فصل في النية

يجب في الصوم القصد إليه، مع القربة والاخلاص (4) } أما صحيح يونس عن أبي الحسن الماضي (ع): " أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة " (* 1) فالاستدلال به يتوقف على عمومه للمقام، بأن يراد من الحد ما يعم التعزير. وهو كما ترى. (1) كما هو المحكي عن بعض. للمرسل: " إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة " (* 2). وضعفه - لعدم صلاحية المرسل لمعارضة ما سبق - ظاهر. وكونه أحوط غير ظاهر. لانه مخالف للادلة المتقدمة. وأهمية القتل إنما تقتضي تقديم الاحتياط فيه على الاحتياط في غيره عند تزاحم الاحتياطين. وذلك في غير ما نحن فيه. (2) كما عن التذكرة وجماعة. ويقتضيه ظاهر ما سبق. لا أقل من عدم إطلاقه بنحو يشمل صورة عدمه، كما لا يخفى. (3) لاطلاق مادل على أن الحدود تدرأ بالشبهات. فصل في النية (4) بلا خلاف. لكونه من العبادات المعتبر فيها ذلك اجماعا. نعم الظاهر، بل الذي لا ينبغي التأمل فيه: أنه لا يعتبر فيه أن يكون الترك

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب مقدمات الحدود حديث: 1. (* 2) لم نعثر على ذلك، وإنما روي ذلك مرسلا في خصوص شارب الخمر. لاحظ الوسائل باب: 11 من ابواب حد المسكر حديث: 7.

 

===============

 

( 196 )

 

{ كسائر العبادات. ولا يجب الاخطار بل يكفي الداعي (1). ويعتبر فيما عدا شهر رمضان - حتى الواجب المعين أيضا - القصد إلى نوعه (2)، من الكفارة، أو القضاء، أو النذر، } للمفطرات في كل آن من آنات النهار مستندا إلى إرادة موافقة أمر الله تعالى. وإلا لزم بطلان الصوم بانتفاء ذلك بالنوم، أو الغفلة، أو العجز عن ارتكاب المفطر، أو عدم الرغبة فيه، أو وجود المنفر الطبعي عنه، بناء على قدح الضميمة في عبادية العبادة، وذلك مما لا يمكن الالتزام به ضرورة بل المعتبر فيه: استقلال داعي الموافقة للامر في الزجر عن المفطر على تقدير الالتفات والاختيار وعدم وجود المتقضي الخارجي للزجر عنه. فلا يقدح فيه النوم، والغفلة، والعجز، ووجود المتقضي الخارجي للزجر عنه، كما في الموارد المذكورة إذا فرض تحقق داعي موافقة الامر الشرعي بنحو يستقل في الزجر لولا ما ذكر، وإنما يقدح فيه عدم تحقق داعي الموافقة للامر الشرعي أصلا، أو عدم صلاحيته للاستقلال في الزجر. فالعبادية المعتبرة في آنات الصوم إنما هي عبادية فاعلية، لافعلية، كما في سائر العبادات ولعل ذلك يجري أيضا في بعض الواجبات العبادية، كالوقوف في عرفات أو المشعر الحرام. (1) كما تقدم بيانه مفصلا في نية الوضوء. فراجع. (2) وهو في غير المعين قول علمائنا - كما عن المنتهى - وقول العلماء كافة - كما عن التذكرة - وعند الاصحاب - كما عن المعتبر - وبلا خلاف يعرف - كما عن التنقيح - وإجماعا - كما عن السرائر، والتحرير، وغيرهما وظاهر الشرائع. ويدل عليه - مضافا إلى ذلك -: أن الفعل العبادي لا يصح عبادة إلا إذا قصد إيقاعه على النحو الذي أخذ موضوعا للتكليف، لما عرفت في نية الوضوء من أن قوام العبادية انفعال المكلف بأمر المولى،

 

===============

 

( 197 )

 

بنحو تحدث له إرادة تكوينية تابعة للارادة التشريعية للمولى، فلابد أن تتعلق إرادة العبد بما تعلقت به إرادة مولاه، وهذا معنى قصد موضوع الامر على النحو الذي أخذ موضوعا له. فإذا فرض أن صوم الكفارة بعنوان كونه كفارة قد أخذ موضوعا للامر، فلا يكون عبادة إلا إذا قصد الاتيان به معنونة بذلك العنوان. نعم قد يتوهم فيدعى: أن ظاهر الادلة السمعية كون موضوعها نفس الصوم الذي هو الماهية المشتركة بين أفراده، فإذا كان على المكلف صوم يوم قضاء وصوم يوم كفارة فقد وجب عليه صوم يومين لاميز بينهما إلا بمحض الاثنينية، فلا مجال للتعيين، فضلا عن وجوبه. فلو صام يوما واحدا سقط عنه صوم يوم وبقي عليه صوم يوم آخر. ولكنه كما ترى، بل ظاهر نصوص الامر بالقضاء والكفارة ونحوهما: أخذ العنوان من القضاء والكفارة أو نحوهما في موضوع الامر، فلابد من قصده ليقع عبادة، كما عرفت. ويشهد به أيضا اختلافها بخصوصيات أخر، مثل التضييق والتوسعة، والسقوط مع العجز بلا بدل ومع البدل وغير ذلك، فان اختلافها في الخصوصيات المذكورة يدل على اختلافها بالقيود والحدود. كما يظهر أيضا من نصوص عدم جواز الصوم ندبا لمن عليه فريضة: أن الصوم المندوب غير الصوم الواجب يمكن أن يقصد أحدهما بعينه. فيسقط أمره ويبقى أمر الآخر، نظير النافلة والفريضة في الصلاة. نعم لا يبعد الالتزام برجحان طبيعة الصوم في نفسها، عدا الحرم منه، وتعرضها خصوصيات أخرى موجبة له من قضاء أو كفارة، فإذا قصد النفس الطبيعة بلا خصوصية وقع مندوبا، وإذا قصدها مع الخصوصية الاخرى وقع ذو الخصوصية وترتبت عليه أحكامه.

 

===============

 

( 198 )

 

{ مطلقا كان أو مقيدا بزمان معين (1)، من غير فرق بين الصوم الواجب والمندوب. ففي المندوب أيضا يعتبر تعيين نوعه، } هذا في غير رمضان، أما هو فلا يشرع فيه غير فرضه أصلا، فلا يصح ولو ندبا وإن قصد صرف الطبيعة الراجحة، كما سيأتي. (1) كما هو المشهور. ونسب إلى الشيخ، والمحقق، والعلامة في بعض كتبه، والشهيد في كتبه الثلاثة. وهو واضح جدا بناء على أن النذر يوجب كون الفعل المنذور ملكا لله سبحانه على المكلف، كما هو الظاهر. ويقتضيه مفهوم صيغة النذر، لان تسليم ما في الذمة يتوقف على قصد المصداقية، ولولاه لم يتعين الخارجي لذلك، كما في سائر موارد ما في الذمة من الديون المالية عينا كانت أو فعلا. وبذلك أيضا يتضح وجه اعتبار التعيين في الصوم الواجب بالاجارة والشرط ونحوهما. أما بناء على عدم إيجاب النذر ذلك، بل إنما يقتضي وجوب المنذور فقط، يشكل اعتبار قصد التعيين، بل يكفي قصد نفس العنوان المنذور في سقوطه، لانطباق موضوعه عليه قهرا. فان قلت: الوجوب الآتي من قبل النذر إنما يتعلق بعنوان الوفاء، كما يقتضيه ظاهر أدلة النفوذ، فيجب قصد الوفاء في سقوط أمر النذر، كما هو الحال في الامر بالكفارة والقضاء. قلت: أولا: إن الامر بالوفاء بالنذور ليس مولويا، بل هو إرشادي إلى صحة النذر، نظير الامر بالوفاء بالعقود والشروط وغيرها، كما أوضحناه فيما علقناه على مباحث الشرط من مكاسب شيخنا الاعظم (ره). وثانيا: إنه لو سلم كونه مولويا فالظاهر كونه توصليا، لاتعبديا، فلا يتوقف سقوطه على قصد امتثاله، بل يكفي في سقوطه الاتيان بمتعلقه، وهو فعل نفس المنذور. نعم لو بني على أن الواجب عنوان الوفاء بالنذر بنحو يكون قصديا، توقف وجوده على قصده لكن الظاهر أنه ليس كذلك، بل ليس الواجب إلا فعل المنذور لا غير

 

===============

 

( 199 )

 

