سورة القلم‏

سورة القلم‏

و تسمّى أيضا سورة «ن».

و هي مكّيّة ... عن الحسن وعكرمة وعطاء .

و قال ابن عبّاس وقتادة : من أولّها [إلى قوله: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ مكّيّ، وما بعده‏]  إلى قوله: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ مدنيّ، وما بعده إلى قوله: يَكْتُبُونَ مكيّ، وما بعده مدنيّ.

و هي اثنتان وخمسون آية بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة ن وَالْقَلَمِ في فريضة أو نافلة، آمنه اللّه [- عزّ وجلّ- من‏]  أن يصيبه فقر أبداً، وأعاذه اللّه إذا مات من ضمّة  القبر.

و

في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة ن وَالْقَلَمِ أعطاه اللّه ثواب الّذين حسن أخلاقهم.

ن‏قيل : من أسماء الحروف.

و قيل : اسم الحوت، والمراد به: الجنس. أو البهموت، وهو الّذي عليه الأرض. أو الدّواة. فإنّ بعض الحيتان يستخرج منه شي‏ء أشدّ سوادا من النّقس  يكتب به.

و يؤيّد الأوّل سكونه وكتبته بصورة الحروف.

وَ الْقَلَمِ.

قيل : هو الّذي خطّ اللّوح. أو الّذي يخطّ به، أقسم  به- تعالى- لكثرة فوائده.

و أخفى ابن عامر  والكسائي ويعقوب، النّون، إجراء للواو مجرى المتّصل، فإنّ النّون السّاكنة تخفى مع حروف الفم إذا اتّصلت بها. وقد روي ذلك عن نافع وعاصم.

و قرئت بالفتح والكسر، ك «ص».

وَ ما يَسْطُرُونَ : وما يكتبون.

و الضّمير للقلم بالمعنى الأوّل على التّعظيم، أو بالمعنى الثّاني على إرادة الجنس.

و إسناد الفعل إلى الآلة وإجراؤه مجرى أولي العلم لإقامته مقامهم، أو لأصحابه، أو للحفظة.

و «ما» مصدريّة أو موصولة.

 

و

في كتاب الخصال : عن محمّد بن سالم، رفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قال عثمان بن عفّان: يا رسول اللّه، ما تفسير أبجد؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: تعلّموا تفسير أبجد [فإنّ فيه الأعاجيب كلّها، ويل لعالم  جهل تفسيره.

فقال: يا رسول اللّه، ما تفسير أبجد؟] قال: أمّا الألف فآلاء اللّه.

... إلى قوله: وأما النّون فنون والقلم وما يسطرون، فالقلم قلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقرّبون.

عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: إنّ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عشرة أسماء، خمسة في القرآن وخمسة ليست في القرآن، فأمّا الّتي في القرآن: فمحمّد، وأحمد، وعبد اللّه، ويس، ون.

و

في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى يحيى بن أبي العلا الرّازي: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول في آخره وقد سئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ: وأمّا «ن» كان نهرا في الجنّة أشدّ بياضا من الثّلج وأحلى من العسل، قال اللّه له: كن مدادا. [فكان مدادا.]  ثمّ أخذ شجرة فغرسها بيده، ثمّ قال:

و «اليد» القوّة، وليس بحيث تذهب إليه المشبّهة.

ثمّ قال لها: كوني قلما.

ثمّ قال له: اكتب.

فقال: يا ربّ، وما أكتب؟

قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة. ففعل ذلك، بمّ ختم عليه وقال: لا تنطقنّ إلى يوم الوقت المعلوم.

و

في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: فأمّا «نون» فهو نهر في الجنّة قال اللّه- عزّ وجلّ- له : اجمد فجمد، فصار مدادا.

ثمّ قال للقلم: اكتب. فسطّر القلم في اللّوح المحفوظ [ما كان و]  ما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمداد مداد من نور، والقلم قلم من نور، واللّوح لوح من نور.

قال سفيان: فقلت: له: يا ابن رسول اللّه، بيّن لي أمر اللّوح والقلم والمداد فضل بيان، وعلّمني ممّا علّمك اللّه.فقال: يا ابن سعيد، لولا أنّك أهل للجواب ما أجبتك. ف «ن» ملك يؤدّي إلى القلم وهو ملك والقلم يؤدّي إلى اللوح وهو ملك، واللّوح يؤدّي إلى إسرافيل، وإسرافيل يؤدّي إلى ميكائيل، وميكائيل يؤدّي إلى جبرئيل، وجبرئيل يؤدّي إلى الأنبياء والرّسل.

قال: ثمّ قال لي: قم، يا سفيان فلا آمن عليك.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحيم  القصير»

، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن ن وَالْقَلَمِ.

قال: إنّ اللّه خلق القلم من شجرة في الجنّة يقال لها: الخلد، ثمّ قال لنهر في الجنّة: كن مدادا. فجمد النّهر، وكان أشدّ بياضا من الثّلج وأحلى من الشّهد.

ثمّ قال للقلم: اكتب.

قال: يا ربّ، ما أكتب؟

قال: اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة. فكتب القلم في رق أشدّ بياضا من الفضّة وأصفى من الياقوت، ثمّ طواه فجعله في ركن العرش، ثمّ ختم على فم القلم فلم ينطق ولا ينطق بعد أبدا، فهو الكتاب المكنون الّذي منه النّسخ كلّها، أو لستم عربا؟ فكيف لا تعرفون معنى الكلام وأحدكم يقول لصاحبه: انسخ ذلك الكتاب.

