فصل 3

فصل لا يجوز إجارة الارض لزرع الحنطة أو الشعير، بما يحصل منها من الحنطة أو الشعير، لا لما قيل: من عدم كون مال الاجارة موجودا حينئذ، لا في الخارج ولا في الذمة، ومن هنا يظهر عدم جواز إجارتها بما يحصل منها ولو من ] أن إضافة العوض إلى مالك بعينه من قوام المعاوضة، فإذا تبدل فقد فاتت المعاوضة الواقعة وتعذرت صحتها. (1) لان الصوم عن عمرو لما كان ضد الصوم عن زيد، فإذا ملك المستأجر الاول والثاني، خرج الاول عن كونه مملوكا للمؤجر، لما عرفت من أن القدرة على المتضادين لما كانت بدلية كانت الملكية لها كذلك، فإذا ملك المستأجر الاول أحدهما تعيينا خرج الآخر عن الملكية تعيينا وتخييرا، فإذا فسخت الاجارة الاولى صار الضدان مملوكين على البدل، كحالهما قبل الاجارة، فاذن تكون الاجارة الثانية قبل الفسخ واقعة على منفعة غير مملوكة. وكأن الوجه في كونه أشكل: أن عدم القدرة على الضد الثاني يوجب خروجه عن صلاحية الملك، فالمانع فيه ذاتي، بخلاف مسألة من باع ثم ملك فان المانع فيه عرضي، وهو تبدل المالك من دون قصور في ذات المملوك.

 

===============

 

( 116 )

 

[ غير الحنطة والشعير، بل عدم جوازها بما يحصل من أرض أخرى أيضا. لمنع ذلك (1)، فانهما في نظر العرف واعتباره بمنزلة الموجود كنفس المنفعة، وهذا المقدار كاف في الصحة نظير بيع الثمار سنتين، أو مع ضم الضميمة، فانها لا يجعل غير الموجود موجودا، مع ان البيع وقع على المجموع. بل للاخبار الخاصة (2). وأما إذا آجرها بالحنطة أو الشعير في الذمة ] (1) هذا المنع يتم إذا كان المقصود من الدليل المنع العقلي. أما إذا كان المقصود المنع الشرعي من جهة الغرر، الحاصل من الشك في الوجود أو الشك في مقدار الموجود، فالمنع المذكور لا يرفع الغرر الحاصل. (2) المشتمل بعضها على النهي عن إجارة الارض بالطعام، وعلل في بعضها بأنه غير مضمون، ففي موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): " لا تؤجر الارض بالحنطة ولا بالشعير ولا بالتمر ولا بالاربعاء ولا بالنطاف، ولكن بالذهب والفضة، لان الذهب والفضة مضمون وهذا ليس بمضمون " (* 1). وفي آخر: بأنه يلزم إجارة الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير. (* 2) وفي ثالث: " إن كان من طعامها فلا خير فيه ". (* 3) وظاهر الجميع الاختصاص بما كان منها أو من غيرها المعين ولم يعرف المخالف في المنع إلا ما يظهر من التبصرة والمختلف، تبعا لما يظهر من النافع كما قيل. لكنه مخالف لظاهر النهي المذكور المعول عليه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 16 من ابواب المزارعة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة حديث: 11. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب المزارعة حديث: 5.

 

===============

 

( 117 )

 

[ لكن بشرط الاداء منها، ففي جوازه إشكال والاحوط العدم (1) لما يظهر من بعض الاخبار، وإن كان يمكن حمله على الصورة الاولى. ولو آجرها بالحنطة أو الشعير من غير اشتراط كونهما منها فالاقوى جوازه (2)، نعم لا يبعد كراهته. وأما إجارتها ] عند المشهور. والتعبير بقوله (ع): " لاخير فيه " لا يصلح لصرف النهي عن ظاهره، بل لعله ظاهر في نفسه في المنع. (1) احتمل في الجواهر العدم، لما يظهر من بعض النصوص في خصوص هذا الشرط كما ذكر في المتن. لكنه استظهر الجواز، للعمومات. وهو غير بعيد. (2) عملا بالتعليل بأنه غير مضمون، المقتضي للجواز في المضمون. لكن عن بعض: المنع إذا كان من جنس ما يزرع فيها، لصحيح الحلبي: " لا تستأجر الارض بالحنطة ثم تزرعها حنطة " (* 1). ويساعده بعض التعليلات المتقدمة. لكن المشهور على خلافه. ولاجله يشكل العمل بالصحيح، مع أن دلالته لا تخلو من خفاء. وأما دعوى: المعارضة للتعليل بعدم الضمان، فغير ظاهرة، لامكان تعدد وجوه المنع. والعمدة: أن الخبر المشتمل على التعليل ضعيف بالارسال وغيره، فلا مجال للاعتماد عليه. مضافا إلى معارضته بخبر الهاشمي، عن أبي عبد الله عليه السلام: " سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج، بدراهم مسماة أو بطعام مسمى، ثم آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر، وله في العوض بعد ذلك فضل، أيصلح له لذلك؟ قال (ع): نعم إذا حفر لهم نهرا... " (* 2) فتأمل.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب احكام الاجارة حديث: 3.

 

===============

 

( 118 )

 

[ بغير الحنطة والشعير من الحبوب، فلا إشكال فيه (1)، خصوصا إذا كان في الذمة، مع اشتراط كونه منها أولا. (مسألة 1): لا بأس باجارة حصة من أرض معينة مشاعة، كما لا بأس باجارة حصة منها على وجه الكلي في المعين مع مشاهدتها على وجه يرتفع به الغرر. وأما إجارتها على وجه الكلي في الذمة فمحل إشكال، بل قد يقال: بعدم جوازها لعدم ارتفاع الغرر بالوصف، ولذا لا يصح السلم فيها. وفيه: أنه يمكن وصفها على وجه يرتفع، فلا مانع منها إذا كان كذلك. (مسألة 2): يجوز استئجار الارض لتعمل مسجدا، ] (1) في خبر أبي بصير المتقدم ذكر التمر مع الحنطة والشعير، ومقتضاه المنع فيه، بل مقتضى التعليل بعدم الضمان: اطراد المنع في كل مايخرج منها. وإن كان ظاهر بعض: الاختصاص بالحنطة والشعير. ووجهه غير ظاهر، لعموم التعليل في النص، وعموم ما ذكروه في وجه المنع الذي أشار إليه المصنف (ره) في صدر المسألة، ولذا كانت عباراتهم مطلقة. قال في القواعد في كتاب المزارعة: " تجوز إجارة الارض بكل ما يصلح أن يكون عوضا في الاجارة وإن كان طعاما إذا لم يشترط أنه مما يخرج من الارض ". وقال في مفتاح الكرامة: " لانه لا يجوز اشتراط كونه مما يخرج منه، كما في الخلاف والمبسوط والسرائر، والمختلف والتنقيح، وجامع المقاصد. ولا يصح كما في إيضاح النافع، والكتاب. ويكون حراما، كما في التذكرة... " إلى آخر ما حكاه من عباراتهم. وحينئذ فنفي الاشكال في المتن غير ظاهر، لامن حيث النص ولامن حيث الفتوى.

 

===============

 

( 119 )

 

[ لانه منفعة محللة (1). وهل يثبت لها آثار المسجد من حرمة التلويث ودخول الجنب والحائض ونحو ذلك.؟ قولان. أقواهما: العدم (2). نعم إذا كان قصده عنوان المسجدية لا مجرد الصلاة فيه (3)، وكانت المدة طويلة كمائة سنة أو أزيد لا يبعد ذلك، لصدق المسجد عليه حينئذ. ] (1) خلافا لابي حنيفة، لان فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الاجارة، فلا تجوز الاجارة لذلك. وفيه أنه لا ملازمة بين بطلان الاجارة على الصلاة، وبطلان إجارة المكان للصلاة، لان الاجارة على الصلاة تقتضي لزوم الصلاة، وإجارة المكان للصلاة لا تقتضي لزوم الصلاة. مضافا إلى أن استحقاق الصلاة ولزومها بالاجارة لا يقتضي بطلانها، كما في صلاة الاجير. (2) كما عن جامع المقاصد، لان المسجد اسم للموقوف مؤيدا لذلك. وعن الاردبيلي: دعوى كوى المسجد أعم من الموقوف مؤبدا وغيره كالمقام، خصوصا في المدة الطويلة كمائة سنة. لكنه كما ترى مخالف لظاهر الاتفاق على اعتبار التأييد، كما يظهر من كلماتهم في الصلاة. مع أن الشك في ذلك كاف في عدم ترتب الاحكام، للاصل. وإطلاق أدلتها يسقط عن الحجية، إذ ليس المراد منه المعنى اللغوي ضرورة، بل المراد منه مفهوم شرعي، فمع الشك في حصوله يرجع إلى أصالة عدم ترتب الاثر. (3) لاإشكال في أن عنوان المسجد من العناوين القائمة بنفسها، لا ترتبط بفعل المكلف، ولذا لو خرب المسجد لم تبطل مسجديته وإن تعذرت الصلاة فيه بخلاف مالو خرب المكان الذي وقف على أن يكون مصلى، فانه إذا تعذرت الصلاة فيه فقد تعذرت المنفعة المقصودة من الوقف، فتبطل وقفيته. ثم إنه إذا اعتبر الدوام في المسجدية فلا مجال

 

===============

 

( 120 )

 

[ (مسألة 3): يجوز استئجار الدراهم والدنانير للزينة (1) أو لحفظ الاعتبار، أو غير ذلك من الفوائد التي لا تنافي بقاء العين. (مسألة 4): يجوز استئجار الشجر لفائدة الاستظلال ونحوه (2) كربط الدابة به، أو نشر الثياب عليه. (مسألة 5): يجوز استئجار البستان لفائدة التنزه، لانه منفعة محللة عقلائية. (مسألة 6): يجوز الاستئجار لحيازة المباحات (3) ] للاجارة المذكورة، وإن لم يعتبر لا حاجة إلى اعتبار أن تكون المدة طويلة. (1) كما صرح به في الشرايع وغيرها. وعن مجمع البرهان: " لاشك فيه لو حصل نفع مقصود محلل، لاطلاق أدلة الاجارة ". وهو في محله. أما إذا لم يكن لها نفع كذلك فلا ينبغي التأمل في البطلان، لان أكل الاجرة حينئذ يكون أكلا للمال بالباطل. وفي الجواهر: " واحتمال عدم الجواز حتى مع تحقق المنفعة، للشك في تناول مثل ذلك، في غير محله " كاحتمال عدم جواز إجارتهما لعدم صحة وقفهما، وعدم ضمان منفعتهما لو غصبا. وفيه: أولا... " إلى آخر ما ذكر في الاشكال من منع الملازمة ومنع عدم جواز الوقف، ومنع عدم الضمان. (2) كما صرح به في الجواهر، لما ذكر فيما قبله. (3) هذه المسألة مذكورة في الشرائع في أواخر كتاب الشركة، وقد اختار فيها الجواز. وفي القواعد قال: " في جواز الاستئجار على الاحتطاب أو الاحتشاش أو الالتقاط نظر، ينشأ من وقوع ذلك للمؤجر أو المستأجر ".

 

===============

 

( 121 )

 

[ كالاحتطاب والاحتشاش والاستقاء. فلو استأجر من يحمل الماء له من الشط - مثلا - ملك ذلك الماء بمجرد حيازة السقاء فلو أتلفه متلف قبل الايصال إلى المستأجر ضمن قيمته له. وكذا في حيازة الحطب والحشيش. نعم لو قصد المؤجر كون المحوز لنفسه، فيحتمل القول بكونه له (1)، ويكون ضامنا للمستأجر عوض ما فوته عليه من المنفعة، خصوصا (2) إذا كان المؤجر آجر نفسه على وجه يكون تمام منافعه في اليوم الفلاني للمستأجر، أو يكون منفعته من حيث الحيازة له، وذلك لاعتبار النية في التملك بالحيازة والمفروض أنه لم يقصد كونه للمستأجر بل قصد نفسه. ويحتمل القول بكونه للمستأجر لان المفروض ان منفعته من طرف الحيازة له، فيكون نية كونه لنفسه لغوا والمسألة مبنية على ان الحيازة (3) ] (1) هذا يتم حتى على القول بتبعية المحاز للحيازة في الملكية إذا كان المستأجر عليه في الذمة، لان انطباق ما في الذمة على ما في الخارج يحتاج إلى قصد، وإن انحصر في فرد، ولايكون قهريا وان كان ذلك في الكلي الخارجي (2) راجع إلى الضمان. (3) الوجوه المتصورة بدوا في سببية الحيازة للملك ثلاثة: الاول: أن تكون سببا لملك الحائز مباشرة، وهو من قامت به الحيازة مطلقا، سواء قصد نفسه أم غيره أم لم يقصد. الثاني: أن تكون سببا لملك من كانت له الحيازة، فيكون المحاز تابعا لها في الملكية، تبعية الثمرة للشجرة، والحمل للدابة، والنماء لذي النماء، مطلقا أيضا. الثالث: أن تكون سببا لملك من جعلت له ولو تبرعا، فتكون سببيتها متقومة بالقصد، فان

 

===============

 

( 122 )

 

قصد الحائز بها نفسه ملك هو المحاز، وإن قصد غيره ملك غيره المحاز، وان لم يقصد أصلا لم يملك المحاز مالك، وبقي على إباحته الاصلية. هذا ولا ينبغي الاشكال في صحة الاجارة، على الوجهين الاخيرين. نعم قد تشكل بناء على الوجه الاول، بل في المتن أن لازمه عدم صحة الاجارة. وكأنه لعدم رجوع المنفعة، إلى المستأجر حينئذ. وفيه: أنه يكفي في صحتها ترتب غرض ما على حصول العمل المستأجر عليه، نظير الاجارة على النيابة عن ميت من أموات المستأجر، والاستئجار لارضاع الولد وتعليمه الكتابة ونحوها من الكمالات، فالوجوه كلها مشتركة في صحة الاجارة عليها، ولافرق بين الاول والاخيرين في ذلك. نعم تختلف في أمر آخر، وهو ملكية المحاز للمستأجر، فعلى الاول: لا يملكه المستأجر مطلقا، وإنما يملكه الاجير الحائز، وعلى الثاني: يملكه المستأجر مطلقا. إذا كانت الاجارة واقعة على المنفعة الخاصة وحدها أعني: منفعة الحيازة، أو مع غيرها بأن كان جميع منافعه ملحوظة في الاجارة، فان الحيازة على هذا تكون ملكا للمستأجر فيتبعها المحاز، وأما إذا كانت واقعة على ما في الذمة، فان قصد الاجير تشخيص ما في ذمته الواجب عليه بالاجارة، كانت الحيازة الخارجية ملكا للمستأجر فيتبعها المحاز. أما إذا لم يقصد ذلك، بل قصد نفسه، كان المحاز له، ويكون قد فوت العمل المستأجر عليه على المستأجر، فيرجع المستأجر عليه باجرة المثل لو لم يفسخ، أو بالمسمى إذا كان قد فسخ. وعلى الثالث: مقدمية الاجارة لتملك المحاز. تتوقف على وقوعها على الحيازة بقصد كونها للمستأجر، إذ لو وقعت على نفس فعل الحيازة مطلقا استحق الاجير الاجرة ولو قصد نفسه، ويكون هو المالك حينئذ للمحاز، فالاجارة إنما يترتب عليها تملك المستأجر للمحاز، إذا وقعت على الحيازة بنحو خاص،

 

===============

 

( 123 )

 

أعني: بقصد كونها للمستأجر. وحينئذ فان قصد الحائز ذلك استحق الاجرة، وكان المحاز للمستأجر. وإن قصد نفسه كان المحاز له دون المستأجر، من دون فرق بين وقوع الاجارة على منفعته الخاصة ووقوعها على ما في الذمة، وحينئذ يستحق المستأجر على المسمى أو أجرة المثل كما سبق. وكذا لو لم يقصد شيئا، لكن في هذه الصورة يبقى المحاز على إباحته الاصلية. ثم إن الوجهين الاخيرين يمكن ارجاع ثانيهما إلى أولهما، بناء على أنه يكفي في ملكية العمل صدوره عن فاعله بقصد أنه لزيد مثلا، فيكون ملكا لزيد بمجرد ذلك، فانه على هذا المبنى تكون ملكية المقصود للمحاز تابعة لملكية الحيازة، فالمتبرع عن غيره بالحيازة يملكها للمتبرع عنه، فيملك المتبرع عنه المحاز، كما يملك نفس الحيازة بالتبرع عنه فيها. فالحيازة تارة: تملك بعقد الاجارة للمستأجر. وأخرى: يملكها المتبرع عنه بالتبرع من الحائز عنه، فيملكها المتبرع عنه بذلك التبرع الراجع إلى فعلها بقصد كونها لغيره، فتكون حال وقوعها ملكا للمتبرع عنه، فيتبعها المحاز. فالبناء على الثالث أيضا راجع إلى تبعية المحاز للحيازة في الملكية. نعم إذا كانت منفعة الحيازة مملوكة على الحائز بالاجارة، لاسلطنة له على جعلها لغير المستأجر المالك لها. نعم بين الوجهين فرق من جهة أخرى، تظهر بالتأمل فيما ذكرنا. وكيف كان: لا ينبغي التأمل في أن الرجوع إلى المرتكز العرفي - الذي هو المعيار المائز بين ما تدخله النيابة والوكالة ومالا تدخله - يقتضي البناء على كون العناوين المذكورة في المتن مما تدخله النيابة، فانها عند العرف كذلك. بل التسالم على كون القبض مما تدخله النيابة، في كل مورد كان موضوعا لحكم شرعي، يقتضي البناء عليه هنا، لانها من أنواعه وأنحائه. فيبطل الوجه الاول. هذا ولاجل أن اعتبار النيابة عند العقلاء إنما يصح فيما إذا كان

 

===============

 

( 124 )

 

للمنوب فيه أثر ترتب عليه، وإلا لم يكن النيابة معنى، ولا مجال لاعتبارها عند العقلاء، فتكون بناؤهم على صحة النيابة في هذه العناوين كاشفا عن كونها موضوعا للآثار مطلقا، فيتعين الوجه الثاني الذي هو ثالث الوجوه المذكورة في المتن، ويترتب عليه ما عرفت من أنه إذا استأجره بلحاظ المنفعة الخاصة - أعني: منفعة الحيازة - كان المحاز ملكا للمستأجر، تبعا لملكية الحيازة وإن قصد الاجير الحيازة عن نفسه أو عن غير المستأجر، لعدم نفوذ قصده، لكونه تصرفا في ملك المستأجر، كما لو حاز العبد بقصد غير مولاه. وفي الشرايع في كتاب الشركة قال: " إذا استأجره للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد مدة معينة، صحت الاجارة، ويملك المستأجر ما يحصل في تلك المدة ". لكن قال في كتاب الوكالة: " إن الامور المذكورة لاتقبل النيابة ". وأشكل عليه: بأن البناء على أنها لاتقبل النيابة يقتضي المنع من صحة الاجارة عليها. وفي الجواهر دفع الاشكال: " بأنه قد يمنع التلازم، ويكون حينئذ ملك المباح في الفرض من توابع ملك العمل بالاجارة، وهو غير التملك بالنيابة في الحيازة. ثم قال: " فتأمل " ولعله أشار بالامر بالتأمل إلى أنه إذا لم تقبل العناوين المذكورة اختصت آثارها بالمباشر، فيكون المباح ملكا له، فإذا بني على كونه ملكا لمالك الحيازة وإن لم يكن هو المباشر، كان ذلك قولا بقبولها للنيابة، إذ ليس المراد من كونها قابلة للنيابة إلا هذا المعنى، بأن يكون الاثر لغير المباشر ثم إنه قد استدل على الوجه الاول من الوجوه التي ذكرناه، بما دل على أن من حاز ملك، فان المضمون المذكور وإن لم يرد به نص بلفظه، فقد ورد ما يدل على معناه، مثل قوله (ع): " لليد ما أخذت

 

===============

 

( 125 )

 

وللعين ما رأت " (* 1). وفيه: أنه إذا كانت المرتكزات العرفية قاضية بقبولها النيابة، فقد صدق ذلك بالنسبة إلى المنوب عنه ولا يصدق بالنسبة إلى النائب، كما يظهر من ملاحظة نظائره، فإذا ورد: " من صلى ركعتين فله كذا "، وقلنا بقبول الصلاة للنيابة، كانت الصلاة الواقعة من النائب منسوبة إلى المنوب عنه. لاإلى النائب، مثل: من باع أو تزوج أو قبض وغيرها. ونظير المقام باب إحياء الموات، فان قولهم (ع): " من أحيى أرضا مواتا فهي له " (* 2). وإن كان مقتضى الجمود على عبارته تملك من قام به الاحياء، لكن مادل على قبول الاحياء للنيابة يقتضي عمومه للمباشرة والنيابة، لان فعل النائب فعل المنوب عنه، فمن أحيى عن غيره كان غيره المحيى لا المباشر، نظير قوله (ع): " من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة " (* 3)، فان الاثر المذكور يكون له ملك البناء ولو لم يباشر. نعم هنا شئ وهو: أن ملك الحيازة هل يحصل بمجرد نية المباشر عن غيره كما يحصل بعقد الاجارة، أولا؟ فيه إشكال، ومقتضى أصالة عدم ترتب الاثر عدمه. بل العدم مقتضى قاعدة السلطنة على النفس. ومن ذلك يشكل البناء على عموم صحة النيابة ولو تبرعا. والمتحصل مما ذكرنا: أن مقتضى الجمود على ما تحت مفاد الادلة الاولية هو عدم صحة النيابة في أمثال المقام، وأن المحاز ملك للحائز مباشرة. وبعد ملاحظة مادل على قبول ذلك النيابة، والجمع بينه وبين الادلة الاولية، يتعنى البناء على أن المحاز ملك لمالك الحيازة، لامن قامت به

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 38 من أبواب الصيد حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب احياء الموات حديث: 5، 6. (* 3) الوسائل باب: 8 من أبواب احكام المساجد حديث: 2، 6.

 

===============

 

( 126 )

 

الحيازة، نظير: " من أحيى أرضا " و " من بنى مسجدا ". وهذا الملك تارة: يكون الاجارة، وأخرى: يكون بغيرها من جعالة ونحوها، وقد يكون بالامر بها مجانا، فيجوز المأمور بنية ملك الآمر. أما تبرع الحائز بدون إذن من حاز له فلا أثر له في الملك، لما عرفت من أنه خلاف قاعدة السلطنة. بل قد يشكل حصوله بمجرد الامر بالحيازة مجانا، لعدم الدليل على حصول الملك بمجرد ذلك. وقبول الحيازة للنيابة لا يقتضي ذلك، لان القابلية أعم من الفعلية، فما لم يقم دليل على النفوذ يكون المرجع أصالة عدم ترتب الاثر. اللهم إلا أن يدخل ذلك في الهبة، فيدل على ترتب الاثر مادل على نفوذ الهبة. فتأمل. ثم إنه هل يعتبر في ملك الحائز لما حاز نية التملك، أولا يعتبر ذلك؟ في الشرايع: " قيل: لا. وفيه تردد ". وفي القواعد: " فيه اشكال. وصريح المبسوط في كتاب احياء الموات اعتبارها. قال فيه: لان المحيى إنما يملك بالاحياء إذا قصد تملكه ". وتبعه عليه جماعة، منهم الشهيد في الدروس. وجزم في الجواهر في كتاب إحياء الموات وغيره بعدم الاعتبار، وقال في كتاب الشركة: (يمكن دعوى السيرة، بل الضرورة على خلاف ذلك " (يعني: ما ذكره في المبسوط) وفي مفتاح الكرامة: " الاقرب الاعتبار "، وذكر أنه قد استدل عليه بالاخبار المستفيضة الواردة فيما يكون في جوف السمكة مما يكون في البحر (* 1)، وبالاجماعين الظاهرين من التذكرة والمختلف، المعتضدين بالشهرات. واستدل له في جامع المقاصد بما تكرر في فتوى الاصحاب من أن ما يوجد في جوف السمكة مما يكون في البحر يملكه المشتري ولا يجب دفعه إلى البايع يعني: أنه لو لم تعتبر النية لكان ملكا للبائع لكونه حائزا، ولاوجه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب اللقطة.

 

===============

 

( 127 )

 

[ من الاسباب القهرية لتملك الحائز (1) ولو قصد الغير، ولازمه عدم صحة الاستئجار لها. أو يعتبر فيها نية التملك، ودائرة مدارها، ولازمه صحة الاجارة، وكون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن كان أجيرا للغير، وايضا لازمه عدم حصول الملكية له إذا قصد كونه للغير، من دون ان يكون أجيرا له أو وكيلا عنه، وبقاؤه على الاباحة الا إذا قصد بعد ذلك كونه له بناء على عدم جريان التبرع في حيازة المباحات والسبق إلى المشتركات، وإن كان لا يبعد جريانه. أو أنها من الاسباب القهرية لمن له تلك المنفعة، فان لم يكن أجيرا يكون له، وإن ] لان يكون للمشتري. وفيه: أن الظاهر أن البائع باع تمام ما حازه، وإن كان يعتقد أنه سمكة فقط، فالخطأ يكون في التطبيق لاغير. ثم إن ما ذكره من الفتوى قد تضمنتها جملة من النصوص، ذكرها في الوسائل في كتاب اللقطة، فراجعها. ودلالتها على اعتبار نية التملك غير ظاهرة، وان استدل بها في مفتاح الكرامة. هذا وفي الجواهر قوى اعتبار قصد الحيازة في حصول الملك، فمن حول ترابا أو حجرا عن طريق بقصد التمكن من العبور عنه لا يملكه. وكأنه لانصراف الادلة عن مثل ذلك وهو غير بعيد، ولاسيما مع موافقته للسيرة. وأظهر منه صورة ما إذا لم يتحقق القصد أصلا، كما في حيازة النائم ونحوه. (1) الظاهر من العبارة - بقرينة ما يأتي من قوله: " أو أنها من الاسباب القهرية... " - أن المراد من كونها من الاسباب القهرية: أنها توجب تملك المباشر، الذي هو الوجه الاول من الوجوه التي ذكرناها في الحاشية السابقة. لكن هذا المبنى لا يترتب عليه شئ من الاحتمالين السابقين، إذ الاحتمال الثاني - وهو كون المحاز للمستأجر - لاوجه لترتبه

 

===============

 

( 128 )

 

[ قصد الغير فضولا فيملك بمجرد قصد الحيازة، وإن كان أجيرا للغير يكون لذلك الغير قهرا، وإن قصد نفسه أو قصد غير ذلك الغير (1). والظاهر عدم كونها من الاسباب القهرية مطلقا، فالوجه الاول غير صحيح، ويبقى الاشكال في ترجيح أحد الاخيرين، ولابد من التأمل (2). (مسألة 7): يجوز استئجار المرأة للارضاع (3)، بل للرضاع بمعنى: ] عليه. وأما الاحتمال الاول: فهو وإن كان يترتب في الجملة، لكن من بعض آثار ذلك الاحتمال أن يكون ضامنا للمستأحر، ولاوجه لترتبه على هذا المبنى، لان لازم المبنى - كما ذكر - عدم صحة الاجارة، فلا وجه لضمان المستأجر. وأيضا لازم هذا المبنى تملك الحائز المحاز مطلقا قصد نفسه أو غيره. وأيضا فان القول بأن المحاز ملك للمستأجر لا يترتب على شئ من المبنيين. وبالجملة: ابتناء القولين السابقين على المبنيين المذكورين غير ظاهر. (1) لما عرفت من أنه لاسلطنة له على ذلك القصد، لانه تصرف في ملك الغير فلا يؤثر شيئا. هذا إذا كانت الاجارة واقعة على المنفعة الخارجية، ولو كانت على ما في الذمة يكون المدار على قصده، إذ لامانع عن تأثيره. (2) قد عرفت في الحاشية السابقة ترجيح الاخير. الذي هو الوجه الثاني مما ذكرناه من الوجوه الثلاثة. (3) بلا اشكال ظاهر. وهو المتيقن من معقد الاجماع على الجواز في المسألة. وتقتضيه عمومات الصحة، لان الارضاع من المنافع ذات المالية التي يبذل المال بازائها عند العقلاء. والقرآن المجيد شاهد بذلك،

 

===============

 

( 129 )

 

[ الانتفاع بلبنها (1) وإن لم يكن منها فعل مدة معينة. ولابد من مشاهدة الصبي الذي استؤجرت لارضاعه، لاختلاف الصبيان. ويكفي وصفه على وجه يرتفع الغرر. وكذا لابد من تعيين المرضعة شخصا أو وصفا على وجه يرتفع الغرر. نعم لو استؤجرت على وجه يستحق منافعها أجمع التي منها الرضاع، لا يعتبر حينئذ مشاهدة الصبي أو وصفه (2). وان اختلفت الاغراض بالنسبة إلى مكان الارضاع - لاختلافه من حيث السهولة والصعوبة والوثاقة وعدمها - لابد من تعيينه أيضا. ] لقوله تعالى: " فان أرضعن لكم فآتوهم أجورهن " (* 1)، فلا مانع من أخذ العوض بازائه. وأما الاجارة للرضاع: فالقول بجوازها محمي عن جماعة. وهو ظاهر الشرائع وغيرها مما عبر فيه بجواز الاستئجار للرضاع. لكنه مشكل كما أشار إلى وجهه غير واحد، منهم جامع المقاصد، لان الاجارة مشروعة لنقل المنافع لا الاعيان، واللبن من الثانية. بل يظهر من محكي التذكرة: الاجماع عليه الفساد فيه، وأنه يتم على قول المخالفين من أن الاجارة قد تكون لنقل الاعيان. اللهم الا أن يقال: إن الارتضاع من المرأة من قبيل المعنى مقابل اللبن، يمكن تمليكه بالاجارة. (1) كان اللازم أن يقيده بقوله: " على نحو الارتضاع " لتكون إجارة المرأة كاجارة الدار، لتستوفي منافعها، في مقابل الاجارة للارضاع التي هي من قبيل إجارة العامل. وأما الانتفاع باللبن فهو انتفاع بالعين، لا تصح الاجارة بلحاظه كما عرفت. وسيأتي في المسألة الثانية عشرة. (2) كما نص على ذلك في الجواهر. وكأنه لعدم كونه موضوعا

 

 

____________

(* 1) الطلآق: 6.

 

===============

 

( 130 )

 

[ (مسألة 8): إذا كانت الامرأة المستأجرة مزوجة، لا يعتبر في صحة استئجارها إذنه (1)، ما لم يناف ذلك لحق استمتاعه، لان اللبن ليس له (2)، فيجوز لها الارضاع من غير رضاه. ولذا يجوز لها أخذ الاجرة من الزوج على إرضاعها لولده (3)، سواء كان منها أو من غيرها. نعم لو نافى ذلك حقه لم يجز الا باذنه، ولو كان غائبا فأجرت نفسها للارضاع فحضر في أثناء المدة وكان على وجه ينافي حقه، انفسخت ] للاجارة، كما لو استأجر الدابة بجميع منافعها، فانه لا يعتبر في صحتها ذكر الحمل فضلا عن مقداره، لان الغرر مرتفع بذكر المدة، والمرجع في كيفية الانتفاع هو المتعارف. ومن ذلك يظهر أنه إذا استأجر الدابة للحمل والمرأة للارضاع، لم يحتج إلى تعيين الحمل أو المرتضع، لان التعارف كاف في رفع الغرر، بخلاف مالو استأجر الدابة لحمل شئ معين، أو المرأة لارضاع طفل معين، لان خصوصية المنفعة لما كانت يختلف الغرض والقيمة باختلافها، كان الجهل بها موجاب للغرر. فعدم الحاجة إلى تعيين الصبي لا يختص بصورة اجارتها بلحاظ جميع المنافع، فانه إذا استأجرها لخصوص الارضاع لا يحتاج أيضا إلى تعيين الصبي. (1) عن المبسوط والخلاف والسرائر: اعتبار ذلك. وحكي عن الشرائع والجامع، لانه لادليل على لاصحة بدونه، ولان الزوج مالك لمنافعها، وكلا الامرين كما ترى. (2) وكذا الارضاع والارتضاع. (3) عن الشيخ في المبسوط: المنع عن ذلك، وحكي عن جماعة من أهل الخلاف، لانها قد أخذت عوضا في مقابل الاستمتاع، وآخر في مقابل التمكين والحبس، فلا تأخذ عوضا آخر. وهو كما ترى.

 

===============

 

( 131 )

 

[ الاجارة بالنسبة إلى بقية المدة. (مسألة 9): لو كانت الامرأة خلية فأجرت نفسها للارضاع أو غيره من الاعمال، ثم تزوجت، قدم حق المستأجر على حق الزوج في صورة المعارضة، حتى أنه إذا كان وطؤه لها مضرا بالولد منع منه (1). (مسألة 10): يجوز للمولى إجبار أمته على الارضاع (2) إجارة وتبرعا، قنة كانت أو مدبرة أو أم ولد. وأما المكاتبة المطلقة: فلا يجوز له إجبارها (3). بل وكذا المشروطة. كما لا يجوز في المبعضة (4). ولافرق بين كونها ذات ولد يحتاج إلى اللبن أولا، لامكان إرضاعه من لبن غيرها. (مسألة 11): لافرق في المرتضع بين أن يكون معينا أو كليا، ولا في المستأجر بين تعيين مباشرتها للارضاع أو جعله في ذمتها، فلو مات الصبي في صورة التعيين أو الامرأة في صورة تعيين المباشرة انفسخت الاجارة. بخلاف مالو كان الولد كليا أو جعل في ذمتها، فانه لا تبطل بموته أو موتها إلا مع تعذر الغير من صبي أو مرضعة. ] (1) في القواعد: " للزوج الوطئ وإن لم يرض المستأجر ". وكأنه منزل على صورة عدم الضرر. (2) لانه مملوك لتعبا لملك الامة، فلا يجوز التصرف فيه بغير إذنه. (3) لخروجها عن سلطنته، للاجماع عى انقطاع سلطنة المولى عن مال المكاتب بغير الاستيفاء، من غير فرق بين المكاتب المطلق والمشروط. (4) للاشتراك بينه وبينها.

 

===============

 

( 132 )

 

[ (مسألة 12): يجوز استئجار الشاة للبنها (1)، والاشجار للانتفاع باثمارها (2)، والآبار للاستقاء (3)، ونحو ذلك. ولا يضر كون الانتفاع فيها باتلاف الاعيان، لان المناط في المنفعة هو العرف، وعندهم يعد اللبن منفعة للشاة، والثمر منفعة للشجر، وهكذا. ولذا قلنا بصحة استئجار المرأة للرضاع، وإن لم يكن منها فعل (4)، بأن انتفع بلبنها، في حال نومها، أو بوضع الولد في حجرها وجعل ثديها في ] (1) المشهور في الشاة - كما قيل -: المنع. وعن بعض: الجواز، اعتمادا على مصححة ابن سنان: " عن رجل يدفع إلى رجل غنمه بسمن ودراهم معلومة، لكل شاة كذا وكذا في كل شهر. قال (ع): لا بأس بالدراهم، أما السمن فلا أحب ذلك، إلا أن تكون حوالب فلا بأس " (* 1) ونحوها رواية الحلبي (* 2). لكنهما غير ظاهرتين في الاجارة. فالمرجع القواعد المقتضية للمنع. (2) قيل: لا خلاف ظاهرا فلي فساد الاجارة. ويقتضيه ما تقدم في الاستئجار للرضاع. (3) عن موضع من التذكرة وعن الايضاح: القول بالجواز، بدعوى أن الملحوظ في الاجارة منفعة البئر، وإن أدى استيفاؤها إلى اتلاف العين. وفيه: أنه لا يظهر للبئر منفعة غير الانتفاع باتلاف مائها، ولذا كان المختار للقواعد وموضع من التذكرة وعن جامع المقاصد: المنع. وهو في محله كما يأتي. (4) قد عرفت إشكاله في شرح المسألة السابقة، وأن الارتضاع من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب البيع وشروطه حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 9 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث: 1.

 

===============

 

( 133 )

 

[ فم الولد من دون مباشرتها لذلك. فما عن بعض العلماء من إشكال الاجارة في المذكورات، لان الانتفاع فيها باتلاف الاعيان، وهو خلاف وضع الاجارة، لا وجه له (1). ] المرأة نحو منفعة لها خصوصية زائدة على الانتفاع باللبن، فان انتفاع الطفل باللبن حين ما يوضع في كأس ويشرب غير انتفاعه به حين مايشرب بنحو الارتضاع، ولذا كان الاول غير محرم والثاني محرما للنكاح. وكأن ما ذكرناه في كتاب (نهج الفقاهة) من عدم صحة إجارة المرأة للرضاع، ناشئ عن غض النظر عن ذلك، كما قد يتفق كون المقصود مجرد الانتفاع باللبن ولو بالشرب من كأس لا خصوص الارتضاع من الثدي. (1) بل له وجه ظاهر، لان الاجارة عرفا - كما عرفت في أول الكتاب - وإن كانت واقعة على العين، لكن في حاقها المعاوضة على المنفعة، فتكون الاجرة في مقابل المنفعة، واللبن والماء والثمر في الموارد المذكورة أعيان لا منافع، فلا تكون المعاوضة عليها من قبيل الاجارة. ودعوى: أنها وإن كانت أعيانا لكنها بالاضافة إلى الاعيان التي وقعت عليها الاجارة منافع، فان منفعة الشاة لبنها، ومنفعة الشجرة ثمرها، ومنفعة البئر ماؤها، فالامور المذكورة أعيان في أنفسها ومنافع لغيرها، فلا مانع من ايقاع الاجارة على أصلها بلحاظها. مندفعة: بأن المنفعة الملحوظة في المعاوضة في الاجارة يراد بها ما هو مقابل العين، فانهم ذكروا: أن البيع تمليك الاعيان، والاجارة تمليك المنافع، فالمنافع يراد بها ما يقابل العين، فلا تنطبق على العين، والا لجازت إجارة الشاة بلحاظ سخلها، والجارية بلحاظ ولدها، والبذر بلحاظ الزرع. وكذا في جميع موارد التوالد. فيكون الفرق بين البيع والاجارة: أن البيع يقع على ما هو مقصود بنفسه في المعاوضة، والاجارة

 

===============

 

( 134 )

 

[ (مسألة 13): لا يجوز الاجارة لاتيان الواجبات العينية (1)، كالصلوات الخمس، والكفائية كتغسيل الاموات وتكفينهم والصلاة عليهم، وكتعليم القدر الواجب من أصول الدين وفروعه، والقدر الواجب من تعليم القرآن، كالحمد وسورة منه، وكالقضاء والفتوى، ونحو ذلك. ولايجوز الاجارة على الاذان (2). نعم لا بأس بارتزاق القاضي، والمفتي والمؤذن من بيت المال. ويجوز الاجارة لتعليم الفقه والحديث والعلوم الادبية وتعليم القرآن (3)، ما عدا المقدار الواجب، ونحو ذلك. ] تقع على ما هو مقصود لغيره فيها وإن كان عينا، ويكون باب بيع الثمار من قبيل إجارة الاشجار، فيناسب ذكره في باب الاجارة. ولاجل ما ذكرنا صح أن يضاف الاجر إلى ذي المنفعة، فيقال: أجر الاجير، وأجرة الدار، وأمثال ذلك، لكون المنفعة قائمة بالعين المستأجرة. ولو كانت المنفعة عينا لم يحسن ذلك. ومثلها دعوى: أن المنفعة الملحوظة في اجارة الشجر ليست الثمر بل الانتفاع بالثمر، وهو من قبيل المعنى لا العين. وجه الاندفاع: أن الانتفاع بالثمرة ليس منفعة للشجر، بل للثمر نفسه، فلا يرتبط باجارة الشجر. (1) قد تكرر التعرض لذلك في هذا الشرح، وقد تقدم في مبحث القراءة في الصلاة الوجوه المستدل بها على المنع، والمناقشة فيها، وأن العمدة في دعوى المنع: اليقين بوجوب حصولها مجانا. فراجع. (2) تقدم الكلام فيه في مبحث الاذان، فراجع. (3) تقتضي ذلك عمومات الصحة، بعد أن كان التعليم موضوع الاغراض العقلائية، بل هو من أفضلها.