{ من كونه صوم أيام البيض مثلا أو غيرها من الايام المخصوصة (1) فلا يجزي القصد إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع، من غير فرق بين ما إذا كان ما في ذمته متحدا أو متعددا، } ومما ذكرنا يظهر أن ما حكي عن السيد. والحلي والعلامة في جملة من كتبه والمدارك وغيرهم: من عدم اعتبار التعيين فيه ينبغي أن يكون مبنيا على ذلك لاغير. وأما الاستدلال له: بأنه زمان يتعين بالنذر للصوم، فكان كشهر رمضان، لا يعتبر فيه التعيين. ففيه: أن التعيين الواقعي لا يكفي في انطباق ما في الذمة من حق الغير عليه، ولافي صدق إطاعة أمر النذر لو كان عباديا، ولافي صدق الوفاء بالنذر لو كان قصديا. ومثله في الضعف: الاستدلال للاول بأنه زمان لم يعينه الشارع في الاصل، فافتقر إلى التعيين، كالنذر المطلق. وجه الضعف: أنه لو بني على عدم اقتضاء النذر جهة وضعية، ولاكون الامر بالوفاء عباديا، ولا كون عنوان الوفاء قصديا، يكون انطباق المنذور على المأتي به قهريا، فيسقط أمره، ولا يتوقف على التعيين. وكذا الحال في النذر المطلق، فان المنذور فرد من العنوان المستحب يعرضه بالنذر الوجوب. فتكون أفراد المستحب بعضها واجبا بالعرض وبعضها مستحبا، فيلحقه حكم مالو وجب صوم يوم واستحب صوم يوم آخر، بلا تميز بين اليومين إلا بمحض الاثنينية، فإذا صام أحدهما سقط الوجوب وبقي الاستحباب. فالعمدة إذا في القولين ما ذكرنا. هذا ولا يبعد الفرق بين مفاد النذر ومفاد العهد واليمين، فظاهر الاول الاول، كما عرفت، وظاهر الاخيرين الثاني. (1) يظهر من أدلة القولين في النذر المعين: تأتي الخلاف هنا أيضا (*

 

===============

 

( 200 )

 

{ ففي صورة الاتحاد أيضا يعتبر تعيين النوع (1). ويكفي التعيين الاجمالي (2)، كأن يكون ما في ذمته واحدا، فيقصد ما في ذمته، وإن لم يعلم أنه من أي نوع، وإن كان يمكنه الاستعلام أيضا. بل فيما إذا كان ما في ذمته متعددا أيضا يكفي التعيين الاجمالي، كأن ينوي ما اشتغلت ذمته به أولا، أو ثانيا أو نحو ذلك. وأما في شهر رمضان فيكفي قصد الصوم وإن لم ينو كونه من رمضان (3). بل لو نوى فيه غيره } وعن البيان: إلحاق المندوب المعين بالواجب في عدم اعتبار التعيين. وعن بعض تحقيقاته: إلحاق مطلق المندوب به، لتعينه شرعا في جميع الايام، وتبعه على ذلك بعض من تأخر. ولكن التحقيق: لزوم التعيين في الاول إما لاخذ الزمان الخاص قيدأ في موضوع الامر، كما يقتضيه الجمود على عبارة النصوص، فلا يقع عبادة وامتثالا لامر إلا إذا قصده المكلف. وإما لان صوم الزمان المعين كما يصلح أن يكون امتثالا للامر بالمعين يصلح أن يكون امتثالا للامر بالمطلق، فكونه امتثالا للاول بعينه محتاج إلى معين وليس إلا القصد، ومجرد تعينه غير كاف فيه، ولاسيما مع صلاحية الزمان لغيره. وأما المندوب المطلق فالقصد إلى صرف الطبيعة المطلقة فيه كاف في تعينه، لان ما عداه طبيعة خاصة. نعم لو قصد طبيعة الصوم مهملة مرددة بين الواجب والمندوب، لم يجز عنه ولا عن غيره. (1) لما عرفت من اعتبار القصد إلى عنوان موضوع الامر في تحقق العبادة. (2) للاكتفاء به عند العقلاء، الذين هم المرجع في القيود المعتبرة في العبادة. (3) على المشهور، بل في محكي التذكرة: نسبته إلى علمائنا. ونحوه

 

===============

 

( 201 )

 

{ جاهلا أو ناسيا له أجزأ عنه (1). نعم إذا كان عالما به وقصد } ماعن المختلف والمنتهى، بل عن التنقيح: دعوى الاتفاق عليه. وعن الغنية: دعوى الاجماع. واستدل له - مضافا إلى ذلك - بأصالة البراءة من وجب التعيين. وبأصالة الاطلاق النافية لاشتراطه. وبأن التعيين فرع قابلية المورد للترديد، ولما كان رمضان لا يصح فيه صوم غير صومه لا مجال للترديد، فيكون متعينا بالذات بلا حاجة الى التعيين. والجميع كما ترى، إذ الاجماع لم يثبت بنحو يصح الاعتماد عليه. وأصل البراءة لا مجال له بعد قيام الاجماع بل الضرورة على كون الصوم من العبادات المعتبر فيها القصد، وبه يقيد إطلاق الادلة. مع أنه إنما يصلح لرفع الشك في شرط المأمور به، لا في شرط الاطاعة والامتثال، كما هو موضح في الاصول. فتأمل. والتعيين فرع الترديد في نظر المكلف، وهو حاصل، ولا ينافيه عدم مشروعية غير صوم رمضان، كما هو ظاهر. فما تقدم في صوم أيام البيض وغيرها جار هنا بعينه. نعم يمكن قصد الامر الخاص بنحو يكون ملازما لقصد خصوصية رمضان، كما يمكن العكس، بأن يقصد الصوم الخاص بالغد عن أمره، فان ذلك كله قصد لصوم رمضان عن أمره الخاص به، ولا إشكال فيه ولعله ذلك هو مراد القائلين بعدم اعتبار التعيين هنا، فمرادهم عدم اعتباره تفصيلا، لا عدم اعتباره أصلا ولا إجمالا، إهمالا منهم لقاعدة اعتبار قصد المأمور به بخصوصياته في تحقق العبادية. وإن كانت عبارة المتن وغيره آبية عنه. (1) إجماعا، حكاه غير واحد. وتساعده القواعد إذا رجع الى قصد الخصوصية إجمالا، بأن كان الخطأ في مجرد التطبيق لاغير. أما إذا رجع

 

===============

 

( 202 )

 

{ غيره لم يجزه (1). } ألى قصد الامر والخصوصية المباينين لخصوصية رمضان وأمره يشكل الاجتزاء به بالنظر إلى القواعد. نعم يدل على الاجتزاء به في الاول: ما ورد في الاجتزاء يصوم يوم الشك على أنه من شعبان، ففي رواية سماعة. " فان كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله تعالى " (* 1). وفي خبر الزهري: " لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا، وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان، ثم علم بذلك لاجزأ عنه، لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه " (* 2) بل ظاهر الاخير الاجتزاء به في الثاني أيضا. بل يمكن القول بدلالة الاول عليهما معا بالغاء خصوصية مورده. اللهم إلا أن يدعى: أن منصرف النصوص خصوص صورة الجهل بالتطبيق الراجعة إلى تحقق قصد الخصوصية إجمالا. وقد يومئ إليه التعليل في الثاني. ولاسيما بملاحظة تخصيصه بصورة عدم العلم. ولا ينافيه التعبير بالتفضل في الاول، لامكان كون الوجه في التفضل عدم الجزم بالنية. فتأمل جيدا. لكن يدفع توهم الانصراف المذكور: التفصيل في النصوص بين نية رمضان وشعبان، إذ لاوجه للتفصيل مع قصد الخصوصية إجمالا. والتعليل لا يخلو من إجمال. مع ضعف سند الخبر، ومخالفته لظاهر ما قبله من إجزاء التطوع عن رمضان تفضلا. فلاحظ. (1) كما عن الحلي، والكركي، والشهيدين، وصاحب المدارك، وغيرهم. لعدم الدليل على الاجتزاء به بعد فوات التقرب المعتبر، من جهة عدم قصد خصوصية الواجب، وعدم قصد امتثال أمره. والنصوص المتقدمة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب وجوب الصوم حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب وجوب الصوم حديث: 8.

 

===============

 

( 203 )

 

{ كما لا يجزئ لما قصده أيضا (1). بل إذا قصد غيره عالما به } لا تصلح للدلالة على الاجتزاء به. بل ظاهر الخبر الثاني عدمه. وعن السيد والمبسوط والمعتبر والتذكرة والمختلف: أن الاجزاء لا يخلو عن قوة، لان النية المشترطة - وهي القربة - حاصلة، وما زاد لغو لا عبرة به. وهو كما ترى. نعم لازم القول بالصحة في غير العالم اعتمادا على القواعد القول بها فيه أيضا، فالتفكيك بينهما في ذلك غير ظاهر. (1) وفي الجواهر: " إنه المعروف في الشريعة، بل كاد يكون من قطعيات أربابها، إن لم يكن من ضرورياتها ". لعدم الدليل على مشروعية غير صوم رمضان فيه، ولقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (* 1)، وللنبوي: " ليس من البر الصيام في السفر " (* 2) ولمرسل الحسن بن بسام عن رجل: " كنت مع أبي عبد الله (ع) فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم، ثم رأينا هلال شهر رمضان، فأفطر. فقلت: جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر! فقال (ع): إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا. وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا " (* 3). وقريب منه مرسل ابن سهل (* 4). لكن الجميع لا يخلو من خدش. إذ يكفي في المشروعية إطلاقات مشروعية ما قصده. والآية الشريفة ظاهرة في نفي وجوب صوم رمضان على المريض والمسافر، لا مطلق الصوم. ولو سلم فظاهرها المنع من حيث

 

 

____________

(* 1) البقرة: 184. (* 2) مستدرك الوسائل باب: 9 من ابواب من يصح الصوم منه حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 12 من ابواب من يصح الصوم منه حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 12 من ابواب من يصح الصوم منه حديث: 4.

 

===============

 

( 204 )

 

{ مع تخيل صحة الغير فيه، ثم علم بعدم الصحة، وجدد نيته قبل الزوال لم يجزه أيضا (1). بل الاحوط عدم الاجزاء إذا كان جاهلا بعدم صحة غيره فيه، وإن لم يقصد الغير أيضا بل قصد الصوم في الغد مثلا. فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان (2). كما أن الاحوط في المتوخي - أي: المحبوس } السفر والمرض، لامن حيث زمان رمضان، كما هو محل الكلام. وكذلك النبوي، مع أنه أخص من المدعى، ومقيد بما دل على مشروعية الصوم في السفر في الجملة، كما هو المفروض في المقام. والمرسلان - مع أنهما أخص من المدعى أيضا، ويتضمنان جواز الصوم ندبا في السفر الذي هو محل الاشكال، كما سيأتي إن شاء الله، وأنهما لا يدلان إلا على المنع من صوم رمضان في السفر - ضعيفان. ومن ذلك يمكن البناء على ما هو صريح المبسوط: من أن المسافر إذا نوى صوم التطوع، أو النذر المعين، أو صوما واجبا آخر وقع عما نواه، وعليه قضاء رمضان. لولا ما عرفت من كون الحكم مظنة الاجماع وخلاف الشيخ غريب - كما هو في الجواهر - فلا يقدح في الاجماع. ولاسيما مع مخالفته له في بقية كتبه، وعدم موافقة أصوله، بل حكى الاتفاق غير واحد في غير المسافر. وهذا هو العمدة في المنع، كما اعترف به في الجواهر. والله سبحانه أعلم. (1) لاختصاص دليل الاجتزاء بالنية قبل الزوال بغير المقام، فيتعين العمل فيه بالقواعد المقتضية للبطلان، لما عرفت من وضوح عباديته، فيجب وقوعه بتمامه عن نية التقرب. (2) كما تقدم في نية رمضان. وكأن الوجه في تخصيص الاحتياط بالجاهل: دعوى كون نية العالم بعدم صحة الغير فيه راجعة إلى نية الخصوصية،

 

===============

 

( 205 )

 

{ الذي اشتبه عليه شهر رمضان وعمل بالظن - أيضا ذلك، أي: اعتبار قصد كونه من رمضان. بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوة (1). (مسألة 1): لا يشترط التعرض للاداء والقضاء، ولا الوجوب والندب، ولا سائر الاوصاف الشخصية (2)، بل } كما أشرنا إليه سابقا، وعدم ثبوت ذلك في الجاهل. هذا بناء على كون عدم اعتبار التعيين في رمضان جاريا على القواعد، أما لو كان على خلافها من جهة الاجماع، فالوجه في التوقف في الجاهل: عدم ثبوت الاجماع فيه. (1) حكي في المتوخي وجوه: (أحدهما): وجوب التعيين مطلقا - كما عن البيان: أنه قوي - لانه زمان لا يتعين فيه الصوم. ولانه معرض للقضاء المعتبر فيه التعيين. (ثانيهما): عدم الوجوب، لانه زمان الصوم كشهر رمضان غير معتبر فيه التعيين. (ثالثها): التفصيل بين حصول الامارة الموجبة للظن بشهر رمضان فلا يجب، لحجية الظن كالعلم، وعدمه فيجب، لعدم الطريق إلى ثبوت الشهر. والكلام فيه يعرف مما سبق في الجاهل. فتأمل جيدا. (2) لان الخصوصيات المذكورة مما لادخل لها في تحقق العبادة والطاعة، والاصل البراءة من وجوبها، على ما هو التحقيق: من جريان البراءة في الشك في شرط الاطاعة كالشك في شرط المأمور به. مع أن الاطلاقات المقامية كافية في نفي وجوب مثل ذلك. نعم يشكل ذلك في خصوصيتي الاداء والقضاء: من جهة أن الاداء هو الفعل في الوقت والقضاء هو الفعل خارج الوقت، فيرجعان إلى قيود المأمور به، فيجري عليهما ما يجري عليها، من لزوم نيتها تفصيلا أو إجمالا.

 

===============

 

( 206 )

 

{ لو نوى شيئا منها في محل الآخر صح، إلا إذا كان منافيا للتعيين. مثلا: إذا تعلق به الامر الادائي فتخيل كونه قضائيا فان قصد الامر الفعلي المتعلق به واشتبه في التطبيق فقصده قضاء صح. وأما إذا لم يقصد الامر الفعلي بل قصد الامر القضائي بطل، لانه مناف للتعيين حينئذ (1). وكذا يبطل إذا كان مغيرا للنوع، كما إذا قصد الامر الفعلي لكن بقيد كونه قضائيا مثلا، أو بقيد كونه وجوبيا مثلا فبان كونه أدائيا، أو كونه ندبيا، فانه حينئذ مغير للنوع، ويرجع إلى عدم قصد الامر الخاص. (مسألة 2): إذا قصد صوم اليوم الاول من شهر رمضان فبان أنه اليوم الثاني مثلا، أو العكس، صح (2). وكذا لو قصد اليوم الاول من صوم الكفارة أو غيرها فبان الثاني - مثلا - أو العكس. وكذا إذا قصد قضاء رمضان النسة الحالية فبان أنه قضاء رمضان النسة السابقة وبالعكس. } (1) بل لعدم قصد الامر الخاص - أعني: الامر المتوجه إليه - كما سيذكر، وإنما قصد أمر وهميا لا واقع له. (2) لانه جاء بالمأمور به عن أمره. وخصوصية اليوم الاول أو غيره ليست دخيلة في موضوع الامر، كي يكون عدم قصدها مانعا من تحقق العبادية. وقصده اليوم الثاني أو الاول خطأ لايمنع من تحقق الاطاعة، فيلغى. وكذا الحال في الفرض الآتي. نعم إذا كان قصد الخصوصية اليوم أو السنة راجعا إلى تقييد الامتثال، الموجب لعدم قصد خصوصية الامر أو المأمور به بطل.

 

===============

 

( 207 )

 

{ (مسألة 3): لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، فلو نوى الامساك عن أمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى (1). (مسألة 4): لو نوى الامساك عن جميع المفطرات، ولكن تخيل أن المفطر الفلاني ليس بمفطر، فان ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه (2). وكذا إن لم يرتكبه ولكنه لاحظ في نيته الامساك عما عداه (3). وأما إن لم يلاحظ ذلك صح صومه في الاقوى (4). (مسألة 5): النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نية النيابة (5) وإن كان متحدا. نعم لو علم باشتغال } (1) هذا واضح إذا كان قدنوى التقرب بخصوص الامساك عن المفطرات المعلومة إجمالا. ووجه الكفاية: تحقق الصوم منه متقربا. أما لو نوى التقرب بالامساك عن جميع الامور التي يعلم أن فيها المفطر وغيره كان ذلك تشريعا، فتبتني الكفاية على عدم قدح التشريع في الصحة، وإلا بطل. (2) لاستعمال المفطر. (3) وجه البطلان حينئذ: عدم التقرب بالامساك عنه، فيكون متقربا ببعض الصوم لا بتمامه، فلا يكون صومه بتمامه واقعا على نحو العبادة. نعم إذا كانت نية الامساك عما عداه مقارنة لنية الصوم المشروع، مع الخطأ في تطبيقه على الامساك عما عداه، كانت الصحة في محلها. (4) هذا يتم إذا لاحظ الامساك عنه إجمالا، كما هو المراد ظاهرا. أما لو لم يلاحظه، بل لاحظ ما عداه مهملا، تعين البطلان، كما قبله. (5) لان كون الفعل لغيره المنوب عنه من الامور القصدية، فلا يكون بغير قصد.

 

===============

 

( 208 )

 

{ ذمته بصوم، ولا يعلم أنه له أو نيابة عن الغير، يكفيه أن يقصد ما في الذمة (1). (مسألة 6): لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره (2) واجبا كان ذلك الغير أو ندبا. سواء كان مكلفا بصومه أولا كالمسافر ونحوه. فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير سواء كان عالما بأنه رمضان أو جاهلا، وسواء كان عالما بعدم وقوع غيره فيه أو جاهلا. ولا يجزئ عن رمضان أيضا إذا كان مكلفا به مع العلم والعمد. نعم يجزئ عنه مع الجهل أو النسيان، كما مر. ولو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضا لم يصح قضاء، ولم يجز عن رمضان أيضا مع العلم والعمد. (مسألة 7): إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزؤه نية الصوم بدون تعيين أنه للنذر (3)، ولو إجمالا، كما مر (4). } (1) لانه يرجع إلى قصد النيابة على تقدير كونه نائبا، وهذا المقدار يكفي في تحقق النيابة، لتحقق التقدير. (2) تقدم في أوائل الفصل الكلام في هذه المسألة. (3) لا يخلو من إشكال، لان التعين مانع من صلاحية التعيين وعدمه لاختصاص الصلاحية لهما بغير المتعين القابل لكل من التعيين وعدمه. ولاجل ذلك حكم بالصحة في المسألة التاسعة. (4) مر وجهه، من أن مفاد النذر جعل المنذور ملكا لله سبحانه، فلا يمكن أداؤه إلا بنية أداء ما في الذمة، فلو بني على كون مفاد النذر مجرد الالتزام بالمنذور، وأن مفاد دليل النفوذ وجوب ما التزام به، فإذا

