أنّ موضع السّجود عند قوله: وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ.و عن ابن مسعود والحسن: أنه عند قوله: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. وهو اختيار أبي عمرو بن أبي العلا. وهو المرويّ عن أئمّتنا- عليهم السّلام.

و في جوامع الجامع : وموضع السّجدة عند الشّافعيّ: «تعبدون». وهو المرويّ عن أئمّتنا- عليهم السّلام.

و عند أبي حنيفة: «يسأمون».

و في من لا يحضره الفقيه : وقد روي أنّه يقول في سجدة العزائم: لا إله إلّا اللّه حقّا حقّا، لا إله إلّا اللّه إيمانا وتصديقا، لا إليه إلّا اللّه عبوديّة ورقّا، سجدت لك، يا ربّ، تعبّدا ورقّا، لا مستنكفا ولا مستكبرا، بل أنا عبد ضعيف  ذليل خائف مستجير. ثمّ يرفع رأسه، ثمّ يكبّر.

وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً: يابسة متطامنة. مستعار من الخشوع، بمعنى: التّذلّل.

فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ: تزخرفت  وانتفخت بالنّبات.

و قرئ : «و ربأت»، أي: زادت.

إِنَّ الَّذِي أَحْياها: بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ: من الإحياء والإماتة قَدِيرٌ .

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال: عن أبيه، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت له: لم خلق اللّه- عزّ وجلّ- الخلق على أنواع شتّى ولم يخلقه نوعا واحدا؟

قال: لئلّا يقع في الأوهام أنّه عاجز، فلا تقع صورة في وهم أحد  إلّا وقد خلق اللّه- عزّ وجلّ- عليها خلقا، ولا يقول قائل: هل يقدر اللّه- تعالى- على أن يخلق على صورة كذا وكذا، إلّا وجد ذلك في خلقه- تبارك وتعالى. فيعلم بالنّظر إلى أنواع خلقه أنّه على كلّ شي‏ء قدير.إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ: يميلون عن الاستقامة. فِي آياتِنا بالطّعن والتّحريف والتّأويل الباطل والإلغاء فيها. لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا فنجازيهم على إلحادهم.

و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ - رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل، يقول فيه مجيبا لبعض الزّنادقة: وأمّا ما ذكرته  من الخطاب الدّال على تهجين النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والإزراء به والتّأنيب له ، مع ما أظهره اللّه- تعالى- في كتابه من تفضيله إيّاه على سائر أنبيائه، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- جعل لكلّ نبيّ عدوّا من المشركين، كما قال في كتابه، وبحسب جلالة منزلة  نبيّنا عند ربّه كذلك عظم  محنته لعدوّه الّذي عاد منه في حال شقاقه ونفاقه، وكلّ أذى ومشقّة لدفع نبوّته وتكذيبه إيّاه وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كلّ ما أبرمه، واجتهاده ومن مالأه  على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه وتغيير ملّته ومخالفة سنّته، ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيّه وإيحاشهم منه وصدّهم عنه وإغرائهم بعداوته، والقصد لتغيير الكتاب الّذي جاء به وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وكفر ذوي الكفر، منه وممّن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه.

و لقد علم اللّه ذلك منهم، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا.

و قال : يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ.

و لقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التّأويل والتّنزيل والمحكم والمتشابه والنّاسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف ألف ولا لام، فلمّا وقفوا على ما بيّنه اللّه من أسماء أهل الحقّ والباطل، وأنّ ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه ، قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا. ولذلك  قال : فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ.

ثمّ دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عمّا لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه‏و تضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فصرخ  مناديهم: من كان عنده شي‏ء من القرآن فليأتنا به. ووكّلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم إلى معاداة أولياء اللّه، فألّفه  على اختيارهم وما يدلّ للمتأمّل له على اختلاف  تمييزهم وافترائهم، وتركوا منه ما قد رأوا أنّه لهم وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره، وعلم اللّه أنّ ذلك يظهر ويبين فقال: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ. وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم  وافتراؤهم.

و الّذي بدا في الكتاب من الإزراء على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من فرية  الملحدين، ولذلك قال : وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً. فيذكر- جلّ ذكره- لنبيّه ما يحدثه عدوّه في كتابه من بعده بقوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ، يعني: أنّه ما من نبيّ تمنّى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلّا ألقى الشّيطان المعرّض لعداوته عند فقده في الكتاب الّذين أنزل عليه ذمّه والقدح فيه والطّعن عليه، فينسخ اللّه ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين، ويحكم اللّه  آياته بأن يحمي أولياءه من الضّلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر والطّغيان الّذين لم يرض اللّه أن يجعلهم كالأنعام، حتّى قال : بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.

فافهم هذا [و اعلمه‏]  واعمل به، واعلم أنّك ما قد تركت ممّا يجب عليك السّؤال عنه أكثر ممّا سألت عنه، وإنّي اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم وقلّة الرّاغبين في التماسه، وفي دون ما بيّنت لك بلاغ لذوي الأبصار .

أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِقابل الإلقاء في النّار بالإتيان آمنا مبالغة في إحماد حال المؤمنين.

و في كتاب الخصال : عن الحسن قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- قال: وعزّتي وجلالي، لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين، فإذا أمنني في الدّنيا، أخفته [في الآخرة]  يوم القيامة، وإذا خافني في الدّنيا، آمنته يوم القيامة.

و في نهج البلاغة : وإنّما هي نفسي، أروّضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق .

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لبعض جلسائه: ألا أخبرك بشي‏ء يقرّب من اللّه ويقرّب من الجنّة ويباعد من النّار؟

فقال: بلى.

فقال: عليك بالسّخاء، فإنّ اللّه خلق خلقا برحمته لرحمته، فجعلهم للمعروف أهلا وللخير موضعا وللنّاس وجها يسعى إليهم، لكي يحيوهم، كما يحيي المطر الأرض المجدبة، أولئك هم المؤمنون الآمنون يوم القيامة.

اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ تهديد شديد.

إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ : وعيد بالمجازاة.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ: بدل من قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا. أو مستأنف وخبر «إنّ» محذوف، مثل: معاندون، أو هالكون، أو أولئك ينادون.

و «الذّكر» القرآن.

وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ : كثير النّفع عديم النّظير، أو منيع لا يتأتّى إبطاله وتحريفه.

لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ: لا يتطرّق إليه الباطل من جهة من الجهات، أو ممّا فيه من الأخبار الماضية والأمور الآتية.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ، يعني: القرآن الّذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ  قال: لا يأتيه الباطل من قبل التّوراة [و لا من قبل الإنجيل والزّبور. وَلا مِنْ خَلْفِهِ، أي: لا يأتيه من بعده كتاب يبطله.

و في مجمع البيان : لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ  وَلا مِنْ خَلْفِهِ قيل: فيه أقوال.

... إلى قوله: ثالثها، معناه: أنّه ليس في أخباره عمّا مضى باطل [و لا في أخباره عمّا يكون في المستقبل باطل،]  بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتهما. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- [و أبي عبد اللّه- عليه السّلام‏] .

 

تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، أي: حكيم يحمده كلّ مخلوق بما ظهر عليه من نعمه.

و في كتاب طبّ الأئمّة ، بإسناده إلى أبي بصير قال: شكا رجل إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وجع السرّة .

فقال له: اذهب فضع يدك على الموضع الّذي تشتكي، وقل: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. ثلاثا، فإنّك تعافى بإذن اللّه.

ما يُقالُ لَكَ، أي: ما يقول لك كفّار قومك.

إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ: إلّا مثل ما قال لهم كفّار قومهم.

و يجوز أن يكون المعنى: ما يقول لك اللّه إلّا مثل ما قال لهم.

إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ: لأنبيائه.

وَ ذُو عِقابٍ أَلِيمٍ : لأعدائهم.

و هو على الثّاني يحتمل أن يكون المقول بمعنى: أنّ حاصل ما أوحى إليك وإليهم وعد المؤمنين بالمغفرة، والكافرين بالعقوبة.وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا: جواب لقولهم: هلّا نزل القرآن بلغة العجم.

و الضّمير للذّكر.

لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ: بلسان نفقهه.

ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ: أ كلام أعجميّ ومخاطب عربيّ. إنكار ومقرّر للتّخصيص.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بآخر ما سبق، أعني قوله»

: كتاب يبطله. وقوله- عزّ وجلّ-: لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قال: لو كان هذا القرآن أعجميّا لقالوا: كيف نتعلّمه ولسانا عربيّ وآتيتنا بقرآن أعجميّ؟ فأحبّ اللّه- عزّ وجلّ- أن ينزّل بلسانهم، وقد قال اللّه - عزّ وجلّ-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ.

و «الأعجميّ» يقال للّذي لا يفهم كلامه ، وهذا قراءة  أبي بكر وحمزة والكسائيّ.

و قرأ  الباقون: «أعجميّ» وهو منسوب إلى العجم.

و قرأ  هشام: «أعجميّ» على الإخبار، وعلى هذا يجوز أن يكون المراد: هلّا فصّلت آياته، فجعل بعضها أعجميّا لإفهام العجم وبعضها عربيّا لإفهام العرب، والمقصود: إبطال مقترحهم باستلزام المحذور، أو الدّلالة على أنّهم لا ينفكّون عن التّعنّت في الآيات كيف جاءت.

قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً: إلى الحقّ.

وَ شِفاءٌ: لما في الصّدور من الشّكّ والشّبهة.

وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ: مبتدأ خبره فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ، على تقدير: هو في آذانهم وقر، لقوله: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى. وذلك لتصامّهم عن سماعه وتعاميهم عمّا يريهم من الآيات.

و من جوّز العطف على عاملين [مختلفين‏] ، عطف ذلك على لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً .أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ : وهو تمثيل لهم في عدم قبولهم واستماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة.

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ: بالتّصديق والتكذيب، كما اختلف في القرآن.

وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ: وهي العدة بالقيامة وفصل الخصومة حينئذ.

أو تقدير الآجال.

لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ: باستئصال المكذّبين.

وَ إِنَّهُمْ: وإنّ اليهود. أو الّذين لا يؤمنون.

لَفِي شَكٍّ مِنْهُ: من التّوراة. أو القرآن.

مُرِيبٍ : موجب للاضطراب.

و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن يعقوب [عن عليّ بن محمد] - رحمه اللّه-، عن عليّ بن العبّاس- رحمه اللّه-، عن الحسن  بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قال: اختلفوا، كما اختلفت هذه الأمّة في الكتاب، [و سيختلفون في الكتاب‏]  الّذي مع القائم- عليه السّلام- لمّا يأتيهم به حتّى ينكره ناس كثير، فيقدّمهم فيضرب أعناقهم.

مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ: نفعه.

وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها: ضرّه.

وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ : فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال: سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام.... إلى أن قال: وسألته عن اللّه- عزّ وجلّ-: هل يجبر عباده على المعاصي؟

فقال: لا، [بل يخيّرهم ويمهلهم‏]  حتّى يتوبوا.

قلت: فهل كلّف عباده ما لا يطيقون؟

فقال: كيف يفعل ذلك وهو يقول: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ؟

ثمّ قال- عليه السّلام-: «حدّثني أبي، موسى بن جعفر [عن أبيه جعفر]  بن محمّد- عليهم السّلام- أنّه قال: من زعم أنّ اللّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلّوا وراءه، ولا تعطوه من الزّكاة شيئا.

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ، أي: إذا سئل عنها، إذ لا يعلمها إلّا هو.

وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها: من أوعيتها. جمع، كمّ، بالكسر.

و قرأ  نافع وابن عامر وحفص: «من ثمرات» بالجمع لاختلاف الأنواع.

و قرئ  بجمع الضّمير، أيضا.

و «ما» نافية، و«من» الأولى مزيدة للاستغراق. ويحتمل أن تكون موصولة معطوفة على «السّاعة»، و«من» مبيّنة بخلاف قوله: وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ بمكان.

إِلَّا بِعِلْمِهِ: إلّا مقرونا بعلمه، واقعا حسب تعلّقه به.

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي: بزعمكم.

قالُوا آذَنَّاكَ: أعلمناك.

ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ : من أحد يشهد لهم بالشّركة إذ تبرّأنا عنهم لمّا عاينا الحال، فيكون السّؤال عنهم للتّوبيخ. أو من أحد يشاهدهم، لأنّهم ضلّوا عنّا.

و قيل : هو قول الشّركاء، أي: ما منّا من يشهد لهم بأنّهم كانوا محقّين.

وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ: يعبدون مِنْ قَبْلُ: لا ينفعهم، أو لا يرونه.

وَ ظَنُّوا: وأيقنوا.

ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ : مهرب. والظّنّ معلّق عنه بحرف النّفي.

لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ: لا يملّ.

مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ: من طلب السّعة في النّعمة.

و قرئ : «من دعاء بالخير».

وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ: الضّيقة فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ : من فضله اللّه ورحمته.

و هذا صفة الكافر، لقوله - تعالى-: لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ. وقد بولغ في يأسه من جهة البنية والتّكرير، وما في القنوط من ظهور  أثر اليأس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله- عزّ وجلّ-: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ، أي: لا يملّ ولا يعيي  من أن يدعو لنفسه بالخير. وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ، أي: ييأس من روح اللّه وفرجه.

وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ: يفترجها عنه.

لَيَقُولَنَّ هذا لِي: حقّي، أستحقّه بما لي من الفضل والعمل. أو لي دائما لا يزول.

وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً: تقوم.

وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى، أي: ولئن قامت على التّوهّم كان لي عند اللّه الحالة الحسنى من الكرامة، وذلك لاعتقاده أنّ ما اصابه من نعم الدّنيا فلاستحقاق لا ينفكّ عنه.

فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: فلنخبرنّهم بِما عَمِلُوا: بحقيقة أعمالهم، ولنبصّرنّهم عكس ما اعتقدوا فيها.

وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ : لا يمكنهم التّفصّي عنه.

وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ: عن الشّكر.

وَ نَأى بِجانِبِهِ: وانحرف عنه، أو ذهب بنفسه وتباعد منه بكلّيّته تكبّرا.

و «الجانب» مجاز عن النّفس، كالجنب في قوله : فِي جَنْبِ اللَّهِ على ما قيل .وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ : كثير. مستعار ممّا له عرض متّسع للإشعار بكثرته واستمراره، وهو أبلغ من الطّويل إذ الطّول أطول الامتدادين، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنّك بطوله.

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ: أخبروني.

إِنْ كانَ: القرآن.

مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ: من غير نظر واتّباع دليل.

مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ، أي: من أضلّ منكم. فوضع الموصول موضع الصّلة شرحا لحالهم، وتعليلا لمزيد ضلالهم.

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ قيل : يعني: وقوع ما أخبرهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من الحوادث الآتية، وما يسرّ اللّه له من الفتوح والظّهور على ممالك الشّرق والغرب على وجه يدلّ على صدقة.

و قيل : يعني: سنريهم حججنا ودلائلنا على التّوحيد في آفاق العالم وأقطار السّموات والأرض من الشّمس والقمر والنّجوم والنّبات والأشجار والبحار والجبال.

وَ فِي أَنْفُسِهِمْ قيل : وقعة بدر.

و قيل : ما أظهر فيما بين أهل مكّة وما حلّ بهم.

و قيل : ما في بدن الإنسان من عجائب الصّنع الدّالّة على كمال القدرة.

حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ قيل : الضّمير للرّسول- صلّى اللّه عليه وآله. [أو للتّوحيد. أو للقرآن.]  أو للّه- تعالى.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن‏

 آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لعليّ- عليه السّلام-: فإنّ هذا موسى بن عمران قد أرسله اللّه [إلى فرعون‏]  وأراه الآية الكبرى.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أرسله اللّه إلى فراعنة شتّى، مثل: أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة وأبي البختريّ، والنّضر بن الحرث، وأبيّ بن خلف، ومنبّه ونبيه ابني الحجّاج، وإلى الخمسة المستهزئين، الوليد بن المغيرة المخزوميّ، والعاص بن وائل السّهميّ، والأسود بن عبد يغوث الزّهريّ ، والأسود بن المطّلب، والحرث بن الطّلاطلة ، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ.

و في روضة الكافي»: سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن الطّيّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ قال: خسف ومسخ وقذف.

قال: قلت له: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ قال: دع ذا، ذاك قيام القائم.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن عليّ، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.

قال: نريهم  في أنفسهم المسخ، ونريهم  في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة اللّه- عزّ وجلّ- في أنفسهم وفي الآفاق.

قلت: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.

قال: خروج القائم هو الحقّ عند اللّه- عزّ وجلّ- يراه الخلق لا بدّ منه.

و في إرشاد المفيد- رحمه اللّه- : عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن، موسى- عليه السّلام- في قوله: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ‏

 قال: الفتن في آفاق الأرض، والمسخ في أعداء الحقّ.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، عن القاسم بن إسماعيل الأنباريّ، عن الحسين  بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ قال: في الآفاق انتقاض  الأطراف عليهم، وفي أنفسهم بالمسخ. حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أي: أنّه القائم- عليه السّلام.

أَ وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ، [أي: أو لم يكف ربّك، و]  الباء مزيدة للتّأكيد، كأنّه قيل: أو لم تحصل الكفاية به. ولا تكاد تزاد في الفاعل إلّا مع «كفى».

أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ : بدل من فاعل «كفى».

قيل : والمعنى: أو لم يكفك أنّه- تعالى- على كلّ شي‏ء شهيد محقّق له، فيحقّق أمرك بإظهار الآيات الموعودة. كما حقّق سائر الأشياء الموعودة. أو مطّلع فيعلم حالك وحالهم. أو أو لم يكف الإنسان رادعا عن المعاصي أنّه- تعالى- مطّلع على كلّ شي‏ء لا يخفى عليه خافية.

 

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: العبوديّة جوهرة  كنهها الرّبوبيّة، فما فقد من العبوديّة وجد في الرّبوبيّة، وما خفي في الرّبوبيّة أصيب في العبوديّة، قال اللّه- تعالى-: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ، أي: موجود في غيبتك وحضرتك.

أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ: شكّ.

و قرئ ، بالضّمّ، وهو لغة، كخفيه وخفية.

مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ: بالبعث والجزاء.

أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ : عالم  بجمل الأشياء وتفاصيلها، مقتدر عليها، لا يفوته شي‏ء منها.