سورة النّاس

سورة النّاس‏ 

مختلف فيها. وآيها ستّ.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أوتر بالمعوذّتين وقُلْ هُوَ اللَّهُ قيل: يا عبد اللّه، أبشر فقد قبل اللّه وترك.

و في مجمع البيان : الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- اشتكى شكوة  شديدة ووجع وجعا شديدا، فأتاه جبرئيل وميكائيل، فقعد جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فعوّذه جبرئيل بقل أعوذ برب الفلق وعوّذه ميكائيل بقل أعوذ برب الناس.

أبو خديجة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: جاء جبرئيل إلى النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وهو شاك، فرقاه بالمعوذّتين وقل هو الله أحد وقال: بسم اللّه أرقيك واللّه يشفيك من كلّ داء يؤذيك، خذها فلتهنئك، فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (السّورة).

قُلْ أَعُوذُقرئ  في السّورتين بحذف الهمزة، ونقل حركتها إلى اللّام.

بِرَبِّ النَّاسِ .

لمّا كانت الاستعاذة في السّورة المتقدمّة من المضارّ البدنيّة وهي تعمّ الإنسان وغيره، والاستعاذة في هذه السّورة من الأضرار الّتي تعرض النّفوس البشريّة وتخصّها، عمّم الإضافة ثمّة  وخصّها بالنّاس هاهنا. فكأنّه قيل: أعوذ من شرّ الموسوس إلى النّاس بربّهم الّذي يملك أمورهم ويستحقّ عبادتهم.

مَلِكِ النَّاسِ  إِلهِ النَّاسِ : عطفا بيان له، فإنّ الرّبّ قد لا يكون ملكا والملك قد لا يكون إلها.

و في هذا النّظم دلالة  على أنّه حقيق بالإعاذة قادر عليها غير ممنوع عنها، وإشعار على مراتب النّاظر في المعارف، فإنّه يعلم أوّلا بما يرى عليه من النّعم الظّاهرة والباطنة أنّ له ربّا، ثمّ يتغلغل في النّظر حتّى يتحقّق أنّه غنيّ عن الكلّ وذات كلّ شي‏ء له ومصارف أمره منه فهو الملك الحقّ، ثمّ يستدلّ به على أنّه المستحقّ للعبادة لا غير.

و تدرّج في  وجوه الاستعاذة المعتادة، تنزيلا لاختلاف الصّفات منزلة اختلاف الذّات، إشعارا بعظم الآفة المستعاذ منها.

و تكرير «النّاس» لما في الإظهار من مزيد البيان، والإشعار بشرف الإنسان.

مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ، أي: الوسوسة، كالزّلزال بمعنى: الزّلزلة. وأمّا المصدر فبالكسر، كالزّلزال، والمراد به: الموسوس. وسمّي بفعله، مبالغة.

الْخَنَّاسِ : الّذي عادته أن يخنس، أي: يتأخّر إذا ذكر الإنسان ربّه.

و في مجمع البيان : وقوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ فيه أقوال: أحدها، أنّ معناه- إلى قوله-: وثانيها، أنّ معناه: من شرّ ذي الوسواس، وهو الشّيطان، كما جاء في الحديث: أنّه يوسوس، فإذا ذكر العبد ربّه خنس.

و روي  عن أنس بن مالك أنّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ‏الشّيطان واضع خطمه  على قلب ابن آدم. فإذا ذكر اللّه خنس، وإذا نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخنّاس.

و روى العيّاشي ، بإسناده إلى ابن تغلب، عن جعفر بن محمّد قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما من مؤمن إلّا ولقلبه في صدره أذنان: أذن ينفث فيها [الملك، وأذن ينفث فيها]  الوسواس الخنّاس، فيؤيّد اللّه المؤمن بالملك، وهو قوله- تعالى-: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام-: ما من قلب إلّا وله أذنان، على أحدهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مغتر ، هذا يأمره وهذا يزجره.

كذلك من النّاس شيطان يحمل النّاس على المعاصي، كما يحمل الشّيطان من الجنّ.

و فيه  عن العالم- عليه السّلام- حديث طويل، ذكر فيه ما طلب إبليس من اللّه وإجابته له. وفيه قال: قال: يا ربّ، زدني.

 [قال: قد]  جعلت لك ولذرّيّتك صدورهم أوطانا.

قاله: حسبي.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عمرة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما من مؤمن إلّا ولقلبه أذنان في جوفه: أذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس، وأذن ينفث فيها الملك ، فيؤيّد اللّه المؤمن بالملك، فذلك قوله: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.

و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أكل حبّة من الرّمان، أمرضت شيطان الوسوسة أربعين يوما.و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ صعد إبليس جبلا بمكّة يقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته.

فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا، لم دعوتنا؟

قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشّياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا.

قال: لست لها.

فقام آخر، فقال مثل ذلك.

فقال: ليست لها.

فقام الوسواس الخنّاس، فقال : أنا  لها.

قال: بماذا؟

قال: أعدهم وأمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، ثمّ انسيهم  الاستغفار.

فقال: أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة.

و في الخصال ، فيما أوصى به النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه السّلام-: يا عليّ، ثلاث من الوسواس: أكل الطّين، وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللّحية.

عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام-  قال: أربعة من الوسواس: أكل الطّين، [وفتّ الطّين،]  وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللّحية.

الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ : إذا غفلوا عن ذكر ربّهم. وذلك، كالقوّة الوهميّة، فإنّها تساعد العقل في المقدّمات، فإذا آل الأمر إلى النّتيجة خفت  وأخذت توسوسه وتشكّكه.

و محلّ «الّذي» الجرّ على الصّفة. أو النّصب، أو الرّفع على الذّمّ.مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ : بيان للوسواس. أو «للّذي». أو متعلّق «بيوسوس»، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجنّة والنّاس.

و قيل : بيان «للنّاس» على أنّ المراد به ما يعمّ الثّقلين، وفيه تعسّف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده أبي بكر الحضرميّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال لعليّ: يا عليّ، القرآن خلف فراشي في الصّحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه، كما ضيّع  اليهود التّوراة.

 

فانطلق عليّ- عليه السّلام- فجمعه في ثوب أصفر ثمّ ختم عليه في بيته، وقال:

لا أرتدي حتّى أجمعه. فإنّه- عليه السّلام- كان الرّجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتّى جمعه.

قال: وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لو أنّ النّاس قرؤوا القرآن، كما أنزل اللّه، ما اختلف اثنان.

و بإسناده إلى محمّد بن الفضيل : عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ما أحد هذه الأمّة جمع القرآن إلّا وصيّ محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. وأهل بيته الطّاهرين المعصومين وصلّى اللّه على محمّد وآله أجمعين ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.