سورة الفيل

سورة الفيل‏

مكّيّة.

و هي خمس [آيات‏]  بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في ثواب الأعمال ، بإسناده، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ في فرائضه أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ  شهد له يوم القيامة كلّ سهل وجبل ومدر بأنّه كان من المصلّين، وينادي له يوم القيامة مناد: صدقتم على عبدي، قبلت شهادتكم [له و]  عليه، أدخلوه الجنّة ولا تحاسبوه فإنّه ممّن أحبّه اللّه وأحبّ عمله.

و في مجمع البيان : في حديث ابيّ: من قرأها، عافاه اللّه أيّام حياته [في الدنيا]  من المسخ والقذف.

و روى العيّاشي ، بإسناده: عن المفضّل بن صالح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: لا تجمع سورتين في ركعة واحدة، إلّا الضّحى وألم نشرح، وألم تر كيف ولإيلاف قريش .عن أبي العبّاس ، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: ألم تر كيف [فعل ربك‏]  ولإيلاف [قريش‏]  سورة واحدة.

أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ .

الخطاب للرّسول. وهو إنّ لم يشهد تلك الواقعة لكن شاهد آثارها أو سمع بالتّواتر أخبارها، فكأنّه رآها.

و إنّما قال: «كيف» ولم يقل: «ما» لأنّ المراد تذكير ما فيها من وجوه الدّلالة على كمال علم اللّه وقدرته وعزّة بيته وشرف رسوله ، فإنّها من الإرهاصات. إذ

روي : أنّها وقعت في السّنة الّتي تولّد فيها الرّسول. وقصّتها: أنّ أبرهة بن الصّباح الأشرم ملك اليمن من قبل أصحمة النّجاشي بنى كنيسة بصنعاء، وسمّاها القليس، وأراد أن يصرف الحاجّ إليها. فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلا، فأغضبه ذلك، فحلف ليهدمنّ الكعبة، فخرج بجيشه ومعه فيل قويّ اسمه محمود وفيلة أخرى. فلمّا تهيّأ للدّخول [و عبّأ جيشه‏]  قدّم الفيل، فكان كلّما وجّوه إلى الحرم برك ولم يبرح وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى جهة أخرى هرول. فأرسل اللّه طيرا، كلّ [واحد]  في منقاره حجر وفي رجليه حجران أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فترميهم فيقع الحجر في رأس الرّجل فيخرج من دبره، فهلكوا جميعا.

و قرئ : أَ لَمْ تَرَ جدّا في إظهار أثر الجازم . و«كيف» نصب بفعل لابتر لما فيه من معنى الاستفهام .

و في الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن أبيه، عن جدّه، قال: المسوخ‏من بني آدم ثلاثة عشر [- إلى أن قال-: وأمّا الفيل فكان [رجلا]  ينكح البهائم فمسخه [اللّه‏]  فيلا.

و فيه - أيضا- عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن المسوخ.

فقال: هي ثلاثة عشر]  الفيل- إلى أن قال- صلّى اللّه عليه وآله-: أمّا الفيل فكان رجلا لوطيّا، لا يدع رطبا ولا يابسا.

و في علل الشّرائع ، بإسناده إلى محمّد بن الحسن بن علان : عن أبي الحسن- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه: أمّا الفيل فإنّه كان ملكا زنّاء لوطيّا.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لمّا أن وجّه صاحب الحبشة بالخيل ومعهم الفيل ليهدم البيت، مرّوا بإبل لعبد المطّلب فساقوها. فبلغ ذلك عبد المطّلب، فأتى صاحب الحبشة، فدخل الآذن فقال: هذا عبد المطّلب بن هاشم.

قال: وما يشاء؟

قال التّرجمان: جاء في إبل له ساقوها، يسألك ردّها.

فقال ملك الحبشة لأصحابه: هذا رئيس قوم وزعيمهم، جئت إلى بيته الّذي يعبده لأهدمه وهو يسألني إطلاق إبله، أما لو سألني الإمساك عن هدمه لفعلت، ردّوا عليه إبله.

فقال عبد المطّلب لترجمانه: ما قال [لك‏]  الملك؟

فأخبره.

فقال عبد المطّلب: أنا ربّ الإبل، ولهذا البيت ربّ يمنعه. فردّت عليه  إبله.و انصرف عبد المطّلب نحو منزله، فمرّ بالفيل في منصرفه فقال للفيل: يا محمود، فحرّك الفيل رأسه. فقال له: أ تدري لم جاؤوا بك؟

فقال الفيل برأسه: لا.

فقال عبد المطّلب: جاؤوا بك لتهدم بيت ربّك، أ فتراك فاعل ذلك؟

فقال برأسه: لا.

