مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم المرسلين محمد وآله الطاهرين. وبعد فان جميع الاوساط العلمية لتعرف حقا ما يتمتع به الكتاب الشهير " مستمسك العروة الوثقى " تأليف آية الله العظمى والمرجع الديني الاعلى الذي انتهت إليه رئاسة الشيعة الامامية في هذا العصر السيد المحسن الطباطبائي الحكيم (مد الله ظله على رؤوس المسلمين) من سمو المعنى وحسن السمعة وبعد الصيت ذلك لانه أول كتاب من نوعه ظهر للملا العلمي وأول شرح للكتاب " العروة الوثقى " برز للاوساط العلمية وهو يحمل بين دفتيه من الدقة والتحقيق في المجالات الفقهية الشئ الكثير، ولهذه الناحية فقد كان محور الدراسات الفقهية من ذي قبل هو كتاب " شرايع الاسلام " للمحقق (قدس الله سره) ويتلوه كتاب تبصرة المتعلمين للعلامة أعلى الله مقامه. أما اليوم وبعد ظهور هذا الكتاب العظيم فقد أصبح محور الدراسة الفقهية هو " العروة الوثقى " وكثرت لذلك شروحه والتعليقات عليه، وكل ما جاء بعد هذا الشرح " المستمسك " من شروح " العروة الوثقى " فقد وجد طريقا معبدا فسار عليه بسهولة ويسر، وأصبحت مطالبه ونظرياته موضع عناية الدارسين والمدرسين ونقاشهم وقبولهم وردهم. وقد طبع للمرة الثانية بشكل امتازت به على الطبعة الاولى من نواح شتى أبرزها تيسر تطبيق الشرح مع الاصل بفضل الارقام الموضوعة على

 

===============

 

( 4 )

 

كل منهما ولم يمض من الزمن إلا قليل نسبيا حتى نفدت نسخه وأصبح الطلب متكررا والحاجة إليه ملحة فلم يسع الناشر الا ان يتقدم للملا العلمي باخراج الجزء الاول منه في طبعة ثالثة تمتاز على سابقتها بمزيد العناية في تحقيقه وتدقيقه وتخريج أحاديثه والدلالة على مظانها من مصادرها ونحو ذلك من الجهود التي بذلها صاحب الفضيلة البحاثة العلامة الجليل السيد مرتضى الخلخالي النجفي دام فضله وعلى الله أجره والحمد لله رب العالمين. 5 / رمضان / 1384 الناشر: محمد كاظم الحكيم

 

===============

 

( 5 )

 

[ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين، وصلى الله على محمد خير خلقه وآله الطاهرين. وبعد فيقول المعترف بذنبه المفتقر إلى رحمة ربه محمد كاظم الطباطبائى: هذه جملة مسائل مما تعم به البلوى وعليها الفتوى، جمعت شتاتها وأحصيت متفرقاتها عسى أن ينتفع بها اخواننا المؤمنون، وتكون ذخرا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. والله ولي التوفيق. ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. والصلاة والسلام على أشرف النبيين وخاتم المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين. وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني " محسن " خلف العلامة المرحوم السيد " مهدي " الطباطبائي الحكيم: قد يكون من دواعي الخير وأسباب التوفيق أن يجتمع لدي فريق من أرباب العلم والفضل، ويرغبوا إلي رغبة ملحة في تدريس علم الفقه الشريف على أن يكون محور البحث والنظر كتاب (العروة الوثقى) تأليف سيدنا الاعظم فخر الفقهاء المحققين المرحوم المبرور السيد محمد كاظم الطباطبائى، أعلى الله مقامه، فنزلت عند رغبتهم متوكلا على الله تعالى ومستمدا منه المعونة والتسديد. وكنت في أثناء ذلك أدون ما ألقيه إليهم كشرح للكتاب المذكور بشكل موجز. آملا منه - جل شأنه - أن يكون وافيا بمداركه كافيا في تعرف أحكامه، فأكون قد أديت وظيفة جلى في خدمة هذا العلم الجليل.

 

===============

 

( 6 )

 

[ (مسأله 1): يجب على كل مكلف (1) في عباداته ومعاملاته (2) أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا (3). (مسألة 2): الاقوى جواز العمل بالاحتياط (4) ] واني لارجو منه تعالى ببركة من أنا في جوار حرمه، وأستجير في كثير من الاحيان بذمته - صلوات الله عليه - أن يتقبله بقبول حسن، ويثبته في ديوان الحسنات، ليكون ذخرا لي يوم القاه (يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم) إنه ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل. (1) الوجوب التخييري المذكور من قبيل وجوب الاطاعة، فطري بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل، حيث أن في ترك جميع الابدال احتمال الضرر. وعقلي بمناط وجوب شكر المنعم. ولاجل ذلك اختص بصورة احتمال التكليف المنجز، فمع الغفلة عن التكليف، أو احتمال التكليف غير الالزامي، أو الالزامي غير المنجز، لم يجب شئ من ذلك، لعدم احتمال الضرر في تركها، ولا هو مما ينافي الشكر الواجب. (2) بل في جميع أفعاله وتروكه - كما سيأتي ذلك منه رحمه الله - لوجود المناطين المذكورين في الجميع. (3) يعنى: يجب أن يعمل على طبق الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط. أما الاكتفاء بالاولين فلاقتضاء كل منهما العلم بأداء الوظيفة شرعية أو عقلية الموجب للامن من العقاب، أو من حصول ما ينافي الشكر، وان احتمل مخالفته للواقع. وأما الاكتفاء بالاخير فلانه يوجب القطع بأداء الواقع الموجب للامن مما ذكر أيضا. وأما عدم الاكتفاء بغيرها كالظن مثلا فلعدم اقتضاء العمل المطابق له للامن لاحتمال مخالفته للواقع. (4) خلافا لما عن المشهور، من بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد

 

===============

 

( 7 )

 

[ مجتهدا أو لا. لكن يجب أن يكون عارفا بكيفية الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد (1). (مسألة 3): قد يكون الاحتياط في الفعل، كما إذا احتمل كون الفعل واجبا وكان قاطعا بعدم حرمته، وقد يكون في الترك، كما إذا احتمل حرمة فعل وكان قاطعا بعدم وجوبه، ] والتقليد معا، بل لعل ظاهر المحكي عن السيد المرتضى وأخيه الرضي - قدس سرهما - دعوى الاتفاق عليه. لكنه لا دليل عليه بعد ما عرفت من أن العمل الموافق للاحتياط موجب للعلم بمطابقة الواقع. وأما أدلة وجوب التعلم فتأبى الحمل على الوجوب النفسي، والوجوب الغيري ممتنع، لعدم المقدمية بين العلم والعمل، فالمراد منها الوجوب الارشادي، والمقصود منه عدم عذرية الجهل في مخالفة الواقع قبل التعلم، كما هو أيضا ظاهر وجوب التبين في آية النبأ (* 1). والاجماع المدعى على المنع غير واضح الحجية. كما أن اعتبار الاطاعة في صحة العبادة لا يقتضي ذلك، لتحقق الاطاعة عند العقلاء بنفس الفعل الصادر عن داعي الامر ولو كان محتملا، والتمييز مما لا يعتبر عندهم فيها قطعا. واحتمال دخله في حصول الغرض - مع أنه قد يندفع بالاطلاقات المقامية - لا يصلح علة لوجوب الاحتياط في نظر العقل، كاحتمال اعتبار شئ جزءا أو شرطا في المأمور به، كما هو موضح في محله من الاصول. (. 1) هذا شرط للاكتفاء بالاحتياط في نظر العقل، بل لعل عدم المعرفة مانع من حصول الاحتياط، فلا يحصل الامن.

 

 

____________

(* 1) وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الحجرات: 49

 

===============

 

( 8 )

 

[ وقد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار (1) كما إذا لم يعلم أن وظيفته القصر أو التمام. (مسألة 4): الاقوى جواز الاحتياط ولو كان مستلزما للتكرار (2) وأمكن الاجتهاد أو التقليد. ] (1) الاولى إسقاط هذا القيد، إذ التكرار هنا عين الجمع بين الامرين كالقصر والتمام، فيغني ذكره عن ذكره. وتسميته تكرارا بلحاظ مفهوم الصلاة وإلا فمع الاختلاف في الكيفية لا تكرار حقيقة. والاحتياط بفعل محتمل الجزئية أو الشرطية وترك محتمل المانعية داخل في أحد الاولين. بل الجمع يمكن أن يكون داخلا في الاول. فتأمل. (2) وعن جماعة منعه، بل هو الذي أصر عليه بعض الاعاظم (دام ظله) (* 1). وقد يستدل له (أولا): بأن فيه فوات نية الامر، لان الفعل حينئذ يكون بداعي احتمال الامر، لا بداعي نفس الامر. (وثانيا): بأنه لعب أو عبث بأمر المولى. وكلا الامرين ممنوعان. أما الاول: فلان فعل كل واحد من الاطراف ناشئ عن داعي الامر بفعل الواجب. والاحتمال دخيل في داعوية الامر، لا أنه الداعي إليه، والا كان اللازم في فرض العلم التفصيلي البناء على كون الفعل ناشئا عن داعي العلم بالامر لا عن داعي نفس الامر، إذ الفرق بين المقامين غير ظاهر. (وبالجملة): العلم في فرض العلم التفصيلي والاحتمال في فرض عدمه دخيلان في داعوية الامر إلى الفعل، لا أنهما داعيان إليه. ومن ذلك تعرف أن مرجع الشك في المقام إلى الشك في اعتبار العلم بالامر في تحقق الاطاعة فيكون من قبيل الدوران بين الاقل والاكثر

 

 

____________

(* 1) الشيخ ميرزا محمد حسين النائيني

 

===============

 

( 9 )

 

[ (مسألة 5): في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلدا (1)، لان المسألة خلافيه. ] لا من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير. نعم يتم ذلك بناء على أن الباعث على العمل الاحتمال لتباين نحوي الامتثال، إذ في أحدهما يكون الباعث الامر، وفي الآخر الاحتمال، فالشك في اعتبار الامتثال التفصيلي يكون من التردد بين التعيين والتخيير. وأما الثاني: فلانه قد يكون في الفحص بالاجتهاد أو التقليد من العناء والمشقة ما لا يكون بالاحتياط - مع أنه لو سلم، فكونه عبثا بأمر المولى ممنوع، إذ الاتيان بالفعل المتكرر - بعد ما كان عن محض الامر - موجب لكونه أبلغ في الاطاعة، وأظهر في استشعار العبودية من الفعل بدون التكرار. غاية الامر أنه عبث في كيفية الاطاعة، وهو مما لا يقدح في حصولها، كيف وهو متأخر عنها رتبة؟. (1) لا ريب في أن الاكتفاء بالاحتياط في نظر العقل إنما هو لكونه موجبا للعلم بأداء الواقع المؤدي إلى الامن من تبعة مخالفته. فإذا أدرك عقل المكلف ذلك كان مجتهدا في مسألة جواز الاحتياط حينئذ ولزم الاكتفاء به، وإلا امتنع الاكتفاء به. إلا أن يدرك عقله حجية رأي الغير، فيفتي له بجواز الاحتياط، فيكتفي به أيضا. وكون المسألة وفاقية أو خلافية لا يصلح علة للاكتفاء به وعدمه. بل الاكتفاء به دائر مدار إدراك عقله لذلك، كما عرفت. مع أن كون المسألة خلافية لا يختص بجواز الاحتياط، فان مسألة جواز التقليد أيضا خلافية، إذ المحكي عن علماء حلب وغيرهم وجوب الاجتهاد عينا، فاختصاص الاحتياط بذلك غير ظاهر. وسيأتى أنه لابد للعامي من أن يكون مجتهدا في جواز التقليد.

 

===============

 

( 10 )

 

[ (مسألة 6): في الضروريات لا حاجة إلى التقليد (1) كوجوب الصلاة والصوم ونحوهما. وكذا في اليقينيات إذا حصل له اليقين. وفي غيرهما يجب التقليد (2) إن لم يكن مجتهدا إذا لم يمكن الاحتياط، وإن أمكن تخير بينه وبين التقليد. (مسألة 7): عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل (2). ] (1) لوضوح أن وجوب العمل شرعا برأي الغير حكم ظاهري كوجوب العمل بسائر الحجج، ومن المعلوم أن الحكم الظاهري يختص جعله بحال الشك، فيمتنع جعل حجية رأي الغير مع العلم بالواقع، كما في الضروريات واليقينيات. (2) على المعروف. لما دل على حجية رأي المجتهد لغيره، من الكتاب والسنة وبناء العقلاء، والسيرة القطعية في زمان المعصومين (ع) كما هو محرر في محله من الاصول - من غير فرق في دلالتها عليه بين إمكان الاحتياط وتعذره. وخلاف بعضهم في ذلك ضعيف، وبذلك يظهر التخيير بينه وبين الاحتياط مع إمكانه. (3) بمعنى عدم الاكتفاء به في نظر العقل في حصول الامن من العقاب لاحتمال عدم مطابقته للواقع. فلو علم بعد العمل بصحته واقعا، أو ظاهرا لمطابقته لرأيه أو رأي من يجب عليه تقليده حال النظر، اكتفى به في نظر العقل حينئذ. أما في الاول فواضح. وأما في الثاني فلحصول الامن من تبعة مخالفته على تقديرها من جهة مطابقته للحجة. وسيأتي لذلك تتمة في كلام المصنف (ره). (* 1) ولو انكشف مطابقته لرأي من يجب عليه تقليده حال العمل مع مخالفته لرأي من يجب عليه تقليده حال النظر، ففي الاكتفاء به وعدمه وجهان، أقواهما الثاني. وليس الحكم فيه حكم ما لو قلد

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 16 من هذا الفصل

 

===============

 

( 11 )

 

[ (مسألة 8): التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين (1)، وان لم يعمل بعد، بل ولو لم يأخذ فتواه، فإذا أخذ رسالته والتزام بما فيها كفى في تحقق التقليد. ] مجتهدا ثم عدل عنه إلى غيره - لموت أو نحوه مما يسوغ العدول - فكان رأي من قلده ثانيا مخالفا لرأي من قلده أولا. للفرق بين المسألتين بحصول التقليد في الثانية دون الاولى، وربما كان فارقا في الحكم. وسيأتى التعرض لذلك إن شاء الله تعالى (* 1). (1) قد اختلفت كلماتهم في تعريف التقليد. ففي بعضها: أنه الاخذ بقول الغير من غير حجة، وفي آخر: أنه العمل بقول الغير.. وفي ثالث: أنه قبول قول الغير... لكن هذا الاختلاف وإن كان - لاول نظرة - ظاهرا في الاختلاف في معنى التقليد ومفهومه، إلا أن عدم تعرضهم للخلاف في ذلك مع تعرضهم لكثير من الجهات غير المهمة يدل على كون مراد الجميع واحدا، وأن اختلافهم بمحض التعبير. وظاهر القوانين أن مراد الجميع العمل، حيث نسب تعريفه بالعمل بقول الغير.. إلى العضدي وغيره، مع أن تعريف العضدي كان بالاخذ. وظاهر الفصول أن المراد الالتزام حيث قال: واعلم أنه لا يعتبر في ثبوت التقليد وقوع العمل بمقتضاه. لان العمل مسبوق بالعلم، فلا يكون سابقا عليه. ولئلا يلزم الدور في العبادات، من حيث أن وقوعها يتوقف على قصد القربة، وهو يتوقف على العلم بكونها عبادة، فلو توقف العلم بكونها عبادة على وقوعها كان دورا.. (إلى أن قال): وقول العلامة (ره) في النهاية: بأن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة معلومة، بيان لمعناه اللغوى - كما يظهر من ذيل كلامه - وإطلاقه على هذا شائع في العرف العام.

 

 

____________

(* 1) في المسألة: 53 من هذا الفصل

 

===============

 

( 12 )

 

وظاهره تسليم كون التقليد لغة هو العمل إلا أنه يجب حمله اصطلاحا على مجرد الالتزام فرارا عن الاشكالين المذكورين في عبارته. لكن يدفعهما أن دليل حجية الفتوى يقتضي كونها بمنزلة العلم وهي سابقة على العمل، وكافية في حصول نية القربة. (ودعوى): أن حجية الفتوى مشروطة بالالتزام بالعمل، كما يظهر منه (قده) في شرح قولهم - في تعريف التقليد -: من غير حجة (يدفعها): أنها خلاف ظاهر أدلة الحجية، بل خلاف المقطوع به من بعضها، كما لا يخفى. هذا مضافا إلى النظر والاشكال في مقدمات الاشكالين المذكورين، كما يظهر ذلك بالتأمل. وأما التعبير بالاخذ في كلام الجماعة - كما سبق - فالظاهر أن المراد منه العمل، كما في كثير من المقامات، مثل الاخذ بما وافق الكتاب والاخذ بما خالف العامة، والاخذ بقول أعدلهما، ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات.. إلى غير ذلك مما هو كثير. ولعله المراد أيضا من القبول المذكور في كلام بعضهم. مع أن عدم إرادته منه لا يهم بعد ما عرفت من كون مقتضى الادلة جواز العمل بالفتوى بلا توسيط الالتزام، فلا يكون دخيلا في حصول الامن من الضرر، ولا واجبا تخييريا بالوجوب الفطري والعقلي المتقدمين آنفا. فالمتحصل إذا: أن التقليد عبارة عن العمل اعتمادا على رأى الغير، وهو المناسب جدا لمعناه اللغوي - كما تقدم من الفصول - ويعبر عنه في العرفيات بقوله: إني أعمل كذا ويكون ذلك في رقبتك - مخاطبا من يشير عليه بالفعل - والالتزام أجنبي عنه. هذا كله مع اتحاد المجتهد، أما مع تعدده: فاما أن يتفقوا في الفتوى أو يختلفوا فيها. فان اتفقوا فالظاهر أنه لا دليل على تعيين واحد منهم، فيجوز تقليد جميعهم كما يجوز تقليد بعضهم وأدلة حجية الفتوى - كأدلة

 

===============

 

( 13 )

 

حجية الخبر - إنما تدل على حجية الفتوى بنحو صرف الوجود الصادق على القليل والكثير، فكما أنه لو تعدد الخبر الدال على حكم معين يكون الجميع حجة على ذلك الحكم كما يكون البعض كذلك ولا تختص الحجية بواحد منها معين أو مردد، كذلك لو تعددت الفتوى. ويشير إلى ذلك آيتا النفر (* 1) والسؤال (* 2) - بناء على ظهورهما في التقليد - ورواية ابن مهزيار الواردة في حكم الاتمام بمكة (* 3)، ورواية صاحب السابري الواردة في من أوصى أن يحج عنه بمال لا يفي بالحج (* 4)، وخبر حمران بن أعين، ومرفوع ابراهيم بن هاشم الواردان في أكثر النفاس (* 5)، وغير ذلك. ومنه يظهر ضعف أخذ التعيين للمجتهد في مفهوم التقليد. إلا أن يكون المراد به ما يقابل الترديد، فانه حينئذ لا بأس به إذ الفرد المردد ليس له خارجية كي يصلح أن يكون موضوعا للحجية أو غيرها من الاحكام. وإن اختلف المجتهدون في الفتوى، فلما امتنع أن يكون الجميع حجة للتكاذب الموجب للتناقض، ولا واحد معين، لانه بلا مرجح، ولا التساقط والرجوع إلى غير الفتوى، لانه خلاف الاجماع والسيرة، تعين أن يكون الحجة هو ما يختاره، فيجب عليه الاختيار مقدمة لتحصيل الحجة، وليس

 

 

____________

(* 1) وهي قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) التوبة: 122 (* 2) وهي قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك الا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) النحل: 43، الانبياء: 7 (* 3) الوسائل باب: 25 من ابواب صلاة المسافر حديث: 4 (* 4) الوسائل باب: 37 من كتاب الوصايا حديث: 2 وسيأتي ذكر الرواية مفصلا في الجزء العاشر في المسألة التاسعة من فصل الوصية بالحج (* 5) الوسائل باب: 3 من ابواب النفاس حديث: 11، 7

 

===============

 

( 14 )

 

[ (مسألة 9): الاقوى جواز البقاء على تقليد الميت (1). ] الاختيار إلا الالتزام بالعمل على طبق إحدى الفتويين أو الفتاوى بعينها، وحينئذ يكون الالتزام مقدمة للتقليد لا أنه عينه، ومما ذكرنا يظهر أن دعوى أن التقليد هو الالتزام مما لم يتضح له مأخذ. والله سبحانه أعلم. (1) الكلام في هذه المسألة، (تارة): يكون في صورة موافقة رأي الميت لرأي الحي الذي يجب عليه تقليده على تقدير عدم جواز البقاء على تقليد الميت، (وأخرى): في صورة مخالفة رأيه لرأيه. أما الكلام في الصورة الاولى: فهو أنه - بناء على ما عرفت من أن التقليد هو العمل برأي الغير واحدا كان أو متعددا - لا تترتب صحة العمل واقعا وعدمها على الجواز وعدمه، لان العمل الموافق لرأي الميت مواقف لرأي الحي أيضا، فيكون صحيحا مطلقا، كان رأي الميت حجة أولا. غاية الامر أنه على تقدير حجيته تكون صحة العمل عقلا - بمعنى الاجتزاء به في نظر العقل - لموافقته لرأي الجميع، وعلى تقدير عدم حجيته يكون الاجتزاء به في نظر العقل لموافقته لرأي الحي، فالصحة والاجتزاء به عند العقل محرز على كل تقدير. نعم يثمر الكلام في حجية رأي الميت من حيث جواز البناء عليها لعدم كونه تشريعا، وعدمه لكونه كذلك. لكنه شئ آخر أجنبي عن صحة العمل. أما بناء على كونه الالتزام بالعمل فصحة العمل عقلا وعدمها يبتنيان على حجية رأي الميت وعدمها، فانه على تقدير الحجية يكون الالتزام بالعمل برأيه تقليدا صحيحا والعمل الموافق للالتزام المذكور عملا عن تقليد صحيح، وليس كذلك على تقدير عدم الحجية. وأما الكلام في الصورة الثانية: فهو بعينه الكلام في الصورة الاولى بناء على كون التقليد هو الالتزام بالعمل، لما عرفت من توقف الحجية حينئذ على الالتزام بواحد من الرأيين بعينه، فتبتني الصحة وعدمها على حجية

 

===============

 

( 15 )

 

رأي الميت وعدمها. إذا عرفت ذلك نقول: بناء على ما عرفت من أن الادلة اللفظية الدالة على حجية الفتوى لو تمت في نفسها فانها تدل على حجيتها بنحو صرف الوجود الصادق على القليل الكثير. كأدلة حجية الخبر - فلا مجال للتمسك بها مع اختلاف الرأيين. لتكاذبهما المانع من شمول الدليل لهما ولا أحدهما. فلابد في إثبات الحجة من رأي الميت أو الحي من الرجوع إلى دليل آخر، من إجماع، أو بناء العقلاء، أو سيرة المتشرعة، أو الاصل. (والاول) لم يثبت بالنسبة إلى الميت، بل قد يدعى على عدم جواز الرجوع إليه، فضلا عن العلم بعدم انعقاده على الجواز. (وأما الثاني) فالظاهر أنه لا يشمل صورة الاختلاف أيضا كالادلة اللفظية. (وأما السيرة) فهي وإن ادعي استقرارها في عصر المعصومين (ع) على البقاء على تقليد الميت، كما هو المظنون قويا، لكن بلوغه حدا يصح التعويل عليه لا يخلو من: إشكال. فيتعين الاخير. وستأني وجوه تقريره. وأما بناء على أن مفاد أدلة التقليد هو الحجية على تقدير الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين فلا مانع من الرجوع إلى إطلاق تلك الادلة لو كان. لكن عرفت أنا لا نعرف ذلك الدليل لنعرف إطلاقه. فالعمدة إذا هو الاصل. وتقريره (تارة): باجرائه في الحكم الوضعي الاصولي - أعني: الحجية - فيقال: كان رأي فلان حجة - يعني حال حياته - وهو على ما كان. (وأخرى): في نفس المؤدى الواقعي المحكي بالرأي، فيقال مثلا: كانت السورة واجبة واقعا حال حياة فلان فهي باقية على وجوبها. (وثالثة): في الحكم الظاهري، فيقال مثلا: كانت السورة واجبة ظاهرا حال حياة فلان فهي باقية على وجوبها الظاهري، فنقول: أما إجراؤه في الحكم الوضعي على النحو الاول - أعنى: الحجية -

 

===============

 

( 16 )

 

فيتوقف أولا على كونها متأصلة في الجعل، بحيث يصح اعتبارها من مجرد جعلها، وتترتب عليها آثارها عقلا من صحة اعتذار كل من المولى والعبد بها. لكنه غير ظاهر، بل الظاهر أنها منتزعة من الحكم الظاهري الراجع إلى الامر بالعمل بالواقع على تقدير المصادفة - نظير الامر بالاحتياط في بعض موارد الشك - وإلى الترخيص على تقدير المخالفة، فان ذلك هو منشأ صحة الاعتذار والاحتجاج، فالحجية نظير الوجوب والحرمة المنتزعين من مقام الارادة والكراهة، ولا يصح اعتبارهما من مجرد جعلهما مع قطع النظر عن الارادة والكراهة. وعلى هذا لا مجال لجريان الاستصحاب فيها، لعدم كونها أثرا شرعيا ولا موضوعا لاثر شرعي. ويتوقف ثانيا على أن يكون موضوع الحجية مجرد حدوث الرأي، أما إذا كانت منوطة به حدوثا وبقاء، بحيث يكون موضوعها في الآن الثاني بقاء الرأي، فلا مجال لاستصحابها، لعدم بقاء موضوعها، لانتفاء الرأى بالموت. وقد يستظهر ذلك من بناء الاصحاب - بل ظهور الاجماع - على ارتفاع الحجية بتبدل رأي المجتهد، وبارتفاع الشرائط من العدالة والعقل والضبط وغيرها. ولان حجية الرأي بالاضافة إلى العامي ليست بأعظم منها بالاضافة إليه نفسه، ومن المعلوم أن حجية الرأي بالاضافة إلى نفسه على النحو الثاني، فان الحجية لرأي المجتهد بالاضافة إلى نفسه في كل زمان موضوعها الرأي في ذلك الزمان، لا مجرد الحدوث. فان قلت: سلمنا كونها كذلك بالاضافة إلى العامي، لكن لا دليل على ارتفاع الرأي بالموت فيجري فيه استصحاب بقائه، ويكون حجة. (قلت): لو سلمنا تقوم الرأي بالنفس عقلا لا بالبدن فليس كذلك عرفا، فانه يصدق عرفا أن هذا الميت لا رأي له. مع أن الموت ملازم لارتفاع الرأي - غالبا - قبله آنا ما فلا مجال لاستصحابه.

