سورة النّازعات

سورة النّازعات‏

مكّيّة.

و آيها خمس، أو ستّ وأربعون آية.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ وَالنَّازِعاتِ لم يمت إلّا ريّانا، ولم يبعثه اللّه إلّا ريّانا.

و في مجمع البيان : وقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من قرأها لم يمت إلّا ريّانا ، ولم يدخل الجنّة إلّا ريّانا .

ابيّ بن كعب ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة وَالنَّازِعاتِ لم يكن حبسه  أو حسابه يوم القيامة إلّا كقدر صلاة مكتوبة، حتّى يدخل الجنّة.

وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً  وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً  وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً  فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً  فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً قيل : هذه صفات ملائكة الموت، فإنّهم ينزعون أرواح الكفّار من أبدانهم غرقا، أي: إغراقا في النّزع، فإنّهم ينزعونها من أقصى الأبدان، أو نفوسا غرقة في الأجساد. وينشطون، أي: يخرجون أرواح المؤمنين برفق، من نشط الدّلو من البئر: إذا أخرجها. ويسبحون في إخراجها سبح الغوّاص الّذي يخرج الشّي‏ء من أعماق البحر، فيسبقون بأرواح الكفّار إلى النّار وبأرواح المؤمنين إلى الجنّة.

فيدبّرون أمر عقابها وثوابها، بأن يهيّئوها  لإدراك ما أعدّ لها من الآلام واللّذّات.

أو الأوليان لهم والباقيات لطوائف من الملائكة، يسبحون في مضيها، أي:

يسرعون فيه، فيسبقون إلى ما أمروا به، فيدبّرون أمره.

أو صفات النّجوم، فإنّها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقا في النّزع، بأن تقطع الفلك حتّى تنحطّ  في أقصى المغرب. وتنشط من برج إلى برج، أي: تخرج، من نشط الثّور: إذا خرج من بلد إلى بلد. يسبحن  في الفلك فيسبق بعضها في السير، لكونه أسرع حركة. فيدبّر أمرا انيط بها، كاختلاف الفصول، وتقدير الأزمنة، وظهور مواقيت العبادات، ولمّا كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب قسريّة وحركاتها من برج إلى برج ملائمة سمّي الأولى نزعا، والثّانية نشطا.

أو صفات النّفوس الفاضلة حال المفارقة، فإنّها تنزع من الأبدان غرقا، أي:

نزعا شديدا، من إغراق النّازع في القوس، فتنشط إلى عالم الملكوت، وتسبح فيه ، فتسبق إلى خطائر القدس، فتصير لشرفها وقوّتها من المدبّرات. أو حال سلوكها، فإنّها تنزع من الشّهوات، وتنشط إلى عالم القدس، وتسبح في مراتب الارتقاء، فتسبق إلى الكمالات حتّى تصير من المكملات.

أو صفات أنفس الغزاة، أو  أيديهم تنزع القسيّ بإغراق السّهام، وينشطون.بالسّهم للرّمي، ويسبحون في البرّ والبحر، فيسبقون إلى حرب العدوّ، فيدبّرون أمرها.

أو صفات خيلهم، فإنّها تنزع في أعنّتها نزعا تغرق فيه الأعنّة لطول أعناقها وتخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر، وتسبح في جريها، فتسبق إلى حرب العدوّ، فتدبّر أمر الظفر .

أقسم اللّه بها على قيام السّاعة، وإنّما حذف لدلالة ما بعده عليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً قال: نزع الرّوح.

وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً قال: الكفّار ينشطون في الدّنيا.

و فيه: وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً قال: المؤمنون الّذين يسبّحون اللّه.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً، يعني: أرواح المؤمنين تسبق أرواحهم إلى الجنّة بمثل الدّنيا، وأرواح الكافرين بمثل ذلك إلى النّار.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه موسى بن جعفر قال: كان قوم من خواصّ الصّادق- عليه السّلام- جلوسا بحضرته في ليلة مقمرة مصبحة ، فقالوا: يا ابن رسول اللّه، ما أحسن أديم هذه [السماء  وأنوار هذه‏]  النّجوم والكواكب! فقال الصّادق- عليه السّلام-: إنّكم لتقولون هذا، وإنّ المدبّرات الأربعة:

جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، ينظرون إلى الأرض فيرونكم وإخوانكم في أقطار الأرض ونوركم إلى السّماوات، وإليهم أحسن من نور هذه الكواكب، وإنّهم ليقولون كما تقولون: ما أحسن أنوار هؤلاء المؤمنين!