 

===============

 

( 209 )

 

{ ولو نوى غيره، فان كان مع الغفلة عن النذر صح (1)، وإن كان مع العلم والعمد ففي صحته إشكال (2). } جاء به - ولو مع الغفلة عن النذر - سقط الامر، لحصول موضوعه، لانه توصلي، وعنوان الوفاء ليس واجبا زائدا على وجوب المنذور. وتقدم أن الاول أظهر. (1) لان النذر لا يرفع ملاك مشروعية الصوم غير المنذور، فإذا ثبت الملاك لاوجه للبطلان، لكون المفروض الغفلة عن النذر، المانعة من تحقق العصيان. هذا إذا نوى غير المنذور، كما لو نذر الصوم ندبا فصام قضاء. أما لو نوى نفس المنذور غافلا عن النذر فالصحة أوضح، وإن لم يكن وفاء بالنذر. (2) أقول: بناء على أن النذر لا يوجب حقا في ذمة الناذر وإنما يقتضي وجوب المنذور فقط، ففعل غير المنذور يكون من صغريات مسألة الضد، فيبتني الفساد فيها على اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده، فإذا منع من الاقتضاء المذكور - كما هو المحقق في محله - فلا مجال للاشكال في الصحة. أما بناء على أن النذر يوجب جهة وضعية - كما هو الظاهر - فلا يبعد أيضا القول بالصحة. إذ الصوم غير المنذور ليس تصرفا في الحق الحاصل بالنذر، ليكون حراما، لحرمة التصرف في حق الغير كحرمة التصرف في ماله، وإنما هو ضد لاداء الحق الواجب، فيجري عليه ما يجري على ضد الواجب من الصحة كما عرفت. نعم لو فرض كون مرجع النذر إلى نذر أن يشغل الزمان المعين في الصوم المنذور كان البطلان في محله، لكن الصوم المأتي به تفويتا لموضوع النذر فيحرم، فيبطل. لكن هذا النحو خارج عن الفرض فان قلت: إذا كان النذر يقتضي ملكية الله سبحانه للصوم، امتنع على الناذر جعله على خلاف مقتضى النذر، لانه تصرف في مال الغير.

 

===============

 

( 210 )

 

{ (مسألة 8): لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها وقضاء رمضان السنة الماضية، لا يجب عليه تعيين أنه من أي منهما، بل يكفيه نية الصوم قضاء (1). وكذا إذا كان عليه نذران كل واحد يوم أو أزيد. وكذا إذا كان عليه كفارتان غير مختلفتين في الآثار. (مسألة 9): إذا نذر صوم يوم خميس معين، ونذر } قلت: إنما يتم ذلك لو كان المملوك الصوم بما أنه من منافع الناذر الشخصية. أما لو كان المملوك العمل في ذمة الناذر، فهذا لا ينطبق على الصوم الخارجي إلا بالنية، فلا مانع من التصرف فيه بجعله لغير المنذور له. (1) هذا يتم لو لم يكن مايز بين القضاءين في الآثار، مثل التضييق والتوسعة، والكفارة وعدمها، وإلا كشف ذلك عن التمايز بالقيود، الموجب لاعتبار القصد، كما أشرنا إليه سابقا. وأما ما ربما يقال: من وجوب تعيين ما يقضى من الايام حتى ما كان لسنة واحدة، فينوي اليوم الاول أو الثاني، لتمايزهما بالخصوصيات، فيجب ملاحظتها في القضاء الملحوظ به البدلية. ففيه: أنه يتم لو فرض كون خصوصية اليوم الاول أو الثاني ملحوضة في موضوع التكليف بالاداء. لكنه خلاف ظاهر الدليل المتضمن لوجوب صوم شهر رمضان من حيث أنه شهر رمضان كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر لك وجه عدم وجوب التعيين لو نذر صوم يوم إذا رزق ولد، وصوم يوم آخر إذا شفي المريض، فرزق ولدا، وشفي مريضه، لان عدم التمييز بينهما مانع من إمكان التعيين، فضلا عن وجوبه. كذا الحال في صورة تعدد الكفارات المتفقة، كما لو ترك صوم اليومين المندورين في الفرض المذكور.

 

===============

 

( 211 )

 

{ صوم يوم معين من شهر معين، فاتفق في ذلك الخميس المعين يكفيه صومه (1)، ويسقط النذران. فان قصدهما أثيب عليهما (2) وإن قصد أحدهما أثيب عليه، وسقط عنه الآخر. (مسألة 10): إذا نذر صوم يوم معين، فاتفق ذلك اليوم في أيام البيض مثلا، فان قصد وفاء النذر وصوم أيام البيض أثيب عليهما، وإن قصد النذر فقط أثيب عليه فقط، وسقط الآخر. ولايجوز أن يقصد أيام البيض دون وفاء النذر (3). } (1) إن كان العنوان المأخوذ في كل من النذرين ملحوظا مرآة للزمان المعين، كان النذر الاول صحيحا، والثاني لغوا باطلا، ووجب عليه الصوم بقصد الوفاء وأداء ما في ذمته. وإن كان ملحوظا موضوعا لكونه موضوعا للاستحباب الشرعي، كما لو نذر صوم آخر خميس في ذي القعدة ويوم دحو الارض، فاتفقا يوما واحدا، صح النذران معا، ووجب قصدهما معا فلو قصد أحدهما دون الآخر وفى بأحدهما دون الآخر. وفي ثبوت الكفارة حينئذ إشكال، لاختصاص أدلتها بالحنث غير الصادق في المقام. إلا أن يقال: الحنث مجرد عدم موافقة النذر، وهو حاصل. (2) لما كان يعتبر في المنذور أن يكون راجحا، فالمقصود امتثاله وإطاعته بفعل المنذور هو الرجحان الثابت فيه مع قطع النظر عن الامر بالوفاء بالنذر. والثواب إنما يكون على إطاعة الامر الذاتي المذكور، لا الامر العرضي الناشئ من النذر، كما يظهر من العبارة. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما يظهر من عبارته في المسألة الآتية. فتأمل جيدا. (3) لما تقدم: من وجوب قصد الوفاء في النذر.

 

===============

 

( 212 )

 

{ (مسألة 11): إذا تعدد في يوم واحد جهات من الوجوب، أو جهات من الاستحباب، أو من الامرين، فقصد الجميع، أثيب على الجميع. وإن قصد البعض دون البعض أثيب على المنوي، وسقط الامر بالنسبة إلى البقية (1). (مسألة 12): آخر وقت النية في الواجب المعين - رمضانا كان أو غيره - عند طلوع الفجر الصادق (2). } (1) يعني: إذا كان مضيقا. للعجز المسقط للتكليف. (2) لوضوح كون الصوم من العبادات المعتبر وقوعها بتمامها عن نية الامتثال، فلو تأخرت النية عن طلوع الفجر - الذي هو أول وقته - يلزم وقوع بعضه بلا نية، فيبطل. لكن المحكي عن السيد (ره): جواز التأخير عمدا الى الزوال. بل ظاهر ابن الجنيد: جواز التأخير إلى ما قبل الغروب. وحينئذ يكون ذلك منهم خلافا في وجوب وقوع الصوم بتمامه عبادة. فان لم ينعقد الاجماع على خلافهم كان مقتضى الاصل جواز التأخير اختيارا. ولاسيما بملاحظة ما تقدم: من أن نية الصوم ليست مقومة لعباديته، لعدم اعتبار وقوعه على وجه العبادة، وإنما يعتبر وقوعه في حال كون المكلف عازما عن داعي الامر على الامساك على تقدير وجود المقتضي لاستعمال المفطر، فإذا لم يقم دليل على وجوب العزم في أوله - من إجماع أو غيره - فالمرجع أصل البراءة. لكن الانصاف أن ارتكاز عباديته عند المتشرعة مما يوهن الخلاف المذكور جدا، فلا مجال لرفع اليد عن الاجماع عليه ممن عداهما. بل الظاهر أن الوجه في خلافهما: النصوص الآتية في غير المعين وفي المندوب. ولاجل عدم شمول تلك النصوص للواجب المعين كان العمل على المشهور متعينا. وأما ما عن ابن أبي عقيل: من لزوم تقديمها من الليل. فلو سلم

 

===============

 

( 213 )

 

{ ويجوز التقديم في أي جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه (1). النسيان أو الجهل بكونه رمضان أو المعين } ظهوره في المخالفة، وامتنع حمله على ارادة وقوع الصوم عن نية، أو أنه من باب الاحتياط، أو لعدم القدرة على ايقاعها حدوثا في الجزء الاول من النهار، فلا دليل عليه إلا ما قد يظهر من النبوي المشهور: " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " (* 1) ونحوه خبران آخران. لكن يتعين حملها على ما ذكر، للاجماع على عدم اعتبار شئ في الصوم اكثر من كون عبادة. (1) كما هو المعروف، بل لعله إجماع. وما عن السيد (ره): من أن وقتها قبل الفجر غير ظاهر في المخالفة. مع أنه لو سلم كونه ظاهرا في التوقيت بآخر الليل، فلازمه الالتزام ببطلان صوم النائم قبل الفجر إذا كان قد نوى الصوم أول الليل، وهو كما ترى. نعم ظاهرهم: عدم الاكتفاء بايقاعها قبل الليل. وقد يشهد به النبوي المشهور المتقدم. لكن لا يبعد ظهور كون الحصر فيه إضافيا، أي بالاضافة إلى النهار. ويمكن أن يستدل له: بأنه القدر المتيقن في الخروج عن قاعدة اعتبار المقارنة للنية في العبادات. وفيه: أن قاعدة المقارنة إن تمت هنا لاتقبل التخصيص، فلابد من حمل الدليل الوارد على خلافها على إخراج المورد عن العبارة، فالمتعين الرجوع إلى الاصل، وهو يقتضي نفي التوقيت. لكن الذي يهون الخطب أن ذلك كله مبني على كون النية المعتبرة في العبادات الاخطار، أعني: الارادة التفصيلية. أما على ما هو التحقيق: من أنها عبارة عن الداعي - أعني: ما يعم الارادة الاجمالية الارتكازية - فلا تقديم

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 1 وملحقه. وفي كنز العمال ج 4 صحفة 303 حديث: 6105 - 6109.