 

===============

 

( 17 )

 

هذا ولكن الانصاف أن الاجماع على عدم حجية رأي المجتهد مع اختلال الشرائط - لو تم - لا يقتضي عدم الحجية مع ارتفاع الحياة إذا كان محلا للخلاف وارتفاع الحجية بتبدل الرأي إنما هو لكون الحجية مشروطة بعدم ظهور الخطأ له في المستند، لا لكونها منوطة بالرأي حدوثا وبقاء. ولذا ترى الشهادة تسقط عن مقام الحجية إذا ظهر للشاهد الخطأ في المستند، مع أنها حجة بحدوثها إلى الابد ولا ترتفع حجيتها بموت الشاهد أو نسيانه. وارتفاع الرأي قبل الموت غالبا إن قام إجماع على قدحه فهو خارج عن محل الكلام، والكلام في غيره من الفروض وإن لم يقم إجماع على ذلك لم يقدح في جريان الاستصحاب. وبالجملة: احتمال حجية الرأي بحدوثه إلى الابد لا رافع له، فلا مانع من الاستصحاب. فان قلت: رأى المجتهد حال حياته وإن دل على ثبوت الحكم في جميع الوقائع السابقة والمقارنة واللاحقة، إلا أن القدر المتيقن حجيته في غير الوقائع اللاحقة، فهو بالنسبة إليها غير معلوم الحجية حتى تستصحب بعد الموت، إذ الاستصحاب حينئذ يكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي. قلت: إنما يتم الاشكال لو كانت الوقايع ملحوظة بخصوصها موضوعا للحجية في قبال غيرها، كأفراد الكلي الملحوظ بعضها في قبال آخر. أما إذا كانت جميع الوقايع ملحوظة بنحو القضية الحقيقية، والشك إنما هو في مجرد استمراد الحكم إلى الازمنة اللاحقة، فلا مانع من الاستصحاب، إذ الواقعة اللاحقة - على هذا المعنى - تكون موضوعا للحكم لو كانت واقعة في حياة المفتي وإنما الشك في خصوصية زمان الحياة، والاستصحاب شأنه إلغاء احتمال دخل خصوصية الزمان السابق في الحكم. نظير ما لو ثبت أن من ولد في يوم الجمعة يجب ختانه وشك في استمرار الحكم لمن ولد في يوم السبت، فمن ولد في يوم السبت يعلم بثبوت الحكم له لو كان ولد في يوم الجمعة

 

===============

 

( 18 )

 

ويشك في بقائه على ما كان. فصورة القضية المستصحبة هكذا: هذا - يعنى: المولود في يوم السبت - كان لو ولد وجب ختانه فهو على ما كان. وكذلك نقول في المقام: هذه الواقعة كانت لو وجدت فيما مضى لكان الرأي فيها حجة فهي باقية على ما كانت، فالشك ليس لا حتمال دخل خصوصية أفراد الوقايع، بل لاحتمال دخل خصوصية الزمان السابق في الحكم، وشأن الاستصحاب إلغاء احتمال ذلك. فهذا الاستصحاب نظير استصحاب الشرائع السابقة عند الشك المحرر جوازه في مبحث الاستصحاب. نعم هو من قبيل الاستصحاب التعليقي المحقق في محله جريانه، إذ لا فرق بين الحكم التعليقي والتنجيزي في الدخول في عموم دليل الاستصحاب. لكنه ربما يكون معارضا بالاستصحاب التنجيزي لعدم الدليل على حكومته عليه، وحينئذ يسقط للمعارضة، وفي المقام يعارض بأصالة عدم الحجية الثابت قبل الوجود. لكنه مبني على جريان الاصل في العدم الازلي، وإلا كان الاصل التعليقي بلا معارض. وأما إجراؤه في الحكم الواقعي: فيشكل بأنه يتوقف على اليقين بالحدوث والشك في البقاء، وكلاهما غير حاصل. أما الاول فلعدم اليقين الوجداني حال الوفاة بثبوت الحكم الواقعي حال الحياة، إذ لا منشأ له. ومثله اليقين التنزيلي. وكون رأي المجتهد بمنزلة اليقين مسلم لو ثبتت حجيته حال الوفاة، وهي محل الكلام، وحجيته حال الحياة على ثبوت الحكم الواقعي حينئذ لا تجدي في ثبوت اليقين التنزيلي بعد الوفاة بأصل الثبوت، فلا يقين ولا ما هو بمنزلته بثبوت الحكم الواقعي من أول الامر. وأما الثاني فانتفاؤه أظهر، للعلم بثبوت الحكم الواقعي على تقدير حدوثه، وإنما الشك في أصل ثبوته لا غير. وأما إجراؤه في الحكم الظاهري: فلا ضير فيه، لاجتماع أركانه،

 

===============

 

( 19 )

 

لليقين الوجداني حال الوفاة بثبوته حال الحياة الملازم لحجية الفتوى حال الحياة، والشك في بقائه، للشك في بقاء الحجية إلى زمان الوفاة. نعم يتوجه عليه الاشكال الاخير في استصحاب الحجية. ويندفع بما عرفت من الاستصحاب التعليقي. بل جريانه هنا أوضح، لان الحكم المستصحب إن لم يكن اقتضائيا - كما لو كانت فتوى الميت عدم الوجوب أو عدم الحرمة - فاستصحابهما التعليقي لا يعارضه الاستصحاب التنجيزي، لانه لو جرى كان مفاده نفي الوجوب أو الحرمة - لاصالة عدمهما - فالاستصحاب التنجيزي - لو جرى - فهو موافق لا مخالف كي يسقطا بالمعارضة. نعم لو كان اقتضائيا - كما لو كانت فتوى الميت الوجوب أو الحرمة - فالاصل التنجيزي وإن كان معارضا، لكن البقاء على التقليد في الاحكام الاقتضائية مما لا بأس به قطعا من حيث العمل، لموافقته للاحتياط. ولو كانت فتوى الميت الوجوب، وفتوى الحي الحرمة، فالفتوى الاولى لما كان مفادها نفي الحرمة كانت من هذه الجهة غير اقتضائية، فلا مانع من جريان الاستصحاب في مضمونها، ومن حيث نفس الوجوب اقتضائية فلا بأس بالبقاء عليها من حيث العمل، كما عرفت. هذا كله مضافا إلى ما أشرنا إليه آنفا من أن المظنون قويا استقرار السيرة على البقاء على تقليد الميت، بل دعوى الجزم بذلك قريبة جدا. وعليه فلا تنتهي النوبة إلى الاصول وإن كان مقتضاهما مختلفا، إذ القدر المتيقن من السيرة صورة العلم بالمسألة أو خصوص صورة العمل، لا مطلقا وإن لم يعمل، فضلا عما لو لم يعلم. أما الاصل فمقتضاه الجواز مطلقا عمل أولا، علم أولا. والتشكيك في ثبوته في الوقايع مع عدم العلم في غير محله، إذ اعتبار العلم بالفتوى في الحجية خلاف الاجماع كما لا يخفى. هذا كله مع تساوي المجتهدين الميت والحي في العلم. أما مع الاختلاف

 

===============

 

( 20 )

 

فالظاهر أنه لا إشكال في بناء العقلاء على تعين الرجوع إلى الاعلم، فيجب العدول إلى الحي إن كان أعلم، كما يجب البقاء إن كان الميت أعلم. بلا فرق بين ما علم وعمل وبين غيره، لعدم الفرق في بناء العقلاء المذكور. ولا مجال حينئذ للرجوع إلى الاصول شرعية أو عقلية، نعم لو كان الرجوع إلى الاعلم من جهة الحكم العقلي بالتعيين عند الدوران بينه وبين التخيير كان الاصل الشرعي واردا عليه، فيتعين الرجوع إلى الاصل المتقدم. لكن الظاهر استقرار بناء العقلاء على تعين الرجوع إلى الاعلم، فيتعين العمل به. هذا ولو بني على جواز البقاء على تقليد الميت فهل يجوز العدول - كما هو ظاهر المتن والنسوب إلى بعضهم - أولا؟ - كما نسب إلى أكثر القائلين بجواز البقاء - وجهان. أما وجه الاول: فهو استصحاب التخيير الثابت قبل الرجوع إلى الميت. وفيه: أن مرجع التخيير الثابت سابقا إلى أنه لو اختار أي واحد منهما كان رأيه حجة عليه، فيقال: كان لو اختار الحي الذي يقع الكلام في جواز العدول إليه لكان رأيه حجة. وهو من الاستصحاب التعليقي المعارض باستصحاب عدم الحجية الثابت قبل الاختيار. وأما وجه الثاني: فهو إما الاجماع على عدم جواز العدول الثابت قبل الوفاة وبعد الوفاة أو الثابت قبل الوفاة فيستصحب المنع إلى ما بعد الوفاة. أو أصالة الاحتياط، لكون المورد من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير. وفيه: أن عموم معقد الاجماع إلى ما بعد الوفاة ممنوع، بل ثبوت الاجماع على المنع حال الحياة عن العدول تعبدا غير ظاهر كي يجري استصحابه. وأما أصالة الاحتياط عند الدوران بين التعيين والتخيير فلا مجال لها، إذ كما يحتمل وجوب البقاء على تقليد الميت يحتمل وجوب العدول عنه إلى الحي، فاحتمال التعيين موجود في كل من الطرفين كما يحتمل التخيير أيضا،

 

===============

 

( 21 )

 

وفي مثله يجب البناء على التخيير بعد قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط على العامي، حتى أحوط القولين المتعين في نظر العقل - لولا الاجماع المذكور - للعلم الاجمالي بثبوت الحجة بينهما، المستوجب لوجوب موافقتهما عقلا، والعمل بأحوطهما موافقة لهما معا. لكن الاجماع على عدم وجوب الاحتياط مطلقا على العامي يستوجب الحكم بالتخيير. نعم البناء على ذلك موقوف على عدم جريان الاصول الشرعية، وإلا كان عليها المعول فنقول: أما من حيث العمل وصحته فقد عرفت أنه إذا كانت فتوى الميت الرخصة، كما لو أفتى بعدم وجوب الكفارة للوطئ في الحيض، وكانت فتوى الحي وجوبها لا مانع من جريان استصحاب الحكم الظاهري لعدم المعارض. فنقول هنا: أنه لا مانع من العدول إلى فتوى الحي من حيث العمل، لموافقتها للاحتياط. أما إذا كانت فتوى الميت حكما اقتضائيا - كالوجوب والحرمة - فلا مجال للاستصحاب التعليقي وان البقاء لا بأس به. أما جواز العدول فمقتضى الاجماع على التخيير في تعيين الحجة عند احتمال التعيين في كل واحد من محتملي الحجية، لما عرفت أنه كما يحتمل حجية رأى الميت يحتمل حجية رأى الحي كما يحتمل التخيير بينهما أيضا، فله اختيار البقاء وله اختيار العدول. هذا كله من حيث العمل. وأما من حيث جواز الالتزام والاعتقاد القلبي، ومن حيث جواز النقل والاخبار عن الحكم الواقعي، - اللذين هما من آثار العلم المترتبين على الطرق الشرعية بمقتضى دلالة أدلتها على تنزيلها بمنزلة العلم، فحيث أن هذا التنزيل أيضا من الاحكام الشرعية يجرى فيه ما تقدم في الاحكام الاقتضائية التى تتضمنها فتوى الميت، ويجري الاصل فيه على نحو جريانه في تلك الاحكام. ولاجل السقوط بالمعارضة يرجع إلى التخيير المستفاد من الاجماع عليه عند تردد الحجة تعيينا بين فردين حسبما

 

===============

 

( 22 )

 

[ ولا يجوز تقليد الميت ابتداء (1). ] عرفت. وقد عرفت أن هذا الكلام كله مع تساوي الحي والميت في العلم لا مع الاختلاف، وإلا تعين الرجوع إلى الاعلم كان الحي أو الميت. فلاحظ وتأمل. (1) إجماعا إلا من جماعة من علمائنا الاخباريين، على ما نسب إليهم على تأمل في صحة النسبة، لظهور كلمات بعضهم في كون ذلك في التقليد بمعنى آخر غير ما هو محل الكلام. وكيف كان فالوجه في المنع: أنك عرفت قصور أدلة حجية الفتوى عن شمول الفتاوى المختلفة، فلا مجال للرجوع إلى الآيات والروايات لاثبات حجية فتوى الميت - على تقدير تمامية دلالتها في نفسها على الحجية، وكونها مطلقة - وكذلك بناء العقلاء عليها، وكذلك الاجماع. إذ لا إجماع على جواز الرجوع إلى الميت ابتداء، بل المنع مظنته، كما عرفت. وكذلك السيرة، فان دعواها على الرجوع ابتداء إلى الاموات مجازفة. وقد عرفت إشكال استصحاب الحجية، واستصحاب الاحكام الواقعية، في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت، فضلا عن المقام لعدم ثبوت الحجية هنا حدوثا، ولا قام عند المقلد طريق على ثبوت الحكم الواقعي في وقت من الاوقات. ومن هنا كان الاشكال في جريانهما هنا أعظم. ولاجل ذلك يشكل جريان استصحاب الاحكام الظاهرية، إذ لا يقين بالثبوت لا وجداني ولا تعبدي. فيتعين الرجوع إلى الاصل العقلي عند الدوران بين التعيين والتخيير، حيث يعلم بجواز الرجوع إلى الحي ويشك في الميت، فان الحكم العقلي في مثله الاحتياط بالرجوع إلى معلوم الحجية. ومن ذلك تعرف الفرق بين تقليد الميت ابتداء واستمرارا، وأنه في الاول لا يقين بثبوت أمر شرعى سابقا كي يجري الاستصحاب فيه، بخلاف الثاني، لليقين بثبوت الحجية سابقا أو الحكم الظاهري، فيمكن جريان

 

===============

 

( 23 )

 

الاستصحاب فيه. وأن الشك في الاول بين التعيين والتخيير، بخلاف الثاني فان احتمال التعيين موجود في كل من الميت والحي. ولاجل ذلك كان الاصل العقلي التعيين في الاول دون الثاني، بل المرجع فيه التخيير بعد الاجماع على عدم وجوب الاحتياط. هذا كله مع تساوي الميت والحي في الفضيلة. أما إذا كان الميت أعلم فمقتضى بناء العقلاة لزوم تقليده تعيينا. وليس ما يوجب الخروج عنه إلا حكاية الاجماع على المنع عنه، فقد حكاه غير واحد عليه، كما في الجواهر، وجعله فيها مفروغا عنه بين أصحابنا، وقد تعرض في تقريرات درس شيخنا الاعظم (ره) لكلماتهم في حكاية الاجماع على المنع. ولعل هذا المقدار كاف في رفع اليد عن بناء العقلاء على وجوب الرجوع إلى الافضل، فان الحاكين للاجماع وإن كانوا جماعة خاصة، لكن تلقي الاصحاب لنقلهم له بالقبول، من دون تشكيك أو توقف من أحد، وتسالمهم على العمل به، يوجب صحة الاعتماد عليه. ولا سيما مع كون نقلة الاجماع المذكور من أعاظم علمائنا وأكابر فقهائنا، ولهم المقام الرفيع في الضبط والاتقان والتثبت. قدس الله تعالى أرواحهم، ورفع منازل كرامتهم وجزاهم عنا أفضل الجزاء. ومن هذا الاجماع تعرف سقوط ما يتصور في المقام أيضا من الاستصحاب الجاري في الحكم الظاهري، نظير ما سبق في مسألة الاستدامة. وتقريبه: أن هذا المقلد وان لم يثبت في حقه حكم ظاهري إلى حين موت المجتهد، لعدم وجوده في حياته، أو لعدم تكليفه أصلا حينئذ. لكن كان بحيث لو كان موجودا في حياة المجتهد ورجع إليه لثبت الحكم الظاهري في حقه، فيستصحب ذلك إلى ما بعد موت المجتهد ووجود ذلك العامي، فيثبت حينئذ أنه لو رجع إليه لكان محكوما بالحكم الظاهري. فتكون هذه المسألة نظير

 

===============

 

( 24 )

 

[ (مسألة 10): إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز له العدول إلى الميت (1). ] المسألة السابقة من هذه الجهة. غاية الامر أن الشك هنا من حيث الشخص المقلد، وهناك من حيث الواقعة المتجددة، وهذا غير فارق في جريان الاستصحاب بنحو استصحاب أحكام الشرايع السابقة. فالعمدة إذا في الخروج عن الاستصحاب المذكور في الفرض الاجماع المتقدم. على أنه لا يطرد في بعض الفروض كما لو كان مقلدا في حال حياته لغيره الاعلم ففقد بعض الشرائط المانعة من البقاء على تقليده، فانه لا مجال للاستصحاب بالنسبة إلى الميت، كما لا يخفى. وأما الاصل العقلي عند الدوران بين التعيين والتخيير في الحجية، فلا تنتهي النوبة إليه إلا بعد سقوط الاصل الشرعي. وقد عرفت أن هذا الاصل في الفرض المتقدم لو جري في الحكم الظاهري غير الاقتضائي فلا معارض له من حيث العمل. نعم هو من حيث الاخبار عن الواقع، أو الالتزام به، ومن حيث العمل أيضا - لو كان الحكم اقتضائيا - معارض في الجميع بالاستصحاب التنجيزي. فالمرجع في ذلك يكون هو الاصل العقلي. فالعمدة في الفرق المطرد بين المسألتين على هذا يكون في مقتضى الاصل العقلي لا غير، وإلا ففي الاصل الشرعي قد لا يكون فرق بينهما. وكيف كان ففي الاجماع المذكور كفاية. وبه يكون الفرق بين المسألتين أيضا، إذ القول بجواز تقليد الميت استدامة محكي عن جماعة من الاكابر؟، بل القول بوجوب ذلك محكي في الجواهر وغيرها، فكيف يمكن دعوى الاجماع على المنع أو يجب العمل بها؟! والله سبحانه أعلم، وهو حسبنا ونعم الوكيل. (1) لما يأتي في المسألة اللاحقة. مضافا إلى أنه من التقليد الابتدائي

 

===============

 

( 25 )

 

[ (مسألة 11): لا يجوز العدول عن الحي إلى الحي، إلا إذا كان الثاني أعلم (1). ] الذي قد عرفت قيام الاجماع على المنع عنه. (1) إجماعا في الجملة حكاه غير واحد. ويقتضيه الاصل العقلي المتقدم، للشك في حجية فتوى من يريد العدول إليه والعلم بحجية فتوى من يريد العدول عنه، وفي مثله يبنى على عدم حجية مشكوك الحجية. وليس ما يوجب سقوط هذا الاصل العقلي من دليل أو أصل شرعي. إذ أدلة التقليد اللفظية قد عرفت عدم شمولها لصورة الاختلاف في الفتوى، بلا فرق بين إطلاق الآيات والروايات. وكذلك بناء العقلاء. ولا إجماع على جواز العدول ولا سيرة. وأما استصحاب التخيير فقد تقدم في مسألة جواز العدول عن الميت إلى الحي: أنه من الاستصحاب التعليقي المعارض بالاستصحاب التنجيزي، فلا مرجع الا الاصل العقلي، وهو أصالة التعيين عند التردد في الحجية بين التعيين والتخيير. نعم مع الاتفاق في الفتوى لا مانع من الاعتماد على فتوى كل من المجتهدين عملا باطلاق أدلة الحجية كما عرفت، لكن الظاهر أن هذه الصورة خارجة عن محل الكلام. هذا كله إذا لم يكن المعدول إليه أعلم. وإلا - فبناء على ما يأتي من وجوب الرجوع إلى الاعلم - يجب الرجوع إليه. لعدم الفرق في كون مقتضى أدلة وجوب الرجوع إلى الاعلم وجوب الرجوع إليه بين سبق تقليد غيره فيجب العدول إليه. وعدمه فيرجع إليه ابتداء. نعم لو كان الوجه في وجوب الرجوع إلى الاعلم الاصل العقلي - أعني: أصالة التعيين عند الدوران بين التعيين والتخيير - وكان الوجه في عدم جواز العدول استصحاب حجية فتوى من يريد العدول عنه ونحوه من الاصول الشرعية، لزم عدم جواز العدول ولو إلى الاعلم، لان الاصل الشرعي وارد على الاصل العقلي. فلاحظ.

 

===============

 

( 26 )

 

[ (مسألة 12): يجب تقليد الاعلم مع الامكان (1) على الاحوط. ] هذا والمحكي عن جماعة التفصيل بين الوقايع التي التزم فيها بتقليد من قلده فلا يجوز العدول عنه إلى غيره، كما لو عقد على زوجته بالفارسية اعتمادا على فتوى مجتهد يجوز ذلك، فلا يجوز العدول إلى غيره فيه، بأن لا يرتب آثار الزوجية من النفقة والقسمة ونحوهما اعتمادا على فتوى مجتهد آخر لا يصح عنده العقد الفارسي، وبين غيرها من الوقائع، كالعقد على امرأة أخرى، فيجوز له العدول إليه فيه، فلو عقد على امرأة أخرى بالفارسية بعد العدول جاز له عدم ترتيب آثار الزوجية عليها. واختار هذا القول في الجواهر. وكأنه لاستصحاب التخيير الذي لا إجماع على خلافه هنا. وفيه ما عرفت. (1) كما هو المشهور بين الاصحاب، بل عن المحقق الثاني الاجماع عليه، وعن ظاهر السيد في الذريعة كونه من المسلمات عند الشيعة. وعن جماعة ممن تأخر عن الشهيد الثاني جواز الرجوع إلى غير الاعلم. لاطلاق الادلة كتابا وستة، بل حمل مثل آيتي النفر والسؤال (* 1) على صورة تساوى النافرين والمسؤولين في الفضيلة حمل على فرد نادر. ولاستقرار سيرة الشيعة في عصر المعصومين (ع) على الاخذ بفتاوى العلماء المعاصرين لهم مع العلم باختلاف مراتبهم في العلم والفضيلة. ولان في وجوب الرجوع إلى الاعلم عسرا، وهو منفي في الشريعة. ولانه لو وجب تقليد الاعلم لوجب الرجوع إلى الائمة (ع) لانهم أولى من الاعلم. وفيه: أن الاطلاقات لا تشمل صورة الاختلاف في الفتوي - كما هو محل الكلام - ولا فرق بين آيتي النفر والسؤال وغيرهما، كيف وقد عرفت

 

 

____________

(* 1) تقدم ذكرهما في المسألة: 8 من هذا الفصل

 

===============

 

( 27 )

 

أنه غير معقول. وندرة تساوي النافرين والمسؤولين مسلمة، لكنها غير كافية إلا مع ندرة الاتفاق في الفتوى، وهي ممنوعة، بل الاختلاف في مورد الآيتين أولى بالندرة. بل ما لم يحرز الاختلاف لا تصلح الآيتان الشريفتان دليلا على جواز الرجوع إلى غير الاعلم، لان الحمل على الحجية التخييرية خلاف ظاهر الادلة، ومنها الآيتان، فالحمل عليها محتاج إلى قرينة. نعم لو علم الاختلاف كان هو القرينة، وإلا فلا قرينة تستدعي الحمل على خلاف الظاهر. ومن ذلك يظهر الاشكال في الاستدلال بالسيرة، إذ مجرد قيام السيرة على الرجوع إلى المختلفين في الفضيلة لا يجدي في جواز الرجوع إليهم مع الاختلاف في الفتوى، ولم تثبت سيرة على ذلك. والعلم بوجود الخلاف بينهم وإن كان محققا، لكن ثبوت السيرة على الرجوع إلى المفضول غير معلوم، بل بعيد جدا فيما هو محل الكلام، أعني: صورة الاختلاف المعلوم وإمكان الرجوع إلى الاعلم. وأما لزوم العسر فممنوع كلية، كيف وقد عرفت أن المشهور المدعى عليه الاجماع وجوب إلى الرجوع إلى الاعلم في أكثر الاعصار، ولم يلزم من العمل بهذه الفتوى عسر على المقلدين. نعم لو بني على وجوب الرجوع إلى الاعلم على نحو يجب الفحص عنه مهما احتمل وجوده كان ذلك موجبا للعسر غالبا. لكنه ليس كذلك، لما يأتي. وبالجملة: محل الكلام ما إذا أمكن الرجوع إلى الاعلم بلا عسر ولا حرج. وأما الاستدلال الاخير: فانما يتم لو كان الرجوع إلى غير الاعلم ممنوعا عقلا ذاتا، وأما إذا كان من جهة عدم الدليل على حجية فتوى غير الاعلم فالمقايسة غير ظاهرة، لقيام الدليل على جواز الرجوع إلى غير المعصوم مع إمكان الرجوع إليه.

