سورة المعارج

سورة المعارج‏

مكّيّة.

و قيل : إلّا قوله: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ.

و آياتها أربع، أو ثلاث وأربعون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أكثروا من قراءة سَأَلَ سائِلٌ، فإنّ من أكثر قراءتها لم يسأله اللّه يوم القيامة عن ذنب عمله، وأسكنه الجنّة مع محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- [و أهل بيته- إن شاء اللّه‏] .

 [و

في مجمع البيان : وعن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أدمن قراءة سَأَلَ سائِلٌ لم يسأله اللّه يوم القيامة عن ذنب عمله، وأسكنه جنّته مع محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-] .

ابيّ بن كعب ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة سأل سائل أعطاه اللّه ثواب الّذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، والّذين هم على صلاتهم يحافظون.سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ، أي: دعا داع به: بمعنى: استدعاه، ولذلك عدّي الفعل بالباء.

قيل : السّائل النضر بن الحارث، فإنّه قال: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ . (الآية) أو أبو جهل، فإنّه قال: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ  سأله استهزاء. أو الرّسول استعجل بعذابهم.

و قرأ  نافع وابن عامر: «سال»  وهو إمّا من السّؤال على لغة قريش:

         سالت  هذيل رسول الله فاحشة             ضلّت هذيل بما سالت  ولم تصب‏

 أو من السّيلان ويؤيّده أنّه قرئ: «سال سيل» على أن السّيل مصدر، بمعنى: السائل، كالغور بمعنى: الغائر، والمعنى: سال واد بعذاب.

و مضيّ الفعل لتحقّق وقوعه.

لِلْكافِرينَ: صفة أخرى «لعذاب» أو صلة [ «الواقع»] .

لَيْسَ لَهُ دافِعٌ : يردّه.

مِنَ اللَّهِ: من جهته، لتعلّق إرادته به.

ذِي الْمَعارِجِ : ذي المصاعد، وهي الدّرجات الّتي يصعد فيها الكلم الطّيّب والعمل الصّالح ، أو يترقّى فيها المؤمنون في سلوكهم أو في دار ثوابهم، أو مراتب الملائكة، أو السّماوات فإنّ الملائكة يعرجون فيها.

و

في مجمع البيان : أخبرنا السّيد  أبو الحمد.

... إلى قوله: عن جعفر بن محمّد الصّادق- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام- قال: لمّا نصّب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه السّلام- يوم غدير خمّ قال: من كنت مولاه فعليّ  مولاه، طار ذلك في البلاد.فقدم على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- النّعمان بن الحارث الزهري ، فقال:

أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا اله إلّا اللّه وأنّك رسول اللّه، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصّوم والصّلاة [و الزكاة]  فقبلناها، ثمّ لم ترض حتّى نصّبت هذا الغلام، فقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شي‏ء منك أو أمر من عند اللّه؟

فقال: واللّه الّذي لا اله إلّا هو، إنّ هذا من اللّه.

فولّى النّعمان بن الحارث وهو يقول: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ.  فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله، وأنزل اللّه: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ.

و

في أصول الكافي : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية عليّ- عليه السّلام- لَيْسَ لَهُ دافِعٌ.

ثمّ قال: هكذا، واللّه، نزل بها جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و

في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بيّنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال له رسول الله- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم.

... إلى قوله: فغضب الحارث بن عمرو الفهدي ، فقال: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ أنّ بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ. فأنزل اللّه عليه مقالة الحارث، ونزلت هذه الآية :

 [وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ‏]  وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.

ثمّ قال له: يا [ابن‏]  عمرو، إمّا تبت وإمّا رحلت.فقال: يا محمد، بل تجعل لسائر قريش [شيئا]  ممّا في يديك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم.

فقال- النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ليس [ذلك إليّ‏]  ذلك إلى اللّه.

فقال: يا محمّد، قلبي ما يتابعني على التّوبة، ولكن أرحل عنك. فدعا براحلته فركبها، فلمّا صار بظهر المدينة، أتته جندلة فرضّت  هامته، ثمّ أتى الوحي إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية عليّ - عليه السّلام- لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ.

قال: قلت: جعلت فداك، إنا لا نقرؤها هكذا! [فقال: هكذا]  [و اللّه‏]  نزل بها جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وهكذا هو، واللّه، مثبّت في مصحف فاطمة- عليها السّلام-.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به. (الحديث)

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. قال: سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن معنى هذا.

فقال: نار تخرج من المغرب وملك يسوقها من خلفها، حتّى تأتي دار بني سعد بن همّا عند مسجد هم فلا تدع دارا لبني أميّة إلّا أحرقتها وأهلها، ولا تدع دارا فيها وتر لآل محمّد إلّا أحرقتها، وذلك المهديّ- عليه السّلام-.

و في حديث آخر : لمّا اصطفّت الخيلان يوم بدر، رفع أبو جهل يده فقال:

اللّهمّ، إنّه قطعنا الرحم  وآتانا  بما لا نعرفه فأجئه بالعذاب فأنزل اللّه- تعالى- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ.

أخبرنا  أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عليّ، عن عليّ بن‏حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ قال: سأل رجل عن الأوصياء وعن شأن ليلة القدر وما يلهمون فيها.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: سألت عن عذاب واقع ثمّ كفر بأن ذلك لا يكون، فإذا وقع فليس له دافع مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ.

تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ في تفسير عليّ بن إبراهيم : تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ في صبح ليلة القدر إليه من عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والوصي.

و

في كتاب التوحيد ، بإسناده إلى زيد بن عليّ: عن أبيه سيّد العابدين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- بقاعا في سماواته، فمن عرج به [إلى بقعة منها، فقد عرج به‏]  إليه. ألا تسمع اللّه يقول: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ.

و في الفقيه ، مثله سواء.

فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ :

قيل : استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج وبعد  مداها على التّمثيل والتّخييل، والمعنى: أنّها بحيث لو قدّر قطعها في زمان لكان في زمان يقدّر بخمسين ألف سنة من سني الدّنيا.

و قيل : معناه: تعرج الملائكة والرّوح إلى عرشه في يوم كان مقداره كمقدار  خمسين ألف سنة، من حيث إنّهم يقطعون فيه ما يقطعه  الإنسان فيها لو فرض، لا أنّ ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة، لأنّ ما بين مركز الأرض ومقعر السّماء الدّنيا- على ما قيل- مسيرة خمسمائة عام، وثخن كلّ واحدة من‏السّماوات السّبع والكرسيّ والعرش كذلك، وحيث قال : فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ  أَلْفَ سَنَةٍ يريد به: زمان عروجهم من الأرض إلى محدب السّماء الدّنيا.

و قيل  «في يوم» متعلّق «بواقع»، أو «سأل» إذا جعل من السّيلان، والمراد به:

يوم القيامة واستطالته، إمّا لشدّته على الكفّار أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات، أو لأنّه على الحقيقة كذلك.

و «الرّوح» جبرئيل، وإفراده لفضله، أو خلق أعظم من الملائكة.

و قرأ  الكسائي: «يعرج» بالياء.