 

===============

 

( 135 )

 

[ (مسألة 14): يجوز الاجارة لكنس المسجد والمشهد وفرشها، وإشعال السراج، ونحو ذلك (1). (مسألة 15): يجوز الاجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدة معينة عن السرقة والاتلاف، واشتراط الضمان لو حصلت السرقة أو الاتلاف ولو من غير تقصير (2)، فلا بأس بما هو المتداول من اشتراط الضمان على الناطور إذا ضاع مال ] (1) لما عرفت، فلا يكون أكل الاجرة أكلا للمال بالباطل. (2) يعني: شرط نفس الضمان على نحو يكون من شرط النتيجة. وقيل بعدم صحة ذلك، فلا يصح إلا إذا كان بنحو شرط الفعل يعني: تدارك الخسارة، بناء على عدم ضمان الامين، فانه إذا كان الشرط بنحو شرط النتيجة، يكون الشرط مخالفا للكتاب فيبطل. وما في خبر إسحاق. ابن عمار (* 1) من ضمان الاجير إذا كان أجيرا على الحفظ محمول على صورة اشتراط تدارك الخسارة، لا الضمان بمعنى النتيجة كما هو ظاهره عند الاطلاق، إذ بعد عدم إمكان الاخذ باطلاقه لمخالفته للاجماع، لا يتعين حمله على صورة اشتراط الضمان بمعنى النتيجة، بل من الجائز حمله على صورة اشتراط الضمان بمعنى شرط الفعل، بل هو المتعين، لان الاول شرط مخالف للكتاب. هذا وقد تقدم في فصل: أن العين المستأجرة أمانة، الكلام في ذلك. وأن قاعدة عدم ضمان الامين لا تقتضي كون شرط الضمان بمعنى النتيجة مخالفا للكتاب. والعمدة في المنع: كون شرط النتيجة في نفسه غير معقول. فراجع.

 

 

____________

(* 1) لعل المقصود به ما في الوسائل باب: 28 من أبواب احكام الاجارة حديث: 3.

 

===============

 

( 136 )

 

[ لكن لابد من تعيين العمل والمدة والاجرة على شرائط الاجارة. (مسألة 16): لا يجوز استئجار اثنين للصلاة عن ميت واحد في وقت واحد (1)، لمنافاته للترتيب المعتبر في القضاء بخلاف الصوم فانه لا يعتبر فيه الترتيب. وكذا لا يجوز استئجار شخص واحد لنيابة الحج الواجب عن اثنين، ويجوز ذلك في الحج المندوب (2). وكذا في الزيارات (3) كما يجوز النيابة ] (1) نص على ذلك غير واحد، لما ذكره المصنف (ره) من منافاته للترتيب المعتبر في القضاء. فمن لا يقول باعتبار في القضاء لامانع عنده من ذلك. (2) في صحيح ابن اسماعيل: " سألت أبا الحسن (ع) كم أشرك في حجتي؟ قال (ع): كم شئت " (* 1). وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): " قلت له: أشرك أبوي في حجتي؟ قال (ع): نعم. قلت أشرك أخوتي في حجتي؟. قال (ع): نعم، إن الله عزوجل جاعل لك حجا ولك أجر لصلتك إياهم " (* 2). ونحوهما غيرهما. فإذا ثبتت مشروعيته جازت الاجارة عليه. (3) في رواية إبراهيم الحضرمي عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع): " فإذا أتيت قبر النبي صلى الله عليه وآله فقضيت ما يجب عليك، فصل ركعتين، ثم قف عند رأس النبي صلى الله عليه وآله، ثم قل السلام عليك يا نبي الله، عن أبي وأمي وولدي وخاصتي وجميع أهل بلدي، حرهم وعبدهم، وأبيضهم وأسودهم، فلا تشاء أن تقول للرجل: قد أقرأت رسول الله صلى الله عليه وآله عنك السلام إلا كنت صادقا " (* 3).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 28 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 28 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 30 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 137 )

 

[ عن المتعدد تبرعا في الحج والزيارات (1). ويجوز الاتيان بها لا بعنوان النيابة بل بقصد إهداء الثواب لواحد أو متعدد (2) (مسألة 17): لا يجوز الاجارة للنيابة عن الحي في الصلاة ولو في الصلوات المستحبة (3). نعم يجوز ذلك في الزيارات والحج والمندوب. وإتيان صلاة الزيارة ليس بعنوان ] (1) كما هو مورد النصوص المتقدمة. (2) قد تقدم في صلاة الاستيجار ذكر بعض ما يدل على إهداء الثواب، ولعل منه ما في مرسل الفقيه: " قال رجل للصادق (ع): جعلت فداك إني كنت نويت أن أدخل في حجتي العام أبي أو بعض أهلي فنسيت. فقال (ع): الآن فاشركهما " (* 1). ونحوه خبر الحارث بن المغيرة (* 2). فان الظاهر من الاشراك بعد العمل الاشراك في الثواب، كما فهمه منه في الوسائل. ثم إن المصنف (ره) سيتعرض للاجارة على إهداء الثواب في المسألة الحادية والعشرين. (3) يدل على الجواز رواية محمد بن مروان: " ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين، ويصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك... " (* 3)، وفي رواية علي بن أبي حمزة: " قلت لابي ابراهيم (ع): أحج وأصلي وأتصدق عن الاحياء والاموات من قرابتي وأصحابي؟. قال (ع): نعم تصدق عنه، وصل عنه، ولك أجر بصلتك إياه ". (* 4) لكن في الوسائل بعد ذكر الخبر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 9.

 

===============

 

( 138 )

 

[ النيابة بل من باب سببية الزيارة، لاستحباب الصلاة بعدها ركعتين (1). ] الاول قال: " أقول: الصلاة عن الحي مخصوص بصلاة الطواف والزيارة لما يأتي ". وكأنه يشير إلى ما ذكره من خبر عبد الله بن جندب: " كتبت إلى أبي الحسن (ع): أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله في البر والصلة والخير أثلاثا، ثلثا له وثلثين لابويه أو يفردهما بشئ مما يتطوع به. وإن كان أحدهما حيا والآخر ميتا. فكتب الي: أما الميت: فحسن جائز، وأما الحي: فلا إلا البر والصلة " (* 1). بناء على ما في بعض النسخ من كون " الصلاة " بدل " الصلة "، كما هو الصحيح حسب ما يظهر من كلام ابن طاووس في ذيل الحديث المذكور. وفيه: أن مورد الحديث التشريك للحي في الصلاة، فلا يدل على المنع من إفراده بالنيابة عنه، إذ لعل للتشريك خصوصية، كما قد ورد ذلك في خبر علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام: " سألته عن رجل جعل ثلث حجته لميت وثلثيها لحي. فقال عليه السلام: للميت ذلك وللحي فلا " (* 2)، مع ورود النص في جواز التبرع بالحج عن الحي. ولذلك قال السيد ابن طاووس - بعد ذكر خبر عبد الله بن جندب -: " لايراد بهذه الصلاة المندوبة، لان الظاهر جوازها عن الاحياء في الزيارات والحج وغيرهما ". فالظاهر جواز النيابة عن الحي في الصلاة المندوبة كغيرها، كما هو ظاهر شيخنا الاعظم (ره) في رسالة القضاء. (1) الذي يظهر من النصوص: أن النيابة في الصلاة على نحو

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب قضاء الصلاة حديث: 16. (* 2) الوسائل باب: 25 من أبواب النيابة في الحج حديث: 9.

 

===============

 

( 139 )

 

[ ويحتمل جواز قصد النيابة فيها لانها تابعة للزيارة (1). والاحوط إتيانها بقصد ما في الواقع. (مسألة 18): إذا عمل للغير لا بأمره ولا إذنه، لا يستحق عليه العوض (2) وإن كان بتخيل أنه مأجور عليه فبان خلافه. (مسألة 19): إذا أمر باتيان عمل فعمل المأمور ذلك فان كان بقصد التبرع لا يستحق عليه أجرة وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاجرة (3)، وإن قصد الاجرة وكان ذلك العمل مما له أجرة استحق وان كان من قصد الآمر إتيانه تبرعا (4)، سواء كان العامل ممن شأنه أخذ الاجرة ومعدا نفسه لذلك أو لا بل وكذلك ان لم يقصد التبرع ولا أخذ الاجرة، فان عمل المسلم محترم. ولو تنازعا بعد ذلك في أنه قصد التبرع أو لا، ] النيابة في الزيارة، لاأن الصلاة عن نفسه والزيارة عن غيره. (1) كما عرفت أنه ظاهر النصوص. (2) بلا خلاف ظاهر، للاصل، وعدم ثبوت سبب الضمان من عقد أو يد أو اتلاف. نعم بناء على أنه يكفي في كون العمل تحت اليد رجوع فائدته إليه يكون القول بالضمان في محله. لكنه غير ثابت. وقاعدة احترام عمل المسلم كماله غير ثابتة كلية بنحو تستتبع الضمان عن المعمول له كما لا يخفى. (3) بلا خلاف ظاهر، فانه إباحة منه لعمله تمنع عن ضمانه واحترامه كاباحة ماله. (4) على المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف فيه. نعم

 

===============

 

( 140 )

 

[ قدم قول العامل، لاصالة عدم قصد التبرع بعد كون عمل المسلم محترما، بل اقتضاء احترام عمل المسلم ذلك وإن أغمضنا ] ظاهر ما في الشرائع في كتاب الجعالة من قوله: " لو استدعى الرد ولم يبذل الاجرة لم يكن للراد شئ، لانه متبرع بالعمل " خلافه في ذلك، مع بنائه في كتاب الاجارة على الاستحقاق إذا دفع إلى العامل شيئا ليعمل فيه، إذا كان من عادة العامل أن يستأجر لذلك - كالغسال والصباغ - أو كان العمل مما له اجرة. وكيف كان: فلا خلاف محقق في الضمان. وفي مجمع البرهان: " يحتمل أن يكون مجمعا عليه ". نعم الاشكال في مستنده، إذ الضمان إما بالعقد أو باليد أو بالاتلاف، والجميع هنا محل الاشكال، فانه لاعقد صحيح في البين، لا أجارة ولا جعالة، للجهل بالاجرة والجعل. ولو سلم ثبوتها فاسدتين ليترتب عليه الضمان بقاعدة: " ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده "، فغير مطرد في صورة قصد الآمر التبرع كما فرض في المتن. وإن كان باليد فغير ظاهر أيضا، لان قاعدة: (على اليد) لو شملت المنافع اختصت بما لو كان ذو المنفعة تحت اليد، لتكون المنفعة تحت اليد تبعا، وهو لايتم في عمل الحر كما عرفت في أول الكتاب. فتأمل. وإن كان بالاتلاف فأشكل، لان سببية العامل فيه أقوى من الآمر، لانه المباشر، كما لو أمره باتلاف مال الغير وأكل طعامه، فان المتلف هو الضامن لا الآمر. والذي ذكره في المسالك وغيرها: أن الموجب للضمان استيفاء المنفعة ذات المالية. لكن سببية ذلك للضمان أيضا محتاجة إلى دليل. وفي الجواهر: الاستدلال له بقاعدة احترام عمل المسلم كماله. كما أشار إليه في المتن وجملة من كتب الاصحاب. لكن عرفت سابقا: أن كون عمل المسلم محترما