و في مجمع البيان : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً اختلف في معناه على وجوه: أحدها، أنّه يعني به:

الملائكة الّذين ينزعون أرواح الكفّار عن أبدانهم بالشّدّة، كما يغرق النّازع بالقوس  فيبلغ بها غاية المدّ. وروي ذلك عن عليّ- عليه السّلام-.و قيل :

هو الموت ينزع النّفوس. وروي ذلك عن الصّادق- عليه السّلام-.

و فيه : وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً في معناه أقوال: [أحدها ما ذكرناه‏] . وثانيها أنّها الملائكة تنشط أرواح الكفّار ما بين الجلد والأظفار، حتّى تخرجها من أجوافهم بالكرب والغمّ. عن عليّ- عليه السّلام-.

يقال: نشط الجلد نشطا: نزعها.

وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فيه أقوال: أحدها، أنّها الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلّونها سلّا رفيقا ثمّ يدعونها حتّى تستريح، كالسّابح بالشّي‏ء في الماء يرمى به. عن عليّ- عليه السّلام-.

و فيه : «فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً» فيه أقوال- أيضا-:

أحدها، أنّها الملائكة لأنّها سبقت ابن آدم بالخير والإيمان والعمل الصّالح. عن مجاهد.

و قيل : إنّها تسبق الشّياطين بالوحي إلى الأنبياء- عليهم السّلام-.

و قيل : إنّها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنّة. عن عليّ- عليه السّلام‏

- ومقاتل.

 [و ثانيهما أنّها أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الّذين يقبضونها وقد عاينت السرور شوقا إلى رحمة اللّه ولقاء ثوابه وكرامته. عن ابن مسعود] .

و فيه: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً فيه أقوال- أيضا-:

أحدها،

أنّها الملائكة تدبّر أمر العباد من السّنة إلى السّنة. عن عليّ- عليه السّلام-.

و ثالثها، أنّها الأفلاك يقع فيها أمر اللّه، فيجري به القضاء في الدّنيا. رواه عليّ بن إبراهيم. أقسم اللّه بهذه الأشياء الّتي عدّدها.

و قيل : تقديره: وربّ النّازعات وما ذكر بعدها. وهذا ترك الظّاهر بغير دليل،

و قد قال الباقر والصّادق- عليهما السّلام-: إنّ للّه أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لخلقه أن يقسموا إلّا به.و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏  وَالنَّجْمِ إِذا هَوى‏  وما أشبه ذلك.

قال: إنّ للّه أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلّا به.

و في من لا يحضره الفقيه ، مثله.

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ : وهو منصوب بمحذوف، أي: أنّه لتقوم السّاعة.

و المراد بالرّاجفة: الأجرام السّاكنة الّتي تشتدّ حركتها حينئذ، كالأرض والجبال، لقوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ. أو الواقعة الّتي ترجف الأجرام عندها، وهي النّفخة الأولى.

تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ : التّابعة، وهي السّماء والكواكب تنشقّ وتنتشر. [أو النفخة الثانية] . والجملة في موقع الحال.

و في شرح الآيات الباهرة : عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن القاسم بن إسماعيل، عن عليّ بن خالد العاقولي، عن عبد الكريم بن عمر الجعفي ، عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قال: «الرّاجفة» الحسين بن عليّ، و«الرّادفة» عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و أوّل من ينفض عن رأسه التّراب الحسين بن عليّ- عليه السّلام- في خمسة وسبعين ألفا، وهو قوله - تعالى-: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.

 [و هذا ممّا يدلّ على الرجعة إلى الدّنيا. وللّه الآخرة والأولى‏] .

قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ : شديدة الاضطراب. من الوجيف ، وهي‏صفة القلوب.

أَبْصارُها خاشِعَةٌ ، أي: أبصار أصحابها ذليلة من الخوف، ولذلك أضافها إلى القلوب .

