فصل في المواقيت

[ فصل في المواقيت وهي المواضع المعينة للاحرام، أطلقت عليها مجازا، أو حقيقة متشرعة (1). ] إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام ابراهيم (ع)، وقد قضت طوافها) (* 1) وفى الدلالة نظر، وفى الحكم اشكال). ووجه النظر في الدلالة: عدم التعرض في الرواية لجواز فعل مناسك الحج قبل صلاة الركعتين. ووجه الاشكال في الحكم: عدم الدليل عليه الموجب للخروح عما دل على اعتبار الترتيب كما سبق. لكن عرفت الدليل على الحكم في الصورة السابقة، ففي هذه الصورة أولى. وتشتركان في لزوم الانتظار في السعة، ووجوب المبادرة إلى فعل مناسك الحج في الضيق. والله سبحانه ولي التوفيق. فصل في المواقيت (1) في المصباح المنير: (الوقت: مقدار من الزمان مفروض لامر ما وكل شئ قدرت له حينا فقد وقته توقيتا، وكذلك ما قدرت له غاية، والجمع أوقات والميقات الوقت، والجمع مواقيت. وقد استعير الوقت للمكان، ومنه: مواقيت الحج موضع الاحرام). ونحوه ما في النهاية الاثيرية. لكن في الصحاح: (الميقات: الوقت المضروب للفعل والموضع يقال: هذا ميقات أهل الشام، للموضع الذي يحرمون منه). ونحوه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 88 من أبواب الطواف حديث: 2.

 

===============

 

( 248 )

 

[ والمذكور منها في جملة من الاخبار خمسة (1)، وفي بعضها ستة (2). ] كلام القاموس. وظاهرهما أن استعماله في المواضع المذكورة على وجه الحقيقة. اللهم إلا أن يكون المراد أنه حقيقة متشرعية لا لغوية. (1) قد اختلفت كلمات الاصحاب (رض) في تعدادها، فمنهم من ذكر خمسة، ومنهم من ذكر ستة، ومنهم من ذكر سبعة، ومنهم من ذكر عشرة. وليس ذلك اختلافا في الحكم، وإنما هو لاختلاف أنظارهم في الجهة الملحوظة في ذكر العدد. وكذلك النصوص الشريفة اختلفت في ذكر العدد، فمنها ما ذكر فيه خمسة، كصحيح الحلبي: (قال أبو عبد الله (ع): الاحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها: وقت لاهل المدينة: ذا الحليفة، وهو مسجد الشجرة، يصلي فيه، ويفرض الحج، ووقت لاهل الشام: الجحفة، ووقت لاهل نجد: العقيق، ووقت لاهل الطائف: قرن المنازل، ووقت لاهل اليمن: يلملم. ولا ينبغي لاحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله (* 1). ونحوه صحيح أبي أيوب الخزاز (* 2) وغيره. (2) كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (قال: من تمام الحج والعمرة: أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا تجاوزها إلا وأنت محرم، فانه وقت لاهل العراق - ولم يكن يومئذ عراق -: بطن العقيق من قبل أهل العراق، ووقت لاهل اليمن: يلملم، ووقت لاهل الطائف: قرن المنازل، ووقت لاهل المغرب: الجحفة - وهي مهيعة-

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

===============

 

( 249 )

 

[ ولكن المستفاد من مجموع الاخبار: أن المواضع التي يجوز الاحرام منها عشرة (1): أحدها: ذو الحليفة، وهي ميقات أهل المدينة ومن يمر على طريقهم (2). وهل هو مكان فيه مسجد الشجرة، أو نفس المسجد (3)؟ قولان وفي جملة من الاخبار: أنه هو الشجرة (4)، ] ووقت لاهل المدينة: ذا الحليفة. ومن كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله) (* 1) (1) وعليه فتوى الفقهاء، كما عرفت، ويأتي. (2) بلا ريب، نصا وفتوى في الجملة. (3) قد اختلفت عبارات الاصحاب في تعيين الميقات المذكور، فالمحكي عن المقنعة، والناصريات، وجمل العلم والعمل، والكافي، والاشارة: أنه ذو الحليفة. وفى الشرائع والقواعد، وعن النافع والجامع: أنه مسجد الشجرة لكن عن المعتبر والمهذب وكتب الشيخ والصدوق والقاضي وسلار وابني زهرة وإدريس والتذكرة والمنتهى والتحرير: أنه ذو الحليفة، وأنه مسجد الشجرة. (4) في صحيح علي بن رياب قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الاوقات التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله للناس. فقال (ع): إن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت لاهل المدينة: ذا الحليفة، وهي الشجرة... (* 2) وفى خبر علي ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال: (سألته عن المتعة في الحج، من أين إحرامها وإحرام الحج؟ قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لاهل العراق من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 7.

 

===============

 

( 250 )

 

[ وفي بعضها أنه مسجد الشجرة (1). وعلى أي حال فالاحوط الاقتصار على المسجد، إذ مع كونه هو المسجد فواضح، ومع كونه مكانا فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على المقيد (2) ] العقيق، ولاهل المدينة ومن يليها من الشجرة) (* 1) ونحوهما صحيح ابن سنان الآتي في المحاذاة (* 2) وصحيح الحلبي الآتي أيضا في المسألة الاولى (* 3) وغيرهما. (1) كما تقدم في صحيح الحلبي. وفى صحيح رفاعة: (ووقت لاهل المدينة ذا الحليفة، وهو مسجد الشجرة) (* 4). وفى مرسل الحسين بن الوليد: (لاي علة أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من مسجد الشجرة ولم يحرم من موضع دونه) (* 5). (2) فيه تأمل، لان نسبة المسجد إلى ذي الحليفة - بناء على أنه المكان الذي فيه المسجد - نسبة الجزء إلى الكل، لا الفرد إلى الكلي التي هي نسبة المقيد إلى المطلق، فيكون المراد من ذي الحليفة جزأه مجازا. وعليه يكون الدوران بين المجاز المذكور وبين حمل تعيين المسجد على الاستحباب وكون الاول أولى غير ظاهر. هذا بالنظر إلى ما أقتصر فيه على أحد الامرين - أعني: ذا الحليفة ومسجد الشجرة - أما بالنظر إلى ما جمع فيه بين الامرين على وجه التفسير-

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 6 من أبواب المواقيت حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 11. وقد جاء ذلك في المصدر بلا سند إلا أن عطفه على ما سبق لرفاعة من رواية لعله يقتضي اسناد الرواية المذكورة إليه أيضا. (* 5) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 13.

 

===============

 

( 251 )

 

[ لكن مع ذلك الاقوى جواز الاحرام من خارج المسجد - ولو اختيارا - وإن قلنا أن ذا الحليفة هو المسجد. وذلك لان مع الاحرام من جوانب المسجد. يصدق الاحرام منه عرفا، إذ فرق بين الامر بالاحرام من المسجد أو بالاحرام فيه (1). هذا مع إمكان دعوى: أن المسجد حد للاحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته (2). وإن شئت فقل: المحاذاة كافية ولو مع القرب من الميقات ] كصحيح الحلبي وغيره - فلا مجال لشئ من ذلك، إذ قوله (ع) فيه: (وهو مسجد الشجرة) لا بد من الاخذ بالتفسير فيه على كل حال وإن لم نقل بوجوب حمل المطلق على المقيد، كما هو ظاهر. (1) هذا الفرق إنما يقتضي جواز الاحرام من جوانب المسجد المتصلة به، ولا يسوغ الاحرام من جوانبه مع عدم الاتصال، لان الابتداء حينئذ لا يكون من المسجد، كما لا يخفى. (2) فيكون المراد، من كون المسجد الميقات: أنه موضع للاحرام بلحاظ البعد عن مكة، فجميع ما يحاذيه من المواضع المساوية له في البعد يجوز الاحرام منها. وهذا هو العمدة في اثبات جواز الاحرام خارج المسجد. وعن المحقق الثاني في حاشية القواعد: أن جواز الاحرام من الموضع المسمى بذي الحليفة وإن كان خارج المسجد لا يكاد يدفع. انتهى. وإلى ذلك مال في الجواهر في مبحث المحاذاة. واستشهد له باطلاق الاحرام مع المحاذاة لمسجد الشجرة في صحيح ابن سنان الآتي (* 1)، ولو وجب الاحرام من نفس المسجد لوجب الامر به في الصحيح.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 1. ويأتي ذكر الرواية في الميقات التاسع، وهو المحاذاة.

 

===============

 

( 252 )

 

(تنبيه) قال في كشف اللثام: (وفى الصحاح: ذو الحليفة: موضع. وفى القاموس: موضع على ستة أميال من المدينة، وهو ماء لبني جشم. وفى تحرير النووي: يضم الحاء المهملة، وفتح اللام، وبالفاء: على نحو ستة أميال من المدينة - وقيل: سبعة، وقيل: أربعة - ومن مكة نحو عشرة مراحل. ونحو منه في تهذيبه. وفى المصباح المنير: ماء من مياه بني جشم ثم سمي به الموضع، وهو ميقات أهل المدينة، نحو مرحلة منها. ويقال: على ستة أميال. قلت: ويقال: على ثلاثة، ويقال: على خمسة ونصف. وفى المبسوط والتذكرة: أنه مسجد الشجرة، وأنه على عشرة مراحل عن مكة، وعن المدينة ميل. ووجه: بأنه ميل إلى منتهى العمارات في وادي العقيق التي ألحقت بالمدينة. وقال فخر الاسلام في شرح الارشاد. ويقال لمسجد الشجرة: ذو الحليفة. وكان قبل الاسلام اجتمع فيه ناس وتحالفوا. ونحوه في التنقيح. وقيل: الحليفة تصغير الحلفة - بفتحات - واحدة الحلفاء، وهو النبات المعروف. وينص على ستة أميال: صحيح ابن سنان عن الصادق (ع)... إلى أن قال: وقال السمهوري في خلاصة الوفاء: قد اختبرت فكان من عتبة باب المسجد النبوي - المعروف بباب السلام - إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع، وسبعمائة ذراع، واثنان وثلاثون ذراعا ونصف ذراع...). ولا ريب في عدم الفائدة في هذا الاختلاف، لان المسجد لم يزل

 

===============

 

( 253 )

 

[ (مسألة 1): الاقوى عدم جواز التأخير إلى الجحفة - وهي ميقات أهل الشام - اختيارا (1). نعم يجوز مع الضرورة، لمرض، أو ضعف، أو غيرهما من الموانع. لكن ] معروفا من صدر الاسلام إلى اليوم، كما أشار إلى ذلك في الجواهر. بل الغريب وقوع الاختلاف المذكور على النهج المزبور، كما لا يخفى. وأما النص - في صحيح ابن سنان - على أنه ستة أميال عن المدينة فغير ظاهر، لجواز اختلاف المتحاذيين مسافة بالنسبة إلى مكان ثالث كما نشير إليه في الميقات التاسع. (1) كما هو المشهور شهرة عظيمة، بل لا يعرف الخلاف فيه إلا من نادر. لرواية ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (ع) قال: (سألته عن قوم قدموا المدينة. فخافوا كثرة البرد وكثرة الايام - يعني: الاحرام من الشجرة - فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها. قال (ع): لا - وهو مغضب - من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلا من المدينة) (* 1)، وخبر أبي بصير: (قلت لابي عبد الله (ع): خصال عابها عليك أهل مكة. قال: وما هي؟ قلت: قالوا: أحرم من الجحفة ورسول الله صلى الله عليه وآله أحرم من الشجرة. فقال: الجحفة أحد الوقتين، فأخذت بأدناهما وكنت عليلا) (* 2)، وخبر أبي بكر الحضرمي قال: (قال أبو عبد الله (ع): إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة - وقد كنت شاكيا - فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه وعليه ثيابه وهم لا يعلمون، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 6 من أبواب المواقيت حديث: 4.