 

===============

 

( 28 )

 

وربما يستدل على الجواز بما ورد في الرجوع إلى شخص معين، فان إطلاقه يقتضي جواز الرجوع إليه وإن كان غيره أعلم. وفيه: أن الارجاع على نحو الخصوص كالارجاع على نحو العموم إنما يقتضي الحجية في الجملة ولا يشمل صورة الاختلاف وإلا تعارض مع ما دل على الارجاع إلى غيره بالخصوص، بل مع ما دل على الارجاع على نحو العموم، فيكون كتعارض تطبيقي العام بالاضافة إلى الفردين المختلفين، كما لا يخفى. واحتمال التخصيص يتوقف على احتمال الخصوصية في الشخص المعين وهو منتف. ولو سلم اختص الحكم بذلك الشخص بعينه، ولا يطرد في غيره من الاشخاص. وبالجملة: فلا يتضح دليل على جواز تقليد المفضول مع تيسر الرجوع إلى الافضل، ومقتضى بناء العقلاء تعين الرجوع إلى الافضل، والتشكيك في ثبوت بناء العقلاء على ذلك يندفع بأقل تأمل. مضافا إلى الاصل العقلي عند دوران الامر في الحجية بين التعيين والتخيير الذي عرفته فيما سبق، فان رأي الافضل معلوم الحجية، ورأي المفضول مشكوك الحجية. لكنه لا يطرد العمل بهذا الاصل مع سبق تقليد المفضول، لعدم وجود الافضل ثم تجدد وجوده، فان استصحاب بقاء الاحكام الظاهرية وارد على الاصل المذكور إذا كانت الاحكام غير اقتضائية، وكذا إذا كانت اقتضائية من جهة الاشكال في جريان استصحابها، لانه من الاستصحاب التعليقي بالاضافة إلى الوقائع المتجددة، المعارض بالاستصحاب التنجيزي، وبعد التساقط يرجع إلى الاصل العقلي المقتضي للتخيير بين البقاء والعدول، كما عرفت ذلك في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت فلاحظ. وأما مقبولة ابن حنظلة (* 1) الواردة في رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث قال فيها: " فان كان كل منهما اختار رجلا من أصحابنا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب صفات القاضي حديث: 1

 

===============

 

( 29 )

 

[ ويجب الفحص عنه (1). ] فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، فاختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثنا؟ فقال (ع): الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر. فانها - بقرينة التنازع الذي لا يكون إلا مع العلم حقيقة أو تعبدا، وبقرينة ما في ذيلها من الرجوع إلى المرجحات الداخلية والخارجية - ظاهرة في الحكم الفاصل للخصومة، ولا تشمل الفتوى. وإلحاق الفتوى به لعدم القول بالفصل غير ظاهر. مع أن ظهورها في جواز فصل الخصومة بالحكم الصادر من الحكام المتعددين مما يظهر من الاصحاب عدم جواز العمل به، لا عتبار الوحدة في القاضي عندهم ظاهرا. فلاحظ وتأمل. (1) الكلام في وجوب الفحص (تارة): يكون في صورة العلم بالاختلاف في الفتوى وبالتفاضل، بأن يعلم بأن أحدهما أفضل من الآخر ولم يعرف الافضل بعينه. (وأخرى): في صورة الجهل بالاختلاف والعلم بالتفاضل. (وثالثة): في صورة العكس. (رابعة): في صورة الجهل بهما معا. (وخامسة): في صورة الشك في وجود مجتهد غير من يعرف. أما الكلام في الاولى: فهو أنه بعد ما عرفت من عدم شمول أدلة الحجية للفتويين المختلفتين، وأن العمدة في التخيير بين المجتهدين هو الاجماع، فلا مجال للرجوع إلى واحد بعينه، إذ لا إجماع عليه قبل الفحص، فيجب الفحص لاصالة عدم الحجية. بل مقتضى ما دل على وجوب الرجوع إلى الاعلم يكون الفرض من باب اشتباه الحجة باللاحجة، المستوجب للاخذ بأحوط القولين حتى بعد الفحص والعجز عن معرفة الافضل. لكن الظاهر الاتفاق على جواز الرجوع حينئذ إلى أيهما شاء، وعدم وجوب الاحتياط

 

===============

 

( 30 )

 

المذكور عليه. وبالجملة: الرجوع إلى أحد المجتهدين قبل الفحص اعتماد على مشكوك الحجية، فلا يجوز في نظر العقل فلاحظ. وأما في الثانية: فهو أن مقتضى إطلاق أدلة الحجية حجية كل واحدة من الفتويين. واحتمال الاختلاف بين الفتويين الموجب لسقوط الاطلاق عن الحجية لا يعتنى به في رفع اليد عن الاطلاق كما في سائر موارد التخصيص اللبي، وإذا ثبتت حجية كل منهما جاز الاعتماد عليها قبل الفحص. (ودعوى): أن العمل المطابق لاحدى الفتويين وان جاز الاجتزاء به في نظر العقل لموافقته للحجة، لكن لما كان مقتضى إطلاق دليل الحجية حجية الفتوى الاخرى، ويحتمل مخالفة العمل لها لاحتمال الاختلاف بين الفتويين، كان العمل مما يحتمل مخالفته للحجة، والعمل المحتمل المخالفة للحجة مما لا يجوز الاجتزاء به في نظر العقل، لاحتمال الخطر. (مندفعة): بأنه يعلم بانتفاء الخطر من قبل الفتوى الاخرى، لان احتمال الخطر إنما جاء من قبل احتمال مخالفة العمل لها، لاحتمال مخالفتها للفتوى الاولى، واحتمال ذلك ملازم لاحتمال عدم حجيتها، لعدم شمول دليل الحجية للفتويين المختلفتين، فلا خطر في العمل بالاضافة إلى تطبيق الدليل على الفتوى الاخرى قطعا. مضافا إلى ما ربما قيل من أن إطلاق دليل الحجية الشامل لاحدى الفتويين يدل بالالتزام على نفي الاختلاف بينهما، وعلى موافقة العمل لهما معا. وان كان صلاحية العموم لاثبات مثل هذه اللوازم الخارجية محل تأمل واشكال. وأما الصورة الثالثة: فالكلام فيها هو الكلام في الصورة الاولى لاشتراكهما في العلم بالاختلاف المانع من العمل باطلاق أدلة الحجية، فتكون كل من الفتويين مشكوكة الحجية قبل الفحص. كما أن الكلام في الصورة الرابعة، هو الكلام في الصورة الثانية، لاشتراكهما في عدم المانع من الاخذ باطلاق دليل الحجية بالاضافة إلى إحدى الفتويين، وأن احتمال اختلافهما

 

===============

 

( 31 )

 

[ (مسألة 13): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخير بينهما، إلا إذا كان أحدهما أورع، فيختار الاورع (1). ] الموجب لسقوط دليل الحجية بالاضافة إلى كل منهما لا يؤبه به، كما عرفت. ثم إنه قيل بعدم وجوب الفحص مع العلم بالاختلاف لوجهين. (الاول): أصل البراءة، للشك في وجوبه (والثاني): أنهما أمارتان تعارضتا لا يمكن الجمع بينهما، ولا طرحهما، ولا تعيين إحداهما، فلا بد من التخيير بينهما. ويشكل الاول: بأنه ليس الكلام في وجوب الفحص مولويا كي يرجع إلى أصل البراءة في نفيه، وإنما الكلام في وجوبه عقلا وجوبا إرشاديا إلى الخطر بدونه، إذ قد عرفت أنه لولا الفحص لا تحرز حجية إحدى الفتويين. ومن ذلك يظهر الاشكال في الثاني إذ لا حكم للعقل بالتخيير بين الفتويين المتعارضتين، وإنما التخيير بين الفتويين بتوسط الاجماع على حجية ما يختاره منهما، وقد عرفت أن معقد الاجماع إنما هو الحجية بعد الفحص لا قبله. وأما الصورة الخامسة: فاثبات حجية فتوى من يعرف باطلاق دليل الحجية أظهر مما سبق، للشك في وجود مفت آخر، فضلا عن كونه أفضل وكون فتواه مخالفة. ولا يبعد استقرار بناء العقلاء، وسيرة المتشرعة، على العمل بالفتوى مع الشك في وجود مجتهد آخر من دون فحص عنه. فعدم وجوب الفحص في هذه الصورة أظهر منه فيما سبق. فتأمل جيدا. (1) كما عن النهاية، والتهذيب، والذكرى، والدروس، والجعفرية والمقاصد العلية، والمسالك وغيرها، ويقتضيه أصالة التعيين الجارية عند الدوران بينه وبين التخيير. ولا يظهر على خلافها دليل، إذ الاطلاقات الدالة على الحجية - لو تمت - لا تشمل صورة الاختلاف. اللهم الا أن يكون بناء العقلاء على التخيير بين المتساويين في الفضل وان كان أحدهما

 

===============

 

( 32 )

 

[ (مسألة 14): إذا لم يكن للاعم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الاخذ من غير الاعلم (1) وإن أمكن الاحتياط (2). (مسألة 15): إذا قلد مجتهدا كان يجوز البقاء على تقليد الميت (3)، فمات ذلك المجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة، بل يجب الرجوع إلى الحي الاعلم في جواز البقاء وعدمه. ] أورع فيتبع اتباعه في حجية رأي العالم. لكن هذا البناء غير ظاهر مع الاختلاف، كما عرفت آنفا. ولو كان أحد المجتهدين أفضل والآخر أورع قدم الافضل، لما عرفت من بناء العقلاء على تعينه. (1) سيجئ التقييد بالاعلم فالاعلم، كما هو مقتضى ما تقدم في وجوب تقليد الاعلم. (2) لعدم وجوبه على العامي. لما عرفت من الادلة القطعية على جراز رجوع الجاهل إلى العالم ولو مع إمكان الاحتياط. (3) الظاهر أن المراد تقليده في المسائل الفرعية، كما لو قلده حين البلوغ. ويحتمل أن يكون المراد أنه قلده في خصوص مسألة جواز البقاء على تقليد الميت. وكيف كان فقد عرفت أنه مع الشك في جواز البقاء على تقليد الميت يتعين عليه الرجوع إلى الحي في نظر العقل، فيعمل على مقتضى فتواه في جواز العدول وحرمته، ووجوبه. وهو ظاهر في الصورة الاولى التي هي ظاهر المتن. وأما في الفرض الثاني - الذي هو محتمل العبارة - فقد يشكل فيما لو أفتاه الحي بوجوب البقاء - مثلا - فهل يتعين عليه الرجوع إلى المجتهد الاول؟ أو بتخير بينه وبين الرجوع إلى الثاني؟

 

===============

 

( 33 )

 

أو يفصل بين ما لو كان رأي الثاني جواز البقاء، فالثاني، ووجوبه فالاول؟ فيه وجوه. وأشكل منه مالو أفتاه الحي بوجوب البقاء، وكانت فتوى المجتهد الثاني وجوب العدول، لتناقض الفتويين عملا ولذلك بنى شيخنا الاعظم (ره) على عدم الاخذ بعموم فتوى الحي بالنسبة إلى مسألة البقاء والعدول، للزوم تخصيص الاكثر، ولاقتضائه وجوب العدول مع أن المفتي الحيى لا يقول به. والذي ينبغي أن يقال: إذا قلد زيدا في المسألة الفرعية، كوجوب صلاة الظهر يوم الجمعة - مثلا - فمات زيد، فقلد عمرا في جواز البقاء على تقليد زيد في وجوب صلاة الظهر، فإذا مات عمرو فقلد بكرا فأفتى له بوجوب البقاء على تقليد الميت، كان مقتضى ذلك وجوب العمل برأي زيد دون رأي عمرو. وذلك أن عمرا وإن كان ميتا قد قلده حال حياته في جواز البقاء على تقليد الميت، إلا أنه يمتنع الرجوع إليه في مسألة جواز تقليد الميت، لان هذه المسألة قد قلد فيها بكرا بعد موت عمرو، فلا مجال لتقليد عمرو فيها، لان المسألة الواحدة لا تحتمل تقليدين مترتبين. لانه لو بني على جواز اجتماع المثلين في رتبتين فلا أقل من لزوم اللغوية مع اتفاقهما عملا، أو التناقض مع اختلافهما، وبطلانه ظاهر. وتوهم: أن رأي بكر حجة في ميألة جواز البقاء على تقليد عمرو ورأي عمرو حجة في مسألة جواز البقاء على تقليد زيد، فيكون هناك مسألتان لاختلاف موضوعيهما يرجع في إحداهما إلى بكر، وفي الاخرى إلى عمرو، ولا يكون تقليد أحدهما فيما قلد فيه الآخر، كما لو أخبر بكر بحجية خبر عمرو، وأخبر عمرو بحجية خبر زيد، فيكون كل منهما حجة في مؤداه، ولا اشتراك بينهما في موضوع واحد. (مندفع): بأن خصوصية عمرو ليست مقومة للقضية الشرعية التي يرجع فيها العامي إلى بكر، ويكون رأيه حجة فيها، فان فتوى بكر جواز تقليد الميت بنحو الكلية، لا خصوص عمرو،

 

===============

 

( 34 )

 

فإذا كان رأي بكر حجة فيها على عمومها امتنع في الرتبة اللاحقة جعل حجة أخرى عليها. ومن ذلك يظهر الفرق بين المقام وبين المثال المذكور. ومن ذلك أيضا يظهر أنه لو كان رأي بكر وجوب البقاء، وجب البقاء على تقليد زيد وإن كان رأي عمرو وجوب العدول أو جواز كل من البقاء والعدول. كما أنه لو كان رأي بكر جواز كل من البقاء والعدول، جاز البقاء على تقليد زيد والعدول عنه، وإن كان رأي عمرو وجوب البقاء أو وجوب العدول. ثم إن العدول هنا إنما يكون إلى الحي لا إلى الميت الثاني، لانه من التقليد الابتدائي للميت. فتأمل. ثم إنه يمكن أن يقرر المنع عن الرجوع إلى الميت في جواز البقاء وعدمه بوجه آخر، وهو أنه إذا رجع إلى الحي في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت، فالتقليد المأخوذ موضوعا في هذه القضية لابد أن يكون في غير هذه المسألة، لامتناع أخذ الحكم في موضوع نفسه، فيمتنع أن يفتي الحي بجواز البقاء على تقليد الميت في جواز البقاء على تقليد الميت، أو بحجية رأي الميت في حجية رأي الميت، فلابد أن يكون موضوع الحجية غير هذه المسألة. وهذا الاشكال قد أورد نظيره في عموم حجية الخبر للخبر بالواسطة، ودفع بما لا يطرد في المقام لما عرفت من أن الخصوصيات الموجبة للاختلاف مثل خصوصية كون الميت زيدا أو عمرا ليست دخيلة في القضية الشرعية التي يرجع فيها إلى المجتهد، فيلزم المحذور المتقدم. ومن هنا يظهر امتناع حجية رأي الميت في حجية رأي الميت، فكما يمتنع أن يكون ذلك بتوسط الرجوع إلى الحي يمتنع في نفسه أيضا، وأن امتناع ذلك في نفسه مانع من احتماله، ليصح الرجوع فيه إلى الحي، وان كان يمنع من الرجوع فيه إلى الحي ما عرفت آنفا من اجتماع تقليدين مترتبين في مسألة واحدة. ومن ذلك يظهر الوجه في قول المصنف (ره): لا يجوز البقاء

 

===============

 

( 35 )

 

[ (مسألة 16) عمل الجاهل المقصر الملتفت باطل وان كان مطابقا للواقع (1). ] على تقليده في هذه المسألة مع أنه (ره) قد تقدم منه جواز البقاء على تقليد الميت. للفرق بين هذه المسألة وغيرها من المسائل، بامتناع جعل حجية رأي الميت فيها وامكانه في غيرها، فإذا مات المجتهد الذى يفتي بجواز البقاء على تقليد الميت فمقلده لا يشك في عدم جواز البقاء على تقليده في هذه المسألة، وإنما الشك في جواز البقاء على تقليده في بقية المسائل. فلاحظ وتدبر. (1) قد تقدم هذا الحكم في المسألة السابعة، وحملناه على صورة عدم العلم بالمطابقة للواقع أو لرأي من رأيه حجة، لكون البطلان حينئذ عقليا. لكن هنا قد صرح بالبطلان ولو مع المطابقة للواقع. والوجه فيه - مضافا إلى نفي الاشكال والخلاف فيه ظاهرا، على ما ادعاه شيخنا الاعظم (ره) في مبحث العمل قبل الفحص من رسالة البراءة - ما ذكره (قده) في ذلك المقام من عدم تحقق نية القربة، لان الشاك في كون المأتي به موافقا للمأمور به كيف يتقرب به؟ وقال (ره) في مبحث الشبهة الوجوبية: " من قصد الاقتصار على أحد الفعلين ليس قاصدا لامتثال الامر الواقعي على كل تقدير. نعم هو قاصد لامتثاله على تقدير مصادفة هذا المحتمل له لا مطلقا، وهذا غير كاف في العبادات المعلوم وقوع التعبد بها.. " (* 1) إلى آخر ما ذكره في المقامين. ومحصله اعتبار الجزم بالنية في التعبد المعتبر في صحة العبادات. هذا ولكن التحقيق منع ذلك، لعدم ظهور بناء العقلاء عليه، وقد عرفت في أوائل الكتاب أن الاطاعة الاحتمالية كالاطاعة الجزمية في

 

 

____________

(* 1) التنبيه الثاني من تنبيهات الوجوبية من مبحث اشتباه المكلف به مع العلم بأصل التكليف.

 

===============

 

( 36 )

 

[ وأما الجاهل القاصر أو المقصر الذي كان غافلا حين العمل (1) وحصل منه قصد القربة، فان كان مطابقا لفتوى المجتهد الذي قلده بعد ذلك كان صحيحا (2). والاحوط مع ذلك مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل. (مسألة 17): المراد من الاعلم (3) من يكون أعرف ] كون صدور الفعل عن الارادة التكوينية الحاصلة للعبد بداعي إطاعة الارادة التشريعية المولوية، واحتمال الانطباق كالجزم به دخيلان في تأثير الارادة المتعلقة بمعلوم الفردية أو محتملها. ودعوى: أن الاقتصار على بعض المحتملات مع البناء على عدم فعل الباقي. يدل على أن الباعث ليس هو الارادة المولوية، وإلا لاثرت في غيره من المحتملات. (مندفعة): بامكان أن يكون قد منع من تأثيرها مانع من مشقة أو غيرها، ولذلك تختلف الواجبات في ترتب الاطاعة على العلم بوجوبها وعدمه. وأما دعوى نفي الاشكال والخلاف فلم يعتن بها شيخنا الاعظم (قده) في رسالته المعمولة في التقليد - على ما حكاه بعض الاكابر من تلامذته - فكيف الاعتماد عليها حينئذ؟. (1) المراد به الملتفت إلى الاحكام فلم يتعلم تهاونا حتى غفل حين العمل. ويقابله القاصر. (2) عملا بما دل على حجية رأيه ولو بعد العمل مع عدم ورود الشبهة المتقدمة. أما اعتبار مطابقته لرأي من يجب عليه تقليده حال العمل فلا دليل عليه فان أدلة الحجية لا تقتضي السببية، كما هو محقق في محله. (3) الظاهر أن المراد به الاعرف في تحصيل الوظيفة الفعلية، عقلية كانت أم شرعية. فلابد أن يكون أعرف في أخذ كل فرع من أصله.

 

===============

 

( 37 )

 

[ بالقواعد والمدارك للمسألة، واكثر اطلاعا لنظائرها وللاخبار وأجود فهما للاخبار، والحاصل أن يكون أجود استنباطا. والمرجع في تعيينه أهل الخبرة والاستنباط. (مسألة 18): الاحوط عدم تقليد (1) المفضول حتى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الافضل. (مسألة 19): لا يجوز تقليد غير المجتهد وان كان من أهل العلم (2). ] ولا يلزم فيه أن يكون أقرب إلى الواقع. كما لا يكفي ذلك إذا كان سالكا ما لا يجوز سلوكه من الطرق في مقام الاستنباط غفلة منه وقصورا، كما يوجد عند كثير من البسطاء ولو كان معذورا لقصوره. وأما حمل الاعلم على معنى أكثر علما وأوسع إحاطة بالمعلومات. فهو وان كان أقرب إلى معنى التفضيل المدلول لهيئة (أفعل) إلا أن الظاهر كونه غير مراد القائلين بوجوب تقليد الاعلم، ولا يقتضيه الدليل المتقدم عليه. فلاحظ. (1) قد تقدم (* 1) أنه مع اتفاق الآراء فالجميع حجة، والعمل المطابق لواحد منها مطابق للجميع، فكما بجوز العمل اعتمادا على رأي الافضل، يجوز اعتمادا على رأي المفضول أيضا، وكما يجوز الالتزام بالعمل بالاول، يجوز الالتزام بالعمل بالثاني أيضا. فاحتمال المنع عن الثاني غير ظاهر الوجه، الا إطلاق قولهم: لا يجوز تقليد المفضول. لكن لو تم الاطلاق، فليس معقدا لاجماع واجب العمل. (2) إجماعا. لعدم الدليل على حجية فتواه.

 

 

____________

(* 1) في المسألة: 8 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 38 )

 

[ كما أنه يجب على غير المجتهد التقليد (1) وان كان من أهل العلم. (مسألة 20): يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني كما إذا كان المقلد من أهل الخبرة وعلم باجتهاد شخص. وكذا يعرف بشهادة عدلين (2) من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد. وكذا يعرف باشياع المفيد للعلم (3). وكذا الاعلمية تعرف بالعلم أو البينة غير المعارضة، أو الشياع المفيد للعلم. ] (1) يعني: إذا لم يكن محتاطا، كما عرفت فيما سبق. (2) سيأتي (* 1) - إن شاء الله - في مبحث المياه تقريب العموم الدال على حجية البينة في المقام وغيره. (3) الفرق بينه وبين الاول من حيث السبب لا غير، وإلا فهما مشتركان في كون العلم هو الحجة وإن كانت عبارة المتن توهم غير ذلك. هذا وربما يقال بثبوته بخبر الثقة، لعموم ما دل على حجيته في الاحكام الكلية، إذ المراد منه ما يؤدي إلى الحكم الكلي، سواء كان بمدلوله المطابقي أم الالتزامي، والمقام من الثاني، فان مدلول الخبر المطابقي هو وجود الاجتهاد، وهو من هذه الجهة يكون إخبارا عن الموضوع، لكن مدلوله الالتزامي هو ثبوت الحكم الواقعي الكلي الذي يؤدي إليه نظر المجتهد. فان قلت: أدلة حجية خبر الثقة مختصة بالاخبار عن حس، ولا تشمل الاخبار عن حدس، ولذا لم تكن تلك الادلة دالة على حجية فتوى المجتهد مع أنها اخبار عن الحكم الكلي إلا أن مستنده الحدس. (قلت): الاخبار عن الا جتهاد من قبيل الاخبار عن الحس. نعم المدلول الالتزامي - وهو

 

 

____________

(* 1) في المسألة: 6 من الفصل المتعرض لاحكام ماء البئر

 

===============

 

( 39 )

 

[ (مسألة 21): إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما ولا البينة (1)، فان حصل الظن بأعلمية أحدهما تعين تقليده، بل لو كان في أحدهما احتمال الاعلمية يقدم، كما إذا علم أنهما إما متساويان أو هذا المعين أعلم ولا يحتمل أعلمية الآخر، فالاحوط تقديم من يحتمل أعلميته. ] الحكم الكلي - إنما كان بتوسط الحدس. لكن هذا المقدار لا يقدح في الحجية، لان الحس إنما يعتبر في المدلول المطابقي، لا في الملازمة التي يتوقف عليها ثبوت المدلول الالتزامي، وإلا فاخبار زرارة - مثلا - عن قول الامام الذى هو إخبار عن موضوع يكون أيضا إخبارا عن الحكم الكلي ويكون حجة على المجتهد، وربما يكون بتوسط حدس المجتهد الذى هو حجة عليه أيضا. وبالجملة: الاخبار عن الاجتهاد كالاخبار عن قول الامام، ودلالتهما على الحكم الكلي بالالتزام إنما يكون بتوسط الحدس، غاية الامر أن الحدس في الثاني من المجتهد وحجة عليه، والحدس في الاول من المجتهد وحجة على العامي المقلد له. وعلى هذا المبنى يكفي توثيق رجال السند بخبر الثقة. وكذا في إثبات المعنى باخبار اللغوي الثقة، كما حررنا ذلك في مبحث حجية قول اللغوي. ولو قلنا بحجية خبر الثقة في الموضوعات - كما عليه بناء العقلاء - فالحكم أظهر. لكنه محل تأمل، لامكان دعوى تحقق الردع عنه. وسيأتي (* 1) - إن شاء الله - التعرض لذلك في بعض المباحث. (1) هذه المسألة، تارة: تكون ثلاثية الاحتمالات، وأخرى: ثنائية. فالاولى: أن يحتمل كونهما متساويين، ويحتمل أعلمية زيد من عمرو مثلا، ويحتمل العكس. والثانية صورتان: الاولى: أن يعلم أعلمية أحدهما ويحتمل

 

 

____________

(* 1) في المسألة: 6 من الفصل المتعرض لاحكام البئر

 

===============

 

( 40 )

 

[ (مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور (1): البلوغ والعقل، والايمان والعدالة، والرجولية، والحرية - على قول - وكونه مجتهدا مطلقا، فلا يجوز تقليد المتجزئ، والحياة، فلا يجوز تقليد الميت ابتداء. نعم يجوز البقاء كما مر، وان يكون أعلم فلا يجوز - على الاحوط - تقليد المفضول مع التمكن من الافضل، وأن لا يكون متولدا من الزنا، وأن لا يكون ] كونه زيدا ويحتمل كونه عمرا أيضا. والثانية: أن يحتمل تساويهما ويحتمل أعلمية زيد لا غير. والحكم في الاولى التخيير مع تساوي الاحتمالات. وأن كان مقتضى القاعدة الاخذ بأحوط القولين، لان الاعتماد على كل واحد من القولين اعتماد على مشكوك الحجية، إلا أن الظاهر الاتفاق على عدم وجوب الاحتياط المذكور وعلى جواز الرجوع إلى أيهما شاء. ولو ظن أن أحدهما بعينه أعلم ففي الترجيح بالظن إشكال، لعدم الدليل عليه بعد ما لم يكن معتبرا في نفسه. اللهم إلا أن يكون احتمال الترجيح به موجبا لكون رأي مظنون الاعلمية معلوم الحجية، ورأي الآخر مشكوك الحجية، فيتعين الاول، كما في جميع موارد الدوران بين التعيين والتخيير في الحجية. ومنه يظهر الحكم في الصورة الثانية، فانه - لعدم المرجح، وعدم محتمل المرجحية - يتعين التخيير، بناء على ما عرفت آنفا من الاتفاق فتوى على جواز رجوع الجاهل إلى العالم وإن أمكن الاحتياط، حتى في مثل المقام. وأما الصورة الثالثة: فلا ينبغي التأمل في تعين محتمل الاعلمية للمرجعية للدوران بين التعيين والتخيير الذى يجب فيه عقلا الاخذ بمحتمل التعيين. (1) قد أشرنا سابقا إلى أن جواز التقليد في الجملة لابد أن يكون بغير التقليد، وإلا لزم الدور أو التسلسل. فإذا لابد أن يستند جواز التقليد

 

===============

 

( 41 )

 

[ مقبلا على الدنيا وطالبا لها مكبا عليها مجدا في تحصيلها، ففي الخبر: " من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه ". ] - في الجملة - إلى الاجتهاد. ومستند هذا الاجتهاد بناء العقلاء عليه مع الغفلة عن احتمال الردع أو القطع بعدمه ولو بالاضافة إلى شخص معين بخصوصه، لاجتماع جميع ما يحتمل اعتباره شرعا فيه، مثل كونه بالغا، عاقلا، عادلا، حيا، أفضل.. إلى غير ذلك. فهذا البناء المرتكز في نفس العامي هو المسوغ له الرجوع إلى غيره في الخصوصيات المعتبرة في المفتي، فإذا رجع إلى غيره أفتى له بما يقتضيه نظره الحاصل له من مراجعة الادلة المستفاد منها شرائط التقليد، ويكون عمله حينئذ على ما تقتضيه فتواه عموما أو خصوصا. وهذا ولاجل أن من أدلة جواز التقليد بناء العقلاء عليه في الجملة، فهذا البناء محكم مهما تحقق في مورد من الموارد والعمل عليه متعين، إلا مع ثبوت الردع عنه. وحينئذ نقول: لا ينبغي التأمل في عدم الفرق في بناء العقلاء بين البالغ وغيره إذا كان غير البالغ قد حاز مراتب الفضل حتى صار كالبالغ، فاعتبار البلوغ في المفتي لابد أن يكون بدليل شرعي يكون رادعا عن إطلاق بناء العقلاء، وليس هو الا الاجماع إن تم. ومجرد كونه محجورا عن التصرف ومرفوعا عنه القلم، ومولى عليه وعمده خطأ، ونحو ذلك. لا يصلح رادعا لانه لا يوجب إلا الاستبعاد المحض كيف؟! وربما كان غير البالغ حائزا مرتبة النبوة أو الامامة فكيف لا يصلح أن يحوز منصب الفتوى؟! اللهم إلا أن يقوم الدليل على كون منصب الفتوى محتصا بالمعصوم وبمن يجعله له، فالشك في الجعل كاف في المنع. لكنه خلاف إطلاق الادلة، ولاسيما بناء العقلاء.

 

===============

 

( 42 )

 

وأما اعتبار العقل: فأمره ظاهر عند العقلاء، فضلا عن المتشرعة، فقد قيل: إنه مما أجمع عليه الخلف والسلف. نعم المجنون الادواري في حال إفاقته لا مانع عند العقلاء من الرجوع إليه، وحكي القول به عن بعض متأخري المتأخرين كصاحبي المفاتيح والاشارات، ولا بأس به إن لم ينعقد الاجماع على خلافه. لعموم الادلة أيضا. وأما اعتبار الايمان: فغير ظاهر عند العقلاء. نعم حكي عليه إجماع السلف الصالح والخلف. وهو العمدة فيه، دون مثل قول أبي الحسن (ع) فيما كتبه لعلي بن سويد: " لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فانك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وخانوا أماناتهم، إنهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه.. (. 1) وقول أبي الحسن الثالث (ع) فيما كتبه لاحمد بن حاتم بن ماهويه واخيه: فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، وكل كثير القدم في أمرنا، فانهما كافوكما إن شاء الله ". (* 2) إذ الظاهر من الاول كون المانع عدم الايتمان لا مجرد اعتقاد الخلاف. مع أن منصرفه القضاة الذين كانوا يعتمدون على القياس ونحوه من الحجج الظنية في مقابل فتوى المعصومين (ع) وليس مثلهم محل الكلام. والثاني محمول على الاستحباب للاجماع القطعي على خلاف ظاهره. وأما اعتبار العدالة: فهو كسابقه عند العقلاء. لكنه المعروف بين الاصحاب بل هو إجماع كما قيل. وهو العمدة - لو تم - دون مثل آية النبأ إذ هي في الخبر لا في الفتوى. مع أن مقتضى الجمع بينها وبين ما دل على اعتبار الوثوق وكفايته في حجية الخبر، حمل التبين فيها على الوثوق. وكذا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 43. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 46.

 

===============

 

( 43 )

 

خبر الاحتجاج المروي عن تفسير العسكري (ع) (* 1) الآتي ذكره (* 2) فانه - مع ضعفه في نفسه - ظاهر في اعتبار الامانة والوثوق، كما يظهر من ملاحظته بتمامه. مع أن مورده أصول الدين التي لا يجوز فيها التقليد ولا يقبل فيها الخبر تعبدا، فلابد من حمله على غير التقليد الذي هو محل الكلام. وكأنه لاجل ذلك ونحوه جوز بعض تقليد الفاسق المأمون عملا باطلاق الادلة وان كان هو مما لا ينبغي، لانه خلاف المتسالم عليه بين الاصحاب، ومخالف للمرتكز في أذهان المتشرعة، بل المرتكز عندهم قدح المعصية في هذا المنصب على نحو لا تجدي عندهم التوبة والندم، فالعدالة المعتبرة عندهم مرتبة عالية لا تزاحم ولا تغلب. والانصاف أنه يصعب جدا بقاء العدالة للمرجع العام في الفتوى - كما يتفق ذلك في كل عصر لواحد أو جماعة - إذا لم تكن بمرتبة قوية عالية ذات مراقبة ومحاسبة، فان ذلك مزلة الاقدام ومخطرة الرجال العظام. ومنه سبحانه نستمد الاعتصام. وأما اعتبار الرجولة: فهو أيضا كسابقه عند العقلاء. وليس عليه دليل ظاهر غير دعوى انصراف اطلاقات الادلة إلى الرجل واختصاص بعضها به. لكن لو سلم فليس بحيث يصلح رادعا عن بناء العقلاء. وكأنه لذلك أفتى بعض المحققين بجواز تقليد الانثى والخنثى. وأما اعتبار الحرية: فهو المحكي عن جماعة - منهم ثاني الشهيدين - بل قيل: انه مشهور. لكن مقتضى بناء العقلاء وغيره من المطلقات عدمه. وبعض الاستحسانات المقتضية لاعتبارها، مثل كونه مملوكا لا يقدر على شئ وكونه مولى عليه، لا تصلح للاعتماد عليها في الردع وتقييد المطلق. وأما كونه مجتهدا مطلقا: فاعتباره هو المعروف المدعى عليه الوفاق

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب صفات القاضي حديث: 20 (* 2) في كلام الماتن في هذه المسألة

 

===============

 

( 44 )

 

أو الاجماع فلا يصح تقليد المتجزئ. لكنه غير ظاهر الدليل. لعموم بناء العقلاء له. وكذا مشهورة أبي خديجة عن الصادق (ع): إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا (قضايانا خ ل) فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه (* 1). وسندها لا يخلو من اعتبار. وكونها في القضاء لا يمنع من الاستدلال بها في المقام، لان منصب القضاء منصب للفتوى ولا عكس، فما دل على عدم اعتبار شئ في القاضي يدل على عدم اعتباره في المفتي. ودعوى: أن ما يعلم من المعصوم ليس من الاجتهاد، ولم يكونوا يحتاجون في تلك الازمنة إلى الاجتهاد. كما ترى! ولا سيما وان ذلك يمنع من التمسك بالنصوص على نفوذ القضاء، لاشتراك الجميع في الاشكال المذكور. ومثلها في الاشكال دعوى معارضتها بمقبولة عمر بن حنظلة: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث.. (إلى أن قال): قال (ع) ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما.. " (* 2). لظهور قوله (ع): " حلالنا وحرامنا.. وأحكامنا " في العموم. وجه الاشكال: أن قوله (ع): " روى حديثنا " ليس المراد منه كل حديث لهم (ع) فان ذلك مقطوع بخلافه لتعذر ذلك، ولا سيما في زمان صدور الرواية، فيمتنع أخذه شرطا في القضاء، فيتعين أن يكون المراد أحاديثهم عليهم السلام في الجملة، فيكون المراد من قوله (ع): " ونظر في حلالنا وحرامنا " أنه نظر في الحلال والحرام اللذين تضمنتهما الاحاديث التي رواها، لا عموم الحلال والحرام، وكذلك المراد من احكامهم (ع)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب صفات القاضي حديث: 5 (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 1 وقد تقدم قسم منه في مسألة: 12.

 

===============

 

( 45 )

 

يعني: الاحكام التي عرفها بعد النظر في الحلال والحرام اللذين تضمنتهما الاحاديث، فيتعين أن يكون المراد بعض الاحكام لا جميعها. مضافا إلى الاجماع على عدم اعتبار رواية جميع أحاديثهم ولا النظر في جميع حلالهم وحرامهم، حتى من القائلين باعتبار الاجتهاد المطلق لاجتزائهم بالنظر في الجملة. فيتعين حمل الحديث والحلال والحرام على الجنس الصادق على البعض وهكذا الحال في معرفة أحكامهم. وحمل المعرفة على الملكة - كما يدعيه القائلون باعتبار الاجتهاد المطلق - مع أنه خلاف ظاهر المعرفة - تفكيك بين فقرات الرواية، يأباه سياقها. فلاحظ وتأمل. ولو أغمضنا النظر عن ذلك كله فلا أقل من عدم صلاحية المقبولة لمعارضة رواية أبي خديجة، لامكان حملها على مالا ينافيها عرفا، فيتعين في مقام الجمع العرفي بينهما، ويكون العمل على ظاهر رواية أبي خديجة بلا مانع. نعم لو فرض ملازمة الافضلية للاجتهاد المطلق تعين تقليد المجتهد المطلق عند الدوران بينه وبين المتجزئ. لكن الفرض المذكور غير ظاهر مع أن الكلام في الشرطية مطلق ولو مع عدم وجود المجتهد المطلق. هذا كله بناء على إمكان التجزي في الاجتهاد - كما لعله المشهور والمنصور - لاختلاف مراتب الملكة قوة وضعفا، كاختلاف المسائل وضوحا وخفاء. أما بناء على امتناعه فلا ثمرة عملية للنزاع المذكور. وأما اعتبار الحياة: فقد تقدم الكلام فيه، وأن العمدة فيه الاجماع المفقود في الاستمراري منه على ما عرفت. وأما اعتبار الاعلمية: فقد تقدم الكلام فيه أيضا وأنه الذي يقتضيه الاصل وبناء العقلاء. وأما طهارة المولد: فهي داخلة في الايمان بناء على كفر المتولد من الزنا، أما بناء على خلافه فلا دليل على اعتبارها غير الاصل المحكوم ببناء

 

===============

 

( 46 )

 

[ (مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة اتيان الواجبات وترك المحرمات (1). ] العقلاء. نعم عن الروضة دعوى الاجماع عليه. وعليه فهو المعتمد. وأما اعتبار أن لا يكون مقبلا على الدنيا: فان أريد من الاقبال على الدنيا ما ينافي العدالة أغنى عن اعتباره اعتبارها، وان أريد غير ذلك فدليله غير ظاهر. ولذا لم أقف على من ذكره بخصوصه. وأما الخبر الذي ذكره المصنف (* 1) فقد عرفت أنه المروي عن تفسير العسكري (ع)، وقد ذكره شيخنا الاعظم (ره) في أدلة حجية الخبر. وقد عرفت الاشكال في سنده، وفي كونه فيما نحن فيه من التقليد في الفروع. وفي دلالته على اكثر من اعتبار الامانة والوثوق، كما يظهر ذلك من ملاحظة مجموع الفقرات، وان كان الجمود على الفقرة الاخيرة يقتضي ظهوره في اعتبار العدالة. فلاحظ وتأمل. والله سبحانه هو الموفق. (1) كما نسب إلى المشهور بين المتأخرين، بل إلى المشهور مطلقا، بل إلى العلماء، أو الفقهاء، أو المخالف والمؤالف. وعن ظاهر الحلي وغيره: أنها مجرد ترك المعاصي، أو خصوص الكبائر. وعن ظاهر المقنعة وغيرها: أنها الاجتناب عن المعاصي عن ملكة. ومقتضى الجمود على عبارة الاول أنه بحسب المورد أعم من وجه من الثاني، وأعم مطلقا من الثالث. إلا أن الاتفاق ظاهرا على ثبوت الفسق بارتكاب الكبيرة يقتضي أن يكون المراد من الاول الملكة الباعثة فعلا على الطاعات وترك المعاصي، فيكون أخص موردا من الثاني ومساويا للثالث. وهناك أقوال أخر - على تقدير ثبوتها - نادرة تأتي الاشارة إلى بعضها. وكيف كان فقد استدل على الاول بصحيح عبد الله بن أبي يعفور:

 

 

____________

(* 1) تقدمت الاشارة إلى مصدره قريبا.

 

===============

 

( 47 )

 

" قلت لابي عبد الله (ع): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال (ع): أن تعرفوه بالستر والعفاف، وكف البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك. والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه.. " (* 1). وتقريب الاستدلال به: أن ظاهر السؤال فيه وان كان السؤال عن الطريق إلى العدالة بعد معرفة مفهومها، لكن يتعين حمله على السؤال عن مفهومها بقرينة ما في الجواب، فان الستر والعفاف المذكورين فيه من سنخ الملكات، وكف البطن وما بعده من سنخ الافعال، فلو كان ذلك طريقا إلى العدالة لزم كونها أمرا آخر وراء ما ذكر، وهو مما لم يقل به أحد، ولا يمكن الالتزام به، فيتعين لذلك حمل السؤال على السؤال عن مفهومها، لجهل السائل به الموجب للجهل بوجودها. ويشهد لذلك أيضا قوله (ع): والدلالة على.. فانه كالصريح في كونه واردا لبيان الطريق. فان كان المراد منه بيان الطريق إلى العدالة، فحمل الاول على بيان الطريق أيضا يلزم منه أن يكون المقصود جعل طريقين إلى العدالة، ولاجل أن الاول أخص يكون لغوا. وان كان المراد منه الطريق إلى الاول فيكون طريقا إلى الطريق فهو - مع بعده في نفسه - ينافيه قوله (ع) بعده: ويجب عليهم تزكيته واظهار عدالته " فانه ظاهر في كونه طريقا إلى العدالة لا طريقا إلى الطريق إليها. ويناسب ما ذكرنا جدا اختلاف التعبير، فانه عبر في الصدر بالمعرفة المشاكلة للتعبير في السؤال وفي الذيل بالدلالة المخالفة له، فيدل ذلك كله على أن المعرفة في السؤال وفي الصدر بمعنى معرفة المفهوم، وان الدلالة في الذيل بمعنى معرفة وجود

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 41 من كتاب الشهادات حديث: 1.

 

===============

 

( 48 )

 

المفهوم. وبذلك تعرف أن قوله (ع): " ويعرف باجتناب. " متمم للتعريف الاول، لا طريق إليه. ولاسيما بملاحظة ما بينهما من الاشتراك، فان كف البطن.. راجع إلى اجتناب جملة من الكبائر. ولاجل ذلك أيضا يمتنع أن يكون طريقا إلى العدالة لو حمل الاول على بيان المفهوم. والمتحصل مما ذكرنا: أن الرواية الشريفة صدر الجواب فيها ظاهر في بيان مفهوم العدالة، وما بعده ظاهر في بيان الطريق إلى المصداق، فان حمل السؤال على السؤال عن المفهوم - بقرينة صدر الجواب، لما بينه وبين السؤال من المشاكلة في التعبير - كان بيان الطريق في الذيل تفضلا من الامام (ع)، وإن حمل على السؤال عن الطريق إلى المصداق كان ما في الصدر من بيان المفهوم تفضلا أو تمهيدا للجواب. ومن ذلك يظهر ضعف ما تقدم عن الحلي وغيره، بل صريح الكفاية أنه الاشهر، قال (ره): " والاقرب الاشهر في معنى العدالة أن لا يكون مرتكبا للكبائر ولا مصرا على الصغائر، ونحوه في النسبة إلى الاشهر ما في البحار ومال إليه شيخنا الاعظم (ره) في صلاة الجماعة، عملا بظاهر السؤال في كونه سؤالا عن الطريق إلى العدالة، فيكون الستر والعفاف المذكوران في الجواب طريقا إليها لانفسها. ولا ينافيه قوله (ع) في الجواب: " ويعرف باجتناب.. " لان المراد به الاجتناب الظاهر للناس عند معاشرته، فيختص بالمعاصي الظاهرة مثل قتل المسلم، واهانة المؤمنين وشتمهم ونحو ذلك، فيكون المقصود جعل الاجتناب عن هذه المعاصي طريقا إلى الاجتناب عن جميع المعاصي حتى الخفية، مثل الافطار في الخلوات ونكاح الحائض والسرقة عند الفرصة وبغض المؤمنين. وتوضيح الاشكال عليه: أن كف البطن وما عطف عليه راجع إلى الاجتناب عن جملة من الكبائر، فإذا كان الستر والعفاف طريقا إلى العدالة

 

===============

 

( 49 )

 

تعين أن يكون اجتناب المعاصي كذلك، فكيف يمكن أن تكون نفس الاجتناب؟! مضافا إلى أن حمل الاجتناب في قوله (ع): ويعرف باجتناب.. " على الاجتناب الظاهر للناس عند المعاشرة خلاف الظاهر، وخلاف ظاهر الكبائر في العموم للكبائر الخفية. مع أنه يلزم رجوعه إلى قوله (ع): " والدلالة على.. " لان المراد منه الاجتناب في الظاهر وظاهر الرواية مخالفة له، فان الدال غير المدلول عليه، وجعل المدلول عليه نفس العدالة لا الاجتناب - فيكون الطريق إلى العدالة كلا من الامرين - خلاف الظاهر جدا. مع أنه يلزم منه لغوية الثاني لكونه أخص. نعم يبقى الاشكال في الرواية من جهة الاقتصار فيها على الستر والعفاف وعدم التعرض فيها لبقية الملكات الباعثة على التقوى، ومن جهة عدم التعرض فيها لفعل الواجبات. لكن لا يبعد - ولو بقرينة النصوص الاخر التي تشير إلى بعضها - أن يكون المراد من الستر الاستحياء من فعل المعصية مطلقا، ومن العفاف التعفف عن عامة المعاصي. كما أنه لا يبعد أن يكون ترك ذكر الواجبات لان ترك الواجبات من الكبائر، كما في صحيح عبد العظيم (ره) (* 1) فيكون قد اكتفى عنه بذكر الكبائر. مع أن الاجماع على اعتبارها، وما يظهر من مثل رواية علقمة (* 2) الآتية، بل من ذيل الصحيح المذكور - فتأمل - كاف في إثبات اعتبارها فيها. ومثل الصحيح المذكور موثقة ابن أبي يعفور عن أخيه عن أبي جعفر (ع): تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كن مستورات من أهل البيوتات معروفات بالستر والعفاف مطيعات للازواج تاركات البذاء والتبرج

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 46 من ابواب جهاد النفس حديث: 2 (* 2) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 13.

 

===============

 

( 50 )

 

إلى الرجال في أنديتهم " (* 1). ويعضدهما في الدلالة على اعتبار الملكة كثير من النصوص، مثل ما دل على قبول شهادة الرجل لولده أو والده أو امرأته إذا كان خيرا (* 2)، وما دل على قبول شهادة المكاري والجمال والملاح إذا كانوا صلحاء (* 3)، وما دل على قبول شهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا (* 4)، وما ورد في تفسير قوله تعالى: (ممن ترضون من الشهداء): أنه ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته (* 5).. إلى غير ذلك. وحمل هذه النصوص على كون الملكات المذكورة ملازمة لموضوع الحكم لانفسه، خلاف الظاهر ولا موجب له. ومن ذلك كله يظهر لك أيضا ضعف القول بكونها حسن الظاهر - كما نسب إلى جماعة - أو الاسلام مع عدم ظهور الفسق، كما عن ابن الجنيد وكتاب الاشراف للمفيد، وان استدل لذلك بصحيح حريز: " إذا كان أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا " (* 6) وما في صحيح ابن المغيرة: " كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته " (* 7)، ونحوه ما في غيره، ومرسل يونس: " إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته، ولا يسأل عن باطنه " (* 8)، وما في رواية علقمة: " فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 19 (* 2) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 34 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 1 (* 4) الوسائل باب: 29 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 3 (* 5) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 22 (* 6) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 17 (* 7) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 5 (* 8) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 3.

 

===============

 

( 51 )

 

أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة وان كان في نفسه مذنبا " (* 1).. إلى غير ذلك. فانه مع إمكان المناقشة في دلالة بعضها يتعين حملها - بعد تقييد بعضها ببعض - على كون حسن الظاهر طريقا إلى العدالة شرعيا، جمعا بينها وبين ما تقدم. كما يشهد به أيضا ما في رواية أحمد بن عامر الطائي قال رسول الله صلى الله عليه وآله " من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته وظهرت عدالته " (* 2) ونحوها رواية ابن سنان (* 3)، فهذه النصوص واردة في مقام الاثبات لا في مقام الثبوت. فلاحظ وتأمل. والله سبحانه ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل. ثم إن ملكة العدالة من الستر والعفاف والصلاح ونحوها مما ذكر في النصوص ذات مراتب متفاوتة جدا تفاوت سائر الملكات بالقوة والضعف، يكفي في ثبوتها أدنى مراتبها، ولا ينافي وجودها ارتكاب المعصية ولو كانت كبيرة لجواز غلبة المزاحم من قوتي الشهوة والغضب عليها، كما لا ينافي وجود سائر الملكات - كملكتي الشجاعة والكرم - تخلف مقتضاها أحيانا، ولذا قيل: " إن الجواد قد يكبو والسيف فد ينبو ". وليس المراد منها خصوص المرتبة العالية التي لا يتخلف مقتضاها، ولا يغلبها المزاحم. فان ذلك خلاف اطلاق الادلة، ويستوجب ندرة وجودها جدا بل يمتنع إحراز وجود هذه المرتبة في اكثر الاعصار، فيلزم منه تعطيل الاحكام واختلال النظام، ولذا قال الصادق (ع) في رواية علقمة: " لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت الا شهادة الانبياء والاوصياء (ع)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 13. (* 2) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 14 (* 3) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 15.

 

===============

 

( 52 )

 

لانهم المعصومون دون سائر الخلق " (* 1). وقد ورد في جملة من النصوص قبول شهادة المحدود بعد توبته (* 2)، وجملة منها واردة في خصوص القاذف بعد التوبة (* 3). وبالجملة: عدم اعتبار المرتبة العالية في ترتب أحكام العدالة مما لا ريب فيه إجماعا ونصا وسيرة. نعم لا يكفي أقل مراتب وجودها إذا كان بنحو لا يصدق الستر والعفاف والصلاح، ونحو ذلك من العناوين المذكورة في النصوص التي تقدم بعضها. لظهور النصوص المذكورة في اعتبار الاوصاف المذكورة في العدالة مفهوما - كما عرفت - بحيث لا تصدق مع فقدها وان كان للمكلف حالة تبعثه على فعل الطاعة، كما هو الحال في كثير من الفساق، فان التدين بالدين الاسلامي. واعتقاد المعاد، والثواب، والعقاب، والجزاء على الاعمال - ان خيرا فخير وان شرا فشر - يستوجب حدوث حالة مقتضية لفعل الطاعات، والانزجار عن المعاصي، لكنها فيهم مغلوبة للقوى المزاحمة، فكلما عرضت لهم المعصية وقعوا فيها، لقوة الشهوة أو الغضب فيهم على نحو تغلب تلك الحال الخاصة المقتضية للطاعة، ومع سكون القوة المزاحمة من الشهوة والغضب يحصل لهم حالة الندم مع الالتفات إلى تقصيرهم. لكن لما كان ذلك غالبيا لهم لا يصدق في حقهم الستر والعفاف والصلاح ونحو ذلك، بل يصدق خلافها. نعم لو كان ذلك - أعني الوقوع في المعصية - نادرا لقلة الابتلاء، أو لقصور الفاعل عن الفعل الحرام، أو لضعف الشهوة المزاحمة - لمرض أو هرم أو تشويش بال أو نحو ذلك - كفى ذلك في صدق الستر ونحوه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث: 13 (* 2) الوسائل باب: 37 من كتاب الشهادات. (* 3) الوسائل باب: 36 من كتاب الشهادات.

 

===============

 

( 53 )

 

عرفا، وتحققت العدالة، وجاز ترتيب أحكامها، كما يوجد في كثير من النساء والفقراء، فان سترهم وعفافهم لا يكون لقوة الملكة الباعثة على التقوى، بل لفقد المزاحم. ومن ذلك تعرف أن العدالة في الملوك ونحوهم من أهل الحول والطول إنما تكون - غالبا - لقوة الحال الباعثة، وفي غيرهم من الضعفاء فد تكون لذلك، وقد تكون لعدم المزاحم للحال الباعثة على التقوى مع كونها ضعيفة جدا. والمتحصل مما ذكرنا أمور: (الاول): اعتبار الملكة في العدالة. (الثاني): عدم اعتبار كونها بمرتية لا يغلبها المزاحم بنحو يستوجب العصمة. (الثالث): أنه لا يكفي أدنى مراتبها إذا كان بنحو لا يصدق الستر والصلاح. (الرابع): أن من لوازم الملكة المذكورة حصول الندم بعد فعل المعصية والالتفات إلى ذلك، وان كانت الملكة بمرتبة دانية ضعيفة جدا، فإذا لم يحصل الندم بعد الالتفات إلى فعل المعصية كشف ذلك عن عدم الملكة كما يتفق ذلك نادرا من بعض الفساق المتمردين. هذا والمراد باجتناب المعاصي المعتبر في العدالة نصا وإجماعا - كما عرفت - أن لا يكون مطالبا بالمعصية حال الابتلاء ببعض آثار العدالة وأحكامها - كالايتمام والشهادة والولاية وغيرها - اما بأن لا يكون عاصيا أصلا، أو يكون عاصيا فيتوب. للاجماع والنصوص على عدم جواز ترتيب آثار العدالة على العصاة قبل التوبة وجواز ترتيبها بعدها (* 1). ويشهد به أيضا قوله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا) (* 2) وبمضمونها جملة من النصوص أشرنا إلى بعضها آنفا،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب صلاة الجماعة، وباب من باب: 30 إلى: 37، وباب: 41 من كتاب الشهادات. (* 2) النور: 54.

 

===============

 

( 54 )

 

[ وتعرف بحسن الظاهر الكاشف (1) عنها علما أو ظنا، وتثبت بشهادة العدلين وبالشياع المفيد للعلم. ] وهي مذكورة في بعض أبواب شهادات الوسائل فراجعها. مضافا إلى ما دل على قبول التوبة، وأنها ماحية للذنوب، من الآيات (* 1) والروايات (* 2). فلاحظ وتأمل. هذا وفي المقام مباحث شريفة، منها البحث عن اعتبار الاجتناب عن منافيات المروأة في العدالة، والبحث عن انقسام المعصية إلى كبيرة وصغيرة، والميزان الفارق بينهما، وطريق إثبات كون المعصية كبيرة، وغير ذلك. تركنا التعرض لها اعتمادا على التعرض لها عند تعرض المصنف (ره) في شرائط الامام من مباحث صلاة الجماعة. والله سبحانه ولي التوفيق. (1) إعلم أن الطريق إلى إثبات العدالة أمور: الاول: العلم الوجداني، سواء أحصل من حسن الظاهر، أم من الشياع، أم من غيرهما. ولا إشكال في كونه طريقا إليها، لكونه حجة بالذات في نظر العقل، كما هو محرر في محله. الثاني: البينة بلا إشكال ظاهر، وهو واضح بناء على عموم حجيتها، كما سيأتي تقريبه في مباحث المياه (* 3) إن شاء الله. أما بناء على عدمه فقد تستفاد حجيتها في المقام - مما في ذيل صحيح ابن أبي يعفور المتقدم (* 4) من قوله (ع): " فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالو ما رأينا منه إلا

 

 

____________

(* 1) وهي كثيرة يسهل الاطلاع عليها بالاستعانة بمعاجم الآيات. (* 2) الوسائل باب: 47، 82، 83، 85، 86، 89، 92، من ابواب جهاد النفس ويوجد في أبواب أخر أيضا (* 5) في مسألة: 6 من الفصل المتعرض لاحكام البشر (* 4) راجع أوائل شرح المسألة السابقة.

