سورة القيامة

سورة القيامة

مكّيّة.

و آيها تسع وثلاثون أو أربعون آية.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أدمن قراءة لا أُقْسِمُ وكان يعمل بها، بعثه اللّه مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من قبره في أحسن صورة، ويبشّره ويضحك في وجهه حتّى يجوز على الصّراط والميزان.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ سورة القيامة، شهدت أنّا وجبرئيل له يوم القيامة أنّه كان مؤمنا بيوم القيامة، وجاء ووجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة.

لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ  إدخال «لا» النّافية على فعل القسم للتّأكيد شائع في كلامهم، كما قال امرؤ القيس:

         لا وأبيك ابنة العامريّ             لا يدّعي القوم أنّي أفرّو قد مرّ الكلام فيه في قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ.

و قرأ  قنبل: «لا أقسم» بغير ألف بعد اللّام، وكذا روي عن البزّيّ.

وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ  قيل:  بالنّفس المتّقية الّتي تلوم النّفوس المقصّرة في التّقوى يوم القيامة على تقصيرها.

أو الّتي تلوم نفسها أبدا وإن اجتهدت في الطّاعة.

أو النّفس المطمئنّة اللّائمة للنّفس الأمّارة.

أو بالجنس لما

روي أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ليس  من نفس برّة ولا فاجرة إلّا وتلوم نفسها يوم القيامة، إن عملت خيرا قالت: كيف لم أزدد، وإن عملت شرا قالت: يا ليتني كنت قصّرت.

أو نفس [آدم- عليه السّلام-]  فإنّها لم تزل تتلوّم على ما خرجت به من الجنّة.

فإنّها لم تزل تتلوّم على ما خرجت به من الجنّة.

و ضمّها إلى يوم القيامة لأنّ المقصود من إقامتها مجازاتها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ، يعني: أقسم [بيوم القيامة]  وأقسم  بالنّفس اللّوّامة، قال: نفس آدم الّتي عصت فلامها اللّه.

أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ قيل : يعني: الجنس، وإسناد الفعل إليه لأنّ فيهم من يحسب. أو الّذي نزل فيه،

و هو عديّ بن ربيعة  سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن أمر القيامة، فأخبره به، فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدّقك، أو يجمع اللّه هذه العظام؟!

أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ : بعد تفرّقها.

و قرئ : أن لن تجمع على البناء للمفعول. «بَلى‏» نجمعها.

قادِرِينَ عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ : بجمع سلاميّاته وبضمّ بعضها إلى بعض، كما كانت مع صغرها ولطافتها، فكيف بكبار العظام. أو على أن نسوّي بنانه الّذي هو أطرافه، فكيف بغيرها.

و هو حال من فاعل الفعل المقدّر بعد «بلى».

و قرئ ، بالرّفع، أي: نحن قادرون.

بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ: عطف على «أ يحسب» فيجوز أن يكون استفهاما، وأن يكون إيجابا لجواز أن يكون الإضراب عن المستفهم وعن الاستفهام.

لِيَفْجُرَ أَمامَهُ : ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزّمان.

و في شرح الآيات الباهرة : عن محمّد البرقيّ، عن خلف بن حمّاد، عن الحلبيّ قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقرأ: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ، أي:

يكذّبه.

و قال بعض أصحابنا ، عنهم- عليهم السّلام-: إنّ قوله: بَلْ يُرِيدُ (الآية) قال: يريد  الإنسان أن يفجر أمير المؤمنين- عليه السّلام-، يعني: يكيده.

يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ : متى يكون، استبعادا واستهزاء.

فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ : تحيّر فزعا. من برق الرّجل: إذا نظر إلى البرق فدهش بصره.

و قرأ نافع، بالفتح، وهو لغة.

أو من البريق، بمعنى: لمع من شدّة شخوصه.

و قرئ: «بلق» من بلق الباب، أي: انفتح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ قال: يقدم الذّنب ويؤخّر التّوبة، ويقول: سوف أتوب.

فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ قال: يبرق البصر فلا يقدر أن يطرف.وَ خَسَفَ الْقَمَرُ : وذهب ضوؤه.

و قرئ  على بناء المفعول.

وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ : في ذهاب الضّوء، أو الطلوع من المغرب.