 

===============

 

( 254 )

 

لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة) (* 1). مضافا إلى النصوص - المتقدمة وغيرها - المتضمنة: أن مسجد الشجرة ميقات أهل المدينة، الظاهرة في التعيين. وعن الجعفي وابن حمزة في الوسيلة: جواز الاحرام من الجحفة اختيارا. واستدل لهما بصحيح علي بن جعفر عن أخيه (ع) الوارد في مواقيت الاحرام: (وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة) (* 2)، وصحيح معاوية بن عمار: (أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة. فقال (ع): لا بأس) (* 3)، وصحيح الحلبي: (سألت أبا عبد الله (ع): من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال (ع): من الجحفة. ولا يجاوز الجحفة إلا محرما) (* 4) ولاجلها تحمل نصوص تعيين مسجد الشجرة على الافضل. وأما خبر عبد الحميد المتقدم، فمن المحتمل أن يكون المراد من قوله (ع): (من دخل المدينة...) الحصر بالاضافة إلى ذات عرق، وإلا فمفروض السؤال فيه خوف البرد، وهو من الضرورة. وكذلك خبر أبي بصير، إذ يحتمل أن يكون المراد منه الاعابة بلحاظ ترك الافضل، واعتذاره (ع): بأنه عليل عن ذلك أيضا. وعلو مقامه الشريف عند أهل المدينة يقتضي ذلك، وهو الذي يناسب جدا مع قوله (ع): (الجحفة أحد الوقتين). نعم خبر الحضرمي ظاهر في حصر الرخصة في المريض والضعيف،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب المواقيت حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 6 من ابواب المواقيت حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 6 من أبواب المواقيت حديث: 3.

 

===============

 

( 255 )

 

[ خصها بعضهم بخصوص المرض والضعف (1)، لوجودهما في الاخبار (2)، فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات. والظاهره إرادة المثال (3) فالاقوى جوازه مع مطلق الضرورة. (مسألة 2): يجوز لاهل المدينة ومن أتاها العدول إلى ميقات آخر كالجحفة أو العقيق، فعدم جواز التأخير إلى الجحفة إنما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة (4). بل ] فيدل على نفي الرخصة لغيرهما. وعليه لا بد من التصرف في غيره. وحينئذ فلا يبعد أن يحمل صحيح ابن جعفر (ع) على كون الجحفة ميقاتا اضطراريا، وصحيح معاوية على كون الرجل - الذي أحرم من الجحفة - من متوطني المدينة. ويكون وجه السؤال: توهم أن سكان المدينة لا بد أن يحرموا من ذي الحليفة. وأما صحيح الحلبي فمورده من جاوز الشجرة وليس فيه تعرض للمنع من مجاوزتها بدون إحرام. والاقوى - إذا - ما هو المشهور. (1) ذلك ظاهر الجواهر، فانه فسر الضرورة - المذكورة في الشرائع - بقوله: (التي هي المرض، والضعف). (2) يشير به إلى خبر أبي بكر الحضرمي، فقد اشتمل عليهما. وإلى خبر أبي بصير، فقد ذكر فيه العلة، وهي المرض. (3) كما هو ظاهر الاصحاب، حيث أطلقوا ولم يخصوا الحكم بهما. (4) كما صرح به في المدارك، وتبعه في المستند، وحكاه عن الدروس أيضا. وقال في الجواهر: (ثم لا يخفى عليك أن الاختصاص بالضرورة مع المرور على الميقات الاول، فلو عدل عن طريقه - ولو من المدينة

 

===============

 

( 256 )

 

[ الظاهر أنه لو أتى إلى ذي الحليفة ثم أراد الرجوع منه والمشي من طريق آخر جاز. بل يجوز أن يعدل عنه من غير رجوع (1) من الذي لا يجوز هو التجاوز عن المياقت محلا، وإذا عدل إلى طريق آخر لا يكون مجاوزا وإن كان ذلك وهو في ذي الحليفة. وما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد، من المنع عن العدول إذا أتى المدينة - مع ضعفه (2) - منزل على الكراهة. (مسألة 3): الحائض تحرم خارج المسجد على المختار (3). ويدل عليه - مضافا إلى ما مر - مرسلة يونس في كيفية إحرامها: " ولا تدخل المسجد، وتهل بالحج ] ابتداء _ جاز وأحرم منها اختيارا، لانها أحد الوقتين). (1) لم أقف على من نص على ذلك فيما يحضرني، لكن يستفاد من كلامهم جواز ذلك، فانهم ذكروا: أن المستفاد من الادلة حرمة العبور عن الميقات بلا إحرام، حتى أفتى في المدارك والجواهر: بأن من تجاوز مسجد الشجرة إلى الجحفة أحرم من الجحفة وإن أثم بذلك. فإذا وصل إلى مسجد الشجرة ولم يتجاوزه، وتنكب الطريق إلى أن وصل إلى طريق ينتهى به إلى الجحفة، فلم يحصل منه التجاوز عن الميقات بلا إحرام، كان حكمه الاحرام من الجحفة من دون لزوم إثم عليه. (2) طعن في المدارك في سنده: بأن ابراهيم بن عبد الحميد واقفي، وأن في رجاله جعفر بن محمد بن حكيم، وهو مجهول، لكن الاول غير قادح مع الوثاقة. (3) ويجوز لها الاحرام منه في حال الاجتياز.

 

===============

 

( 257 )

 

[ بغير صلاة " (1). وأما على القول بالاختصاص بالمسجد، فمع عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر (2) تدخل المسجد وتحرم في حال الاجتياز إن أمكن، وإن لم يمكن - لزحم أو غيره - أحرمت خارج المسجد، وجددت في الجحفة أو محاذاتها (3). ] (1) رواها في الكافي عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب، قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الحائض تريد الاحرام. قال (ع): تغتسل، وتستثفر، وتحتشي بالكرسف وتلبس ثوبا دون ثياب إحرامها، وتستقبل القبلة، ولا تدخل المسجد، وتهل بالحج بغير صلاة) (* 1). والرواية - كما ترى - مسندة لا مرسلة، ولا يظهر منها ورودها فيما نحن فيه، بل لعل ظاهر قوله (ع): (وتهل بالحج..) أنها واردة في إحرام الحج لا إحرام العمرة. (2) وكذا مع إمكان صبرها، لجواز الاجتياز للحائض. (3) قال في المستند: (فرع: وإذ عرفت تعين الاحرام من مسجد الشجرة، فلو كان المحرم جنبا أو حائضا أحرما منه مجتازين، لحرمة اللبث. فان تعذر بدونه، فهل يحرمان من خارجه - كما صرح به الشهيد الثاني والمدارك والذخيرة - لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكة محرما أم يؤخرانه إلى الجحفة لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟ الاحوط الاحرام منهما. وإن كان الاظهر الثاني، لما ذكر. ولعدم الدليل على توقيت الخارج لمثلهما. ومنع وجوب قطع المسافة محرما عليه. وتمثيل الضرورة في الاخبار بالمرض والضعف لا يوجب التخصيص بعد اتحاد العلة قطعا. ولعدم القول بالفصل ظاهرا).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 48 من ابواب الاحرام حديث: 2.

 

===============

 

( 258 )

 

[ (مسألة 4): إذا كان جنبا ولم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم خارج المسجد (1). والاحوط أن يتيمم للدخول والاحرام. ويتعين ذلك على القول بتعيين المسجد (2). وكذا الحائض إذا لم يكن لها ماء بعد نقائها (3). الثاني: العقيق (4)، ] أقول: الحاق الحيض بالضرورة غير ظاهر - حتى بناء على عدم الاقتصار على المرض والضعف - لان التعدي منهما إنما يكون إلى ما يمنع من استمرار الاحرام من الميقات السابق إلى اللاحق، والحيض ليس كذلك بل هو مانع من مجرد الانشاء، فلا يتعدى إليه. نعم الاشكال في بدلية الخارج - لعدم الدليل عليها - في محله. ومثله وجوب قطع المسافة. وحينئذ لا مانع من ترك الاحرام، ويكون إحرامه من الجحفة، أو ما يحاذيها إذا كان بعيدا عنها. (1) وجاز له الاحرام من المسجد مجتازا. (2) لعموم بدلية التراب عن الماء. فيقصد بالتيمم البدلية عن غسل الجنابة للكون في المسجد، أو عن غسل الاحرام. وهذا التعين يختص بصورة عدم إمكان الاحرام مجتازا، وإلا فلا موجب له. (3) لا مكان التيمم بدلا عن الغسل. أما قبل نقائها فلا يشرع التيمم لانه لا يقتضي الاباحة، فضلا عن رفع الحدث، وبذلك افترقت الحائض عن الجنب. ولذلك تعرض لهما المصنف في مسألتين، بخلاف غيره فذكرا في كلامه في مسألة واحدة. (4) إجماعا محققا، حكاه جماعة كثيرة من الاصحاب. وفى كشف اللثام: (وهو - في اللغة -: كل واد عقه السيل - أي شقه - فأنهره

 

===============

 

( 259 )

 

[ وهو ميقات أهل نجد، والعراق (1)، ] ووسعه، وسمى به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدها: الميقات. وهو واد يتدفق سيله في غوري تهامة، كما في تهذيب اللغة). (1) قد ذكر الاول في صحيح الحلبي المتقدم (* 1)، وفى صحيح أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (ع): (ووقت لاهل نجد: العقيق وما أنجدت) (* 2). وفى صحيح علي بن رياب: (ولاهل نجد: العقيق) (* 3). وفى صحيح رفاعة: (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله العقيق لاهل نجد. وقال: هو وقت لما أنجدت الارض، وأنتم منهم) (* 4). وذكر الثاني في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله صلى الله عليه وآله: (من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله لا تتجاوزها إلا وأنت محرم. فانه وقت لاهل العراق - ولم يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل أهل العراق...) (* 5). وفى صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع): (أما أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق...) (* 6) وفى صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع): (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لاهل المشرق العقيق، نحوا من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة...) (* 7) وفى خبر علي بن جعفر: (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لاهل العراق من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب المواقيت حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 7. (* 4) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 10. (* 5) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 2. (* 6) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 5. (* 7) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 6.

 

===============

 

( 260 )

 

[ ومن يمر عليه من غيرهم (1). وأوله: المسلخ، وأوسطه: غمرة، وآخره: ذات عرق (2). والمشهور جواز الاحرام ] العقيق...) (* 1). ونحوها غيرها. (1) كما يستفاد من صحيح عمر بن يزيد، وعلي بن جعفر، وصحيح رفاعة، وصحيح الخزاز، وغيرها. وسيأتي التعرض لذلك في المسألة الخامسة. (2) قد اشتهر ذلك في كلماتهم. وفى الحدائق: (صرح الاصحاب (رض) بأن العقيق - المتقدم في الاخبار - أوله: المسلخ، ووسطه: غمرة، وآخره ذاق عرق، وأن الافضل الاحرام من أوله، ثم وسطه). ويشهد له خبر أبي بصير، قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: حد العقيق: أوله المسلخ، وآخره ذات عرق) (* 2). ومرسل الصدوق في الفقيه: (قال الصادق (ع): وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لاهل العراق العقيق. وأوله: المسلخ، ووسطه: غمرة، وآخره: ذات عرق. وأوله أفضله) (* 3) وخبر إسحاق بن عمار - المتقدم في مبحث جواز خروج المتمتع من مكة - قال (ع) فيه: (كان أبي مجاورا ههنا، فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج) (* 4). نعم في خبر أبي بصير الاخر عن أحدهما (ع) قال: (حد العقيق: ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة) (* 5) وظاهره خروج غمرة، فضلا عن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب المواقيت حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 2 من أبواب المواقيت حديث: 9. (* 4) الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 8. (* 5) الوسائل باب: 2 من ابواب المواقيت حديث: 5.

 

===============

 

( 261 )

 

ذات عرق. وأظهر منه صحيح عمر بن يزيد السابق (* 1). وفى صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: (أول العقيق: بريد البعث وهو دون المسلخ بستة أميال، مما يلي العراق. وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا، بريدان) (* 2) وفى مصححه الآخر عنه (ع) قال: (آخر العقيق: بريد أوطاس. وقال: بريد البعث دون غمرة ببريدين) (* 3) وظاهر الاول: أن آخر العقيق إلى غمرة، إذ لو كان زائدا على غمرة لذكر. وثانيهما قد يظهر منه أن ذات عرق ليست آخره، وإلا لكانت أولى بالذكر في مقام البيان، لانها أشهر وأعرف. كما أن مقتضى المصحح الاول: أن أوله قبل المسلخ بستة أميال، وهو يقتضي ظهور الثاني في ذلك أيضا، فيكونان مخالفين لما سبق في أول العقيق وآخره. لكن مخالفتهما لما سبق في أوله خلاف الاجماع المحقق - على الظاهر - المصرح به في كلامهم، فلا مجال للعمل بهما. وأما مخالفتهما لما سبق في آخره - وكذا مخالفة ما هو أظهر منهما في ذلك، وهو خبر أبي بصير، وصحيح عمر بن يزيد - فهي وإن لم تكن خلاف الاجماع، فقد حكي القول بمضمونها عن علي بن بابويه وعن ولده في المقنع، والشيخ في النهاية وعن الدروس متابعتهم، وظاهر المدارك الميل إليها. إلا أنها مهجورة عند الاصحاب، فانها - مع ما هي عليه من صحة السند، وقوة الدلالة في أكثرها، ومخالفة العامة - لم يلتفتوا إليها ولم يعولوا عليها، بل أعرضوا عنها وأهملوها، وذلك موجب لسقوطها عن الحجية.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب المواقيت حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 2 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

===============

 

( 262 )

 

فان قلت: لعل وجه الاعراض عنها بناؤهم على الجمع بينها وبين الطائفة الاولى، بالحمل على الافضل. قلت: هو بعيد عن لسان تلك النصوص - ولاسيما مصحح عمر بن يزيد - فلا مجال لاحتمال ذلك منهم. ولاجل ذلك يشكل حمل نصوص المشهور على صورة التقية، بشهادة ما رواه في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، في جملة من كتبه إلى صاحب الزمان (عليه وعلى آبائه الكرام أفضل الصلاة والسلام): (أنه كتب إليه يسأله: عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء، ويكون متصلا بهم، يحج ويأخذ عن الجادة، ولا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة، أم لا يجوز أن يحرم إلا من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب: يحرم من ميقاته، ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره) (* 1). فان التوقيع الشريف المذكور إن دل على خلاف المشهور فهو أيضا مطروح. على أن ظاهره تعين الاحرام من المسلح، فلا بد أن يحمل على الفضل، ويكون المراد من قول السائل فيه (يجوز... أم لا يجوز) من جهة ترك الافضل. بل من المحتمل أن ذلك مراد علي بن بابويه، فان الذي استظهر في الحدائق: أنه أفتى بمضمون الرضوي المحكي عنه: أنه (ع) قال فيه - بعد أن ذكر أن العقيق أوله المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وأن أوله أفضل، ثم ذكر المواقيت الاخرى - (* 2): (ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلل أو تقية، فإذا كان الرجل عليلا أو اتقى فلا بأس

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب المواقيت حديث: 10. (* 2) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 2.

 

===============

 

( 263 )

 

أن يؤخر الاحرام إلى ذات عرق) (* 1). ومن المعلوم أن ما ذكره أخيرا ينافي ما ذكر أولا، فمن المحتمل أن يحمل الاخير على إرادة ترك الافضل. وكذلك الصدوق في الفقيه، مع أنه لم يذكر في المخالفين للمشهور. فانه - بعد أن روى عن الصادق (ع) ما تقدم - ألحقه بقوله: (ولا يجوز الاحرام قبل بلوغ الميقات، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلة أو تقية. وإذا كان الرجل عليلا أو اتقى فلا بأس أن يؤخر الاحرام إلى ذات عرق). فان هذا المضمون عين مضمون الرضوي، والكلام فيه قد سبق. وقال في المقنع: (ولاهل العراق العقيق. وأول العقيق: المسلخ ووسطه: غمرة، وآخره: ذات عرق. ولا تؤخر الاحرام إلى ذات عرق إلا من علة. وأوله أفضله). وقال الشيخ في النهاية: (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لكل قوم ميقاتا على حسب طرقهم، فوقت لاهل العراق - ومن حج على طريقهم - العقيق. وله ثلاثة أوقات: أولها المسلخ - وهو أفضلها، ولا ينبغي أن يؤخر الانسان الاحرام منه إلا عند الضرورة - وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق. ولا يجعل إحرامه من ذات عرق إلا عند الضرورة والتقية، لا يتجاوز ذات عرق إلا محرما على حال). فهذه كلمات الجماعة الذين نسب إليهم الخلاف، ولا يبعد حمل الجميع على الافضل. وأما الشهيد في الدروس فقال: (ولاهل العراق العقيق. وأفضله المسلخ، وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق. وظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية: أن التأخير إلى ذات عرق للتقية أو المرض، وما بين هذه الثلاثة من العقيق، فيسوغ الاحرام منه). فان آخر كلامه صريح في تجاوز العقيق عن غمرة إلى ذات عرق. وبالجملة: ما تضمن من النصوص

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

===============

 

( 264 )

 

[ من جميع مواضعه اختيارا، وأنم الافضل الاحرام من المسلخ ثم من غمرة. والاحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلا لمرض أو تقية، فانه ميقات العامة. لكن الاقوى ما هو المشهور. ويجوز - في حال التقية - الاحرام من أوله - قبل ذات عرق - سرا (1)، من غير نزع ما عليه من الثياب إلى ذات عرق، ثم إظهاره ولبس ثوبي الاحرام هناك (2). بل هو الاحوط. وإن أمكن تجرده وليس الثوبين سرا، ثم نزعهما ولبس ثيابه إلى ذات عرق، ثم التجرد وليس الثوبين فهو أولى (3). ] خروج ذات عرق عن العقيق كاد أن يكون مخالفا للاتفاق ظاهرا، فلا مجال للاخذ به. فالاقوى ما عليه المشهور. (1) كما تقدم ذلك في خبر الاحتجاج (* 1). (2) بناء على عدم كون لبسهما شرطا في انعقاد الاحرام، كما سيأتي. (3) بل لازم في تحصيل الاحتياط، لوجوب لبسهما حال انشاء الاحرام، كما سيأتي. ثم إنه إذا نزعهما ولبس ثيابه فمقتضى القاعدة وجوب الفداء للبس المخيط. لكن سكوت خبر الاحتجاج عن التعرض لذلك قد يظهر منه عدم وجوب الفداء لذلك. إلا أن يقال: إن الظاهر من الثياب فيه ثياب الاحرام، بقرينة العطف ب‍ (ثم) وعدم الامر بالنزع حين الاظهار، وليس المراد منها المخيط، فكان لبس ثياب الاحرام حين وقوعه منه بعنوان الاستعداد للاحرام لا بعنوان الاحرا، وإظهاره بعد ذلك بالجهر بالتلبية لا تبديل اللباس. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب المواقيت حديث: 10. وقد تقدم ذلك قريبا. فلاحظ.

 

===============

 

( 265 )

 

[ الثالث: الجحفة (1)، وهي لاهل الشام، ومصر، والمغرب (2)، ] (1) قال في كشف اللثام: (بجيم مضمومة، فحاء مهملة، ففاء: على سبع مراحل من المدينة، وثلاث من مكة. كذا في تحرير النووي وتهذيبه. وفى تهذيبه: بينها وبين البحر ستة أميال. وقيل: بينها وبين البحر ميلان. ولا تناقض، لاختلاف البحر باختلاف الازمنة. وفى القاموس: كانت قرية جامعة على اثنين وثلاثين ميلا من مكة. وفى المصباح المنير: منزل بين مكة والمدينة، قريب من رابغ، بين بدر وخليص). (2) بلا خلاف ولا إشكال. ففي صحيح الخزاز: (ووقت لاهل المغرب الجحفة وهي عندنا مكتوبة، مهيعة) (* 1). وفى صحيح معاوية ابن عمار: (ووقت لاهل المغرب الجحفة، وهي مهيعة) (* 2). وفى صحيح الحلبي: (ووقت لاهل الشام الجحفة) (* 3). وفى صحيح علي ابن جعفر (ع): (وأهل الشام ومصر من الجحفة) (* 4). وفى صحيح ابن رياب: (ووقت لاهل الشام الجحفة) (* 5). وفى صحيح رفاعة ابن موسى: (ووقت لاهل الشام المهيعة، وهي الجحفة) (* 6). ونحوها غيرها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 5. (* 5) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 7. (* 6) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 10.

 

===============

 

( 266 )

 

[ ومن يمر عليها من غيرهم، إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها (1). الرابع: يلملم (2)، ] (1) إجماعا محققا، حكاه جماعة. ويشهد به صحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: (كتبت إليه إن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق، وليس يحرمون ببطن العقيق، وليس بذلك الموضع ماء ولا منزل، وعليهم في ذلك مؤنة شديدة، ويعجلهم أصحابهم، وجمالهم من وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء، وهو منزلهم الذي ينزلون فيه، فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم وخفته عليهم؟ فكتب: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت المواقيت لاهلها، ومن أتى عليها من غير أهلها، وفيها رخصة لمن كانت به علة، فلا تجاوز الميقات إلا من علة) (* 1). وقد يستدل له: بأدلة نفي العسر والحرج (* 2). وبالنبوي: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) (* 3). لكن في اقتضاء نفي العسر الصحة إشكال. (2) هو جبل، كما في القواعد والمسالك وعن غيرهما. وعن إصلاح المنطق: أنه واد، وكذا عن شرح الارشاد للفخر. ويقال له: الملم، بل قيل: إنه الاصل، فخففت الهمزة. وقد يقال له: يرمرم. قيل: وهو على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا. وفى كتاب البلدان لليعقوبي:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 2) دل على ذلك الايات والاخبار، أما الآيات فهي على سبيل الاشارة كالآتي: البقرة: 185، المائدة: 6، الحج: 78 وأما الاخبار فهي: الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 11، باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5. (* 3) مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

===============

 

( 267 )

 

[ وهو لاهل اليمن (1). الخامس: قرن المنازل (2)، وهو لاهل الطائف (3). ] (من مكة إلى صنعاء إحدى وعشرون مرحلة، فأولها الملكان، ثم يلملم - ومنها يحرم حاج اليمن - ثم الليث، ثم عليب...). (1) بلا خلاف. وقد صرح بذلك في النصوص المتقدمة. (2) بفتح القاف، وسكون الراء. قرية عند الطائف، أو اسم الوادي كله. كما في القاموس. قال: (وغلط الجوهري في تحريكه، وفى نسبة أويس القرني إليه. لانه منسوب إلى قرن، بن دومان، بن ناجية، بن مراد...). وفى كشف اللثام: اتفق العلماء على تغليطه فيهما...). لكن في المستند: أنه لم يصرح بالتحريك ولا بالنسبة، وإنما قال: والقرن: حي من اليمن، ومنه أويس القرني. لكن في شرح القاموس: نص عبارة الصحاح: (والقرن موضع، وهو ميقات أهل نجد. ومنه أويس القرني...). وفى مجمع البلدان: عن الصحاح أنه قال: (قرن - بالتحريك - ميقات...). ولعل نسخ الصحاح مختلفة. نعم في مجمع البحرين قال: (والقرن موضع، وهو ميقات أهل نجد. ومنه أويس القرني، ويسمى أيضا: قرن المنازل، وقرن الثعالب). وهو عجيب بعد حكاية اتفاق العلماء على تغليط الجوهري. هذا وفى كشف اللثام: إنه يقال له: قرن الثعالب، وقرن بلا إضافة. وهو جبل مشرف على عرفات، على مرحلتين من مكة. وقيل: قرن الثعالب غيره، وأنه جبل مشرف على أسفل منى. بينها وبين مسجده ألف وخمسمائة ذراع. (3) بلا خلاف ولا إشكال. وقد صرحت بذلك النصوص،

 

===============

 

( 268 )

 

[ السادس: مكة، وهي لحج التمتع (1). ] كصحيح الخزاز، (* 1) وصحيح معاوية بن عمار (* 2)، وصحيح الحلبي (* 3) وغيرها. وفى صحيح عمر بن يزيد: (ووقت لاهل المدينة: ذا الحليفة ولاهل نجد: قرن المنازل) (* 4). وفى صحيح على بن رياب (ووقت لاهل اليمن: قرن) (* 5). ولا بد من توجيه الاول. بحمله على أن لنجد طريقين، أحدهما يمر بالعقيق - كما يستفاد من النصوص - والآخر يمر بقرن المنازل. ولعل ذلك هو الوجه في الصحيح الثاني. ويحتمل حمل الاول على التقية، لوجود ذلك في روايات المخالفين. وعلى كل لا معدل عن العمل بالنصوص السابقة. (1) قال في المدارك: (قد أجمع العلماء كافة على أن ميقات حج التمتع مكة). وفى المستند: (بلا خلاف كما قيل، بل باجماع العلماء، كما في المدارك، والمفاتيح، وشرحه، وغيرها). وفى الجواهر: (بلا خلاف أجده نصا وفتوى، بل في كشف اللثام: الاجماع عليه). واستدل له في المدارك وغيرها: بصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي (قلت لابي عبد الله عليه السلام: من أين أهل بالحج؟ فقال (ع): إن شئت من رحلك، وإن شئت من الكعبة)، وإن شئت من الطريق) (* 6)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 1 من ابواب المواقيت حديث: 6. (* 5) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 7. (* 6) الوسائل باب: 21 من أبواب المواقيت حديث: 2.

 

===============

 

( 269 )

 

[ السابع: دويرة الاهل - أي: المنزل - وهي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكة (1) ] وقد تقدم - في مبحث خروج المتمتع من مكة - بعض النصوص الدالة عليه. كما تقدم ما قد يشهد بخلاف. فراجع. لكن لا مجال للتأمل في الحكم بعد كونه من القطعيات الفقهية. وقد تقدم التعرض لذلك في فصل صورة حج التمتع. (1) بلا خلاف فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل عن المنتهى. أنه قول أهل العلم كافة إلا مجاهدا. كذا في الجواهر. ويشهد له النصوص الكثيرة، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله: (من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله) (* 1). قال في محكي التهذيب - بعد ما روى ذلك -: (وقال في حديث آخر: إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله) (* 2). وصحيح عبد الله بن مسكان قال: حدثني أبو سعيد، قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة. قال (ع): يحرم منه) (* 3) وصحيح مسمع عن أبي عبد الله (ع): (إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله) (* 4). ونحوها غيرها. قال في المدارك: (ويستفاد من هذه الروايات، أن المعتبر القرب إلى مكة. واعتبر المصنف في المعتبر القرب إلى عرفات. والاخبار تدفعه).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 17 من أبواب المواقيت حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 17 من ابواب المواقيت حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 17 من أبواب المواقيت حديث: 3.

 

===============

 

( 270 )

 

[ بل لاهل مكة - أيضا - على المشهور الاقوى (1) - وان استشكل فيه بعضهم - فانهم يحرمون لحج القرآن والافراد ] وهو كما ذكر. ولذلك قال في المسالك: (لولا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة، وفى الحج بعرفة، إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت). لكن لعل في القرب إلى مكة خصوصية في صحة إنشاء الاحرام. نعم العمدة في الاشكال: أن المراد من القرب إلى مكة: أنه دون الميقات إلى جهة مكة، وهذا يلازم كونه أقرب إلى عرفات من الميقات فلا تفاوت بين العبارتين عملا ولا خارجا، وإن كان بينهما تفاوت مفهوما. (1) كما عن الرياض. وفى المستند: (بل حكيا عن بعض نفي الخلاف فيه). والنصوص المتقدمة لا تشمله، لاختصاصها بمن كان منزله بين مكة والميقات. نعم استدل عليه بالمرسل في الفقيه: (عن رجل منزله خلف الجحفة، من أين يحرم؟ قال (ع): من منزله) (* 1) وبالنبوي: (ومن كان دونهن فمهله من أهل) (* 2). بل النصوص المذكورة وإن كان موردها غير أهل مكة، لكن بمناسبة الحكم والموضوع يفهم منها: أن المراد من كان دون الميقات فمنزله ميقاته. ولعل من ذلك - ومن المرسل - يحصل الاطمئنان بالحكم. ولا سيما بملاحظة شهرته عند الاصحاب شهرة كادت تكون إجماعا. لكن في صحيح أبي الفضل سالم الحناط: (كنت مجاورا بمكة، فسألت أبا عبد الله (ع) من أين أحرم بالحج؟ فقال (ع): من حيث أحرم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب المواقيت حديث: 6. (* 2) سنن البيهقي الجزء: 5 الصفحة: 29 باب: من كان أهله دون الميقات.

 

===============

 

( 271 )

 

[ من مكة. بل وكذا المجاور الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكة (1). وإن كان الاحوط إحرامه من الجعرانة - وهي أحد مواضع أدنى الحل - للصحيحين الواردين فيه (2)، المقتضي إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم ينتقل. وإن كان القدر المتيقن الثاني، فلا يشمل ما نحن فيه (3). لكن الاحوط ما ذكرنا، عملا باطلاقهما. والظاهر أن الاحرام من المنزل ] رسول الله صلى الله عليه وآله، من الجعرانة. أتاه في ذلك المكان فتوح: فتح الطائف، وفتح خيبر والفتح...) (* 1). وفى صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: (قلت لابي عبد الله (ع): إني أريد الجوار، فكيف أصنع؟ فقال (ع): إذا رأيت الهلال - هلال ذي الحجة - فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها. بالحج) (* 2). وخصها في الحدائق بموردها، وهو المجاور، فلا تشمل المتوطن (1) فانه يحرم للحج من مكة كأهلها. ودليله ما عرفت من التقريب بناء على عموم المنزل لمنزل المجاور وإن لم يكن متوطنا. وما دل على أن أهل مكة يحرومون من مكة، قد عرفت عدم وضوحه، فلا يشمل المقام. (2) وهما صحيحا سالم الحناط، وعبد الرحمن بن الحجاج، المتقدمان. (3) لكن لا يجوز الاقتصار على القدر المتيقن في الاطلاقات، وإلا لم يبق إطلاق بحاله، فالبناء على خروجهما معا متعين. مضافا إلى أن ذيل الصحيح الثاني ظاهر فيما بعد السنتين. فراجعه فانه طويل جدا. ويظهر منه أن مورده القاطن الذي تبدل فرضه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

 

===============

 

( 272 )

 

[ للمذكورين من باب الرخصة (1)، وإلا فيجوز لهم الاحرام من أحد المواقيت بل لعله أفضل، لبعد المسافة، وطول زمان الاحرام. الثامن: فخ (2)، وهو ميقات الصبيان، في غير حج التمتع عند جماعة (3)، بمعنى: جواز تأخير إحرامهم إلى هذا المكان، لا أنه يتعين ذلك. ولكن الاحوط ما عن آخرين ] (1) كما احتمله في الجواهر. قال في كشف اللثام: (وفى الكافي والغنية والاصباح: أن الافضل لمن منزله أقرب: الاحرام من الميقات. ووجهه ظاهر، لبعد المسافة، وطول الزمن). لكنه ظاهر الاشكال، فان ظاهر الامر الالزام والتعيين. نعم إذا ذهب إلى ميقات من المواقيت صدق أنه مر عليه، فيجوز له الاحرام منه، كما تقدم نظيره في أهل الآفاق إذا مروا على غير ميقاتهم. وحينئذ إذا كان المراد من الرخصة هذا المعنى ففي محله، وإلا فغير ظاهر. (2) في كشف اللثام: (بفتح الفاء، وتشديد الخاء المعجمة: بئر معروف، على نحو فرسخ من مكة، كذا قيل. وفى القاموس: موضع بمكة دفن فيه ابن عمر. وفى النهاية الاثيرية: موضع عند مكة. وقيل: واد دفن به عبد الله بن عمر. وفى السرائر: إنه موضع على رأس فرسخ من مكة، قتل فيه الحسين بن علي، بن الحسن، بن الحسن، بن علي أمير المؤمنين (ع)... (3) حكي ذلك عن المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة. وفى الجواهر: (ربما نسب إلى الاكثر، بل في الرياض: يظهر من آخر عدم الخلاف فيه). والاصل في الحكم المذكور صحيح أيوب بن الحر قال: سئل أبو عبد الله (ع)

 

===============

 

( 273 )

 

من أين تجرد الصبيان؟ قال (ع): كان أبي يجردهم من فخ) (* 1). ونحوه صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) (* 2). وقد وقع الكلام بين الجماعة في أن المراد من التجريد: الاحرام - كما عن المشهور - أو نزع الثياب بعد الاحرام من الميقات - كما عن السرائر، والمقداد، والكركي - مقتضى الجمود على عبارة الصحيحين هو الثاني. وقد يستدل عليه بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة، أو إلى بطن مر، ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم) (* 3)، وخبر يونس بن يعقوب عن أبيه: (قلت لابي عبد الله (ع): إن معي صبية صغارا، وأنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال (ع) إئت بهم العرج فليحرموا منها، فانك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة. ثم قال: فان خفت عليهم فأت بهم الجحفة) (* 4) وفيه: أن الصحيح والخبر ظاهران في إحرامهم مع التجريد من الجحفة أو بطن مر أو العرج، فيكونان متعارضين. وحينئذ يتعين الجمع بالتخيير. وأما الجمود على عبارة الصحيحين الاولين فهو خلاف المتفاهم العرفي منها. ولاسيما مع عدم الاشارة إلى التجريد نفسه في النصوص الاخيرة. ولاجل ذلك يضعف ما توهم من الجمع بين النصوص، بحمل الاولين على محض التجريد، وحمل الاخيرين على الاحرام من الميقات. فان ظاهر الاخيرين التجريد من الميقات، وحملها على محض الاحرام بلا تجريد خلاف الظاهر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 18 من أبواب المواقيت حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 17 من أبواب المواقيت حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 17 من ابواب المواقيت حديث: 7.

 

===============

 

( 274 )

 

[ من وجوب كون إحرامهم من الميقات، لكن لا يجردون إلا في فخ. ثم إن جواز التأخير - على القول الاول - إنما هو إذا مروا على طريق المدينة، وأما إذا سلكوا طريقا لا يصل إلى فخ فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين (1). التاسع: محاذاة أحد المواقيت الخمسة (2)، وهي ميقات من لم يمر على أحدهما. والدليل عليه صحيحتا ابن سنان (3). ] (1) كما نص على ذلك في القواعد، وحكاه في كشف اللثام عن السرائر. ثم قال: (ووجهه ظاهر. وذلك، لاختصاص الدليل به، فيرجع في غيره إلى الادلة العامة المقتضية للاحرام من الميقات). (2) كما هو مشهور بين الاصحاب. وعن بعض: نسبته إلى الشهرة العظيمة، بل لا يظهر مخالف صريح في ذلك. وإن كان قد يظهر من المحقق في الشرائع وجود المخالف، وتوقفه في الحكم المذكور، فانه قال: (ولو حج على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت، قيل: يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة). لكن من المحتمل أن يكون للتوقف في اعتبار الظن. أو للتوقف في اعتبار القرب إلى مكة، وإلا فالمخالف في إصل الحكم غير ظاهر. نعم استشكل فيه في المدارك والذخيرة والحدائق وغيرها، تبعا لما في مجمع البرهان. (3) يريد بهما ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): (قال: من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال

 

===============

 

( 275 )

 

[ ولا يضر اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة (1)، ] فيكون حذاء الشجرة من البيداء) (* 1)، وما رواه الصدوق في الفقيه باسناده عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع): (قال (ع): من أقام بالمدينة وهو يريد الحج - شهرا أو نحوه - ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها) (* 2). وعدهما صحيحين بلحاظ اختلاف المتن، وإلا فمن المقطوع به: أن الواقعة واحدة لا متعددة. ودلالة الصحيح - على تقدير كل من المتنين - لا مجال للمناقشة فيها. نعم يعارضها خبر ابراهيم بن عبد الحميد، المتقدم في مسألة حكم ذي الحليفة (* 3). وبمرسلة الكليني، فانه بعد ما روى صحيح ابن سنان قال: (وفى رواية يحرم من الشجرة، ثم يأخذ أي طريق شاء) (* 4) لكنهما لا يصلحان للمعارضة، لضعفهما، وهجرهما عند الاصحاب. (1) لا يخفى أن الرواية قد اشتملت على قيود متعددة في كلام الامام (ع) منها: الاقامة بالمدينة شهرا، ومنها: أنه كان يريد الحج في هذه الاقامة ومنها: أن يخرج في غير طريق المدينة، على رواية الكافي والفقيه (* 5). وفى رواية التهذيب عن الكافي: (في طريق أهل المدينة) (* 6). لكن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 8 من أبواب المواقيت حديث: 1. وقد تقدم ذلك في المسألة: 1 من الفصل. (* 4) الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 2. (* 5) لاحظ الكافي الجزء 4 الصفحة 321 طبع ايران الحديثة، الفقيه الجزء 2 الصفحة 200 طبع النجف الاشرف. (* 6) الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت ملحق حديث: 1. ولا يخفى عليك: أن بعض نسخ التهذيب موافق لما في الكافي والفقيه. لاحظ: التهذيب الجزء 5 الصفحة 57 طبع النجف الاشرف.

 

===============

 

( 276 )

 

[ بعد فهم المثالية منهما (1)، وعدم القول بالفصل (2). ومقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكة إذا كان في طريق يحاذي اثنين (3)، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكة (4). ] الظاهر أنه سقط من قلمه الشريف، أو من الناسخين. نعم يمكن أن يقال: إن القيد الاخير ذكر تمهيدا للحكم، لتحقيق موضوعه. (1) هذا بعيد في القيود المذكورة في شرط القضية الشرطية. نعم لو كانت مذكورة في كلام السائل أمكن دعوى ذلك. وإن كانت - أيضا - محتاجة إلى إثبات. لكن إذا كانت في كلام الحاكم كان مقتضى الشرطية الانتفاء عند الانتفاء. ولذلك احتمل في مجمع البرهان: الاقتصار - في العمل بالرواية - على من دخل المدينة وجاور فيها شهرا. وأشكل من ذلك: أنه لا مجال للالتزام بمضمون الصحيحين إلا في مورد خاص. وإلا فقد تقدم أنه لو خرج من المدينة إلى جهة الغرب كان ميقاته الجحفة، أو إلى الشرق كان ميقاته وادي العقيق، ولا يجب عليه الاحرام من مسيرة ستة أميال، ولا مما يحاذي مسجد الشجرة. نعم يدل في الجملة على مشروعية الاحرام مع المحاذاة. (2) ادعى ذلك جماعة، منهم صاحب المستند. والظاهر أنه كما ذكر فلا بأس بالاعتماد عليه. ولا سيما مع اعتضاده بما سبق في ميقات ذي الحليفة من جواز الاحرام خارج المسجد. فراجع. (3) فان مسجد الشجرة أبعد المواقيت عن مكة، وقد تضمن الصحيح وجوب الاحرام من محاذاته. (4) كما اختاره في القواعد. قال: (ولو لم يؤد الطريق إليه أحرم عند محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة)، وذكره في الشرائع قولا. وفى المدارك: أنه أجود. اقتصارا فيما خالف الاصل على موضع الوفاق. إنتهى.

 

===============

 

( 277 )

 

[ وتتحق المحاذاة بأن يصل - في طريقه إلى مكة - إلى موضع يكون بينه وبين مكة باب (1)، وهي بين ذلك الميقات ومكة بالخط المستقيم. وبوجه آخر: أن يكون الخط من موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق (2). ثم إن المدار ] ومرجعه إلى أصالة البراءة عن وجوب الاحرام من الابعد. وفيه: أنه لا مجال للاصل مع الدليل. وعن المبسوط: لزوم الاحرام من أقرب المواقيت إليه، وحكي عن المنتهى أيضا. وعن ابن ادريس: الاحرام مما يحاذي أحد المواقيت مطلقا. (1) كذا في النسخ المطبوعة كلها. ومن المؤسف أني راجعت النسخة التي بخط المصنف (ره) فلم أجد فصل المواقيت فيها. والمظنون وقوع التحريف في نسخة الاصل. ولعل أصل النسخة هكذا: (بينه وبين مكة كما بين ذلك...). وكيف كان فالوجه المذكور لا يصلح أن يكون ضابطا للمحاذاة، فان الشاخص - الذي يكون بينه وبين الميقات مسافة - لا يكون محاذيا له إلا إذا كان الخط المأخوذ منه إلى مكة أقصر من الخط المأخوذ من الميقات إلى مكة، وكلما يبعد عنه يكون خطه إلى مكة أقصر من خط الميقات إلى مكة. فإذا خرج عن نصف الدائرة لا يكون محاذيا له أصلا بل يكون مواجها له، سواء كان الخط منه إلى مكة أقصر من خط الميقات إلى مكة أم أطول. نعم يصح هذا الوجه فيما إذا كانا متصلين. (2) هذا الوجه لا يتحد مع ما سبقه عملا، ولا يلازمه خارجا، فان الطريق إذا كان يمر خلف الميقات بمسافة معينة ثم يبعد عنه - حينما يكون عن يمينه أو يساره - يكون أقصر الخط خلفه، ولا يكون الشاخص حينئذ محاذيا له بل يكون خلفه، ومن ذلك تعرف أن الضابط في المحاذاة: أن

 

===============

 

( 278 )

 

[ على صدق المحاذاة عرفا، فلا يكفي إذا كان بعيدا عنه (1). فيعتبر فيها المسامتة (2)، كما لا يخفى. واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن (3)، ] يكون الميقات عن يمين الشخص أو يساره، حينما يكون مواجها لمكة المكرمة (1) لا ينبغي الاشكال في اعتبار صدق المحاذاة عرفا، فان المحاذاة - كسائر المفاهيم العرفية - إذا وقعت في لسان الشارع - موضوعا أو حكما - فالمراد منها المفهوم العرفي لكن الظاهر أن القرب والبعد لا دخل لهما في ذلك، فكما تصدق المحاذاة مع القرب تصدق مع البعد. نعم لا دليل ظاهرا على الاكتفاء بالمحاذاة مطلقا، فان الدليل إنما ورد في مورد خاص، وهو المحاذاة للشجرة بمسيرة ستة أميال عن المدينة. والمحاذاة الحاصله من ذلك إنما تكون مع قرب المسافة بين الشخص والشجرة، فالتعدي إلى مطلق المحاذاة العرفية محتاج إلى دليل. ومما يعضد ما ذكرنا وجوب إحرام أهل العراق ونحوهم من وادي العقيق، مع محاذاتهم - على الظاهر - لمسجد الشجرة قبل وادي العقيق وليس ذلك الا لعدم الاعتناء بالمحاذاة إذا كانت على بعد. وكذا أهل المغرب والشام عن مجيئهم إلى الجحفة، فانهم يحاذون مسجد الشجرة قبل الجحفة. (2) بمعنى: أن يكون أحدهما في سمت الآخر وجهته، فلا يكفي في المحاذاة أن يكونا على خط واحد في جهتين. بل عرفت أن مقتضى الاقتصار على المتيقن أن يكونا متقاربين، ولا يكفي أن يكونا متسامتين وحينئذ يكون تفسير المحاذاة العرفية بالمسامتة تفسيرا بالاخفى، أو بالاعم. (3) لقاعدة الاشتغال، المقتضية لوجوب العلم بالفراغ.

 

===============

 

( 279 )

 

[ وإلا فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة (1). ومع عدمه أيضا فاللازم الذهاب إلى الميقات، أو الاحرام من أول موضع احتماله واستمرار النية والتلبية إلى آخر مواضعه. ولا يضر احتمال كون الاحرام قبل الميقات حينئذ (2) - مع أنه لا يجوز - ] (1) كما عن المبسوط، والجامع، والتحرير، والمنتهى، والتذكرة والدروس، بل ظاهر المحكي عنهم الاكتفاء به ولو مع إمكان العلم. واستدل لهم بالحرج. والاصل، كما في كشف اللثام والجواهر. وفى الاخير الاستدلال له أيضا بانسباق إرادة الظن في أمثال ذلك. والجميع كما ترى. لمنع لزوم الحرج. والاصل لا أصل له. والانسباق غير ظاهر. نعم مع عدم إمكان العلم بالمحاذاة يتعين في نظر العقل تحصيل العلم بالفراغ، إما بالذهاب إلى الميقات، أو بالاحتياط المذكور في المتن. (2) حكي في الجواهر هذا الاشكال عن بعض. قال: (وأشكل: بأنه كما يمتنع تأخير الاحرام عن الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه. وتجديد الاحرام في كل مكان يحتمل فيه المحاذاة مشكل، لانه تكليف شاق لا يمكن إيجابه بغير دليل. ويدفع: بأن ذلك لا ينافي كونه طريق احتياط عليه. بل قد لا ينافيه على الوجوب أيضا - بناء على أن النية هي الداعي - إذا لا مشقة في استمرارها في إمكان الاحتمال. فتأمل جيدا) وكأنه أشار بالامر بالتأمل إلى أن الاحرام لا ينعقد بمجرد النية، بل يحتاج إلى عقده بالتلبية، والاستمرار على ذلك مشقة. اللهم إلا أن يقال: إن نفي الحرج والمشقة في المقام يتوقف على عدم إمكان الذهاب إلى الميقات، أما مع إمكان ذلك فالمشقة ليست لازمة من التكليف، وإنما لزمت من اختيار المكلف، فلا مجال لادلة نفي الحرج.

 

===============

 

( 280 )

 

[ لانه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط ولا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة، أو أصالة عدم وجوب الاحرام، لانهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذيا، والمفروض لزوم كون إنشاء الاحرام من المحاذاة (1). ويجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الاحرام قبل الميقات، فيحرم في أول موضع الاحتمال أو قبله، على ما سيأتي، من جواز ذلك مع النذر. والاحوط في صورة الظن أيضا عدم الاكتفاء به وإعمال أحد هذه الامور، وإن كان الاقوى الاكتفاء (2). بل الاحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات (3). لكن الاقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقا. ثم إن أحرم في موضع الظن بالمحاذاة ولم يتبين الخلاف فلا إشكال (4). وان ] نعم إذا فرض تعذر الذهاب إلى الميقات والاحرام منه. فالعمل بالظن يتوقف على تمام مقدمات الانسداد في المورد بخصوصه، فإذا لم تتم جاز الاحرام في بعض محتملات المحاذاة. (1) وحينئذ يكون الشك في الفراغ. لا في الاشتغال، فيجب تحصيل العلم به في نظر العقل. (2) قد عرفت الاشكال فيه. (3) لما عرفت من الاشكال من جماعة في الحكم المذكور. بل الاشكال في صحيح ابن سنان من وجوه، عمدتها عدم إمكان الالتزام بالعمل به في مورده. (4) عملا بحجية الظن، بناء عليها.

 

===============

 

( 281 )

 

[ تبين بعد ذلك كونه قبل المحاذاة ولم يتجاوزه أعاد الاحرام (1) وان تبين كونه قبله وقد تجاوز، أو تبين كونه بعده. فان أمكن العود والتجديد تعين (2)، والا فيكفي في الصورة الثانية، ويجدد في الاولى في مكانه (3). والاولى التجديد مطلقا (4). ولا فرق - في جواز الاحرام في المحاذاة - بين البر والبحر (5). ] (1) كما في الجواهر، وعن الدروس والمسالك وغيرهما. لتبين البطلان لكونه قبل الميقات، بناء على التحقيق من عدم الاجزاء في موافقة الاحكام الظاهرية. (2) أما في الصورة الاولى فلبطلان الاحرام، لوقوعه قبل الميقات ولا دليل على الاجزاء في الاحكام الظاهرية. ومنه يظهر الاشكال على ما في الجواهر، من الاجزاء لو ظهر التقدم وقد تجاوز، لقاعدة الاجزاء. وأما في الصورة الثانية، فعن الدروس والمسالك: إطلاق عدم الاعادة لو ظهر التأخر. وسيأتي الكلام فيه في المسألة الثانية من الفصل الآتي. (3) لبطلان الاحرام فيها. (4) لاحتمال البطلان فيهما معا. بل لا يبعد إذا كان بحيث يمكنه الرجوع حال الاحرام وإن تعذر عليه حال الالتفات. (5) كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وظاهر الشراح عدم الخلاف فيه، إلا من ابن إدريس، فذكر أن ميقات أهل مصر ومن صعد البحر: جدة. والاشكال فيه من وجهين: أحدهما: أن من ركب البحر يحاذي الجحفة إذا كان واردا من المغرب

 

===============

 

( 282 )

 

لانها - كما قيل - قرب رابغ، تبعد عن البحر ستة أميال أو ميلين - على اختلاف - فيكون الراكب في السفن عند توجهه من رابغ إلى جدة محاذيا لها، فيجب إحرامه منها قبل جدة. وإذا كان واردا من جهة اليمن كان محاذيا ليلملم عند وصوله إلى الموضع الذي بين قمران وجدة، فيكون إحرامه هناك، كما عليه عمل الامامية - رفع الله تعالى شأنهم - في الازمنة الماضية، فانهم يحرمون في السفن البحرية عند وصولهم إلى ذلك الموضع. لكن عرفت الاشكال في ذلك، فان الواصل إلى ذلك المكان إذا توجه إلى مكة المكرمة تكون يلملم بينه وبين مكة، فيكون مواجها لها، لا أنها عن يمينه أو يساره، كما عرفت أنه معنى المحاذاة. ومثله الواصل إلى قرب رابغ في البحر، فان الجحفة لا تكون عن يساره إذا توجه إلى مكة. نعم الواصل إلى الموضع الاول في البحر تكون يلملم عن يمينه بلحاظ طريق السفر. وكذا الواصل إلى قرب رابغ تكون الجحفه عن يساره بلحاظ طريق السفر لكن لا اعتبار بذلك، كما عرفت. وثاني الاشكالين: أن جدة ليست من المواقيت، لا نصا ولا فتوى ومحاذاتها ليلملم مشكل من وجهين: أحدهما: ما عرفت من أنه لا دليل على اعتبار المحاذاة مع البعد. وثانيهما: أن الظاهر أن يلملم واقعة في جنوب مكة، وجدة واقعة في شرق مكة، فلا تكون محاذية لها. ومن ذلك يشكل البناء على محاذاتها للجحفة، لما بينهما من البعد الكثير. نعم مقتضى بعض الخارطات المصورة للحجاز: أن الواصل إلى قريب جدة في البحر يكون محاذيا للجحفة، لكن على بعد منها، فان قلنا بصحة المحاذاة على بعد لم يبعد وجوب الاحرام من ذلك الموضع المحاذي قبل جدة. لكن عرفت الاشكال فيه.

 

===============

 

( 283 )

 

[ ثم إن الظاهر أنه لا يتصور طريق لا يمر على ميقات، ولا يكون محاذيا لواحد منها (1)، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب (2)، فلا بد من محاذاة واحد منها. ولو فرض ] (1) قال العلامة في القواعد: (ولو لم يؤد الطريق إلى المحاذاة فالاقرب أن ينشئ الاحرام من أدنى الحل. ويحتمل مساواة أقرب المواقيت) قال في المدارك: (ولو سلك طريقا لم يؤد إلى محاذاة ميقات، قيل يحرم من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة... (إلى أن قال): واستقرب العلامة في القواعد، وولده في الشرح وجوب الاحرام من أدنى الحل. وهو حسن، لاصالة البراءة من وجوب الزائد. وقولهم: إن هذه المسافة لا يجوز قطعها إلا محرما، في موضع المنع، لان ذلك إنما ثبت مع المرور على الميقات، لا مطلقا). وقريب منه ما في الحدائق وغيرها. وظاهر الكلمات المفروغية عن صحة الفرض. لكن قال في المستند: (واختلفوا في حكم من سلك طريقا لا يحاذي شيئا منها. وهو خلاف لا فائدة فيه، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب). ونحوه ما في الجواهر. وفيه: أنه مبني على عموم حكم المحاذاة للبعيد، وقد عرفت إشكاله. وقد تقم من المصنف عدم الاجتزاء بالمحاذاة في البعيد، وهو مناف لما ذكره هنا، كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر صحة ما ذكره الجماعة من فرض عدم أداء الطريق إلى المحاذاة. (2) فان الجحفة ما بين الشمال والمغرب، ومسجد الشجرة في جهة الشمال، ووادي العقيق بين الشمال والمغرب، وقن المنازل في المشرق تقريبا ويلملم في جنوب مكة.

 

===============

 

( 284 )

 

[ امكان ذلك فاللازم الاحرام من أدنى الحل (1). وعن بعضهم أنه يحرم من موضع يكون بينه وبين مكة بقدر ما بينها وبين أقرب المواقيت إليها - وهو مرحلتان - لانه لا يجوز لاحد قطعه إلا محرما. وفيه: أنه لا دليل عليه. لكن الاحوط الاحرام منه، وتجديده في أدنى الحل. العاشر: أدنى الحل، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الافراد (2)، ] (1) لاطلاق ما دل على عدم جواز دخول الحرم بلا إحرام، والاصل البراءة عن وجوب الاحرام قبله. ولزوم الخروج عنه، فيمن مر بالميقات أو من حاذاه - لما دل على وجوب الاحرام من الميقات أو مما يحاذيه - لا يقتضي خروج غيره من الافراد، كما ذكر الجماعة، واحتمال دخل الميقات في صحة الاحرام، منفي بأصل البراءة من الشرطية، كما في سائر العبادات الشرعية (2) كما عن جماعة التصريح به. وفى كشف اللثام: (هو منصوص الخلاف والمبسوط والسرائر. وفى التذكرة: لا نعلم فيه خلافا. وفى المنتهى: لا خلاف في ذلك). واستدل له في الحدائق والمستند وغيرهما بما رواه ابن بابويه في الفقيه عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال: (من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما. قال: وان رسول الله صلى الله عليه وآله اعتمر ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة: عمرة أهل فيها من عسفان - وهي عمرة الحديبية - وعمرة القضاء، أحرم فيها من الجحفة، وعمرة أهل فيها من الجعرانة، وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين) (* 1)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من ابواب المواقيت حديث: 241.

 

===============

 

( 285 )

 

[ بل لكل عمرة مفردة (1). والافضل أن يكون من الحديبية، ] ودلالته لا تخلو من إشكال، إذ لا ظهور فيه في وجوب الخروج عن مكة للاعتمار. اللهم إلا أن يقال: مقتضى إطلاق كون الخروج من مكة مقدمة للاعتمار - كما هو ظاهر حرف الغاية - أنه مقدمة على سبيل اللزوم والتعيين فيتوقف الاعتمار عليه. ونحوه في الاشكال صحيح جميل بن دراج: (سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال (ع): تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة) (* 1). قال ابن أبي عمير: (كما صنعت عائشة) فانه لا يمكن حمل الامر بالاحرام من التنعيم على الوجوب. فالعمدة في الحكم هو الاجماع. (1) كما اختاره في المستند. لعموم النصوص المذكورة. قال في الجواهر: (لولا الاجماع ظاهر على اختصاص العمرة المزبورة بذلك لامكن القول باعتبار ذلك في كل عمرة، لاطلاق بعض النصوص). أقول: أما صحيح جميل فخاص بعمرة حج الافراد. وأما الصحيح الآخر فهو وإن كان عاما، لكن قد عرفت الاشكال في دلالته على اللزوم. وحينئذ يجوز له الاحرام من منزله، لما دل على أن من كان منزله دون الميقات أحرم من منزله، كما اختاره في الجواهر. إلا أن يقال: يحمل الصحيح الاول على الوجوب - ولو بقرينة الاجماع - وحينئذ يتعين الاخذ بعمومه. والاجماع الموجب للخروج عن عمومه غير ثابت.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 286 )

 

[ أو الجعرانة، أو التنعيم، فانها منصوصة (1). وهي من حدود الحرم (2) ] (1) كما عرفت. قال في كشف اللثام: (وفى التذكرة: ينبغي الاحرام من الجعرانة، فان النبي صلى الله عليه وآله اعتمر منها. فان فاتته فمن التنعيم لانه صلى الله عليه وآله أمر عائشة بالاحرام منه. فان فاته فمن الحديبية، لانه لما قفل من حنين أحرم بالجعرانة. ولعل هذا دليل تأخير الحديبية والتنعيم عن الجعرانة فضلا، وتفصيل لما ذكره أولا من اعتماره منه). لكن في استفادة الترتيب من النصوص اشكال - كما في الجواهر - لعدم دلالتها على ذلك، لان فعله صلى الله عليه وآله أعم من الافضلية، فضلا عن الترتيب، لان الفعل مجمل الوجه. إذ من الجائز أن إحرامه من المواضع المذكورة لانها كانت في طريقه، أو لوجه آخر. نعم أمره صلى الله عليه وآله لعائشة بالاحرام من التنعيم يدل على أفضليته. وأما الجعرانة والحديبية في صحيح عمر بن يزيد فلم يذكرا بالخصوص، وإنما ذكرا مثالا لادنى الحل بقرينة قوله (ع): (أو ما أشبههما). نعم ذكرت الجعرانة في صحيحي سالم الحناط و عبد الرحمن بن الحجاج (* 1)، المتقدمين في حكم الميقات السابع. لكن موردهما، الحج لا العمرة. فاستحباب المواضع المذكورة مبني على قاعدة التسامح، وكذا الترتيب بينها. (2) لا إشكال ظاهر بينا في أن الحرم بريد في بريد. وفى كشف اللثام: أنه لا خلاف فيه. وفى موثق عبد الله بن بكير عن زرارة قال: (سمعت أبا جعفر (ع) يقول: حرم الله تعالى حرمه بريدا في بريد: أن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب أقسام الحج حديث: 6، 5.

 

===============

 

( 287 )

 

[ على اختلاف بينها في القرب والبعد. فان الحديبية - بالتخفيف أو التشديد - (1) - بشر بقرب مكة، على طريق جدة، دون ] يختلى خلاه، أو يعضد شجره إلا الاذخر، أو يصاد طيره...) (* 1). وظاهر قوله (ع): (بريد في بريد) أنه من قبيل المربع الذي طوله بريد وعرضه بريد. لكن لما كان من المعلوم اختلاف جهات مكة في حدود الحرم، فان من بعض الجهات بعيد عنها ومن بعضها قريب إليها، تعين أن يكون المراد من الحديث تقدير المساحة، بحيث لو جمعت تلك المساحة وكانت بشكل مربع كان طولها بريدا وعرضها بريدا. والذي ذكره ابن رستة في كتابه الاعلاق النفيسة: أن الحرم من طريق المدينة: دون التنعيم، عند بيوت معاذ، على ثلاثة أميال، ومن طريق اليمن: طرف إضاءة لبن، في ثنية لبن، على سبعة أميال، ومن طريق جدة: منقطع الاعشاش، على عشرة أميال، ومن طريق الطائف: على طرف عرفة من بطن نمرة، على أحد عشر ميلا، ومن طريق العراق: على ثنية خل بالمنقطع، على سبعة أميال، ومن طريق الجعرانة: في شعب عبد الله بن خالد بن أسيد، على تسعة أميال. وقد أطال في كشف اللثام والجواهر في نقل كلمات من تعرض لذكر مسافة الحرم من الجهات المحيطة بمكة. وليس بمهم بعد وضع العلامات على الحدود بنحو صارت معلومة وإن كانت المسافة بينها وبين مكة بالذراع مجهولة. ولاجله لا يهم الاطالة في ذلك. (1) قال في كشف اللثام: (بضم الحاء المهملة) ثم ياء مثناة تحتانية ساكنة، ثم باء موحدة، ثم ياء مثناة تحتانية، ثم تاء التأنيث. وهي في

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 87 من أبواب تروك الاحرام حديث: 45.

 

===============

 

( 288 )

 

[ مرحلة، ثم أطلق على الموضع. ويقال: نصفه في الحل ونصفه في الحرم. والجعرانة - بكسر الجيم والعين وتشديد الراء، أو بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء - (1) موضع ] الاصل اسم بئر خارج الحرم، على طريق جدة، عند مسجد الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان. قال الفيومي: دون مرحلتين، وقال النووي: على نحو مرحلة من مكة. وعن الواقدي: أنها على تسعة أميال من المسجد الحرام. وقيل: إسم شجرة حدباء، ثم سميت بها قرية هناك ليست بالكبيرة. قيل: إنها من الحل، وقيل: من الحرم، وقيل: بعضها في الحل وبعضها في الحرم. ويقال: إنها أبعد أطراف الحل إلى الكعبة. يخفف ياؤها الثانية ويثقل، فيكون منسوبا إلى المخففة. وفى تهذيب الاسماء عن مطالع الانوار: ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين، وأما عامة الفقهاء والمحدثين فيشدونها... وقال السهيلي: التخفيف أعرف عند أهل العربية، وقال أحمد بن حنبل: لا يجوز فيها غيره، وكذا عن الشافعي. وقال أبو جعفر النحاس: سألت كل من لقيت، ممن أثق بعلميته من أهل العربية عن الحديبية فلم يختلفوا علي في أنها مخففة، وقيل: إن الثقيل لم يسمع من فصيح). انتهى ما في كشف اللثام. وقال ابن ادريس في السرائر: (الحديبية اسم بئر، وهو خارج الحرم. يقال: الحديبية، بالتخفيف، والتثقيل. وسألت ابن العطار الفرهي فقال: أهل اللغة يقولونها بالتخفيف، وأصحاب الحديث يقولونها بالتشديد. وخطه عندي بذلك، وكان إمام اللغة ببغداد). (1) في كشف اللثام: (بكسر الجيم والعين المهملة، وتشديد الراء المهملة المفتوحة، كما في الجمهرة. وعن الاصمعي والشافعي: بكسر الجيم

 

===============

 

( 289 )

 

[ بين مكة والطائف، على سبعة أميال. والتنعيم: موضع قريب من مكة (1)، وهو أقرب أطراف الحل إلى مكة. ويقال: بينه وبين مكة أربعة أميال، ويعرف بمسجد عائشة كذا في مجمع البحرين. وأما المواقيت الخمسة فعن العلامة (رحمه الله) في المنتهى: أن أبعدها من مكة ذو الحليفة، فانها على عشر مراحل من مكة، ويليه في البعد الجحفة، والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة، بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان. وقيل: إن الجحفة على ثلاث مراحل من مكة. (مسألة 5): كل من حج أو اعتمر على طريق ] واسكان العين، وتخفيف الراء. قيل: العراقيون يثقلونه، والحجازيون يخففونه. وحكى ابن ادريس: بفتح الجيم، وكسر العين، وتشديد الراء أيضا. وهي موضع بين مكة والطائف من الحل، بينها وبين مكة ثمانية عشر ميلا، على ما ذكر الباجي. سميت بريطة بنت سعد بن زيد مناة من تميم أو قريش، كانت تلقب بالجعرانة. ويقال: إنها المرادة بالتي نقضت غزلها. قال الفيومي: إنها على سبعة أميال عن مكة. وهو سهو في سهو في سهو، فان الحرم من جهته تسعة أميال أو بريد، كما يأتي). (1) قال في كشف اللثام: (على لفظ المصدر، سمي به موضع على ثلاثة أميال من مكة أو أربعة. وقيل على فرسخين على طريق المدينة به مسجد أمير المؤمنين (ع)، ومسجد زين العابدين (ع)، ومسجد عائشة وسمي به، لان عن يمينة جبلا اسمه نعيم، وعن شماله جبلا اسمه ناعم، واسم الوادي نعمان. ويقال: هو أقرب أطراف الحل إلى مكة).

 

===============

 

( 290 )

 

[ فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق وإن كان مهل أرضه غيره - كما أشرنا إليه سابقا (1) - فلا يتعين أن يحرم من مهل أرضه بالاجماع، والنصوص. منها: صحيحة صفوان: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت المواقيت لاهلها، ومن أتى عليها من غير أهلها " (* 1). (مسألة 6): قد علم مما مر أن ميقات حج التمتع مكة. واجبا كان أو مستحبا، من الآفاقي أو من أهل مكة وميقات عمرته: أحد المواقى الخمسة، أو محاذاتها (2)، ] (1) في الميقات الثاني، والثالث. (2) قد عرفت أن المحاذاة مع البعد لا دليل على إجزائها، ويتعين الاحرام حينئذ من أدنى الحل، كما فرضه الجماعة، فيمن لم يؤد طريقه إلى الميقات أو ما يحاذيه. فراجع. هذا إذا كان عابرا على الميقات أو ما يحاذيه إلى مكة. أما إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة، فالظاهر من الاصحاب أن منزله ميقات عمرته وحجه، فانهم ذكروا أن من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله، ولم يخصصوا ذلك بالحج أو العمرة. قال في الجواهر: (قد عرفت أن ميقات الاحرام - لمن كان منزله أقرب من الميقات - منزله، سواء كان بعمرة تمتع، أو إفراد أو حج. لاطلاق الادلة). وكذلك ظاهر عبارات غيره. وهو في محله، للاطلاق الذي ذكره في الجواهر. فكان على المصنف أن يستثنيه في الفرض الآتي. وعلى هذا فميقات إحرام عمره التمتع، إما أحد المواقيت - إن مر به -

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

===============

 

( 291 )

 

[ كذلك أيضا. وميقات حج القرآن والافراد: أحد تلك المواقيت مطلقا أيضا (1)، إلا إذا كان منزله دون الميقات أو مكة فميقاته منزله (2). ويجوز من أحد تلك المواقيت أيضا، بل هو الافضل. وميقات عمرتها: أدنى الحل إذا كان في مكة (3) ويجوز من أحد المواقيت أيضا (4). وإذا لم يكن في مكة فيتعين أحدها (5) وكذا الحكم في العمرة المفردة (6)، ] أو ما يحاذيه محاذاة قريبة، بحيث يكون معه في أفق واحد عرفا - إن مر به - أو أدنى الحل إن لم يمر بالميقات، ولا بما يحاذيه. أو منزله إذا كان دون الميقات. هذا إذا كان ذاهبا إلى مكة. وان كان مقيما بمكة فسيأتي حكمه.. (1) يعني: واجبا كان أو مستحبا) من أهل الآفاق أو غيره. وكان المناسب أن يذكر المحاذاة أيضا كما ذكرها فيما قبل. (2) تقدم وجهه في الميقات السابع. كما تقدم الوجه في قوله: (ويجوز من...). (3) كما تقدم في الميقات العاشر. (4) تقدم وجهه في نظيره. (5) هذا إذا كان فيما بعد الميقات، وعبر عليه. أما إذا كان فيما بعده وعبر على ما يحاذيه أحرم مما يحاذيه. وإن عبر على غير الميقات وما يحاذيه أحرم من أدنى الحل، وكذا إذا كان في الحرم. وإذا كان منزله دون الميقات أحرم من منزله. كل ذلك لاطلاق الادلة في الجميع. ويكون الحكم كما في عمرة التمتع لمن لم يكن في مكة. والتخصيص بأحد المواقيت لا دليل عليه. (6) أما في الحكم الاول، فلما عرفت في الميقات العاشر. وأما في

 

===============

 

( 292 )

 

[ مستحبة كانت أو واجبة. وإن نذر الاحرام من ميقات معين تعين (1). والمجاور بمكة بعد السنتين حاله حال أهلها (2)، وقبل ذلك حاله حال النائي. فإذا أراد حج الافراد أو القران ] الحكم الثاني الذي ذكرناه، فلاطلاق الادلة. (1) لعموم الوفاء بالنذر إذا تعلق بالراجح، وان كان غيره أرجح منه. (2) قد عرفت أن أهل مكة إذا أرادوا حج التمتع فاحرامهم منها كاحرام حج التمتع من غيرهم، فان مكة ميقات حج التمتع مطلقا. وأما إذا أرادوا حج القران أو الافراد فاحرامهم منها أيضا، على ما عرفت في الميقات السابع. وإذا أرادوا عمرة الافراد أو القران، أو العمرة المفردة فاحرامهم من أدنى الحل، على ما عرفت في الميقات العاشر. وأما إذا أرادوا عمرة التمتع فقد تقدم من المصنف (ره) - في المسألة الرابعة من فصل أقسام الحج -: أن ميقات إحرامها منهم أحد المواقيت الخمسة. بل قد يظهر منه أن الخلاف في حكم المجاور إذا أراد أن يعتمر عمرة التمتع جار فيهم، وأن ميقات عمرة التمتع منهم، هل هو مهل أرضه، أو أحد المواقيت، أو أدنى الحل؟. لكن لا مجال للاحتمال الاول، لان المفروض أنه من أهل مكة. فكأن مراده هناك أن ما أختاره من هذه الاحتمالات - وهو أحد المواقيت الخمسة - جار في حقهم. وكيف كان فنصوص تلك المسألة أكثرها واردة في المجاور، ولا تشمل أهل مكة، فلا بد من الرجوع إلى غيرها من الادلة وحينئذ مقتضى عموم: من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله - بناء على عمومه لاهل مكة كما تقدم - أن ميقات عمرتهم لحج التمتع هو منزلهم مكة. لكن الظاهر أنه خلاف الاجماع، وقد ذكر في كشف اللثام: أنه

 

===============

 

( 293 )

 

لا بد في النسك من الجمع بين الحل والحرم، وفى الحج يجمع بينهما بالخروج إلى عرفات، وجعله دليلا على عدم جواز إحرام عمرة القارن والمفرد من مكة. وقد أشار العلامة في التذكرة إلى ذلك، فيظهر منهم أن من المسلمات أن العمرة مطلقا لا تكون من مكة، إذ حينئذ لا جمع فيها بين الحل والحرم. وهذه القاعدة وإن لم يظهر دليل عليها، لكن الظاهر التسالم عليها. وحينئذ يتردد الامر بين كونه أدنى الحل وكونه أحد المواقيت. والمصنف اختار الثاني فيما تقدم، في فصل أقسام الحج. والذي يقتضيه عموم صحيح عمرو ابن يزيد - المتقدم في دليل الميقات العاشر -: الاجتزاء بالخروج إلى أدنى الحل (* 1). وقد يشكل عمومه، باستشهاد الامام (ع) فيه بفعل النبي صلى الله عليه وآله، ولم يكن صلى الله عليه وآله حينئذ من أهل مكة، ولا كانت عمرته عمرة تمتع. لكن الظاهر أن الاستشهاد بالفعل الخاص لا يصح قرينة على التخصيص، فلا بأس بالبناء على العموم. ولا سيما بعد اعتضاده بصحيح الحلبي الوارد في المجاور إذا أراد أن يتمتع، حيث أمر فيه بالخروج عن الحرم، وقد عرفت - في مسألة حكم المجاور - أن هذا الصحيح أرجح من غيره من أدلة القولين الآخرين. ولو فرض قصور النصوص عن تعيين الميقات تعين الرجوع إلى الاصل المقتضي للاجتزاء بالاحرام من أدنى الحل. ثم إن مقصود المصنف (ره)، من قوله: (حاله حال أهلها) أن إحرامه لحج القران والافراد يكون منها، لما سبق في الميقات السابع - ويشكل بما سبق من الصحيحين المتضمنين إحرام المجاور للحج من أدنى الحل، بناء على إطلاقهما الشامل لما بعد السنتين، كما تقدم.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب المواقيت حديث: 1، 2.

 

===============

 

( 294 )

 

[ يكون ميقاته أحد الخمسة أو محاذاتها (1)، وإذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحل. ] (1) قد تقدم منه أن القدر المتيقن من الصحيحين ما قبل السنتين، وحينئذ لا موجب لرفع اليد عنهما. وإن شئت قلت: المنزل - في روايات المنزل - إن كان يختص بالوطن فلا يشمل المجاور ولو بعد السنتين، فلا وجه لاحرام المجاور منه حينئذ. وإن كان يعم غيره - بأن يراد به المنزل الذي اتخذه مقرا له ولاهله مدة معتدا بها - فهو وإن كان يشمل منزل المجاور، لكن الصحيحين موجبان للخروج عن عموم حكم المنزل بمقتضى إطلاقهما. وقد عرفت لزوم العمل بالمطلق وإن كان القدر المتيقن منه الخاص، فكيف ساغ الحكم بأن إحرام المجاور بعد السنتين من مكة؟ ولكن عرفت سابقا أن ذيل الصحيح الثاني طويل جدا، وظاهر في القاطن الذي تبدل فرضه وهو ما بعد السنتين. فلاحظ وتأمل. والذي يتحصل مما ذكرنا: أن ميقات الحج لاهل مكة مطلقا - سواء كان تمتعا، أم قرانا، أم إفرادا - وميقات عمرتهم - سواء كانت عمرة تمتع، أم إفراد أم قران، أم مفردة - أدنى الحل، وميقات حج المجاور في مكة، وعمرته أدنى الحل مطلقا. إلا حج التمتع فان ميقاته مكة. وإلا عمرته فان ميقاتها محل الخلاف، المتقدم في فصل صورة حج التمتع والله سبحانه العالم العاصم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.