أو ليس إنّما ينسخ من كتاب أخذ من الأصل، وهو قوله : إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

حدّثني  أبي، عن حمّاد بن عيسى، عن  إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي الطفيل ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، عن أبيه، عليّ بن الحسين- عليهم السّلام- أنّه قال: وقد أرسل إليه ابن عبّاس يسأله عن العرش: أمّا ما سأل عنه من العرش ممّ خلقه اللّه، فإنّ اللّه خلقه أرباعا  لم يخلق قبله إلّا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنور (الحديث).حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أوّل ما خلق اللّه القلم، فقال له: اكتب. فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.

و

في مجمع البيان : وقيل ن لوح من نور. وروي مرفوعا إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

و قيل : هو نهر في الجنّة، فقال له اللّه: كن مدادا. فجمد، وكان أبيض من اللّبن وأحلى من الشّهد ، ثمّ قال للقلم: اكتب. فكتب القلم  ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ... عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و في شرح الآيات الباهرة : تأويله: أنّ اللّه أقسم بالنّون والقلم، ون اسم للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. والْقَلَمِ اسم لعليّ- عليه السّلام-.

و

روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ، عن رجاله، بإسناده يرفعه إلى محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن، موسى- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ.

فالنّون اسم لرسول اللّه والْقَلَمِ اسم لأمير المؤمنين.

و هذا موافق لما جاء من أسمائه في القرآن، مثل: «طه»، و«يس»، و«ص»، و«ق» وغير ذلك.

و سمّي أمير المؤمنين بالقلم لما في القلم من المنافع للخلق، إذ هو أحد لساني  الإنسان، يؤدّي عنه ما في جنانه ويبلّغ البعيد عنه ما يبلّغ القريب بلسانه، وبه تحفظ أحكام الدين وتستقيم أمور العالمين، وكذلك أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و قيل: إنّ قوام الدّنيا والدّين بشيئين: القلم والسّيف، والسّيف يخدم القلم.

و قد نظّم بعض الشّعراء فأحسن فيما قال:

         أن يخدم القلم السّيف الّذي خضعت             له الرّقاب ودانت حذره الأمم‏         فالموت والموت لا شي‏ء بغالبه             ما زال يتبع ما يجري به القلم‏

 وإن شئت جعلت تسميته مجازا، أي، صاحب القلم وصاحب السّيف، اللّذان بهما قوام الدّين والدّنيا، كما تقدّم، وكان أمير المؤمنين- عليه السّلام- كذلك.

ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ : جواب القسم، والمعنى: ما أنت بمجنون منعما عليك بالنّبوّة وحصانة الرأي.

و العامل في الحال معنى النّفي . وقيل : «مجنون» والباء لا تمنع عمله فيما  قبله، لأنّها مزيدة. وفيه نظر من حيث المعنى .

وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً: على الاحتمال والإبلاغ غَيْرَ مَمْنُونٍ : مقطوع. أو ممنون به عليك من النّاس، فإنّه- تعالى- يعطيك بلا توسّط.

وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ : إذ تحتمل من قومك ممّا لا يحتمله أمثالك.

و في بصائر الدّرجات : محمّد بن عبد الجبّار، عن البرقيّ، عن فضالة، عن ربعي، عن القاسم بن محمّد قال: إنّ اللّه أدّب نبّه فأحسن تأديبه، فقال : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ  وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. فلمّا كان ذلك أنزل اللّه. وَإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ.

و

في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النّجويّ قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسمعته يقول:

إنّ اللّه أدّب نبيّه على محبّته، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ. (الحديث) عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن‏حميد، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول- ثم ذكر نحوه.

و

بإسناده  إلى فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إنّ اللّه أدّب نبيّه فأحسن أدبه ، فلمّا أكمل له الأدب قال: إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ. (الحديث)

و

بإسناده  إلى إسحاق بن عمّار: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه أدّب نبيّه، فلمّا انتهى به إلى ما أراد قال له: إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ. (الحديث)

و

بإسناده  إلى بحر السّقا قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا بحر، حسن الخلق يسرّ .

ثمّ قال: ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي  أحد من أهل المدينة؟

قلت: بلى.

قال: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذات يوم جالس في المسجد إذ جاءت جارية لبعض الأنصار، وهو قائم، فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فلم تقل شيئا ولم يقل لها النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- شيئا، حتى فعل ذلك ثلاث مرّات، فقام لها النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في الرّابعة وهي خلفه، فأخذت هدبة  من ثوبه ثمّ رجعت.

فقال لها النّاس: فعل اللّه بك وفعل، حبست رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثلاث مرّات لا تقولين له شيئا ولا هو يقول لك شيئا، فما كانت حاجتك إليه؟

قالت: إنّ لنا مريضا، فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه يستشفي بها، فلمّا أردت أخذها رآني فقام فاستحييت منه أن آخذها وهو يراني، وأكره أن أستأمره في أخذها فأخذتها.

و

بإسناده  إلى محمّد بن سنان: عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه‏السّلام- قال: إنّ الخلق منيحة  يمنحها اللّه خلقه، فمنه، سجيّة  ومنه نيّة .

فقلت: : فأيتّهما أفضل؟

فقال: صاحب السّجيّة ومجبول لا يستطيع غيره، وصاحب النّيّة يصبر على الطّاعة تصبّرا فهو أفضلهما.

و

بإسناده» إلى أبي عثمان القابوسي : عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه أعار أعداءه أخلاقا من أخلاق أوليائه ليعيش  [أولياؤه‏]  مع أعدائه في دولاتهم.

و في رواية أخرى : ولو لا ذلك لما تركوا وليّا للّه إلّا قتلوه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حبيب الخثعميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه: فأفضلكم  أحسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا ، الّذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم.

و

في من لا يحضره الفقيه : وسئل الصّادق- عليه السّلام-: ما حدّ حسن الخلق؟

قال: تليّن جانبك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن.