فانصرف عبد المطّلب إلى منزله. فلمّا أصبحوا غدوا به لدخول الحرم، فأبى وامتنع عليهم.

فقال عبد المطّلب لبعض مواليه [عند ذلك‏] : اعل  اعدّ الجبل فانظر ترى شيئا؟

فقال: أرى سوادا من قبل البحر.

فقال له: يصيبه بصرك أجمع؟

فقال له: لا، ولأوشك أن يصيب. فلمّا أن قرب قال: هو طير كثير ولا أعرفه، يحمل كل طير في منقاره حصاة، مثل حصاة الحذف ، أو دون حصاة الخذف.

فقال عبد المطّلب: وربّ عبد المطّلب، ما تريد إلّا القوم. حتّى لمّا صار  فوق رؤوسهم أجمع، ألقت الحصاة، فوقعت كلّ حصاة على هامة رجل فخرجت من دبره فقتلته. فلما انفلت منهم إلّا رجل منهم  يخبر النّاس، فلمّا أن أخبرهم ألقت عليه الحصاة فقتلته .

في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران وهشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا أقبل صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة، مرّوا بإبل لعبد المطّلب فاستاقوها. فنوى  عبد المطلب إلى صاحبهم يسألهم ردّ إبله عليه، فاستأذن عليه، فأذن له. وقيل له: إنّ هذا شريف قريش، أو عظيم قريش، هو رجل له عقل ومروءة. فأكرمه وأدناه.ثمّ قال لترجمانه: سله ما حاجتك ؟

فقال له: إنّ أصحابك مرّوا بإبل لي فاستقوها، فأحببت أن تردّها عليّ.

قال: فتعجّب من سؤاله إيّاه ردّ الإبل، وقال: هذا الّذي زعمتم أنّه عظيم قريش وذكرتم عقله، يدع أن يسألني أن أنصرف عن بيته الّذي يعبده، أما لو سألني أن أنصرف عن هدّه  لانصرفت له عنه.

فأخبره التّرجمان بمقالة الملك.

فقال له عبد المطّلب: إنّ لهذا البيت ربّا يمنعه، وإنّما سألتك ردّ إبلي لحاجتي إليها.

فأمر بردّها عليه. ومضى عبد المطّلب حتّى لقي الفيل على طرف الحرم، فقال له: محمود. فحرّك رأسه، فقال له: أ تدري لم جي‏ء بك؟

فقال برأسه: لا.

فقال: جاؤوا بك لتهدم بيت ربّك، أ فتفعل؟

فقال برأسه: لا.

قال: فانصرف عنه عبد المطلب. وجاؤوا بالفيل ليدخل الحرم، فلمّا انتهى إلى طرف الحرم امتنع من الدّخول، فضربوه فامتنع، فأداروا به نواحي الحرم كلّها كلّ ذلك يمتنع عليهم، فلم يدخل. وبعث اللّه عليهم الطّير، كالخطاطيف في مناقيرها حجر:

كالعدسة أو نحوها، فكانت  تحاذي برأس الرّجل ثمّ ترسلها على رأسه فتخرج من دبره، حتّى لم يبق منهم أحد إلّا رجل هرب، فجعل يحدّث النّاس بما رأى إذ  طلع عليه طائر منها، وجاء الطّير حتّى حاذى برأسه ثمّ ألقاها عليه، فخرجت من دبره فمات.

و في روضة الواعظين للمفيد- رحمه اللّه- : قال عليّ بن الحسين: كان أبو طالب يضرب عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى أن قال-: فقال أبو طالب : يا ابن أخ، إلى النّاس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصّة؟

قال: لا، بل إلى النّاس أرسلت كافّة، الأبيض والأسود  والعربيّ والعجميّ.و الّذي نفسي بيده، لأدعونّ إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار، ولأدعونّ ألسنة فارس والرّوم.

فتحيّرت  قريش واستكبرت، وقالت: أما تسمع إلى ابن أخيك [و ما يقول‏]»

.

و اللّه، لو سمعت بهذا فارس والرّوم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا.

فأنزل اللّه وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى‏ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً (الآية). وأنزل في قولهم لقلعت الكعبة حجرا حجرا أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ (الآية).

و في قرب الإسناد للحميريّ ، بإسناده إلى موسى بن جعفر- عليهما السّلام- حديث طويل، يذكر فيه آيات النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. وفيه: ومن ذلك أنّ أبرهة بن يكسوم قاد الفيل إلى بيت اللّه الحرام ليهدمه قبل مبعثه. فقال عبد المطّلب: إنّ لهذا البيت ربّا يمنعه. ثمّ جمع أهل مكّة فدعا، وهذا بعد ما أخبره سيف بن ذي يزن. فأرسل اللّه عليهم طيرا أبابيل، ودفعهم عن مكّة وأهلها.