 

===============

 

( 214 )

 

{ الآخر، يجوز متى تذكر إلى ما قبل الزوال (1) إذا لم يأت } ولا وقت لها إلا وقت العمل. (1) إجماعا، كما عن صريح الغنية، وظاهر المعتبر، والمنتهى، والتذكرة ويشهد له، ما ورد في المسافر إذا حضر قبل الزوال (* 1)، وحديث رفع النسيان وما لا يعلمون (* 2) والمرسل: " إن ليلة الشك أصبح الناس، فجاء اعرابي فشهد برؤية الهلال، فأمر صلى الله عليه وآله مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليسمك " (* 3). مورده وان كان الجهل، إلا أنه تمكن دعوى ظهوره في مطلق العذر. والجميع لا يخلو من خدش، إذ التعدي عما ورد في المسافر يتوقف على إحراز المناط، وهو غير حاصل. وحديث الرفع لا يصلح لتصحيح الناقص، ولعدم لزوم التدارك. ولاسيما فيما كان شرطا للاطاعة. فتأمل. والمرسل - منع ضعفه بالارسال، وكونه عاميا، وتضمنه قبول شهادة الواحد في الهلال، ولاسيما من كان من الاعراب. فتأمل - مختص بالجاهل، وبشهر رمضان، فالتعدي منهما إلى النسيان والصوم المعين غير ظاهر. مع أنه لا يدل على بقاء الوقت إلى الزوال. فالعمدة إذا: الاجماع. ولا يقدح فيه خلاف العماني، حيث ألحق الناسي بالعامد في البطلان، لكثرة تفرده في مخالفة الاصحاب. مع عدم ثبوت خلافه في المقام، كما قيل. ثم إن ظاهر غير واحد: اختصاص الاجماع بالمعين، من دون فرق بين رمضان، والنذر المعين، والمطلق المضيق، والقضاء المضيق. كما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب من يصح الصوم منه. (* 2) الوسائل باب: 56 من ابواب جهاد النفس (* 3) لاحظ المعتبر مسألة، وقت النية في الصوم. وقريب منه حديث عكرمة عن ابن عباس، كما في المبسوط للسر خسي ج 3 صحفة 62.

 

===============

 

( 215 )

 

{ بمفطر، و أجزأه عن ذلك اليوم، ولا يجزؤه إذا تذكر بعد الزوال (1). وأما في الواجب غير المعين فيمتد وقتها اختيارا من أول الليل إلى الزوال (2)، } أنه لافرق في العذر بين الجهل والنسيان للموضوع والحكم. وأما احتمال الرجوع في المعين إلى بعض النصوص الآتية في غير المعين، بدعوى عمومه للمعين. فضعيف - كما عرفت - لقصوره عن شمول المعين جزما، كما يظهر من التعبير في السؤال والجواب فيها. فانتظر. (1) والعمدة فيه: الاجماع المدعى: مضافا إلى أنه مقتضى أصالة العبادية في الصوم، المقتصر في الخروج عنها على ما قبل الزوال، كما عرفت. وأما النصوص الآتية المفصلة بين ما قبل الزوال ومابعده، فعلى تقدير وجوب الاخذ بظاهرها، قد عرفت اختصاصها بغير المعين، ولا تشمل المقام. (2) بلا خلاف معتد به، وعن المدارك: انه مما قطع به الاصحاب. ففي صحيح ابن الجحاج عن أبي الحسن (ع): " في الرجل يبدو له - بعدما يصبح ويرتفع النهار - في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل. قال (ع): نعم، ليصمه، وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا " (* 1). وفي مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) " إن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ فقال (ع): نعم " (* 2) وفي خبر صالح بن عبد الله عن أبي إبراهيم (ع): " رجل جعل لله تعالى عليه الصيام شهرا، فيصبح وهو ينوي الصوم، ثم يبدو له فيفطر ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم. فقال: هذا كله جائز " (* 3). وخبر محمد بن قيس

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 4.

 

===============

 

( 216 )

 

{ دون ما بعده على الاصح (1). ولافرق في ذلك بين سبق } عن أبي جعفر (ع). " قال علي (ع): إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما، ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما، أو يشرب شرابا ولم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر " (* 1). وموثق عمار عن أبي عبد الله (ع): " عن الرجل يكون عليه من أيام شهر رمضان، ويريد أن يقضيها، متى ينوي الصيام؟ قال (ع): هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس، فان كان نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى الافطار فليفطر. سئل: فان كان نوى الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال (ع): لا " (* 2). واختصاص البعض بقضاء شهر رمضان أو النذر، لا يقدح في عموم الحكم لغيرهما من أفراد غير المعين، للاجماع على عدم الفصل. مضافا إلى إطلاق البعض الآخر. كما أن إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين تضيق الوقت وعدمه، فالتعيين بضيق الوقت بمنزلة عدمه. (1) للموثق المتقدم، بضميمة عدم القول بالفصل. وعن ظاهر ابن الجنيد: جواز تجديد النية بعده. ويشهد له - مضافا إلى إطلاق بعض النصوص المتقدمة -: صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (ع): " عن الرجل يصبح ولم يطعم، ولم يشرب، ولم ينو صوما، وكان عليه يوم من شهر رمضان، أله أن يصوم ذلك وقد ذهب عامة النهار؟ فقال (ع): نعم له أن يصومه ويعتد به من شهر رمضان " (* 3)، ومرسل البزنطي عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع): " الرجل يكون عليه القضاء من شهر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 10. (* 3) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 6.

 

===============

 

( 217 )

 

{ التردد، أو العزم على العدم (1). وأما في المندوب فيمتد إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الاقوى (2). } رمضان، ويصبح فلا يأكل إلى العصر، أيجوز أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال (ع): نعم " (* 1)، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع): " قلت له الرجل يصبح ولا ينوي الصوم، فإذا تعالى النهار وحدث له رأي في الصوم، فقال (ع): إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى " (* 2). هذا ولاريب أن مقتضى الجمع بينها وبين الموثق حمله على استحباب الافطار واستئناف القضاء، كما يومئ إليه الصحيح الاخير. لكن لا مجال له بعد إعراض المشهور عنها، بل ظاهر السيد (ره): الاجماع على خلافها. فيتعين العمل بظاهره، مع اعتضاده باطلاق خبر ابن بكير الآتي. (1) كما صرح به في بعضها. (2) كما عن الصدوق في الفقيه، والشيخ، والاسكافي، وابني زهرة وحمزة، والحلي، والمنتهى، والتحرير، والمختلف، والدروس، والروضة وعن الانتصار والسرائر: الاجماع عليه. لموثق أبي بصير: " عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة. قال (ع): هو بالخيار ما بينه وبين العصر. وإن مكث حتى العصر، ثم بدا له أن يصوم، فان لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء " (* 3)، وإطلاق صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع): " كان أمير المؤمنين (ع) يدخل إلى أهله فيقول:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث 8. (* 3) الوسائل باب: 3 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 1.

