(سورة المسد (تبّت

سورة المسد (تبّت‏)

مكّيّة.

و آيها خمس بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في ثواب الأعمال ، بإسناده إلى عليّ بن شجرة: عن بعض أصحاب أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [عنه- عليه السّلام-]  قال: إذا قرأتم تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ فادعوا على أبي لهب، فإنّه كان من المكذّبين الّذين يكذّبون بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وبما جاء به من عند اللّه.

و في مجمع البيان : في حديث أبي: من قرأها رجوت أن لا يجمع اللّه  بينه وبين أبي لهب في دار واحدة.

سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال: صعد رسول اللّه [- صلّى اللّه عليه وآله-]  ذات يوم الصّفا فقال: يا صباحاه .

فأقبل إليه قريش فقالوا له: مالك؟فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ مصبّحكم أو ممسّيكم، أما تصدّقون ؟

قالوا: بلى.

قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

فقال أبو لهب: تبّا لك، لهذا دعوتنا جميعا. فأنزل اللّه هذه السّورة.

أورده البخاريّ في الصّحيح.

تَبَّتْ: هلكت. أو خسرت. و«و التّباب» خسران يؤدّي إلى الهلاك.

يَدا أَبِي لَهَبٍ: نفسه، كقوله: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.

و قيل : إنّما خصّتا، لأنّه [- عليه الصّلاة والسّلام-]  لمّا نزل عليه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع أقاربه فأنذرهم، فقال أبو لهب: تبّا لك، أ لهذا دعوتنا؟ وأخذ حجرا ليرميه [به. فنزلت‏].

و قيل : المراد بهما دنيا وآخرته . وإنّما كنّاه، والتّكنية تكرمة، لاشتهاره بكنيته. ولأنّ اسمه عبد العزّى، فاستكره ذكره. ولأنّه لمّا كان من أصحاب النّار، كانت الكنية أوفق بحاله، أو ليجانس قوله: ذاتَ لَهَبٍ.

و قرئ : «أبو لهب»، كما قيل: [عليّ بن‏]  أبو طالب.

و قرأ  ابن كثير بإسكان هاء «لهب».

وَ تَبَّ : إخبار بعد دعاء . والتّعبير بالماضي لتحقّق وقوعه، كقوله:         جزاني جزاه اللّه شرّ جزائه             جزاء الكلاب العاويات وقد فعل‏

 ويدلّ عليه أنّه قرئ : «و قد تبّ ». أو الأوّل إخبار عمّا كسبت يداه، والثّاني عن عمل نفسه.

ما أَغْنى‏ عَنْهُ مالُهُ: نفي لإغناء المال  عنه حين نزل به التّباب. أو استفهام إنكار له، ومحلّها النّصب .

وَ ما كَسَبَ : وكسبه. أو مكسوبه بما له من النّتائج والأرباح والوجاهة والاتّباع. أو عمله الّذي ظنّ أنّه ينفعه. أو ولده عتبة ، وقد افترسه أسد في طريق الشّام وقد أحدق به العير. ومات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر بأيّام معدودة، وترك ثلاثا حتّى أنتن، ثمّ استأجروا بعض السّودان حتّى دفنوه. فهو إخبار عن الغيب، طابقه وقوعه.

سَيَصْلى‏ ناراً ذاتَ لَهَبٍ : اشتعال، يريد: نار جهنّم.

و قرئ : «سيصلى» بالضّمّ  مخفّفا ومشدّدا.

وَ امْرَأَتُهُ عطف على المستكنّ في «سيصلى». أو مبتدأ. وهي أمّ جميل، اخت أبي سفيان.

حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ، يعني: حطب جهنّم، فإنّها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرّسول وتحمل زوجها على إيذائه. أو النّميمة، فإنّا توقد نار الخصومة. أو حزمة الشّوك والحسك  كانت تحملها فتنثرها باللّيل في طريق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

و قرأ  عاصم بالنّصب على الشّتم.

فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ، أي: ممّا مسد، أي: فتل. ومنه رجل ممسود الخلق ، أي: مجدولة. وهي ترشيح  للمجاز. أو تصوير لها بصورة الحطّابة الّتي‏تحمل الحزمة وتربطها في جيدها، تحقيرا لشأنها. أو بيانا لحالها في نار جهنّم، حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنّم، كالزّقّوم والضّريع، وفي جيدها سلسلة من النّار.

و الظّرف في موضع الحال، [أو الخبر]  و«حبل» مرتفع به.

و في مجمع البيان : ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت هذه السّورة أقبلت العوراء، أمّ جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر  وهي تقول: «مذممّا أبينا، ودينه قلينا ، وأمره عصينا» والنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- جالس في المجلس، ومعه أبو بكر.

فلمّا رآها أبو بكر قال: يا رسول اللّه، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك.

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّها لن تراني، وقرأ قرآن فاعتصم به، كما قال  وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً.

فوقفت على أبي بكر، ولم تر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالت: يا أبا بكر ، إنّ صاحبك هجاني.

فقال: لا، وربّ البيت، ما هجاك.

قال : فولّت وهي تقول: قريش تعلم أنّي بنت سيّدها.

و روي  أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: صرف اللّه عنّي أنّهم  يذمّون مذمّما، وأنا محمّد.

و في قرب الإسناد للحميريّ ، بإسناده إلى أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهماالسّلام- حديث طويل يذكر فيه آيات النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. وفيه: ومن ذلك أنّ أمّ جميل، امرأة [أبي لهب‏]  أتته حين نزلت سورة تبّت، ومع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أبو بكر بن أبي قحافة، فقال: يا رسول، هذه أمّ جميل [امرأة أبي لهب‏]  محفظة ، أي:

مغضبة، تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به.

فقال: إنّها لا تراني.

فقالت لأبي بكر: أين صاحبك؟

قال: حيث شاء اللّه.

قالت: لقد جئته، ولو أراه لرميته، فإنّه هجاني. واللّات والعزّى، إنّي لشاعرة.

فقال أبو بكر: يا رسول اللّه، لم ترك؟

قال: لا، ضرب اللّه بيني وبينها حجابا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ قال: أي: خسرت، لمّا اجتمع مع قرش في دار النّدوة وبايعهم على قتل محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكان كثير المال، فقال اللّه: ما أَغْنى‏ عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، سَيَصْلى‏ ناراً ذاتَ لَهَبٍ عليه فتحرقه. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ قال: كانت أمّ جميل بنت صخر ، وكانت تنمّ على رسول اللّه وتنقل أحاديثه إلى الكفّار حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، أي: احتطبت  على رسول اللّه. فِي جِيدِها، أي: في عنقها. حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، أي: من نار. وكان اسم أبي لهب عبد مناف ، فكنّاه اللّه، لأنّ منافا صنم يعبدونه.

و في نهج البلاغة ، من كتاب له- عليه السّلام- إلى معاوية جوابا: ومنّا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب.