فصل في التنازع

 [ فصل في التنازع (مسألة 1): إذا تنازعا في أصل الاجارة قدم قول منكرها مع اليمين (1)، فان كان هو المالك استحق أجرة المثل دون ما يقوله المدعي. ] فصل في التنازع (1) كما في جملة من الكتب. وفي مفتاح الكرامة: " طفحت بذلك عباراتهم - خصوصا المتأخرين - من غير خلاف، إلا من المهذب والخلاف ". ثم نقل عن الاول قوله: " إذا سكن دار غيره فقال الساكن: سكنت بغير أجرة، وقال المالك: استأجرتها، كان القول قول صاحبها مع يمينه ". ونقل عن الخلاف قوله: " إذا زرع أرض غيره فقال الزراع: أعرتنيها، وقال رب الارض: أكريتكها، حكم بالقرعة ". أقول: ظاهر الخلاف أن فرضه من قبيل المسألة الآتية، لا من قبيل هذه المسألة التي كان النزاع فيها للاختلاف بينهما في الاجارة وعدمها، على أن يكون المتصرف معترفا بعدم بذل المالك للمنفعة على وجه المجانية. ولعل كلام المهذب وارد في إثبات أصل الاستحقاق للاجرة والعوض، لا في اثبات الاجرة المسماة، وإلا فلا وجه له ظاهر، إذ لاريب في كون المالك المدعي للاجارة مدعيا، فيكون عليه البينة، لا أنه يسمع قوله بيمينه. وتوضيح ذلك: أنه وان اختلفت كلماتهم في تفسير المدعي، فبعضهم فسره: بمن لو ترك الخصومة لترك. وآخر: بمن يدعي خلاف الاصل

 

 

===============

 

( 157 )

 

الظاهر. وثالث: بمن يذكر أمرا خفيا بحسب الظاهر. ورابع: وهو من يدعي خلاف الاصل أو الظاهر، أو يذكر أمرا خفيا بحسب الظاهر. وخامس: وهو من يكون في مقام إثبات قضية على غيره. وربما ذكر غير ذلك، والظاهر أن الاختلاف المذكور ليس اختلافا في المفهوم، بل هو اختلاف في مقام بيان المفهوم مساهلة منهم في التحديد، إذ لا يظن من أحد من هؤلاء المفسرين الالتزام بما يلزم التعريف الذي ذكر من اللوازم. والمتعين تعريفه بمن كان قوله يخالف الحجة التي يرجع إليها في تعيين الوظيفة الشرعية، أمارة كانت أو أصلا. وكأن وجه تسميته بالمدعي في النصوص المتضمنة: " البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه " - وكذا في اللغة والعرف -: أن المدعي اسم فاعل: " ادعى "، وهو افتعال من الدعاء الذي هو الطلب بالقول ونحوه، وطلب الشئ إنما يصح إذا لم يكن حاضرا عند الطالب، فكأن الشئ الذي قامت عليه الحجة حاضر لدي الشخص، فلا مجال لطلبه، ولا معنى لدعائه وادعائه، والشئ الذي لم تقم عليه الحجة غير حاضر لديه، فيصح دعاؤه وادعاؤه. هذا هو المفهوم منه لغة وعرفا. ثم إن المراد من كون قوله مخالفا للحجة: أنه مخالف للحجة التي يلزم الرجوع إليها في نفس الدعوى لولا المعارضة، فلو كان كل منهما قوله مخالفا للحجة في مورد الدعوى، لكنها كانت معارضة بالحجة الجارية في مورد دعوى خصمه، فهما متداعيان، وإن كان مقتضى العلم الاجمالي بكذب إحدى الدعويين بطلان الاصلين معا، لكن ذلك لا يقدح في صدق المدعي، ويكونان بذلك متداعيين. وعلى هذا فثبوت الاجارة لما كان على خلاف الاصل العملي، كان المخبر عنه مدعيا، والمنكر له مدعى عليه. وهذا مما لا إشكال فيه.

 

===============

 

( 158 )

 

نعم هنا شئ وهو: أن المعيار في تطبيق المدعي والمدعى عليه، هل هو مصب الدعوى وعبارة المتنازعين، أو هو الغرض المقصود للمتنازعين؟. وتحرير هذا الخلاف في كتب القدماء والمتأخرين مما لم أقف عليه، لكن يستفاد ذلك من تعليلاتهم في كثير من الموارد لكون الحكم هو التحالف الذي هو من أحكام التداعي، أو كون البينه من أحدهما واليمين من الآخر الذي هومن أحكام المدعي والمنكر، فان من ذكرهم للوجوه المختلفة يفهم خلافهم في ذلك. نعم صرح في الجواهر بوقوع الخلاف المذكور، واختار الوجه الاول في صدر كلامه في مبحث الاختلاف في العقود من كتاب القضاء، وكذا في صدر كلامه فيما لو اختلف المتبايعان في قدر الثمن، فانه - بعد ما قل عن المختلف القول بأن القول قول المشتري - قال (ره): " إلا أنه لا يخفى عليك ضعفه في خصوص المقام، لما سمعت (يعني: من النص)، نعم لا بأس به في غيره، لو أبرزت الدعوى باشتغال الذمة بالزائد إنكاره. أما لو أبرزت في تشخيص سبب الشغل، بحيث يكون الاستحقاق تبعيا، فقد يمنع تقديم قول المشتري فيه، ضرورة كون كل منهما مدعيا ومنكرا. ففي المقام - مثلا - يدعي البائع أن ما وقع ثمنا في عقد البيع المخصوص مائة، والمشتري خمسون، فنزاعهما في تشخيص العقد المشخص في الواقع، ولاريب في كون كل منهما مدعيا فيه ومنكرا. ولعله لذا احتمل التحالف الفاضل في كثير من كتبه، بل عن ولده أنه صححه، والشهيد الاول اختياره في قواعده وإن نسبه في الدروس إلى الندرة، بل ماله إليه هنا في جامع المقاصد ". وفي مفتاح الكرامة - في مسألة مالو اختلفا في قدر الاجرة فقال: آجرتك سنة بدينار، فقال: بل بنصفه - نسب إلى المهذب القول بالتحالف، وإلى جامع المقاصد أنه قال: " لاريب في قوة التحالف "، وإلى المختلف أنه قال: " أنه متجه "

 

===============

 

( 159 )

 

انتهى. والثاني منسوب إلى المشهور. لكن عرفت أن الوجه في النسبة: استفادة ذلك من بنائهم على إجراء حكم المدعي والمنكر في كثير من موارد النزاع، والا فقد عرفت أنه لا تصريح منهم بذلك. وكيف كان: فما يتفرع على الخلاف المذكور أنه إذا قال المالك: آجرتك الدار بعشرة، فقال الآخر: آجرتنيها بخمسة، فعلى الاول: أنهما متداعيان لاختلافهما في المدعى لكل منهما، وعلى الثاني: أنهما مدع ومنكر، لان غرض الاول استحقاق العشرة، وغرض خصمه نفي استحقاق الخمسة الزائدة على الخمسة التي يعترف بها، وهذا النفي مقتضي الاصل، فمدعي خلافه مدع، ومدعيه منكر. هذا، والتحقيق هو القول المنسوب إلى المشهور، كما اختاره في الجواهر في آخر كلامه المتقدم، وكذلك في مبحث الاجارة فيما لو اختلفا في قدر الاجرة، وجعل القول بالتحالف فيها ضعيفا. ونسب إلى شيخنا الاعظم (ره) في قضائه، لانه منصرف الادلة، فان المقصود من نزاع المتخاصمين أولى بالملاحظة في ذلك، وأولى أن يكون من وظيفة القاضي البت به والحكم فيه، ولا معنى لملاحظة أمر آخر، بل الدعوى التي لا يترتب عليها غرض لا يجب سماعها. وعلى هذا فقد يتوجه الاشكال على ما ذكره الجماعة في مفروض المتن من إطلاق القول: بأن القول قول منكر الاجارة، بأنه لايتم على المشهور، إذ اللازم عليه التفصيل بين ماذا كانت أجرة المثل أكثر، فالقول قول مدعي الاجارة، وبين ما إذا كانت أقل، فالقول قول منكر الاجارة، لانه في الاول مدعي الاجارة ينفي استحقاق الزائد، فيطابق قوله الاصل، وفي الثاني يكون مدعي الاجارة مدعيا لاستحقاق الزائد فيكون مدعيا، وخصمه ينفي استحقاق الزائد فيكون منكرا. نعم يتم كلامهم على المذهب

 

===============

 

( 160 )

 