و

في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى بريد بن معاوية: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه نزّل حوراء من الجنّة إلى آدم، فزوّجها أحد ابنيه، وتزوّج الآخر إلى  الجنّ، فولدتا جميعا، فما كان من النّاس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء، وماكان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجانّ. وأنكر أن يكون زوّج بنيه من بناته.

و

في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أبي الجارود: عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ قال: هو الإسلام.

و روي : أنّ الخلق العظيم هو الدّين العظيم.

و

في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: وكان فيما خاطب اللّه [نبيّه أن قال له: يا محمّد، إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ. قال: السخاء وحسن الخلق.

و

في المحاسن : عنه، عن أبيه، عن عثمان بن حمّاد، عن عمرو بن ثابت، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:]

 اغسلوا أيديكم في إناء واحد تحسن أخلاقكم.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن موسى بن إبراهيم، [عن الحسن‏]  عن أبيه، بإسناده رفعه إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّ أم سلمة قالت له: بأبي أنت وأمّي، المرأة يكون لها زوجان فيموتان فيدخلان الجنّة، لأيّهما تكون؟

فقال: يا أمّ سلمة، تخيّر أحسنهما [خلقا]  وخير هما لأهله .

يا أمّ سلمة، إنّ حسن الخلق ذهب بخير الدّنيا والآخرة.

و

في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة، وبإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما من شي‏ء أثقل  في الميزان من حسن الخلق.

و

في مجمع البيان : روي عنه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّما بعثت لأتمّم مكارم‏الأخلاق. وقال: أدّبني [ربّي‏]  فأحسن تأديبي.

فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ  بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ : أيّكم الّذي فتن بالجنون، والباء مزيدة. أو بأيّكم الجنون على أن المفتون مصدر، كالمغلول والمخذول والمجلود. أو بأيّ الفريقين منكم [المجنون‏]  أ بفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين، أي: في أيّهما يوجد من يستحقّ هذا الاسم.

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ: وهم المجانين على الحقيقة.

وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ : الفائزين بكمال العقل.

و

في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عمّن حدّثه، عن جابر قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما من مؤمن إلّا وقد خلص ودّي إلى [قلبه، وما خلص ودي إلى‏]  قلب أحد إلّا وقد خلص ودّ عليّ- عليه السّلام- إلى قلبه. كذب، يا عليّ، من زعم أنّه يحبّني ويبغضك.

قال: فقال رجلان من المنافقين: لقد فتن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بهذا الغلام.

فأنزل اللّه: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ. قال: نزلت فيهما [إلى آخر الآية] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ [بأيكم تفتنون،]  هكذا نزلت في بني أميّة. [بِأَيِّكُمُ، أي: حبتر وزفر وعلي- صلوات اللّه عليه-.] .

و

قال الصّادق- عليه السّلام-: لقي عمر أمير المؤمنين فقال: يا عليّ، بلغني أنّك تتأوّل هذه الآية فيّ وفي صاحبي: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ .قال أمير المؤمنين: أفلا أخبرك، يا أبا حفص ، ما نزل في بني أميّة؟ قوله - تعالى-: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ.

قال عمر: كذبت، يا عليّ، بنو أميّة خير منك وأوصل للرّحم.

حدّثنا» محمّد بن جعفر، عن عبد اللّه بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ بن الخزاز، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرّحمن عن  أبي عبد اللّه، عن أبي العبّاس المكّيّ قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ عمر لقى عليّا فقال: أنت الّذي تقرأ هذه الآية بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ تعرّض بي وبصاحبي؟

قال: أفلا أخبرك بآية نزلت في بني أميّة: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ- إلى قوله-:

وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ .

فقال عمر: بنو أميّة أوصل للرّحم منك، ولكنّك أثبتّ العداوة لبني أميّة وبني تميم  وبني عديّ.

و

في روضة الكافي : الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي العبّاس المكّيّ قال:

سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول - وذكر كما في تفسير عليّ بن إبراهيم. إلّا أنّ فيه:

فقال: كذبت، بنو أميّة.

و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس، عن عبد العزيز بن يحيى، عن عمرو بن محمّد بن تركي ، عن محمّد بن الفضل ، عن محمّد بن شعيب، عن دلهم  بن صالح، عن الضّحّاك بن مزاحم قال: لمّا رأت قريش تقديم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه السّلام- وإعظامه له نالوا من عليّ- عليه السّلام- وقالوا: قد افتتن به محمّد.فأنزل اللّه: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ قسم أقسم اللّه به ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ وسبيله عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و روي- أيضا-  عليّ بن العبّاس، عن الحسن [بن محمّد] ، عن يوسف بن كليب ، عن خالد، عن جعفر  بن عمر، عن حنان، عن أبي أيّوب الأنصاري قال: لمّا أخذ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بيد عليّ فرفعها، وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، قال أناس: إنّما افتتن بابن عمّه. فنزلت الآية: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ .

فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ : تهييج للتّعميم على معاصاتهم.

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ: تلاينهم، بأن تدع نهيهم  عن الشّرك، أو توافقهم فيه أحيانا.

فَيُدْهِنُونَ : فيلاينونك بترك الطّعن، أو الموافقة.

و «الفاء» للعطف، أي: ودوا التّداهن وتمنّوه، ولكنّهم أخّروا إدهانهم حتّى تدهن. [أو للسببية، أي: ودّوا لو تدهن‏]  فهم يدهنون، حينئذ، أو ودّوا إدهانك فهم الآن يدهنون طمعا فيه.

و في بعض المصاحف : «فيدهنوا» على أنّه جواب التمنّي .

وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ: كثير الحلف في الحقّ والباطل.

مَهِينٍ : حقير الرّأي. من المهانة، وهي الحقارة.

هَمَّازٍ: عيّاب.

مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ : نقّال للحديث على وجه السّعاية.

 و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ قال: في عليّ- عليه السّلام-.

 [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ، أي: أحبّوا  أن تغشّ في عليّ‏]  فيغشّون معك.

وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ قال: الحلاف الثّاني ، حلف لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه لا ينكث عهدا.

هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ قال: كان ينمّ على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ويهمز بين أصحابه.

و

في الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ثلاثة لا يدخلون الجنّة.

- إلى قوله-: مشّاء بنميمة.

عن عليّ بن أبي طالب - عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه: أ لا أخبركم بشراركم.

قالوا: بلى، يا رسول اللّه.

قال : المشّاؤون بالنّميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبرآء العيب.

و

في من لا يحضره الفقيه : يا عليّ، كفر باللّه العظيم من هذه الأمّة عشرة:

المغتاب  والسّاعي في الفتنة. (الحديث)

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ: يمنع النّاس عن الخير من الإيمان والإنفاق والعمل الصّالح.

مُعْتَدٍ: متجاوز في الظّلم.

أَثِيمٍ : كثير الآثام .

عُتُلٍّ: [جاف غليظ] . من عتله: إذا قاده بعنف وغلظة.

بَعْدَ ذلِكَ: بعد ما عدّ من مثالبه.

زَنِيمٍ : دعيّ. مأخوذ من زنمّتي الشّاة، وهما المتدلّيتان من أذنهاو حلقها.

و قيل : هو الوليد بن المغيرة، ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده.

و قيل : الأخنس بن شريق  أصله في ثقيف وعداده في زهرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ قال: الخير أمير المؤمنين- عليه السّلام-. مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، أي: اعتدى عليه.

و قوله: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ قال: العتلّ العظيم الكفر، و«الزّنيم» الدّعيّ.

و قال الشّاعر:

         زنيم تداعاه الرّجال تداعيا             كما زيد في عرض الأديم الأكارع

 و

في مجمع البيان : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ، أي: هو عتلّ مع كونه منّاعا للخير معتديا أثيما، وهو الفاحش السّيّ‏ء الخلق. وروي ذلك في خبر مرفوع.

و

روي  عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه سئل عن العتلّ والزّنيم.

فقال: هو شديد الخلق، المصحح، الأكول الشروب، الواجد للطّعام والشّراب، الظّلوم للنّاس، الرّحيب الجوف.

و

قيل : الزنيم هو الّذي لا أصل له. عن عليّ- عليه السّلام-.

و

فيه : عن شدّاد بن أوس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا يدخل الجنّة جوّاظ ، ولا جغظري ، ولا عتلّ زنيم- إلى قوله-:

قلت: فما العتلّ الزّنيم؟

قال: رحب الجوف، سي‏ء الخلق، أكول شروب، غشوم ظلوم.و

في جوامع الجامع : وكان الوليد دعيّا في قريش، ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده، جعل جفاءه ودعوته [شدّ معايبه لأنّ من‏]  جفا وقسى قلبه اجترأ  على كلّ معصية، ولأنّ النّطفة إذا خبثت، خبث النّاشئ منها. ولذلك قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لا يدخل الجنّة ولد الزّنا [و لا ولده‏]  ولا ولد ولده.

و

في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه-، قال حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما معنى قول اللّه:

عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ؟

قال: «العتلّ» العظيم الكفر، و«الزّنيم» المستهتر  بكفره.

و

في شرح الآيات الباهرة : وروي عن محمّد بن جمهور، عن حمّاد بن عيسى، عن حسين بن مختار، عنهم- صلوات الله عليهم أجمعين- في قوله تعالى: [وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ الثّاني هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ‏]  عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ قال: «العتلّ» الكافر  العظيم الكفر، و«الزّنيم» ولد الزّنا.

أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ  إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، أي: قال ذلك حينئذ، لأنّه كان  متموّلا مستظهرا بالبنين  من فرط غروره.

لكنّ العامل مدلول «قال» لا نفسه، لأنّ ما بعد الشّرط لا يعمل فيما قبله.

و يجوز أن يكون علّة «للا تطع»، أي: لا تطع من هذه مثالبه لان كان ذا مال.

و قرأ  [ابن عامر وحمزة ويعقوب وأبو بكر «أن كان» على الاستفهام غير أنّ‏] و ابن عامر جعل الهمزة الثّانية بين بين، أي: أ لأن كان ذا مال كذب، أو أ تطيعه لأن كان ذا مال.

و قرئ : «إن كان» بالكسر، على أن شرط الغنى في النّهي عن الطّاعة ، كالتّعليل بالفقر في النّهي عن قتل الأولاد. أو أنّ شرطه للمخاطب، أي: لا تطع شارطا يساره، لأنه إذا أطاع للغنى فكأنّه شرطه في الطّاعة.

سَنَسِمُهُ: بالكيّ عَلَى الْخُرْطُومِ : على الأنف.

قيل : قد أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر، فبقي أثرها.

و قيل : هو عبارة عن أن يذلّه غاية الإذلال، كقولهم: جدع أنفه، ورغم أنفه.

لأنّ السّمة على الوجه سيّما  على الأنف شين ظاهر . أو نسوّد وجهه يوم القيامة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قال: على الثّاني .

قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أي: أكاذيب الأوّلين.

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ قال: في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين- عليه السّلام- ويرجع أعداؤه  فيسمهم بميسم معه، كما توسم البهائم على الخرطوم والأنف والشّفتين .

و

في تفسير العياشي : عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفي آخره: وأمّا «قضي الأمر » فهو الوسم على الخرطوم يوم يوسم الكافر.

إِنَّا بَلَوْناهُمْ‏قيل : أهل مكّة بالقحط.

كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ.