 

===============

 

( 218 )

 

{ (مسألة 13): لو نوى الصوم ليلا، ثم نوى الافطار ثم بدا له الصوم قبل الزوال فنوى وصام قبل أن يأتي بمفطر صح على الاقوى (1)، إلا أن يفسد صومه برياء ونحوه، } عندكم شئ وإلا صمت، فان كان عندهم شئ أتوا به. وإلا صام " (* 1) وإطلاق خبر محمد بن قيس المتقدم (* 2) وغيره. وعن جماعة: العدم. وعن الذخيرة: نسبته إلى الاكثر وعن المسالك والمدارك: أنه المشهور. للاصل، وخبر ابن بكير: " عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب، ثم أراد الصيام بعدما اغتسل، ومضى ما مضى من النهار قال (ع): يصوم إن شاء. وهو بالخيار إلى نصف النهار " (* 3). لكن الخبر لا يصلح لمعارضة ما سبق، لامكان حمله على خصوص الصوم الواجب أو على الفضل، حسبما يقتضيه الجمع العرفي بينها. (1) كما هو المشهور، كما عن المدارك والحدائق. إذ احتمال قدح نية الافطار من حيث هي مما يقطع بخلافه. بل ينفيه: مادل على حصر النواقض في غيرها، فلم يبق إلا احتمال البطلان من جهة منافاته لنية الصوم فإذا تمت دلالة النصوص السابقة على عدم اعتبار النية قبل الزوال كان الاحتمال المذكور ساقطا أيضا. ومنه يظهر: أنه لا حاجة إلى الاستدلال على الصحة: بأن المعتبر في صحة الصوم النية عند انعقاده لا استمرارها. مع أنه غير ظاهر، لمخالفته لمرتكزات المتشرعة في عامة العبادات. وأيضا يشكل: بأنه إن تم الدليل على اعتبارها في انعقاده فلا يبعد امكان إثبات اعتبار استمرارها بالاستصحاب.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 7. (* 2) تقدم ذلك قريبا. (* 3) الوسائل باب: 20 من ابواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

 

===============

 

( 219 )

 

{ فانه لا يجزؤه لو أراد التجديد قبل الزوال على الاحوط (1). } مع أن بعض الادلة المستدل بها على الاعتبار لافرق فيها بين الاول ومابعده. فلاحظ. وعن الحلبي، والارشاد، وشرحه للفخر، والشهيد في الدروس والبيان، وحاشية القواعد - وكذا عن المسالك وغيرها -: البطلان، واختاره في الجواهر. لانه مع فوات النية يبطل الصوم في ذلك الزمان، فيبطل بتمامه: لانه لا يتبعض. وضعفه ظاهر مما مر. نعم يتم ذلك في الواجب المعين الذي لا يجوز ترك النية فيه اختيارا، وكذا في غير المعين بعد الزوال، كما هو ظاهر. هذا ولكن المحكي عن المختلف: أنه لا فرق في قدح نية الافطار وعدمه بين ما قبل الزوال ومابعده. وهو غير ظاهر بناء على ما عرفت من وجه القول بالصحة. نعم بناء على أن الوجه فيها عدم اعتبار النية إلا في انعقاد الصوم - كما يقتضيه الاقتصار على النبوي المتقدم (* 1) - كان لما ذكره الوجه. (1) لاحتمال ظهور نصوص حرمة الرياء في كونه مبطلا له، لا من جهة منافاته للتقرب المعتبر في العبادة. كي يتوجه القول بالصحة في المقام - كما عن بعض - لعدم اعتبار التقرب بالامساك الخارجي، كما عرفت. بل لانه إذا كان الفعل المأتي به رياء مبعدا امتنع أن يكون مقربا. ولا ينافيه ما سبق: من عدم كون عبادية الصوم فعلية، لان ذلك بالاضافة إلى العبادية العقلية، لا بالاضافة الى الادلة الشرعية، المتضمنة لترتب الثواب عليه، وأنه جنة من النار. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) راجع اول المسألة: 12 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 220 )

 

{ (مسألة 14): إذ نوى الصوم ليلا لا يضره الاتيان بالمفطر بعده قبل الفجر (1)، مع بقاء العزم على الصوم. (مسألة 15): يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكل يوم نية على حدة (2). والاولى: أن ينوي صوم الشهر جملة ويجدد النية لكل يوم (3). ويقوى الاجتزاء بنية واحدة للشهر كله (4). لكن لا ويترك الاحتياط بتجديدها لكل يوم. وأما في غير شهر رمضان من الصوم المعين فلابد من نيته لكل } (1) لعدم منافاته للنية، ولا للمنوي. وعن البيان: الجزم بعدم جواز التناول، والتردد في جواز ما يبطل الغسل. وهو - كما ترى - دعوى خالية عن الدليل، كما عن المدارك. أو على خلافها الدليل، كما في الجواهر. (2) كما هو ظاهر الاصحاب. وعن المنتهى: الاجماع عليه. لكن عن الشهيد الثاني أنه استشكل فيه، بناء على عدم جواز تفريق النية على أجزاء العبادة الواحدة. وفيه: أنه لا مجال لاحتمال ذلك، لتعدد الثواب والعقاب، والكفارة، وإمكان التفكيك بين الايام في الطاعة والمعصية، فان ذلك كله من لوازم تعدد العبادة. (3) جمعا بين ما ذكرنا وما ذكره الشهيد. (4) إجماعا، كما عن السيدين، والشيخ في الخلاف. واستدل له: بأن صوم الشهر كله عبادة واحدة. لكن عرفت ما فيه، فان تم إجماع، وإلا كفى في جواز ذلك أصالة البراءة من لزوم إيقاعها لكن يوم في ليلته ولاجله يظهر ضعف ماعن المختلف، وجامع المقاصد وغيرهما - بل عن الحدائق: نسبته إلى المشهور بين المتأخرين -: من وجوب ذلك. نعم قد

 

===============

 

( 221 )

 

{ يوم (1) إذا كان عليه أيام، كشهر أو أقل أو اكثر. (مسألة 16): يوم الشك في أمن شعبان أو رمضان يبني على أنه من شعبان، فلا يجب صومه (2). وإن صام ينويه ندبا (3)، } يقتضيه ظاهر النبوي المتقدم، المتضمن وجوب تبييت النية (* 1). لكنه - على تقدير حجيته، وعدم قدح تخصيص الاكثر فيه، لخروج غير الواجب المعين، بل الواجب المعين في غير العمد، ولا إعراض القدماء عنه - قد عرفت أنه لا يبعد حمله على عدم جواز انعقاده بلا نية. ثم إن هذا الخلاف جار على ما هو المشهور من كون النية الاخطار. أما بناء على أنها الداعي فلا مجال للخلاف المذكور، لانه إن تحقق الداعي حال الصوم صح وإن حدث قبل أشهر، وإن لم يتحقق لم يجد الاخطار في الليل، فضلا عن أول الشهر. (1) وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده، بل في الدروس: الاجماع عليه ". أقول: عرفت المراد بالنية. وعليه فلا فرق بين رمضان وغيره إلا أن يكون إجماع على الفرق المذكور. (2) بلا خلاف ولا اشكال. ويكفي فيه الاصل. مع استفاضة النصوص بذلك، بل دلالة بعضها على المنع عن صومه. (3) فان الظاهر أنه لا إشكال في مشروعية صومه في الجملة، بل عن صريح جماعة وظاهر الآخرين: الاجماع عليه وتدل عليه النصوص الكثيرة، المتضمنة أنه يصام على أنه من شعبان، ففي موثق سماعة: " قلت لابي عبد الله (ع)... إلى أن قال (ع): إنما يصام يوم الشك

 

 

____________

(* 1) راجع أول المسألة: 12 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 222 )

 

{ أو قضاء (1)، أو غيرهما. ولو بان بعد ذلك أنه من رمضان أجزأ عنه (2)، } من شعبان، ولا يصومه من شهر رمضان " (* 1). وأما ما تضمن النهي عن صومه، كخبر الاعشى عن الصادق (ع): " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن صوم ستة أيام: العيدين، والتشريق، والذي يشك فيه من رمضان... " (* 2) - ونحوه غيره - فمحمول على صيامه على أنه من شهر رمضان، جمعا بينه وبين مثل موثق سماعة. وربما حمل على الكراهة، كما عن المفيد. وهو غير ظاهر بعد تضمن النصوص الامر بصومه على أنه من شعبان. نعم لا يبعد ذلك في خبر عبد الكريم بن عمرو. قال: " قلت لابي عبد الله (ع): إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم، فقال (ع): لاتصم في السفر، ولا العيدين، ولا أيام التشريق، ولا اليوم الذي يشك فيه " (* 3). لكن يتعين تخصيصه بمورده لا غير. (1) لاطلاق نصوصه، إذ صومه على أنه من شعبان كما يمكن أن يكون بنية الندب يمكن أن يكون بنية القضاء. اللهم إلا أن يدعى: أن المنصرف من صومه على أنه من شعبان صومه بنية صوم شعبان المندوب لا غير. لكنه ليس بنحو يعتد به. مع أنه يمكن التعدي عن مورده في نظر العرف. نعم لو لم يتم هذا فالوجه في جواز الجميع - مضافا إلى ظهور الاتفاق -: إطلاق أدلة مشروعيتها. (2) إجماعا مستفيض النقل أو متواترا، كالنصوص. بل في كثير

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 3.

 

===============

 

( 223 )

 

{ ووجب عليه تجديد النية إن بان في أثناء النهار (1)، ولو كان بعد الزوال. ولو صامه بنية أنه من رمضان لم يصح وإن صادف الواقع (2). } منها: أنه يوم وفق له، وأنه يجزئ بما وسع الله تعالى على عباده، ونحو ذلك (* 1). ثم إن تم وفاء نصوص يوم الشك بمشروعية كل صوم تمت دلالتها أيضا على الاجزاء، وإن لم يتم كما أشرنا إليه - فالحاق غير صوم شعبان به في الاجتزاء محتاج إلى دعوى الاجماع على عدم الفصل، أو دعوى الاولوية. وأما التعليل في رواية الزهري: بأن الفرض وقع على اليوم بعينه، فمقتضاه الاجزاء ولو مع العلم، مع أنه فيها قد نفى الاجزاء معه، كما أشرنا الى ذلك آنفا. (1) لقصور النصوص عن صورة الانكشاف في الاثناء، فالحاقها إنما كان بالاجماع، أو الاولوية، والمتيقن منهما صورة التجديد. ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر: من عدم وجوب التجديد. ومن أن إطلاق النص والفتوى يقتضي الاجتزاء ولو مع عدم تجديد النية. نعم قد يوهم تعليل الاجزاء في رواية الزهري الاجتزاء مطلقا. لكنه ينافيه الحكم بعدم الاجزاء في صورة العلم، كما سبق. (2) كما هو المشهور، كما في الجواهر. للاخبار المتضمن بعضها للنهي عن صومه كذلك، الظاهر في الحرمة التكليفية المتقتضية للبطلان، مثل موثق سماعة المتقدم (* 2) - ونحوه روايتا الزهري (* 3) - والمصرح بعضها بلزوم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته. (* 2) تقدم ذلك قريبا. (* 3) الوسائل باب: 5 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 8، وباب: 6 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 4.

 

===============

 

( 224 )

 

{ (مسألة 17): صوم يوم الشك يتصور على وجوه: الاول: أن يصوم على أنه من شعبان. وهذا لا إشكال فيه، } قضائه، كصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع): " قال (ع) في يوم الشك: من صامه قضاه وإن كان كذلك - يعني: من صامه على أنه من شهر رمضان قضاه وإن كان من شهر رمضان - لان السنة جاءت في صيامه على أنه من شعبان، ومن خالفها كان عليه القضاء " (* 1). واحتمال أن قوله " يعني... " من كلام الشيخ أو بعض الرواة لا يقدح في الاستدلال به، لان ما قبله كاف في الدلالة، لان قوله (ع): " وإن كان كذلك " إنما يصح إذا أريد أن صيامه كان بنية رمضان، إذ لو أريد غيره لم يكن لقوله (ع): " وإن كان كذلك " معنى. فتأمل. نعم لايتم ذلك في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): " في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان. فقال (ع): عليه قضاؤه وإن كان كذلك " (* 2)، بناء على أن قوله: " من رمضان " متعلق بقوله: " يشك " لا بقوله: " يصوم ". لكن لابد حينئذ من حمله - كغيره من المطلقات - على ما ذكر، جمعا كما أشرنا إليه سابقا. هذا وعن الشيخ في البيان، والعماني، والاسكافي: إجزاؤه عن رمضان. وعن الشيخ: الاستدلال له باجماع الفرقة وأخبارهم على أنه من صام يوم الشك أجزأه عن صيام شهر رمضان. (انتهى). وهو كما ترى. إذ الاجماع معلوم الانتفاء. والنصوص قد عرفت مفادها. نعم في موثق سماعة: " قال سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، لا يدري أهو من شعبان أو من شهر رمضان، فصامه فكان من شهر رمضان. قال (ع):

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 1.

 

===============

 

( 225 )

 

{ سواء نواه ندبا، أو بنية ما عليه من القضاء أو النذر، أو نحو ذلك. ولو انكشف بعد ذلك أنه كان من رمضان أجزأ عنه، وحسب كذلك. الثاني: أن يصومه بنية أنه من رمضان. والاقوى بطلانه وإن صادف الواقع. الثالث: أن يصومه على أنه إن كان من شعبان كان ندبا أو قضاء مثلا، وإن كان من رمضان كان واجبا. والاقوى بطلانه أيضا (1). } هو يوم وفق له ولاقضاء عليه " (* 1) ومصحح معاوية بن وهب قال: " قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك، فقال (ع): هو شئ وفق له " (* 2). لكن عن الكافي رواية الاول هكذا: " فصامه، فكان من شهر... ". وهو - مع أنه أضبط - يتعين الاعتماد عليه في المقام، لعدم مناسبته للذيل على رواية الشيخ (* 3). وأما المصحح فان لم يكن الظاهر متعلق " من شهر رمضان " ب‍ " يشك " لانه أقرب، يتعين الحمل عليه، جمعا. مع أنه لو فرض تعذر الجمع بذلك، تعين الطرح، لاعراض المشهور. ولشهرة الرواية الدالة على البطلان. (1) كما عن الشيخ (ره) في جملة من كتبه، والحلي، والمحقق، وصاحب المدارك، وأكثر المتأخرين، بل عن التذكرة: " لو نوى أنه يصوم عن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 5. (* 3) في رواية الشيخ (ره): " فصامه من شهر رمضان... " لاحظ التهذيب ج 4 ص 181 طبع النجف، الاستبصار ج 2 صفحة 78 طبع النجف الاشرف.

 

===============

 

( 226 )

 

رمضان أو نافلة، لم يجز إجماعا ". لانه لم ينو أحد السببين قطعا، والنية فاصلة بين الوجهين، كما عن الشيخ. أو لما يستفاد من النصوص: من تعين نيته من شعبان، فنيته على خلاف ذلك تشريع محرم، فلا يتحقق به الامتثال، كما عن المدارك، أو لان حقيقة صوم رمضان غير حقيقة غيره كما يكشف عن ذلك اختلاف أحكامهما، فإذا لم تعين حقيقة أحدهما فالنية - التي حقيقتها استحضار حقيقة الفعل المأمور به - لم يقع عن أحدهما، كما ذكر شيخنا الاعظم (ره). لكن الجميع لا يخلو من إشكال: أما الاول: فلان الواقع لما لم يخل عن أحد التقديرين، فنية كل على تقدير بعينه ترجع إلى نية كونه من شعبان لاغير إذا انكشف أنه من شعبان أو من رمضان لاغير إذا انكشف أنه من رمضان، فالفاصل بين الوجهين محقق حينئذ. نعم لاجزم بالمنوي حال النية، إلا أنه لادليل على قدحه في العبادة حتى مع إمكان الموافقة التفصيلية الظاهرية، كما هو محقق في الاصول، وأشرنا إلى وجهه في أوائل مسائل التقليد من هذا الشرح. وأما الثاني: فلان الظاهر من الحصر في بعض النصوص كونه ظاهريا إضافيا بلحاظ نيته من رمضان، فلا يمنع من العمل على الواقع، فالمرجع في الفرض لابد أن يكون القواعد الاولية، المقتضية للصحة، وتشير إليها بعض النصوص، كحسن بشير النبال عن أبي عبد الله (ع): " سألته عن صوم يوم الشك. فقال (ع): صمه فان يك من شعبان كان تطوعا، وإن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له " (* 1). وفي حسن الكاهلي: " قال سألت أبا عبد الله (ع) عن اليوم الذي يشك فيه من شعبان. قال (ع): لان أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أفطر يوما من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب الصوم ونيته حديث: 3.

 

===============

 

( 227 )

 

{ الرابع: أن يصومه بنية القربة المطلقة، بقصد ما في الذمة، وكان في ذهنه أنه إما من رضمان أو غيره، بأن يكون الترديد في المنوي لافي نيته، فالاقوى صحته (1). وإن كان الاحوط خلافه. } شهر رمضان " (* 1). ونحوه خبر الزهري (* 2). وأما الثالث: فيظهر اندفاعه مما ذكر في الاشكال في الاول، لرجوعه إليه. ومن هنا يظهر: أن الاقوى الصحة، كما عن الخلاف، والمبسوط. والوسيلة، والمتخلف، والدروس، وظاهر البيان وغيرها. (1) لتحقق النية إلى الصوم المشروع واقعا عن أمره، وإنما التردد في عنوانه. أقوال: لم يتضح الفرق بين هذه الصورة وما قبلها، إذ المراد من القربة المطلقة إن كان هو الجامع بين الامر بصوم شعبان والامر بصوم رمضان، فنيتها غير كافية، لاعتبار ملاحظة الخصوصيات في الامر والمأمور به في باب العبادات، لتوقف الاطاعة عليها. وإن كان المراد الامر الخاص وموضوعه الخاص بواقعهما، مع التردد في خصوصياتهما في نظر المكلف، بأن يقصد المكلف الصوم الخاص عن أمره الذي هو إما رمضان وجوبا أو شعبان ندبا، رجع إلى الصورة السابقة بعينها. فلا وجه للفرق بينهما في

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 1. (* 2) لم نعثر على رواية الزهري بمضمون حسن الكاهلي الراجع الى اهمال كيفية النية لينفع فيما نحن فيه وانما الذي عثرنا عليه روايتين له، إحدهما: ظاهرة في صوم يوم الشك تطوعا، وهي التي رواها في الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث: 8. والاخرى ظاهرة في صومه بعنوان شعبان، والنهي عن صومه بنية رمضان، وهي المروية في الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الصوم ونيته حديث: 4.

 

===============

 

( 228 )

 

{ (مسألة 18): لو أصبح يوم الشك بنية الافطار، ثم بان له أنه من الشهر. فان تناول المفطر وجب عليه القضاء، وأمسك بقية النهار وجوبا (1) تأدبا. وكذا لو لم يتناوله ولكن كان بعد الزوال (2). وإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر، } الصحة والبطلان، كما يظهر باقل تأمل. وأما ما قد يظهر من المتن: من كون السابقة من الترديد في النية، واللاحقة من الترديد في المنوي، فلا يرجع إلى محصل ظاهر، وإن ذكره في نجاة العباد أيضا. إذ الترديد في النية في مقابل الجزم بها، وليس هنا كذلك، للجزم بنية الصوم على كل تقدير. نعم لو نوى صومه من رمضان إن كان كذلك، ولم ينو صومه من شعبان، كان ترديدا في النية. ومع ذلك فلا دليل أيضا على قدح مثله، كالترديد في المنوي. إلا إذا كان موجبا لابهامه وعدم تعينه واقعا، كما لو قصد أن يصوم يوم الشك إما من شعبان أو رمضان، بلا تعليق على تقدير معين واقعا. لكنه خارج عن الصورتين معا. كما أنه مما ذكرنا يظهر لك ضعف ما يظهر من إطلاق بعض الفتاوى: من البطلان أيضا في الفرض. فتأمل جيدا. (1) إجماعا، كما عن الخلاف. بل عن المنتهى، والذكرى: " لا نعلم أحدا قال بأنه يأكل بقية يومه، إلا عطا وأحمد في رواية ". ويشهد به: النبوي الوارد في ثبوت الهلال يوم الشك: " من أكل فليمسك " (* 1). ولعل هذا المقدار كاف في إثبات الوجود المذكور، ولاسيما بملاحظة ما ورد في حرمة استعمال المفطر ممن وظيفته الصوم. وأيضا الظاهر أن حكمه في الكفارة حكم من استعمل المفطر بعد الافطار، كما سيأتي. (2) لما عرفت من انتهاء وقت النية في مثله بالزوال.

 

 

____________

(* 1) تقدم ذلك في المسألة: 12 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 229 )

 

{ جدد النية وأجزأ عنه (1). (مسألة 19): لو صام يوم الشك بنية أنه من شعبان - ندبا أو قضاء أو نحوهما - ثم تناول المفطر نسيانا، وتبين بعده أنه من رمضان، أجزأ عنه أيضا، ولا يضره تناول المفطر نسيانا (2)، كما لو لم يتبين، وكما لو تناول المفطر نسيانا بعد التبين. (مسألة 20): لو صام بنية شعبان ثم أفسد صومه - برياء ونحوه - لم يجزه عن رمضان (3) وإن تبين له كونه منه قبل الزوال. (مسألة 21): إذا صام يوم الشك بنية شعبان، ثم نوى الافطار، وتبين كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر، فنوى صح صومه (4). وأما إن نوى الافطار في يوم من شهر رمضان عصيانا، ثم تاب فجدد النية قبل الزوال لم ينعقد صومه (5). وكذا لو صام يوم الشك بقصد واجب معين، ثم نوى الافطار عصيانا. ثم تاب فجدد النية، بعد تبين كونه من رمضان، قبل الزوال (6). } (1) كما تقدم في المسألة الثانية عشرة. (2) لما سيأتي: من عدم قدح ذلك في الصوم. (3) لبطلانه بالرياء المفسد، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الثالثة عشرة (4) كما لو لم يكن قد نوى الصوم أصلا. (5) لفوات النية عمدا، الموجب للبطلان في الواجب المعين، على ما سبق. (6) يمكن القول بالصحة، لان نية الافطار إنما كانت تجريا محضا،

 

===============

 

( 230 )

 

{ مسألة 22): لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعين بطل صومه (1)، سواء نواهما محينه، أو } لعدم صحة الصوم الذي نواه من أول الامر، لما تقدم: من أنه لا يصح في رمضان غيره. فإذا جدد النية بعد تبين أن اليوم من رمضان، يكون كما لو أصبح بنية الافطار ثم تبين قبل الزوال كون اليوم من رمضان، الذي تقدم في المسألة الثامنة: أنه يجدد النية بعد التبين قبل الزوال، ويصح صومه. ومجرد نيته للصوم المعين - الذي لا يصح واقعا - لا يصلح فارقا بين المسألتين. (1) ينبغي أن يكون حكم نية القطع - وهو رفع اليد عما تلبس به من الصوم - ونية القاطع - وهو فعل أحد المفطرات الآتية - حكم نية الافطار، فإذا تم الدليل على اعتبار النية من طلوع الفجر الى الغروب في صحة الصوم كانت نية القطع أو القاطع منافية لها، فيبطل الصوم لفوات شرطه. وإن لم يتم الدليل على ذلك فلا موجب للبطلان بحدوث نية القطع أو القاطع، ولافرق في ذلك بين المنوي الحالي والاستقبالي. ودعوى: أن نية الثاني غير منافية لنية الصوم فعلا، فلا موجب للبطلان. مندفعة: بأنهما إنما لا ينافيان نية الصوم إلى زمان القطع أو القاطع المنويين، لانية الصوم المأخوذ موضوعا للحكم الشرعي، الذي هو الامساك إلى الغروب، إذ من الواضح منافاتها لها، لتنافي متعلقهما. والمعتبر من النية - في الصوم وغيره من العبادات - هي الثانية، فإذا انتفت بطل الصوم. نعم قد يظهر من التعبير بنية المفطر أو القاطع: استناد الافطار إلى فعل المفطر أو القاطع، لا إلى النية. وبناء على ما ذكرنا يستند إلى النية، إذ قد لا يتحقق استعمال المفطر بعد ذلك، ولو تحقق استند الافطار إلى أسبق العلل. لكن لا يخفى: أن التعبير المذكور بلحاظ أصل ماهية الصوم

 

===============

 

( 231 )

 

{ فيما يأتي. وكذا لو تردد (1). نعم لو كان تردده من جهة الشك في بطلان صومه وعدمه لعروض عارض، لم يبطل (2) وإن استمر ذلك إلى أن يسأل. ولا فرق في البطلان بنية القطع أو القاطع أو التردد بين أن يرجع إلى نية الصوم قبل الزوال أم لا (3). وأما في غير الواجب المعين فيصح لو رجع قبل الزوال (4). (مسألة 23): لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك } فان المنافي للماهية استعمال نفس المفطر، أما فوات النية فانما ينافي الماهية الصحيحة، لانها بحكم الشرط، لا أصل الماهية، لخروجها عن حقيقته، حقيقة وحكما، كما عرفت. هذا وقد عرفت في كتاب الصلاة: أن نية الزيادة أو النقيصة قد لا تنافي نية الامر والمأمور به إذا كان التشريع في التطبيق. وفي المقام يكون الامر كذلك، وقد يكون من نية غير المأمور به. ثم إن نية المفطر إنما تكون منافية لنية الصوم مع الالتفات إلى مفطريته أما إذا لم يكن ذلك فلا تكون منافية لها. (1) فان التردد مضاد للنية، كنية القطع، فيجري عليه حكمها. نعم إذا كان التردد على نحو لا ينافي قصد الصوم ولو رجاء لم يبطل. (2) كما نص عليه جماعة. لان التردد المذكور راجع إلى النية الصوم على تقدير صحته، وهو كاف في نية العبادة، كما في الصوم الاحتياطي. (3) لما عرفت: من اعتبار النية من طلوع الفجر إلى الغروب في الواجب المعين. (4) لعدم اعتبار النية فيه قبل الزوال، على ما سبق الكلام فيه.

 

===============

 

( 232 )

 

{ المفطرات مع النية، أو كف النفس عنها معها (1). (مسألة 24): لا يجوز العدول من صوم إلى صوم (2) واجبين كانا أو مستحبين، أو مختلفين. وتجديد نية رمضان إذا صام يوم الشك بنية شعبان ليس من باب العدول، بل } (1) هذا إذا كان قد قصده مطلقا، لتحقق الموافقة القطعية على نحو العبادة. نعم لو اعتبرت الموافقة التفصيلية في صحة العبادة - كما لعله المشهور. ولاجله بني على بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد وإن طابقت الواقع - كانت معرفة معنى الصوم منهما لازمة. إلا أن التحقيق: عدم اعتبارها، كما أشرنا إليه في مسائل التقليد من هذا الشرح. (2) فانه على خلاف الاصل. ومجرد ثبوته بالدليل في الصلاة أو غيرها غير كاف في إثباته مطلقا، بل اللازم الاقتصار على المقدار الثابت لاغير، والرجوع في غيره الى أصالة عدم صحة المعدول إليه. نعم يختص ذلك بما بعد زمان انعقاده، فالواجب المعين ينعقد عند طلوع الفجر، فلا يجوز العدول إليه بعده، والواجب غير المعين ينعقد عند الزوال، فلا يعدل إليه بعده، والمستحب ينعقد عند الغروب، فلا يعدل إليه بعده. أما قبل زمان انعقاده - كما لو عدل إلى واجب غير معين قبل الزوال - فلا مانع منه. إذ المعدول عنه إن كان غير معين فلا تعينه النية قبل الزوال، لعدم تعينه حينئذ، فلا مانع من العدول بالنية إلى غيره. وإن كان معينا فنية العدول كنية المفطر مفسدة له، فلا مانع من تجديد النية لغيره أيضا. ولعل عبارة المصنف منزلة على ذلك. وإلا فاشكالها ظاهر. وبالجملة: جواز العدول تابع لوقت التجديد، ففي كل وقت يجوز تجديد النية يجوز العدول ويصح، وكل وقت فات تجديد النية فيه للمعدول إليه لم يجز العدول فيه.

 

===============

 

( 233 )

 

{ من جهة أن وقتها موسع لغير العالم به إلى الزوال (1).