[ ولو زاد عنها لم يستحق تلك الزيادة (1)، ووجب على المدعي المتصرف إيصالها إليه (2). وإن كان المنكر هو المتصرف فكذلك لم ] الآخر، لان مصب الدعوى ثبوت الاجارة وعدمها، فمدعي الاول مدع وخصمه منكر على كل حال. لكن يدفع الاشكال المذكور: أن المراد من كون المدار على مقصود المتنازعين أن ينظر إلى مقصودهما، فان كان كل منهما مخالفا للاصل كانا متداعيين، وإذا كان مقصود أحدهما موافقا للاصل، ومقصود خصمه مخالفا للاصل كان أحدهما مدعيا والآخر منكرا، سواء كان الاصل المثبت لاحدهما النافي للآخر. أو النافي لهما معا جاريا في أحدهما أم فيهما بلا واسطة، أم كان جاريا بواسطة كما في الاصل السببي، كما في المقام، فان أجرة المثل إذا كانت أكثر من الاجرة المسماة، فالاكثر مما يثبته الاصل بالواسطة، لان أصالة عدم الاجارة تثبت أجرة المثل وإن كانت هي الاكثر، لان كل منفعة مستوفاة على وجه الضمان مضمونة بأجرة المثل، إذا لم تكن أجرة مسماة، فيكون الضمان بأجرة المثل - التي هي الاكثر - من آثار نفي الاجرة المسماة بالاصل. وليس المراد من كون المدار على مقصود المتنازعين: أنه لابد من الاصول الجارية في نفس المقصود بلا واسطة، يعني مع قطع النظر عن السبب وعن الاصل السببي الجاري فيه. فان ذلك ممالا مجال للقول به، لان الاصل السببي إذا كان قد اجتمعت شرائط حجيته لم يكن وجه لطرحه بالاضافة إلى الاثر المسبب، فيكون مدعي الاثر منكرا حينئذ. فلا مجال للاشكال على ما ذكره الجماعة من إطلاق: أن القول قول منكر الاجارة، فانه في محله على المذهبين. (1) يعني: ليس له المطالبة بها، لاعترافه بعدم استحقاقها. (2) إذا كان يرى استحقاق المالك لها.

 

===============

 

( 161 )

 

[ لم يستحق المالك الا أجرة المثل، ولكن لو زادت عما يدعيه من المسمى لم يستحق الزيادة، لاعترافه بعدم استحقاقها، ويجب على المتصرف إيصالها إليه. هذا إذا كان النزاع بعد استيفاء المنفعة. وإن كان قبله رجع كل مال إلى صاحبه. (مسألة 2): لو اتفقا على أنه أذن للمتصرف في استيفاء المنفعة، ولكن المالك يدعي: أنه على وجه الاجارة بكذا أو الاذن بالضمان، والمتصرف يدعي: أنه على وجه العارية، ففي تقديم أيهما وجهان، بل قولان (1)، من أصالة البراءة ] (1) حكى في مفتاح الكرامة: تقديم قول مدعي العارية بيمينه عن عارية الخلاف والمبسوط والغنية واللمعة ومجمع البرهان والكفاية، ثم قال: " وهو الذي في نفس الشيخ في مزارعة الخلاف ". وحكى نحوه في الجواهر، لاصالة البراءة، لاتفاقهما على أستيفاء المنفعة لم يكن بعنوان غير مشروع، فالتردد في استحقاق العوض وعدمه. والاصل البراءة. وقيل القول قول المالك في عدم العارية، فإذا حلف سقطت دعوى المدعي العارية، وثبت عليه أجرة المثل. اختاره في الشرائع، وحكي عن الحلي وإجارة المهذب. وفي الجواهر في كتاب العارية قال: " لعله المشهور ". واختاره في القواعد، وحكي عن جامع المقاصد والروض والمسالك والكفاية وغيرها، لكنهم قيدوا ما ذكروه من ثبوت أجرة المثل بما إذا لم يزد على المدعي. وربما حكي غير ذلك عن غيرهم. ومبنى الخلاف في الجملة على أن الاصل في المنفعة المستوفاة هو الضمان إلا أن يبذلها المالك مجانا، أو عدم الضمان إلا أن يثبت سبب الضمان. فالقول الاول مبني على الثاني، والثاني مبني على الاول. والمصرح به في

 

===============

 

( 162 )

 

[ بعد فرض كون التصرف جائزا، ومن أصالة احترام مال المسلم الذي لا يحل الا بالاباحة والاصل عدمها، فتثبت أجرة المثل بعد التحالف. ولا يبعد ترجيح الثاني. وجواز التصرف أعم من الاباحة. ] كلمات القائلين بالثاني: أن المقام لابد فيه من التحالف، فيحلف المالك على عدم العارية، ويحلف مدعي العارية على نفي الاجارة، فيثبت للمالك أجرة المثل. هذا والذي ينبغي هو التعرض لصور المسأله، فنقول: الاجرة المسماة تارة: تكون في الذمة، وأخرى: في الخارح، والاولى تارة: تكون مساوية لاجرة المثل، وأخرى: تكون أكثر منها، وثالثة: تكون أقل. فالصور أربع. الاولى: أن تكون مساوية لاجرة المثل، كأن يدعي المالك: أنه آجر زيدا داره بدينار. ويدعي زيد: أنها عارية. ومحل الكلام صورة ما إذا كان النزاع بعد انقضاء مدة الاجارة التي يدعيها المالك، فنقول: بناء على كون المعيار في تطبيق المدعي والمنكر مضمون كلام المتداعيين، يكون كل واحد منهما مدعيا ومنكرا لمدعى خصمه في جميع الصور الاربع، لان كلا من الاجارة والعارية خلاف الاصل، فيتحالفان. وحينئذ فان ثبتت قاعدة احترام مال المسلم، بمعنى: الحكم بضمانه على من هو عنده حتى يثبت ما يقتضي عدمه، من إباحة أو عارية مجانية - واستشهد لها في مفتاح الكرامة، وتبعه في الجواهر بصحيح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن، الوارد فيمن استودع رجلا الف درهم فضاعت، فقال الرجل: إنها وديعة، وقال الآخر: إنها قرض. قال (ع): " المال لازم له، إلا أن يقيم

 

===============

 

( 163 )

 

البينة أنها كانت وديعة " (* 1) - لزمت المتصرف أجرة المثل. وإن لم تثبت القاعدة المذكورة، لما عرفت سابقا من أن مادل على حرمة المسلم ودمه وعرضه ظاهر في الحكم التكليفي لاغير، وأما الصحيح فلا يمكن استفادة القاعدة الكلية منه. نعم ظاهر الاكثر ذلك، فلا ملزم بأجرة المثل ولاغيرها. والانصاف لزوم البناء على القاعدة المذكورة، ومرتكزات المتشرعة تقتضيها، وكفى بها حجة، والصحيح المتقدم مؤيد لها، بل البناء على ضمان المنافع المستوفاة شاهد بها، فالبناء على الضمان بأجرة المثل متعين. هذا بناء على كون المعيار في المدعي والمنكر عبارة المتنازعين. أما بناء على كون المعيار مقصودهما وغرضهما من النزاع، فيكون مدعي العارية مدعيا ومدعي الاجارة منكرا بناء على ثبوت قاعدة الاحترام، لان ثبوت المسمى المساوي لاجرة المثل مقتضى أصالة عدم العارية التي يدعيها المتصرف وأصالة عدم الاجارة لا أثر له، إذ ليس للاجارة في المقام أثر خاص، فان ضمان المتصرف بالعوض الخاص مترتب على مجرد عدم العارية وإن علم بعدم الاجارة، فيكون المقام من باب المدعي والمنكر. وكذا بناء على عدم ثبوت قاعدة الاحترام، لكن يكون مدعي الاجارة مدعيا، ومدعي العارية منكرا، على عكس مقتضى المبنى السابق، لانه يكفي في نفي الضمان نفي الاجارة من دون حاجة إلى اثبات العارية، لان السبب الموجب للضمان - على هذا المبنى - هو الاجارة لاغير. فمدعي الاجارة يدعي الضمان ومدعي العارية ينفي الضمان، فيكون منكرا، فيكون القول قوله بيمينه. وبالجملة: بناء على كون المعيار في المدعي والمنكر غرض المتنازعين يكون فرض المسألة من باب المدعي والمنكر، فان بني على قاعدة الاحترام،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب احكام الوديعة حديث: 1.

 

===============

 

( 164 )

 

يكون مدعي العارية مدعيا، ومدعي الاجارة منكرا. وبناء على عدم ثبوت القاعدة، يكون الامر بالعكس، مدعي الاجارة مدعيا ومدعي العارية منكرا. الصورة الثانية: أن تكون الاجرة المسماة أكثر من أجرة المثل. وحكمها هو: أنه بناء على كون المعيار الغرض من النزاع، فان بني على قاعدة الاحترام، فهي أيضا من قبيل التداعي، لان مدعي الاجارة يثبت الاجرة الزائدة على أجرة المثل، ومدعي العارية ينفي الاستحقاق بالمرة، لا للاجرة المسماة ولا لاجرة المثل. ولما كانت كلتا الدعويين ذات أثر، وكلتاهما خلاف الاصل، كما الخصمان متداعيين، فيحلف المالك على نفي العارية، فيثبت الاستحقاق لاجرة المثل، ويحلف المتصرف على نفي الاجارة، فينتفي الزائد على أجرة المثل، فيكون للمالك أجرة المثل لاغير. أما بناء على عدم ثبوت قاعدة الاحترام: فالمقام من باب المدعي والمنكر، ومدعي الاجارة يكون مدعيا ومدعي العارية منكرا، بلحاظ نفي الاجارة الذي هو لازم دعواه، لابلحاظ نفس العارية، إذ العارية لاأثر لها على هذا المبنى، لان عدم الضمان مقتضى الاصل، حتى يثبت السبب المضمن وهو الاجارة، فيحلف مدعي العارية على نفي الاجارة، ولا شئ عليه حينئذ كما تقدم القول بذلك من جماعة في صدر المسألة. الصورة الثالثة: أن تكون الاجرة المسماة أقل من أجرة المثل. وحكمها: أنه بناء على كون المعيار في تشخيص المدعي هو الغرض المقصود من النزاع، فالفرض من باب المدعي والمنكر، سواء قلنا بقاعدة الاحترام أم لم نقل. غاية الامر أنه على الاول يكون مدعي العارية مدعيا، لترتب الاثر الشرعي على مدعاه الذي هو خلاف الاصل، ومدعي الاجارة منكرا، بلحاظ نفي العارية لابلحاظ نفس الاجارة، إذ الضمان ليس موضوعه

 

===============

 

( 165 )

 

الاجارة، بل موضوعه الاستيفاء بلا بذل مجاني كما عرفت. فالمدعي لاأثر له ولا يجري فيه الاصل في المقام، ولذا لو اعترف المالك بعدم الاجارة وأنكر العارية ثبت الضمان مع يمينه على نفي العارية، وبناء على عدم ثبوت قاعدة الاحترام، يكون مدعي الاجارة مدعيا ومدعي العارية منكرا كما عرفت سابقا. وعلى الاول: يستحق المالك بعد يمينه المسمى لا غير، لاعترافه بعدم استحقاقه الزائد عليه، وعلى الثاني: لا يستحق المالك شيئا، بعد يمين مدعي العارية على نفي الاجارة. الصورة الرابعة: أن تكون الاجرة عينا خارجية. وحكمها: أنه بناء على كون المعيار في تشخيص المدعي الغرض من النزاع، فهما من باب المدعي والمنكر، لان المالك يدعي ملك العين الخارجية والمتصرف ينفي ذلك. ودعوى الاول خلاف الاصل، ونفي الثاني موافق للاصل. ودعوى المتصرف العارية وإن كان خلاف الاصل، لكن لا أثر له لاصالة عدمها، إذ المقصود منها إن كان إشغال ذمة المتصرف، فلا مجال له لاعتراف المالك بعدم اشغال الذمة المتصرف بشئ، وإن كان المقصود منها إثبات ملك المالك للعين الخارجية، فهي لا تصلح لاثبات ذلك، لانه لازم غير شرعي. فادعاه المتصرف العارية لا أثر له إلا بلحاظ ما يلزمه من نفي الاجارة كما عرفت. فإذا حلف المتصرف على نفي الاجارة انتفى ملك العين الخارجية للمالك. أما إذا حلف المالك على نفي العارية لم يثبت ملكها للمالك، لانه لازم عقلي، ولم ينتف به اشتغال ذمة المتصرف بأجرة المالك، لانه حاصل باعترافه. هذا كله حكم الصور الثلاث بناء على كون المعيار في تشخيص المدعي الغرض المقصود من النزاع. أما بناء على كون المعيار فيه صورة الدعوى: فالخصمان في جميع الصور الثلاث المذكورة متداعيان، لان كلا

 

===============

 

( 166 )

 

[ (مسألة 3): إذا تنازعا في قدر المستأجر عليه قدم قول مدعي الاقل (1). ] منهما يدعي أمرا على خلاف الاصل، كما عرفت في الصورة الرابعة. وبعد التحالف يستحق المالك أجرة المثل في الصورة الاولى منها، والمسمى في الثانية دون الزائد، أخذا له باعترافه بناء على قاعدة الاحترام. أما بناء على عدمها فلا يستحق شيئا، لاصالة البراءة من دون ثبوت سبب مضمن. وأما في الصورة الثالثة فلا يستحق شيئا على كل من المبنيين، أخذا له باعترافه بفراغ ذمة المتصرف. هذا حكم صور المسألة على اختلاف المباني المتقدمة. ففي الشرائع قال في كتاب العارية: " إذا قال الراكب: أعرتنيها، وقال المالك: آجرتكها، فالقول قول الراكب، لان المالك مدع للاجرة. وقيل: القول قول المالك في عدم العارية، فإذا حلف سقطت دعوى الراكب وتثبت عليه أجرة المثل لا المسمى. وهو أشبه ". وظاهر كل من القولين: أن المورد من باب المدعي والمنكر لا من باب التداعي. لكن في القواعد في كتاب المزارعة: " لو ادعى العامل العارية والمالك الحصة أو الاجرة قدم قول المالك في عدم العارية، وله أجرة المثل مع يمين العامل ما لم تزد على المدعى ". وظاهره: أن المقام من باب التداعي. وعن الشيخ في المبسوط: العمل بالقرعة في تعيين المدعي والمنكر. لكن المحكي عن عبارته. أن ذلك أحوط. والاشكال فيه ظاهر على كل حال، إذ لا موجب للخروج عن القواعد - التي قد عرفتها - من دون دليل مخرج. (1) كما هو المعروف المصرح به في كلماتهم، لاصالة عدم وقوع الاجارة على الزائد المختلف فيه " فيكون القائل به منكرا. نعم بناء على أن المعيار في المدعي صورة القضية: يكونان متداعيين، كما نسب إلى

 

===============

 

( 167 )

 

[ (مسألة 4): إذا تنازعا في رد العين المستأجرة قدم قول المالك (1). (مسألة 5): إذا ادعى الصائغ أو الملاح أو المكاري تلف المتاع من غير تعد ولا تفريط، وأنكر المالك التلف، أو ادعى التفريط أو التعدي، قدم قولهم مع اليمين على الاقوى (2). ] جماعة، ففي جامع المقاصد: أنه لاريب في قوة التحالف. وقد عرفت ضعفه. (1) من دون خلاف ظاهر ولا إشكال، لاصالة عدم الرد. وقبول دعوى الودعي الرد بالاجماع - لو تم - لا يقتضي قياس المقام عليه، لاختلافهما في أن القبض في المقام لمصلحة القابض، بخلاف الودعي، فانه لمصلحة المالك. (2) وهو المحكي عن جماعة من القدماء والمتأخرين. وعن الخلاف: الاجماع عليه. ويشهد له خبر بكر بن حبيب: " قلت لابي عبد الله (ع): أعطيت جبة إلى القصار، فذهبت بزعمه. قال (ع): إن اتهمته فاستحلفه، وإن لم تتهمه فليس عليه شئ " (* 1) وخبره الآخر عنه (ع): " لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه، وإن اتهمته أحلفته " (* 2)، وخبر أبي بصير المرادي عنه (ع): " لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك، إلا أن يكونوا متهمين، فيخوف بالبينة ويستحلف، لعله يستخرج منه شيئا ". (* 3) والمشهور - كما عن المسالك وعن السيد أن عليه أجماعنا وأنه من منفرداتنا - أنهم يكلفون بالبينة. ويشهد له جملة من النصوص، كمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): " في الغسال والصباغ ما سرق منهم من شئ فلم يخرج منه على أمر بين أنه قد سرق، وكل قليل له أو كثير،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من أبواب احكام الاجارة حديث: 16. (* 2) الوسائل باب: 29 من أبواب احكام الاجارة حديث: 17. (* 3) الوسائل باب: 29 من أبواب احكام الاجارة حديث: 11

 

===============

 

( 168 )

 

[ (مسألة 6): يكره تضمين الاجير في مورد ضمانه (1) ] فان فعل فليس عليه شئ، وإن لم يقم البينة وزعم: أنه قد ذهب الذي ادعي عليه، فقد ضمنه إن لم يكن له بينة على قوله " (1) وصحيح ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن قصار دفعت إليه ثوبا، فزعم أنه سرق من بين متاعه. قال: فعليه أن يقيم البينة أنه سرق من بين متاعه، وليس عليه شئ، وإن سرق متاعه كله فليس عليه شئ " (* 2). ونحوهما غيرهما. هذا وفي نسبة القول المذكور إلى الشهرة تأمل، فضلا عن نسبته إلى الاجماع. وفي الجواهر: لم يتحقق القول به الا من المفيد والمرتضى ". وكذا في صحة الاستدلال له بهذه النصوص، فان التأمل في مجموع النصوص - على اختلاف مضامينها - يقتضي لزوم البناء على الاكتفاء في عدم الضمان بأحد أمور: إما اليمين، أو البينة، أو قيام امارة على صدقه مثل: أن يدعي السرقة ويكون قد سرق جميع متاعه، أو يكون مأمونا في نفسه. ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): قال " كان أمير المؤمنين (ع): يضمن القصار والصائغ احتياطا للناس، وكان أبي (ع) يتطول عليه إذا كان مأمونا " (* 3). ونحوه غيره. هذا مضافا إلى أن إعراض المشهور عن هذه النصوص مع أنها أصح سندا وأكثر عددا مما يوهن حجيتها، وحينئذ لا مجال للعمل بها في قبال النصوص الاول. وما في الشرائع: من أن الاول أشهر الروايتين، فيه تأمل ظاهر. (1) كما نسب إلى الاصحاب. وقد يشهد به خبر حذيفة: " عن الرجل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من ابواب احكام الاجارة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 29 من أبواب احكام الاجارة حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 29 من ابواب احكام الاجارة حديث: 4.