قيل : يريد البستان الّذي  كان دون صنعاء بفرسخين، وكان لرجل صالح، وكان ينادي الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما أخطأه المنجل وألقته الرّيح أو بعد من البساط الّذي يبسط تحت النّخلة، فيجتمع»

 لهم شي‏ء كثير. فلمّا مات قال بنوه: إنّ فعلنا ما كان يفعل أبونا، ضاق علينا الأمر. فحلفوا ليصرمنّها وقت الصّباح خفية عن المساكين، كما قال:

إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ ، أي: ليقطعنّها داخلين الصّباح.

وَ لا يَسْتَثْنُونَ : ولا يقولون: إن شاء اللّه .

و إنّما سمّاه استثناء لما فيه من الإخراج، غير أنّ المخرج به خلاف المذكور، والمخرج بالاستثناء عينه. أو لأنّ معنى: لأخرج إن شاء اللّه، ولا أخرج إلّا أن يشاء اللّه واحد. أو لا يستثنون حصّة المساكين، كما كان يخرج أبوهم.

فَطافَ عَلَيْها: على الجنّة.

طائِفٌ: بلاء طائف.

مِنْ رَبِّكَ: مبتدأ منه.

 

وَ هُمْ نائِمُونَ  فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ  كالبستان الّذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شي‏ء، فعيل، بمعنى: مفعول. أو كالليل باحتراقها واسودادها، أو كالنّهار بابيضاضها من فرط اليبس، سمّيا بالصّريح لأنّ كلّا منهما ينصرم عن صاحبه. أو كالرّماد.و

في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن بحر ، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ الرّجل ليذنب الذّنب فيدرأ عنه الرّزق. وتلا هذه الآية: إِذْ أَقْسَمُوا (الآية).

و

في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ، وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة حديث طويل، وفيه: ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيّرنا منه وثقله، وأيّ أربعاء هو؟

فقال- عليه السّلام- آخر أربعاء في الشّهر، وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه.

... إلى أن قال: ويوم الأربعاء أصبحت كالصّريم.

فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ  أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ: أن اخرجوا، أو بأن اخرجوا إليه غدوة.

و تعدية الفعل «بعلى» إمّا لتضمّنه معنى الإقبال، أو لتشبيه الغدوّ للصّرام بغدوّ العدوّ المتضمّن معنى الاستيلاء.

إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ : قاطعين له.

فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ : يتسارّون فيما بينهم. و«خفي» و«خفت» و«خفد» بمعنى: إليكم. ومنه الخفدود، للخفّاش.

أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ .

 «أن» مفسّرة.

و قرئ  بطرحها، على إضمار القول.

و مراد بنهي المسكين عن الدّخول: المبالغة في النّهي من تمكينه من الدّخول، كقولهم: لا أرينّك هاهنا .وَ غَدَوْا عَلى‏ حَرْدٍ قادِرِينَ : وغدوا قادرين على نكد لا غير. من حاردت السنة: إذا لم يكن فيها مطر. وحاردت الإبل: إذا منعت درّها.

و المعنى: أنّهم عزموا أن يتنكّدوا على المساكين، فنكد  عليهم بحيث لا يقدرون فيها إلّا على النّكد. أو وغدوا حاصلين على النّكد والحرمان مكان كونهم قادرين على الانتفاع.

و قيل : «الحرد» بمعنى: الحنق الحرد، وقد قرئ به، أي: لم يقدروا إلّا على حنق بعضهم لبعض، كقوله: «يتلاومون».

و قيل : «الحرد» القصد والسّرعة أي: غدوا [قاصدين‏]  على حرثهم بسرعة، قاصرين قادرين  عند أنفسهم على صرامها.

و قيل : [الحرد]  علم للجنّة.

فَلَمَّا رَأَوْها: أوّل ما رأوها.

قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ : طريق جنّتنا، وما هي بها.

بَلْ نَحْنُ، بعد ما تأمّلوا وعرفوا أنّها هي  مَحْرُومُونَ : حرمنا خيرها بجنايتنا على أنفسنا.

قالَ أَوْسَطُهُمْ: رأيا، أو سنّا.

أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ : لولا تذكرونه وتتوبون إليه من خبث نيّتكم. وقد قال حيثما عزموا على ذلك، ويدلّ على هذا المعنى [قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ . أو: لا تستثنون، فسمّى الاستثناء تسبيحا لتشاركهما في التعظيم. أو لأنّه تنزيه عن أن يجري في ملكه ما لا يريده.]

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ : يلوم بعضهم بعضا، فإنّ منهم من أشار بذلك، ومنهم من استصوبه، ومنهم من سكنت راضيا، ومنهم من أنكره.قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ : متجاوزين حدود اللّه.

عَسى‏ رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها: ببركة التّوبة والاعتراف بالخطيئة.

و قد نقل : أنّهم ابدلوا خيرا منها.

و قرئ : «يبدلنا» بالتّخفيف.

إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا راغِبُونَ : راجون العفو، طالبون الخير.

و «إلى» لانتهاء الرّغبة، أو لتضمّنها معنى الرّجوع.

كَذلِكَ الْعَذابُ: مثل ذلك الّذي بلونا به أهل مكّة وأصحاب الجنّة، العذاب في الدّنيا.

وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ: أعظم منه.

لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ : لاحترزوا عمّا يؤدّيهم إلى العذاب.

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، أي: في الاخرة: أو في جوار القدس.

جَنَّاتِ النَّعِيمِ : ليس فيها إلّا التّنعّم الخالص.

أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ : إنكار لقول الكفرة، فإنّهم كانوا يقولون: إن صحّ أنّا نبعث، كما يزعم محمّد ومن معه، لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم، كما نحن عليه في الدّنيا.

ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ : التفات فيه تعجّب من حكمهم، وإشعار بأنّه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي.

أَمْ لَكُمْ كِتابٌ: من السّماء فِيهِ تَدْرُسُونَ : تقرءون.

إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ : إنّ لكم ما تختارونه وتشتهونه. وأصله: «أنّ لكم» بالفتح، لأنّه المدروس، فلمّا جي‏ء  بالّلام كسرت.

و يجوز أن يكون حكاية للمدروس، أو استئنافا.

و تخيّر الشّي‏ء واختاره: أخذ خيره.

أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا: عهود مؤكّدة بالأيمان.

بالِغَةٌ: متناهية في التّوكيد.و قرئت  بالنصب، على الحال والعامل فيها أحد الظّرفين .

إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ: متعلّق بالمقدّر في «لكم»، أي: ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة، لا نخرج عن عهدتها حتّى نحكمكم في ذلك اليوم. أو «ببالغة»، أي: أيمان تبلغ  ذلك اليوم.

إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ : جواب القسم، لأنّ معنى «أم لكم أيمان»:

أم أقسمنا لكم.

سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ : بذلك الحكم قائم يدّعيه ويصحّحه.

أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ: يشاركونهم في هذا القول.

فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ : في دعواهم ، إذ لا أقلّ من التقليد.

و قد نبّه- تعالى- في هذه الآيات على نفي  جميع ما يمكن أن يتشبّثوا به، من عقل أو نقل يدلّ عليه الاستحقاق أو وعد أو محض تقليد على التّرتيب، تنبيها على مراتب النّظر، وتزييفا لما لا سند له.

و قيل : المعنى: أم لهم شركاء [، يعني: الأصنام‏]  يجعلونهم مثل المؤمنين في الآخرة، كأنّه لما نفى أن تكون التّسوية من اللّه [نفى بهذا أن يكون ممّا يشركون  اللّه به‏] .

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ: يوم يشتدّ الأمر ويصعب الخطب. وكشف السّاق مثل في ذلك، وأصله: تشمير  المخدّرات عن سوقهنّ في الهرب. أو يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عيانا، مستعار من ساق الشّجر وساق الإنسان.

و تنكيره، للتّهويل، أو للتّعظيم.و قرئ : «تكشف» بالتّاء، على بناء الفاعل والمفعول. والفعل للسّاعة، أو الحال.

وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ: توبيخا على تركهم السّجود، إن كان اليوم يوم القيامة. أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها، إن كان وقت النّزع.

فَلا يَسْتَطِيعُونَ : لذهابه وقته، أو زوال القدرة عليه.

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ: تلحقهم ذلّة.

وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ: في الدّنيا، أو زمان الصّحّة.

وَ هُمْ سالِمُونَ : متمكّنون منه مزاحو  العلل فيه.

و

في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد، بإسناده إلى الحسن بن سعيد: عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ قال: حجاب من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجّدا، وتدمج  أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السّجود.

و

في مجمع البيان : وروي عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّهما قالا في هذه الآية: افحم القوم، ودخلتهم الهيبة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من النّدامة والحزني والذّلّة وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ، أي: يستطيعون الأخذ بما أمروا به الترك لما نهوا عنه، ولذلك ابتلوا.

و في الخبر : أنّه يصير ظهور المنافقين كالسّفافيد .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ قال: يكشف عن الأمور التي خفيت، وما غصبوا آل محمّد حقّهم.

وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ قال: يكشف لأمير المؤمنين فتصير أعناقهم مثل صياصي‏البقر، يعني: قرونها، فلا يستطيعون أن يسجدوا، وهي عقوبة لأنّهم لم يطيعوا اللّه في الدّنيا في أمره، وهو قوله: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ قال: إلى ولايته في الدّنيا وهم يستطيعون.

و

في جوامع الجامع : وفي الحديث: تبقى أصلابهم طبقا واحدا، أي: فقارة واحدة لا تنثني .

و

في كتاب التوحيد ، بإسناده إلى حمزة بن محمّد الطّيّار قال: سألت أبا عبداللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَقَدْ كانُوا (الاية).

قال: مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه، ولذلك ابتلوا.

ثم قال: ليس شي‏ء [ممّا]  أمروا به ونهوا عنه إلّا ومن اللّه فيه ابتلاء وقضاء.

و

بإسناده : إلى معلّى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما يعني بقوله: وَقَدْ كانُوا (الآية)؟

قال: وهم مستطيعون.

و

بإسناده  إلى محمّد بن عليّ الحلبيّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ قال: تبارك الجبّار. ثمّ أشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار .

قال: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. قال: افحم القوم، ودخلتهم الهيبة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر خاشعة (الاية).

و

بإسناده  إلى عبيد بن زرارة: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- تعالى-: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ.

قال: كشف إزاره عن ساقه ويده الأخرى على رأسه، فقال: سبحان ربّي‏الأعلى .

فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ: كله إلي فإنّي أكفيكه.

سَنَسْتَدْرِجُهُمْ: سندنيهم من العذاب درجة [درجة] ، بالإمهال وإدامة الصّحّة وازدياد النّعمة.

مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ : أنّه استدراج، وهو الإنعام عليهم، لأنّهم حسبوه تفضّلا لهم على المؤمنين.

وَ أُمْلِي لَهُمْ: وأمهلهم.

إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ : لا يدفع بشي‏ء. وإنّما سمّى إنعامه استدراجا لأنّه في صورته.

و

في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى سفيان بن السّمط قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إذا أراد الله بعبد خيرا فأذنب ذنبا، تبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار. وإذا أراد اللّه بعبد شرّا فأذنب ذنبا، تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى به، وهو قول اللّه:

سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ بالنّعم عند المعاصي.