 

===============

 

( 141 )

 

كماله لا يكفي في ثبوت ضمانه. وعموم مادل على احترام دم المسلم وماله (* 1) ظاهر في الحرمة التكليفية، بمعنى: أنه لا يجبر المسلم على العمل ولا يقهر عليه، ويكون ذلك حراما، لا أنه يكون مضمونا، ولو سلم فهو أعم من ضمان الآمر وغيره. وقد يدعى: أنه وجه الضمان أن الامر بالعمل نظير الاباحة بالضمان والتمليك بالضمان، فانه استعمال بالضمان نافذ شرعا كغيره. ويشكل بأنه لو سلم ذلك لم يجد مع قصد الآمر المجانية، وسيشير إلى ذلك المصنف (ره) في المسألة الخامسة والعشرين. وكأنه لذلك استشكل في مفتاح الكرامة في الضمان حيث قال: " لولا اتفاق من تعرض لهذا الفرع على ثبوت الاجرة عند اجتماع الامرين (يعني: كون العمل ذا أجرة، وكون العامل معتادا في أخذ الاجرة) إلا من قل ممن لا نعرفه لكان احتمال عدم الاجرة مطلقا قويا، إذ لعله لا يقصر عن قوله: أعطني ما في يدك، وأطعمني طعامك، وأدعني ديني، ولم يقل: وعلي عوضه، عند جماعة ونحو ذلك مما لا ضمان فيه، لانه مما يحتمل أن يكون بعوض وأن يكون بدونه، والاصل براءة ذمته من لزومه. ولعل الذي دعاهم إلى ذلك استمرار السيرة، ولكنها غير مستمرة فيما إذا لم يكن له عادة... ". أقول: قد ظهر لك: أن موضع الاشكال صورة قصد الآمر التبرع، إذ مع قصده الاجرة يمكن أن يكون الضمان من جهة كون المورد إجارة أو جعالة فاسدتين، وهما يقتضيان الضمان كالصحيحتين، أو أن تكون معاملة مستقلة، أعني: الاستعمال بشرط الضمان، فلا وجه للرجوع إلى أصالة البراءة. أما إذا قصد الآمر التبرع، فلا مجال لذلك. والضمان باليد والاتلاف قد عرفت إشكاله، لكن التفصيل بين الصورتين خلاف

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 152 من أبواب احكام العشرة حديث: 12.

 

===============

 

( 142 )

 

[ عن جريان أصالة عدم التبرع (1). ولا فرق في ذلك بين ] ارتكاز العرف والمتشرعة، والمناط الموجب للضمان عندهم موجود في الصورتين على حد واحد، وهو استيفاء العمل غير المباح من العامل، كما أشار إليه في المسالك وغيرها. فإذا لا يبعد البناء على الضمان، لبناء العرف والمتشرعة عليه، وعدهم لاستباحة العمل ظلما وعدوانا. والمناط في حصول الاستيفاء الموجب للضمان، أن يكون بعث وتحريض للعامل، ولافرق في البعث بين أن يكون بالقول كالامر، وأن يكون بالفعل كأن يدفع إلى الخياط الثوب ليخبطه، أو الغسال ليغسله، أو يجلس بين يدي الحلاق أو الدلاك فيحلق رأسه أو يدلك بدنه، كما صرح به في جامع المقاصد، فان ذلك بمنزلة الامر في حصول الاستيفاء المقتضي للضمان. هذا والظاهر أن الاجرة التي يضمن بها العمل: هي أجرة المثل كما صرح به جماعة. وما في كلام جماعة آخرين من أنها الاجرة المسماة لمثل ذلك العمل قرينة على تواطئهما عليها، فتكون جعالة صحيحة لتعين الجعل. لكن ذلك إن تم يختص بصورة علم الآمر، لامع جهل. كما أنه يمكن أن يكون المقام من باب الاجارة الصحيحة، بأن يكون غرض الآمر توكيل العامل في تعيين الاجرة، كما يتعارف ذلك في الشراء من مخازن البقالين والبزازين وغيرهم، من دون تواطؤ على أجرة معينة، فلابد أن يكون مقصود المشتري توكيل البائع من بقال أو بزاز أو غيرهما في تعيين الثمن، فيكون البيع صحيحا، لانه يكفي في معرفة العوضين المعتبرة في البيع معرفة الوكيل. وكذا في المقام. لكنه يختص التوكيل بالمتعارف وهي أجرة المثل، فلا يكون الضمان بالمسمى. وكذا في البيع. وبالجملة: الضمان بالمسمى غير ظاهر، إلا أن يكون مفاد الامر التوكيل المطلق. (1) كأنه مبني على التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

 

===============

 

( 143 )

 

[ أن يكون العامل ممن شأنه وشغله اخذ الاجرة وغيره، إلا أن يكون هناك انصراف أو قرينة على كونه بقصد التبرع، أو على اشتراطه. (مسألة 20): كل ما يمكن الانتفاع به منفعة محللة مقصودة للعقلاء مع بقاء عينه يجوز إجارته. وكذا كل عمل محلل مقصود للعقلاء - عدا ما استثني - يجوز الاجارة عليه، ولو كان تعلق القصد والغرض به نادرا لكن في صورة تحقق ذلك النادر (1). بل الامر في باب المعاوضات الواقعة على الاعيان ايضا كذلك. فمثل حبة الحنطة لا يجوز بيعها، لكن إذا حصل مورد يكون متعلقا لغرض العقلاء ويبذلون المال في قبالها يجوز بيعها. (مسألة 21): في الاستئجار للحج المستحبي أو الزيارة لا يشترط أن يكون الاتيان بها بقصد النيابة، بل يجوز أن يستأجره لاتيانها بقصد إهداء الثواب إلى المستأجر أو إلى ميته (2) ويجوز أن يكون لا بعنوان النيابة ولا إهداء الثواب، بل يكون المقصود ايجادها في الخارج من حيث أنها من الاعمال الراجحة فيأتي بها لنفسه أو لمن يريد نيابة أو إهداء. ] (1) إذا كان الغرض النادر عاما، وكان العمل عزيز الوجود. وكذا الحال في الاعيان. فإذا كان الغرض خاصا أو كان كثير الوجود لا يكون ذا مالية، ولايجوز بذل المال بازائه، لانه أكل للمال بالباطل. (2) قد يشكل ذلك لعدم إحراز الموضوع، لاحتمال كون العمل مقرونا بما يمنع من تحقق الثواب. والاجارة على الاهداء على تقدير وجود

 

===============

 

( 144 )

 

[ (مسألة 22): في كون ما يتوقف عليه استيفاء المنفعة - كالمداد الكتابة، والابرة والخيط للخياطة مثلا - على المؤجر أو المستأجر قولان (1). والاقوى وجوب التعيين، إلا إذا كان هناك عادة ينصرف إليها الاطلاق، وإن كان القول بكونه مع عدم التعيين وعدم العادة على المستأجر لا يخلو عن وجه ] الثواب كما ترى، لا يخرج عن كونه مشكوكا ومع الجهل بثبوت العوض لا تصح الاجارة، مضافا إلى أن المالية في الثواب، لافي إهداء الثواب، فلا يكون طرفا للمعاوضة. اللهم إلا أن يقال: إنه يكفي في صلاحيته للعوضية كونه موصلا إلى المال، نظير الاجارة على البيع، كما يتعارف عند الدلالين في البيع أو الاجارة أو نحوهما. (1) في الشرائع وعن السرائر والتحرير والارشاد: أنها على المؤجر واختاره في الجواهر، لتوقف العمل المستأجر عليه على ذلك، فيجب من باب المقدمة. وعن المسالك والروضة وغيرهما: أنها على المستأجر، إلا أن تكون العادة على المؤجر، لان المقصود من الاجارة العمل، أما الاعيان فلا تدخل في مفهوم الاجارة على وجه يجب أداؤها لاجلها، إلا في شواذ تثبت على خلاف الاصل، كالرضاع والاستحمام. ورده في الجواهر بأن عدم دخولها في مفهوم الاجارة لا ينافي وجوبها للمقدمية للواجب، الذي الاصل فيه أن يكون واجبا مطلقا لا مشروطا. وعن مجمع البرهان: وجوب التعيين. وكأنه لاجمال المستأجر عليه من حيث الاطلاق والاشتراط ورده في الجواهر: بأنها من التوابع، وليست من مورد الاجارة الذي يعتبر فيه المعلومية. وفيه: أن الاجمال في مورد الاجارة من حيث الاطلاق والاشتراط كما عرفت، لافي التوابع. هذا ولاجل ما ذكره في الجواهر، من أصالة الاطلاق في العمل،

 

===============

 

( 145 )

 

[ أيضا، لان اللازم على المؤجر ليس الا العمل (1). ] تعرف أنه لا إجمال كي يحتاج إلى التعيين، فيكون الاقوى أنها على المؤجر لا المستأجر، إلا أن تكون قرينة على خلاف الاطلاق، فيتعين العمل عليها. ولو أجمل المراد لوجود ما يصلح القرينية وجب التعيين، وإلا بطلت الاجارة. هذا ولكن قد يشكل ما في الجواهر: بأن إطلاق الوجوب يقتضي وجوب المقدمة، أما أنها على وجه تكون ملكا للمستأجر فليس مما يقتضيه الاطلاق. وبالجملة: إطلاق الوجوب يقتضي المبادرة إلى العمل، ولا يقتضي تمليك الخيوط - مثلا - للمستأجر. وقاعدة السلطنة تقتضي بقاءها على ملك الاجير، وحينئذ يجب دفع بدلها إلى الاجير. وهذا المعنى وإن كان مخالفا للقول بأنها على المستأجر، وللقول بأنها على الاجير، لا بأس بالالتزام به إذا كان مقتضى الدليل. ولكن هذا يختص بما إذا كان إطلاق للعمل المستأجر عليه، أما إذا لم يكن لعدم تمامية مقدمات الحكمة، فالعقد باطل، لاجمال موضوعه وإهماله، المانع ذلك من صحته، إذ المهمل لا يمكن انطباقه على كل من الواجد للقيد والفاقد. من الافراد الخارجية والفرضية. ومن ذلك يظهر: أن قول المصنف (ره): " والاقوى وجوب التعيين " مبني على إهمال العمل وعدم إطلاقه، فانه مع الاطلاق لا موجب للتعيين، بل يؤخذ بمقتضى الاطلاق. كما أن مما ذكرنا يظهر الفرق بين مثل الابرة، وبين مثل الخيوط والحبر ونحوهما مما لا تبقى عينه بيد المؤجر، فان الرجوع على المستأجر يختص به، ولا يجري في مثل الابرة ونحوها. وهذا فرق آخر بين هذا القول والقولين الآخرين، فلاحظ. (1) لكن عرفت أنه إذا وجب العمل وجبت مقدماته، ولكن لا يجب بذلها مجانا.

 

===============

 

( 146 )

 

[ (مسألة 23): يجوز الجمع بين الاجارة والبيع - مثلا - بعقد واحد (1)، كأن يقول: بعتك داري وآجرتك حماري ] (1) قال في الشرايع - في ذيل مسألة بيع الصاع من صبرة -: " لو جمع بين شيئين مختلفين في عقد واحد - كبيع وسلف، أو إجارة وبيع، أو نكاح وإجارة - صح، ويقسط العوض على قيمة المبيع، وأجرة المثل، ومهر المثل ". وفي المسالك: " لا خلاف عندنا في ذلك كله ". وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه ". ولكن قد يشكل ذلك من جهة عدم معلومية الثمن ولا الاجرة، للجهل بالنسبة. وجواز ذلك في بيع الصفقة أو إجارة الصفقة لا يقتضي الجواز هنا، لاجل أن الثمن أو الاجرة هناك معلوم، وإن كان ما يقابل كل واحد من أبعاض المبيع أو المستأجر مجهولا، وهنا كل من الثمن والاجرة مجهول. اللهم إلا أن يقال: إن العمدة في دليل المنع مع الجهل هو الاجماع، وهو منتف في المقام. وفي الجواهر: حكى عن الاردبيلي التأمل في الصحة، لما سبق، وللشك في مثل هذا العقد. ودفع الاول بما أشرنا إليه من أن المعلوم من قدح الجهالة ما إذا كان البيع عقدا مستقلا ودفع الثاني: بأنه خلاف الاطلاق، وأنه لو بني على اختصاص العموم بالعقود المتعارفة. فظهور اتفاق الاصحاب عليه يقتضي دخوله في المتعارف. انتهى. والاخير كما ترى، فان كونه غير متعارف أمر وجداني لا يقبل الشك، كي يكون اتفاق الاصحاب دليلا على خلافه. فالعمدة: منع الاختصاص بالمتعارف، بل ضرورة الفقه على خلاف ذلك، وإلا لزم تأسيس فقه جديد، كما أشرنا إلى ذلك في غير مورد من مباحث هذا الشرح. ثم إنه لو بني على وجود إطلاق يقتضي قادحية الجهالة في المقام - كما يقتضيه استدلال الاصحاب على ذلك بما ورد من

 

===============

 

( 147 )

 

[ بكذا. وحينئذ يوزع العوض عليهما بالنسبة، ويلحق كلا منهما حكمه. فلو قال: آجرتك هذه الدار وبعتك هذا الدينار بعشرة دنانير، فلابد من قبض العوضين بالنسبة إلى البيع في المجلس، وإذا كان في مقابل الدينار - بعد ملاحظة النسبة - أزيد من دينار أو أقل منه بطل بالنسبة إليه، للزوم الربا (1). ولو قال: أجرتك هذه الدار وصالحتك على هذا الدينار بعشرة دنانير مثلا، فان قلنا بجريان حكم الصرف من وجوب القبض في المجلس (2)، وحكم الربا في الصلح، (3) فالحال كالبيع وإلا فيصح بالنسبة إلى المصالحة أيضا. ] نهي النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر (* 1) - فاتفاق الاصحاب على المقام يقتضي الخروج عنه، فلاحظ. (1) قد يشكل ذلك بأن الضميمة مانعة من تحقق الربا نصا وفتوى، فراجع كلماتهم في مبحث الحيل المانع من تحقق الربا. (2) لكن الظاهر عدم جريانه، بل قيل: " لا خلاف فيه ظاهر ". ويقتضيه اختصاص نصوص الشرطية بالبيع، الموجب للرجوع إلى إطلاق الصحة في غيره. (3) جريان حكم الربا في جميع العقود هو المشهور، ويقتضيه إطلاق جملة من النصوص المتضمنة لتحريم الربا. ودعوى انصرافها إلى البيع غير ظاهرة. ومجرد الغلبة غير كاف فيه. نعم في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): " في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه، ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه؟ فقال كل واحد

 

 

____________

(1 *) التذكرة: المسألة الثانية من الركن الثالث من الفصل الثاني من الاجارة.

 

===============

 

( 148 )

 

منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي. فقال (ع): لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت نفسهما بذلك " (* 1). وإطلاقه يقتضي الشمول لصورة العلم بالتفاضل، فيدل على جواز الربا في الصلح. ومنع الاطلاق المذكور غير ظاهر، ولاسيما مع غلبة الاختلاف. ولو سلم فهو كالصريح في عدم اعتبار العلم بالتساوي، فيصح الصلح مع الجهل به. كما أن إطلاقه شامل لصورة العلم بزيادة أحدهما بعينه، ومقتضاه الجواز فيها. وعلى هذا يقتصر في الخروج عن عمومات المنع على مورد الصحيح المذكور، وفي غيره يرجع إلى العمومات المانعة. هذا ويمكن أن يقال: إن عمومات المنع مورد بعضها خصوص البيع، ولا يشمل الصلح، وظاهر بعضها الآخر خصوص المعاوضة بين العينين ولو كانت بطريق الصلح. أما إذا كان مفاد الصلح خاليا عن المعاوضة بين العينين - كما هو ظاهر مورد الصحيح المذكور - فلا عموم يقتضي المنع عنه. فإذا قال: صالحتك على أن تكون هذه العشرة بهذه الخمسة، كان الصلح معاوضة بين العينين، فلا يصح. وإذا قال: صالحتك على أن تكون هذه العشرة لي وهذه الخمسة لك، لم يكن فيه معاوضة بين العينين، فيصح عملا بعمومات الصحة. وأما الآيات الشريفة - مثل قوله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) (* 2)، وقوله تعالى: (قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) (* 3)، وقوله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان...) (* 4)، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) (* 5)، ونحوها - فلا تخلو من إجمال، إذ ليس المراد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب الصلح حديث: 1. (* 2) البقرة: 276. (* 3)، (* 4) البقرة: 275. (* 5) البقرة: 278.

 

===============

 

( 149 )

 

[ (مسألة 24): يجوز استئجار من يقوم بكل ما يأمره من حوائجه (1)، فيكون له جميع منافعه. والاقوى أن نفقته على نفسه لا على المستأجر (2)، إلا مع الشرط، أو الانصراف من جهة العادة. ] منها المعنى اللغوي، والمراد الشرعي غير ظاهر، فلا مجال للرجوع إليها في عموم المنع. فلاحظ وتأمل. (1) قال في الجواهر: " ظاهر الاصحاب المفروغية عن جواز الاستئجار، للانفاذ في حوائجه على الاجمال، اتكالا على المعتاد المقدور له واللائق بحاله من ذلك ". أقول: ذلك مقتضى عمومات الصحة. (2) كما عن السرائر والتذكرة والمختلف وجامع المقاصد، والروضة ومجمع البرهان وغيرها، لعدم اقتضاء عقد الاجارة كونها على المستأجر، وإن اختاره في الشرائع وحكى عن النهاية والقواعد والارشاد والروض. وقد يستدل له بالصحيح عن سليمان بن سالم قال: " سألت أبا الحسن (ع) عن رجل استأجر رجلا بنفقة ودراهم مسماة على أن يبعثه إلى أرض، فلما أن قدم أقبل رجل من أصحابه يدعوه إلى منزله الشهر والشهرين فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر، فنظر الاجير إلى ماكان ينفق عليه في الشهر إذا هو لم يدعه، فكافأ به الذي يدعوه، فمن مال من تكون تلك المكافأة؟ أمن مال الاجير أو من مال المستأجر؟ قال (ع): إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله، وإلا فهو على الاجير. وعن رجل استأجر رجلا بنفقة مسماة ولم يفسر شيئا، على أن يبعثه إلى أرض أخرى، فما كان من مؤنة الاجير من غسل الثياب والحمام فعلى من؟ قال (ع): على المستأجر " (* 1). وفيه: أن مورده صورة كون النفقة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب احكام الاجارة حديث: 1.

 

===============

 

( 150 )

 

[ وعلى الاول (1): لابد من تعيينها كما وكيفا (2)، إلا أن يكون متعارفا. وعلى الثاني: على ما هو المعتاد المتعارف. ولو أنفق من نفسه أو أنفقه متبرع يستحق مطالبة عوضها على الاول (3)، بل وكذا على الثاني، لان الانصراف بمنزلة الشرط. (مسألة 25): يجوز أن يستعمل الاجير مع عدم تعيين الاجرة (4) وعدم إجراء صيغة الاجارة، فيرجع إلى أجرة المثل. لكنه مكروه (5). ولايكون حينئذ من الاجارة المعاطاتية، كما قد يتخيل، لانه يعتبر في المعاملة المعاطاتية ] مأخوذة جزءا من الاجرة، وهو غير ما نحن فيه. وأيضا. فان مورده كون نظر المستأجر إلى منفعة خاصة استأجره عليه. لا إلى جميع المنافع كما هو محل الكلام. (1) يعني: الشرط. (2) قد يظهر من الصحيح الاكتفاء بذكرها إجمالا، اعتمادا على التقدير الشرعي، فلا يبعد حينئذ عدم اعتبار ذكرها تفصيلا للخبر المذكور، ولاسيما مع ما عرفت من عدم وضوح الدليل على اعتبار العلم تفصيلا بالاجرة، بنحو لا يلزم الغرر، فضلا عن مثل الشرط مما كان من التوابع كما مال إليه في الجواهر. (3) عملا بالشرط الموجب للاستحقاق مع عدم السقط. اللهم إلا أن يكون المتبرع قد تبرع عن المستأجر. (4) فان الظاهر عدم الخلاف فيه، كما عن مجمع البرهان. وفي مفتاح الكرامة: عدم وجدان القائل بالتحريم. (5) كما هو المشهور الذي طفحت به عباراتهم. نعم عبر جماعة بأنه

 

===============

 

( 151 )

 

[ اشتمالها على جميع شرائط تلك المعاملة عدا الصيغة، والمفروض عدم تعيين الاجرة في المقام، بل عدم قصد الانشاء منهما (1) ولا فعل من المستأجر (2). بل يكون من باب العمل بالضمان (3)، ] يستحب مقاطعة الاجير. ولعل مرادهم ذلك. وكيف كان: فيدل على الحكم صحيح سليمان الجعفري: " إن مولانا الرضا (ع) ضرب غلمانه وغضب غضبا شديدا، حيث استعانوا برجل في عمل وما عينوا له أجرته، فقال له سليمان: لم تدخل على نفسك؟ قال (ع): قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة، واعلم أنه مامن أحد يعمل لك شيئا من غير مقاطعة، ثم زدته على ذلك الشئ ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظن أنك قد أنقضته أجرته، وإذا قاطعته ثم أعطيته أجرته حمدك على الوفاء، فإذا زدته حبة عرف ذلك لك. ورأى أنك قد زدته " (* 1). ومن التعليل يظهر تعين حمل نهيه على الكراهة، وغضبه (ع) وضربه كان لمعصيته التي هي معصية لله سبحانه. كما يتعين أيضا حمل خبر مسعدة: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعمل الاجير حتى يعلمه ما أجره " (* 2) على الكراهة أيضا. (1) بعد أن كان كل منهما قاصدا للاجر، وأنهما قد تبانيا على أمر واحد، كيف لا يكونا قد قصدا الانشاء؟! وسيأتي منه: أن ذلك من باب العمل بالضمان، الذي لا يكون إلا مع قصد الانشاء. (2) الامر بالعمل من قبيل الفعل الدال على إنشاء المعاملة، وقد عنون المصنف (ره) المسألة باستعمال الاجير، ولابد حينئذ من أن يصدر فعل أو قول من المستأجر، ليتحقق به الاستعمال للاجير. (3) قد تقدم منه في المسألة التاسعة عشرة: أنه إذا أمر العامل بالعمل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الاجارة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب احكام الاجارة حديث: 2.

 

===============

 

( 152 )

 

[ نظير الاباحة بالضمان كما إذا أذن في أكل طعامه بضمان العوض ونظير التمليك بالضمان كما في القرض، على الاقوى من عدم كونه معاوضة. فهذه الامور عناوين مستقلة غير المعاوضة (1) والدليل عليها السيرة، بل الاخبار أيضا (2). وأما الكراهة فللاخبار أيضا (3). (مسألة 26): لو استأجر أرضا مدة معينة، فغرس فيها أو زرع مالا يدرك في تلك المدة، فبعد انقضائها للمالك أن يأمره بقلعها. بل وكذا لو استأجر لخصوص الغرس أو لخصوص الزرع. وليس له الابقاء ولو مع الاجرة (4)، ولا ] ضمن أجرته، إذا لم يقصد العامل التبرع وإن قصد الآمر التبرع. وما نحن فيه من ذلك الباب، الذي قد عرفت أنه من قبيل الاستيفاء الموجب للضمان وإن قصد المستوفي التبرع. فجعله من باب آخر غير ظاهر. (1) كما صرح به في الجواهر، مستدلا عليه بالسيرة. (2) يعني: الصحيح والخبر المتقدمين. (3) كما عرفت. (4) وفي القواعد: " هو كالغاصب ". وكذا في مفتاح الكرامة عن المبسوط والتذكرة والتحرير وجامع المقاصد. ولم يحك فيه الخلاف من غيرها. ولكنه إنما يتم لو كان التقييد بالمدة يقتضي خروج ذلك عن مورد الاجارة، ولازمه جواز منع المالك له من ذلك حين الزرع أو الغرس، مع أنه استشكل فيه في القواعد. وظاهر جامع المقاصد: الميل إلى عدمه. وعن التذكرة: الاقرب العدم. وكذا عن التحرير. نعم عن المبسوط: أن له المنع، لاحتياجه إلى المطالبة بالقلع ومثل ذلك

 

===============

 

( 153 )

 

يشق. انتهى. وهو كما ترى، ظاهر تعليله دخوله في مورد الاجارة. نعم ظاهر جامع المقاصد عدم تناول مورد الاجارة له. لكنه غير ظاهر في بعض الموارد. بل هو خلاف الاطلاق. وحينئذ يشكل الفرق بين المسألتين. ودعوى: أنه في هذه المسألة يكون الزارع مقدما على الضرر. فلا مجال لتطبيق قاعدة نفي الضرر فيه، لتكون حاكمة على عموم السلطنة، بخلاف المسألة الثانية، ممنوعة، فان الاقدام على الضرر يتوقف على علمه باستحقاق المالك للقلع، وبنائه على ذلك. أما بدون ذلك فلا إقدام له على الضرر كالمسألة الثانية. وتوضيح أحكام صور المسألة: أنه إذا استأجر مدة معينة: فتارة: يذكر خصوص الزرع أو الغرس. وأخرى: لا يذكر انتفاع بعينه. وفي الاولى: تارة: يذكر زرع أو غرس مالا يكمل في تلك المدة. وأخرى: يذكر ما يكمل فيها. وثالثة: يذكر مطلقا. فان ذكر مالا يكمل في المدة: فتارة: يتوقف الانتفاع به على كماله، وأخرى لا يتوقف، كما لو كان الزرع يمكن الانتفاع بفصيله والغرس يمكن قلعه وغرسه في موضع آخر. فان ذكر ما يتوقف الانتفاع به على كماله، ففي صحة الاجارة وعدمها وجهان أو قولان. وعن الايضاح وجامع المقاصد: أن الاقوى الصحة، لان العلم بحصول الانتفاع إلى آخر المدة ليس شرطا في الصحة، فما دام يحتمل الانتفاع به ولو للابقاء بالاجرة تبرعا أو صلحا أو نحوهما تصح الاجارة، لعدم المانع. ثم إنه على تقدير الصحة: فهل يجب الابقاء بالاجرة أو يجوز للمالك القلع؟ وجهان. قال في القواعد: " ولو استأجر مدة لزرع لا يكمل فيها، فان شرط نقله بعد المدة لزوم، وإن اطلق احتمل الصحة مطلقا، وبقيد امكان الانتفاع، فعلى الاول احتمل وجوب الابقاء بالاجرة ". وعن جامع المقاصد والمسالك: أن عدم وجوب الابقاء أقوى،

 

===============

 

( 154 )

 

[ مطالبة الارش مع القلع، لان التقصير من قبله (1). نعم لو استأجرها مدة يبلغ الزرع، فاتفق التأخير لتغير الهواء أو غيره ] لانه دخل على أنه لاحق له بعد المدة. (انتهى). لكن في القواعد قال - قبل ذلك -: " فان استأجر للزرع فانقضت المدة قبل حصاده، فان كان لتفريط المستأجر - كأن يزرع ما يبقى بعدها - فكالغاصب "، وهو بظاهره مناف لما ذكره. والفرق بين المسألتين غير واضح. والتحقيق ما ذكره أولا، وتبعه عليه في جامع المقاصد والمسالك: من عدم وجوب الابقاء، لعدم المقتضي للوجوب. فقاعدة السلطنة تقتضي عدمه. وقاعدة الضرر لا مجال لها في أمثال المقام، مما أقدم فيه المالك على مالاحق له فيه، فان الظاهر من دليل نفي الضرر اختصاصه بصورة ما إذا لزم الضرر من الحكم الشرعي عرفا على نحو الاستقلال، وفي المقام ينسب الضرر إلى إقدام المالك على مالا حق له فيه، كما ذكر في المسالك وغيرها. وأظهر من ذلك الصورة الثانية وهي: ما إذا كان يمكن الانتفاع بالزرع أو الغرس قبل كماله، إذ حينئذ يكون ترك الابقاء مؤديا إلى فوات نفع زائد، وقاعدة الضرر إنما تنفي الضرر ولا تثبت النفع. ومثلهما في ذلك الصورة الثالثة وهي: ما إذا ذكر الزرع أو الغرس مطلقا، الشامل لما لا ينتفع به قبل كماله، فان الحكم فيها هو الحكم في الصورتين. وأما الصورة الرابعة - وهي: ما إذا ذكر ما يكمل في المدة فاتفق عدم كماله -: فسيأتي في كلام المصنف (ره) التعرض له. (1) ويشير به إلى ما عرفت من أنه أقدم على مالاحق له فيه، وفي مثله لا مجال لتطبيق دليل نفي الضرر، لانصرافه عن مثله، كما يظهر من ملاحظة كثير من نظائره، التي لاريب عند المتشرعة في بقاء سلطنة المالك على ماله أو نفسه بحالها. وما يجري على لسان جماعة من التعبير بأنه أقدم

 

===============

 

( 155 )

 

[ أمكن أن يقال: بوجوب الصبر على المالك مع الاجرة، للزوم الضرر (1)، إلا أن يكون موجبا لتضرر المالك (2). ] على الضرر، يراد به هذا المعنى، وإلا فليس هو مقدم على الضرر ضرورة، لكونه أقدم برجاء إقدام صاحبه على الاذن له في البقاء، على حسب رغبته. (1) يعني: يرجع إلى قاعدة الضرر، الحاكمة على عموم قاعدة السلطنة. (2) يعني: يمتنع الرجوع إلى قاعدة نفي الضرر حينئذ، لان تطبيقها بالنسبة إلى ضرر الزارع ليس أولى بالنسبة إلى ضرر المالك، ومع عدم المرجح تسقط بالاضافة اليهما معا، فيرجع إلى قاعدة السلطنة. وقد يتوهم ترجيح الضرر الاقوى. وفيه: أن زيادة الضرر لا توجب تأكد النفي، إذ لاتأكد في الاعدام. كما أنه لا مجال للتخيير مع تساوي الضررين. لانه لا معنى للتخيير بالاضافة إلى الشخصين، لانه إذا اختار كل منهما الاعمال بالنسبة إلى ضرره يرجع التنافي، وإن اختار ضرر غيره كان إقداما على الضرر، وهو مانع من تطبيق القاعدة كلية. وأما تخيير المفتي في المسألة الاصولية: فلا دليل عليه، لاختصاص دليل التخيير بالدليلين المتعارضين، فلا يشمل الدليل الواحد بلحاظ فردين، كما في المقام. ولاجل ذلك وغيره تعين عند تعارض الضررين سقوط قاعدة الضرر، والرجوع إلى غيرها من القواعد المتأخرة عنها، كقاعدة السلطنة في المقام. والله سبحانه هو العالم، ومنه نستمد الاعتصام.