 

===============

 

( 55 )

 

خيرا " بضميمة الاجماع على عدم اعتبار اكثر من البينة، ومما في خبر جابر عن أبي جعفر (ع): " شهادة القابلة جائزة على أنه استهل أو برز ميتا إذا سئل عنها فعدلت (* 1)، وما في رواية علقمة: " فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر (* 2) - بالفحوى، أو بضميمة عدم الفصل بين الفسق والعدالة. هذا وفي اعتبار حصول الوثوق بصدقها، أو الظن به، أو عدم الظن بالخلاف، أو عدم اعتبار شئ من ذلك، وجوه مبنية على ثبوت إطلاق يعتمد عليه في اثبات الحجية وعدم انصرافه إلى شئ من ذلك، وعدمه. والظاهر عدم الفرق بين الشهادة الفعلية والقولية. الثالث: حسن الظاهر. ويشهد له كثير من النصوص المتقدم بعضها (* 3) مثل ما في صحيح ابن أبي يعفور من قوله (ع): " والدلالة على ذلك.. " وما في رواية علقمة، وما في رواية أحمد بن عامر الطائي وما في رواية ابن سنان، وغيرها. ومقتضى إطلاقها حجية حسن الظاهر وان لم يفد الظن بل وان كان الظن على خلافه. لكن يجب تقييدها بما في مرسل يونس من قول الصادق (ع): فإذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه " (* 4). وارساله لا يقدح بعد كون المرسل من أصحاب الاجماع. ورواية المشايخ الثلاثة - قدس سرهم - له في كتبهم بأسانيد مختلفة، وفيهم جماعة من الاعاظم، كأحمد بن محمد ابن عيسى، وعلي بن ابراهيم وغيرهما، واعتماد المشهور عليه في بعض

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من كتاب الشهادات حديث: 39. (* 2) الوسائل باب: 41 من كتاب الشهادات حديث: 13. (* 3) في شرح المسألة السابقة (* 4) الوسائل باب: 41 من كتاب الشهادات حديث: 3.

 

===============

 

( 56 )

 

مضمونه، فان مجموع ذلك مما يستوجب الوثوق المدخل له تحت دليل الحجية. وأما التقييد بالظن - كما في المتن - فليس عليه دليل ظاهر. وأما خبر ابراهيم الكرخي " من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنوا به خيرا وأجيزوا شهادته " (* 1). فالامر فيه بالظن وان كان ظاهرا في لزوم ترتيب أثر الظن، لكنه لا يقتضي تقييد حجية الظاهر بالظن، وإنما يدل على حجية الظاهر كالظن، فهو باطلاقه من أدلة حجية الظاهر مطلقا كالظن، ولا يصلح لتقييد حجيته بالظن. ولا يبعد أن يكون المراد من كونه مأمونا كونه موجبا للامن فعلا، والحمل على الامن النوعي محتاج إلى قرينة مفقودة. الرابع: الوثوق بها وان لم يكن مستندا إلى ظاهر حسن. وقد يشهد له رواية أبي علي بن راشد: " لا تصل إلى خلف من تثق بدينه " (* 2) ونحوها رواية يزيد بن حماد (* 3). لكن مع أن المنصرف إليه من الدين الاصول لا الفروع، محمول على ذلك بقرينة السؤال. نعم رواها الشيخ (قده) بزيادة " وأمانته " ولا يجري فيها الاشكال المذكور. لكن التعدي عن الايتمام إلى سائر الاحكام لا يخلو من تأمل. وان كان هو الاقرب، ولاسيما بملاحظة مرسل يونس المتقدم، فان الارتكاز العقلائي يناسب كون الوجه في الحجية هو الامن لا الخصوصية في حسن الظاهر. فلاحظ. وعن بعض: حجية مطلق الظن. وكأنه لرواية ابراهيم الكرخي. وقريب منه مرسل الفقيه: من صلى الصلوات الخمس في جماعة فظنوا به كل خير (* 4). وفيه: أنه لو تم حمل الظن على ما هو محل الكلام

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 41 من كتاب الشهادات حديث: 12. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب صلاة الجماعة حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 12 من ابواب صلاة الجماعة حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 1 من ابواب صلاة الجماعة حديث: 6.

 

===============

 

( 57 )

 

[ (مسألة 24): إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب على المقلد العدول إلى غيره (1). (مسألة 25): إذا قلد من لم يكن جامعا ومضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلد أصلا (2). ] يتعين تقييده بخبر ابن راشد بل ومرسل يونس بالاولوية، فيحمل على الظن الاطمئناني. وأما الشياع الموجب للعلم: فليس بحجة، وانما الحجة هو العلم لا غير كما تقدم في نظيره. والمتحصل مما ذكر: أن طرق العدالة ثلاثة: العلم، والبينة، والوثوق، سواء أحصل من حسن الظاهر أم من غيره. ومنه تعرف الاشكال فيما ذكره المصنف (قده) عبارة ومؤدى. والله سبحانه الهادي. (1) قال في الفصول: " ولو تسافل المجتهد عن الاجتهاد، أو صار مجنونا مطبقا، ففي الحاقه بالميت في الحكم السابق وجهان أظهرهما ذلك.. " ولكن الذي يظهر من بعض أدلة وجوب العدول عن الميت: أن وجوب العدول هنا من المسلمات. والذي تقتضيه القواعد ما ذكره في الفصول، وكذا في بقية موارد طرؤ فقد الشرائط، إذ أكثر ما قدم في جواز البقاء على تقليد الميت جار بعينه هنا. نعم لا يطرد بعضه في المقام، ولكن ذلك لا يهم بعد اطراد غيره. فما لم ينعقد إجماع معتبر على وجوب العدول ينبغي الرجوع إلى ما تقدم في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت (* 1)، فان المسألتين من باب واحد. (2) لبطلان التقليد بفقد شرطه.

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 9.

 

===============

 

( 58 )

 

[ فحاله حال الجاهل القاصر أو (1) المقصر. (مسألة 26): إذا قلد من يحرم البقاء على تقليد الميت فمات، وقلد من يجوز البقاء، له أن يبقى على تقليد الاول في جميع المسائل الا مسألة حرمة البقاء (2). (مسألة 27): يجب على المكلف العلم بأجزاء العبادات وشرائطهما وموانعها ومقدماتها (3)، ولو لم يعلمها لكن علم أجمالا ان عمله واجد لجميع الاجزاء والشرائط وفاقد للموانع صح (4) وان لم يعلمها تفصيلا. (مسألة 28): يجب تعلم مسائل الشك والسهو بالمقدار الذي هو محل الابتلاء غالبا (5). نعم لو اطمأن من نفسه أنه لا يبتلي بالشك والسهو صح عمله (6) وان لم يحصل العلم بأحكامهما. ] (1) حرف العطف للتقسيم لا للترديد. (2) كما تقدم في المسألة الخامسة عشرة. (3) هذا الوجوب عقلي أو فطري، لتوقف العلم بالفراغ عليه، وهو واجب عقلا أو فطرة، كما تقدم في أول الكتاب. (4) لحصول العلم بالفراغ ولو إجمالا، وهو كاف في نظر العقل. نعم بناء على اعتبار التمييز في حصول الامتثال في العبادات وجب العلم التفصيلي باجزاء العبادة وشرائطها وموانعها. لكن التحقيق عدم اعتبار ذلك في العبادية عند العقلاء. مع أن الشك كاف في عدم الاعتبار بناء على التحقيق من الرجوع إلى البراءة في مثله. (5) هذا الوجوب كسابقه. (6) وكذا لو لم يطمئن فاتفق عدم الابتلاء بها، أو ابتلي بها فعمل

 

===============

 

( 59 )

 

[ (مسألة 29): كما يجب التقليد في الواجبات والمحرمات يجب في المستحبات، والمكروهات والمباحات (1). بل يجب تعلم حكم كل فعل يصدر منه سواء كان من العبادات أو المعاملات أو العاديات. ] على أحد الاحتمالات فاتفق كونه مطابقا للواقع أو للحجة. لما عرفت من الاجتزاء عقلا بالعمل المعلوم كونه مطابقا للواقع أو قامت الحجة على ذلك. وأما الاطمئنان بعدم الابتلاء فلا أثر له في الصحة، كما تقدم في المسألة السادسة عشرة. نعم له دخل في نفي العقاب، فلو احتمل الابتلاء فلما ابتلي بالواقعة احتمل التكليف بأحد الوجوه مثل حرمة قطع الفريضة، فانه لو قطعها حينئذ كان آثما في نظر العقل، لانه مقدم على مخالفة التكليف المحتمل المنجز على تقدير ثبوته. نعم مع الاطمئنان بعدم الابتلاء لو اتفق الابتلاء فعمل على أحد الوجوه في موارد الدوران بين المحذورين كان معذورا في نظر العقلاء، كما هو كذلك في سائر موارد الدوران بين المحذورين بعد الفحص واليأس. فحكم العمل قبل الفحص مع الاطمئنان بعدم الابتلاء حكم العمل بعد الفحص واليأس عن الدليل في عدم استحقاق العقاب. (1) لا يخفى أن الفتوى (تارة): تكون حجة للمكلف لا غير، كما لو كان مفادها حكما غير لزومي. كالاباحة أو الاستحباب أو الكراهة فانها حينئذ تكون حجة للعبد على نفي الحكم اللزومي كالحرمة والوجوب. (وأخرى): تكون حجة عليه لا غير، كما لو كان مفادها حكما لزوميا مع عدم احتمال حكم لزومي على خلافه، كما لو كان مفادها وجوب فعل مع عدم احتمال الحرمة أو بالعكس. (وثالثة): تكون حجة له وعليه كما لو كان مفادها حكما لزوميا مع احتمال حكم لزومي على خلافه، كما لو أفتي بالوجوب مع احتمال الحرمة، فان الفتوى تكون للمولى حجة على

 

===============

 

( 60 )

 

[ (مسألة 30): إذا علم أن الفعل الفلاني ليس حراما ولم يعلم أنه واجب أو مباح أو مستحب أو مكروه، يجوز له أن يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا وبرجاء الثواب (1). وإذا علم أنه ليس بواجب، ولم يعلم أنه حرام أو مكروه أو مباح، له أن يتركه لاحتمال كونه مبغوضا. ] الوجوب، وللعبد حجة على نفي الحرمة. ولو أفتي بالحرمة مع احتمال الوجوب كان الامر بالعكس. وربما لا تكون الفتوى حجة للمكلف ولا عليه، كما لو أفتي بالاباحة مع العلم بانتفاء الوجوب والحرمة، فان مثل هذه الفتوى لا يصح اعتبار الحجية لها لا للمولى ولا للعبد. هذا كله بلحاظ العمل، وأما بلحاظ التشريع فيصح اعتبار الحجية لها على أن تكون حجة للعبد في جواز اعتقاد الاباحة، إذ لولاها كان اعتقاد الاباحة تشريعا محرما. وحينئذ نقول: يجب التقليد في جميع الاحكام - الزامية كانت أم غيرها - من حيث جواز الالتزام بها ونفى التشريع. وأما من حيث العمل فان لم تكن الفتوى حجة على العبد ولا له لم يجب التقليد، وان كانت حجة له - سواء أكانت حجة عليه أم لا - يجب التقليد، سواء اكان هو الالتزام أم العمل، اعتمادا على الفتوى، لتوقف الامن من العقاب عليه. وان كانت الفتوى حجة عليه لا غير لم يجب التقليد، إذ لا أثر له في الامن من العقاب، لكون المفروض عدم كون الفتوى حجة له. وان شئت قلت: إذا كان مفاد الفتوى مطابقا للاحتياط المطلق لا يجب التقليد لانه لغو. وان كان مفادها مخالفا للاحتياط المطلق أو للاحتياط من وجه يجب التقليد. وان لم يكن المورد من موارد الاحتياط لا يجب التقليد، لانه لغو أيضا. فلاحظ وتأمل. (1) الحكم المذكور مبني على جواز الامتثال الاجمالي مع التمكن من

 

===============

 

( 61 )

 

[ (مسألة 31): إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلد للبقاء على رأيه الاول (1). (مسألة 32): إذا عدل المجتهد عن الفتوى إلى التوقف والتردد يجب على المقلد الاحتياط أو العدل إلى الاعلم بعد ذلك المجتهد (2). (مسألة 33): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلد تقليد أيهما شاء (3). ويجوز التبعيض في المسائل (4). ] الامتثال التفصيلي، فلو بني على عدم جوازه تعين تقييد الجواز في العبارة بصورة عدم التمكن من الاجتهاد أو التقليد. هذا إذا كان المورد من العبادات - كما هو ظاهر العبارة - وإلا فلا حاجة إلى التقييد. (1) هذا ينبغي أن يكون من الواضحات، لاختصاص أدلة جواز رجوع الجاهل إلى العالم بصورة عدم اعترافه بخطأ الواقع. (2) هذا نظير ما سبق، لاعتراف المفتي بالخطأ في الاستناد وان لم يعترف بخطأ الواقع لجهله بذلك. (3) إجماعا من القائلين بجواز التقليد، من دون فرق بين صورة الاتفاق في الفتوى والاختلاف، وموافقة فتوى أحدهما للاحتياط المطلق دون الآخر وغيرها. نعم مع الاتفاق في الفتوى قد عرفت أنه يجوز تقليدهما معا كما يجوز تقليد أحدهما بعينه (* 1). (4) قد عرفت أنه مع اختلاف المجتهدين في الفتوى تسقط إطلاقات أدلة الحجية عن المرجعية، وينحصر المرجع بالاجماع، فمشروعية التبعيض تتوقف على عموم الاجماع على التخيير بينهما لصورة التبعيض. لكن لم

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 8.

 

===============

 

( 62 )

 

[ وإذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك، فالاولى بل الاحوط اختياره (1). (مسألة 34): إذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الاعلم، ثم وجد أعلم من ذلك المجتهد، فالاحوط العدول إلى ذلك الاعلم (2) وان قال الاول بعدم جوازه. ] يتضح عموم الاجماع ولم أقف عاجلا على من ادعاه، بل يظهر من بعض أدلة المانعين عن العدول في غير المسألة التي قد قلد فيها المنع عن التبعيض فراجع كلماتهم. ومثلها دعوى السيرة عليه في عصر المعصومين (ع). فالتبعيض إذا لا يخلو من إشكال. نعم بناء على كون التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين لا مانع من التبعيض لاطلاق أدلة الحجية. إذ قد أشرنا في أوائل الشرح (* 1) إلى أن اختلاف المجتهدين في الفتوى لا يوجب سقوط أدلة الحجية على هذا المبنى. فلاحظ. (1) لما عرفت آنفا (* 2) من نسبة القول بوجوب تقديم الاورع إلى جماعة، وأنه الذي تقتضيه أصالة التعيين عند الدوران بينه وبين التخيير في الحجية من دون ظهور دليل على خلافها. وبناء العقلاء على التخيير وعدم الترجيح بالاورعية غير ثابت، بل الظاهر عدم ثبوت بنائهم مع اختلاف الفتوى، كسائر اطلاقات أدلة الحجية، فانها جميعا لا تشمل صورة التعارض. (2) أقول: المسألة لها صورتان: الاولى: أن يقلد أحد المجتهدين المتساوين في الفضل في المسائل الفرعية غير مسألة جواز العدول إلى الاعلم، ثم بعد مدة يصير غيره أعلم منه، فإذا

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 8. (* 2) راجع المسألة: 13.

 

===============

 

( 63 )

 

التفت المقلد إلى ذلك شك في جواز البقاء وحرمته، وحينئذ يمتنع أن يرجع في جواز البقاء إلى المجتهد الذي قد قلده، للشك في حجية فتواه فلابد أن يرجع إلى غيره. نظير ما لو مات المجتهد، فان الشك في حجية فتواه بعد الموت لا يرتفع بفتواه بجواز البقاء على تقليد الميت، فيتعين على المقلد بمقتضى حكم عقله الرجوع إلى الحي. وكذا في مسألتنا يتعين عليه الرجوع إلى الاعلم، ولا يلتفت إلى فتوى من قلده مهما كانت ولو كانت حرمة العدول، لامتناع رجوعه إليه في ذلك بعد كون مناط الشك في الحجية موجودا في مسألة جواز البقاء كسائر المسائل الفرعية. هذا حال المقلد في نفسه بملاحظة شكه. وأما حكمه بعد الرجوع إلى الاعلم في مسألة جواز البقاء وعدمه فهو وجوب العدول، لان بناء العقلاء على وجوب الرجوع إلى الاعلم لا فرق فيه بين الابتداء والاستدامة، وكما يجب الرجوع إليه في الابتداء يجب العدول إليه في الاستدامة. الصورة الثانية: أن يقلده في هذه المسألة بالخصوص ثم يصير غيره أعلم فان الرجوع إليه في هذه المسألة ممتنع، لانه من اثبات حجية الفتوى بالفتوى نفسها، ولاجل ذلك كان عدم جواز رجوع المقلد إليه فيها أوضح من الصورة السابقة لاختلاف الموضوع فيها، لان الرجوع إليه في المسألة الاصولية بلحاظ البقاء في المسألة الفرعية، وفي هذه الصورة يكون الرجوع إليه في المسألة الاصولية بلحاظ البقاء فيها نفسها، فيتعين عليه الرجوع فيها إلى غيره، ولا يلتفت إلى فتوى مرجعه الاول أصلا، وحكمه بعد الرجوع إلى الاعلم أيضا وجوب العدول في المسائل الفرعية، وأما المسألة الاصولية - أعنى: مسألة جواز البقاء وعدمه - فلا يمكن فيها البقاء والعدول لكون المفروض الرجوع فيها إلى غيره، فلو كانت فتوى غيره الاعلم وجوب البقاء فالمراد البقاء في المسائل الفرعية لا المسألة الاصولية، كما هو

 

===============

 

( 64 )

 

[ (مسألة 35): إذا قلد شخصا بتخيل أنه زيد فبان عمرا (1)، فان كانا متساويين في الفضيلة ولم يكن على وجه التقييد صح، والا فمشكل (2). ] واضح بالتأمل. هذا وكأن تعبير المصنف (ره) بقوله: " فالاحوط العدول "، مبني على عدم جزمه بوجوب تقليد الاعلم وأنه أحوط كما تقدم. لكن قد يشكل: بأن كونه أحوط يختص بالتقليد الابتدائي، وأما في مسألة العدول فليس العدول أحوط، لوجود القول بحرمة العدول، فالاحوط فيها الرجوع إلى أحوط القولين اللهم إلا أن يختص كلامه بصورة كون قول المعدول إليه أحوط، فيرجع إلى الاخذ بأحوط القولين. أو يختص بالصورة الاولى مع البناء على أن الرجوع في مسألة جواز العدول والبقاء من قبيل التقليد الابتدائي، لان تقليده الاول. كان في غيرها من المسائل الفرعية لكنهما معا خلاف ظاهر العبارة. (1) يشكل فرضه بناء على أن التقليد هو العمل وقد كان المجتهدان متفقين في الفتوى. نعم مع الاختلاف فيها، أو القول بأنه الالتزام، يكون الفرض ظاهرا. (2) بل الظاهر جريان حكم العمل بلا تقليد، لان فوات القيد يستلزم فوات المقيد. (ودعوى): أن الشخص الذي قلده جزئي حقيقي، والجزئي لا يقبل الاطلاق كي يقبل التقييد، فلابد أن يرجع القيد إلى الداعي، وحينئذ لا يقدح تخلفه لان الداعي إنما يؤثر بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي، والوجود العلمي غير منتف، بل المنتفى إنما هو الوجود الخارجي. (مندفعة): بأن ذلك يتم بالاضافة إلى العوارض الطارئة على نفس الوجود الخارجي، أما ما كان طارئا حقيقة على الصورة الذهنية - مثل الارادة والكراهة والايتمام والتقليد

 

===============

 

( 65 )

 

[ (مسألة 36): فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور (الاول) أن يسمع منه شفاها (1). (الثاني): أن يخبر بها عدلان (2) (الثالث): إخبار عدل واحد (3). بل يكفي إخبار شخص موثق (4) يوجب قوله الاطمينان وان لم يكن عادلا (الرابع) الوجدان في رسالته، ولابد أن تكون مأمونة من الغلط (5). ] والبيع والطلاق ونحوها - فلا مانع من تقييد تلك الصورة في مقام الموضوعية لهذه الطوارئ، فالموضوع الخارجي إذا كان فاقدا لقيد الصورة لا يصح أن يكون موضوعا للطارئ ولو بالعناية والمجاز، فالشخص الذي لم يكن زيدا في فرض المسألة غير مقلد، لان التقليد إنما طرأ على المقيد بزيد، وكذا الحال في غيره. فان كان من يقلده بعد الالتفات هو الذي قلده اولا - لكونه أعلم، أو مساويا وقد اختاره - صح العمل، وان كان قد قلد غيره - إما لكونه أعلم أو مساويا فاختاره - تعين العمل على طبق فتواه من حيث صحة العمل الاول وفساده. (1) فيأخذ ولو بظاهر كلامه، الذي هو حجة بلا إشكال. (2) بناء على ثبوت عموم يقتضي حجية البينة بنحو يشمل المقام، كما ادعاه شيخنا الاعظم (ره) في رسالة الجماعة ونسب إلى المشهور في كلام غير واحد. ويأتى - إن شاء الله - في مبحث المياه (* 1) تقريبه. (3) لا يخفى ما في المقابلة وبينه وبين البينة. (4) بناء على عموم حجية خبر الثقة في الاحكام الكلية لمثل المقام، من جهة دلالة الخبر عن الفتوى بالالتزام على ثبوت الحكم الكلي، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة العشرين. (5) بل يكفي أن تكون موردا لاصالة عدم الخطأ المعول عليها عند

 

 

____________

(* 1) في المسألة: 6 من الفصل المتعرض لاحكام البئر.

 

===============

 

( 66 )

 

[ (مسألة 37): إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى ثم التفت وجب عليه العدول (1). وحال الاعمال السابقة حال عمل الجاهل غير المقلد. وكذا إذا قلد غير الاعلم وجب على الاحوط (2) العدول إلى الاعلم. وإذا قلد الاعلم ثم صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول إلى الثاني، على الاحوط. (مسألة 38): ان كان الاعلم منحصرا في شخصين ولم يمكن التعيين، فان أمكن الاحتياط بين القولين فهو الاحوط (3)، والا كان مخيرا بينهما. ] العقلاء والظاهر أنه يكفي في جريانها عدم الظن بالغلط الناشئ من كثرته. هذا إذا كانت الرسالة بخط المجتهد، أما لو كانت بغير خطه اعتبر أن يكون الكاتب ثقة لان الكتابة نوع من الخبر عن الفتوى. (1) بل هو في الحقيقة تقليد ابتدائي لا عدول. وكذا الحال فيما بعده. (2) قد عرفت سابقا أنه الاقوى. وكذا ما بعده. مضافا إلى ما عرفت في المسألة الرابعة والثلاثين من أن كون العدول في الفرض أحوط غير ظاهر، لوجود القول بحرمة العدول حتى إلى الاعلم. (3) تقدم التعرض لهذا في المسألة الحادية والعشرين، وذكرنا هناك أن ظاهر الاصحاب الاتفاق على عدم وجوب الاحتياط على العامي، من دون فرق بين أن يتردد الاعلم بين اثنين أو عشرة - مثلا - وبين غيره من الفروض. ولا تبعد دعوى السيرة أيضا على ذلك، لندرة تساوي المجتهدين، وغلبة حصول التفاوت بينهم ولو يسيرا، وشيوع الجهل بالافضل وفقد أهل الخبرة في اكثر البلاد. وكون بنائهم على الاحتياط في مثل ذلك بعيد جدا.

 

===============

 

( 67 )

 

[ (مسألة 39): إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده، يجوز له البقاء (1) إلى أن يتبين الحال. (مسألة 40): إذا علم أنه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان، ولم يعلم مقداره، فان علم بكيفيتها وموافقتها للواقع، أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلفا بالرجوع إليه (2) فهو، والا فيقضي المقدار الذي يعلم معه بالبراءة على الاحوط وان كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن (3). ] (1) للاستصحاب. (2) يعنى: بالرجوع إليه حين الالتفات إلى ذلك، لا حين العمل، كما تقدم في المسألة السادسة عشرة. لكن سيأتي في المسألة الثالثة والخمسين تفصيل في المسألة. فانتظر. (3) يعنى: المتيقن بطلانه، إما يقينا وجدانيا، لليقين بمخالفته للواقع، أو تنزيلا، لمخالفته لفتوى من يجب الرجوع إليه بذلك. ووجه عدم وجوب قضاء المشكوك أصالة الصحة، لاحتمال مصادفته للواقع، بناء على جريانها في مثل ذلك، وعدم اختصاصها بصورة عدم الشك على تقدير الالتفات، كما يشهد به خبر الحسين بن أبي العلاء (* 1). ولعله مورد لبناء العقلاء. وسيأتى التعرض لذلك في مباحث الوضوء (* 2) إن شاء الله. وان كان الظاهر من المصنف (ره) في جملة من الفروض الآتية هناك هو التأمل والاشكال في ذلك.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 41 من ابواب الوضوء حديث: 1. (* 2) راجع المسألة: 51 من فصل شرائط الوضوء. ويأتي أيضا في المسألة: 11 من فصل الماء المشكوك من مباحث المياه.