و

في مجمع البيان : وروي، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إذا أحدث العبد ذنبا جدّد له نعمة فيدع الاستغفار، فهو الاستدراج.

و

في أصول الكافي : ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطيّة، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّي سألت اللّه أن يرزقني مالا فرزقني، وإنّي سألت اللّه أن يرزقني ولدا فرزقني، وسألته أن يرزقني دارا فرزقني، وقد خفت أن يكون ذلك استدراجا.

فقال: أما، واللّه، مع الحمد للّه  فلا.

أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً: على الإرشاد.

فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ: من غرامة مُثْقَلُونَ : بحملها، فيعرضون عنك.

أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ: اللّوح، أو المغيبات فَهُمْ يَكْتُبُونَ : منه مايحكمونه، وما يستغنون به عن علمك.

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ: وهو إمهالهم، وتأخير نصرتك عليهم.

وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ: يونس.

إِذْ نادى‏: في بطن الحوت.

وَ هُوَ مَكْظُومٌ : مملوء غيظا من الضّجرة، فتبلى ببلائه.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَهُوَ مَكْظُومٌ، أي: مغموم.

و

في تفسير العيّاشي : عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال: سمعته يقول: وجدنا في بعض‏]  كتب أمير المؤمنين قال:

حدّثني رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّ جبرئيل حدّثه، أنّ يونس بن متّي بعثه اللّه إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة، وكان رجلا تعتريه  الحدّة، وكان قليل الصّبر على قومه والمداراة لهم، عاجزا عمّا حمّل من ثقل حمل أوقار النّبّوة وأعلامها، وإنّه يتفسّخ تحتها، كما يتفسّخ البعير  تحت حمله، وإنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان باللّه والتّصديق به واتّباعه ثلاثا وثلاثين سنة، فلم يؤمن به ولم يتّبعه من قومه إلّا رجلان: اسم أحدهما روبيل، والآخر تنوخا.

و كان روبيل من أهل بيت العلم والنّبوّة والحكمة وكان قديم الصّحبة ليونس بن متّي من قبل أن يبعثه اللّه بالنّبوّة، وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمكا في العبادة وليس له علم ولا حكم، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها [و يتقوّت منها] ، وكان تنوخا رجلا حطّابا يتحطّب على رأسه ويأكل من كسبه، وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته.

فلمّا رأى أن قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون، ضجر وعرف من نفسه قلّة الصّبر. فشكا ذلك إلى ربّه، وكان فيما [يشكو]  أن قال: يا ربّ، إنّك قد بعثتني إلى قومي ولي‏ثلاثون سنة، فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك والتّصديق برسالتي  وأخوّفهم عذابك [و نقمتك ثلاثا وثلاثين سنة فكذّبوني ولم يؤمنوا بي، وجحدوا بنوّتي واستخفّوا برسالتي ، وقد توعّدوني وخفت أن يقتلوني فأنزل عليهم عذابك،]  فانّهم قوم لا يؤمنون.

قال: فأوحى اللّه إلى يونس: أنّ فيهم الحمل والجنين والطّفل والشّيخ الكبير والمرأة الضّعيفة والمستضعف المهين، وأنا الحكم العدل، سبقت رحمتي غضبي، لا أعذّب الصّغار بذنوب الكبار من قومك، وهم يا يونس، عبادي وخلقي وبريّتي في بلادي وفي عيلتي، أحبّ أن أتأنّاهم  وأرفق بهم وأنتظر توبتهم، وإنّما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا عليهم، تعطف عليهم بسجال  الرّحمة الماسيّة  منهم، وتتأنّاهم  برأفة النّبوّة، فاصبر معهم بأحلام الرسالة، وتكون لهم كهيئة الطّبيب المداوي العالم بمداراة الدّواء، فخرقت  بهم ولم تستعمل قلوبهم بالرّفق ولم تسسهم بسياسة المرسلين، ثمّ سألتني عن  سوء نظرك العذاب لهم عند قلّة الصّبر منك، وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه وأحسن صحبة وأشدّ تأنيّا في الصّبر عندي وأبلغ في العذر ، فغضبت له حين غضب لي وأجبته حين دعاني.

فقال يونس: يا ربّ، إنّما غضبت عليهم فيك، وإنّما دعوت عليهم حين عصوك، فو عزّتك، لا أتعطّف عليهم برأفة أبدا، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق  بعد كفرهم وتكذيبهم إيّاي وجحدهم نبوّتي، فأنزل عليهم عذابك فإنّهم لا يؤمنون أبدا.

فقال اللّه: يا يونس، إنّهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي، ويعمرون بلادي ويلدون عبادي، ومحبّتي أن أتأنّاهم للّذي سبق من علمي فيهم وفيك، وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك، وأنت المرسل وأنا الرّب الحكيم، وعلمي فيهم، يا يونس،باطن في الغيب عندي لا تعلم  ما منتهاه، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له.

يا يونس، قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم، وما ذلك، يا يونس، بأوفر لحظّك عندي ولا أحمد  لشأنك، وسيأتيهم عذاب في شوّال يوم الأربعاء في وسط الشّهر بعد طلوع الشّمس، فأعلمهم ذلك.

فسر ذلك يونس ولم يسؤه، ولم يدر ما عاقبته. (الحديث)

و هو مذكور في سورة يونس.

لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي: لو لا أن أدركته [رحمة]  من ربّه بإجابة دعائه، وتخليصه من بطن الحوت، وتبقيته فيه حيّا، وإخراجه منه حيّا.

لَنُبِذَ بِالْعَراءِ: بالأرض الخالية عن الأشجار.

وَ هُوَ مَذْمُومٌ : مليم قد أتى بما يلام عليه، ولكنّ اللّه تداركه بنعمة من عنده فطرح بالعراء وهو غير مذموم.