و

في روضة الكافي ، بإسناده إلى حفص بن غياث قال: قال: أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل: فإنّ للقيامة خمسين موقفا كلّ موقف مقداره  ألف سنة. ثمّ تلا: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ... مِمَّا تَعُدُّونَ.

و

في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنّ في القيامة خمسين موقفا، كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون. ثمّ تلا هذه الآية: فِي يَوْمٍ (الآية).

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي، عن موسى بن جعفر- عليه السّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ، أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال وقد ذكر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إنّه اسري  به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السّماوات مسيره خمسين ألف عام في أقلّ من ثلث ليلة، حتّى انتهى إلى ساق العرش. (الحديث)

و

في كتاب التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، فيه- وقدسأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات-: وأمّا قوله : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً. وقوله : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ.

و قوله : ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. وقوله : إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ. وقوله : لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ. وقوله :

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ (الآية) فإنّ ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم، الّذي كان مقداره خمسين ألف سنة، يجمع اللّه الخلائق يومئذ في مواطن يتفرّقون، ويكلّم بعضهم بعضا، ويستغفر بعضهم لبعض، أولئك الّذي كان منهم الطّاعة في دار الدّنيا للرّؤساء  والاتّباع، ويلعن أهل المعاصي الّذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الإثم والعدوان في دار الدّنيا المستكبرين والمستضعفين، يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا.

و الكفر في هذه الآية: البراءة، يقول: فيبرأ بعضهم من بعض.

و نظيرها في سورة إبراهيم قول الشّيطان : إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ. وقول إبراهيم خليل الرحمن : كفرنا، أي: تبرّأنا منكم.

ثمّ يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه. فلو أنّ تلك الأصوات بدت لأهل الدّنيا، لأذهلت جميع الخلق  عن معايشهم ولتصدّعن قلوبهم إلّا ما شاء اللّه، فلا يزالون يبكون الدّم.

ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه، فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. فيختم اللّه على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكل معصية كانت منهم . ثمّ يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ .ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه، فيقرّ بعضهم عن بعض، فذلك قوله : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ فيستنطقون ف لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً. فتقوم الرّسل فيشهدون في هذا الموطن، فذلك قوله :

فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً.

ثمّ يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وهو المقام المحمود، فيثني على اللّه بما لم يثن عليه أحد قبله، ثمّ يثني على الملائكة كلّهم فلا يبقى ملك إلّا أثنى عليه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-، ثمّ يثني على الرّسل بما لم يثن عليهم أحد مثله، ثم يثني على كلّ مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصّدّيقين، ثمّ بالشهداء ، ثمّ بالصّالحين، فيحمده أهل السّماوات والأرض، وذلك قوله - تعالى-: عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظّ [و نصيب‏] ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظّ ولا نصيب.

ثمّ يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم : من بعض، وهذا كلّه قبل الحساب، [فإذا أخذ في الحساب‏]  شغل كلّ انسان بما لديه. نسأل اللّه بركة ذلك اليوم.

و في مجمع البيان : فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ

 

روى أبو سعيد الخدريّ قال: قيل: يا رسول اللّه، ما أطول هذا اليوم! فقال: والّذي نفس محمّد بيده، إنّه ليخفّ على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدّنيا.

و

روي ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: لو ولي الحساب غير اللّه، لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا [و اللّه- سبحانه- يفرغ من ذلك‏]  في ساعة.

و

عنه- أيضا-  قال: لا ينتصف ذلك حتّى يقبل أهل الجنّة في الجنّة، وأهل النّارفي النّار.

فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا : لا يشوبه استعجال واضطراب قلب.

و هو متعلّق «بسأل» لأنّ السّؤال كان عن استهزاء أو تعنّت، وذلك ممّا يضجره. أو [ «بسأل سائل» أو «سال سيل»]  لأن المعنى: قرب وقوع العذاب فاصبر فقد شارفت الانتقام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا، أي: لتكذيب من كذّب أنّ ذلك [لا]  يكون.

إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ: الضّمير «للعذاب» أو «اليوم القيامة».

بَعِيداً : من الإمكان.

وَ نَراهُ قَرِيباً : منه. أو من الوقوع.

يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ : ظرف «لقريبا»، أي: يمكن يوم تكون. أو لمضمر دلّ عليه «واقع». أو بدل «في يوم»  إن علّق به.

و «المهل» المذاب في مهل، كالفلزات، أو درديّ  الزّيت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قوله: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ قال: الرّصاص الذائب والنّحاس، كذلك تذوب السّماء.

وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ : كالصّوف المصبوغ ألوانا، لأنّ الجبال مختلفة الألوان، فإذا بسّت وطيّرت في الجوّ، أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الرّيح.

وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً : ولا يسأل قريب قريبا عن حاله.

و عن ابن كثير : «و لا يسأل» بالبناء للمفعول، أي: لا يطلب من حميم  حميم، ولا يسأل منه حاله.يُبَصَّرُونَهُمْ: استئناف. أو حال تدلّ  على أن المانع عن السؤال هو التّشاغل دون الخفاء، أو ما يغني عنه من مشاهدة الحال، كبياض الوجه وسواده. وجمع الضميرين لعموم الحميم.

يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ  وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ : حال من أحد الضّميرين. أو استئناف يدلّ على أنّ اشتغال  كلّ مجرم بنفسه بحيث يتمنّى أن يفتدي بأقرب النّاس وأعلقهم بقلبه، فضلا أن يهتمّ بحاله ويسأل عنها.

و قرأ  نافع والكسائي، بفتح ميم «يومئذ».

و قرئ  بتنوين «عذاب» ونصب «يومئذ» به، لأنّه بمعنى: تعذيب.

وَ فَصِيلَتِهِ: وعشيرته الّذين فصل عنهم.

الَّتِي تُؤْوِيهِ : تضمّه في النسب، أو عند الشّدائد.

وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً: من الثّقلين، أو الخلائق.

ثُمَّ يُنْجِيهِ : عطف على «يفتدي» أي: ثمّ لو ينجيه الافتداء.

و «ثمّ» للاستبعاد.

كَلَّا: ردع للمجرم عن الودادة ودلالة على أنّ الافتداء لا ينجيه.

إِنَّها: الضّمير «للنّار»، أو مبهم يفسّره لَظى‏ ، وهو خبر أو بدل أو للشّأن، و«لظى» مبتدأ خبره نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ : وهو اللّهب الخالص.

و قيل : علم للنّار، منقول من اللّظى، بمعنى: اللّهب.

و قرأ  حفص: «نزّاعة» بالنّصب على الاختصاص، أو الحال المؤكّدة، أو المنتقلة، على أنّ لظى بمعنى: متلظّية .

و «الشّوى» الأطراف. أو جمع شواة، وهي جلدة الرّأس.تَدْعُوا: تجذب .

و قيل : تدعو زبانيتها.

و قيل : «تدعو» تهلك، من قولهم: دعاه اللّه: إذا أهلكه.

مَنْ أَدْبَرَ: عن الحقّ وَتَوَلَّى : عن الطّاعة.

وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏ : وجمع المال فجعله في وعاء وكنزه حرصا وتأميلا.

إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً : شديد الحرص، قليل الصّبر.

إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ: الضر  جَزُوعاً : يكثر الجزع.

وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ: السّعة مَنُوعاً : يكثر المنع والإمساك.

و الأوصاف الثّلاثة أحوال مقدّرة أو محقّقة  لأنّها طبائع جبل الإنسان عليها.

و «إذا» الأولى ظرف «لجزوعا» والأخرى «لمنوعا».

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: يُبَصَّرُونَهُمْ يقول: يعرّفونهم [ثمّ لا يتساءلون‏] . وقوله: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ- إلى قوله-: تُؤْوِيهِ وهي أمّة الّتي ولدته.

قوله: نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ قال: تنزع عينيه وتسوّد وجهه.

تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى قال: تجرّه إليها.

إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً قال: الشَّرُّ هو الفقر والفاقة.

وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً قال: الغنى والسّعة.

إِلَّا الْمُصَلِّينَ : استثناء للموصوفين بالصّفات المذكورة بعد، من المطبوعين على الأحوال المذكورة قبل ، لمضادّة تلك الصّفات لها، من حيث إنّها دالة على الاستغراق في  طاعة الحقّ، والإشفاق على الخلق، والإيمان بالجزاء، والخوف من‏العقوبة، وكسر الشّهوة، وإيثار الآجل على العاجل، وتلك ناشئة من الانهماك في حبّ العاجل وقصور النّظر عليها.

الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ : لا يشغلهم عنها شاغل.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ثمّ استثنى فقال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ فوصفهم بأحسن أعمالهم الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ يقول: إذا فرض على نفسه شيئا من النّوافل دام عليه.

و

في كتاب الخصال ، في ما علم عليّ- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: لا يصلّي الرّجل نافلة في وقت فريضة إلّا من عذر، ولكن يقضي بعد ذلك، إذا أمكنه القضاء، قال الله- تبارك وتعالى-: الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ، يعني: الّذين يقضون ما فاتهم من اللّيل بالنّهار وما فاتهم من النّهار باللّيل، لا تقضى النّافلة في وقت فريضة، ابدأ بالفريضة ثمّ صلّ ما بدا لك.

و

في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد [ابن محمّد] ، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه - عزّ وجلّ-: الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ.

قال: هي الفريضة.

قلت: الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ.

قال: هي النافلة .

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة قال: دخلت: على أبي جعفر- عليه السّلام- وأنا شابّ، فوصف لي التّطوع والصّوم، فرأى ثقل ذلك في وجهي.

فقال لي: إنّ هذا ليس كالفريضة من تركها هلك، إنّما هو التّطوع إن شغلت عنه أو تركته قضيته، إنهم كانوا يكرهون أن ترفع أعمالهم يوما تامّا ويوما ناقصا، إنّ اللّه‏يقول: الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وكانوا يكرهون أن يصلّوا حتّى يزول النّهار.

إنّ أبواب السّماء تفتح إذا زال النّهار.

وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، كالزّكاة، والصّدقات الموظّفة.

لِلسَّائِلِ: للّذي يسأل.

وَ الْمَحْرُومِ : والّذي لا يسأل فيحسب غنيّا فيحرم.

و

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلّا بأدائها، وهي الزّكاة، بها حقنوا دماءهم وبها سمّوا مسلمين، ولكنّ اللّه فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزّكاة، فقال- تعالى-: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ فالحقّ المعلوم غير الزّكاة، وهو شي‏ء يفرضه الرّجل على نفسه في ماله، يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته  وسعة

ماله، فيؤدّي الّذي فرض على نفسه إن شاء في كلّ يوم، [و إنّ شاء في كلّ جمعة،]  وإن شاء في كلّ شهر. (الحديث)

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضّالة بن أيّوب ، عن أبي بصير قال: كنّا عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- ومعنا بعض أصحاب الأموال، فذكروا الزكاة.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ الزّكاة ليس يحمد بها صاحبها، إنّما هو شي‏ء ظاهر، إنّما حقن اللّه بها دمه وسمّي بها مسلما، ولو لم يؤدّها لم تقبل له صلاة. وإنّ عليكم في أموالكم غير الزكاة.

فقلت: أصلحك اللّه، وما علينا في أموالنا غير الزّكاة؟

فقال: سبحان اللّه، أما تسمع اللّه يقول في كتابه: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ.

قال: قلت: ما ذا الحقّ المعلوم  الّذي علينا؟

قال: هو الشّي‏ء يعلمه الرّجل في ماله، يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشّهرقلّ أو كثر، غير أنّه يدوم عليه. (الحديث)

عليّ بن محمّد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ أهو سوى الزّكاة؟

فقال: هو الرّجل يؤتيه اللّه الثّروة من المال، فيخرج منه [الألف و]  الألفين والثّلاثة آلاف والأقلّ والأكثر فيصل به رحمه، ويحمل به الكلّ عن قومه.

عنه ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج، عن القاسم بن عبد الرّحمن الأنصاريّ قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ رجلا جاء إلى أبي، عليّ بن الحسين فقال له:

أخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ما هذا الحقّ المعلوم؟

 [فقال له عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: الحقّ المعلوم‏]  الشّي‏ء الّذي يخرجه من ماله ، ليس من الزّكاة ولا من الصّدقة المفروضتين.

فقال: وإذا لم يكن من الزّكاة ولا من الصّدقة فما هو؟

فقال: هو الشّي‏ء يخرجه من ماله إن شاء أكثر وإن شاء أقلّ على قدر ما يملك.

فقال الرّجل: فما يصنع به؟

قال: يصل به رحما ويقوّي به ضعيفا  ويحمل به كلّا، أو يصل به أخا له في اللّه أو لنائبة تنوبه.

فقال الرّجل: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ .

عنه ، عن ابن فضّالة ، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول الله- عزّ وجلّ-: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ قال: الْمَحْرُومِ المحارف  الّذي قد حرم كدّيده في الشّراء والبيع.

و

في رواية أخرى : عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللّه- عليه السّلام- قالا: الْمَحْرُومِ الرّجل الّذي [ليس‏]  بعقله بأس ولم يبسط له في الرّزق، وهو محارف.

عليّ بن محمّد بن بندار  وغيره، عن أحمد بن عبد اللّه ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن رجل من أهل ساباط قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لعمّار [الساباطي‏]  يا عمّار، أنت ربّ مال كثير؟

قال: نعم، جعلت فداك.

قال: فتؤدّي ما افترض عليه من الزّكاة؟

قال: نعم.

قال: فتخرج [الحقّ‏]  المعلوم من مالك؟

قال: نعم.

قال: فتصل قرابتك؟

قال: نعم.

قال: فتصل إخوانك؟

قال: نعم. (الحديث)

و

في مجمع البيان : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: الحق المعلوم غير الزّكاة، وهو الشّي‏ء تخرجه من مالك إن شئت كل يوم، وإن شئت كلّ جمعة. ولكل ذي فضل فضله.