و في الكافي : ولد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لاثنتي عشر  ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل  مع الزّوال.

 [و روى - أيضا- عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة] .

و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى عبد اللّه بن سنان: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه [- عليهم السّلام-]  قال: لمّا قصد أبرهة بن الصّباح ملك الحبشة لهدم البيت، تسرعت الحبشة  فأغاروا عليها، فأخذوا سرحا لعبد المطّلب بن هاشم. فجاء عبد المطّلب إلى الملك، فاستأذن عليه، فأذن له وهو في قبّة ديباج على سرير له.

فسلّم عليه، فردّ أبرهة السّلام، وجعل ينظر في وجهه فراقه حسنه وجماله وهيئته.فقال له: هل [كان‏]  في آبائك مثل هذا النّور الّذي أراه لك والجمال؟

قال: نعم، أيّها الملك، كلّ آبائي كان لهم هذا الجمال والنّور والبهاء.

فقال له أبرهة: لقد فقتم [الملوك‏]  فخرا وشرفا ويحقّ لك أن تكون سيّد قومك.

ثمّ أجلسه معه على سريره، وقال لسائس فيله الأعظم، وكان فيلا أبيض عظيم الخلق له نابان مرصّعان بأنواع الدّرر والجواهر، وكان الملك يباهي به ملوك الأرض:

ائتني به.

فجاء به سائسه، وقد زيّن بكلّ زينة حسنة. فحين قابل وجه عبد المطّلب سجد له، ولم يكن سجد لملكه ، وأطلق [اللّه‏]  لسانه بالعربيّة فسلّم على عبد المطّلب.

فلمّا رأى الملك ذلك ارتاع له وظنّه سحرا، فقال: ردّوا الفيل إلى مكانه.

فقال لعبد المطّلب: فيم جئت؟ فقد بلغني سخاؤك وكرمك وفضلك، ورأيت من هيئتك وجمالك وجلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك، فسلني ما شئت. وهو يرى أنّه يسأله في الرّجوع عن مكّة.

فقال له عبد المطّلب: إنّ أصحابك غدوا على سرح لي فذهبوا به، فمرهم بردّه عليّ.

قال: فتغيّظ الحبشيّ من ذلك، فقال لعبد المطّلب: لقد سقطت من عيني، جئتني تسألني في سرحك وأنا قد جئت لهدم شرفك وشرف قومك ومكرمتكم الّتي تتميّزون بها من كلّ جيل، وهو البيت الّذي يحجّ إليه من كلّ صقع في الأرض، فتركت تسألني في ذلك وسألتني في سرحك! فقال له عبد المطّلب: لست بربّ البيت الّذي قصدت لهدمه، وأنا ربّ سرحي الّذي أخذه أصحابك، فجئت أسألك فيما أنا ربّه وللبيت ربّ هو أمنع له من الخلق كلّهم وأولى به [منهم‏] .

فقال الملك: ردّوا عليه سرحه.

و انصرف إلى مكّة، واتّبعه الملك بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت. فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ، وإذا تركوه رجع مهرولا.فقال عبد المطّلب لغلمانه: ادعوا إليّ  ابني فجي‏ء بالعباس، فقال: ليس هذا أريد، فجي‏ء بأبي طالب، فقال: ليس هذا أريد، ادعوا لي ابني، فجي‏ء بعبد اللّه، أب النّبيّ. فلمّا أقبل إليه قال: اذهب يا بنيّ حتّى تصعد أبا قبيس، ثمّ اضرب ببصرك ناحية البحر، فانظر أيّ شي‏ء [يجي‏ء]  من هناك وخبّرني به.

قال : فصعد عبد اللّه أبا قبيس، فما لبث أن جاء طير أبابيل، مثل السّيل واللّيل، فسقط على أبي قبيس، ثمّ صار إلى البيت فطاف سبعا، ثمّ صار إلى الصّفا والمروة فطاف بهما سبعا، فجاء عبد اللّه إلى أبيه فأخبره الخبر. فقال: انظر، يا بنيّ، ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به.

 

فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة، فأخبر عبد المطّلب بذلك، فخرج عبد المطّلب وهو يقول: يا أهل مكّة، اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم.

قال: فأتوا العسكر وهم أمثال الخشب  النّخرة، وليس من الطّير إلّا ومعه  ثلاثة أحجار في منقاره ويديه  يقتل بكلّ حصاة منها واحدا من القوم. فلمّا أتوا على جميعهم انصرف الطّير، فلم ير قبل ذلك ولا بعده. فلمّا هلك القوم بأجمعهم جاء عبد المطّلب إلى البيت، فتعلّق بأستاره وقال:

         يا حابس الفيل بذي المغمسّ             حبسته كأنّه مكركس

         في مجلس تزهق فيه الأنفس‏

 

 فانصرف وهو يقول في فرار قريش وجزعهم من الحبشة:

         طارت قريش إذ رأت خميسا             فظلت فردا  لا أرى أنيسا

          ولا أحسّ منهم حسيسا             إلّا أخا لي ماجدا نفيسا         مسوّدا في أهله رئيسا

أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ: في تعطيل الكعبة وتخريبها.

فِي تَضْلِيلٍ : في تضيع وإبطال، بأنّ دمّرهم اللّه وعظّم شأنها.

وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ : جماعات.

قيل : جمع إبّالة ، وهي الحزمة الكبيرة، شبّهت بها الجماعة من الطّير في تضامّها.

و قيل : لا واحد لها، كعباديد، وشماطيط.

تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ وقرئ  بالياء، على تذكير الطّير، لأنّه اسم جمع. أو إسناده إلى ضمير ربّك.

مِنْ سِجِّيلٍ : من طين متحجّر، معرّب  سنك كل.

و قيل : من «السّجل» وهو الدّلو الكبير. أو الإسجال، وهو الإرسال. أو من السّجلّ، ومعناه: من جمله العذاب المكتوب المدوّن.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي مريم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قوله- تعالى-: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (الآية).

قال: كان طير سافّ  جاءهم من قبل البحر، رؤوسها، كأمثال رؤوس السّباع، وأظفارها، كأظفار السّباع من الطّير. مع كلّ طائر ثلاثة أحجار، في رجليه حجران وفي منقاره حجر. فجعلت ترميهم بها حتّى جدّرت  أجسادهم، فقتلهم بها. وما كان قبل ذلك رئي شي‏ء من الجدريّ، ولا رأوا ذلك من الطّير قبل ذلك اليوم ولا بعده.

قال: ومن أفلت منهم يومئذ انطلق حتّى إذا بلغوا حضر موت، وهو واد دون‏اليمن، أرسل اللّه عليهم سيلا فغرّقهم [أجمعين، قال‏] ، وما رئي  في ذلك الوادي ماء [قطّ]  قبل ذلك اليوم بخمس عشرة سنة. قال: فلذلك سمّي حضر موت حين ماتوا فيه.

و في علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي مريم: عن أبي جعفر- عليه السّلام- [في قوله‏] : وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (الآية).

فقال: هؤلاء أهل مدينة كانت  على ساحل البحر إلى المشرق، فيما بين اليمامة والبحرين، يخيفون السّبل  ويأتون المنكر. فأرسل اللّه  عليهم طيرا جاءتهم من قبل البحر، رؤوسها، كأمثال رؤوس السّباع، وأبصارها، كأبصار السّباع من الطّير. مع كلّ طير ثلاثة أحجار، حجران في مخاليبه  وحجر في منقاره. فجعلت ترميهم بها حتّى جدرت أجسادهم، فقتلهم اللّه بها، وما كانوا قبل ذلك رأوا شيئا من ذلك الطّير ولا شيئا من الجدريّ . ومن انفلت  منهم انطلقوا حتّى بلغوا حضرموت، واد باليمن، أرسل اللّه عليهم سيلا فغرّقهم، ولا رأوا في ذلك الوادي ماء قبل ذلك، فلذلك سمّي حضر موت حين ماتوا فيه.

فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ، كورق زرع وقع فيه الاكال ، وهو أن يأكله الدّود، أو أكل حبّه فبقي صفرا منه. أو كتبن أكلته الدّوابّ وراثته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أَ لَمْ تَرَ ألم تعلم يا محمّد كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ قال: نزلت في الحبشة: حين جاؤوا بالفيل ليهدموا به الكعبة. فلمّا أدنوه من باب المسجد، قال له عبد المطّلب: أ تدري أين يؤمر  بك.

قال برأسه: لا.قال: أتوا بك لتهدم كعبة اللّه، أ تفعل ذلك؟

فقال برأسه: لا.

قال : فجهدت به الحبشة ليدخل المسجد فامتنع، فحملوا عليه بالسّيوف وقطّعوه. ف أَرْسَلَ الله عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ قال: بعضها على أثر بعض. تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال: كان مع كلّ طير ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في مخاليبه.

و كانت ترفرف على رؤوسهم وترمى في دماغهم، فيدخل الحجر في دماغهم ويخرج من أدبارهم وتنتقض أبدانهم. فكانوا كما قال اللّه: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ قال:

 «العصف» التّبن. و«المأكول» هو الّذي يبقى من فضله.

و قال الصّادق- عليه السّلام- : وأهل الجدريّ من ذلك أصابهم، الّذي أصابهم في زمانهم جدريّ.