فَاجْتَباهُ رَبُّهُ، أي: اختاره.

فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ : من الكاملين في الصّلاح.

و الاية قيل : نزلت حين همّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يدعو على ثقيف.

و قيل : بأحد حين حلّ به ما حلّ، فأراد أن يدعو على المنهزمين.

وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ «إن» هي المخفّفة و«اللّام» دليلها، والمعنى: أنّهم لشدّة عداوتهم ينظرون إليك شزرا بحيث يكادون يزلّون قدمك أو يرمونك، من قولهم: نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني، أي: لو أمكنه بنظره الصّرع لفعله. أو أنّهم يكادون  يصيبونك بالعين، إذروي  أنّه كان في بني أسد عيّانون، فأراد بعضهم على أن يعين رسول اللّه فنزلت.

و قرأ  نافع: «ليزلقونك» [من زلقته‏]  فزلق، كخزنته.

و قرئ : «ليزهقونك»، أي: ليهلكونك.

لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ، أي: القرآن، أي: ينبعث عند سماعه بغضهم وحسدهم.

وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ : حيرة في أمره، وتنفيرا عنه.

وَ ما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ : جنّنوه  لأجل القرآن، بيّن أنّه ذكر عام، لا يدركه ولا يتعاطاه إلّا من كان أكمل النّاس عقلا وأمثلهم رأيا.

 

و

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن ، عن الحجّال، عن عبد الصّمد بن بشير، عن حسّان الجمّال قال: حملت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- من المدينة إلى مكّة، فلمّا انتهينا إلى مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد، فقال:

ذاك موضع قدم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حيث قال: من كنت مولاه، فعليّ  مولاه.

ثمّ نظر إلى الجانب الاخر، فقال:

ذاك موضع  فسطاط أبي فلان، وفلان، وسالم، مولى أبي حذيفة، وأبي عبيدة بن الجرّاح، فلمّا أن رأوه رافعا يده قال بعضهم لبعض: انظروا إلى عينيه تدوران  كأنّهما عينا مجنون. فنزل جبرئيل بهذه الاية: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ [وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ]  قال: لمّا أخبرهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بفضل.أمير المؤمنين وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ  فقال اللّه- سبحانه-: وَما هُوَ، يعني: أمير المؤمنين إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ.

و

في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن سليمان، عن عبد اللّه بن محمّد اليمانيّ، عن مسمع بن الحجّاج، عن صباح الحذّاء، عن صباح المزنيّ، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بيد عليّ- عليه السّلام- يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة، فلم يبق منهم [أحد]  في بر ولا بحر إلّا أتاه.

فقالوا: يا سيّدهم ومولاهم ، ما ذا دهاك؟ فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه.

فقال لهم: قد فعل هذا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فعلا إن تمّ لم يعص اللّه أبدا.

فقالوا: يا سيّدهم، أنت كنت لآدم.

فلمّا قال المنافقون: إنّه ينطق عن الهوى، وقال أحد هما لصاحبه: أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنّه مجنون، يعنون. رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صرخ إبليس صرخة بطرب ، فجمع أولياءه، فقال: أما علمتم أنّي كنت لآدم من قبل؟

قالوا: نعم.

قال: آدم نقض العهد ولم يكفر بالرّبّ، وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرّسول.

 (الحديث)

و في مجمع البيان : لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ، أي: ليزلقونك، أي: ليقتلونك ويهلكونك. عن ابن عبّاس، وكان يقرأها كذلك.و قيل : ليصرعونك [عن الكلبي.

و قيل : يصيبونك‏]  بأعينهم عن السّدي.

و الكلّ يرجع في المعنى إلى الإصابة بالعين، والمفسّرون كلّهم على أنّه المراد في الاية.

و أنكر الجبائي  ذلك وقال: إنّ إصابة العين لا تصحّ. وقال عليّ بن العبّاس  الرّمّانيّ . وهذا الّذي ذكره غير صحيح، لأنّه غير ممتنع أن يكون اللّه أجرى العادة بصحّة ذلك لضرب  من المصلحة، وعليه إجماع المفسّرين، وجوّزه  العقلاء فلا مانع منه.

و

جاء في الخبر : أنّ أسماء بنت عميس قالت: يا رسول اللّه، إنّ بني جعفر تصيبهم العين فأسترقي  لهم؟

قال: نعم، فلو كان  شي‏ء يسبق القدر لسبقه العين.

و

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن القدّاح، عن أبيه عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: رقى  النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حسنا وحسينا فقال:

أعيذ كما بكلمات اللّه التّامّة وأسمائه الحسنى  كلّها عامّة، من شرّ السّامّة والهامّة، ومن شر كلّ عين لامّة، ومن شرّ حاد إذا حسد.

ثمّ التفت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلينا فقال: هكذا كان يعوّذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق.

و

في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا]  الحسن بن أحمدالمالكيّ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان، عن الحسين  الجمال قال: حملت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- من المدينة إلى مكّة، فلمّا بلغ غدير خمّ نظر إلى وقال.

هذا موضع قدم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حين أخذ بيد عليّ وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وكان عن يمين الفسطاط أربعة نفر من قريش- سمّاهم لي- فلمّا نظروا إليه وقد رفع يده حتّى بان بياض إبطيه قالوا:

انظروا إلى عينيه قد انقلبتا، كأنّهما عينا مجنون! فأتاه جبرئيل فقال: اقرأ وَإِنْ يَكادُ (الآية) والذّكر: عليّ- عليه السّلام-.

فقلت: الحمد للّه الّذي أسمعني هذا منك.

فقال: لو لا أنّك جمّالي لما حدّثتك بهذا، لأنّك لا تصدق إذا رويت عنّي.