و

روي  عنه- أيضا- أنّه قال: هو أنه تصل القرابة، وتعطي من حرمك، وتصدّق على من عاداك.و

في محاسن البرقي : وروى محمّد بن عليّ، [عن عليّ‏]  بن  حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير قال: كنت عند أبي جعفر- عليه السّلام- [إذ أتاه رجل من الشيعة ليودّعه بالخروج إلى العراق. فأخذ أبو جعفر- عليه السّلام-]  بيده ثمّ حدّثه عن أبيه بما كان يصنع.

قال: فودّعه الرجل ومضى، فاتي الخبر بأنّه قطع عليه، فأخبرت بذلك أبا جعفر- عليه السّلام-.

فقال: سبحان اللّه، أ ولم أعظه؟! فقلت: بلى.

 [ثمّ قلت :]  جعلت فداك، إذا أنا فعلت ذلك أعتدّ به من الزّكاة؟

قال: لا، ولكن إن شئت أن يكون ذلك من الحقّ المعلوم.

وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ .

قيل : تصديقا بأعمالهم، وهو أن يتعب نفسه ويصرف ماله طمعا في المثوبة الاخرويّة، ولذلك ذكر الدّين.

و

في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ قال: بخروج القائم- عليه السّلام-.

وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ : خائفون على أنفسهم.

إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ : اعتراض يدلّ على أنّه لا ينبغي لأحد أن يأمن عذاب اللّه، وإن بالغ في طاعته.

وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ  إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ .سبق في سورة المؤمنون .

و

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيري، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، يقول فيه- بعد أن قال: وفرض على البصر.

... إلى قوله: وذكر قوله : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ- إلى قوله-:

وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وفسّرها: وكلّ شي‏ء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزّنا، إلّا هذه الآية  فهو فإنّها من النّظر.

و

في الكافي ، بإسناده إلى إسحاق عن أبي سارة  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عنها، يعني: المتعة.

فقال لي: حلال، فلا تزوّج إلّا عفيفة، إن اللّه يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك.

و

في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: تحلّ الفروج بثلاثة وجوه: نكاح بميراث، ونكاح بلا ميراث، ونكاح بملك يمين.

فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ : حافظون.

و قرأ  ابن كثير: «لأمانتهم» .

وَ الَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ ، يعني: لا يخفون ولا ينكرون. أو لا يخفون ما علموه من حقوق اللّه وحقوق العباد.

و قرأ  يعقوب وسهل وحفص: «بشهاداتهم» لاختلاف الأنواع.وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ : فيراعون شرائطها.

و يكملون فرائضها وسننها.

و تكرير ذكر الصّلاة ووصفهم بها أو لا وآخرا باعتبارين، للدّلالة على فضلها وإنافتها على غيرها.

و في نظم هذه الصّلاة مبالغات لا يخفى .

و في مجمع البيان : وَالَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ.

روى محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: أولئك أصحاب الخمسين صلاة من شيعتنا.

و

روى  عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هذه الفريضة من صلّاها لوقتها عارفا بحقّها لا يؤثر عليها غيرها، كتب اللّه له بها براءة لا يعذّبه، ومن صلّاها لغير وقتها مؤثرا عليها غيرها فإنّ ذلك إليه، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه.

أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ : بثواب اللّه.

فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ حولك  مُهْطِعِينَ : مسرعين.

عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ : فرقا شتّى. جمع، عزة، وأصلها:

عزوة، من العزو.

و كأنّ كلّ فرقة تعتزي إلى غير من يعتزي إليه الأخرى، وكان المشركون يحلّقون حول رسول اللّه حلقا حلقا [يستهزئون بكلامه‏] .

أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ : بلا إيمان. وهو إنكار لقولهم: لو صحّ ما يقوله محمّد، لنكون فيها أفضل حظّا منهم، كما في الدّنيا.

كَلَّا: ردع لهم عن هذا الطّمع.

إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ : تعليل له، والمعنى: انّكم مخلوقون من نطفة قذرة لا تناسب عالم القدس، فمن لم يستكمل بالإيمان والطّاعة ولم يتخلّق‏

 بالأخلاق الملكيّة، لم يستعدّ لدخولها. أو أنّكم مخلوقون من أجل ما تعلمون، وهو تكميل النّفس بالعلم والعمل، فمن لم يستكملها، لم يتبوّأ في منازل الكاملين. أو الاستدلال بالنّشأة الأولى على إمكان النّشأة الثّانية الّتي بنوا الطمع على فرضها فرضا مستحيلا عندهم بعد ردعهم عنه.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- وقد ذكر المنافقين-: وما زال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتألّفهم ويقرّبهم ويجلسهم عن يمينه وشماله، حتّى أذن اللّه له في إبعادهم بقوله: وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا. وبقوله: فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ يقول: قعود.

و قوله: كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ قال: من نطفة ثمّ من علقة.

فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: فَلا أُقْسِمُ، أي: أقسم بربّ المشارق.

و المغارب. قال: مشارق الشّتاء ومشارق  الصّيف، ومغارب الشّتاء ومغارب  الصّيف.

و

في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عبد اللّه بن أبي  حمّاد، رفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ قال: لها [ثلاثمائة وستّون مشرقا و]  ثلاثمائة وستّون مغربا، فيومها الّذي تشرق فيه لا تعود فيه إلّا من  قابل، ويومها الّذي تغرب فيه لا تعود فيه إلّا من قابل.

و

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه لابن الكواء: وأمّا قوله: بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ فإنّ لها ثلاثمائة وستّون برجا، تطلع كلّ يوم من برج وتغيب في آخر، فلا تعود إليه إلّا من قابل في ذلك‏اليوم.

و

في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن خالد البرقيّ ، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-:

فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ قال: المشارق الأنبياء، والمغارب الأوصياء- عليهم السّلام-.

و توجيهه: أنّه إنّما كنّى عن المشارق بالأنبياء لأنّ أنوار هدايتهم وعلومهم تشرق  على أهل الدّنيا كإشراق الشّمس، وكنّى عن المغارب بالأوصياء لأنّ علوم الأنبياء إذا أشرقت في أيام حياتهم تغرب عند وفاتهم في حجب قلوب الأوصياء- عليهم صلوات ربّ الأرض والسماء-.

إِنَّا لَقادِرُونَ  عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ، أي: نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم. أو نعطي محمدا بدلكم وهو خير منكم، وهم الأنصار.

وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ : بمغلوبين إن أردنا أن نهلكهم.

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ .

مرّ في آخر الطّور.

يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً: مسرعين. جمع، سريع.

كَأَنَّهُمْ إِلى‏ نُصُبٍ: منصوب للعبادة. أو علم.

يُوفِضُونَ : يسرعون.

و قرأ  ابن عامر وحفص: «إلى نصب» [بضمّ النون والصّاد، والباقون من السبعة: «نصب» بفتح النون وسكون الصّاد. وقرئ‏]  بالضّمّ، على أنّه تخفيف نصب، أو جمع.

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مرّ تفسيره.ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ : في الدّنيا.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: إِلى‏ نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: إلى الدّاعي ينادون.