 

===============

 

( 68 )

 

[ (مسألة 41): إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد، لكن لا يعلم أنها كانت عن تقليد صحيح (1) أم لا، بنى على الصحة. ] ويحتمل أن يكون الوجه في عدم وجوب القضاء: أنه بأمر جديد وموضوعه فوت الواجب، ولا يمكن إحرازه بالاصل. لكن يشكل: بأن مقتضى الجمع بين أدلة القضاء والاداء، أنه بالامر الاول، وأن وجوب الاداء في الوقت بنحو تعدد المطلوب، فيكفي في وجوب القضاء استصحاب التكليف. مع أن الظاهر من أدلة القضاء أن الفوت المأخوذ موضوعا مجرد ترك الواجب في وقته، وهو مما يمكن إثباته بالاصل. نعم مع العلم بالكيفية لو جهل انطباق الواجب على المأتي به، أشكل جريان أصالة عدم الواجب، لانه من قبيل الاصل الجاري في المفهوم المردد بين معلوم الوجود ومعلوم الانتفاء، المحقق في محله عدم جريانه. هذا لو كان الشك حادثا بعد العمل، أما إذا كان مقارنا، بأن كان المكلف ملتفتا حين العمل إلى عدم التقليد في عمله، فلا مجال لاصالة الصحة، لاختصاص أدلتها بصورة حدوث الشك بعد العمل. كما أنه لو كان الشك في القضاء ناشئا من الشك في التكليف بالاداء - كما لو كان عمره عشرين سنة، وشك في أن بلوغه كان في سن خمس عشرة أو أربع عشرة - فانه لا ريب في عدم وجوب القضاء، لاصالة البراءة. (1) صحة التقليد وفساده إنما يكونان مجرى للاصول الشرعية إذا كانا موردا لاثر عملي، ولا يتضح ذلك إلا في فروض عدول العامي عن المجتهد إلى غيره مع اختلافهما في الفتوى، بأن كان رأي الثاني بطلان العمل المطابق لفتوى الاول. فان قلنا بعدم لزوم التدارك بالقضاء إذا كان تقليده للاول صحيحا، كانت صحة التقليد موضوعا للاثر العملي، فيجرى الاصل لاثباتها

 

===============

 

( 69 )

 

[ (مسألة 42): إذا قلد مجتهدا، ثم شك في أنه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص (1). (مسألة 43): من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الافتاء (2). ] كما في سائر موارد الشك في الصحة. غاية الامر أن الصحة هنا إنما صارت موضوعا للاثر العملي بلحاظ كونها قيد موضوع الاثر، وهو صحة العمل المستوجبة للاجزاء، نظير صحة الوضوة المأخوذة قيدا في موضوع صحة الصلاة. وكذا الحال لو شك في كون عمله عن تقليد صحيح مع شكه في أصل التقليد، فان أصل الصحة في عمله كاف في الاجتزا به، وعدم الاحتياج إلى الاعادة أو القضاء. هذا وسيأتي في المسألة الثالثة والخمسين ماله نفع في المقام فانتظر. (1) إذ لا فرق بين الابتداء والبقاء، فكما يجب الفحص في التقليد الابتدائي - لعدم حجية مشكوك الحجية - كذلك في البقاء على التقليد. نعم لو علم باجتماع الشرائط فيه سابقا بنى على بقائها، للاستصحاب، كما تقدم. (2) كما صرح به جماعة من الاعيان، مرسلين له إرسال المسلمات، وظاهر المسالك وغيرها: أنه إجماعي. إما لانها منصب للنبي صلى الله عليه وآله والامام علي (ع) من بعده، فلا تجوز بغير إذنهما، ولا إذن مع فقد بعض الشرائط. لكن دليله غير ظاهر، إذ ما تقدم من أدلة الشرائط إنما يدل على اعتبارها في حجية الفتوى لا في جوازها تكليفا، ولا على كونها من المناصب المختصة بالمعصوم. وأما ما دل على حرمة القول على الله سبحان بغير علم (* 1) فانما يقتضي حرمة الفتوى

 

 

____________

(* 1) أما من الكتاب العزيز فكثير من الآيات. وأما من السنة فاحاديث كثيرة ارجع إلى بعضها في الوسائل باب: 4 من ابواب صفات القاضي.

 

===============

 

( 70 )

 

[ وكذا من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس (1). ] من غير المجتهد لا من المجتهد الفاقد لبقية الشرائط. بل يشكل اقتضاؤه الحرمة في غير المجتهد إذا كانت فتواه تطابق فتوى مرجعه في العمل لان حجية فتواه كافية في صدق العلم بالحكم، فالفتوى - اعتمادا عليها - قول على الله بعلم. نعم لو اعتمد على رأيه الناقص، كان تشريعا منه في حجية رأيه، فيكون به آثما، لا أنه قول بغير علم. وإما لانها إغواء واضلال، لان تكليف المفتى له لزوم العمل بغيرها. ولكنه يشكل (أولا): بأنه لا يتم ذلك مع موافقتها لفتوي الجامع للشرائط. (وثانيا): بأن المفتي إذا كان عالما بالحكم ولو من جهة قيام الحجة عنده عليه تكون الفتوى موافقة لما دل على وجوب الاعلام، وعدم الحجية لا ينافي ذلك. نظير ما لو اخبر غير الثقة عند المخبر بثبوت الحكم الواقعي المعلوم لديه، فانه اخبار عن الحكم الواقعي ولا يكون إضلالا ولا اغواء أصلا. ولا سيما إذا قال المفتي - بعد أن أفتي بوجوب شئ -: أن فتواي ليست بحجة، وليس عليك العمل بها، وانما عليك العمل بفتوى فلان. فالمتحصل إذا: أنه لا دليل على حرمة الفتوي ممن فقد بعض الشرائط إلا إذا صدق عليها أنها فتوى بغير علم. وان كان الذي يظهر منهم - قدس سرهم - التسالم على إطلاق الحرمة. فراجع كلماتهم. (1) بلا إشكال فيه، ولا خلاف ظاهر. وفي المسالك: أنه موضع وفاق بين أصحابنا. وقد صرحوا بكونه إجماعيا انتهى. ويقتضيه ظهور النصوص والفتاوى في كونه من المناصب المختصة بالامام، على نحو لا يجوز لغيره التصدي له إلا باذنه. ففي رواية إسحاق بن عمار أنه قال أمير المؤمنين (ع) لشريح: " يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي، أو وصي نبي،

 

===============

 

( 71 )

 

[ وحكمه ليس بنافذ. ولا يجوز الترافع إليه (1). ولا الشهادة عنده (2). والمال الذي يؤخذ بحكمه حرام وان كان الآخذ محقا (3). ] أو شقي " (* 1). ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع): " اتقوا الحكومة فان الحكومة إنما هي للامام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي " (* 2). (1) وفي المسالك: " إن ذلك كبيرة عندنا ". ويقتضيه ما دل على حرمة الاعانة على الاثم (* 3)، وما دل على حرمة الامر بالمنكر (* 4) وفي مقبولة ابن حنظلة الواردة في التحاكم إلى السلطان وإلى القضاة قال (ع): " من تحاكم إليهم في حق أو باطل " فانما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فانما يؤخذ سحتا وان كان حقا ثابتا له، لانه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله تعالى أن يكفر به.. " (* 5)، ونحوها غيرها. (2) بلا إشكال ظاهر، لانها معاونة على الاثم إذا كانت بقصد فصل الخصومة، وإلا ففي صدق المعاونة على الاثم إشكال، بل لا يبعد عدم الصدق. وحينئذ يشكل تحريمها، إلا من باب الامر بالمعروف، على تقدير اجتماع شرائطه. (3) كما هو المعروف والمدعى عليه الاجماع. ويقتضيه صريح ما تقدم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب صفات القاضي حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 3 من ابواب صفات القاضي حديث: 3. (* 3) قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) - المائدة: 2 ووردت به أحاديث كثيرة ارجع إلى بعضها في الوسائل باب: 80 من ابواب جهاد النفس، وباب: 71، 72 من ابواب مقدمات التجارة (* 4) الوسائل باب: 1 من ابواب الامر بالمعروف حديث: 11، 12، 14 (* 5) الوسائل باب: 1 من ابواب صفات القاضي حديث: 4.

 

===============

 

( 72 )

 

[ إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده (1). ] من مقبولة ابن حنظلة. واطلاقه يقتضي عدم الفرق بين الدين والعين، بل لعل ظاهر ما في صدرها من فرض التنازع في الدين أو الميراث ذلك، إذ حمل الميراث على ما كان دينا بعيد جدا. وعلى هذا فالتحريم المذكور من قبيل التحريم بالعنوان الثانوي، فيحرم التصرف فيه، كما يحرم التصرف في المغصوب. وحملها على مجرد العقاب في الاخذ - وان جاز التصرف في المأخوذ - خلاف الظاهر بلا موجب له. واستبعاد ذلك لا يجدي في رفع اليد عن ظاهر الدليل. نعم مورد الرواية المأخوذ بحكم السلطان والقضاة، فلا يعم المأخوذ بحكم غيرهم من فاقدي شرائط القضاء. اللهم إلال أن يستفاد العموم من التعليل بقوله (ع): " لانه أخذه بحكم الطاغوت.. " إذ الظاهر شمول الطاغوت لكل متصد للقضاء المحرم. فتأمل جيدا. هذا وقد يتوهم معارضة المقبولة بخبر ابن فضال في تفسير قوله تعالي: (ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام) (* 1) فكتب (ع) إليه بخطه: " الحكام القضاة " قال: ثم كتب تحته: هو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي، فهو غير معذور في أخذ ذلك الذي حكم به إذا كان قد علم أنه ظالم " (* 2). ويدفعه - مع أن الخبر وارد في تفسير الآية الشريفة، لا في بيان موضوع الحرمة مطلقا، واعتبار الظلم في صدق الباطل لا ينافي عدم اعتباره في صدق الحرمة ولو بعنوان آخر: أنه لا يظهر منه أن المراد من القضاة قضاة الجور، فيمكن حمله على قضاة العدل ولو من جهة الجمع العرفي بينه وبين المقبولة. (1) فانه يجوز، كما عن جماعة منهم الشهيدان في الحواشي والمسالك.

 

 

____________

(* 1) البقرة: 188. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب صفات القاضي حديث: 9.

 

===============

 

( 73 )

 

[ (مسألة 44): يجب في المفتي والقاضي العدالة (1). وتثبت العدالة (2) بشهادة عدلين، وبالمعاشرة المفيدة للعلم ] وعن الاكثر المنع، بل عن الروضة الاجماع عليه. وكأنه لاطلاق النصوص. ولكن لو سلم - ولم تتم دعوى الانصراف عن صورة الانحصار - فمحكوم بحديث نفي الضرر (* 1). ومنه يظهر الاشكال في الاستدلال على المنع بأن الترافع إعانة على الاثم، فانه مسلم، لكن حديث نفي الضرر حاكم عليه. وكذلك الاستدلال على المنع بأن الترافع إليه أمر بالمنكر، وهو حرام، فان دليل تحريمه محكوم أيضا لعموم نفي الضرر، لحكومته على جميع أدلة التكاليف مهما كانت. ويؤيد الجواز ما ورد من الحلف كاذبا بالله تعالى لدفع الضرر المالي (* 2). ثم إن مقتضى عموم نفي الضرر عدم الفرق بين صورة فقد وجود الجامع للشرائط، وصورة تعسر الوصول إليه، وصورة عدم نفوذ قضائه مطلقا أو على خصوص المدعى عليه، وصورة عدم إمكان إثبات الحق عنده، لفقد مقدمات الحكم لمن له الحق. نعم تختص بصورة العلم بالحق وجدانا، أو تعبدا، لقيام حجة عليه من اقرار أو بينة أو غيرهما، ولا تشمل صورة الجهل بالحق، لعدم ثبوت الضرر المالي كي ينفي بدليل نفيه. (1) أما في الاول قلما تقدم (* 3). وأما في القاضي فللاجماع. (2) قد تقدم الكلام في طرق ثبوتها (* 4). كما تقدم منه - قدس سره -

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 16 من ابواب الخيار في كتاب البيع، وباب: 5 من كتاب الشفعة، وباب: 7، 12 من كتاب احياء الموات. (* 2) راجع الوسائل باب: 12، 42 من كتاب الايمان. (* 3) في المسألة: 22. (* 4) في المسألة: 23.

 

===============

 

( 74 )

 

[ بالملكة، أو الاطمئنان بها، وبالشياع المفيد للعلم. (مسألة 45): إذا مضت مدة من بلوغه وشك بعد ذلك في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا، يجوز له البناء على الصحة في أعماله السابقة (1) وفي اللاحقة يجب عليه التصحيح فعلا (2). (مسألة 46): يجب على العامي أن يقلد الاعلم في مسألة وجوب تقليد الاعلم أو عدم وجوبه (3)، ولا يجوز أن يقلد غير الاعلم إذا أفتى بعدم وجوب التقليد الاعلم. بل لو أفتى الاعلم بعدم وجوب تقليد الاعلم يشكل جواز الاعتماد عليه (4). فالقدر المتيقن للعامي تقليد الاعلم في الفرعيات. ] الاكتفاء بحسن الظاهر المفيد للظن. وتقدم وجهه واشكاله. فراجع. (1) كما سبق في المسألة الواحدة والاربعين. (2) بالرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط. ولا يجوز له البناء على صحة الاعمال اللاحقة المطابقة للاعمال الماضية من جهة تلازمهما في الصحة، لان أصل الصحة - سواء قلنا أنه من الامارات أم من الاصول - لا يثبت اللوازم العقلية لقصور دليله عن ذلك. فالمقام نظير ما لو شك في الطهارة بعد الفراغ من الصلاة فان قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة لا تثبت جواز الدخول في الصلاة الثانية بلا طهارة. (3) فان جواز تقليد الاعلم وان كان متيقنا لا يحتاج إلى التقليد. لكن وجوبه وعدمه، بحيث يجوز تقليد غير الاعلم مشكوك، فلابد فيه من التقليد. (4) هذا الاشكال غير ظاهر، لاطلاق دليل التقليد الشامل المسألة

 

===============

 

( 75 )

 

[ (مسألة 47): إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في احكام العبادات والآخر أعلم في المعاملات، فالاحوط تبعيض التقليد (1) كذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات - مثلا - والآخر في البعض الآخر. (مسألة 48): إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلم منه. وكذا إذا اخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الاعلام (2). } المذكورة وعموم بناء العقلاء عليه. وإلا أشكل تقليد الحي في جواز البقاء على تقليد الميت - الذي قد سبق منه قدس سره الجزم به (* 1) مع أنه تقليد في حكم التقليد كمفروض المسألة. على أن وجوب تقليد الاعلم وعدمه، كجواز البقاء على تقليد الميت، من قبيل المسائل الفرعية، لعدم وقوعها في طريق استنباط الاحكام لتكون من المسائل الاصولية. (1) بل الاقوى، لما عرفت آنفا (* 2) من وجوب تقليد الاعلم ولو مع التبعيض، لعدم الفرق في بناء العقلاء عليه. (2) المستفاد من آية النفر الشريفة (* 3) وجوب الاعلام حيث يترتب عليه إحداث الداعي العقلي إلي العمل بالواقع الذي هو متعلق الاعلام لاختصاص الانذار بذلك، فإذا كان المكلف غافلا عن الحكم الكلي أو قاطعا بالخلاف، أو مترددا على نحو يكون جهله عذرا، وجب إعلامه، لما يترتب عليه من إحداث الداعي العقلي. وإذا كان جاهلا جهلا لا يعذر فيه لا يجب إعلامه. وكذا لو انحصر الاعلام بطريق الخبر الذي لا يكون

 

 

____________

(* 1) في المسألة: 15. (* 2) في المسألة: 12. (* 3) تقدم ذكرها في شرح المسألة الثامنة.

 

===============

 

( 76 )

 

حجة في نظر السامع فانه لا يجب لعدم ترتب الاثر المذكور. ولا تبعد استفادة ذلك أيضا مما تضمن أن الغرض من إرسال الرسل قطع اعذار المكلفين واقامة الحجة عليهم، مثل قوله تعالى: (أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير) (* 1) (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (* 2) " فللله الحجة البالغة " (* 3) ونحوه. فتأمل. ثم إن الظاهر اختصاص هذا الصنف من الآيات بالحكم الالزامي، فإذا كان المجهول حكما غير الزامي لم يجب إعلامه. وأما آية الكتمان (* 4) فظاهرها وجوب الاظهار في مقام الاستعلام، سواء ترتب عليه الانذار أم لا، وسواء اكان الاستعلام بطريق السؤال - كما في المتردد إذا سأل عن الحكم - أم بمحض وجود الداعي إلى معرفة الحكم والعلم به وان كان غافلا عن ذلك، سواءا كان معتقدا لخلاف الواقع أم غافلا عنه، أم مترددا غافلا عن وجود من يجب سؤاله، أم غير ذلك من موارد وجود الرغبة النفسانية في معرفة الحكم، ولو لم تدفع إلى السؤال لوجود المانع. فيكون بين مفاد الآية الشريفة وما سبق العموم من وجه، ولعدم التنافي بين المفادين - لكونهما من قبيل المثبتين - يتعين العمل بهما معا. ولازم ذلك وجوب البيان مع السؤال وان لم يكن السائل معذورا في جهله. بل لعلها تقتضي وجوبه مع عدم اعتقاد السائل حجية الخبر، وقد عرفت عدم اقتضاء آية النفر وجوب الاعلام حينئذ.

 

 

____________

(* 1) المائدة: 19. (* 2) النساء: 165. (* 3) الانعام: 149 (* 4) وهي قوله تعالى: (ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) البقرة: 159.

 

===============

 

( 77 )

 

{ (مسألة 49): إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة (1)، وانه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته، فلو فعل ذلك، وكان ما فعله مطابقا للواقع، لا يجب عليه الاعادة. ] وكيف كان ففي فرض المسألة، كما يجب على الناقل أو المفتي خطأ إخبار الجاهل، كذلك يجب على غيره من المكلفين، لعموم الادلة الدالة على وجوب الاعلام. نعم بناء على حرمة التسبيب إلى فعل الحرام يتأكد وجوب الاعلام بالنسبة إلى الناقل والمفتي خطأ، لاستناد عمل العامي إلي فعلهما. لكنه يختص بصورة الفتوى بإباحة الواجب، أو الحرام، ولا يطرد في غيرهما. مع أن الاستناد إلى الفتوى إنما يقتضى حرمتها لو كانت عمدا، والمفروض خلافه، وترك الاعلام الذى هو محل الكلام غير مستند إليه العمل. وأما ما دل على أن من أفتى الناس بغير علم لحقه وزر من عمل بفتواه (* 1)، فهو وان دل على وجوب الاعلام فطرة وعقلا على خصوص المفتي تخفيفا للوزر، لكنه مختص بالفتوى بخلاف الواقع عمدا، فلا يشمل ما نحن فيه. وسيأتي في بعض مباحث النجاسات (* 2) التعرض إلى قاعدة حرمة التسبيب فانتظر. (1) قد عرفت في المسألة السادسة عشرة صحة الصلاة مع المطابقة للواقع، ولو لم يكن المصلي قاصدا للسؤال وللامتثال على الوجه الصحيح على تقدير الخطأ، حتى مع قصد الاقتصار على بعض المحتملات. نعم لابد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من أبواب صفات القاضي حديث: 1 (* 2) في المسألة: 32 من فصل احكام النجاسات.

 

===============

 

( 78 )

 

[ (مسألة 50): يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد، أو عن الاعلم، أن يحتاط في أعماله (1). (مسألة 51): المأذون والوكيل، عن المجتهد في التصرف في الاوقاف أو في أموال القصر، ينعزل بموت المجتهد (2). بخلاف المنصوب من قبله، كما إذا نصبه متوليا للوقف أو قيما على القصر، فانه لا تبطل توليته وقيمومته على الاظهر (3). ] من الاتمام في الفرض برجاء الواقع، وإلا كان تشريعا محرما، فليحقه حكمه من البطلان في بعض صوره، حسبما حررناه في الاصول. (1) لعدم الامن من العقاب بدونه، ويكفي في الاحتياط الاخذ بأحوط القولين أو الاقوال. لكن في وجوب الاحتياط على العامي في صورة الفحص عن الاعلم تأمل، لاحتمال عموم دعوى الاتفاق على جواز التقليد للفرض، وان لم يحضرني عاجلا من ادعاه صريحا، فلابد من مراجعة كلماتهم. (2) لارتفاع الاذن بالموت، وبطلان الوكالة به إجماعا. (3) أقول: المجتهد الجاعل للولاية، (تارة): يجعلها عن نفسه للولي، بحيث تكون ولاية الولي من شؤون ولاية المجتهد الذي نصبه. (وأخرى): يجعلها عن الامام (ع) فتكون من شؤون ولاية الامام (ع) وان كان الجاعل لها المجتهد، بناء على أن له ولاية الجعل عنهم (ع). وما ذكره في المتن، يتم في الثانية لا في الاولى. وحينئذ فاللازم التفصيل بين الصورتين. إلا أن يقوم إجماع على خلافه، كما يظهر مما عن الايضاح من نفي الخلاف عن عدم انعزال الاولياء والقوام المجعولين من قبل المحتهدين

 

===============

 

( 79 )

 

ولذلك قال في الجواهر في كتاب القضاء بعدما حكى ما عن الايضاح: " إن تم إجماعا فذلك، وإلا كان المتجه ما ذكرنا (يعنى: الانعزال) نعم لو كان النصب وكيلا أو وليا عن الامام، وكان ذلك جائزا له، لم ينعزل قطعا ". نعم قد يستشكل في صحة الصورة الاولى: بأن النيابة عن المجتهد إنما تصح لو كانت الولاية ثابتة للمجتهد بما هو في مقابل الامام، أما إذا كانت ثابتة له بما هو نائب عن الامام، فلا يصح منه جعلها لغيره بعنوان كونه نائبا عنه، إذ ليس لذاته موضوعية في الاثر المذكور، فلا معنى للنيابة عنه فيه، إذ لا معنى للاستخلاف عن شخص فيما ليس له. ولكن يدفعه: أن نيابة الولي عن المجتهد على الاول ليس في نفس الولاية بل في نيابته عن الامام في الولاية، فالمقام نظير ما لو كان في ذمة زيد واجب فاستناب فيه عمرا، فلما اشتغلت ذمة عمرو بالواجب المستناب فيه مات فاستناب وارثه بكرا عنه، فبكر ينوب عن عمرو في النيابة عن زيد بالواجب، لا أنه ينوب عن زيد بالواجب. وهكذا لو استناب بكر شخصا ثالثا - كخالد - فانه ينوب عن بكر في النيابة عن عمرو في النيابة عن زيد بالواجب. فإذا لا مانع ثبوتا من جعل المجتهد الولاية لشخص على كل من النحوين. نعم قد يشكل إثباتا جعلها على النحو الثاني، كما تقدمت الاشارة إليه في عبارة الجواهر المتقدمة، من جهة عدم ظهور دليل عليه، فان العمدة في ولاية الفقيه ما دل على كونه حاكما وقاضيا، وثبوت ذلك للحكام والقضاة الذين كانوا في عصر صدور النصوص المتضمنة لذلك غير ظاهر، والمتيقن ثبوتها على النحو الاول، فإذا جعلها المجتهد على النحو الثاني فالمرجع أصالة عدم ترتب الاثر. يدفع ذلك أن المرتكز في أذهان المتشرعة ويستفاد

 

===============

 

( 80 )

 

[ (مسألة 52): إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد (1). ] من النصوص (* 1): أن منصب القضاء منصب نيابي، فجميع الوظائف التي يؤديها القاضي - من فصل خصومة ونصب قيم ونحو ذلك - يؤديه نيابة عن الامام، فمنصوبه منصوب الامام، ولا يقصد به كونه نائبا عن الامام أو عن المجتهد، ولازم ذلك البناء على عدم البطلان بالموت. مع أنه لو سلم كون منصوب المجتهد نائبا عنه فانعزاله بالموت غير ظاهر، لجواز كون نيابته من قبيل نيابة الوصي لا الوكيل الذي قام الاجماع على انعزاله بالموت. ثم لو بني على جواز الجعل لكل من النحوين، وأنه على التقدير الاول ينعزل بموت المجتهد، فشك في كيفية الجعل امتنع الاستصحاب، لتردد المجعول بين فردين معلوم الزوال ومعلوم البقاء، ولا أثر للجامع ليجري استصحابه. وأما استصحاب جواز التصرف فهو من الاستصحاب التعليقي المعارض بأصالة عدم ترتب الاثر، كما حقق في محله. (1) لان المراد من صحة التقليد كونه جاريا على الموازين العقلائية، وهذا المعنى مفقود في صورة الشك في جواز البقاء. وكذا في صورة الغفلة عن ذلك واعتقاده جواز البقاء، فانه وان كان معذورا في هذه الصورة عند العقل، لكنه لا يخرج عن كونه غير جار على الموازين العقلائية، لان جواز البقاء على تقليد الميت مشكوك، والغفلة عن ذلك لا تجعله صحيحا، كما لو غفل وقلد من لا يكون واجد للشرائط كالكافر والفاسق. كما أن كون رأي الحي جواز البقاء على تقليد الميت لا يجعله صحيحا، إذ لا يكون به جاريا على الموازين اللازمة في التقليد. نعم لو كان قد اجتهد في مسألة

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي.