و لا ينافيه الخسوف، فإنّه مستعار للمحاق. ولمن حمل حمل ذلك على أمارات الموت أن يفسّر الخسوف بذهاب ضوء البصر، والجمع باستتباع الرّوح الحاسّة في الذّهاب.

و في كتاب الغيبة  لشيخ الطّائفة، بإسناده إلى عليّ بن مهزيار، حديث طويل يذكر فيه دخوله على القائم وسؤاله إيّاه، وفيه: فقلت: يا سيّدي، متّى يكون هذا الأمر ؟

فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع  الشّمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم.

فقلت: متى يا بن رسول اللّه؟

فقال لي: سنة كذا وكذا تخرج دابّة الأرض بين الصفا والمروة، معه عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق النّاس إلى المحشر.

يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ، أي: الفرار، يقوله قول الآيس من وجدانه المتمنّي.

و قرئ  بالكسر، وهو المكان.

كَلَّا: ردع عن طلب المفرّ.

لا وَزَرَ : لا ملجأ. مستعار من الجبل، واشتقاقه من الوزر، وهو الثّقل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كَلَّا لا وَزَرَ، أي: لا ملجأ.

إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ

: إليه وحده استقرار العباد. أو إلى حكمة استقرار أمرهم. أو إلى مشيئة موضع قرارهم، يدخل من يشاء الجنّة، ومن يشاء النّار.

يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

: بما قدّم من عمل عمله، وبماأخّر [منه لم يعمله. أو بما قدّم من عمل عمله،]  وبما أخّر عن سيّئة عمل بها بعده. أو بما قدّم من مال تصدّق به، وبما أخّر فخلّفه. أو بأوّل عمله وآخره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

 قال:

يخبر بما قدّم وأخّر.

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

: حجّة بيّنة على أعمالها، لأنّه شاهد بها، وصفها بالبصارة على المجاز. أو عين بصيرة بها، فلا يحتاج إلى الإنباء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ [وَ أَخَّرَ

 بما قدّم‏]  من خير وشرّ، وما أخّر ممّا سنّ من سنّة ليستنّ بها من بعده، فإن كان شرّا كان عليه مثل وزرهم ولا ينقص من وزرهم شي‏ء ، وإن كان خيرا كان له مثل أجورهم ولا ينقص من أجورهم شي‏ء .

و في من لا يحضره الفقيه : روى ابن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: ما حدّ المرض الّذي يفطر فيه الرّجل ويدع الصّلاة من قيام؟

فقال: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وهو أعلم بما يطيقه.

وي أصول الكافي : أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن فضل  أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسرّ سيّئا، أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أنّ ذلك ليس كذلك، واللّه يقول: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

. إنّ السّريرة إذا صحّت، قويت العلانية.

وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ

: ولو جاء بكلّ ما يمكن أن يعتذر به. جمع معذار وهو العذر. أو جمع معذرة على غير قياس، كالمناكير في المنكر، فإنّ قياسه معاذر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وَلَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ‏

 قال: يعلم ما صنع وإن اعتذر.و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر  ابن يزيد قال: إنّي لأتعشّى عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ تلا هذه الآية:

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ.

يا أبا حفص، ما يصنع الإنسان أن يتقرّب إلى اللّه بخلاف ما يعلم اللّه، إنّ رسول اللّه كان يقول: من أسرّ سريرة، ردّاه اللّه رداءها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، [عن عليّ بن الحكم،]  عن عمر بن يزيد قال: إنّي لأتعشّى عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ تلا هذه الآية: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ‏

.

يا أبا حفص، ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى النّاس بخلاف ما يعلم اللّه منه، إنّ رسول اللّه كان يقول: من أسرّ سريرة ألبسه اللّه رداءها، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.

و في مجمع البيان : وروى العيّاشي، بإسناده، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسرّ سيّئا، أليس إذا رجع يعلم أنّه ليس كذلك؟ واللّه يقول: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

 إنّ السّريرة إذا صلحت، قويت العلانية.

لا تُحَرِّكْ‏

: يا محمّد. بِهِ‏

: بالقرآن لِسانَكَ‏

 قبل أن يتمّ الوحي به.

لِتَعْجَلَ بِهِ

: لتأخذه على عجلة، مخافة أن ينفلت عنك.