قوله: تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ قال: تصيبهم ذلّة . [ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ‏] .

و

في شرح الآيات الباهرة : روي مرفوعا بالإسناد، عن سليمان بن خالد، عن ابن سماعة، عن عبد اللّه بن القاسم، عن محمّد بن يحيى، عن  ميسر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ. قال: يعني: [يوم‏]  خروج القائم- عليه السّلام-.

 [و هذا ممّا يدلّ على الرجعة في أيّامه- عليه وعلى آبائه أفضل صلوات ربّه وسلامه-] .سورة نوح‏

و آيها تسع، أو ثمان وعشرون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من كان يؤمن باللّه ويقرأ كتابه، لا يدع قراءة سورة إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ. فأيّ عبد قرأها محتسبا صابرا في فريضة أو نافلة، أسكنه اللّه مساكن الأبرار، وأعطاه ثلاث جنان مع جنّته  كرامة من اللّه، وزوّجه مائتي حوراء وأربعة آلاف ثيّب [- إن شاء اللّه‏] .

و

في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة نوح، كان من المؤمنين الّذين تدركهم دعوة نوح.

و

في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن سليمان، عن أحمد بن الفضل [عن‏]  أبي عمرو الحذّاء قال: ساءت حالي، فكتبت إلى أبي جعفر- عليه السّلام-.

فكتب إليّ: أدم قراءة إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ.

قال: فقرأتها حولا فلم أر شيئا. فكتبت إليه أخبره بسوء حالي، وإني قد قرأت‏إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ حولا، كما أمرتني، ولم أر شيئا.

قال : فكتب إليّ: قد وفي لك الحول فانتقل منها إلى قراءة إنّا أنزلناه.

 (الحديث)

إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ: بأن أنذر، أي: بالإنذار. أو بأن قلنا له: أنذر.

و يجوز «أن» تكون مفسّرة، لتضمّن الإرسال معنى القول.

و قرئ  بغيرها على إرادة القول.

قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : عذاب الآخرة، أو الطّوفان.

و

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل: عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول: كان بين آدم ونوح عشرة آباء، كلّهم أنبياء.

و يقول فيه- أيضا-: وإنّ الأنبياء بعثوا خاصّة وعامّة. فأمّا نوح فإنّه أرسل إلى من في الأرض بنبوة عامّة ورسالة عامّة.

و

بإسناده  إلى أبي عبد اللّه بن الفضل الهاشميّ قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام-: لمّا أظهر اللّه نبوّة نوح وأيقن الشيعة بالفرج، اشتدّت البلوى وعظمت الفرية إلى أن آل الأمر إلى شدة شديدة نالت الشّيعة، والوثوب على نوح بالضّرب المبرح، حتّى مكث في بعض الأوقات مغشيّا عليه ثلاثة أيّام يجري الدّم من أذنه ثمّ أفاق، وذلك بعد ثلاثمائة سنة من مبعثه، وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهارا فيهربون، ويدعوهم سرا فلا يجيبون، ويدعوهم علانية فيولّون.

فهمّ بعد ثلاثمائة سنة بالدّعاء عليهم، وجلس بعد صلاة الفجر للدّعاء، فهبط إليه وفد من السّماء السّابعة وهم ثلاثة أملاك فسلّموا عليه.

ثمّ قالوا: يا نبيّ اللّه، لنا حاجة.

قال: وما هي؟قالوا: تؤخّر الدّعاء على قومك، فإنّها أوّل سطوة اللّه في الأرض.

قال: قد أخّرت الدّعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى. وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع، ويفعلون ما كانوا يفعلون، حتّى إذا انقضت ثلاثمائة سنة أخرى ويئس من إيمانهم جلس في وقت ضحى النّهار للدّعاء.

فهبط عليه من السّماء السّادسة، وهم ثلاثة أملاك، فسلّموا عليه وقالوا: نحن وفد من السّماء السّادسة خرجنا بكرة وجئناك ضحوة. ثمّ سألوه مثل ما سأله وفد السّماء السّابعة، فأجابهم إلى مثل ما أجاب أولئك إليه.

و عاد- عليه السّلام- إلى قومه يدعوهم، فلا يزيدهم دعاؤه إلّا فرارا، حتّى انقضت ثلاثمائة سنة أخرى  تتمّة تسعمائة سنة.

فصارت الشّيعة إليه، وشكوا ما ينالهم من العامة والطّواغيت، وسألوه الدّعاء بالفرج، فأجابهم إلى ذلك وصلّى ودعا.

فهبط جبرئيل فقال له: إنّ اللّه قد أجاب دعوتك، فقل للشّيعة: يأكلون  التّمر ويغرسون النّوى ويراعونه  حتّى يثمر، فإذا أثمر فرّجت عنهم.

فحمد اللّه وأثنى عليه: وعرفهم ذلك فاستبشروا به، فأكلوا التّمر وغرسوا النّوى وراعوه حتّى أثمر، ثمّ صاروا إلى نوح بالتمر  وسألوه أن ينجز لهم الوعد ، فسأل اللّه في ذلك.

فأوحى اللّه إليه: قل لهم: كلوا هذا التمر واغرسوا النّوى، فإذا أثمر  فرّجت عنكم.

فلمّا ظنّوا أنّ الخلف قد وقع عليهم، ارتدّ منهم الثّلث [و ثبت الثلثان‏] ، فأكلوا التّمر وغرسوا النّوى، حتّى إذا أثمر أتوا به نوحا فأخبروه وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل اللّه في ذلك.

فأوحى اللّه إليه: قل لهم: كلوا هذا التّمر واغرسوا النّوى.فارتدّ الثّلث [الآخر وبقي الثلث‏] ، فأكلوا التّمر وغرسوا النّوى، فلمّا أثمر أتوا به نوحا فقالوا له: لم يبق منّا إلّا القليل، ونحن نتخوّف على أنفسنا بتأخير الفرج أن نهلك.

فصلّى نوح، ثمّ قال: يا ربّ، لم يبق من أصحابي إلّا هذه العصابة، وإنّي أخاف عليهم الهلاك، إن تأخر عنهم الفرج.

فأوحى اللّه إليه: قد أجبت دعاءك فاصنع الفلك. وكان بين إجابة الدّعاء وبين الطّوفان خمسون سنة.

قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ  أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ .

مرّ في الشّعراء نظيره.

و في «أن» يحتمل الوجهان.

يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ: بعض ذنوبكم، وهو ما سبق، فإنّ الإسلام يجبّه فلا يؤاخذكم به في الآخرة.

وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى: هو أقصى ما قدّر لكم بشرط الإيمان والطّاعة.

إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ: إنّ الأجل الّذي قدّره إِذا جاءَ.

قيل : على الوجه المقدر به آجلا.

و قيل : إذا جاء الأجل الأطول.

لا يُؤَخَّرُ: فبادروا في أوقات الإمهال والتّأخير.

لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ : لو كنتم من أهل العلم والنّظر لعلمتم ذلك.

و فيه: أنّهم لانهماكهم في حبّ الحياة كأنّهم شاكّون في الموت.

قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً ، أي: دائما.

فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً : عن الإيمان والطّاعة.

و إسناد الزّيادة إلى الدّعاء على السّببيّة، كقوله- تعالى-: فَزادَتْهُمْ إِيماناً.

وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ: إلى الإيمان.لِتَغْفِرَ لَهُمْ: بسببه.

جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ: سدّوا مسامعهم عن استماع الدّعوى.

وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ: تغطّوا بها، لئلّا يروني كراهة النّظر إليّ من فرط كراهة دعوتي. أو لئلّا أعرفهم، فأدعوهم.

و التّعبير بصيغة الطّلب للمبالغة.

وَ أَصَرُّوا: وأكبّوا على الكفر والمعاصي. مستعار من أصرّ الحمار على العانة : إذا صرّ أذنيه وأقبل عليها.

وَ اسْتَكْبَرُوا: عن اتّباعي اسْتِكْباراً : عظيما.

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً  ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ، أي: دعوتهم مرّة بعد أخرى وكرة بعد أولى، على أيّ وجه أمكنني.

و «ثمّ» لتفاوت الوجوه، فإنّ الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بينهما أغلظ من الإفراد. أو لتراخي بعضها عن بعض.

و «جهاراً» نصب على المصدر، لأنّه أحد نوعي الدّعاء. أو صفة مصدر محذوف، بمعنى: دعاء جهارا، أي: مجاهرا به. أو الحال، فيكون بمعنى مجاهرا.

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ: بالتّوبة عن الكفر.

إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً : للتّائبين.

و كأنّهم لمّا أمرهم بالعبادة، قالوا: إن كنّا على حقّ فلا نتركه، وإن كنّا على باطل فكيف يقبلنا ويلطف بنا . فأمرهم بما يجبّ معاصيهم ويجلب إليهم المنح، ولذلك وعدهم عليه ما هو أوقع في قلوبهم .

و قيل : لمّا طالت دعوتهم وتمادى إصرارهم، حبس اللّه عنهم القطر أربعين سنة وأعقم أرحام نسائهم، فوعدهم بذلك على الاستغفار عمّا كانوا عليه بقوله: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً  وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً .و «السماء» تحتمل المظلّة، والسّحاب.

و «المدار» كثير الدّرّ، ويستوي في هذا البناء المذكر والمؤنّث.

و المراد بالجنّات: البساتين.

و

في من لا يحضره الفقيه : قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام- لبعض أصحابه:

قل في طلب الولد: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ واجعل لي من لدنك وليّا يرثني في حياتي ويستغفر لي بعد موتي، واجعله لي خلفا سويّا، ولا تجعل للشّيطان فيه نصيبا، اللّهمّ، إنّي استغفرك وأتوب إليك، إنّك أنت الغفور الرّحيم» سبعين مرّة. فإنّه من أكثر هذا القول رزقه اللّه ما تمنّى من مال وولد ومن خير الدّنيا والآخرة، فإنّه- تعالى- يقول:

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا (الآية) إلى قوله: أَنْهاراً.

و

في مجمع البيان : وروي عن عليّ  بن مهزيار، عن حمّاد بن عيسى، عن محمّد ابن يوسف، عن أبيه قال: سأل رجل أبا جعفر- عليه السّلام- وأنا عنده، فقال له:

جعلت فداك، إنّي كثير المال وليس يولد لي ولد، فهل من حيلة؟

قال: نعم، استغفر ربّك سنة في آخر اللّيل مائة مرّة، فإن ضيّعت ذلك باللّيل فاقضه بالنّهار، فإنّ اللّه يقول: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ (إلى آخره).

و

في نهج البلاغة : وقد جعل اللّه الاستغفار سببا لدرر الرّزق ورحمة الخلق، فقال: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ فرحم اللّه امرأ استقبل توبته استقال  خطيئته وبادر منيّته.

و

فيه : وقال- عليه السّلام- لقائل قال بحضرته: «أستغفر اللّه»: ثكلتك أمّك، أ تدري ما الاستغفار؟! إنّ الاستغفار درجة العلّيّين، وهو اسم واقع على ستّة معان:

أوّلها النّدم على ما مضى، والثّاني العزم على ترك العود إليه أبدا، والثّالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة، والرّابع أن تعمد على كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها، والخامس أن تعمد إلى اللّحم الّذي نبت على‏السّحت فتذيبه بالأحزان  حتّى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والسّادس أن تذيق الجسم ألم الطّاعة، كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر  اللّه.

و

في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه قال: شكا الأبرش الكلبيّ إلى أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه لا يولد له، وقال: علّمني شيئا.

قال له: استغفر اللّه في كلّ يوم أو  في كلّ ليلة مائة مرّة، فإنّ اللّه يقول:

اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ- إلى قوله-: وَبَنِينَ.

الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد السّياري، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن سليمان بن جعفر، عن شيخ مدنيّ، عمّن رواه ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه وفد إلى هشام بن عبد الملك، فأبطأ عليه الإذن حتّى اغتمّ، وكان له حاجب كثير الدّنيا ولا يولد له، فدنا منه أبو جعفر- عليه السّلام- فقال له: هل لك أن توصلني إلى هشام وأعلّمك دعاء يولد لك؟

قال: نعم. فأوصله إلى هشام وقضى له جميع حوائجه.

قال: فلمّا فرغ قال الحاجب: جعلت فداك، الدّعاء الّذي قلت لي قال: نعم، قل في كلّ يوم إذا أصبحت وأمسيت: سبحان اللّه سبعين مرّة، وتستغفر عشر مرّات، وتسبّح تسع مرّات، وتختم العاشر بالاستغفار. يقول اللّه: اسْتَغْفِرُوا- إلى قوله-: أَنْهاراً.

فقالها الحاجب، فرزق ذرّيّة كثيرة، وكان بعد ذلك يصل أبا جعفر وأبا عبد اللّه- عليهما السّلام-.

فقال لسليمان: فقلتها وقد تزوّجت ابنت عمّ لي وأبطأ عليّ الولد منها، وعلّمتها لأهلي فرزقت ولدا، وزعمت المرأة أنّها متى تشاء أن تحمل حملت إذا قالتها. وعلّمتها غير واحد من الهاشميّين ممّن لم يولد لهم فولد لهم ولد كثير. والحمد للّه.

و

في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبارالمجموعة، وبإسناده: عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- أنّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في حديث: ومن استبطأ الرّزق، فليستغفر اللّه.

و

في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: أكثروا الاستغفار تجلبوا  الرّزق.

و

فيه : عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: الاستغفار يزيد في الرّزق.

و

في كتاب طبّ الأئمّة ، بإسناده إلى سليمان بن جعفر الجعفريّ: عن الباقر- عليه السّلام- أنّ رجلا شكا إليه قلّة الولد، وأنّه يطلب الولد من الإماء والحرائر فلا يرزق له، وهو ابن ستّين سنة. فقال- عليه السّلام-: قل ثلاثة أيّام  في دبر صلاتك المكتوبة صلاة العشاء الآخرة وفي دبر صلاة الفجر: سبحان اللّه سبعين مرّة، وأستغفر اللّه سبعين مرّة، تختمه بقول اللّه- عزّ وجلّ-: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ- إلى قوله-: أَنْهاراً.

ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً .

قيل : لا تأملون له توقيرا، أي: تعظيما، لمن عبده وأطاعه، فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمه إياكم.

و «للّه» بيان للموقّر، ولو تأخّر لكان صلة للوقار .

أو لا تعتقدون له عظمة فتخافوا عصيانه، وإنّما عبّر عن الاعتقاد بالرّجاء التّابع لأدنى الظّنّ مبالغة.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [في قوله:]  لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً قال: لا تخافون للّه عظمة

وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً : حال مقرّرة للإنكار من حيث أنّها موجبةللرّجاء، فإنّه خلقكم أطوارا، أي: تارات، إذ خلقكم أوّلا عناصر، ثمّ مركّبات تغذّي الإنسان، ثمّ  أخلاطا، ثمّ نطفا، ثمّ علقا، ثمّ مضغا، ثمّ عظاما ولحوما، ثمّ أنشأهم خلقا آخر. فإنّه يدلّ على أنّه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظّمهم بالثّواب، وعلى أنّه- تعالى- عظيم القدرة تامّ الحكمة.

ثمّ أتبع ذلك ما يؤيّده من آيات الآفاق فقال: أَ لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً .

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً يقول : بعضها فوق بعض.

و

في نهج البلاغة : وكان من اقتدار جبروته، وبديع لطائف صنعته، أن جعل من ماء البحر الزّاخر  المتراكم المتقاصف  يبسا جامدا، ثمّ فطر منه أطباقا، ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها ، فاستمسكت بأمره، وقامت على حدّه .

وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً، أي: في السّماوات وهو في السّماء الدّنيا، وإنّما نسب إليهنّ لما بينهنّ من الملابسة .

وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً : مثّلها به لأنّها تزيل  ظلمة اللّيل عن وجه الأرض، كما يزيلها السّراج عمّا حوله.

وَ اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً : أنشأكم منها، فاستعير الإنبات للإنشاء لأنّه أدلّ على الحدوث والتّكوّن من الأرض. وأصله: أنبتكم [من الأرض‏]  إنباتا [فنبتّم نباتا] . فاختصره اكتفاء بالدّلالة الالتزاميّة.

ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها: مقبورين.وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً : بالحشر. أكّده بالمصدر، كما أكّد به الأوّل، دلالة على أنّ الإعادة محقّقة كالإبداء، وأنّها تكون لا محالة.

وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً : مبسوطة تتقلّبون عليها.

لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً : واسعة. جمع، فجّ.

و «من» لتضمّن الفعل معنى الاتّخاذ.

قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي: فيما أمرتهم به.

وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً : واتّبعوا رؤساءهم البطرين بأموالهم المغترّين بأولادهم، بحيث صار ذلك سببا لزيادة خسارهم في الآخرة.

و فيه: أنّهم إنّما اتّبعوهم لوجاهة حصلت لهم بأولاد وأموال أدتّ بهم إلى الخسار.

و قرأ  ابن كثير وحمزة والكسائي والبصريّان: «و ولده» بالضّم والسّكون، على أنّه لغة، كالحزن أو جمع، كالأسد.

وَ مَكَرُوا: عطف على «من لم يزده»، والضّمير «لمن»، وجمعه للمعنى.

مَكْراً كُبَّاراً : كبيرا  في الغاية، فإنّه أبلغ من كبار، وهو من كبير، وذلك احتيالهم في الدّين وتحريش الناس على أذى نوح.

وَ قالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ أي: عبادتها.

وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً : ولا تذرنّ هؤلاء خصوصا.

قيل : هي أسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح، فلمّا ماتوا صوِّروا تبرّكا بهم، فلمّا طال الزّمان عبدوا، وقد انتقلت إلى العرب، وكان ودّ لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج ، ويعوق لمراد، ونسر لحمير.

و قرأ  نافع: «ودّا»: بالضّمّ.

و قرئ : «يغوثا ويعوقا» للتّناسب، ومنع صرفهما للعلميّة والعجمة.و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادق- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ قالُوا لا تَذَرُنَّ (الاية) قال: كانوا يعبدون اللّه فماتوا، فضجّ قومهم فشقّ ذلك عليهم، فجاءهم إبليس- لعنه اللّه- فقال لهم: أتّخذ لكم أصناما على صورهم فتنظرون إليهم وتأنسون بهم وتعبدون اللّه. فأعدّ لهم أصناما على مثالهم، فكانوا يعبدون اللّه وينظرون إلى تلك الأصنام، فلما جاءهم الشّتاء والأمطار أدخلوا الأصنام البيوت، فلم يزالوا يعبدون اللّه حتّى هلك ذلك القرن ونشأ أولادهم، فقالوا: إنّ آباءنا كانوا يعبدون هؤلاء. فعبدوهم من دون اللّه، فذلك قول اللّه- تعالى-: وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً (الآية).

و

بإسناده  إلى بريد بن معاوية العجليّ  قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: سمّي العود خلافا، لأنّ إبليس عمل صورة سواع [من العود]  على خلاف صورة ودّ، فسمّي العود خلافا.

و

في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يوسف، يعقوب ابن عبد اللّه من ولد أبي فاطمة، عن إسماعيل بن زيد مولى عبد اللّه بن يحيى [الكاهليّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل يذكر فيه مسجد الكوفة، وفيه يقول- عليه السّلام-: وكان فيه نسر ويغوث ويعوق‏] .

محمّد بن يحيى ، عن بعض أصحابه، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني ، عن عبد الرّحمن بن الأشلّ بيّاع الأنماط، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كانت قريش تلطّخ الأصنام الّتي كانت حول الكعبة بالمسك والعنبر، وكان يغوث قبال الباب، ويعوق عن يمين الكعبة وكان نسر عن يسارها، وكانوا إذا دخلوا خرّوا سجّدا ليغوث ولا ينحنون، ثمّ يستدبرون  بحيالهم إلى يعوق، ثمّ يستدبرون  [عن يساره‏]  بحيالهم إلى نسر، ثمّ يلبّون. (الحديث)و

في روضة الكافي ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: حديث طويل، يقول فيه: فعمل نوح سفينته في مسجد الكوفة بيده، فأتى بالخشب من بعد حتّى فرغ منها.

و فيه: فالتفت عن يساره وأشار بيده إلى موضع دار الداريّين ، وهو موضع دار ابن حكيم، وذاك فرات اليوم، فقال لي: يا مفضّل، وهنا نصبت أصنام قوم نوح، يغوث ويعوق ونسر.

وَ قَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً: الضّمير للرّؤساء. أو للأصنام، كقوله : إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً.

وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا : عطف على رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي، ولعلّ المطلوب هو الضّلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم لا في أمر دينهم. أو الضّياع والهلاك، كقوله : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ.

مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ: من أجل خطيئاتهم، و«ما» مزيدة للتّأكيد والتّفخيم.

و قرأ  أبو عمرو: مما خطاياهم.

أُغْرِقُوا: بالطّوفان.

فَأُدْخِلُوا ناراً، المراد: عذاب القبر، أو عذاب الآخرة.

و التّعقيب، لعدم الاعتداد بما بين الإغراق والإدخال. أو لأنّ المسبّب كالمتعقّب للسّبب وإن تراخى عنه، لفقد شرط أو وجود مانع.

و تنكير النّار للتّعظيم، أو لأنّ المراد نوع من النّيران.

و

في كتاب الخرائج والجرائح : روي عن سليمان بن جعفر قال: كنت عند الرّضا- عليه السّلام- بالحمراء في مشرفة  على البرّ والمائدة بين أيدينا [إذ رفع رأسه‏] ، فرأى- عليه السّلام- رجلا مسرعا، فرفع يده عن الطّعام، فما لبث أن جاء فصعد إليه.فقال: مات الزّبيريّ.

فأطرق إلى الأرض وتغيّر لونه، فقال: إنّي لأحسبه قد ارتكب في ليلته هذه ذنبا ليس بأكبر من ذنوبه، قال اللّه»: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ (الاية).

ثمّ مدّ يده فأكل، فما لبث أن جاء مولى له [فقال له:]  مات الزّبيري.

قال: فما سبب موته؟

قال: شرب الخمر البارحة، فغرق فيها فمات.

و

في بصائر الدّرجات : معاوية بن حكيم ، عن سليمان بن جعفر الجعفري [قال: كنت عند أبي الحسن الرضا - عليه السّلام-] - وذكر مثل ما في الخرائج والجرائح.

فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً : تعريض لهم باتّخاذ آلهة من دون اللّه لا تقدر على نصرهم.

وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ، أي:

أحدا. وهو ممّا يستعمل في النّفي العام، فيعال  من الدّار او الدّور، وأصله: ديوار، ففعل بأصل «سيّد»، لا فعال، وإلّا لكان دوّارا .

إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً .

قال ذلك لمّا جرّبهم واستقرأ أحوالهم ألف سنة إلّا خمسين عاما، فعرف شيمهم وطبائعهم.

و

في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام الخرساني ، عن المفضّل بن عمر قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثاطويلا، يقول فيه: وكان نوح رجلا نجّارا فجعله اللّه  نبيّا وانتجبه، ونوح أوّل من عمل سفينة تجري على ظهر الماء.

قال: ولبث نوح في قومة ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى اللّه فيهزؤون به ويستسخرون منه، فلمّا رأى  ذلك منهم دعا عليهم، فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

فأوحى اللّه إلى نوح: أن اصنع سفينة وأوسعها وعجّل عملها. فعمل نوح سفينة في مسجد كوفة بيده. (الحديث)

عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه‏]  عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، يقول فيه وقد ذكر نوحا- عليه السّلام-: فأوحى اللّه إليه : أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ. فلذلك قال نوح: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

 [فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه أن اصنع الفلك‏] .

و

في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى حنان بن سدير: عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أ رأيت نوحا حين دعا على قومه فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

قال- عليه السّلام-: علم أنّه لا ينجب  من بينهم أحد.

قال: قلت: وكيف علم ذلك؟

قال: أوحى اللّه إليه: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ. فعند ذلك دعا عليهم بهذا الدّعاء.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أحمد بن محمّد بن موسى قال: حدّثنا محمّد ابن حمّاد، عن عليّ بن إسماعيل التّيميّ، عن فضيل الرّسان ، عن صالح بن ميثم قال:قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: ما كان علم نوح حين دعا على قومه إنّهم لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً؟

فقال: أما سمعت قول اللّه لنوح : أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ.

حدّثني ، أبي ، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلى اللّه فلم يجيبوه، فهمّ أن يدعوا عليهم فوافاه عند طلوع الشّمس اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السّماء الدّنيا، وهم العظماء من الملائكة.

فقال لهم نوح: من  أنتم؟

فقالوا: نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السّماء الدّنيا، وإنّ مسيرة غلظ السّماء الدّنيا [خمسمائة عام، ومن سماء الدنيا]  إلى الدّنيا مسيرة خمسمائة عام، وخرجنا عند طلوع الشّمس ووافينا [ك‏]  في هذا الوقت، ونسألك ألّا تدعو على قومك.

قال نوح: قد أجّلتهم ثلاثمائة سنة.

فلمّا أتى عليهم ستّمائة سنة ولم يؤمنوا، همّ أن يدعو عليهم، فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السّماء الثّانية.

 [فقال نوح: من أنتم؟

فقالوا: نحن اثنا عشر ألف قبيلة من قبائل ملائكة السّماء الثّانية،]  وغلظ السّماء الثّانية مسيرة خمسمائة عام، ومن السّماء الثّانية إلى السّماء الدّنيا  مسيرة خمسمائة عام، وغلظ السّماء الدّنيا مسيرة خمسمائة عام، ومن السّماء الدّنيا [إلى الدّنيا]  مسيرة خمسمائة عام، خرجنا عند طلوع الشّمس ووافيناك ضحوة، نسألك ألّا تدعو على قومك.

فقال نوح: قد أجّلتهم ثلاثمائة سنة.فلمّا أتى عليهم تسعمائة سنة [و لم يؤمنوا] ، همّ أن يدعو عليهم ، فأنزل اللّه:

أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ.

فقال نوح: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

و

في كتاب الخصال : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا دعا نوح ربّه على قومه أتاه إبليس فقال له: يا نوح، إن لك عندي يدا أريد أن أكافئك عليها.

فقال نوح: واللّه، لبغيض  إليّ أن يكون لي عندك  يد، فما هي؟

قال: بلى، دعوت اللّه على قومك فأغرقهم  فلم يبق لي أحد أغويه، فأنا مستريح حتّى ينشأ قرن آخر فأغويهم .

قال له [نوح‏] : فما الّذي تريد أن تكافئني [به؟

قال له: اذكرني‏]  في ثلاث مواطن فإنّي أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في إحداهنّ: اذكرني عند غضبك ، واذكرني إذا حكمت بين اثنين، واذكرني إذا كنت مع امرأة جالسا  ليس معكما أحد.

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ، ملك بن متوشلخ وشمخا بنت أنوش، وكانا مؤمنين.

وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً.

قيل : منزلي، أو مسجدي، أو سفينتي.

و

في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن‏فضّال، عن المفضّل  بن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ (الآية) قال: يعني: من دخل في الولاية، دخل في بيت الأنبياء. (الحديث)

وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ: إلى يوم القيامة.

و

في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ إبراهيم خرج ذات يوم يسير ببعير  بسفر، فمرّ بفلاة من الأرض، فإذا هو برجل قائم يصلّي.

... إلى قوله: فدعا إبراهيم للمؤمنين والمؤمنات والمذنبين من يومه ذلك بالمغفرة والرّضا عنهم.

قال: وأمّن الرّجل على دعائه. فدعوة إبراهيم بالغة للمذنبين  من شيعتنا إلى يوم القيامة.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً : إهلاكا.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً أي: خسارا.