 

يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ : في الحالة الأولى، يعنون:

الحياة بعد الموت. من قولهم: رجع فلان في حافرته، أي: طريقه الّتي جاء فيها فحفرها، أي: أثّر فيها بمشيه، على النّسبة ، كقوله : عِيشَةٍ راضِيَةٍ. أو تشبيه القابل بالفاعل.

و قرئ : «في الحفرة» بمعنى: المحفورة. يقال: حفرت  أسنانه فحفرت حفرا، وهي حفرة.

أَ إِذا كُنَّا وقرأ  نافع وابن عامر والكسائي: «إذا كنّا» على الخبر.

عِظاماً نَخِرَةً : بالية.

و قرأ  الحجازيّان وأبو عمرو والشّاميّ وحفص وروح: «نخرة» وهي أبلغ.

قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ : ذات خسران، أو خاسر أصحابها، والمعنى: أنّها إن صحّت، فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها، وهو استهزاء منهم.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أبو عبد اللّه، محمّد بن أحمد، عن القاسم بن إسماعيل، عن محمّد بن سنان، عن سماعة بن مهران، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الكرّة المباركة النّافعة لأهلها يوم الحساب ولايتي واتّباع أمري، وولاية عليّ- عليه السّلام- والأوصياء من بعده واتباع أمرهم، يدخلهم اللّه الجنّة بها مع ومع عليّ وصيّي  والأوصياء من بعده . والكرّة الخاسرة عداوتي وترك أمري، وعداوة عليّ‏و الأوصياء من بعده ، يدخلهم اللّه بها النّار في أسفل السّافلين- والحمد للّه ربّ العالمين.

فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ : متعلّق بمحذوف، أي: لا تستصعبوها فما هي إلّا صيحة واحدة، يعني: النّفخة الثّانية.

فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ : فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها.

و «السّاهرة» الأرض البيضاء المستوية، سمّيت بذلك لأنّ السّراب يجري فيها، من قولهم: عين ساهرة، للّتي يجري ماؤها. وفي ضدّها نائمة. أو لأنّ سالكها يسهر خوفا.

و قيل : اسم لجهنّم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قال: تنشقّ الأرض بأكلها. و«الرّادفة» الصّيحة.

 [قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ، أي: خائفة. أَبْصارُها خاشِعَةٌ] . يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ.

قال: قالت قريش: أ نرجع بعد الموت؟ أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً، أي: بالية تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ قال: قالوا هذا على حدّ الاستهزاء.

فقال اللّه: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ، فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ قال: «الزّجرة» النّفخة الثّانية [في الصور] . و«السّاهرة» موضع بالشّام عند بيت المقدس.

و فيه : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قال: في الخلق الجديد.

و أمّا قوله: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ والسّاهرة: الأرض، كانوا في القبور فلمّا سمعوا الزّجرة خرجوا من قبورهم فاستووا على الأرض.

و في مجمع البيان : روى أبو هريرة، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يوم تبدل‏الأرض غير الأرض والسّماوات، فيبسطها ويمدّها مدّ الأديم العكاظيّ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثمّ يزجر اللّه الخلق زجرة  فإذا هم في هذه المبدّلة في مثل مواضعهم من الأولى، ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان في ظهرها كان على ظهرها.

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى‏ : أليس قد أتاك حديثه فيسلّيك على تكذيب قومك وتهدّدهم عليه، بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم.

إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً .

قد مرّ بيانه في سورة طه.

اذْهَبْ إِلى‏ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى‏ : على إرادة القول.

و قرئ : «أن اذهب» لما في النّداء من معنى القول.

فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى‏ أَنْ تَزَكَّى : هل لك ميل إلى أن تتطهّر  من الكفر والطّغيان.

و قرأ  الحجازيّان ويعقوب: «تزكّى» بالتّشديد.

وَ أَهْدِيَكَ إِلى‏ رَبِّكَ: وأرشدك إلى معرفته.

فَتَخْشى‏ : بأداء الواجبات وترك المحرّمات، إذ الخشية إنّما يكون بعد المعرفة. وهذا كالتّفصيل لقوله : فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً.

فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى‏ ، أي: فذهب وبلّغ فأراه المعجزة الكبرى، وهي قلب العصا حيّة، فإنّها كان المقدّم والأصل. أو مجموع معجزاته، فإنّها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة.

فَكَذَّبَ وَعَصى‏ : فكذّب موسى وعصى اللّه- تعالى- بعد ظهور الآية وتحقّق الأمر.

ثُمَّ أَدْبَرَ: عن الطّاعة يَسْعى‏  ساعيا في إبطال أمره.

أو أدبر بعد ما رأى الثّعبان مرعوبا مسرعا في مشيته.

فَحَشَرَ: فجمع السّحرة، أو جنوده فَنادى‏ : في المجمع بنفسه، أومناد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله: «فحشر ، يعني:

فرعون [فَنادى‏ فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى‏ والنكال:

العقوبة. و«الآخرة» هو قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏. و«الأولى» قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ‏]  غَيْرِي  فأهلكه اللّه بهذين القولين.

فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ : أعلى من كلّ من يلي أمركم.

فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى‏ : أخذا منكلا لمن رآه وسمعه، في الآخرة بالإحراق وفي الدّنيا بالإغراق . أو على كلمته الآخرة وهي هذه، وكلمته الأولى وهي قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي . أو للتّنكيل فيهما، أو لهما.

و يجوز أن يكون مصدرا مؤكّدا مقدّرا بفعله.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس، فقال  عن تفسير الكلبيّ: محمّد، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، أنّ جبرئيل قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا محمّد، لو رأيتني وفرعون يدعو بكلمة الإخلاص: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ  وأنا أدسّه في الماء والطّين لشدّة غضبي عليه، مخافة أن يتوب فيتوب اللّه عليه.

قال له رسول اللّه: وما كان شدة غضبك عليه، يا جبرئيل؟

قال: لقوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ وهي كلمته الآخرة منهما، وإنّما قالها  حين انتهى إلى البحر، وكلمته الأولى : ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فان بين الأولى والآخرة أربعون سنة، وإنّما قال ذلك لقومه: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ حين انتهى إلى البحر فرآه قد يبست فيه الطّريق، فقال لقومه: ترون البحر قد يبس من فرقي . فصدّقوه لمّارأوا ذلك، فذلك قوله : وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى‏.

و في كتاب الخصال : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أملى اللّه لفرعون ما بين الكلمتين أربعين سنة ثمّ أخذه اللّه نكال الآخرة والأولى، فكان بين أن قال اللّه لموسى وهارون : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما وبين أن عرّفه الإجابة أربعين سنة.

ثمّ قال: قال جبرئيل: نازلت ربّي في فرعون منازلة شديدة، فقلت: يا ربّ، تدعه وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏؟

فقال: إنّما يقول هذا عبد مثلك.

عن رجل من أصحاب أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة سبعة نفر: أوّلهم ابن آدم الّذي قتل أخاه.

... إلى قوله: وفرعون الّذي قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏. (الحديث)

و في مجمع البيان : فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى‏ بأن أغرقه في الدّنيا، ويعذّبه في الآخرة.

و قيل : معناه: فعاقبه اللّه بكلمته الآخرة وكلمته الأولى، فالآخرة قوله : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ والأولى قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فنكل به نكال هاتين الكلمتين.

و جاء في التّفسير» عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّه كان بين الكلمتين أربعون سنة.

و روى أبو بصير»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قال جبرئيل: قلت: يا ربّ، تدع فرعون وقد قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏؟

فقال: إنّما يقول هذا مثلك من يخاف الفوت.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى‏ : لمن كان من شأنه الخشية.أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً: أصعب خلقا أَمِ السَّماءُ.

ثمّ بيّن كيف خلقها فقال: بَناها .

ثمّ بيّن البناء فقال: رَفَعَ سَمْكَها، أي: جعل مقدار ارتفاعها من الأرض، أو ثخنها الذّاهب في العلو رفيعا.

فَسَوَّاها : فعدلها. أو فجعلها مستوية. أو فتمّمها بما يتمّ به كمالها من الكواكب والتّداوير وغيرهما، من قولهم: سوى فلان أمره: إذا أصلحه.

وَ أَغْطَشَ لَيْلَها: أظلمه. منقول من غطش اللّيل: إذا أظلم. وإنّما أضافه إليها لأنّه يحدث بحركتها.

وَ أَخْرَجَ ضُحاها : وأبرز ضوء شمسها، كقوله: وَالشَّمْسِ وَضُحاها يريد: النّهار.

وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها : بسطها ومهّدها للسّكنى.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن داود، عن محمّد بن عطيّة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال لرجل من أهل الشّام: وكان الخالق قبل المخلوق، ولو كان أوّل ما خلق من خلقه الشّي‏ء من الشّي‏ء إذا لم يكن له انقطاع أبدا، ولم يزل اللّه إذا ومعه شي‏ء وليس هو يتقدّمه، ولكنّه كان إذ لا شي‏ء غيره.

و خلق الشّي‏ء جميع الأشياء منه، وهو الماء، الّذي خلق الأشياء منه، فجعل نسب كلّ شي‏ء [إلى الماء]  ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه.

و خلق الرّيح من الماء، ثمّ سلّط الرّيح على الماء فشقّقت الرّيح متن الماء حتّى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور، فخلق من ذلك الزّبد أرضا بيضاء نقيّة، ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة، ثمّ طواها فوضعها فوق الماء.

ثمّ خلق النّار من الماء، فشقّقت النّار متن الماء حتّى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء اللّه أن يثور، فخلق من ذلك الدّخان سماء صافية نقيّة، ليس فيها صدع ولا ثقب، وذلك قوله: السَّماءُ بَناها، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها، وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها.قال: ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب، ثمّ طواها فوضعها فوق الأرض، ثمّ نسب الخلقتين  فرفع السّماء قبل [دحو]  الأرض، وذلك قوله: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها يقول: بسطها.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة ، كلام طويل يذكر فيه ابتداء خلق السّماوات السّبع، وفيه قال- عليه السّلام-: جعل سفلاهنّ موجا مكفوفا، وعلياهنّ سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن الحسين بن عليّ بن مروان، عن عدّة من أصحابنا، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال وقد ذكر البيت العتيق: إنّ اللّه خلقه قبل الأرض، ثمّ خلق الأرض من بعده، فدحاها من تحته.

عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد، عن منصور بن العبّاس، عن صالح اللفائفي ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى، ثمّ دحاها من منى إلى عرفات، ثمّ دحاها من عرفات إلى منى، فالأرض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي زرارة التّميميّ، عن أبي حسّان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا أراد اللّه أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربن وجه الماء حتّى صار موجا ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعلت جبلا من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، وهو قول اللّه - تعالى-: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً.

و رواه - أيضا-، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.محمّد بن أحمد ، عن الحسين بن عليّ بن مروان، عن عدّة من أصحابنا، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- في المسجد الحرام: لأيّ شي‏ء سمّاه اللّه العتيق؟

فقال: إنّه ليس من بيت وضعه اللّه على وجه الأرض إلّا له ربّ وسكّان يسكنونه، غير هذا البيت، فإنّه لا ربّ له إلّا اللّه، وهو الحرّ.

ثمّ قال: إنّ اللّه خلقه قبل الأرض، ثمّ خلق الأرض من بعده فدحاها من تحته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه قال: خرج  هشام بن عبد الملك حاجّا ومعه الأبرش الكلبيّ، فلقيا أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في المسجد الحرام.

فقال هشام للأبرش: تعرف هذا؟

قال: لا.

قال: هذا الّذي تزعم الشّيعة أنّه نبيّ من كثرة علمه.

فقال الأبرش: لأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ.

فقال هشام: وددت أنّك فعلت ذلك.

فلقى الأبرش أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: يا أبا عبد اللّه، أخبرنا عن قول اللّه : أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما بما كان رتقهما، وبما كان فتقهما؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا أبرش، هو كما وصف نفسه: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ، والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ، ولم يكن يومئذ  خلق غيرها، والماء يومئذ عذب فرات.

فلمّا أراد أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربت الماء حتّى صار موجا، ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلا من زبد، ثمّ دحا الأرض من‏تحته، فقال - تعالى-: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ثمّ مكث الرّبّ- تبارك وتعالى- ما شاء.

فلمّا أراد أن يخلق السّماء أمر الرّياح فضربت البحور حتّى أزبدتها، فخرج من ذلك الموج والزّبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السّماء، وجعل فيها البروج والنّجوم ومنازل الشّمس والقمر وأجراها في الفلك، وكانت السّماء خضراء على لون الماء الأخضر، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب. (الحديث)

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن عليّ - عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال السّائل: فخلق النّهار قبل اللّيل؟

قال: نعم، خلق النّهار قبل اللّيل، والشّمس والقمر والأرض قبل السّماء.

أَخْرَجَ مِنْها ماءَها: بتفجير العيون.

وَ مَرْعاها : [و رعيها]  وهو في الأصل لموضع الرّعي. وتجريد الجملة عن العاطف لأنّها حال بإضمار «قد»، أو بيان للدّحو.

و في روضة الكافي ، بإسناده إلى أبي الرّبيع: عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول: إنّ اللّه أهبط آدم إلى الأرض، وكانت السّماء رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا، فلمّا تاب اللّه على آدم، أمر السّماء فتفطّرت  بالغمام، ثمّ أمرها فأرخت عزاليها  [ثمّ أمر الأرض‏]  فأنبتت الأشجار وأثمرت الثّمار وتفهّقت  بالأنهار، فكان ذلك رتقها وهذا فتقها.

و بإسناده  إلى محمّد بن عطيّة: عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: فإنّ قول اللّه - تعالى-: كانَتا رَتْقاً يقول: كانت السّماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحبّ، فلمّا خلق اللّه الخلق وبثّ فيها من كلّ دابّة فتق‏السّماء بالمطر والأرض بنبات الحبّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى أبي بكر الحضرميّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- وقد ذكر السّماء والأرض. مرتوقتين ليس لها أبواب-: ولم يكن للأرض أبواب وهو  النّبت، ولم تمطر [السّماء]  [عليها فتنبت‏]  ففتق السّماء بالمطر، وفتق الأرض بالنّبات.

وَ الْجِبالَ أَرْساها : أثبتها.

و قرئ : «و الأرض» و«الجبال» بالرّفع على الابتداء. وهو مرجوح، لأنّ العطف على فعليّة .

مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ : تمتيعا لكم ولمواشيكم.

فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ: [الداهية الّتي تطمّ، أي: تعلو على سائر الدواهي‏] . الْكُبْرى‏ : التي هي أكبر الطّامّات.

قيل : هي القيامة. أو النّفخة الثّانية. أو السّاعة الّتي يساق فيها أهل الجنّة [إلى الجنّة] ، وأهل النّار إلى النّار.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى النّزال بن سيارة : عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه وقد ذكر الدّجّال ومن يقتله وأين يقتله: ألا إنّ بعد ذلك الطّامّة الكبرى.

قلنا: وما ذلك، يا أمير المؤمنين؟

قال: خروج دابّة  الأرض من عند الصّفا، معها خاتم سليمان وعصا موسى،تضع الخاتم على وجه كلّ مؤمن فينطبع فيه: هذا مؤمن حقّا. وتضعه على وجه كلّ كافر فيكتب : هذا كافر حقّا. حتّى أنّ المؤمن لينادي : الويل لك حقّا، يا كافر. وأنّ الكافر ينادي: طوبى لك، يا مؤمن، وددت أنّي [اليوم‏]  كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما.

ثمّ ترفع الدّابّة رأسها فيرى ما بين الخافقين  بإذن اللّه، وذلك بعد طلوع الشّمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التّوبة فلا تقبل توبة ولا عمل يرفع، ولا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً .

ثمّ قال- عليه السّلام-: لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا، فإنّه عهد إليّ حبيبي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ألا أخبر به غير عترتي.

يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى‏ .

قيل : بأن يراه مدوّنا في صحيفته وكان قد نسيه  من فرط الغفلة أو طول المدّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: يذكّر ما عمله كلّه.

و هو بدل من «إذا جاءت» و«ما» موصولة، أو مصدريّة.

وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ: وأظهرت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: وأحضرت .

لِمَنْ يَرى‏ : لكلّ راء، بحيث لا يخفى على أحد.

و قري‏ء : «و برزت». و«لمن رأى». و«لمن ترى» على أنّ فيه ضمير الجحيم، كقوله: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، أو أنّه خطاب للرّسول، أي: لمن تراه من الكفّار.