و في مجمع البيان : قال ابن عبّاس: كان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه، لحبّه إيّاه وحرصه على أخذه وضبطه مخافة أن ينساه، فنهاه اللّه عن ذلك.

و في رواية سعيد بن جبير ، عنه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه كان يعالج من التّنزيل شدّة، وكان يشتدّ عليه حفظه، فكان يحرّك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبرئيل من قراءة الوحي، فقال- تعالى-: لا تُحَرِّكْ بِهِ‏

، أي: بالوحي، أو بالقرآن لِسانَكَ‏

 يعني:

بالقراءة.إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ‏

: في صدرك وَقُرْآنَهُ

: وإثبات قراءته في لسانك.

و هو تعليل للنّهي.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في قوله: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى فإنّه كان سبب نزولها، أن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- دعا إلى بيعة عليّ- عليه السّلام- يوم غدير خمّ.

فلمّا بلّغ النّاس وأخبرهم في عليّ- عليه السّلام- ما أراد اللّه أن يخبرهم  به رجعوا  النّاس، فاتّكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعريّ، ثمّ أقبل يتمطّى نحو أهله ويقول: ما نقرّ لعليّ- عليه السّلام- بالولاية  أبدا، ولا نصدّق محمّدا مقالته فيه. فأنزل اللّه فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلى‏ أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏ وعيد  الفاسق.

فصعد رسول اللّه المنبر، وهو يريد البراءة منه، فأنزل اللّه: لا تُحَرِّكْ (الآية).

فسكت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولم يسمّه.

قوله: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ قال: على آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- جمع القرآن وقراءته .

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدّام، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: ما ادّعى أحد من النّاس أنّه جمع القرآن كلّه، كما انزل، إلّا كذّاب. وما جمعه وحفظه، كما نزّله اللّه، إلّا عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بعده.

فَإِذا قَرَأْناهُ‏

: بلسان جبرئيل عليك فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

: قراءته، وتكرّر فيه حتّى يرسخ في ذهنك.

و في مجمع البيان : فَإِذا قَرَأْناهُ‏

، أي: قرأ جبرئيل عليك بأمرنا فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏

 ... عن ابن عبّاس. والمعنى: اقراه إذا فرغ جبرئيل من قراءته.قال: فكان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بعد هذا إذا نزل عليه جبرئيل أطرق، فإذا ذهب قرأ.

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ : بيان ما أشكل عليك من معانيه.

و هو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، وهو اعتراض بما يؤكّد التّوبيخ على حبّ العجلة، لأنّها إذا كانت مذمومة فيما هو أهمّ الأمور وأصل الدّين فكيف بها في غيره، أو بذكر ما اتّفق في أثناء نزول هذه الآيات.

و قيل : الخطاب مع الإنسان المذكور والمعنى: أنّه يؤتى كتابه فيتلجلج لسانه من سرعة قراءته خوفا، فيقال له: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ‏

 فإنّ علينا بمقتضى الوعد جمع ما فيه من أعمالك وقراءته فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏

 بالإقرار، أو بالتّأمّل فيه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بيان أمره بالجزاء عليه.

كَلَّا: ردع للرّسول عن عادة العجلة، أو للإنسان عن الاغترار بالعاجل.

بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ  وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ  تعميم للخطاب، إشعارا بأنّ بني آدم مطبوعون على الاستعجال.

و إن كان الخطاب للإنسان والمراد: الجنس، فجمع الضّمير باعتبار المعنى.

و يؤيّده قراءة  ابن كثير وابن عامر والبصريّين، بالياء فيهما.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ : بهيئة متهلّلة.

إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ : من نظر العين. أو الانتظار، أي: هي ناظرة إلى نعيم الجنّة حالا بعد حال، فيزداد بذلك سرورها. أو منتظرة متشوّقة إلى ثواب ربّها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ قال: الدّنيا الحاضرة.

وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ قال: تدعون.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، أي: مشرقة.

إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ قال: ينظرون إلى وجه اللّه، أي: رحمة اللّه ونعمته.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال: قال عليّ بن موسى الرّضا- عليه‏السّلام- في قوله- تعالى-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ: يعني: مشرقة تنتظر ثواب ربّها.

و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل: عن عليّ- عليه السّلام- يقول فيه، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: فأمّا قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ فإنّ ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء اللّه، بعد ما يفرغ من الحساب، إلى نهر يسمّى:

الحيوان، فيغتسلون فيه ويشربون منه، فتنضر وجوههم إشراقا فيذهب عنهم كلّ قذى ووعث، ثمّ يؤمرون بدخول الجنّة. فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم ومنه يدخلون الجنّة، فذلك قوله - عزّ وجلّ- في  تسليم الملائكة عليهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ. فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنّة والنّظر إلى ما وعدهم [ربّهم‏] ، فذلك قوله: إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ. وإنّما يعني بالنّظر إليه النظر  إلى ثوابه- تبارك وتعالى-.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه- مثله.

إلى قوله: إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ دون: وإنّما يعني- إلى آخره.

و فيه بعد قوله: «ناظرة»: و«النّاظرة» في بعض اللّغة هي المنتظرة ألم تسمع إلى قوله : فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ، أي: منتظرة بم يرجع المرسلون.

و في مجمع البيان : وأمّا من حمل النّظر في الآية على الانتظار، فإنّهم اختلفوا في معناه على أقوال: أحدها،

أنّ المعنى: منتظرة لثواب ربّها ... عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضّحّاك، وهو المرويّ عن عليّ- عليه السّلام-.

و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- عن أحمد بن هوذة، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن هاشم الصّيداويّ قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا هاشم، حدّثني أبي وهو خير منّي [عن جدّي‏] ، عن رسول‏اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: ما من رجل من فقراء شيعتنا إلّا وليس  عليه تبعة .

قلت: جعلت فداك، وما التبعة ؟

قال: من الإحدى والخمسين ركعة، ومن صوم ثلاثة أيّام من الشّهر، فإذا كان يوم القيامة خرجوا من قبورهم ووجوههم مثل القمر ليلة البدر، فيقال للرّجل منهم: سل تعط. فيقول: أسأل ربّي النّظر إلى وجه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: فيأذن اللّه لأهل الجنّة أن يزوروا محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: فينصب  لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- منبر [من نور]  على درنوك من درانيك الجنّة، له ألف مرقاة، بين المرقاة إلى المرقاة ركضة الفرس، فيصعد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

 [قال:]  فيحفّ ذلك المنبر شيعة آل محمّد- عليهم السّلام-. فينظر اللّه إليهم، وهو قوله- تعالى-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ.

قال: فيلقى عليهم من النّور حتّى أنّ أحدهم إذا رجع لم تقدر الحوراء تملأ بصرها منه.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا هاشم، لمثل هذا فليعمل العاملون.

وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ : شديدة العبوس. والباسل أبلغ من الباسر، لكنّه غلب في الشجاع إذا اشتدّ كلوحه.

تَظُنُّ: تتوقّع أربابها.

أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ : داهية تكسر القفار] .

كَلَّا: ردع عن إيثار الدّنيا على الآخرة.

إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ : إذا بلغت النّفس أعالي الصّدر. وإضمارها من غير ذكر لدلالة الكلام عليها.وَ قِيلَ مَنْ راقٍ‏

 : وقال حاضر وصاحبها: من يرقيه ممّا به؟ من الرّقية.

أو قال ملائكة الموت: أيّكم يرقي بروحه، ملائكة الرّحمة أو ملائكة العذاب؟

من الرّقيّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ قال: يعني:

النّفس إذا بلغت التّرقوة.

وَ قِيلَ مَنْ راقٍ‏

 قال: يقال له: من يرقيك.

وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ : وظنّ المحتضر أنّ الّذي نزل  به فراق الدّنيا ومحابّها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ، أي: علم.

و في مجمع البيان : وجاء في الحديث: أنّ العبد ليعالج كرب الموت وسكراته، ومفاصله يسلّم بعضها على بعض، يقول: عليك السّلام، تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة.

وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ : والتوت ساقه بساقه فلا يقدر تحريكهما.

أو شدّة فراق الدّنيا بشدّة خوف الآخرة.

إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ : سوقه إلى اللّه.

و في الكافي ، بإسناده إلى جابر: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَقِيلَ مَنْ راقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ‏

.

قال: فإنّ ذلك ابن آدم إذا حلّ به الموت، قال: هل من طبيب أنّه الفراق.