 

===============

 

( 81 )

 

[ (مسألة 53): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الاربع واكتفى بها، أو قلد من يكتفي في التيمم بضربة واحدة، ثم مات ذلك المجتهد فقلد من يقول بوجوب التعدد، لا يجب عليه اعادة الاعمال السابقة (1). ] جواز البقاء على تقليد الميت فأدى رأيه إلى ذلك كغيره من المجتهدين كان تقليده بذلك صحيحا. لان التقليد الصحيح لابد أن يكون من مباديه الاجتهاد لما عرفت آنفا من أن حجية التقليد لابد أن تنتهي إلى الاجتهاد، لئلا يلزم الدور أو التسلسل. وعلى هذا لا بأس باستثناء هذه الصورة من حكم المسألة لكن المنصرف من العبارة غيرها. (1) هذا إما مبني على اقتضاء موافقة الامر الظاهري للاجزاء. لكن المحقق في محله خلافه، لقصور أدلته عن إثبات ذلك، وإطلاق دليل الواقع محكم. أو على دعوى قيام الدليل عليه بالخصوص، وهو إما ظاهر الاجماع بل نسب إلى بعض دعوى صريح الاجماع بل الضرورة عليه. وفيه - مع أنه غير ثابت -: أن المحكي عن العلامة والعميدي (قدهما) دعوى الاجماع على خلافه. وإما لانه لولاه لم يبق وثوق بالفتوى. لكنه جار في كثير من موارد الاحكام الظاهرية التي يحتمل قيام أمارة في المستقبل على خلافها وإما لدعوى قيام السيرة عليه. نكنها؟ غير ثابتة أيضا. وإما لدعوى كونه مقتضى نفي العسر والحرج. لكنها غير مطردة في جميع فروض المسألة. وإما لان ما دل على جواز العدول أو وجوبه إنما دل عليه بالاضافة إلى الوقائع اللاحقة، إذ العمدة فيهما الاجماع أو أصالة التعيين في الحجية عند الدوران بينه وبين التخيير، وكلاهما لا يثبتان الحجية بالاضافة إلى الوقائع السابقة، لاهمال الاول فيقتصر فيه على القدر المتيقن، ولا سيما مع تصريح جماعة من الاعاظم بالرجوع في الوقائع السابقة إلى فتوى الاول وعدم وجوب

 

===============

 

( 82 )

 

التدارك بالاعادة أو القضاء. ولورود استصحاب الاحكام الظاهرية الثابتة بمقتضى فتوى الاول في الوقائع السابقة على أصالة التعيين، لانها أصل عقلي لا يجرى مع جريان الاصل الشرعي. وبالجملة: استصحاب الحجية لفتوى الميت بالاضافة إلى الوقائع السابقة لا يظهر له دافع. نعم لو كان دليل حجية فتوي الحي بعينها دليلا لفظيا أمكن التمسك باطلاقه بالاضافة إلى جميع الوقائع لاحقة وسابقة. لكنه غير ظاهر، كما عرفت في مسألة جواز تقليد الميت. وكذا الحال في جميع الموارد التي يكون فيها العدول إلى مجتهد مخالف في الفتوي للمرجع في الزمان السابق إذا كان دليله لبيا لا يمكن التمسك باطلاقه بالاضافة إلى الوقائع السابقة، فان القدر المتيقن في حجية فتوى اللاحق لما كان خصوص الوقائع اللاحقة كان المرجع في الوقائع السابقة استصحاب الحجية لفتوى السابق بلا مانع. فإذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط فعدل المقلد إلى غيره المخالف له في الفتوي اقتصر في العدول على الوقائع اللاخقة لا غير. نعم لو كان العدول لاجل أعلمية المعدول إليه فوجوب العدول إليه يقتضى تدارك الاعمال السابقة، لاطلاق دليل حجية فتوى الاعلم حتى بناء العقلاء الشامل للاعمال السابقة كاللاحقة. أما في غير ذلك من موارد العدول فالحكم فيه كما تقدم. وكذلك الحكم لو عدل المجتهد عن الفتوى بالطهارة إلى الفتوي بالنجاسة مثلا، فان المقلد يجب عليه العمل بالفتوى اللاحقة في الوقائع المتجددة اللاحقة، ولا يجب عليه التدارك بالاعادة أو القضاء بالاضافة إلى الوقائع السابقة لعين الوجه المتقدم. اللهم إلا أن يقال: اعتراف المفتي بخطئه في فتواه الاولى مانع من صحة الاعتماد عليها من أول الامر، لان حجيتها مشروطة بعدم الاعتراف بالخطأ ولو بعد حين، فالفتوى التي يعلم بلحوق الاعتراف بالخطأ فيها ليست موضوعا لدليل الحجية ولا مشمولة لعمومه.

 

===============

 

( 83 )

 

[ وكذا لو أوقع عقدا أو أيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثم مات وقلد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة (1). نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني. وأما إذا قلد من يقول بطهارة شئ - كالغسالة - ثم مات وقلد من يقول بنجاسته، فالصلوات والاعمال السابقة محكومة ] نعم لو كان العدول لنسيان المستند من دون اعتراف منه بخطئه واحتمل صحته كان استصحاب الحكم الظاهرى الثابت سابقا في محله. فتأمل جيدا. وأما حكم المجتهد نفسه بالاضافة إلى أعماله السابقة على العدول إلى خلاف ما أفتى به أولا، فالظاهر وجوب التدارك عليه، لان الدليل الدال في نظره على مضمون الفتوى اللاحقة لا فرق فيه بين الوقائع السابقة واللاحقة فمقتضى وجوب العمل به لزوم التدارك بالاعادة أو القضاء. ودليل الفتوى الاولى بعد نسيانه أو اعتقاده الخطأ فيه لا يصلح لاثبات صحة الاعمال السابقة كما هو ظاهر. هذا ومقتضى ما ذكرنا في وجه عدم لزوم التدارك في مفروض مسألة المتن: أنه لو كان عمل العامي في مدة من عمره بلا تقليد غفلة أو عمدا، فالمدار في صحة أعماله مطابقتها لفتوى من يجب الرجوع إليه حال العمل، لا حال الالتفات أو الندم، لحجية الفتوى السابقة في حقه دون اللاحقة. نعم لو فرض اختلاف الفتوى حال العمل، فلاجل عدم حجية إحدى الفتويين بعينها قبل الاختيار، يكون المدار في صحة العمل مطابقته لما يختاره من الفتويين ولو بعد العمل. أما مع فرض اتفاق الفتاوى حال العمل، أو انفراد المجتهد المفتي، فالمدار في صحة العمل مطابقته للفتوى حينه لا غير وان حدث الاختلاف في الفتوى بعد ذلك. (1) لا فرق في جميع ما ذكرنا بين العبادات والمعاملات. والتفصيل بينهما

 

===============

 

( 84 )

 

[ بالصحة وان كانت مع استعمال ذلك الشئ. وأما نفس ذلك الشئ إذا كان باقيا فلا يحكم بعد ذلك بطهارته (1). وكذا في الحلية والحرمة، فإذا أفتى المجتهد الاول بجواز الذبح بغير الحديد مثلا، فذبح حيوانا كذلك فمات المجتهد وقلد من يقول بحرمته، فان باعه أو أكله حكم بصحته البيع واباحة الاكل، وأما إذا كان الحيوان المذبوح موجودا فلا يجوز بيعه ولا أكله، وهكذا. ] بوجوب التدارك في الثانية دون الاولى، بدعوى اختصاص الاجماع على عدم التدارك بها دون الثانية. ضعيف، لما عرفت من منع الاجماع، والمتعين العمل بما ذكرنا. والمتحصل منه أمور: (الاول): إذا عدل جوازا أو وجوبا لا يجب عليه تدارك الاعمال السابقة المخالفة لفتوى المعدول إليه إلا إذا كان أعلم. (الثاني): إذا عدل المجتهد عن فتواه إلى ما يخالفها عملا وجب على مقلديه تدارك الاعمال السابقة المخالفة للفتوى اللاحقة إذا كان يعترف بخطئه في الفتوى. (الثالث): ان حكم المجتهد نفسه لو عدل إلى ما يخالف فتواه وجب تدارك الاعمال السابقة المخالفة للمعدول إليها (الرابع) أن العامل بلا تقليد المدار في صحة عمله الموافقة للفتوى حين العمل، إلا إذا تعددت واختلفت فان المدار الموافقة للفتوى التى يختارها بعد ذلك (الخامس): أن الكلام في هذه الامور يطرد في العبادات والمعاملات على نسق واحد. (1) هذا غير ظاهر، فان طهارة الماء من آثار عدم انفعاله بملاقاة النجاسة في مقام التطهير، والملاقاة لما كانت سابقة كانت موردا لتقليد الاول لا الثاني. وكذا الحال في حلية لحم الحيوان المذبوح بغير الحديد،

 

===============

 

( 85 )

 

فانها من آثار تذكيته بغير الحديد، وهي واقعة سابقة يكون المرجع فيها فتوى الاول وتترتب عليها أحكامها، فلا فرق بين الزوجة المعقود عليها بالفارسية التي تبقى على الحلية بعد العدول إلى الثاني، لان حليتها من آثار صحة العقد بالفارسي الواقع في حال تقليد الاول، وبين المثالين المذكورين. وكذا لو قلد الاول في تطهير الثوب والبدن بالماء مرة، ثم بعد وقوع التطهير قلد الثاني، فان الطهارة في حال تقليد الثاني من آثار التطهير السابق، فهو واقعة سابقة يرجع فيها إلى تقليد الاول، وهكذا الحال في أمثال ذلك من الموارد. والمعيار: أن الاثر الثابت حال تقليد الثاني ان كان من آثار السبب الواقع في حال تقليد الاول فالعمل فيه على تقليد الاول، وان كان من آثار أمر حاصل حين تقليد الثاني فالعمل فيه عليه لا على تقليد الاول. مثلا لو كان عنده مسكر فافتى له الاول بطهارته فرتب عليه أحكام الطهارة ثم مات فقلد من يقول بنجاسته وجب عليه اجتنابه، لان الحكم المذكور من آثار ذاته الحاضرة، بخلاف حلية الزوجة المعقود عليها بالفارسية سابقا، أو اللحم المذبوح حيوانه بغير الحديد، أو الثوب الذي طهره سابقا بالماء مرة، أو الماء الملاقي للنجس في مقام التطهير أو نحو ذلك، فان الجميع يرجع فيها إلى فتوى الاول، لاستنادها إلى أمر سابق صحيح في نظر الاول وقد قلده فيه، ولا فرق في الواقعة السابقة بين سببية شئ وعدمها، واشتغال ذمة وفراغها وحصول امتثال وعدمه. فلاحظ وتأمل. (تنبيه): قد تقدم في المسألة الاحدى والاربعين أنه إذا شك في صحة التقليد بنى على الصحة، وذكرنا هناك أن جريان أصل الصحة مبني على اعتبار صحة التقليد في الاجزاء ظاهرا بعد العدول. وهذا المبنى لا يتم بناء على ما ذكرنا، لان حجية الفتوى الاولى بالاضافة إلى الاعمال السابقة

 

===============

 

( 86 )

 

[ (مسألة 54): الوكيل في عمل عن الغير - كاجراء عقد أو ايقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك - يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل لا تقليد نفسه (1) إذا كانا مختلفين. وكذلك الوصي في مثل ما لو كان وصيا في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكون وفق فتوى مجتهد الميت. ] حتى بعد العدول لم يشترط فيها التقليد. وحينئذ لو شك في صحة التقليد السابق، فان رجع إلى الشك في حجية الفتوى التي يطابقها العمل وجب عليه الفحص عن ذلك ليحرز الاجتزاء به ظاهرا. ولا مجال لاجراء أصالة الصحة، لعدم كونها موضوعا لاثر عملي. وان رجع إلى الشك في صحة المقدمات التي اعتمد عليها عند التقليد - مثل صحة البينة القائمة على عدالة المجتهد أو اجتهاده أو نحو ذلك - فلا أثر للشك المذكور بعد أن أحرز بعد العدول شرائط الحجية (بالجملة): المدار في عدم وجوب التدارك حجية الفتوى السابقة التي كان العمل على طبقها، سواء أكان اعتمادا عليها أم لا وسواء أكان اعتماده على حسب الموازين أم لا. فلاحظ. (1) لا ينبغي التأمل في أن إطلاق الوكالة يقتضي ايكال تطبيق العمل الموكل عليه إلى نظر الوكيل، فإذا وكله على شراء فرس بدرهم، وكان نظر الوكيل أن المطابق لمفهوم شراء الفرس بالدرهم هو كذا، كان موضوعا للتوكيل ونافذا في نظره. نعم إذا اتفق التفات الموكل إلى الاختلاف في التطبيق فقد يشكل ذلك من جهة أن نظر الموكل مانع من عموم التوكيل لمورد الاختلاف. ويدفعه: أنه وان كان يمنع من عمومه بنظر الموكل تفصيلا، لكن لا يمنع من عمومه إجمالا، وهو كاف في جواز العمل. مثلا إذا وكله في أن يعقد له على امرأة، وكان الموكل يعتقد فساد العقد بالفارسية والوكيل يعتقد صحته، فان موضوع الوكالة وهو العقد الصحيح باطلاقه الاجمالي ينطبق على

 

===============

 

( 87 )

 

العقد بالفارسية وان كان لا ينطبق باطلاقه التفصيلي بنظر الموكل. نعم إذا كانت قرينة على تقييد الوكالة بالعمل بنظر الموكل، أو كان ما يصلح أن يكون قرينة على ذلك، لم يصح عمل الوكيل بنظره المخالف لنظر الموكل، وان لم يكن كذلك فاطلاق التوكيل يقتضي جواز عمل الوكيل بنظره، ومجرد التفات الموكل إلى الاختلاف غير كاف في تقييد إطلاق التوكل، ففي مقام الاثبات لا مانع من الاخذ بالاطلاق إذا تمت مقدمات الحكمة. وكذلك الكلام في الوصي إذ هو كالوكيل من هذه الجهة، فان الوصاية استنابة في التصرف بعد الممات، والوكالة استنابة في حال الحياة. وأما المتبرع عن الغير في عبادة - كصلاة وصوم - أو غير عبادة - كوفاء دين - فلا ينبغي التأمل في جواز عمله بنظره حتى مع التفات المتبرع عنه إلى خطأ المتبرع في التطبيق، ومنعه عن العمل، لان عمل المتبرع ليس منوطا بأمر المتبرع عنه، ولا باذنه، وإنما هو منوط بحصول الجهات المصححة للتبرع، فإذا علم بحصولها صح منه التبرع وان كان يخالفه المتبرع عنه ويحطؤه بنظره التفصيلي. وأما الاجير على عمل فيجوز أن يستأجر على العمل بنظره، كما يجوز؟ أن يستأجر على العمل بنظر المستأجر، وعلى العمل بنظر شخص ثالث وان كان نظرهما مخالفا لنظره، لانه يكفي في صحة الاجارة ترتب أثر عقلائي على العمل، وكل ذلك مما يترتب عليه أثر عقلائي ولو كان هو الفراغ الاحتياطي. نعم مع علم الاجير ببطلان العمل العبادي لا تصح الاجارة، لعدم القدرة على التقرب. أما إذا لم يكن العمل عبادة يكون الاجير قادرا على العمل حتى مع اعتقاد البطلان، وكذا لو كان عبادة مع احتمال كونه موضوعا للامر. حينئذ لا مانع من صحة الاجارة إذا كان يترتب عليه تفريغ ذمة المنوب عنه احتياطا ولو بنظر المستأجر. حتى لو كان الاجير

 

===============

 

( 88 )

 

[ (مسألة 55): إذا كان البائع مقلدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا، أو للعقد بالفارسي، والمشتري مقلدا لمن يقول بالبطلان، لا يصح البيع بالنسبة إلى البائع أيضا، لانه متقوم بطرفين (1) فاللازم أن يكون صحيحا من الطرفين. وكذا في كل عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه، ومذهب الاخر صحته. ] يعتقد عدم ترتب الاثر المذكور عليه، فان أمان المستأجر من الخطر كاف في كونه أثرا مصححا للاجارة وأخذ الاجرة. هذا حال الاجارة في مقام الثبوت، أما في مقام الاثبات فان كانت فرينة على تقييد العمل بنظر شخص معين تعين العمل عليها، وإلا كان مقتضى اطلاق الاجارة العمل بنظر الاجير على نحو ما تقدم في الوكيل. ومن ذلك تعرف حكم الوصي عن الميت في الاستنابة عنه في صلاة أو صيام فانه إن كانت قرينة على تقييد الوصية بالعمل بنظر شخص معين فالعمل عليها، وإلا كان مقتضى اطلاقها الاستنابة في العمل المطابق لنظر الوصي. وكذلك الحال في الوكيل عن الحي في الاستنابة عنه في العبادات التي تجوز فيها النيابة عن الحي فان مقتضي اطلاق التوكيل أن يكون عمل الاجير صحيحا بنظره لا بنظر الاجير ولا بنظر الاصيل. ومن ذلك تعرف الاشكال في بعض الحواشي على المقام. (1) هذا غير ظاهر، فان وجود العقد وان كان متقوما بالطرفين، كما أن حكمه الواقعي في مقام الثبوت متقوم بهما أيضا، فلا يكون إلا صحيحا للمتعاقدين معا أو فاسدا كذلك، إلا أن حكمه الظاهري يمكن التفكيك فيه بين الطرفين فيكون صحيحا في حق أحدهما فاسدا في حق

 

===============

 

( 89 )

 

[ (مسألة 56): في المرافعات اختيار (1) تعيين الحاكم بيد المدعي، إلا إذا كان مختار المدعى عليه أعلم. بل مع وجود الاعلم وامكان الترافع إليه الاحوط الرجوع إليه مطلقا. ] الآخر، كما أنه يمكن اختلافه بالنظر فيكون صحيحا بنظر أحدهما فاسدا بنظر الآخر وتختلف الآثار بالنسبة اليهما. ولا مانع من مثل هذا التفكيك فان الماء الواحد يمكن أن يكون طاهرا في حق أحد المكلفين ونجسا في حق الآخر. نعم ربما يؤدي ذلك إلى النزاع والمخاصمة فيتعين الرجوع إلى الحاكم في حسمهما. (1) الكلام (تارة): في صورة تساوي الحكام في الفضيلة، (وأخرى): في صورة اختلافهم، وكل منهما إما يكون الخصمان فيها مدعيا ومنكرا أو متداعيين. ففي الاول من الاولى لا اشكال عندهم في كون الاختيار بيد المدعي وفي المستند: دعوى الاجماع عليه. وهو العمدة فيه، المعتضد بالاجماع على أنه لو رفع أحد الخصمين أمره إلى الحاكم فطلب الحاكم الخصم الآخر وجب عليه الاجابة، وهذا لا يطرد في المنكر، لانه لو رفع امره إلى الحاكم لا يسمع منه انكاره، وان طلب تخليصه من دعوى المدعي لا تجب على الحاكم اجابته. هذا وقد استدل على الحكم المذكور بأن المدعي له الحق. فان كان المقصود منه الاشارة إلى الاجماع المذكور فهو، وإلا توجه عليه الاشكال: بأن المراد من الحق ان كان الحق المدعى فهو غير ثابت، وان كان حق الدعوى فهو لا يوجب كون اختيار الحاكم له. وفي الثاني من الاولى لا يكون الاختيار لواحد معين منهما، بل إذا سبق احدهما إلى رفع امره إلى الحاكم فحكم له نفذ حكمه. ولو رفعا امرهما إلى حاكمين ينفذ حكم من سبق بالحكم. لدخوله تحت أدلة النفوذ بلا مانع.

 

===============

 

( 90 )

 

ولو اقترنا لم ينفذ أحدهما، لعدم المرجح، ونفوذهما معا ممتنع للتنافي. وفي كفاية سبق حضور أحدهما عند الحاكم في تعينه إشكال، والاظهر عدمه لعدم الدليل عليه. نعم وجوب طلب الحاكم لغير الحاضر ووجوب اجابته عليه يقتضي تقديم الحاكم الذي يسبق الحضور عنده بعد الطلب، لا تقديم الحاكم بمجرد الحضور عنده وان لم يطلب لعذر. وأما الصورة الثانية بقسميها: فالمشهور المدعى عليه الاجماع وجوب الرجوع إلى الاعلم، لما في مقبولة ابن حنظلة من قوله: " فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم. فقال (ع): الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما.. " (* 1). لكن موردها صورة اختلاف الحكمين، والتعدي عنه إلى غيرها محتاج إلى قرينة مفقودة. بل هو خلاف ظاهر اطلاق ما في صدر الرواية فالعمل عليه متعين. ولا سيما وأن البناء على الترجيح بذلك يستدعي الترجيح بغيره من المرجحات المذكورة في رتبة المرجح المذكور وفي غيرها من الرتب، وهو مما لم يلتزم به أحد. نعم إذا كانت الشبهة حكمية وكان الاعلم قد تعين تقليده على المتخاصمين وجب الترافع عنده، لما عرفت من وجوب تقليد الاعلم. أما إذا كانت الشبهة موضوعية، أو كان الخصمان مجتهدين، أو مقلدين لمن هو أعلم منه مع الاتفاق في الفتوي، جاز الترافع إلى غير الاعلم. وبالجملة: ما دام لم يلزم من رفع المدعي أمره إلى غير الاعلم مخالفة لفتوى الاعلم الحجة لا مانع من الرجوع إلى غير الاعلم ويجب على الخصم متابعته. بل بناء على ما يأتي - من حجية الحكم بنحو يجوز نقض الفتوى به، ومن وجوب سماع الدعوى غير الجازمة يجوز لمن يقلد الاعلم في عدم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

 

===============

 

( 91 )

 

[ (مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه (1) ] استحقاق الحبوة أن يدعي الاستحقاق عند من يرى استحقاقها فإذا حكم له بها جاز له أخذها وان كان مذهب مقلده عدم جواز أخذها، لان حكم الحاكم مقدم في الحجية على الفتوى. فلاحظ. (1) كما لعله المشهور، وفى الجواهر: " لما هو المعلوم بل حكى عليه الاجماع بعضهم من عدم جواز نقض الحكم الناشئ عن اجتهاد صحيح باجتهاد كذلك، وانما يجوز نقضه بالقطعي من اجماع أو سنة متواترة أو نحوهما ". وكأنه لما في مقبولة ابن حنظلة من قوله (ع): " فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله " (* 1). لكن أطلق جماعة جواز النقض عند ظهور الخطأ، ففي الشرائع: " كل حكم قضى به الاول وبان للثاني فيه الخطأ فانه ينقضه، وكذا لو حكم به ثم تبين الخطأ، فانه يبطل الاول ويستأنف الحكم بما علمه "، ونحوها ما في القواعد والارشاد. فيحتمل أن يكون مرادهم صورة العلم بوقوع الخطأ فيه، سواء أعلم بخطأ للواقع أم بخطأه في طريق الواقع وان احتمل موافقته للواقع. ولعله مقتضى اطلاق العبارة. وحملها بعضهم على ما إذا كان الحكم ناشئا عن اجتهاد غير صحيح. واحتمل في الجواهر حملها على ما إذا تراضى الخصمان بتجديد الدعوى عند حاكم آخر. لكن كلا من الحملين مشكل، فان الثاني خلاف اطلاق ما دل على حرمة رد الحكم ووجوب تنفيذه، الشامل لصورة تراضي الخصمين برده، وليس هو من حقوق المحكوم له، كي يكون منوطا برضاه وعدمه. والاول مبني على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي الحديث: 1.

 

===============

 

( 92 )

 

أن الحكم الصادر عن اجتهاد صحيح حكم بحكمهم (ع) دون غيره، وهو غير ظاهر مع ثبوت الخطأ في الاستناد - كما إذا حكم اعتمادا على بينة غير عادلة مع اعتقاد عدالتها، أو على رواية اعتقد ظهورها في الحكم مع عدم ظهورها لدى الحاكم الآخر - أو ثبوت الخطأ في المستند - كما إذا اعتمد على ظاهر رواية لم يعثر على قرينة على خلافه وقد عثر عليها الحاكم الآخر، أو على بينة تزكي الشهود مع علم الحاكم الثاني بفسقهم ونحو ذلك - فان القضاء الصادر من الحاكم وان كان عن مبادئ مشروعة واجتهاد صحيح إلا أنه مخالف للواقع في نظر الحاكم الثاني، لقيام حجة عنده على الخلاف وحينئذ لا يكون حكما بحكمهم (ع). وبالجملة: الحكم الصادر من الحاكم الجامع لشرائط الحكم الصادر عن اجتهاد صحيح وان كان طريقا شرعا إلى الواقع لكل أحد، لكن كما يسقط عن الطريقية عند العلم بمخالفته للواقع، كذلك يسقط عن الطريقية عند العلم بوقوع الخطأ في طريقه وفي مباديه وقيام الحجة على خلافه، وان احتمل موافقته للواقع. وعلى هذا فاطلاق ما ذكره الجماعة من جواز نقض الحكم مع وقوع الخطأ فيه في محله. اللهم إلا أن يقال قوله (ع): " فإذا حكم بحكمنا " ولا يراد منه الحكم الواقعي الالهي، لان لازمه عدم وجوب تنفيذ الحكم مع الشك في كونه كذلك لعدم احراز قيد موضوعه. وكذا مع العلم، لان العلم حينئذ حجة، ولا معنى لجعل حجية الحجم حينئذ، بل المراد منه الحكم الواقعي بنظر الحاكم، فيكون النظر موضوعا لوجوب التنفيذ، فالمعنى أنه إذا حكم بما يراه حكمهم (ع) وجب قبوله وحرم رده. ومقتضى اطلاقه وجوب القبول ولو مع العلم بالخطأ في مباديه. نعم ينصرف عن الحكم الجاري على خلاف موازين الاستنباط عمدا أو سهوا أو نسيانا، ويبقى غيره داخلا في

 

===============

 

( 93 )

 

عموم الدليل وان علم فيه الخطأ في بعض المبادئ الذي يكثر وقوعه من المجتهدين، ولذا وقع الاختلاف بينهم في كثير من المسائل. نعم قد يشكل ذلك: بأن الارتكاز العقلائي في باب الحجية يساعد على اعتبار عدم العلم بالخطأ فيها، فمعه تنتفي الحجية. ويدفعه: أن حجية الحكم ليست من قبيل حجية الخبر عن حس أو حدس، بل فيه نحو من الموضوعية وشبه بها لانه منصب وولاية، فحكم الحاكم نظير حكم الوالي والامير واجب الاتباع ولو مع العلم بالخطأ ما دام يحتمل موافقته للواقع. وبالجملة: فرق واضح - في نظر العرف - بين جعل قول المجتهد: " حكمت بأن هذا نجس " حجة، وجعل قوله: " هذا نجس " حجة، فانه مع العلم بالخطأ في طريق الاول لا يسقط عن الحجية، وفي الثاني يسقط وان شئت قلت: مقتضى إطلاق ما دل على نفوذ الحكم نفوذه مطلقا على نحو الموضوعية. لذا صرح المصنف (ره) في قضائه (* 1) - تبعا لما في الجواهر - بوجوب تنفيذ الحكم وان كان مخالفا لدليل قطعي نظري كاجماع استنباطي وخبر محفوف بقرائن وامارات قد توجب القطع مع احتمال عدم حصوله للحاكم الاول. انتهى. وهذا لا يتم إلا على السببية المحضة والموضوعية للصرفة وإلا فلا معنى لجعل الطريقية في ظرف العلم بالخلاف أو الوفاق، فكيف يكون الحكم حجة مع القطع بخلافه؟. وان كان الالتزام بذلك صعبا جدا، لانه حكم بخلاف ما أنزل الله تعالى فكيف يحتمل وجوب قبوله وحرمة دره، ويكون الراد عليه الراد على الله تعالى، وأنه على حد الشرك بالله تعالى؟!. وفي صحيح هشام بن الحكم: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله. إنما أقتضي بينكم بالبينات والايمان، وبعضكم

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 32 من الفصل الاول من كتاب القضاء.