 

===============

 

( 169 )

 

[ من قيام البينة على إتلافه، أو تفريطه في الحفظ، أو تعديه أو نكوله عن اليمين، أو نحو ذلك. (مسألة 7): إذا تنازعا في مقدار الاجرة قدم قول المستأجر (1). (مسألة 8): إذا تنازعا في أنه آجره بغلا أو حمارا أو آجره هذا الحمار مثلا أو ذاك، فالمرجع التحالف (2). ] يحمل المتاع بالاجر فيضيع، فتطيب نفسه أن يغرمه لاهله. أيأخذونه؟ قال: فقال: أمين هو؟ قلت نعم. قال: فلا يأخذون منه شيئا " فتأمل. (1) قاله علماؤنا، كما عن التذكرة، لاصالة عدم لزوم الزائد. لكن عرفت القول بالتداعي والتحالف ممن يرى أن المعيار في تشخيص المدعي مصب الدعوى لا الغرض. وفي جامع المقاصد: أنه لاريب في قوة التحالف في المقام، معللا له بما ذكر. ونحوه كلامه فيما لو اختلفا في قدر الثمن كما عرفت ضعفه. (2) كما هو المشهور المعروف. يظهر ذلك من كلماتهم في مباحث النزاع من كتاب البيع، ففي الشرائع: " لو قال: بعتك هذا الثوب، فقال: بل هذا، فهنا دعويان ". ونظيره ذكر في القواعد قال: لو قال: بعتك العبد بمائة، فقال: بل الجارية، تحالفا وبطل البيع ". وظاهر الجواهر وغيرها: عدم الخلاف والاشكال في ذلك. نعم قال الشهيد في اللمعة: " وفي تعيين المبيع يتحالفان. وقال الشيخ والقاضي: يحلف البائع كالاختلاف في الثمن ". وفي الروضة: " وضرب عليه في بعض النسخ المقروءة على المصنف (ره). وفي المسالك - بعد ما نقل ما تقدم عن الشرائع -

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 30 من أبواب احكام الاجارة حديث: 12.

 

===============

 

( 170 )

 

قال: " الحكم هنا واضح بعد الاحاطة بما سلف ". وقد اشتهر في كلامهم هنا توجيه التحالف: بأن ضابط التحالف أن لا يتفقا على أمر. قال في المسالك في كتاب الاجارة: " وضابط التحالف: أن لا يتفقا على شئ كما لو قال: آجرتك البيت الفلاني، فقال: بل الفلاني، أو قال: آجرتك البيت، فقال: بل الحمام ". ونحوه كلام غيره. لكن التوجيه المذكور يتم بناء على أن المعيار في تشخيص المدعي مصب الدعوى أما بناء على أن المعيار الغرض المقصود، فالغرض المقصود في البيع ليس الا مطالبة المشتري بما يدعي شراءه، وفي الاجارة مطالبة المستأجر بما يدعي استئجاره، والمالك ينفي ذلك، والاصل يقتضي عدم وقوع الاجارة على ما يدعي المستأجر. وأما المالك فهو وإن كان يدعي وقوع الاجارة على ما يدعي وقوع الاجارة عليه، لكن هذه الدعوى لا أثر لها في مطالبته بشئ، وليس له غرض فيها إلا بلحاظ ما يترتب عليها من اللازم، وهو نفي ما يدعيه المستأجر، ولذا يصح له الاقتصار على بطلان دعوى المستأجر، من دون تعرض لمدعاه. وبالجملة: بعد اتفاقهما على استحقاق المالك للاجرة، فالخلاف انما هو في استحقاق المستأجر لمنفعة ما يدعيه، والمالك ينفيه، والاصل معه، فهو منكر والمستأجر مدع. فإذا حلف المالك على نفي ما يدعيه المستأجر، فقد بطلت دعوى المستاجر، وليس له المطالبة بشئ. هذا إذا كان النزاع قبل التصرف. أما لو كان بعد التصرف وانقضاء المدة فاللازم - بعد يمين المالك - أن يدفع له أجرة المثل عن المنفعة المستوفاة مما يدعيه، بناء على ما عرفت من أصالة احترام مال المسلم، لانه لما لم يثبت استحقاقه لمنفعة الفرس التي قد استوفاها، كان اللازم دفع أجرتها. وأما منفعة الحمار الذي يدعي وقوع الاجارة عليه فقد فاتت بتقصير منه، لانه هو الذي ترك الانتفاع بها في المدة المضروبة، فتكون عليه الاجرة

 

===============

 

( 171 )

 

[ وكذا لو اختلفا في الاجرة أنها عشرة دراهم أو دينار (1). ] (مسألة 9): إذا إختلفا في أنة شرط أحدهما على الاخر شرطا أو لا، فالقول قول منكره (2). المتفق عليها بينهما، وعليه أجرة الفرس بمقتضى أصالة عدم إجارتها إياه. هذا ما تقتضيه القواعد، وإن لم اعرف من ذكره أو احتمله، عدا ما سبق من الشهيد في اللمعة. نعم ذكره بعض الاكابر في حاشيته على المتن وهو في محله. (1) الكلام في هذه المسألة هو الكلام في سابقتها بعينه. نعم يختلفان في أن المدعي في المسألة السابقة هو المستأجر، بناء على أن المعيار في تشخيص المدعي الغرض المقصود. وفي هذه المسألة يكون المدعي هو المؤجر، لانه يدعي أن الاجارة واقعة على ما يدعيه، والمستأجر ينكر ذلك. مثلا إذا كان المؤجر يدعي: أن الاجرة كانت عشرة دراهم، والمستأجر يدعي: أنها كانت دينارا، فهما يتفقان على أن منفعة العين المستأجرة صارت ملكا للمستأجر، ويختلفان في الاجرة، فالمؤجر يدعي أنها كانت عشرة دارهم والمستأجر يدعي أنها كانت دينارا، فدعوى المؤجر ملزمة وموجبة للمطالبة بالعشرة دراهم، ودعوى المستأجر لا توجب شيئا إلا بلحاظ ما يلزمها من نفي دعوى المؤجر ونفي استحقاق المؤجر المطالبة له بالعشرة، فمرجعها إلى انكار دعوى المؤجر، فهما من قبيل المدعي والمنكر، كما في المسألة السابقة، غير أن المؤجر هنا هو المدعي، والمستأجر منكر، على عكس ما سبق هناك. ومقتضى ذلك سماع قول المستأجر بيمينه، إذا لم تكن بينة للمؤجر على دعواه. (2) لا ينبغي التأمل في ذلك بناء على ما عرفت من المعيار. نعم بناء على الوجه الآخر يكون المقام من التداعي، لاختلافهما في الخصوصيات المشخصة الموجب للاختلاف في المتشخص.

 

===============

 

( 172 )

 

[ (مسألة 10): إذا اختلفا في المدة أنها شهر أو شهران مثلا، فالقول قول منكر الازيد (1). (مسألة 11): إذا اختلفا في الصحة والفساد، قدم قول من يدعي الصحة (2). ] (1) كما عن الحلي، لاصالة عدم وقوع الاجارة في الزيادة المختلف فيها، فيكون قول الملك هو الموافق للاصل وقول المستأجر على خلافه، فيكون مدعيا. لكن في القواعد: " ولو اختلفا في المدة، فقال: آجرتك سنة بدينار، فقال: بل سنتين بدينارين، فالقول قول المالك مع يمينه. ولو قال بل سنتين بدينار، فهنا قد اختلفا في قدر العوض والمدة، والاقرب التحالف ". ونحوه ذكر في التحرير. وفي جامع المقاصد - في شرح عبارة القواعد المذكورة - قال: " أما الاختلاف في المدة فظاهر، وأما الاختلاف في العوض فانه على قول أحدهما عوض السنة دينار، وعلى قول الآخر نصف دينار. ولقائل أن يقول: إن العوض الذي جرى عليه العقد متفقان عليه، وإنما الاختلاف في زيادة المدة وعدمها. ووجه القرب: أن كل واحد منهما يدعي عقدا مغايرا للعقد الذي يدعيه الآخر، والآخر ينكره فيتحالفان " وعن الشيخ: القول بالقرعة. لكن عبارته في غير هذه المسألة، وقد تقدمت الاشارة إليها. والتحقيق ما عرفت: من أنه بناء على أن المعيار في المدعي الغرض المقصود من النزاع، فالمستأجر مدع والمالك منكر، وبناء على أن المعيار مصب الدعوى، فهما متداعيان. (2) كما هو المعروف بين الاصحاب، كما عن الكفاية، لاستقرار سيرة العقلاء والمتشرعة على حمل الفعل الصادر المحتمل الصحة والفساد على الصحة، ولا يختص ذلك بفعل المسلم، بل يطرد في فعل كل عاقل، كما

 

===============

 

( 173 )

 