و أيقن بمفارقة الأحبّة.

قال: [وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ.

قال :] التفّت الدّنيا بالآخرة.

ثمّ إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ. قال: المصير إلى ربّ العالمين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ قال: التفّت الدّنيابالآخرة.

إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ قال: يساقون إلى اللّه.

فَلا صَدَّقَ قيل : ما يجب تصديقه. أو فلان صدّق ماله، أي: فلا زكّاه.

وَ لا صَلَّى : ما فرض عليه. والضّمير فيهما للإنسان المذكور في أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ.

وَ لكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى : عن الطّاعة.

ثُمَّ ذَهَبَ إِلى‏ أَهْلِهِ يَتَمَطَّى : يتبختر افتخارا بذلك. من المطّ ، فإنّ المتبختر يمدّ خطاه، فيكون أصله: يتمطّط. أو من المطا، وهو الظّهر، فإنّه يلويه.

أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏ : ويل لك. من الولي، وأصله: أولاك اللّه ما تكرهه، و«اللّام» مزيدة، كما في: رَدِفَ لَكُمْ. أو أولى لك الهلاك.

و قيل : أفعل، من الويل، بعد القلب، كأدنى، من أدون. أو فعلى، من آل يؤول، بمعنى: عقباك النّار.

ثُمَّ أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏ ، أي: يتكرّر ذلك عليك مرّة بعد أخرى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى فإنّه كان سبب نزولها أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- دعا إلى بيعة عليّ يوم غدير خمّ- وقد مرّ هذا الحديث عند قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ‏

.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة، وبهذا الإسناد: عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ قال: سألت محمّد بن عليّ الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏ ثُمَّ أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏.

قال: يقول اللّه: بعدا لك من خير الدّنيا، وبعدا لك من خير الآخرة.

و

 

في مجمع البيان : وجاءت الرّواية: أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أخذ بيد أبي جهل ثمّ قال له: أَوْلى‏ لَكَ (الآية).فقال أبو جهل: بأيّ شي‏ء تهدّدني؟ لا تستطيع أنت ولا ربّك أن تفعل بي شيئا، وإنّي لأعزّ أهل هذا الوادي.

فأنزل اللّه كما قال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- .

أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً : مهملا لا يكلّف ولا يجازى.

و هو يتضمّن تكرير إنكاره للحشر، والدّلالة  عليه من حيث إنّ الحكمة تقتضي الأمر بالمحاسن والنّهي عن القبائح، والتّكليف لا يتحقّق إلّا بالمجازاة، وهي قد لا تكون في الدّنيا فتكون في الآخرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي قوله: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً.

قال: لا يحاسب، ولا يعذّب، ولا يسأل عن شي‏ء.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد بن عمارة: عن أبيه قال: سألت الصّادق- عليه السّلام- فقلت: لم خلق اللّه الخلق؟

فقال: إنّ اللّه لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلّفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرّة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيمه .

و بإسناده  إلى مسعدة بن زياد قال: قال رجل للصّادق- عليه السّلام-: يا أبا عبد اللّه، إنّا خلقنا للعجب.

قال: وما ذلك، للّه أنت؟

قال: خلقنا للفناء.قال: مه، خلقنا للبقاء، وكيف [تفنى‏]  جنّة لا تبيد ونار لا تخمد، ولكن قل:

إنّما نتحوّل من دار إلى دار.

ا لم يك نطفة من مني تمنى  ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى :

فقدّره فعدله.

و قرأ  حفص: «يُمْنى‏» بالياء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى‏ قال: إذا نكح أمناه.

فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ: الصّنفين الذَّكَرَ وَالْأُنْثى‏ .

و هو استدلال آخر بالإبداء على الإعادة، على ما مرّ تقديره  مرارا»

، ولذلك رتّب عليه قوله: أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى‏ .

و في مجمع البيان : وفي الحديث، عن البراء بن عازب قال: لمّا نزلت هذه الآية: أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى‏ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

سبحانك، اللّهمّ، وبلى. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر أخلاق الرّضا- عليه السّلام- ووصف عبادته: وكان إذا قرأ: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ قال عند الفراغ منها : سبحانك، اللّهمّ، وبلى.