و جواب فَإِذا جاءَتِ محذوف دلّ عليه يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ أو ما بعده من التّفصيل.

فَأَمَّا مَنْ طَغى‏ : حتّى كفر.

وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا : فانهمك فيها ولم يستعدّ للآخرة بالعبادةو تهذيب النّفس.

فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى‏ : هي مأواه. و«اللّام» فيه سادّة مسدّ الإضافة، للعلم بأنّ صاحب المأوى هو الطّاغي.

و «هي» فصل ، أو مبتدأ.

وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ، أي: مقامه بين يدي ربّه، لعلمه بالمبدأ والمعاد.

وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ : لعلمه بأنّه مردّ.

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى داود الرقّي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه : وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ قال: من علم أنّ اللّه يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شرّ، فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الّذي خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن [عبد الرحمن الأصمّ، عن‏]  عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: قال لي أبو الحسن- عليه السّلام-: اتّق المرتقى السّهل إذا كان منحدرة وعرا.

قال: وكان أبو عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لا تدع النّفس وهواها، فإنّ هواها في رداها، وترك النّفس وما تهوى أذاها، وكفّ النفس عمّا تهوى دواؤها.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير، عن حمزة بن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الجنّة محفوفة بالمكاره والصّبر فمن صبر على المكاره في الدّنيا دخل الجنّة، وجهنّم محفوفة باللّذّات والشّهوات فمن أعطى نفسه لذّاتها وشهواتها، دخل النّار.

و بإسناده  إلى يحيى بن عقيل قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّما أخاف عليكم الاثنين: اتّباع الهوى، وطول الأمل. أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة.و بإسناده  إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يقول اللّه: وعزّتي وجلالي وكبريائي ونوري وعلويّ وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواه على هواي، إلّا شتّت عليه أمره، ولبّست عليه دنياه، وشغلت قلبه بها، ولم أؤته منها إلّا ما قدرت له.

و عزّتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبدي هواي على هواه، إلّا استحفظته ملائكتي، وكفلت السّماوات والأرضين رزقه، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر، وأتته الدّنيا وهي راغمة.

و بإسناده  إلى أبي محمّد الوابشي  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: احذروا أهواءكم، كما تحذرون أعداءكم، فليس شي‏ء أعدى للرّجال من اتّباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.

فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏ : ليس له مأوى سواها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏. قال: هو  العبد إذا وقف على معصية اللّه وقدر عليها، ثمّ تركها مخافة اللّه ونهى النّفس عنها، فمكانه الجنّة.

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها : متى ارساؤها، أي: إقامتها وإثباتها. أو منتهاها ومستقرّها، من مرسى السّفينة، وهو حيث تنتهي إليه وتستقرّ فيه.

فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها : في أيّ شي‏ء أنت من أن تذكر وقتها لهم، أي:

ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شي‏ء، فإنّ ذكرها لا يزيدهم إلّا غيّا ووقتها ممّا استأثره اللّه بعلمه.

و قيل : «فيم» إنكار لسؤالهم، وأَنْتَ مِنْ ذِكْراها مستأنف معناه: أنت ذكر من ذكرها ، أي: علامة من أشراطها، فإنّ إرساله خاتما للأنبياء أمارة من أماراتها.و قيل : إنّه متّصل بسؤالهم، والجواب إِلى‏ رَبِّكَ مُنْتَهاها ، أي:

منتهى علمها.

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها : إنّما بعثت لإنذار من يخاف هولها، وهو لا يناسب تعيين الوقت.

و تخصيص «من يخشى» لأنّه المنتفع به.

و عن أبي عمرو : «منذر» بالتّنوين، والإعمال على الأصل، لأنّه بمعنى الحال.

كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا: في الدّنيا، أو في القبور إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها ، أي: عشيّة يوم أو ضحاه، كقوله: إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ولذلك أضاف «الضّحى» إلى «العشيّة» لأنّهما من يوم واحد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قال: متى نقوم. فقال اللّه: إِلى‏ رَبِّكَ مُنْتَهاها، أي: علمها عند اللّه. قوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها قال: بعض يوم.