[ (مسألة 12): إذا حمل المؤجر متاعه إلى بلد، فقال المستأجر استأجرتك على أن تحمله إلى البلد الفلاني غير ذلك ] عرفت. وفي جامع المقاصد قال في هذا المقام: " لاشك أنه إذا حصل الاتفاق على حصول جميع الامور المعتبرة في العقد، من حصول الايجاب والقبول من الكاملين، وجريانهما على العوضين المعتبرين، ووقع الاختلاف في شرط مفسد مثلا، فالقول قول مدعي الصحة بيمينه، لانه الموافق للاصل، فان الاصل عدم ذلك المفسد، والاصل في فعل المسلم الصحة. لا يقال: الاصل بقاء الملك على مال مالكه، فيعارض الاصل المذكور. لانا نقول: بعد صدور الايجاب والقبول على الوجه المعتبر، وعدم العلم بالمنافي لصحتهما، المقتضي للحكم بصحتهما عملا بالاستصحاب لحال تحقق السبب الناقل، فلم يبق ذلك الاصل كما كان. أما إذا حصل الاختلاف مع الصحة والفساد في حصول بعض الامور المعتبرة وعدمه، فان هذه الاستدلال لا يستمر هاهنا، فان الاصل عدم السبب الناقل. ومن ذلك مالو ادعى: اني اشتريت العبد، فقال بل بعتك حرا ". وفيه أن التفصيل المذكور بلا فاصل، لاستقراء السيرة على الصحة في الجميع. ولذلك حكي الاعتراف منه بذلك في موضع من كتاب البيع، وآخر من كتاب الرهن، فقال في أحدهما: " لو قال: بعتك وأنا صبي، أنه يقدم مدعي الصحة (يعني: المشتري). وقال: إن تقديم قول البائع في غاية الضعف " وقال في ثانيهما: " إذا قال: بعتك بعبد، فقال: بل بحر، أنه يقدم قول مدعي الصحة ". والكلام في ذلك موكول إلى محله. وقد تعرض شيخنا الاعظم (ره) في رسائله الكلام في هذه المسألة. فراجع.

 

===============

 

( 174 )

 

[ البلد، وتنازعا، قدم قول المستأجر (1) فلا يستحق المؤجر أجرة حمله. وإن طلب منه الرد إلى المكان الاول (2) ] (1) لاصالة عدم وقوع الاجارة على ما ادعاه الاجير، فلا يستحق الاجرة على عمله. لكن هذا يتم بناء على ما عرفت من أن المعيار في تشخيص المدعي الغرض المقصود. أما إذا كان المعيار صورة الدعوى فهما متداعيان. لتباين الدعويين بتباين متعلقيهما وكذا إذا كان الغرض المقصود من دعوى المستأجر المطالبة بالنقل إلى الموضع الذي يدعيه، بأن كانت مدة الاجارة باقية، فان غرض كل منهما مباين لغرض الآخر، وكلاهما ثبوتي، فيكونان متداعين، يحلف كل منهما على نفي مدعي الآخر، وبعد حلفهما معا يحكم ببطلان كل من الدعويين. فلا يجوز للمستأجر مطالبة الاجير بنقل المتاع إلى الموضع الذي يدعيه، ولا للاجير المطالبة بالاجرة على نقله المتاع الذي يدعيه. وبالجملة: للمسألة صورتان: (الاولى): أن يكون كل واحد من المتعاقدين في مقام مطالبة صاحبه بحق، بأن يكون المستأجر في مقام مطالبة الاجير بالعمل المستأجر عليه حسبما يدعي، والاجير في مقام مطالبة المستأجر بالاجرة، لانه يدعي وقوع العمل المستأجر عليه. وفي هذه الصورة هما متداعيان، يدعي كل منهما شيئا على خلاف الاصل، وينكره الآخر، فيتحالفان. (الثانية): أن يكون أحدهما مطالبا لصاحبه بشئ، دون صاحبه فلا يطالبه بشئ. وفي هذه الصورة يكون المطالب مدعيا وصاحبه منكرا، فيقدم قوله بيمينه. كما إذا انتهت مدة الاجارة فبطلت " أو تعذر العمل المستأجر عليه، لعجز عقلي أو شرعي. (2) قد عرفت: أن المستأجر إنما يكون منكرا إذا لم يكن مطالبا بشئ ينكره صاحبه، فإذا كان مطالبا برد العين إلى الموضع الذي نقلت

 

===============

 

( 175 )

 

[ وجب عليه (1)، وليس له رده إليه إذا لم يرض، ويضمن له ] عنه، فربما يقال إنه يكون مدعيا، فيكون الآخر منكرا، فيكونان متداعيين، المؤجر يطالب بالاجرة، والمستأجر يطالب بالرد. وفيه: أن المعيار في التداعي أن يطالب كل واحد منهما بأمر يكون من لوازم دعواه وثبوته يترتب على ثبوت دعواه. أما إذا كان المطالب يترتب على نفي دعوى خصمه، لانه من آثار عدمها، فانه حينئذ لا يكون مدعيا بالاضافة إليه، لان الاصل النافي لدعوى خصمه، بعد ماكان مثبتا لذلك الاثر الذي يطالب به، يكون بملاحظته أيضا منكرا، لانه يدعي أمرا تثبته الحجة الشرعية، وهو الاصل، وليس معنى المنكر إلا ذلك، كما عرفت. ونظير المقام: ما لو أكل طعام غيره مدعيا الاذن منه، فأنكر صاحب الطعام الاذن وطالب بالعوض، فانه بالمطالبة بالعوض لا يكون مدعيا، لانه يدعي أمرا تقتضيه أصالة عدم إذن المالك، كما هو ظاهر. (1) وجوب الرد إلى مكان الذي نقله منه إما أن يستفاد من قوله (ع): " كل مغصوب مردود " (* 1)، وقوله صلى الله عليه وآله: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (* 2). وإما لان خصوصية المكان من قبيل سائر الخصوصيات القائمة بالعين " مضمونة على المتلف، لكن الاول إنما يقتضي الرد والاداء إلى المالك، وربما يحصلان بحضور المالك في البلد الذي نقل إليه المتاع. وأما الثاني: فلان الخصوصيات التي تكون عليها العين إنما تكون مضمونة إذا كانت ذات مالية. أما إذا لم تكن فلا دليل عليه ضمانها، وإن كانت مما تختلف بها الرغبات، فضلا عما إذا لم تكن كذلك

 

 

____________

(* 1) لم نعثر على النص بهذا اللفظ. نعم عثرنا على قوله (ع) " لان الغصب كله مردود " فراجع الوسائل باب: 1 من كتاب الغصب حديث: 3، وباب: 1 من كتاب الانفال حديث: 4 (* 2) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب حديث: 4.

 

===============

 

( 176 )

 

[ أن تلف أو عاب، لعدم كونه أمينا حينئذ في ظاهر الشرع (1). (مسألة 13): إذا خاط ثوبه قباء، وادعى المستأجر أنه أمره بأن يخيطه قميصا، فالاقوى تقديم قول المستأجر (2) ] أيضا. وخصوصية المكان ربما تكون مما لا تختلف بها الرغبات، ولا تكون ذات مالية. فالدليلان المذكوران غير ظاهرين في إثبات ذلك على إطلاقه. نعم لا يبعد أن يكون ذلك من الاحكام العرفية للضمان. (1) وحينئذ فيشمله عموم أدلة الضمان. (2) كما عن جملة كثيرة من كتب الفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم. وعن الحواشي نسبته إلى المشهور، لان المستأجر منكر لما يدعيه العامل من الاذن، فيكون قوله مقدما. لكن في الخلاف - بعد أن اختار أن القول قول صاحب الثوب واستدل له بما ذكر - قال: " وكنا نقول فيما تقدم في هذه المسألة: ان القول قول الخياط لانه عازم، وأن رب الثوب يدعي عليه قطعا لم يأمره، فيلزمه بذلك ضمان الثوب، فكان عليه البينة، فإذا فقدها وجب على الخياط اليمين. وهذا أيضا قوي ". وعن وكالة التذكرة: الجزم بأن القول قول الخياط. وظاهرهما أن المقام من باب المدعي والمنكر وان المالك مدع والعامل منكر. وفيه: ما عرفت من أن مطالبة المالك للعامل بضمان الثوب لا توجب كون المالك مدعيا، لان ذلك من آثار عدم الاذن في قطع الثوب قباء، فإذا جرى كفى في ترتب استحقاق الارش، فيكون قوله موافقا للاصل أيضا، فيكون منكرا لامدعيا. ومن ذلك يظهر لك ضعف ما يقال: من أن تقديم قول المالك يختص بصورة ما إذا لم يدع المالك الارش. أما إذا ادعى الارش على العامل فهما متداعيان، لان العامل يدعي الاجرة والمالك يدعي الارش. وادعي

 

===============

 

( 177 )

 

[ لاصالة عدم الاذن في خياطته قباء. وعلى هذا فيضمن له عوض النقص الحاصل من ذلك (1). ولايجوز له نقصه إذا كان الخيط للمستأجر (2). وإن كان له كان له (3). ] فهم ذلك من مجمع البرهان من قوله: " ولعل المصنف لم يذكر التحالف بناء على عدم دعوى الآخر، وأما مع دعواه فالظاهر التحالف، فتأمل ". بل فهم أيضا ذلك من التذكرة، لما ذكر فيها من أن من قدم قول الخياط لابد وأن يقول بالتحالف. وجه الضعف: ما عرفت من أن دعوى المالك الارش لما كانت مقتضى أصالة عدم الاذن في عمل العامل، لا توجب كونه مدعيا، بل هو أيضا من هذه الجهة منكر. ولافرق في كون المالك منكرا، بين اقتصاره على نفي الاجارة بداعي نفي الاجرة، أو بداعي المطالبة بالارش، أو بداعيهما معا لانه في الجميع يدعي ما يقتضيه الاصل. وكلام التذكرة ومجمع البرهان لا يخلو من إجمال. نعم عن صريح الشافعي: أن رب الثوب يدعي عليه الغرم وينفي الاجرة، والخياط يدعي الاجرة وينفي الغرم فيتحالفان. انتهى. وهو صريح فيما ذكر، الذي قد عرفت ضعفه. ومن ذلك يظهر أنه لافرق في كون المالك منكرا والعامل مدعيا بين أن يكون فرض المسألة من باب الاجارة، كما هو ظاهر المتن، وأن يكون من باب الامر بالعمل على وجه الجعالة، كما هو ظاهر فرض الاصحاب للمسألة. نعم لا بأس بالبناء على التحالف إذا كان المعيار في تشخيص المدعي صورة الدعوى، لتباين الدعويين، كما عرفت في نظائره. (1) لانه بفعله، فيدخل في عموم: من أفسد فهو ضامن. (2) لعدم جواز التصرف في مال أحد إلا باذنه. (3) يعني: إذا كان الخيط للمؤجر جاز له نقضه، لانه ماله فيكون

 

===============

 

( 178 )

 

تحت سلطنته. فان قلت: نقضه يوجب تصرفا في الثوب الذي هو للمستأجر، فيكون تحت سلطنته، فلا يجوز التصرف فيه. قلت: الوجود القائم بعينين لمالكين، لما كان تصرفا في العينين، كان تحت سلطنة واحدة قائمة بسلطانين، فتكون سلطنتين ضمنيتين. وإذا أعملت إحدى السلطنتين الضمنيتين في الوجود كان الوجود تحت سلطنة مطلقة للسلطان الآخر. وإذا أعملت بالعدم بطلت السلطنة الاخرى من السلطان الآخر. مثلا: العقد القائم بالعوضين للمالكين، لما كان قائما بمالين، كان تحت سلطنة المالكين معا، فإذا أقدم أحد السلطانين على الوجود، كان الوجود تحت سلطنة مطلقة للطرف الآخر، فإذا أوجب البائع كانت المعاوضة تحت سلطان القابل، فوجودها وعدمها تحت سلطانه، وإذا لم يوجب ولم يرض بالمعاوضة، بطلت السلطنة من الآخر. ففي المقام: لما كان بقاء الخيط بالثوب قائما بالعينين معا، فهو تحت سلطنة مالكيهما على النحو الذي ذكرناه، فان رضي صاحب الخيط ببقائه فبقاؤه تحت سلطنة مطلقة لصاحب الثوب، وإن رضي صاحب الثوب ببقائه فهو تحت سلطنة مطلقة لصاحب الخيط، وإن رضي صاحب الثوب ببقائه بطلت سلطنة صاحب الخيط على بقائه، وإن لم يرض صاحب الخيط ببقائه بطلت سلطنة صاحب الثوب على بقائه، فلا يكون له منعه بدعوى أنه تصرف في الثوب. لكن هذه إنما يتم بالاضافة إلى التصرف في الثوب من حيث كونه مخيطا، ولا يقتضي جواز التصرف فيه، التصرف الذي يكون مقدمة لنقضه وفصل الخيط عنه، فان ذلك التصرف ليس قائما بالثوب والخيط، وإنما هو قائم بالثوب نفسه، فهو تحت سلطنة المالك مستقلا، نظير التصرف في آلات صاحب الثوب لاجل فصل الخيط عنه. وعلى هذا فالخروج عن القواعد المقتضية للمنع لا يصح، إلا إذ كان ضررا على

 

===============

 

( 179 )

 

[ ويضمن النقص الحاصل من ذلك (1). ولا يجب عليه قبول ] صاحب الخيط، فتكون قاعدة نفي الضرر حاكمة على قاعدة السلطنة. لكن إذا منع المالك صاحب الخيط عن أخذ خيطه، فامتنع، جاء الاشكال في تصرفه في الثوب، لانه تصرف في الخيط أيضا، فيحرم. إلا أن يقال: إن منع مالك الثوب عن التصرف في ثوبه ضرر، فينتفي، ولاضرر في منع مالك الخيط عن أخذ خيطه حسب الفرض. وبالجملة: الخروج عن القواعد المقتضية لما ذكرنا غير ظاهر، وإن تصدى بعض لاثبات أن مقتضاها جواز أخذ الخيط لمالكه، وإن لزم التصرف في الثوب مطلقا، وجواز منع صاحب الخيط من أخذه، وإن لم يلزم ضرر على صاحب الثوب، كما أشرنا إلى ذلك في تعليقتنا على مباحث خيار الغبن. (1) لانه بفعله، فيشمله عموم أدلة الضمان. نعم إذا كانت تستوجب صفة ذا مالية في الثوب، كانت تلك الصفة ملكا للمؤجر، فيكون الثوب لمالكه والخياطة للعامل، وله المطالبة بها. وحينئذ فهل لازم ذلك الشركة في العين أولا؟ وجهان. أقواهما الثاني، لعدم الدليل عليه. وأضعف منه جعل الشركة في المالية. وجه الضعف: أن المالية من الاعتبارات التي هي منتزعة من حصول الرغبة، ولاتقبل الشركة عند العقلاء. وكذلك الحكم لو أراد الخياط أخذ الخيط، فمنعه المالك من التصرف في الثوب، وكان منعه موجبا للضرر، كما كان - أيضا - التصرف في الثوب حين أخذ الخيط ضررا على المالك، فانه مع تعارض الضرر وسقوط قاعدة نفي الضرر في الطرفين، يرجع إلى قاعدة السلطنة في الطرفين، ومقتضاها عدم جواز أخذ الخيط، وعدم جواز التصرف في الثوب،

 

===============

 

( 180 )

 

[ عوضه لو طلبه المستأجر (1)، كما ليس عليه قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر. هذا ولو تنازعا في هذه المسألة والمسألة المتقدمة قبل الحمل وقبل الخياطة فالمرجع التحالف (2) ] فيبقى الثوب ممنوعا من التصرف فيه من كل منهما، ولابد من أن ينتهي الامر إلى التخلص بالبيع، ونحوه من المعاوضات على العين، ويكون الاشتراك بينهما بالثمن، بناء على أن ذلك من الاحكام العرفية، كما هو غير بعيد، وإن كان لا يخلو من خفاء. (1) الوجه فيه وفيما بعده ظاهر، لانه مقتضى قاعدة السلطنة. (2) هذا واضح بناء على أن المعيار في تشخيص المدعي مصب الدعوى أما إذا كان المعيار هو الغرض المقصود للمتنازعين فمشكل، لان المستأجر يطالب بالعمل الذي يدعيه، والاجير ينكر ذلك. أما الاجير فلا يطالب بشئ، لانهما يعترفان باستحقاق الاجرة ولا ينكرها أحدهما. نعم يدعي الاجير استحقاق أخذ الاجرة والمطالبة لو عمل، وهذه الدعوى ليس فيها مطالبة بحق فعلي، وإنما هي مطالبة بحق استقبالي، ومثل هذه الدعوى لا تسمع، لعدم استحقاق المطالبة بالحق المذكور إلا في ظرف فعليته. نعم إذا مضت المدة التي يمكن فيها العمل، وبذل الاجير نفسه للعمل، استحق المطالبة بالاجرة لو كانت الاجارة واقعة على العمل الذي يدعيه. وحينئذ تصح له الدعوى، فتكون مسموعة، ويكون مدعيا، والمستأجر منكرا. وحينئذ فان كان مقصود المصنف (قده) هذا المعنى من التحالف فلا بأس به، وإن كان المقصود أنهما في الزمان الواحد متداعيان فقد عرفت اشكاله. وكأنه لذلك ذكر في بعض الحواشي لبعض الاكابر: أنه يقدم قول المؤجر في المسألتين مع يمينه على نفي ما يدعي المستأجر استحقاقه. (انتهى). ثم إنه إذا تحالفا حكم الحاكم على طبق كل من اليمينين، فيحكم ببطلان

 

===============

 

( 181 )

 

كل من الدعويين. وحينئذ يقع الكلام في أمور. الاول: في أن الحكم الصادر من الحاكم ليس حكما واقعيا عندنا، لما يستفاد من النصوص: مثل قول أبي عبد الله (ع) في صحيح هشام ابن الحكم: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان، وبعضكم الحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من ماله أخيه شيئا، فانما قطعت له به قطعة من النار " (* 1). فانه كالصريح في أن حكم الحاكم لا يغير الواقع ولا يبدله إلى حكم آخر، فإذا حكم ببطلان الدعوى لم يكن ذلك موجبا لبطلانها واقعا، بل الواقع بحاله. ولاجل ذلك يقع الكلام في الامر الثاني وهو: أنه إذا كان الامر الواقعي بحاله باقيا، يقع الاشكال في جواز الحكم في مورد التحالف، للعلم بمخالفته للواقع، فكيف يجوز له الحكم ببطلان كلتا الدعويين، مع العلم بأن إحداهما ثابتة في الواقع؟! فالحكم المذكور مع هذا العلم حكم على خلاف الواقع. وقد تعرضوا لدفع الاشكال المذكور بوجوه مذكورة في مباحث حجية القطع. ولعل الاسد أن يقال: إن مادل على لزوم حسم النزاع، والمنع من وقوع الفساد المترقب منه، اقتضى جواز الحكم المذكور وإن كان على خلاف الواقع. مثل ما إذا توقف دفع اللص على دفع مقدار من المال إليه، فان وجوب الدفع لا يقتضي استحقاق اللص للمقدار المدفوع إليه، ولا يخرج المدفوع من ملك مالكه، ولا عن تحريم التصرف فيه بغير إذنه، فيحرم على اللص التصرف فيه، ويجب إرجاعه إلى الدافع، وإن وجب دفعه إليه وتمكينه منه، لدفع ضرره واتقاء شره، مع بقاء المدفوع على ملك مالكه، وترتب جميع احكامه عليه. ففي المقام يكون

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية القضاء حديث: 1.

 

===============

 

( 182 )

 

حكم الحاكم من هذا القبيل، فانه لا يوجب بطلان الدعويين واقعا وحقيقة، وإنما يحكم ببطلانهما عملا، بمعنى أنه لا يجوز للمدعي مطالبة المنكر، ولا الدعوى عليه، ولا النزاع معه، وإن كان المدعى به على ما هو عليه، لا تغيير فيه ولا تبديل. وبالجملة: المدعى به باق على ما هو عليه موضوعا وحكما، إلا في هذ الجهة. وهي جواز المطالبة فيه والادعاء والنزاع، نظير ما ذكرنا من المثال. فدليل نفوذ الحكم مخصص لدليل آثار الواقع في غير الاثر المذكور، فيخرجه عن الدليل مع بقاء عموم الدليل لسائر الآثار الاخرى. إذ من جملة الاحكام الواقعية للمال مثلا جواز المطالبة، فإذا حكم الحاكم انتفى الحكم المذكور واقعا، وبقيت الاحكام الاخرى بحالها، وكذا بالنسبة إلى سائر موارد الدعاوى. وحينئذ لامانع من جواز الحكم في مورد التحالف، مع العلم الاجمالي بمخالفته للواقع في احدى الدعويين، بل بناء على القول بعدم جواز القضاء بعلم الحاكم وتعين الرجوع إلى البينة واليمين، نقول: يقضي بالبينة أو اليمين، وينفذ قضاؤه وإن علم بمخالفته للواقع. فالمحذور المذكور لا يصلح للمنع، إذ لامانع من تخصيص دليل الآثار بغير جواز المطالبة. الثالث: أن حكم الحاكم من قبيل الامارة بالنسبة إلى من عداه من المكلفين فيكون طريقا إلى ثبوت مؤداه في جميع الآثار غير الاثر المقصود، فيجب على جميع المكلفين ترتيب آثار المحكوم به ظاهرا، ويكون حجة على ذلك لما دل على عدم جواز رده ووجوب قبوله، مثل ما في مقبولة عمر بن حنظلة من قول الصادق (ع): " فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله تعالى، وعلينا رد. والراد علينا الراد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله تعالى " (* 1) فيترتب عليه أحكام الامارات من الحجية

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 1.

 

===============

 

( 183 )

 

في ظرف الشك، وعدم الحجية في ظرف العلم بالواقع تفصيلا أو إجمالا إذا كان منجزا. وحينئذ يشكل الامر في موارد التحالف، فانه يعلم بمخالفته إجمالا للواقع، فلا مجال للاعتماد عليه، فلابد من الرجوع عند العلم بمخالفته للواقع إجمالا أو تفصيلا إلى ما تقتضيه القواعد بالنسبة إلى ذلك العلم، فان كان العلم تفصيليا عمل بمقتضاه، وإذا كان إجماليا عمل بمقتضاه. فإذا ادعى رجل زوجية امرأة، وأنكرت هي ذلك فحلفت، وحكم الحاكم بنفي زوجتيها، لا يجوز له أن يتزوج أمها أو بنتها أو أختها أو خامسة. وكل من علم بصدقه لا يجوز له أن يتزوجها. كما أنها لا يجوز لها أن تتزوج رجلا آخر إذا كان انكارها جحودا. وإذا اختلف المتبايعان في المبيع والثمن، فقال البائع بعتك العبد بالدار، فيقول المشتري: بعتني الجارية بالبستان، وحلفا، وحكم الحاكم بانتفاء البيعين، فقد علم إجمالا بملك البائع للدار أو البستان، وملك المشتري للعبد أو الجارية، وحينئذ لا يجوز شراء العبد أو الجارية من المشتري ولا من البائع، وكذا لا يجوز شراء الدار أو البستان من كل منهما. لكن في الدروس في أواخر كتاب البيع قال: " إذا حلفا أو نكلا احتمل أن ينفسخ العقد، إذ إمضاؤه على وفق اليمينين متعذر، وعلى وفق أحدهما تحكم. ويحتمل أن يتزلزل فيفسخه المتعاقدان أو أحدهما أو يرضى أحدهما بدعوى الآخر، أو يفسخه الحاكم إذا يئس من توافقهما وامتنعا من فسخه، لئلا يطول النزاع. وعلى الانفساخ ينفسخ من حينه، لا من أصله. ثم إن توافقا على الفسخ أو فسخه الحاكم انفسخ ظاهرا وباطنا، ولو بدر أحدهما فان كان المحق فكذلك، والا انفسخ ظاهرا ". وحكي الجزم بالانفساخ عن كثير من كتب الفاضلين والشهيدين، وإن اختلفت عباراتهم في كون

 

===============

 

( 184 )

 

الفسخ بعد التحالف من حينه أو من أصله، كما عن اللمعة والروضة. وفي الجواهر: " لاريب أن المتجه على مقتضى الضوابط الشرعية عدم الانفساخ بالتحالف، ولا يتسلط الحاكم على ذلك. هذا كله بحسب الواقع ". وهو في محله. والاستدلال عليه بالنبوي المذكور في الدروس: " إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا "، كما ترى، لقصوره عن اثبات ذلك دلالة، لعموم الاختلاف لصورة التداعي وغيره، ولذا قال في الدروس: " وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وآله ". وكذا سندا، وهو ظاهر. بل المروي لاصحاب السنن - أبي داود والترمذي والنسائي - هكذا: " إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان " أي: يتفاسخان العقد. وهو غير ما نحن فيه، ولم يرد عن صحاحهم وسننهم غير ذلك. وكيف كان: فالبناء على الانفساخ أو فسخ الحاكم غير ظاهر، كما ذكر في الجواهر. واللازم على المتداعيين وعلى غيرهما العمل على مقتضى العلم الاجمالي أو التفصيلي، على وجه لايؤدي إلى الخصومة والنزاع، لئلا يلزم رد الحكم وعدم قبوله. لكن قال في الجواهر: " نعم قد يقال: إن للغير التصرف في كل من الثوبين نقلا وشراءهما، بل والثمن الذي يرجع إلى المشتري منهما أيضا وإن علم أن الواقع ينافي ذلك، إلا أن الظاهر عدم اعتبار مثل هذا العلم في المنع عن العمل بما يقتضيه الحكم في الظاهر. وله نظائر كثيرة في الفقه، منها: العين المقسومة بين اثنين لتعارض البينتين مثلا، بل ومع العلم بأنها لواحد منهما إذا لم نقل بالقرعة، فان للغير شراء الجميع من كل واحد منهما، وإن علم أن أحدهما غير مالك للنصف، إجراء للحكم الظاهري. بل إذا لم يكن إجماع جرى مثله في النكاح لو فرض التداعي

 

===============

 

( 185 )

 

بين السيد وآخر في تزويج أمته، فقال السيد هذه، وقال الآخر بل هذه، وتحالفا، فان للغير التزويج بهما وإن علم أن احداهما ذات زوج، عملا بالحكم الظاهري ". وفيه: أنه مع الاعتراف بأنه حكم ظاهري كيف يجوز العمل به مع العلم التفصيلي بمخالفته للواقع؟! وهل هو الا تناقض بين الحكمين؟!. وكذا الحكم مع العلم الاجمالي على التحقيق من كونه حجة على نحو يمنع من جعل الحكم الظاهري على خلافه في أحد الاطراف، فضلا عن تمامها. والحكم فيما ذكره من المثال من العين المقسومة بين المتداعيين لتعارض بينتيهما أيضا كذلك، فانه لا يجوز البناء على كون القسمة ظاهرية، وأنه يجوز العمل عليها حتى مع العلم بالمخالفة للواقع. نعم لا بأس إذا كانت القسمة واقعية، بأن تكون البينتان سببا للاشتراك في العين، فيحنئذ يجوز ترتيب الآثار عليهما مطلقا. لكن الدليل المتضمن للقسمة ظاهر في كونها لمحض حسم النزاع ودفع الفساد المترتب عليه، وليس فيها تحليل الحرام وتحريم الحلال واقعا. بل اللازم ايكال أمر عمل المتخاصمين بالنظر إلى الواقع إلى علمهما. وكذلك عمل غيرهما ممن يكون موردا للابتلاء. ولذا قال في الدروس في أواخر كتاب القضاء: " تتمة: لا يتغير الشئ عما هو عليه بحكم الحاكم، فلو حكم بشاهدي زور على عقد أو فسخ أو طلاق أو نكاح لم يستبح المحكوم به، ولا يحل - للعلم بكذبهما - موافقة الحكم. وعلى المرأة الامتناع لو علمت بالتزوير، فان أكرها أثم دونها، ولها التزويج لغيره بعد العدة، وللرجل ايتانها إذا كان محكوما عليه بطلاقها، وإن تزوجت بغيره بعد العدة ". وقد اشتهر في كلامهم عدم وجوب العمل بالحكم إذا علم بمخالفته

 

===============

 

( 186 )

 

للواقع، بل الظاهر أنه لا كلام فيه ولا إشكال. فكيف يمكن جعل حكم الحاكم حجة حينئذ؟! وليس هو إلا كغيره من الحجج التي لا مجال للعمل بها مع العلم التفصيلي على خلافها ضرورة. وكذا مع العلم الاجمالي على خلافها على ما هو التحقيق عند المحققين من كونه منجزا للواقع كالعلم التفصيلي. كما أنه يجب العمل به مع الشك والجهل بالواقع، ولافرق بين المتداعيين في ذلك وغيرهما، لعموم قوله (ع): " فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله سبحانه... "، (* 1) الشامل للمتداعيين وغيرهما. ومما يترتب على ذلك: أنه لو تمكن ذو الحق من المتداعيين من استنقاذ حقه من خصمه، مع علمه بثبوت حقه، جاز له ذلك وإن كان حكم الحاكم عليه لا له، لعدم حجية الحكم عليه مع العلم ببطلانه، وإن كان لا يجوز له المطالبة به والادعاء، كما تقدم في الامر الثاني من أن دليل نفوذ الحكم كما يدل على حجيته في ظرف الشك، يدل على كونه فاصلا للخصومة وحاسما للنزاع. وترتب الاثر المذكور عليه ليس من باب الطريقية، ليكون ملغيا مع العلم بالواقع، بل من باب الموضوعية، وإلا تعذر الفصل به غالبا، لعلم كل من المتخاصمين بصحة دعواه نفيا أو اثباتا، فلو اختص بحال الشك لم يكن حاسما للنزاع مع العلم، وهو خلاف المقطوع به من أدلة نفوذه. نعم المذكور في كلام الاصحاب: أنه إذا كان حكم الحاكم مستندا إلى اليمين، لم تجز لمن حكم عليه بالحق المقاصة من مال المحكوم له، وإن علم بثبوت حقه. قال في الشرائع: " إذا حلف - يعني المدعى عليه - سقطت الدعوى. ولو ظفر المدعي بعد ذلك بمال الغريم لم تحل له المقاصة ". وفي المسالك: " هذا هو المشهور بين الاصحاب، لا يظهر فيه مخالف ".

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

 

===============

 

( 187 )

 

وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده في شئ من ذلك ". وهذا وإن كان خلاف مقتضى الادلة الاولية، المقتضية لبقاء حقه وجواز استنقاذه بكل طريق شاء، بلا مطالبة ولا منازعة إلا أن مستنده جملة من النصوص، أدعي دلالتها عليه. منها: خبر عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (ع): " إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه، فاستحلفه، فحلف أن لاحق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدعي، فلا دعوى له. قلت له: وإن كان عليه بينة عادلة؟ قال: نعم، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله تعالى خمسين قسامة ماكان له، وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه " (* 2). وزاد في الفقيه: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من حلف لكم على حق فصدقوه، ومن سألكم بالله فاعطوه، ذهبت اليمين بدعوى المدعي ولادعوى له " (* 2). وخبر خضر النخعي عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده قال (ع): إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه " (* 3) وخبر عبد الله بن وضاح: " قال: كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة، فخانني بألف درهم، فقدمته إلى الوالي فاحلفته فحلف، وقد علمت أنه حلف يمينا فاجرا فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة، فأردت أن اقتص الالف درهم التي كانت لي عنده، وأحلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن (ع) فاخبرته أني قد أحلفته فحلف، وقد وقع له عندي مال، فان أمرتني أن آخذ منه الالف درهم التي حلف عليها فعلت. فكتب (ع): لا تأخذ منه شيئا، إن كان ظلمك فلا تظلمه،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب كيفية القضاء حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب كيفية القضاء حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 10 من أبواب كيفية القضاء حديث: 1.

 

===============

 

( 188 )

 

ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته لامرتك أن تأخذ من تحت يدك، ولكنك رضيت بيمينه وقد ذهبت اليمين بما فيها. فلم آخذ منه شيئا، وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن (ع) " (* 1). وأما النبوي: " من حلف بالله فليصدق، ومن لم يصدق من الله ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله في شئ " (* 2)، فليس مما نحن فيه لظهوره في الترغيب في الاذعان بمضمون الحلف. لكن الخبر الاول ظاهر في نفي جواز التداعي. والثاني غير بعيد. والواضح الدلالة الاخير. وهما وإن كانا ضعيفي السند، لكن ضعفهما مجبور بالعمل. لكنهما مختصان بالدين والمقاصة من مال المحكوم له، ولا يشمل أخذ العين نفسها إذا أمكن المحكوم عليه، ولا المقاصة عنها. وقد عرفت أن مقتضى القواعد جواز ذلك، والتعدي من مورد النصوص إلى ذلك غير ظاهر. وأشكل منه التعدي عن المقاصة إلى سائر التصرفات في العين من لبس ونحوه. وأشكل منه التعدي إلى التصرفات الاعتبارية، مثل احتسابه زكاة، وإبرائه منه، وعتقه، ووقفه، ونحو ذلك، فان ذلك كله بعيد عن مدلول النصوص المذكورة جدا، فلا موجب فيه للخروج عن القواعد. نعم لاتبعد دعوى عموم النص للمقاصة عن العين بقرينة التعليل: " إن كان ظلمك فلا تظلمه "، فان الظاهر أن المقصود من ظلمه أخذ ماله بغير اذنه من عين أو دين. فتأمل. كما أن النصوص المذكورة مختصة باليمين، فإذا كان مستند الحكم البينة أو النكول أو الاقرار لامانع من المقاصة، عملا بالقواعد الاولية من دون مخرج عنها. والتعليل في خصوص الخبر الاخير غير واضح الانجبار

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب كيفية القضاء حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب كتاب الايمان حديث: 1.

 

===============

 

( 189 )

 

بالاعتماد، لاقتصار كلماتهم على خصوص اليمين، وظاهرهم الاعتماد على نصوص اليمين من حيث كونها يمينا، ومن الجائز أن لا يكون اعتمادهم على هذا الخبر، فلم يثبت انجباره، ولاسيما بملاحظة مادل على مشروعية المقاصة، وعموم قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). (* 1) هذا والذي تحصل مما ذكرنا أمور: (الاول): أن حكم الحاكم لا يغير الواقع، بل هو محفوظ في نفسه وعلى حاله. (الثاني): أن علم الحاكم إجمالا لا ينافي حكمه بخلاف العلم. (الثالث): أن حكم الحاكم فاصل للخصومة ومانع من النزاع وإن علم أحد الخصمين وكلاهما ببطلانه، وأن هذا الاثر حكم واقعي. (الرابع): أن حكم الحاكم بالنسبة إلى مؤاده حكم ظاهري، لا يحوز العمل به مع العلم بخلافه إجمالا أو تفصيلا، وإنما يجب العمل به مع الشك. ولافرق بين المتخاصمين وغيرهما من سائر المكلفين. (الخامس): أن بناء جمع من الاصحاب على انفساخ العقد بعد التحالف - إذا كان النزاع في العقود - مما لادليل عليه، فلا مجال للبناء عليه. وكذا البناء على أن الحاكم له الولاية على الفسخ. (السادس): يستثنى من جواز العمل بالعلم - إذا كان على خلاف الحكم - المقاصة، فلا تجوز المقاصة من المحكوم عليه إذا كان عالما بثبوت حقه، وكان مستند الحكم اليمين. (السابع): أنه لا يلحق بالمقاصة أخذ العين نفسها، ولا التصرف فيها بغير نحو المقاصة، سواء كان التصرف خارجيا مثل اللبس ونحوه، أم اعتباريا مثل الابراء والوقف. (الثامن): أن حرمة المقاصة مختصة بما إذا كان مستند الحكم اليمين، فلا مانع من المقاصة إذا كان مستند الحكم البينة، أو النكول، أو الاقرار خطأ أو اشتباها.

 

 

____________

(* 1) البقرة: 194.

 

===============

 

( 190 )

 

[ (مسألة 14): كل من يقدم قوله في الموارد المذكورة عليه اليمين للآخر.