 

===============

 

( 94 )

 

ألحن بحجته من بعض، فأيما اقتطعت له من مال أخيه شيئا فانما قطعت له به قطعة من النار " (* 1). فان هذا صريح في عدم موضوعية للحكم. ومورده وان كان الشبهات الموضوعية، لكن دليل وجوب القبول وحرمة الرد إذا حمل على الطريقية في الشبهات الموضوعية لابد أن يحمل عليها في الشبهات الحكمية، لعدم امكان التفكيك عرفا بين الموردين في الدليل الواحد، فيتعين حمل الدليل على الطريقية والحجية. ولاجل أنه يمتنع جعل الطريقية في ظرف العلم بالواقع يمتنع العمل بالدليل مع العلم بمخالفة الحكم للواقع. أما مع احتمال الموافقة للواقع فيجب العمل بدليل حجيته وان علم بوقوع الخطأ في طريقه، لما عرفت من أنه سنخ آخر في قبال سنخ الخبر والفتوى، ولم يثبت عند العقلاء قدح مثل هذا العلم بالخطأ في الحجية عندهم على نحو يكون كالقرينة المتصلة التي يسقط بها اطلاق المطلق، فالعمل بالاطلاق متعين. فان قلت: سلمنا عموم دليل الحجية لجميع صور احتمال الموافقة للواقع حتى مع العلم بالخطأ في الاستناد، أو المستند، أو قيام حجة على خلافه، لكن العموم المذكور المعارض بدليل حجية الحجة القائمة على الخلاف، فما الوجه في تقديم دليله على دليل تلك الحجة؟ قلت: مورد دليل حجيته - وهو مقبولة ابن حنظلة - صورة التنازع في الميراث، الظاهر في التنازع في الحكم الكلي على وجه الجزم، وهو إنما يكون مع الحجة، فلو بني على العمل بالحجة في مقابل الحكم لزم تخصيص المورد وهو غير جائز، فيتعين البناء على الاخذ بالحكم ورفع اليد عن الحجة. نعم مقتضى اطلاق مورد المقبولة العموم لصورة العلم بالخلاف. لكن يجب الخروج عن الاطلاق في الصورة المذكورة بقرينة امتناع جعل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث: 1.

 

===============

 

( 95 )

 

[ ولو مجتهد آخر، إلا إذا تبين خطؤه (1). (مسألة 58): إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره، ثم تبدل رأي المجتهد في تلك المسألة، لا يجب على الناقل إعلام من سمع منه الفتوى الاولى، وان كان أحوط. بخلاف ما إذا تبين له خطؤه في النقل، فانه يجب عليه الاعلام (2) ] الحجية في صورة العلم بالخلاف. هذا والمتحصل مما ذكرنا: أن الحكم إذا كان معلوم المخالفة للواقع لا يجوز الاخذ به، ومتى كان محتمل الموافقة للواقع يجوز الاخذ به، بل يجب سواء أعلم بالخطأ في طريق ذلك الحكم في الاستناد أو المستند أم لا، وسواء أقامت حجة على خلافه أم لا. نعم إذا كان الخطأ ناشئا عن تقصير في الاجتهاد عمدا أو سهوا، بحيث كان جاريا على خلاف الموازين اللازمة في الاجتهاد، فلا يجوز العمل به، لانصراف دليل حجيته عن مثل ذلك. نعم يشكل ذلك بأن لازمه أن لو كان المختصمان عالمين بالواقع لا مجال لحكم الحاكم، مع قيام الاجماع على فصل الخصومة به. ويدفعه: أن الاجماع المذكور هو المستند لا المقبولة ونحوها، بل ما في ذيل المقبولة من الرجوع إلى المرجحات ظاهر في اختصاصها بصورة عدم العلم بالواقع. (1) بناء على ما عرفت منا لا يصح هذا الاستثناء، إلا إذا حمل على تبين خطأ المجتهد في مخالفة الواقع تبينا علميا. وبناء على ما ذكره المصنف (ره) - تبعا لصاحب الجواهر - لا يصح إلا إذا حمل على تبين الخطأ على نحو لا يكون الاجتهاد صحيحا. (2) الظاهر أن هذا التفصيل بين الفرضين مبني على حرمة التسبيب إلى الوقوع في الحرام، وكون الفرض الثاني منه دون الاول. وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثامنة والاربعين فراجع.

 

===============

 

( 96 )

 

[ (مسألة 59): إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا (1). وكذا البينتان. وإذا تعارض النقل مع السماع من المجتهد شفاها قدم السماع (2). وكذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع (3). وفي تعارض النقل مع ما في الرسالة قدم ما في الرسالة (4) ] (1) لاصالة التساقط في المتعارضين. لكن عرفت فيما سبق تقريب عموم أدلة الترجيح والتخيير للمقام. فلاحظ المسألة العشرين. هذا مع العلم بعدم العدول، فلو احتمل وكان التاريخ مختلفا تعين العمل بالمتأخر. وكذا الكلام فيما يأتي من صور التعارض. (2) لان النقل طريق إلى السماع، فالعمل بالسماع يستوجب العلم بمخالفته للواقع. هذا مع وحدة التاريخ، وأما مع اختلافه وعدم احتمال العدول، فانه وان كان التعارض - بدوا - حاصلا بينهما. لكن العرف يقدم السماع على النقل. بل يمكن دعوى انصرف دليل الحجية عن مثله. (3) إذا لم تكن الرسالة بخط المجتهد كان الفرض راجعا إلى الفرض السابق، لان الكاتب للرسالة بمنزلة المخبر عن المجتهد، ولو بواسطة حكاية الكاتب عن خط المجتهد الحاكي عن قوله. وأما إذا كانت الرسالة بخط المجتهد فيشكل الترجيح، لان الخط حاك عن الفتوى، فيكون التعارض قائما بين خطه وقوله، وأصالة عدم الخطأ فيهما على حد واحد. نعم لو ثبت عند العقلاء ترجيح الاوثق منهما كان العمل عليه أيهما كان. وكذا في الفرض الآتي. (4) إن كانت الرسالة بخطه كان الفرض نظير تعارض السماع والنقل لان الخط بمنزلة القول. وان كانت بغير خطه كان من قبيل تعارض النقلين فيجري عليه حكمه.

 

===============

 

( 97 )

 

[ مع الامن من الغلط (1). (مسألة 60): إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها، ولم يكن الاعلم حاضرا فان أمكن تأخير الواقعة إلى السؤال وجب ذلك (2)، وإلا فان أمكن الاحتياط تعين (3)، وان لم يمكن يجوز الرجوع إلى مجتهد آخر الاعلم فالاعلم، وان لم يكن هناك مجتهد آخر، ولا رسالته، يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء (4)، إذا كان هناك من يقدر على تعيين ] (1) يعني: بالمقدار اللازم في جريان أصالة عدم الخطأ. ويحتمل أن يكون المراد الوثوق التام، ويكون هو الوجه في الترجيح على النقل، لعدم حصول ذلك فيه. (2) قد عرفت في اوائل المبحث أنه لا مانع من العمل بالاحتياط حتى مع التمكن من الامتثال التفصيلي، وعليه فلا يجب التأخير إلا حيث يتعذر الاحتياط. (3) هذا مبني على عدم عموم الاجماع على عدم لزوم الاحتياط على العامي مع امكان التقليد للمقام، وإلا جاز له الرجوع إلى غير الاعلم. وعلى عدم اطلاق يدل على حجية الفتوى، وإلا تعين العمل به بالنسبة إلى فتوى غير الاعلم مع عدم العلم بالمخالفة للاعلم تفصيلا أو اجمالا، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث وجوب الفحص عن الاعلم. فراجع المسألة الثانية عشرة. فكأن موضوع كلام المصنف (ره) صورة العلم بالاختلاف، وأن الاجماع على جواز الرجوع إلى غير الاعلم مختص عنده بصورة تعذر الاحتياط. (4) كما تقتضيه مقدمات الانسداد الجارية في الواقعة الخاصة المقتضية للاخذ بالظن الاقوى فالاقوى، فلو بني على عدم تماميتها جاز عقلا الاخذ

 

===============

 

( 98 )

 

[ قول المشهور. وإذا عمل بقول المشهور، ثم تبين له بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الاعادة أو القضاء (1)، وإذا لم يقدر على تعيين قول المشهور يرجع إلى أوثق الاموات، وان لم يمكن ذلك أيضا يعمل بظنه، وان لم يكن له ظن بأحد الطرفين يبني على أحدهما. وعلى التقادير بعد الاطلاع على فتوى المجتهد ان كان عمله مخالفا لفتواه فعليه الاعادة أو القضاء. (مسألة 61): إذا قلد مجتهدا ثم مات، فقلد غيره ثم مات، فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه، فهل يبقى على تقليد المجتهد الاول أو الثاني؟ الاظهر الثاني (2)، والاحوط مراعاة الاحتياط. ] بأحد المحتملات على التخيير. وكذا الحال في الرجوع إلى أوثق الاموات وما بعده. (1) بناء على أن مقدمات الانسداد الجارية في الواقعة إنما تقتضي حجية الظن بنحو الحكومة لا الكشف، وإلا جرى ما تقدم في المسألة الثالثة والخمسين، وكذا الحال في صورة الرجوع إلى غير الاعلم، فانه لو بني على حجية فتواه شرعا - ولو بتوسط مقدمات الانسداد بناء على الكشف - كان الحكم ما تقدم في مسألة المذكورة. أما بناء خلاف ذلك، فيتعين التدارك بالاعادة أو القضاء. (2) لان تقليد الاول قد انقطع بتقليد الثاني المفروض الصحة، فالرجوع إلى الاول بعد تقليد الثاني ليس من البقاء على التقليد، بل هو من التقليد الابتدائي، فان كان رأي الثالث وجوب البقاء تعين البقاء على تقليد الثاني وإذا كان رأيه جواز البقاء وجواز العدول تخير المكلف بين البقاء

 

===============

 

( 99 )

 

[ (مسألة 62): يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة والالتزام بالعمل بما فيها (1)، وان لم يعلم ما فيها ولم يعمل فلو مات مجتهده يجوز له البقاء. وان كان الاحوط مع عدم العلم، بل مع عدم العمل ولو كان بعد العلم، عدم البقاء ] على تقليد الثاني والعدول إلى الثالث. هذا بناء على ما تقدم في المسألة الثالة والخمسين من عدم انتقاض التقليد الصحيح الواقع في زمان بتقليد مجتهد آخر في زمان لاحق، لعدم حجية رأي المجتهد اللاحق بالاضافة إلى الوقائع السابقة المطابقة لرأي المجتهد في ذلك الزمان. أما بناء على الانتقاض، فان كان رأي المجتهد الثالث وجوب البقاء على تقليد الميت، تعين على المكلف البقاء على تقليد الاول لان عدوله السابق إلى الثاني - بعد موت الاول - في غير محله في نظر المجتهد الثالث. وان كان رأيه جواز العدول وجواز البقاء جاز للمكلف البقاء على تقليد الثاني، والعدول إلى الثالث. وان كان رأيه وجوب العدول تعين العدول من الثاني إليه. وعلى هذا ما استظهره المصنف (ره) مبني على ما تقدم منه في المسألة الثالثة والخمسين. (1) قد عرفت أن أخذ الرسالة والالتزام، ونحوهما، مما لا يرتبط بالتقليد، بل ليس هو إلا العمل اعتمادا على فتوى المجتهد. كما لا ينبغي التأمل في كفاية ثبوت حجية الرأي آناما في جواز الاستصحاب الذي هو الوجه في وجوب البقاء وجوازه، ولا يتوقف على العمل، ولا على الالتزام. نعم بناء على ما ذكرنا من كون التقليد هو العمل برأي الغير فمع عدم العمل حال الحياة يكون العمل بعد الوفاة برأي المجتهد من قبيل التقليد الابتدائي للميت الذي حكي الاجماع على المنع عنه، وان كان الاستصحاب، وبناء العقلاء، يقتضيان عدم الفرق بين العمل وعدمه. ولكن عموم الاجماع لمثل

 

===============

 

( 100 )

 

[ والعدول إلى الحي. بل الاحوط استحبابا على وجه عدم البقاء مطلقا، ولو كان بعد العلم والعمل (1). (مسألة 63): في احتياطات الاعلم إذا لم يكن له فتوى يتخير المقلد بين العمل بها، وبين الرجوع إلى غيره (2) الاعلم فالاعلم. (مسألة 64): الاحتياط المذكور في الرسالة إما ] الفرض لا يخلو من تأمل. وأشكل منه ما لو تحقق الالتزام فقط بلا عمل فان وجود القول بجواز البقاء في مثله مانع عن انعقاد الاجماع على المنع عنه وان لم يتحقق التقليد. ومثله ما لو تحقق العمل بلا اعتماد على الفتوى، فانه وان لم يتحقق، لكن انعقاد الاجماع على المنع عن بقاء الحجية في مثله غير واضح، وان كان قريبا. فراجع وتأمل. كما أنك عرفت في المسألة الثالثة والخمسين: أن صحة الاعمال السابقة تتوقف على مطابقتها للفتوى الحجة حال العمل ولا تتوقف على الاعتماد على الفتوى حال العمل الذي هو من مقومات التقليد، فالصحة ليست موقوفة على تحقق التقليد، بل موقوفة على الحجية واقعا. فلاحظ. (1) كأن المراد بهذ الوجه احتمال عموم معاقد الاجماعات على عدم جواز تقليد الميت للحدوث والبقاء، وان كان يعارض هذا الاحتمال احتمال المنع، كما نسب إلى اكثر القائلين بجواز البقاء. فالعدول موافق للاحتياط في وجه مخالف له في وجه آخر. (2) هذا التخيير موقوف في العبادات على جواز الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي، فلو قيل بعدمه تعين التقليد لغير الاعلم، ولا يجوز له العمل بالاحتياط مع التمكن من تقليد غيره الاعلم.

 

===============

 

( 101 )

 

[ استحبابي، وهو ما إذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوى، وإما وجوبي، وهو ما لم يكن معه فتوى، ويسمى بالاحتياط المطلق وفيه يتخير المقلد بين العمل به والرجوع إلى مجتهد آخر (1). وأما القسم الاول، فلا يجب العمل به، ولا يجوز الرجوع إلى الغير بل يتخير بين العمل بمقتضى الفتوى، وبين العمل به. (مسألة 65): في صورة تساوي المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء كما يجوز له التبعيض حتى في أحكام العمل الواحد (2)، حتى أنه لو كان - مثلا - فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة واستحباب التثليث في التسبيحات الاربع، وفتوى الاخر بالعكس، يجوز أن يقلد الاول في استحباب التثليث، والثاني في استحباب الجلسة. ] (1) قد عرفت أنه لا يتم على إطلاقه، بناء على عدم جواز الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي. (2) قد عرفت في المسألة الثالثة والثلاثين الاشكال في جوار التبعيض ولا سيما في العمل الواحد، فقد يشكل بالخصوص بأن الصلاة الفاقدة لجلسة الاستراحة المقتصر فيها علي تسبيحة واحدة باطلة في نظر كل واحد منهما، فالاقتصار عليها في مقام الامتثال مخالفة لهما معا. وفيه: أنه - بعد البناء على جواز التبعيض في التقليد - لا تقدح مخالفة كل واحد من المجتهدين مستقلا، لعدم تقليد كل واحد منهما كذلك، بل لما كان التقليد لهما معا على نحو الانضمام فالقادح مخالفتهما كذلك وهي منتفية، لان الصلاة المذكورة موافقة لهما معا. فان قلت: كما أنها موافقة لهما كذلك مخالفة لهما. (قلت): هذا

 

===============

 

( 102 )

 

[ (مسألة 66): لا يخفى أن تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي إذ لابد فيه من الاطلاع التام. ومع ذلك قد يتعارض الاحتياطان، فلابد من الترجيح. وقد لا يلتفت إلى اشكال المسألة حتى يحتاط. وقد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط. مثلا الاحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الاحوط التوضؤ به، بل يجب ذلك بناء على كون الاحتياط الترك استحبابيا، والاحوط الجمع بين التوضؤ به التيمم. وأيضا الاحوط التثليث في التسبيحات الاربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت ويلزم من التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت، فالاحوط ترك هذا الاحتياط، أو يلزم تركه. وكذا التيمم بالجص خلاف الاحتياط، لكن إذا لم يكن معه الا هذا فالاحوط التيمم به، وان كان عنده الطين - مثلا - فالاحوط الجمع، وهكذا. ] مسلم، لكن مخالفتهما في غير مورد التقليد لهما، أما في مورد التقليد لهما فهي موافقة لهما لا غير، كما يظهر من مقايسة المقام بالتبعيض في عملين كالصلاة والصيام. فان قلت: المجتهد المفتي بعدم وجوب جلسة الاستراحة إنما يفتي بذلك في الصلاة المشتملة على التسبيحات الثلاث، كما أن المفتي بالاقتصار على تسبيحة واحدة إنما يفتي بذلك فيما اشتمل على جلسة الاستراحة، فترك جلسة الاستراحة والاقتصار على تسبيحة واحدة ليس عملا بفتوي المجتهدين ولو على نحو الانضمام (قلت): الارتباط بين الاجزاء في الثبوت والسقوط لا يلازم الارتباط بينها في الفتوى، فان مرجع الفتويين إلى عدم جزئية الجلسة

 

===============

 

( 103 )

 

[ (مسألة 67): محل التقليد ومورده هو الاحكام الفرعية العملية، فلا يجري في الاصول الدين (1). ] وعدم جزئية ما زاد على التسبيحة الواحدة، وليس هو ارتباطيا. فالعمدة في الاشكال على جواز التقليد للمجتهدين في العمل الواحد هو إشكال التبعيض الذي تقدمت الاشارة إليه. (1) إجماعا ادعاه جماعة، بل ادعي اجماع المسلمين عليه. ويقتضيه في معرفة الله جل شأنه، وفي معرفة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله: أن الوجه في وجوب المعرفة عقلا من مناط وجوب شكر المنعم، وفي وجوبها فطرة من مناط وجوب دفع الضرر المحتمل لا يحصل بالتقليد، لاحتمال الخطأ في الرأي فلا يحصل الامن من الخطر ولا الامن مما ينافي الشكر. وحجية الرأي تعبدا إنما توجب الامن من ذلك على تقدير المعرفة، فيمتنع أن تثبت بها ولو تعبدا. وأما باقي الاصول فعدم جواز التقليد فيها للاجماع المتقدم. وأما ما دل على وجوب العلم والمعرفة من الآيات، والروايات، فلا يقتضى ذلك، لان دليل حجية الرأي - لو تم - يوجب حصول المعرفة بها تعبدا تنزيلا. ولا يتوجه الاشكال المتقدم هنا، لان المعرفة فيما عدا الاصلين الاولين ليست شرطا في الحجية، وانما الشرط المعرفة بهما لا غير والمفروض حصولها، فإذا العمدة في عدم جواز التقليد هو الاجماع. فان قلت: تكفي في عدم جواز التقليد أصالة عدم الحجية. (قلت): لا مجال للاصل المذكور مع الدليل، وهو ما دل على حجية الرأي في الفروع كبناء العقلاء، وقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر) (* 1) وقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) (* 2) ونحوهما من أدلة التقليد في

 

 

____________

(* 1) النحل: 43. (* 2) التوبة: 122.

 

===============

 

( 104 )

 

[ وفي مسائل أصول الفقه (1)، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما (2). ] الفروع، فانها - لو تمت دلالتها على جوازه في الفروع - دلت على جوازه في الاصول بنحو واحد، فليس الموجب للخروج عن عموم الادلة إلا الاجماع المستفيض النقل. وتمام الكلام في هذا المقام موكول إلى محله، كالكلام في وجوب كون المعرفة عن النظر والدليل - كما هو المنسوب إلى جمع - وعدم وجوبه - كما نسب إلى آخرين - وحرمته - كما نسب إلى غيرهم - وان كان الاظهر الاول مع خوف الضلال بدون النظر، والاخير مع خوف الضلال به، والثاني مع الامن من الضلال على تقدير كل من النظر وعدمه فراجع وتأمل. (1) لخروجها عن محل الابتلاء للعوام المقلدين، فلو فرض كونها محلا للابتلاء - ولو بتوسط النذر ونحوه - لم يكن مانع من عموم أدلة التقليد لها. ولذا جزم المصنف - رحمه الله - في صدر المسألة السادسة والاربعين، بأنه يجب على العامي أن يقلد الاعلم في مسألة وجوب تقليد الاعلم وفى المسألة الخامسة عشرة بوجوب رجوع العامي إلى الحي الاعلم في جواز البقاء وعدمه، ويظهر منه - قدس سره - ومن غيره كونهما من المسائل الاصولية، وان كان التحقيق أنهما من المسائل الفرعية، لا من الاصولية، لعدم وقوعهما في طريق استنباط الاحكام كما أشرنا إلى ذلك آنفا. (2) هذا يتم في ما يقع في طريق استنباط الحكم الكلي، أما ما يقع في طريق تطبيق الحكم الكلي وتشخيص موضوع الامتثال - مثل كثير من مسائل النحو والصرف المحتاج إليها في تصحيح القراءة والذكر، والاذان، والاقامة وصيغ العقود، والايقاعات، مثل مسائل الادغام، والمد والوقف على الساكن والتحريك في الدرج، وغير ذلك من المسائل الموقوفة على نظر

 

===============

 

( 105 )

 

[ ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية (1)، ولا في الموضوعات الصرفة. فلو شك المقلد في مائع أنه خمر أو خل - مثلا - وقال المجتهد إنه خمر لا يجوز له تقليده. نعم من حيث أنه مخبر عادل يقبل قوله كما في اخبار العامي العادل، وهكذا. وأما الموضوعات المستنبطة الشرعية - كالصلاة والصوم ونحوهما - فيجري التقليد فيها كالاحكام العملية. ] لا يتمكن منه العامي مما سيتعرض له المصنف (ره) في مباحث القراءة - فلابد فيها من التقليد لعموم أدلته. نعم المسائل التي لا يحتاج إليها إلا في مقام استنباط الحكم الكلي لا مجال للتقليد فيها، لخروجها عن محل الابتلاء بالنسبة إلى العامي. (1) موضوعات الاحكام الشرعية قسمان: (الاول): ما يكون مفهومه شرعيا مخترعا للشارع الاقدس، سواء قلنا بالحقيقة الشرعية أم لا كالصلاة والصيام ونحوهما. (الثاني): ما لا يكون كذلك بأن كان عرفيا أو لغويا. وكل منهما إما أن يكون المفهوم بذاته وحدوده واضحا لا يحتاج إلى نظر واجتهاد، وإما أن يكون محتاجا إلى ذلك. فالاول من كل منهما لا يحتاج إلى تقليد لوضوحه لدى العامي كالمجتهد، فلا معنى لحجية رأي المجتهد فيه، والثاني من كل منهما محتاج إلى التقليد، لعموم أدلته، كالصلاة والصيام والصعيد، والغناء والاناء، والجذع والثني، ونحوها. والبناء على عدم جواز التقليد فيها يقتضي البناء على وجوب الاجتهاد أو الاحتياط فيها ولا يظن الالتزام به من أحد، فضلا عن المصنف (ره) فقد ادرج - كغيره - بيان مفهوم مثل هذه الموضوعات في هذه الرسالة وغيرها من رسائله المعدة للفتوى والعمل بها. فلاحظ.

 

===============

 

( 106 )

 

[ (مسألة 68): لا يعتبر الاعلمية في ما أمره راجع إلى المجتهد (1) إلا في التقليد. وأما الولاية على الايتام والمجانين والاوقاف التي لا متولي لها والوصايا التي لا وصي لها ونحو ذلك، فلا يعتبر فيها الاعلمية. نعم الاحوط في القاضي أن ] (1) الظاهر أن هذا مما لا إشكال فيه، لاطلاق مثل التوقيع الشريف: " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا " (* 1). وما دل على أن العلماء ورثة الانبياء (* 2)، وانهم كانبياء بني اسرائيل (* 3)، وانهم خلفاء النبي صلى الله عليه وآله (* 4)، ونحو ذلك. لكن قد تعرضنا في (نهج الفقاهة) (* 5) للمناقشة في تمامية ما ذكر لاثبات الولاية للفقيه، لقصور سند بعضها، ودلالة الآخر. وذكرنا هناك أن العمدة في إثبات الولاية ما دل على كون المجتهد قاضيا وحاكما الظاهر في ثبوت جميع ما هو من مناصب القضاة والحكام له. فحينئذ يشكل الحكم فيما لم يثبت كونه من مناصب القضاة والحكام، فان ثبوت ولاية المجتهد فيه إنما يكون من جهة العلم باذن الشارع في التصرف، أو عدم رضاه بتركه واهمال الواقعة. لكن الدليل المذكور لما كان لبيا تعين الاقتصار فيه على القدر المتيقن، وهو ولاية الاعلم عند التمكن منه، كالاقتصار على المتيقن وهو ولاية المجتهد عند التمكن منه. فالعمدة إذا في عدم اعتبار الاعلمية ظهور الاجماع عليه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 10. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب صفات القاضي حديث: 2. (* 3) مستدرك الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 30 (* 4) الوسائل باب: 11 من صفات القاضي حديث: 8. (* 5) راجع الصفحة: 299.

 

===============

 

( 107 )

 

{ يكون أعلم (1) من في ذلك البلد أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه. (مسألة 69): إذا تبدل رأي المجتهد هل يجب عليه اعلام المقلدين أم لا؟ فيه تفصيل (2)، فان كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط، فالظاهر عدم الوجوب، وان كانت مخالفة فالاحوط الاعلام، بل لا يخلو عن قوة. (مسألة 70): لا يجوز للمقلد اجراء (3) أصالة البراءة، أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية. وأما في الشبهات الموضوعية فيجوز بعد أن قلد مجتهده في حجيتها. مثلا إذا شك في أن عرق الجنب من الحرام نجس أم لا ليس له إجراء أصل الطهارة، لكم في أن هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا، يجوز له اجراؤها بعد أن قلد المجتهد في جواز الاجراء. (مسألة 71): المجتهد غير العادل، أو مجهول الحال لا يجوز تقليده (4) وان كان موثوقا به في فتواه. ولكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه. وكذا لا ينفذ حكمه ولا تصرفاته في الامور ] (1) تقدم الكلام في هذا في المسألة السادسة والخمسين. (2) تقدم الكلام في هذا في المسألة الثامنة والاربعين وغيرها. (3) لان إجراءها مشروط بالفحص، رهو عاجز عنه، فاجراؤها بدونه مخالفة لدليل الشرطية. وهذا بخلاف الشبهات الموضوعية، فان إجراءها ليس مشروطا بالفحص، ولو فرض اشتراطه به فليس هو بعاجز عنه، فلا مانع من رجوعه إليها عند اجتماع الشرائط كالمجتهد. (4) يعنى: لا يجوز تقليده واقعا في الاول، لفقد الشرط، وظاهرا

 

===============

 

( 108 )

 

[ العامة، ولا ولاية في الاوقاف والوصايا وأموال القصر والغيب. (مسألة 72): الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل، الا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاها، أو لفظ الناقل، أو من ألفاظه في رسالته. والحاصل: أن الظن ليس حجة (1) الا إذا كان حاصلا من ظواهر الالفاظ منه أو من الناقل. ] في الثاني، لعدم ثبوت حجية رأيه. وكذا الحال في باقي الاحكام. (1) لما دل على نفي حجيته من الادلة الشرعية والعقلية، من دون ثبوت مخصص. والله سبحانه ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين