فصل في شرائط صحة الصوم

فصل في شرائط صحة الصوم وهي أمور: الاول: الاسلام، والايمان، فلا يصح من غير المؤمن (2) } يخرج وقت الصلاة " (* 1). (1) هذا ومابعده من القطعيات، كما عرفت. فصل في شرائط صحة الصوم (2) إجماعا محققا. ويشهد له من الكتاب - في الاول - قوله تعالى: (وما منعهم أن تقبل نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله) (* 2) وقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) (* 3)، وقوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) (* 4) ومن السنة فيهما أخبار كثيرة، عقد لها في الوسائل باب في مقدمات العبادات أوائل الجزء الاول (* 5) فلاحظها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب أداب الصائم حديث: 5. (* 2) التوبة: 54. (* 3) الزمر: 65. (* 4) الفرقان: 25. (* 5) الوسائل باب: 29 من ابواب مقدمة العبادات.

 

===============

 

( 403 )

 

{ ولو في جزء من النهار (1). فلو أسلم الكافر في أثناء النهار - ولو قبل الزوال - لم يصح صومه. وكذا لو ارتد ثم عاد إلى الاسلام بالتوبة، وإن كان الصوم معينا وجدد النية قبل الزوال على الاقوى. الثاني: العقل، فلا يصح من المجنون (2) - ولو أدوارا } (1) كما عن العلامة، والشهيد غيرهما. لاطلاق الادلة المتقدمة، المقتضي لبطلان الجزء، الموجب لبطلان الكل. وعن المبسوط، والمحقق، والحلي وابن سعيد: الصحة، لعدم الدليل على البطلان. وقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك...) إنما يدل على البطلان بالشرك عند الموت، لا مطلقا. وفيه: أن الدليل لا ينحصر بالآية الشريفة، لما عرفت: من اتفاق الكتاب والسنة على بطلان الاعمال الواقعة حال الكفر. مع أن ما ذكر في معنى الآية مناف لاطلاقها. اللهم إلا أن يدعى الانصراف إلى العمل التام الصادر على النحو الصحيح. لكن تدل على المقام بالاولوية. ودعوى أن بطلانه قبل الزوال لا ينافي تجديد النية حينئذ، فيصح كما في الناسي والجاهل. مندفعة: بأن جواز تجديد النية في موارد مخصوصة لا يقتضي جوازه بنحو الكلية. اللهم إلا أن يستشكل في وجوب إيقاع النية في أول الصوم، كما سبق. (2) بلا خلاف، كما عن جمع، والعمدة فيه: كون الصوم من العبادات الموقوفة على النية، وهي لاتتأتى منه. وأما حديث رفع القلم فهو إنما يدل على رفع التكليف، وهو أعم من البطلان، ولذا يصح الصوم من النائم مع أنه ممن رفع عنه القلم (* 1).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 56 من ابواب جهاد النفس.

 

===============

 

( 404 )

 

{ وإن كان جنونه في جزء من النهار - ولا من السكران، ولا من المغمى عليه - ولو في بعض النهار وإن سبقت منه النية على الاصح. الثالث: عدم الاصباح جنبا (1)، أو على حدث الحيض والنفاس بعد النقاء من الدم، على التفصيل المتقدم. الرابع: الخلو من الحيض والنفاس في مجموع النهار (2) فلا يصح من الحائض والنفساء إذا فاجأهما الدم ولو قبل } ومنه يظهر: أنه لو فرض سبق النية قبل الفجر ثم طرأ الجنون كان كالنائم في صحة الصوم، كما عن الشيخ في الخلاف. اللهم إلا أن يدعى - كما هو الظاهر - منافاة الجنون للنية بجميع مراتب وجودها فعلية وفاعلية، بخلاف النوم فانه إنما ينافي النية الفعلية - كالغفلة - لا الفاعلية المقومة لعبادية الصوم كما سبق في أول الكتاب. ومنه يظهر الحكم في المغمى عليه والسكران، فانه لامانع من دعوى صحة صومهما إذا سبقت منهما النية، كما عن الشيخين في الاول. ولا مجال لدعوى منافاة السكر والاغماء للنية الفاعلية. إذ الظاهر كونهما كالنوم. (1) تقدم الكلام فيه في المفطرات. (2) إجماعا قطعيا. وتدل عليه النصوص الكثيرة المدعى تواترها، كموثق العيص عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس. قال (ع): تفطر حين تطمث " (* 1) وحسن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع): " قال: أي ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت " (* 2) ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 25 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 4.

 

===============

 

( 405 )

 

{ الغروب بلحظة، أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة، ويصح من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الاغسال النهارية (1). الخامس: أن لا يكون مسافرا (2) } " عن امرأة أصبحت صائمة، فلما ارتفع النهار أو كان العشي حاضت، أتفطر؟ قال (ع): نعم، وان كان وقت المغرب فلتفطر. وسألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار من شهر رمضان، فتغتسل ولم تطعم، فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال (ع): تفطر ذلك اليوم، فانما فطرها من الدم " (* 1) وصحيح ابن الحجاج قال: " سألت أبا الحسن (ع) عن المرأة تلد بعد العصر، أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ قال (ع): تفطر، وتقضي ذلك اليوم " (* 2) إلى غير ذلك. (1) تقدم الكلام فيه في المفطرات. (2) إجماعا بقسميه، كما في الجواهر. والنصوص الدالة عليه لعلها متواترة، أو متجاوزة حد التواتر، الوارد جملة منها في مطلق الصوم، كصحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (ع): " عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم. قال (ع): ليس من البر الصيام في السفر " (* 3) وموثق سماعة قال: " سألته عن الصيام في السفر. فقال (ع): لا صيام في السفر قد صام ناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فسماهم العصاة. فلا صيام في السفر، الا الثلاثة أيام التي قال الله عزوجل في الحج " (* 4)، وموثق عمار: " لا يحل له الصوم في السفر، فريضة كان أو غيره، والصوم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 26 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 10. (* 4) الوسائل باب: 11 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

 

===============

 

( 406 )

 

في السفر معصية " (* 1). وجملة منها في صيام شهر رمضان، وهو كثير جدا، كرواية يحيى ابن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع): " الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر " (* 2). وجملة منها في قضائه، كصحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه أبي الحسن (ع): " عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر أيقضي إذا أقام في المكان؟ قال (ع): لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيام " (* 3). وجملة منها في النذر، كصحيح ابن مهزيار فيمن نذر أن يصوم كل سبت: " لا تتركه الا من علة. وليس عليك صومه في سفر، ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك... " (* 4). وبعضها في صوم الكفارة. كموثق ابن مسلم: " وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم. وإن صام فأصاب مالا يملك فليقض الذي ابتدأ فيه " (* 5). هذا وقد يظهر من محكي المقنعة: جواز صوم الكفارة مطلقا، بل نسب إلى المفيد (ره): جواز صوم الواجب عدا شهر رمضان. ومستنده غير ظاهر في قبال ما عرفت من النصوص.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 8 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 10 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 5) الوسائل باب: 9 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

 

===============

 

( 407 )

 

{ سفرا يوجب قصر الصلاة (1)، مع العلم بالحكم (2)، في الصوم الواجب. إلا في ثلاثة مواضع: أحدها: صوم ثلاثة أيام بدل هدي التمتع (3). الثاني: صوم بدل البدنة ممن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا (4)، وهو ثمانية عشر يوما. } (1) للتلازم بين قصر الصلاة والافطار، كما في مصحح معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (ع) - في حديث -: " إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت " (* 1) وقريب منه غيره. (2) لما سيأتي. (3) فان من لا يجدي هدي التمتع ولا ثمنه صام بدله عشرة أيام: ثلاثة في سفر الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، بلا خلاف فيه ولا إشكال. لاتفاق الكتاب والسنة عليه، لقوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) (* 2) وموثق سماعة المتقدم (* 3) وصحيح معاوية بن عمار: " عن متمتع لم يجد هديا. قال (ع): يصوم ثلاثة ايام في الحج: يوما قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة... " (* 4) ونحوهما غيرهما. ويأتي الكلام فيه في محله إن شاء الله تعالى. (4) فانه لما كان يجب الوقوف بعرفات إلى الغروب، فلو أفاض قبله عمدا كان عليه كفارة بدنة، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما على المشهور. ويدل عليه صحيح ضريس: " عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 2) البقرة: 196. (* 3) تقدم ذكره في اول الشرط الخامس من شروط صحة الصوم. (* 4) الوسائل باب: 46 من ابواب الذبح حديث: 4.

 

===============

 

( 408 )

 

{ الثالث: صوم النذر المشترط فيه سفرا خاصة، أو سفرا وحضرا (1)، } تغيب الشمس. قال (ع): عليه بدنة ينحرها يوم النحر. فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة، أو في الطريق، أو في أهله " (* 1). وعن الجمل، والاقتصار، والمراسم، والوسيلة، والغنية: الاقتصار في الاستثناء على غير المقام. ولعله لعدم صراحة الرواية في جواز إيقاع الصوم في السفر الموجب للقصر، لجواز كون الصوم بعد نية الاقامة بمكة أو في الطريق، فيتعين حملها على ذلك، جمعا بينها وبين مادل على المنع عن الصوم في السفر. لكن لاتبعد دعوى ظهورها في السفر. بل الظاهر أن التنصيص على مكة والطريق لنفي تعين إيقاع بعضها بمكة وبعضها عند أهله، كما في العشرة السابقة، فيكون المراد: أن له إيقاعها - كلها أو بعضها - في الحضر والسفر. فتأمل. (1) كما هو المعروف، وفي الجواهر: لا أجد فيه خلافا، وعن المنتهى: نفي الخلاف فيه، وعن الحدائق: الاتفاق عليه. وما في الشرائع - من نسبته إلى قول مشهور - ليس لوجود خلاف فيه - وإن كان ظاهره ذلك - بل لضعف الرواية في نظر مصنفه، كما صرح به في المعتبر، وهي: صحيحة ابن مهزيار المتقدمة في الشرط الخامس. ولا تقدح فيها جهالة الكاتب - وهو بندار مولى إدريس - بعد قراءة ابن مهزيار. ولا الاضمار، لاثباتها في الكتب المعتبرة التي ألفها أصحابها الاعاظم (قدس سرهم) لجمع أحاديث المعصومين (ع). ولا ظهورها في جواز الصوم حال المرض إذا نوى ذلك، مع أن جوازه وعدمه لا يناطان بالنية، وإنما يناطان بالضرر وعدمه. لامكان إرجاع الاستثناء إلى السفر لاغير. ولا اشتمال ذيله على كون كفارة النذر إطعام سبعة مساكين، المخالف

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من ابواب الوقوف بعرفة حديث: 3.

 

===============

 

( 409 )

 

{ دون النذر المطلق (1). } لغيره من الادلة الدالة على أنها كفارة يمين، أو كبرى مخيرة ككفارة شهر رمضان. لان سقوط بعض فقرات الرواية عن الحجية للمعارض لا يوجب سقوط الجميع عنها. على أنك عرفت أن في نسخة المقنع: " عشرة " بدل " سبعة " (* 1). فالتوقف في الحكم - كما هو ظاهر الشرائع، وعن المعتبر - غير ظاهر (1) كما هو المشهور. وتدل عليه النصوص التي منها: صحيح ابن مهزيار المتقدم، ومصحح كرام: " إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (ع). فقال (ع): صم، ولا تصم في السفر... " (* 2) وموثق زرارة قال: " قلت لابي جعفر (ع): إن أمي جعلت عليها نذرا - إن رد الله تعالى عليها بعض ولدها من شئ كانت تخافه عليه - أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة، فأشكل علينا لمكان النذر، أتصوم أم تفطر فقال (ع): لا تصوم قد وضع الله عنها حقه، وتصوم هي ما جعلت على نفسها. قلت: فما ترى أذا هي رجعت إلى المنزل، أتقضيه؟ قال (ع): لا. قلت أفتترك ذلك؟ قال (ع): لا، لاني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره " (* 3) إلى غير ذلك. وعن المفيد، والمرتضى، وسلار: وجوب الصوم ولو مع إطلاق النذر. لعموم الوفاء به. ولرواية عبد الحميد عن أبي الحسن (ع) قال: " سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى. قال (ع): يصومه أبدا في السفر والحضر " (* 4) وفيه: أن عموم الوفاء مختص بصورة رجحان

 

 

____________

(* 1) لاحظ القسم الثالث من المسألة: 1 من فصل ما يوجب الكفارة. (* 2) الوسائل باب: 10 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 10 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 10 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 7.

 

===============

 

( 410 )

 

{ بل الاقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر أيضا (1). } المنذور، فأخبار المنع حاكمة عليه رافعة لموضوعه. ورواية عبد الحميد مقيدة بالصحيح. (1) كما عن الصدوقين، والقاضي، والحلي، وجماعة من المتأخرين، بل عن الحلي: نسبته إلى الفقهاء المحصلين من أصحابنا، بل عن المفيد: نسبته إلى المشهور عند القدماء. لصحيح البزنطي: " سألت أبا الحسن (ع) عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر. قال (ع): أفريضة؟ فقلت: لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة، فقال (ع): تقول اليوم وغدا. قلت: نعم. فقال (ع): لاتصم " (* 1) وما في موثق عمار: " لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، والصوم في السفر معصية " (* 2) والمروي عن تفسير العياشي: " لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصوم في السفر تطوعا، ولافريضة " (* 3) المعتضدة بعمومات المنع. وعن ابن حمزة: الجواز، لمرسل اسماعيل بن سهل عن رجل قال: " خرج أبو عبد الله (ع) من المدينة في أيام بقين من شعبان فكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان - وهو في السفر - فأفطر، فقيل له: أتصوم شعبان، وتفطر شهر رمضان؟! فقال (ع): نعم، شعبان إلي إن شئت صمت وإن شئت لا، وشهر رمضان عزم من الله عزوجل على الافطار " (* 4) ومرسل الحسن بن بسام عن رجل: " كنت مع أبي عبد الله (ع) فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم، ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 2. (* 2) تقدم ذلك في أول الشرط الخامس من شروط صحة الصوم. (* 3) الوسائل باب: 12 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 12 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 4.

 

===============

 

( 411 )

 

{ إلا ثلاثة أيام للحاجة في المدينة (1). والافضل إتيانها في } فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر! فقال (ع): إن ذلك تطوع، ولنا أن نفعل ما شئنا. وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا " (* 1) وصحيح سليمان بن جعفر الجعفري: " سمعت أبا الحسن (ع) يقول: كان أبي (ع) يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف، ويأمر بظل مرتفع فيضرب له " (* 2). وعن جماعة: الجواز مع الكراهة، بل نسب ذلك إلى الاكثر، جمعا بين الطائفتين، وحملا للاولى على الكراهة. ولا يخفى: أن صحيح الجعفري - مع أنه في مورد خاص - مجمل محتمل لكون الصوم فرضا ولو بالنذر. وليس قول أبي الحسن (ع): " كان أبي... " واردا مورد تشريع الصوم في السفر، وإنما هو وارد لدفع توهم عدم مشروعية صوم يوم عرفة على النحو الخاص. ولو سلم فهو مقيد بما سبق، فيحمل على صورة نذره بالسفر بالخصوص. وأما المرسلان فضعفهما ظاهر، وانجبارهما بالعمل غير ثابت. مع أن الحمل على الكراهة بعيد عن قوله (ع) في الموثق: " والصوم في السفر معصية ". كبعد ارتكابهم (ع) لمثل هذه المعصية. والله سبحانه أعلم. (1) بلا خلاف، كما في الجواهر. لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال (ع): إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الاربعاء، وتصلي ليلة الاربعاء عند اسطوانة أبي لبابة - وهي اسطوانة التوبة، التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء - وتقعد عندها يوم الاربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها ما يلي مقام

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 12 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

 

===============

 

( 412 )

 

{ الاربعاء والخميس والجمعة (1). وأما المسافر الجاهل بالحكم لو صام فيصح صومه ويجزوه (2) - حسبما عرفته في جاهل حكم الصلاة - إذ الافطار كالقصر، والصيام كالتمام في الصلاة } النبي صلى الله عليه وآله ليلتك ويومك، وتصوم يوم الخميس، ثم تأتي الاسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه وآله ومصلاه ليلة الجمعة، فتصلي عندها ليلتك ويومك، وتصوم يوم الجمعة. وان استطعت أن لا تتكلم بشئ في هذه الايام إلا مالابد لك منه، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة، ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل، فان ذلك مما يعد فيه الفضل. ثم احمد الله سبحانه في يوم الجمعة، واثن عليه، وصل على النبي صلى الله عليه وآله، وسل حاجتك، وليكن فيما تقول: اللهم ما كانت لي اليك من حاجة، شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع، سألتكها أو لم أسألكها، فاني أتوجه اليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله نبي الرحمة في قضاء حوائجي، صغيرها وكبيرها. فانك حري أن تقضى حاجتك إن شاء الله تعالى " (* 1) وقريب منه مصحح الحلبي (* 2) والمروي عن مزار ابن قولويه مرسلا عن بعضهم (ع) (* 3). (1) لم أقف على رواية مطلقة، لتكون مستندا لاستحباب مطلق الثلاثة. والروايات التي وجدتها كلها قد خص الاستحباب فيها بالثلاثة لاغير. (2) إجماعا محققا. ويشهد له جملة من الصحاح، كصحيح ليث عن أبي عبد الله (ع): " إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر. وإن صامه بجهالة لم يقضه " (* 4) ونحوه صحاح عبد الرحمن البصري، والحلبي، والعيص

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب المزار حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب المزار حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 11 من أبواب حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 2 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 6.

 

===============

 

( 413 )

 

{ لكن يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار، وأما لو علم بالحكم في الاثناء فلا يصح صومه (1). وأما الناسي فلا يلحق بالجاهل في الصحة (2). وكذا يصح الصوم من المسافر إذا سافر بعد الزوال (3). } ابن القاسم، وعبد الرحمن البجلي (* 1) وغيرها. (1) إذ لو صام كان قد صام بعلم لا بجهالة، فلا يصح صومه، فلا يجزئ. وإن شئت قلت، يخرج الفرض عن النصوص المتقدمة، فيبقى داخلا تحت أدلة المنع. (2) لاطلاق النصوص المتقدمة. وقيل: يلحق به، لاشتراكهما في العذر، ورفع الحكم، وعدم التقصير. وفيه: مالا يخفى، إذ ليس الوجه في الصحة في الجاهل ما ذكر، ليشترك معه فيها، بل الوجه النصوص، وهي غير مشتركة بينهما. (3) كما عن الاسكافي، والكليني، والمفيد، والصدوق في الفقيه والمقنع، والعلامة في أكثر كتبه، وولده، والشهيدين في اللمعة والروضة وغيرهم من المتأخرين. ويشهد له صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع): " إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار، فعليه صيام ذلك اليوم، ويعتد به من شهر رمضان " (* 2) وصحيح الحلبي عنه (ع): " عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم. قال (ع): إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر، وليقض ذلك اليوم. وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه " (* 3) ومصحح عبيد بن زرارة عنه (ع): " في

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 2 و 3 و 5 وملحق حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

 

===============

 

( 414 )

 

الرجل يسافر في شهر رمضان، يصوم أو يفطر؟ قال (ع): إن خرج قبل الزوال فليفطر. وإن خرج بعد الزوال فليصم. فقال (ع): يعرف ذلك بقول علي (ع): أصوم وأفطر حتى إذا زالت الشمس عزم، يعني: على الصيام " (* 1) وموثقه عنه (ع): " إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام، فإذا خرج قبل الزوال أفطر " (* 2). وعن الشيخ في النهاية والمبسوط والاقتصاد والجمل، والقاضي، وابن حمزة، والمعتبر، والشرائع، والنافع، والتخليص: أنه إن بيت نية السفر ليلا أفطر ولو خرج بعد الزوال، وإلا صام وإن خرج قبله. ويشهد له مصحح رفاعة قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح. قال (ع): يتم صومه " (* 3) وموثق علي ابن يقطين عن أبي الحسن موسى (ع): " في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال (ع): إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، وإن لم يحدث نفسه في الليلة ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه " (* 4) ومرسل إبراهيم بن هاشم، عن رجل، عن صفوان عن الرضا (ع): " لو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا، والافطار. فان هو أصبح ولم ينو السفر، فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر، ولم يفطر يومه ذلك " (* 5) ومرسل صفوان عمن رواه عن أبي بصير: " إذا خرجت بعد طلوع الفجر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 10. (* 5) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 11.

 

===============

 

( 415 )

 

ولم تنو السفر من الليل، فأتم الصوم واعتد به من شهر رمضان " (* 1) ومرسل سماعة وابن مسكان، عن رجل، عن أبي بصير قال: " سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل، فان خرجت قبل الفجر أو بعده فانت مفطر، وعليك قضاء ذلك اليوم " (* 2). وعن رسالة ابن بابويه: عدم اعتبار شئ من الامرين، فيكفي مطلق السفر في لزوم الافطار وإن خرج بعد الزوال ولم يبيت النية، ونسبه في المعتبر والمنتهى: إلى علم الهدى. ويشهد له - مضافا الى إطلاق الآية (* 3) وإطلاق مادل على التلازم بين التقصير والافطار (* 4) -: رواية عبد الاعلى: " في الرجل يريد السفر في شهر رمضان. قال (ع): يفطر وان خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل " (* 5). وظاهر محكي المبسوط: اعتبار تبييت النية والخروج قبل الزوال في الافطار، وان انتفى أحدهما لزمه الصوم، ولاقضاء عليه. وكأن وجهه: تقييد إطلاق كل مما دل على الافطار بالخروج قبل الزوال، وعلى الافطار إذا بيت النية بالآخر. وعن التهذيب والاستبصار: وان لم يبيت النية صام مطلقا. وإن بيتها، فان خرج قبل الزوال لزمه الافطار، وان خرج بعد تخير بينه وبين الصوم. وعن ابن حمزة: إن خرج قبل الزوال ناويا للسفر في الليل أفطر وقضى. وإن لم يكن ناويا صام ولا يقضي. وإن خرج بعد الزوال صام وقضى.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 12. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 13. (* 3) البقرة: 184 - 185. (* 4) تقدم ذلك في أوائل الشرط الخامس من شروط صحة الصوم. (* 5) الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 14.

 

===============

 

( 416 )

 

وعن الشيخ في النهاية: أنه إن بيت النية وخرج قبل الزوال أفطر. وإن خرج بعد الزوال أمسك وعليه القضاء. وإن لم يبيت النية صام على كل حال. وهذه الاقوال الثلاثة لا يتضح لها شاهد. والتعرض لتقريب الشواهد لها لا يساعد عليه الوقت. فالاولى التعرض لحال شواهد الاقوال السابقة إجمالا، فنقول. الطائفة الاولى من النصوص قد صرحت بشرطيتين: إحداهما: إذا خرج قبل الزوال أفطر، وثانيتهما: إن خرج بعد الزوال صام. وكذا الطائفة الثانية أيضا تعرضت لشرطيتين: إحداهما: إذا بيت النية أفطر، وثانيتهما: إذا لم يبيت النية صام. وحينئذ يدور الامر في مقام الجمع بين الطائفتين إما بتقييد الاولتين منهما إحداهما بالاخرى، ولازمه اعتبار أمرين في الافطار: الخروج قبل الزوال، وتبييت النية معا. وإما بتقييد الثانيتين منهما إحداهما بالاخرى، ولازمه اعتبار أمرين في الصوم: الخروج بعد الزوال، وعدم تبييت النية ولا يمكن البناء على الجمع بين التقييدين معا، للزوم التناقض فان مفاد التقييد الاول: اعتبار أمرين في الافطار، وكفاية عدم أحدهما في الصوم، ومفاد الثاني: اعتبار عدم كل منهما في الصوم، وكفاية أحدهما في الافطار. فيتعين إما البناء على الاول، أو على الثاني. وإذ لا مرجح، لا مجال للبناء على أحدهما، لانه بلا شاهد. ويجب الرجوع حينئذ إلى قواعد التعارض، المقتضية لتقديم الطائفة الاولى، لصحة سندها. ومخالفتها للمحكي عن مالك وأبي حنيفة والشافعي والاوزاعي وأبي ثور وغيرهم وعن المعتبر والمنتهى: أنهما رويا حديث رفاعة: " حتى يصبح " بدل " حين يصبح " (* 1) وعليه فهو ظاهر في خلاف القول الثاني. ومما ذكرنا اتضح لك ضعف القول الرابع ومثله: القول الثالث.

 

 

____________

(* 1) الموجود في المعتبر المطبوع: " حين يصبح ". لاحظ المسألة: 2 من اللواحق ص 319

 

===============

 

( 417 )

 

{ كما أنه يصح صومه إذا لم يقصر في صلاته (1)، كناوي الاقامة عشرة أيام، أو المتردد ثلاثين يوما، وكثير السفر، والعاصي بسفره وغيرهم ممن تقدم تفصيلا في كتاب الصلاة. } إذ لا مجال للاخذ بالاطلاقات ورواية عبد الاعلى في قبال ما عرفت. وهنا أخبار أخر لم يعرف قائل بها، كصحيح رفاعة قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان. قال (ع): إذا أصبح في بلده ثم خرج، فان شاء صام، وإن شاء أفطر " (* 1)، وموثق سماعة: " سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟ قال (ع): إذا طلع عليه الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم. وإن خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر ولا صيام عليه " (* 2) وخبر سليمان بن جعفر الجعفري قال: " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)... الى أن قال (ع): إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم. إلا أن يدلج دلجة " (* 3) فان أمكن حملها على ما سبق فهو، وإلا فهي مطروحة. (1) بلا خلاف فيه في الجملة. ويشهد له ما تقدم: من صحيح معاوية (* 4) وغيره. نعم يستثنى من ذلك: السفر بعد الزوال - على ما عرفت - والسفر للتجارة - على إشكال تقدم في صلاة المسافر - والمسافر الذي لا يريد الرجوع ليومه. فعن الشيخ (ره): أنه يتم الصوم، ويتخير في الصلاة بين الاتمام والقصر. والسفر في مواضع التخيير. فتأمل جيدا.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 5 من أبواب من يصحح منه الصوم حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6. (* 4) لاحظ أوائل الكلام في الشرط الخامس من شروط صحة الصوم.

 

===============

 

( 418 )

 

{ السادس: عدم المرض أو الرمد الذي يضره الصوم (1) لايجابه شدته (2)، أو طول برئه، أو شدة ألمه، أو نحو ذلك. سواء حصل اليقين بذلك، أو الظن، بل أو الاحتمال } (1) بلا خلاف - كما عن جماعة - بل إجماعا، كما عن آخرين. ويشهد له - مضافا الى قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (* 1) - النصوص المستفيضة، لو لم تكن متواترة، كموثق سماعة قال: " سألته: ماحد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الافطار كما يجب عليه في السفر، من كان مريضا أو على سفر؟ قال (ع): هو مؤتمن عليه مفوض إليه، فان وجه ضعفا فليفطر، وإن وجد قوة فليصمه كان المرض ماكان " (* 2) وصحيح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر " (* 3)، وموثق عمار عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل يجد في رأسه وجعا من صداع شديد، هل يجوز الافطار؟ قال (ع): إذا صدع صداعا شديدا وإذا حم حمى شديد، وإذا رمدت عيناه رمدا شديدا فقد حل له الافطار " (* 4) وصحيح ابن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) - في حديث - قال: " كل شئ من المرض أضربه الصوم فهو يسعه ترك الصوم " (* 5) ونحوها غيرها. (2) بلا خلاف. لظهور بعض الادلة، وإطلاق الآخر.

 

 

____________

(* 1) البقرة: 184. (* 2) الوسائل باب: 20 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 20 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 20 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 9. (* 5) الوسائل باب: 19 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

 

===============

 

( 419 )

 

{ الموجب للخوف (1)، بل لو خاف الصحيح من حدوث المرض لم يصح منه (2). وكذا إذا خاف من للضرر في نفسه، أو غيره، أو عرضه، أو عرض غيره، أو في مال يجب حفظه وكان وجوبه أهم في نظر الشارع من وجوب الصوم (3)، وكذا إذا زاحمه واجب آخر أهم منه. ولا } (1) كما يقتضيه إطلاق الاكثر للخوف، لصدقه مع الاحتمال. ويشهد له صحيح حريز. وتعليق الحكم من بعض على اليقين والظن في غير محله إن أريد التخصيص بهما. وأشكل منه: ماعن شرح اللمعة: من التصريح بعدم الاكتفاء بالاحتمال. لثبوت التكليف وعدم العلم بالمسقط. إذ فيه: أنه لا مجال للرجوع الى الاصل مع الدليل. اللهم إلا أن يكون منهم تشكيكا في صدق الخوف مع الاحتمال. إلا أنه في غير محله أيضا، لصدقه بمجرد الاحتمال المعتد به وإن كان دون الاحتمال المساوي. (2) كما يفهم من الادلة المتقدمة. ولا يضر في ذلك كون موردها المريض، إذ الظاهر منها: كون المانع هو حدوث مرتبة من المرض، سواء كانت قبلها مرتبة أخرى أم لم تكن. بل ظاهر صحيح حريز المتقدم خوف حدوث الرمد. (3) فان الاهمية موجبة لترجحه في مقام الامتثال، فيسقط وجوب الصوم عنه. نعم يتم هذا لو أحرز وجود المزاحم بقيام العلم أو العلمي على وجوده. أما مع الشك فيه فلا وجه لرفع اليد عن التكليف المعلوم. اللهم إلا أن يستفاد من أدلة المقام طريقية الاحتمال الموجب للخوف مطلقا حتى في المقام، كما لعله ظاهر الاصحاب. وهو غير بعيد. نعم لو زاحمه واجب آخر غير الضرر، فلابد من احرازه بالعلم أو

 

===============

 

( 420 )

 

{ يكفي الضعف (1) وإن كان مفرطا مادام يتحمل عادة. نعم لو كان مما لا يتحمل عادة جاز الافطار (2). لو صام بزعم } ما يقوم مقامه. ومجرد احتمال المزاحمة أو ظنها غير كاف في رفع اليد عن الواجب المعلوم الثبوت، بل قاعدة الاشتغال تقتضي وجوب امتثاله. كما أن الحكم بالبطلان مطلقا في صورة التزاحم بالواجب الاهم مبني على حرمة الضد المزاحم بالضد الاهم. وإلا توقف البطلان على مقدمية ترك الصوم لذلك الواجب. وإلا صح الصوم وإن لزم فوات الواجب الاهم. غاية الامر: أنه يعصي بتفويت الواجب، كما هو موضح في مسألة الضد من مباحث الاصول، وأشرنا إليه مكررا في كتاب الطهارة. فلا ينبغي سوق جميع صور التزاحم مساق المرض في عدم صحة الصوم إذ الصوم علة المرض المحرم، وليس اللازم في غيره أن يكون كذلك، بل قد يكون الصوم فيه كذلك وقد لا يكون. فلاحظ. (1) بلا خلاف ظاهر. لعموم دليل الوجوب، كيف وهو من اللوازم الغالبية؟!. (2) لعموم دليل نفي الحرج (* 1) وعليه يحمل إطلاق رواية سماعة: " فان وجد ضعفا فليفطر " (* 2) أو على ما يخاف منه المرض. والموجب لهذا التقييد: هو الانصراف الناشئ عن مناسبة الحكم لموضوعه المرتكزة في أذهان العرف، ولاسيما بملاحظة حصوله غالبا. مضافا الى أن قوله (ع): " وإن وجد قوة فليصم " ظاهر في أن المراد من الضعف الضعف عن الصوم، لا مطلق الضعف ولو ببعض مراتبه، وإلا فهو لا يقابل القوة. مع أن في

 

 

____________

(* 1) لاحظ ما علقناه على ذلك في المسألة: 10 من فصل ماء البئر ج 1 صفحة 203 الطبعة الثالثة. (* 2) المراد به هي الرواية المتقدمة في أول الامر السادس من هذا الفصل.

 

===============

 

( 421 )

 

{ عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحة إشكال (1)، فلا يترك الاحتياط بالقضاء. وإذا حكم الطبيب بأن للصوم مضر، وعلم المكلف من نفسه عدم الضرر يصح صومه (2). وإذا حكم بعدم ضرره، وعلم المكلف أو ظن } ثبوت الاطلاق في الرواية تأملا، لورودها في مقام إرجاع الامر إليه، لافي مقام بيان مرتبة المرض. فتأمل. (1) ينشأ: من كونه مريضا واقعا. فيكون خارجا عن موضوع الامر بالصوم فيبطل، كما لو صام المسافر بزعم الحضر. وفي رواية الزهري: " فان صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء. فان الله عزوجل يقول: (فمن كان منكم...) " (* 1) ومن أن الظاهر من استثناء المريض في الآية والرواية - بقرينة مناسبة الحكم والموضوع - كونه من باب التزاحم بين وجوب الصوم وحفظ النفس وأهمية الثاني. لا لعدم الملاك في صوم المريض، ليكون استثناؤه من باب التخصيص. وحينئذ فلو صام كان صومه واجدا لملاك الامر، فيصح. ولا يرد: أن لازم ذلك الصحة حتى مع زعم ثبوت الضرر ووجوده واقعا. لانه مع اعتقاده الضرر - أو ظنه الذي هو حجة - يتنجز النهي عن الصوم، لكونه علة الحرام، فيكون معصية فيبطل، لوقوعه على غير وجه العبادة. وعليه تحمل رواية الزهري الضعيفة. وهذا هو الاقوى، كما مال إليه في الجواهر. (2) لما تقدم من موثق سماعة (* 2) ونحوه غيره مما دل على رجوعه إلى نفسه. ولا دليل على حجية قول الطبيب مطلقا حتى لو ظن بخطئه،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 2. (* 2) تقدم ذلك كله في أول الشرط السادس من هذا الفصل.

 

===============

 

( 422 )

 

{ كونه مضرا وجب عليه تركه (1)، ولا يصح منه. (مسألة 1): يصح الصوم من النائم (2) ولو في تمام } فضلا عمالو علم بخطئه، بل الحجية حينئذ ممتنعة. وعليه يتعين عليه وجوب الصوم. وكذا لو فرض قيام البينة على الضرر، وبني على عموم حجيتها بنحو بشمل المقام. هذا مع احتمال الاصابة. أما مع العلم بالخطأ فلا مجال للحجية، فيصح الصوم، بل يجب، كما عرفت. (1) لما عرفت من النصوص الدالة على رجوعه إلى نفسه. ولافرق في ذلك بين تحقق الضرر واقعا وعدمه. أما الاول فواضح مما أشرنا إليه. وأما الثاني فلان انتفاء الضرر واقعا إنما يمنع عن صدق المعصية على الصوم لكنه يكون تجرؤا لمخالفة الحجة الظاهرية، والتجرؤ يمنع من وقوع الفعل على وجه العبادة كالمعصية الحقيقية. تنبيه: قد يستشكل في المقام وأمثاله في أن موضوع الحكم بالافطار هو المرض الواقعي - كما يقتضيه ظاهر الآية (* 1) وجملة من الروايات - أو العلم به أو خوفه - كما يقتضيه صحيح حريز (* 2) وموثق سماعة (* 3) أو مجموعهما، أو كل منهما، كما قد يقتضيه الجمع العرفي بين الادلة؟ لكن المتعين في الجمع العرفي: الالتزام بأن موضوع الحكم الواقعي هو المرض واقعا. وثبوت الحكم مع العلم أو الخوف من باب الحكم العقلي الطريقي، أو الشرعي الظاهري، لا أنه موضوع لحكم واقعي آخر - ليلزم منه اجتماع حكمين مع خوف الضرر إذا كان موجودا واقعا، الذي هو خلاف المرتكز العرفي - ولا أنه جزء موضوعه، ليلزم تقييد اطلاق الطائفتين معا، كما لا يخفى. (2) قد عرفت في مبحث النية: أن الصوم ليس على حد غيره من

 

 

____________

(* 1)، (* 2)، (* 3) تقدم ذلك كله في أول الشرط السادس من هذا الفصل.

 

===============

 

( 423 )

 

{ النهار، إذا سبقت منه النية في الليل. وأما إذا لم تسبق منه النية، فان استمر نومه إلى الزوال بطل صومه، ووجب عليه القضاء إذا كان واجبا (1). وإن استيقظ قبله نوى وصح كما أنه لو كان مندوبا واستيقظ قبل الغروب يصح إذا نوى. (مسألة 2): يصح الصوم وسائر العبادات من الصبي المميز على الاقوى من شرعية عبادته (2). } العبادات يجب وقوعه في الخارج عن داعي الامر به كما يجب وقوعها كذلك بل يكفي وقوعه في الخارج بلا اختيار، فضلا عن وقوعه بداع آخر. نعم لابد من أن يكون المكلف عازما على أنه لو تمكن من المفطرات أو بعضها وكان له دواع نفسانية إليها لكان يتركها بداعي الامر. ولذا يصح ممن لا يتمكن من فعل المفطرات، كالمسجون في سجن يتعذر فعل أحد المفطرات فيه، والنائم، ومن لا يجد داعيا إلى فعلها، ومن يجد الصوارف الاكيدة عن فعلها. نعم الفرق بين صوم الاخيرين وبين سائر عباداتهما إنما يتم بناء على اعتبار عدم الضميمة المستقلة غير الشرعية في صحة التقرب والتعبد. أما بناء على الاكتفاء باستقلال داعوية الامر لو انفردت وان كانت معها ضميمة غير شرعية صالحة للاستقلال في الداعوية، فلا فرق بين صومهما وسائر عباداتهما. ولما ذكرنا صحح الاصحاب صوم النائم من أول الفجر الى الغروب وإن كان نومه بلا اختيار. (1) تقدم في فصل النية: الوجه في البطلان هنا، والصحة في الفرض الآتي. (2) لما عرفته غير مرة: من أن مقتضى إطلاق أدلة مشروعية العبادات

 

===============

 

( 424 )

 

{ ويستحب تمرينه عليها (1)، بل التشديد عليه لسبع. من } عدم الفرق بين الكبير والصغير. وحديث: رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (* 1)، لما كان امتنانيا لا يصلح أن يرفع نفس المشروعية التي هي من لوازم ملاك الامر أو الرجحان، إذ ليس في رفعها امتنان، وإنما يرفع مجرد الالزام، لان في رفعه كمال الامتنان. (1) بلا خلاف ولا إشكال. وإنما الخلاف في مبدئه، فعن المفيد (ره) وغيره: أنه إذا قدر على صيام ثلاثة أيام متواليات. وقد يشهد له خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع): " إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صوم شهر رمضان " (* 2) وعن المعتبر: أنه يمرن لست سنين. وليس عليه دليل ظاهر. وعن المبسوط وجماعة: أنه يمرن لسبع وقد يشهد له مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) - في حديث - " إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فان كان إلى نصف النهار، أو اكثر من ذلك، أو أقل. فان غلبهم العطش و الغرث (* 3) أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه. فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا " (* 4) وفي دلالته تأمل ظاهر. فالاولى أن يجعل دليلا على ماعن النهاية: من أنه يمرن لتسع، كمرسل الفقيه عن الصادق (ع): " الصبي يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه، فان أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر " (* 5). نعم عن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب مقدمات العبادات حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 29 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 5. (* 3) الغرث: بالتحريك الجوع. (* 4) الوسائل باب: 29 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 3. (* 5) الوسائل باب: 29 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 11.

 

===============

 

( 425 )

 

{ غير فرق بين الذكر والانثى في ذلك كله (1) (مسألة 3): يشترط في صحة الصوم المندوب - مضافا إلى ما ذكر -: أن لا يكون عليه صوم واجب (2)، - من } المختلف: رواية المصحح في المقامين: (سبع) (* 1) وعليه يتم الاستدلال. وكيف كان فمقتضى الجمع بين هذه النصوص وغيرها من المطلقات. البناء على اختلاف مراتب التأكيد باختلاف مراتب العمر. وما في المتن - تبعا للشرائع وغيرها - إنما يتم بناء على ثبوت رواية السبع. اللهم إلا أن يكتفى بفتوى الشرائع وغيرها في الحكم. (1) في محكي المدارك: " قطع الاصحاب باستحباب تمرينها قبل البلوغ والتشديد عليها لسبع. ولاريب في استحباب التمرين. إلا أن تعيين مبدئه يتوقف على الدليل ". وكأنه لاختصاص النصوص بالذكر، فالتعدي إلى الانثى محتاج الى قرينة مفقودة. ولاسيما بملاحظة اختلافهما في وقت الوجوب. وقاعدة الاشتراك لا مجال لها، لعدم الدليل عليها فيه (2) كما هو المشهور شهرة عظيمة، بل قيل لا خلاف فيه إلا من السيد (ره) في المسائل الرسية، وعن جماعة موافقته، منهم العلامة في القواعد ويشهد للاول صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): " سألته عن ركعتي الفجر قال (ع): قبل الفجر... الى أن قال: أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة! فابدأ بالفريضة " (* 2) ومصحح الحلبي: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة، أيتطوع؟ فقال (ع): لا، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان " (* 3) ومثله خبر الكناني عنه (ع) (* 4).

 

 

____________

(* 1) راجع المختلف صفحة: 64. (* 2) الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 28 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 11. (* 3) الوسائل باب: 28 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.

 

===============

 

( 426 )

 

{ قضاء، أو نذر، أو كفارة، أو نحوها - (1). } ومنهما يظهر ضعف القول الثاني. إذ ليس المستند فيه إلا الاطلاق الواجب تقييده بما عرفت. أو القياس على الصلاة، بناء على الجواز فيها وهو لا مجال للعمل به. ولاسيما في قبال النص. (1) كما عن ظاهر الاكثر. ويشهد له ما في الوسائل عن الفقيه، باسناده عن الحلبي - وباسناده عن أبي الصباح الكناني - جميعا، عن أبي عبد الله (ع): " لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام وعليه شئ من الفرض " (* 1) قال: " وقد وردت بذلك الاخبار والآثار عن الائمة (عليهم السلام) " (* 2) وفي كتاب المقنع: " إعلم أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل وعليه شئ من الفرض كذلك وجدته في كل الاحاديث " (* 3). ومنه يظهر ضعف ماعن السيد (ره)، وظاهر الكليني، و المدارك وبعض من تأخر عنه. من الجواز في مطلق الواجب غير قضاء رمضان، للاصل. إذ لا مجال للاصل مع النصوص. وتوهم: أنه لا مجال للاخذ بها لتعارضها، لاطلاق بعضها، وتقييد الآخر بمن عليه قضاء شهر رمضان ويحمل المطلق على المقيد. مندفع: بأن الحمل إنما يكون مع التنافي، ولا تنافي بين إطلاق المنع وخصوصه. هذا ولكن قد يشكل العمل بالرواية العامة، فان الموجود في الفقيه هكذا: " باب الرجل يتطوع بالصيام وعليه شئ من الفرض: وردت الاخبار والآثار عن الائمة (عليهم السلام) أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام وعليه شئ من الفرض. وممن روى ذلك الحلبي وأبو الصباح

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 28 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.

 

===============

 

( 427 )

 

{ مع التمكن من أدائه (1). وأما مع عدم التمكن منه - كما إذا كان مسافرا وقلنا بجواز الصوم المندوب في السفر، أو كان في المدينة وأراد صيام ثلاثة أيام للحاجة - فالاقوى صحته. وكذا إذا نسي الواجب وأتى بالمندوب فان الاقوى صحته (2) إذا تذكر بعد الفراغ. وأما إذا تذكر في الاثناء قطع. ويجوز } الكناني عن أبي عبد الله (ع) " (* 1). وهو مخالف لما تقدم في الوسائل. والمظنون قويا: أن الصدوق (ره) عنى - بالروايتين في كلامه المذكور - الروايتين السابقتين في قضاء شهر رمضان، المرويتين في الوسائل عن الكافي في آخر الباب المعقود له (* 2)، وفهم الصدوق (ره) منهما مطلق الفرض، لا روايتين غيرهما. ولاجل ذلك اقتصر في الكافي والتهذيب على روايتهما فقط (* 3). فلاحظ. والمظنون قويا أيضا: أنهما المعني بالمرسل في المقنع. وعليه فيشكل ما عليه المشهور، إذ لا مأخذ له على هذا. فتأمل جيدا. (1) كما عن ظاهر جماعة، منهم الدروس والمدارك. لان إطلاق النصوص منصرف إلى ذلك، بتوسط ارتكاز أهمية الفرض المانعة من صلاحية التطوع لمزاحمته. ولا مجال لذلك مع عدم التمكن منه. (2) كما جزم به في الجواهر. وقرب العدم في صورة عدم التمكن من الواجب. وكأنه فرق من دون فارق، لعين الوجه السابق. إذ غاية ما يقتضيه النسيان عدم التمكن من المنسي، بل الصحة مع النسيان أخفى، لامكان دعوى الانصراف إلى صورة عدم التمكن من غير جهته، كما لا يخفى.

 

 

____________

(* 1) الفقيه ج 2 صفحة 87 طبع النجف الاشرف. (* 2) المراد بهما: ما رواه في الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5، 6. (* 3) لاحظ الكافي ج 4 صفحة 123 طبع ايران الحديثة، التهذيب ج 4 ص 276 طبع النجف الاشرف.

 

===============

 

( 428 )

 

{ تجديد النية حينئذ للواجب مع بقاء محلها (1)، كما إذا كان قبل الزوال. ولو نذر التطوع على الاطلاق صح (2) وإن كان عليه واجب، فيجوز أن يأتي بالمنذور قبله بعدما صار واجبا (3). وكذا لو نذر أياما معينة يمكن إتيان الواجب قبلها (4). وأما لو نذر أيام معينة لا يمكن اتيان الواجب قبلها ففي صحته اشكال، من أنه بعد النذر يصير واجبا، ومن أن التطوع قبل الفريضة غير جائز فلا يصح نذره. ولا يبعد أن يقال: إنه لا يجوز بوصف التطوع (5)، وبالنذر يخرج عن الوصف، ويكفي في رجحان متعلق النذر } (1) على ما سبق. (2) لان اشتغال الذمة بالواجب إنما يمنع عن صحة التطوع لاعن صحة نذره. (3) لا يخلو من إشكال، لانه إذا كان لا يجوز التطوع لمن عليه الفرض، فلا يجوز أن يكون للمنذور إطلاق يشمله، بل يختص بغيره، فلا يكون الاتيان به قبل الواجب فردا للمنذور. (4) الاشكال فيه كما سبق. وحينئذ فلو نذر كذلك، وقصد الصوم الصحيح شرعا، وجب الاتيان بالواجب من باب المقدمة لصحة المنذور، ثم يأتي بالمنذور بعده. (5) هذا غير معقول، لان ذات التطوع إن كانت راجحة امتنع النهي عن التطوع بها، لان التطوع بالراجح من المستقلات العقلية، كالتطوع بالواجب. وإن كانت مرجوحة امتنع نذرها، لاعتبار الرجحان في متعلق النذر.

 

===============

 

( 429 )

 

{ رجحانه ولو بالنذر (1). وبعبارة أخرى: المانع هو وصف الندب، وبالنذر يرتفع المانع. (مسألة 4): الظاهر جواز التطوع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استئجاريا (2). وإن كان الاحوط تقديم الواجب. } (1) هذا - مع أنه خلاف ظاهر الادلة - خلاف مضمون صيغة النذر فان مالا يكون راجحا عنده سبحانه لا يمكن أن يجعل له تعالى على المكلف كما أن مالا يكون محبوبا لزيد لا يمكن جعله لزيد شرطا في عقد، بل إذا كان مبغوضا له يكون عليه لا له، فنقول: " لزيد علي أن أعطيه درهما " ولا تقول: " لزيد علي أن أءخذ منه درهما ". إلا أن يكون أخذ الدرهم منه محبوبا له ولو بالعرض. وقد أشرنا إلى ذلك أيضا في مبحث التطوع بالصلاة لمن عليه فريضة. (2) الصورة المتصورة في المقام أربع، لانه تارة: يكون الواجب والتطوع لنفسه، وأخرى: يكونان لغيره، وثالثة: يكون الواجب لنفسه والتطوع لغيره، ورابعة: بالعكس. والمتيقن من النصوص السابقة: الصورة الاولى. ويجري حكمها في الثانية، لانه إذا لم يشرع للمنوب عنه التطوع - لثبوت الواجب عليه - لايشرع للنائب، لتفرع المشروعية للنائب على المشروعية للمنوب عنه. اللهم إلا أن يكون عدم المزاحمة للواجب من شرائط الاداء، لامن شرائط المؤدى كما هو الاقرب. ومنه يظهر: أن حكم الثالثة البطلان، فان أداء التطوع ولو عن الغير لا يصح لمن عليه الفرض. والظاهر الصحة في الصورة الرابعة المذكورة في المتن، لان الواجب بالاستحباب ليس على المتطوع، بل على المنوب عنه، والنائب يؤدي ما هو

 

===============

 

( 430 )

 

{ فصل في شرائط وجوب الصوم وهي أمور: الاول والثاني: البلوغ والعقل، فلا يجب على الصبي، والمجنون (1). إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر (2)، دون ما إذا كملا بعده، فانه لا يجب عليهما وإن لم يأتيا بالمفطر (3) بل وإن نوى الصبي الصوم ندبا (4). لكن الاحوط - مع عدم } فرض على غيره، فلا تشمله النصوص. وقواه في الجواهر وغيرها. فصل في شرائط وجوب الصوم (1) إجماعا. لحديث رفع القلم عنهما (* 1) (2) فلا خلاف ولا إشكال في وجوب الصوم عليهما - كما في الجواهر - لاطلاق دليل الوجوب. (3) خلافا لما عن الوسيلة: من وجوب الصوم عليه حينئذ، لاطلاق دليله. وفيه: أنه لادليل على الاجتزاء بالنية من حين البلوغ، بل لابد فيه من اعتبار النية من حين الفجر، والمفروض عدمها. فتأمل، وراجع ما سبق في النية. ولو كان قد أتى بالمفطر فلا ريب في عدم وجوب الصوم إذ لايشرع صوم البعض. (4) خلافا لما عن الخلاف والمعتبر والمدارك: من وجوب الصوم عليه حينئذ، لاطلاق الدليل. وفيه: ما عرفت. اللهم إلا أن يقال: بناء

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: الوسائل باب: 4 من ابواب مقدمات العبادات حديث: 11.

 

===============

 

( 431 )

 

{ اتيان المفطر - الاتمام، والقضاء (1) إذا كان الصوم واجبا معينا. ولافرق في الجنون بين الاطباقي والادواري (2) إذا كان يحصل في النهار ولو في جزء منه (3). وأما لو كان دور جنونه في الليل، بحيث يفيق قبل الفجر فيجب عليه. الثالث: عدم الاغماء، فلا يجب معه الصوم ولو حصل في جزء من النهار. نعم لو كان نوى الصوم قبل الاغماء فالاحوط اتمامه (4). } على التحقيق من شرعية عبادات الصبي، وأنها كعبادة البالغ، غير أنها قد رفع الالزام بها لمصلحة اقتضت ذلك، فإذا نوى الصبي الصوم قبل الفجر فصام، وفي أثناء النهار بلغ، اختص رفع الالزام بما قبل البلوغ، وأما بعده فدليل اللزوم بحاله. ودعوى: أن موضوع اللزوم على البالغ هو تمام اليوم لابعضه. ممنوعة على نحو الكلية، بل يجوز تكليف البالغ بالبعض المتمم للكل إذا ساعدت عليه الادلة، كما في المقام، فان تفويت المصلحة الملزمة لولا الصبا حرام، وهو يترتب على الافطار حين البلوغ في الاثناء. ونظير المقام: مالو صلى في آخر الوقت وقد بلغ في الاثناء، فانه يجب عليه إتمام صلاته. (1) يعني: القضاء على تقدير عدم الاتمام، إذ مع الاتمام لافوت للصوم، كي يحتمل وجوب قضائه. ويحتمل أن يكون إطلاق القضاء في العبارة خروجا عن شبهة خلاف ماعن الاقتصاد: من وجوب القضاء عليه مع عدم وجوب الامساك. (2) لاطلاق دليل حكمه. (3) لما تقدم: من منافاته للصوم، وليس هو كالاغماء. (4) يجري فيه ما تقدم في الصبي، بناء على أن الاغماء غير مناف

 

===============

 

( 432 )

 

{ الرابع: عدم المرض (1) الذي يتضرر معه الصائم. ولو برئ بعد الزوال ولم يفطر لم يجب عليه النية والاتمام (2) وأما لوبرئ قبله ولم يتناول مفطرا. فالاحوط أن ينوي ويصوم (3)، وإن كان الاقوى عدم وجوبه. } للصوم، كما تقدم في الفصل السابق. وعليه يجب إتمامه ويصح صوما إذا بقي محل النية. (1) بلا خلاف ولا إشكال، بل لعله ضروري. لاتفاق الكتاب المجيد، والسنة المتواترة عليه. (2) لفوات محل النية. (3) كما هو المشهور، وفي المدارك: نسبته الى علمائنا أجمع، وعن المفاتيح، أنه لا خلاف فيه، وفي الذخيرة: حكاية الاجماع من بعض عليه وهو في محله بناء على أن الاصل يقتضي بقاء محل النية إلى الزوال. وإلا فلا وجه له إلا استفادته مما ورد في المسافر والجاهل، ومن دعوى الاجماع المتقدمة. والاستفادة محل نظر. وما في المدارك - من أن المريض أعذر من المسافر - لا يجدي في الاستفادة، لعدم إحراز المناط. وثبوت الاجماع بنحو يصح الاعتماد عليه مشكل، وان كان قريبا، إذ أنه لا يظهر خلاف فيه من أحد. وما عن ابني زهرة وحمزة - من استحباب إمساك المريض إذا برئ - ليس فيما نحن فيه. فراجع. ثم إن محل الكلام إن كان في مريض كان لا يضره الصوم، بشهادة أنه أمسك وبرئ، غاية الامر أنه كان يعتقد أنه يضره الصوم تمام اليوم فلما برئ في الاثناء انكشف خطأه، فمثله يجب عليه الصوم واقعا، فبعد انكشاف الحال كيف يحتمل أنه مفطر وأنه يجوز له الاكل والشرب؟! بل يكون كالجاهل الذي علم في أثناء النهار أن اليوم من رمضان. نعم

 

===============

 

( 433 )

 

{ الخامس: الخلو من الحيض والنفاس (1)، فلا يجب معهما وإن كان حصولهما في جزء من النهار. السادس: الحضر، فلا يجب على المسافر الذي يجب عليه قصر الصلاة، بخلاف من كان وظيفته التمام - كالمقيم عشرا والمتردد ثلاثين يوما، والمكاري، ونحوه، والعاصي بسفره - فانه يجب عليه التمام. إذ المدار في تقصير الصوم على تقصير الصلاة، فكل سفر يوجب قصر الصلاة يوجب قصر الصوم وبالعكس (2). (مسألة 1): إذا كان حاضرا فخرج إلى السفر، فان كان قبل الزوال وجب عليه الافطار (3)، وإن كان بعده } يبقى الاشكال في الاكتفاء بصومه من جهة عدم النية أول النهار. وان كان في مريض كان يضره الصوم ولو أول النهار، فكان إمساكه موجبا تضرره المحرم، وبعد تضرره برئ وبقي متضررا، فلا يظن من أحد الالتزام بصحة صومه بعد البرء، لوقوعه على الوجه المحرم، المنافي لعباديته - كالرياء - حسبما تقدم. نعم لو كان الامساك حرجا عليه، فأقدم عليه مدة من أول النهار ثم ارتفع الحرج، كان الاشكال في صحة صومه من جهة عدم النية عند الفجر في محله. وحينئذ يكون حكمه حكم المغمى عليه أول النهار إذا أفاق قبل الزوال. وقد تقدم. فلاحظ. (1) كما تقدم. (2) تقدم الكلام فيه في الفصل السابق. (3) تقدم الكلام فيه.

 

===============

 

( 434 )

 

{ وجب عليه البقاء على صومه. وإذا كان مسافرا وحضر بلده أو بلدا يعزم على الاقامة فيه عشرة أيام، فان كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجب عليه الصوم (1)، } (1) بلا خلاف ظاهر. لموثق أبي بصير: " سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان. فقال (ع): إن قدم قبل الزوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم، ويعتد به " (* 1) وموثق سماعة: " إن قدم بعد زوال الشمس أفطر، ولا يأكل ظاهرا. وإن قدم من سفره قبل الزوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء " (* 2) ورواية البزنطي: " سألت أبا الحسن (ع): عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال. قال (ع): يصوم " (* 3) ومصحح يونس: " قال في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل، فعليه أن يتم صومه، ولاقضاء عليه " (* 4) ونحوها غيرها. نعم يظهر من جملة أخرى خلاف ذلك، كصحيح ابن مسلم: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان، فيدخل أهله حين يصبح، أو ارتفاع النهار. قال (ع): إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر " (* 5) وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع): " فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الاقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم. وان دخل بعد طلوع الفجر فلا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5. (* 5) الوسائل باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

 

===============

 

( 435 )

 

{ وإن كان بعده، أو تناول فلا (1)، وإن استحب له الامساك } صيام عليه، وإن شاء صام " (* 1) بل قد يظهر ذلك من موثق سماعة المتقدم. لكن يجب حملها على التخيير قبل القدوم بين الامساك إلى أن يدخل فيصوم، وبين الافطار والبقاء عليه بعد الدخول، كما قد يظهر من صحيحة رفاعة بن موسى قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار. قال (ع): إن طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام، وإن شاء أفطر " (* 2) فالخيار له في حال كونه خارجا ولم يدخل لابعد مادخل. فان لم يمكن ذلك الحمل فلتطرح، لاعراض الاصحاب عنها. فما عن ابن زهرة: من إطلاق استحباب الامساك للمسافر إذا قدم أهله، ضعيف. أو محمول على مالا يخالف ما ذكر. ثم إن اطلاق فرض السؤال في مصحح يونس المتقدم وان كان بمقتضى ترك الاستفصال العموم للجنابة العمدية، لكن قول الامام (ع) في الجواب " أن يتم صومه " دليل على أن المراد بالجنابة الاحتلام ونحوه مما لا يضر في الصوم، فيكون موضوع الحكم: الذي لم يستعمل جميع المفطرات في ذلك اليوم إلى أن دخل البلد. فالاخبار واردة لتشريع الامتثال، لا لتشريع موضوع الامتثال. (1) بلا خلاف فيه ظاهر أيضا. لموثق سماعة المتقدم، بعد حمله على ما سبق. ومعتبر ابن مسلم: " عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان، فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض، أيواقعها؟ قال (ع): لا بأس به " (* 3) فما عن الشيخ (ره) - من إطلاق وجوب

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.

 

===============

 

( 436 )

 

{ بقية النهار (1). والظاهر أن المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده (2)، لا الخروج عن حد الترخص. وكذا في الرجوع المناط دخول البلد. لكن لا يترك الاحتياط بالجمع إذا كان الشروع قبل الزوال والخروج عن حد الترخص بعده وكذا في العود إذا كان الوصول إلى حد الترخص قبل الزوال و الدخول في المنزل بعده. (مسألة 2): قد عرفت التلازم بين إتمام الصلاة و الصوم، وقصرها والافطار. لكن يستثنى من ذلك موارد: أحدها: الاماكن الاربعة، فان المسافر يتخير فيها بين القصر والتمام في الصلاة، وفي الصوم يتعين الافطار (3). الثاني: ما مر من الخارج إلى السفر بعد الزوال (4)، } الصوم، و سقوط القضاء عنه، إذا لم يكن قد فعل ما ينقض الصوم - محمول على ما قبل الزوال. أو مدفوع بما عرفت. وعن السرائر أنه مخالف للاجماع. (1) كما يشهد به جملة من النصوص، كموثق سماعة: " سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل. (ع): لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا. ولا يواقع في شهر رمضان " (* 1) ونحوه غيره. (2) لان الظاهر من أدلة حد الترخص كونها مقيدة لاطلاق أدلة أحكام المسافر، لاحاكمة عليها بجعل ما دون الحد من البلد، كي يكون حد الترخص حدا للسفر ابتداء وغاية، بل الحد حد للترخص، لا للسفر. (3) تقدم الكلام فيه في صلاة المسافر. (4) مر الكلام فيه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

 

===============

 

( 437 )

 

{ فانه يتعين عليه البقاء على الصوم، مع أنه يقصر في الصلاة (1). الثالث: ما مر من الراجع من سفره، فانه إن رجع بعد الزوال يجب عليه الاتمام، مع أنه يتعين عليه الافطار. (مسألة 3): إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الافطار إلا بعد الوصول إلى حد الترخص (2). وقد مر سابقا: وجوب الكفارة عليه إن أفطر قبله (3). (مسألة 4): يجوز السفر اختيارا في شهر رمضان (4)، } (1) هذا على المشهور - وكذا ما يأتي في الثالث - حسبما تقدم في صلاة المسافر. (2) بلا خلاف ولا إشكال - كما في الجواهر - في وجوب الكفارة عليه لو أفطر قبله، فضلا عن وجوب القضاء. للقاعدة المتقدمة، المتضمنة للملازمة بين التقصير والافطار. (3) مر في المسألة الحادية عشرة من فصل الكفارة. (4) على المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعا. إذ لايعرف الخلاف فيه إلا من الحلبي، فانه حكي عنه أنه قال: إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا. لقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (* 1) بناء على أن المراد منه الحاضر في أوله، كما يشهد له جملة من النصوص الاتية. ولخبر أبي بصير، الذي رواه المشايخ الثلاثة على اختلاف يسير لا يضر بالاستدلال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان. فقال (ع): لا، إلا فيما أخبرك به: خروج الى مكة، أو غزو في سبيل الله تعالى، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تخاف هلاكه. وإنه ليس أخا من الاب والام " (* 2) ومرسل علي بن

 

 

____________

(* 1) البقرة: 185. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

 

===============

 

( 438 )

 

أسباط عن رجل عن أبي عبد الله (ع): " إذا دخل شهر رمضان فلله تعالى فيه شرط قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج، إلا في حج، أو عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه. فإذا مضت ليلة ثلاثة وعشرين فليخرج حيث يشاء " (* 1) ونحوهما خبر أبي بصير الآخر (* 2) وحديث الاربعمائة عن علي (ع) (* 3) وخبر الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (ع) (* 4). نعم يعارضها: صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): " عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان، وهو مقيم وقد مضى منه أيام. فقال (ع): لا بأس بأن يسافر، ويفطر ولا يصوم " (* 5) ولو بني على كون مقتضى الجمع: تقيد الصحيح بموارد الاستثناء فيها. أو ظهوره في كون السؤال فيه عن حكم الافطار والصوم في السفر، لا السؤال عن حكم نفس السفر، كفى في وجوب رفع اليد عن النصوص الاول صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهم مقيم لا يريد براحا، ثم يبدو له بعدما يدخل شهر رمضان أن يسافر. فسكت، فسألته غير مرة، فقال (ع): يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لابد له من الخروج فيها، أو يتخوف على ماله " (* 6). المعتضد أو المؤيد بحسن حماد:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8. (* 5) الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2. (* 6) الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

 

===============

 

( 439 )

 

{ بل ولو كان للفرار من الصوم (1)، كما مر. وأما غيره من الواجب المعين فالاقوى عدم جوازه (2)، إلا مع الضرورة. كما أنه لو كان مسافرا وجب عليه الاقامة لاتيانه مع الامكان. } " رجل من أصحابنا جاءني خبره من الاعوص، وذلك في شهر رمضان، أتلقاه وأفطر؟ قال (ع): نعم، قلت: أتلقاه وأفطر، أو أقيم وأصوم قال (ع): تلقاه وأفطر " (* 1) والمرسل الوارد في تفصيل السفر لمشايعة المؤمن والافطار على الاقامة والصوم (* 2). هذا ومقتضى صحيح الحلبي أفضلية الاقامة من جهة إدراك الصوم، ولا يبعد أن يكون النهي عن السفر في النصوص الاول عرضيا لملازمته لترك الافضل. (1) للاطلاق المتقدم. (2) لان الحضر من شرائط الواجب، فيجب تحصيله، كسائر شرائط الواجب. ويشهد لذلك: صدق الفوت بترك الصوم في السفر، ووجوب القضاء، ولو كان من شرائط الوجوب التي لا يجب تحصيلها لم يكن وجه لذلك، لان انتفاء شرائط الوجوب يقتضي انتفاء الملاك المشرع للواجب، ومع انتفائه لا معنى للفوات والقضاء. فان قلت: لو كان الحضر من شرائط الوجود لحرم السفر في شهر رمضان، لاقتضائه ترك الصوم، فجوازه دليل على أنه من شرائط الوجوب. قلت: وجوب تحصيل شرط الواجب يتوقف على أخذ مطلق وجوده شرطا للواجب. أما لو كان المأخوذ شرطا له وجوده لابداعي الامر امتنع وجوب تحصيله، للزوم الخلف، فان حصوله يكون بداعي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة المسافر حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.

 

===============

 

( 440 )

 

الامر، كما هو ظاهر. فان قلت: إذا كان المأخوذ شرطا للصوم الحضر من باب الاتفاق - لامن قبل الامر - لم يجب تحصيله مطلقا، بلا فرق بين شهر رمضان وغيره من الواجب المعين، فلا وجه لدعوى وجوب الاقامة في الواجب المعين غير رمضان. قلت: قيام الدليل الخاص على كون الشرط خصوص الوجود من باب الاتفاق في شهر رمضان لا يقتضي جواز التعدي عنه إلى سائر أنواع الصوم الواجب المعين. اللهم إلا أن يقال: إذا ثبت كون الشرط في صوم رمضان الحضر من باب الاتفاق، فلابد من التعدي إلى غيره، كما تقتضيه قاعدة الالحاق التي استقر بناؤهم على العمل بها في سائر الحدود المعتبرة في صوم رمضان وسائر الموارد، إلا أن يقوم دليل على خلافها. ولاسيما بملاحظة اعتضادها بما ورد في المعين بالنذر، كرواية عبد الله بن جندب: " سمعت من زرارة عن أبي عبد الله (ع): أنه سأله عن رجل جعل على نفسه نذر صوم يصوم، فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله (ع). قال (ع): يخرج ولا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك " (* 1) وقريب منه غيره مما هو مذكور في باب صوم النذر في السفر. ولذلك اختار في الجواهر: عدم وجوب الاقامة في الصوم المعين مطلقا، رمضان كان، أو قضاؤه، أو كفارة أو نذر - وكذا في نجاة العباد - وأمضاه شيخنا الاعظم (ره)، وسيدنا

 

 

____________

كذا في صوم الوسائل عن التهذيب. وفى كتاب النذر عن الكافي: " نذرا صوما " (* 2) وبين المتنين إختلافات أخر. فراجع. منه قدس سره. (* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5، التهذيب ج 4 صفحة 333، ج 7 صفحة 306 طبع النجف الاشرف. (* 2) الوسائل باب: 13 من أبواب النذر حديث: 1، الكافي ج 7 صفحة 457 طبع أيران الحديثة.

 

===============

 

( 441 )

 

{ (مسألة 5): الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان (1) قبل أن يمضي ثلاثة وعشرون يوما (2)، إلا في حج، أو عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه (3). (مسألة 6): يكره للمسافر في شهر رمضان (4) } المحقق الشيرازي (ره) وغيرهما. وهذا هو الاقوى. نعم لو كان مقصود الناذر نذر الاقامة والصوم وجبت الاقامة. وكذا الواجب المعين بالاجارة إذا كان المقصود الاجارة على الاقامة والصوم، كما أشرنا إلى ذلك في صلاة المسافر. والله سبحانه أعلم. (1) قد عرفت: أن مقتضى الجمع بين النصوص هو أفضلية الاقامة والصوم. (2) تقدم التحديد بذلك في رواية علي بن أسباط (* 1). (3) تقدم التعرض في النصوص لاستثناء ذلك (* 2). (4) كما هو المشهور، وعن المدارك: أنه مما قطع به الاصحاب. لصحيح ابن سنان: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية له، أفله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال (ع): سبحان الله أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان؟! إنه له في الليل سبحا طويلا. قلت: أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ فقال (ع): إن الله تبارك وتعالى قد رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفا، لموضع التعب والنصب ووعث السفر، ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان... (إلى أن قال): وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما أكل إلا القوت، وما أشرب كل الري " (* 3) وعن أبي الصلاح:

 

 

____________

(* 1)، (* 2) لاحظ ذلك في المسألة: 4 من هذا الفصل. (* 3) الوسائل باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.

 

===============

 

( 442 )

 

{ - بل كل من يجوز له الافطار - (1) التملي من الطعام والشراب وكذا يكره له الجماع في النهار، بل الاحوط تركه (2). وإن كان الاقوى جوازه. } الحرمة، وهو ضعيف لما يأتي. (1) لما يظهر من الصحيح السابق: من أن الموجب للكراهة منافاة ذلك لحرمة الشهر، لا لخصوصية السفر. (2) لما عرفت: من حكاية الحرمة عن أبي الصلاح، وكذا عن الشيخ (ره) للصحيح المتقدم - ونحوه صحيحه الآخر (* 1) وصحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع): " إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء في النهار، فان ذلك محرم عليه " (* 2) لكن يجب حملها على الكراهة، جمعا بينها وبين مادل على الجواز، كصحيح عمر بن يزيد: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسافر في شهر رمضان، أله أن يصيب من النساء؟ قال (ع): نعم " (* 3) ونحوه غيره مما هو كثير. فلاحظ الباب المعقود له في الوسائل في أبواب من يصح منه الصوم. (4).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 13 من أبوا من يصحح منه الصوم حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم.

 

===============

 

( 443 )

 

{ فصل وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لاشخاص بل قد يجب (1): الاول والثاني: الشيخ والشيخة، إذا تعذر عليهما الصوم (2)، أو كان حرجا ومشقة (3)، فيجوز لهما الافطار. لكن يجب عليهما (4) } فصل (1) وذلك إذا لزم من الصوم ضرر محرم. (2) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر ويشهد له - مضافا الى حكم العقل، وحديث رفع الاضطرار (* 1) - النصوص الكثيرة التي كادت تكون متواترة، كما ستأتي الاشارة إلى بعضها. (3) إجماعا على الظاهر أيضا. ويشهد له - مضافا الى مادل على نفي الحرج (* 2) إطلاق بعض النصوص الآتية. أو صريحها. (4) على المشهور شهرة عظيمة. للامر بالفدية في النصوص الاتية. وعن أبي الصلاح: الاستحباب. ويشهد له الصحيح عن ابراهيم الكرخي: " قلت لابي عبد الله (ع): رجل شيخ لايستطيع القيام الى الخلاء لضعفه، ولا يمكنه الركوع والسجود... (إلى أن قال): قلت: فالصيام. قال (ع): إن كان في ذلك الحد فقد وضع الله تعالى عنه. فان كانت

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس. (* 2) راجع المسألة: 10 من فصل ماء البئر ج 1 من هذا الشرح.

 

===============

 

( 444 )

 

{ في صورة المشقة (1) - بل في صورة التعذر أيضا - (2) } له مقدرة فصدقة مد من طعام بدل كل يوم أحب إلي. وان لم يكن له يسار ذلك فلا شئ عليه " (* 1) إلا أنه - مع اختصاصه بالعاجز - يمكن حمله عليه جمعا، كما يأتي. (1) بلا خلاف فيه بين القائلين بوجوب الفدية. لصحيح عبد الملك ابن عتبة الهاشمي قال: " سألت أبا الحسن (ع) عن الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان. قال (ع): يتصدق عن كل يوم بمد من حنطة " (* 2) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): " عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان. فقال (ع): يتصدق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكل يوم " (* 3) ونحوهما غيرهما. (2) على المشهور. كما يقتضيه إطلاق بعض النصوص الشامل له. وللمشقة. وخصوص خبر أبي بصير، المحكي عن نوادر ابن عيسى قال: " قال أبو عبد الله (ع): " أيما رجل كبير لايستطيع الصيام، أو مرض من رمضان الى رمضان ثم صح، فانما عليه لكل يوم أفطر فيه فدية إطعام، وهو مد لكل مسكين " (* 4) وخبره الآخر عن أبي عبد الله (ع) " قلت له: الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم. فقال (ع): يصوم عنه بعض ولده. قلت: فان لم يكن له ولد. قال (ع): فأدنى قرابته. قلت: فان لم يكن له قرابة. قال (ع): يتصدق بمد في كل يوم. فان لم يكن عنده شئ فليس عليه " (* 5).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 10. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9. (* 4) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 12. (* 5) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 11.

 

===============

 

( 445 )

 

{ التكفير بدل كل يوم بمد من طعام. والاحوط مدان (1). } وعن المفيد والسيد وسلار وابني زهرة وإدريس والمختلف: عدم الوجوب، واختصاصها بصورة المشقة للاصل. ولمناسبة الفدية للقدرة. ولصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): " في قول الله عزوجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) (* 1) قال (ع): الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش " (* 2) الظاهر في أن موضوع الفدية الطاقة. ولكن لا مجال للاصل مع الدليل. والمناسبة - لو تمت - لا تصلح لاثبات شئ. والصحيح - مع معارضته بما دل على أن الآية منسوخة - غير ظاهر فيما ذكر، لاحتمال كون المراد: " الذين كانوا يطيقونه "، كما في مرسل ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) (* 3) ولو سلم فمقتضاه اختصاص الآية بالطاقة، لااختصاص الفدية بها، فلا يعارض مادل على ثبوتها مع العجز أيضا، مما عرفت الاشارة إليه. نعم يمكن الاستشهاد للقول المذكور بالصحيح عن إبراهيم الكرخي المتقدم، بناء على ظهور في العاجز، فانه يقيد مادل باطلاقه على ثبوت الكفارة فيه، ويوجب حمل مادل بالخصوص على وجوبها فيه - كروايتي أبي بصير - على الاستحباب. بل لو سلم إطلاقه يمكن حمله على العاجز، جمعا بينه وبين ما تقدم مما دل على وجوبها في القادر مع المشقة. (1) كما عن الشيخ (ره) فيمن تمكن منهما، جمعا بين مادل على أنها مد واحد، الذي هو المشهور في النصوص، وما دل على أنها مدان، كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) المتقدم، الذي رواه الشيخ (ره): " في

 

 

____________

(* 1) البقرة: 184. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.

 

===============

 

( 446 )

 

{ والافضل كونهما من حنطة (1). والاقوى وجوب القضاء عليهما لو تمكنا بعد ذلك (2). } الشيخ الكبير والذي به العطاش. قال (ع): يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام " (* 1) بحمل الثاني على القادر عليهما، والاول على العاجز. وفيه - مضافا إلى بعده في أخبار المد -: أنه جمع لا شاهد عليه، فلا يجوز ارتكابه بعد أن كان الجمع العرفي يقتضي حمل الثاني على الاستحباب (1) كما في صحيح الهاشمي المتقدم (* 2) ولم يعرف عامل بظاهره. (2) كما هو المشهور، كما في المستند. لعموم قضاء الفائت. وعن علي ابن بابويه: العدم، وحكي عن جماعة، منهم النافع والمدارك، ويظهر من محكي المراسم والوسيلة والسرائر، وقواه في الرياض والمستند. لصحيح محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): " الشيخ الكبير والذي به العطاش لاحرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان. ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام، ولاقضاء عليهما " (* 3) ويشير إليه صحيح الحلبي المتقدم (* 4) ورواية أبى بصير المحكية عن النوادر (* 5) ورواية ابن فرقد فيمن ترك الصيام: " إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه. وإن كان من كبر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2. ولا يخفى: أنه ليس هو بالصحيح لمحمد بن مسلم المتقدم في التعليقة السابقة، كما يظهر ذلك بمراجعة الوسائل، والتهذيب ج 4 صفحة 238 طبع النجف الاشرف والاستبصار ج 2 صفحة 104 طبع النجف الاشرف. بل هو الصحيح الآتي له قريبا، مع تغيير يسير. فلاحظ. (* 2) تقدم ذلك قريبا في هذه المسألة. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث ة 1. (* 4)، (* 5) تقدما قريبا في هذه المسألة.

 

===============

 

( 447 )

 

{ الثالث: من به داء العطش (1) فانه يفطر، سواء كان بحيث لا يقدر على الصبر، أو كان فيه مشقة. ويجب عليه التصدق بمد. والاحوط مدان. من غير فرق بين ما إذا كان مرجو الزوال إم لا (2). والاحوط - بل الاقوى - وجوب القضاء عليه إذا تمكن بعد ذلك (3). } أو عطش فبدل كل يوم مد " (* 1). ودعوى: انصرافها إلى غير المتمكن من القضاء ممنوعة. كما يظهر بأقل تأمل فيها. ولاسيما بملاحظة ذكر ذي العطاش الممنوع فيه الغلبة. والمقابلة بين المريض والشيخ الظاهرة في اختلافهما في الحكم. فلاحظ. (1) إجماعا حكاه غير واحد، منهم العلامة في محكي التذكرة، والتحرير، والمنتهى. لما دل على رفع الاضطرار والحرج. وللنصوص المتقدم بعضها في الشيخ، التي منها يستفاد أن الفدية مد واحد. كما هو المشهور نصا وفتوى. وعن الشيخ: أنها مدان لمن تمكن منهما. للصحيح المتقدم وتقدم الجواب عنه. (2) لاطلاق أدلة الفدية. وعن العلامة في جملة من كتبه: نفي الفدية مع رجاء البرء، وتبعه عليه في جامع المقاصد. للاصل. وكونه من المريض الذي لا كفارة عليه. وهو - كما ترى - لا يصلح لمعارضة ما سبق. ومثله: ما عن سلار في المراسم: من نفيها مع اليأس من البرء، لاصالة البراءة. (3) كما هو المشهور ظاهرا. لعموم قضاء الفائت - كما سيأتي - ولقوله تعالى: (ومن كان مريضا...) (* 2) وفيه: أن العموم مخصص بصحيحي ابن مسلم وغيرهما. والآية غير ظاهرة الشمول لما نحن فيه، لقرب دعوى

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب الصوم المندوب حديث: 1. (* 2) البقرة: 185.

 

===============

 

( 448 )

 

{ كما أن الاحوط أن يقتصر على مقدار الضرورة (1). } انصرافها إلى غيره، كما يعطيه خبر داود بن فرقد المتقدم. ولو سلم فهي أيضا مخصصة بما عرفت. ودعوى: أن بينه وبينها عموما من وجه، لاختصاصها بالمرض الزائل إذ الظاهر من: " أيام أخر " غير أيام المرض. وعمومه له وللمستمر، والمرجع في مورد التعارض عموم القضاء. مندفعة: بأنه لو سلم فحيث أن المرض المتقدم في الشرط هو في أيام شهر رمضان فغير أيامه يراد بها غير أيام شهر رمضان، سواء أكان فيها مرض آخر أم لم يكن. ولا وجه لتخصيصها بما لا يكون فيها مرض أصلا، وإرادة غير أيام مطلق المرض خلاف الظاهر. فان قلت: إذا كان المرض في شهر رمضان مسوغا للافطار كان مسوغا له في غيره بالاولوية، فلابد من حمل (الايام الاخر) على غير أيام مطلق المرض، لا خصوص المرض السابق. قلت: هذا بعينه جار في الصحيحين، فنفي القضاء فيهما لابد أن يكون بملاحظة حال البرء من العطاش - لا حاله - فيكونان أيضا أخص. هذا مضافا إلى ما يفهم من نصوص الباب في الموارد الثلاثة، من كون الفدية بدلا عن نفس الصوم بمنزلة القضاء، يتدارك بها مصلحته، لابدلا عن خصوصية الوقت. ولذا لا تجب في المريض، والمسافر، والحائض، والنفساء، وغيرهم من المعذورين - فتأمل جيدا - فإذا القول بنفي القضاء - كما عن بعض - في محله. (1) فعن بعض: وجوب الاقتصار عليها، لرواية عمار عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه. قال (عليه السلام): يشرب بقدر ما يمسك به رمقه، ولا يشرب حتى

 

===============

 

( 449 )

 

{ الرابع: الحامل المقرب التي يضرها الصوم (1)، أو يضر حملها (2)، فتفطر، وتتصدق (3) } يروى " (* 1) وفيه: أنه أجنبي عما نحن فيه، لاختصاصه بمن يعرض له العطش اتفاقا في نهار الصوم. وكذا رواية المفضل عنه (ع): " إن لنا فتيانا وبنات لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش. قال (ع): فليشربوا بمقدار ما تروى به نفوسهم وما يحذرون " (* 2) مع الاشكال في اعتبارها، لجهالة اسماعيل بن مرار، وقد مر الكلام فيه في مرسلة يونس في مستمرة الدم. فلا مجال لرفع اليد عن الاطلاق. (1) بلا خلاف ولا إشكال، وفي الجواهر: الاجماع بقسميه عليه. لعموم مادل على نفي الضرر والحرج. ولصحيح محمد بن مسلم قال: " سمعت أبا جعفر (ع) يقول: الحامل المقرب، والمرضعة القليلة اللبن لاحرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لانهما لا تطيقان. وعليهما أن تتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطران فيه بمد من طعام. وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه، تقضيانه بعد " (* 3). (2) اتفاقا. لاطلاق النص وغيره. (3) بلا خلاف ظاهر فيه إذا كان الخوف على الولد. وكذا لو كان على نفسها، كما اختاره جماعة. لاطلاق الصحيح. وعن المشهور - كما في محكي المسالك -: عدم الكفارة حينئذ، بل في محكي الدروس: نسبة التقييد بالولد الى الاصحاب. ولا يخلو من تأمل، إذ قيل: " لم نقف على مصرح بالتفصيل إلا فخر الاسلام وبعض من تأخر عنه ".

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 16 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 16 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 17 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

 

===============

 

( 450 )

 

{ من مالها (1) بالمد أو المدين (2)، وتقضي بعد ذلك (3). الخامس: المرضعة القليلة اللبن (4) إذا أضر بها الصوم } وكيف كان فليس له وجه ظاهر في قبال إطلاق الصحيح. وانتفاء الكفارة في المريض وكل من خاف على نفسه، لا يكفي في قياس المقام عليه (1) كما نص عليه جماعة من الاعاظم. لظهور الامر بها في ذلك كالقضاء. وليست من النفقة الواجبة، لتكون على الزوج. ويشهد به: ما ورد في من أكره زوجته على الجماع في نهار رمضان، وأنه عليه كفارتان وإن طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة. (2) يعني: على الخلاف المتقدم. (3) على المشهور، وعن الخلاف: دعوى الاجماع عليه. للصحيح وعن علي بن بابويه وسلار: العدم. ولا يعرف له وجه إلا الصحيح عن محمد بن جعفر: " قلت لابي الحسن (ع): إن امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين، فوضعت ولدها، وأدركها الخبل، فلم تقو على الصوم. قال (ع): فلتتصدق مكان كل يوم بمد على مسكين " (* 1) وهو - مع أنه غير ما نحن فيه - ليس له ظهور يقوى على صرف الصحيح الى الاستحباب. (4) اتفاقا، كالحامل. للصحيح المتقدم فيها، ولمكاتبة ابن مهزيار المروية عن مستطرفات السرائر: " كتبت إليه (يعني: علي بن محمد) أسأله عن امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان، فيشتد عليها الصوم - وهي ترضع - حتى يغشى عليها، ولا تقدر على الصيام، أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها، أو تدع الرضاع وتصوم. فان كانت مما لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب (ع): إن كانت ممن يمكنها اتخاذ ضئر استرضعت لولدها أو أتمت صيامها. وإن كان ذلك لا يمكنها

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

 

===============

 

( 451 )

 

{ أو أضر بالولد (1). ولا فرق بين أن يكون الولد لها، أو متبرعة برضاعه، أو مستأجرة (2). ويجب عليها التصدق بالمد أو المدين أيضا من مالها (3)، والقضاء بعد ذلك. والاحوط - بل الاقوى - الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع (4) تبرعا، أو بأجرة من أبيه، أو منها، أو من متبرع. } أفطرت وأرضعت ولدها، وقضت صيامها متى ما أمكنها " (* 1). (1) لاطلاق الصحيح. (2) كما نص عليه في محكي الدروس وغيره. لاطلاق الصحيح، وصريح المكاتبة. (3) الكلام فيه كما سبق في الحامل قولا ودليلا. وكذا الحال فيما بعده (4) كما يقتضيه صريح المكاتبة، فيقيد بها إطلاق الصحيح. بل قد يشير إلى ذلك قوله (ع) في الصحيح: " لاحرج عليهما "، فانه مع إمكان ارتضاع الولد من غيرها لاحرج في الصوم. وكذا التعليل فيه بعدم الطاقة فان مقتضى تطبيقه على الارتكازي العرفي حمله على خصوص الصورة المذكورة. ولا ينافي ذلك تصريح الاصحاب: بعدم الفرق بين الام والمتبرعة إذ المراد من المتبرعة المرضعة مجانا، وان وجب عليها ذلك للانحصار. وضعف سند المكاتبة غير ظاهر، لروايتها عن الحميري عن ابن مهزيار الجليلين، ومن القريب جدا: أن يكون الحلي قد عثر على ما يوجب له اليقين برواية الحميري لها. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من ابواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

 

===============

 

( 452 )

 

{ فصل في طرق ثبوت هلال رمضان وشوال للصوم والافطار، وهي أمور (1): الاول: رؤية المكلف نفسه. الثاني: التواتر. الثالث: الشياع المفيد للعلم وفي حكمه كل ما يفيد العلم ولو بمعاونة القرائن. فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به وإن لم يوافقه أحد، بل وإن شهد ورد الحاكم شهادته. الرابع: مضي ثلاثين يوما من هلال شعبان، أو ثلاثين يوما من هلال رمضان، فانه يجب الصوم معه في الاول، } فصل في طرق ثبوت هلال رمضان وشوال (1) الطرق الاربعة الاول كلها راجعة إلى العلم، الذي هو حجة بنفسه. وتعرض الاصحاب لذكرها - كاشتمال النصوص على بعضها - كان تنبيها على أسباب العلم، لا لخصوصية فيها، كما هو واضح. هذا والنصوص قد تعرضت للاول، وهي متجاوزة حد التواتر، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) - في حديث -: " فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر " (* 1) كما تعرضت للثاني، مثل خبر عبد الرحمن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.

 

===============

 

( 453 )

 

{ والافطار في الثاني. الخامس البينة الشرعية (1)، وهي خبر عدلين، سواء } " عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان. فقال (ع): لاتصم ذلك اليوم، إلا أن يقضي أهل الامصار، فان فعلوا فصمه " (* 1) ونحوه غيره. ويحتمل أن يكون المراد بها الثالث. كما أنها استفاضت في الرابع، كصحيح محمد بن قيس: " فان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا " (* 2) ونحوه غيره، الوارد بعضه في هلال شهر رمضان، وبعضه في هلال شوال. (1) بلا خلاف ظاهر في ذلك في الجملة. نعم في الشرائع: حكاية القول بعدم القبول مطلقا، ولم يعرف قائله، كما اعترف به في الجواهر وغيرها. ويدل عليه - مضافا إلى إطلاق مادل على حجية البينة، كخبر مسعدة بن صدقة، حسب ما تقدم تقريب دلالته في المياه (* 3) - موثق منصور ابن حازم عن أبي عبد الله (ع): " فان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه " (* 4) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: " قال علي (ع): لاتقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، إلا شهادة رجلين عدلين " (* 5) وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع): " إن عليا (ع) كان يقول: لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين " (* 6) ونحوها غيرها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب أحكام شهر رمضان: 11. (* 3) لاحظ المسألة: 6 من فصل ماء البئر من الجزء الاول من هذا الشرح. (* 4) الوسائل باب: 11 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 4. (* 5) الوسائل باب: 11 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 7. (* 6) الوسائل باب: 11 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

 

===============

 

( 454 )

 

نعم يعارضها، خبر إبراهيم بن عثمان الخزاز عن أبي عبد الله (ع): " قلت له: كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال (ع): إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله تعالى فلا تؤدى بالتظني، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد: قد رأيته، ويقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه الف. ولا يجزئ في رؤية الهلال - إذا لم يكن في السماء علة - أقل من شهادة خمسين. وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر " (* 1) وخبر حبيب الخزاعي (الخثعمي الجماعي): " قال أبو عبد الله (ع): لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا، عدد القسامة. وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر - وكان بالمصر علة - فأخبرا أنهما رأياه، أو أخبرا عن قوم صاموا للرؤية " (* 2) وكأنه لاجلها اختار جماعة عدم قبول البينة إذا لم يكن في السماء علة كالصدوق، والشيخ، وبني حمزة وزهرة والبراج، والحلبي - على ما حكي عنهم - على اختلاف في عباراتهم المحكية، من حيث اعتبار كونهما من خارج البلد أيضا إذا كانت في السماء علة - كما هو ظاهر الخبرين - أو يكفي أحد الامرين، من العلة والخروج عن البلد. وكيف كان فالقول المذكور ضعيف، لا لضعف الخبرين - لان الظاهر اعتبار الاول، مع الانجبار بعمل الاجلاء - بل لان الظاهر الخبرين عدم حجية البينة مع الاطمئنان النوعي بالخطأ، كما يشير إليه قوله (ع) في الاول: " فلا تؤدى بالتظني "، وقوله (ع): " إذا رآه واحد رآه مائة... ". فالممنوع من حجية البينة خصوص الصورة التي هي مورد الملازمة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.

 

===============

 

( 455 )

 

{ شهدا عند الحاكم وقبل شهادتهما، أو لم يشهدا عنده، أو شهدا ورد شهادتهما (1). فكل من شهد عنده عدلان يجوز بل يجب عليه ترتيب الاثر (2)، من الصوم أو الافطار. ولافرق بين أن تكون البينة من البلد أو من خارجه، وبين وجود العلة في السماء وعدمها (3). نعم يشترط توافقهما في الاوصاف، فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها (4). نعم لو أطلقا، } المذكورة لا مطلقا. ولذا تضمنا جواز الاعتماد عليها مع العلة، وكون المخبر من خارج البلد، لانتفاء الملازمة المذكورة حينئذ، الموجب لانتفاء الاطمئنان بالخطأ نوعا. وهذا أمر آخر غير القول المذكور. اللهم إلا أن يكون مراد القائل ذلك. وحينئذ لا بأس بالالتزام به، للخبرين المذكورين، المطابقين لبناء العقلاء في باب حجية الخبر. (1) كما نص عليه غير واحد من دون نقل خلاف فيه. ويقتضيه إطلاق النصوص. (2) إذ بقيام الحجة يتنجز وجوب الصوم أو الافطار. (3) على ما عرفت. (4) كما نص عليه غير واحد، مرسلين له إرسال المسلمات. وهو كذلك لامن جهة أن ظاهر دليل حجية البينة كون موضوعه الخبرين الحاكيين عن مفهوم واحد، وليس كذلك في الفرض، لان الذات المقيدة بوصف غير الذات المقيدة بضده. فان ذلك ممنوع، بل الظاهر كون موضوعه الخبرين الحاكيين عن خارجي واحد ولو بتوسط مفهومين مختلفين، ولذا لا إشكال عندهم في قبول البينة مع اختلاف الشاهدين في الاوصاف غير المتضادة. بل لان الاختلاف بالاوصاف المتضادة مانع من الحكاية عن خارجي واحد

 

===============

 

( 456 )

 

{ أو وصف أحدهما وأطلق الآخر كفى (1). ولا يعتبر اتحادهما } بل يؤدي إلى التكاذب، فلا يمكن أخذ القدر المشترك بين الخبرين. فلو شهد أحدهما برؤية الهلال المحدب الى الارض، والآخر برؤية الهلال المحدب إلى الشمال، فالمدلول الالتزامي للخبر الاول عدم الهلال المحدب الى الشمال والمدلول الالتزامي للخبر الثاني عدم الهلال المحدب الى الارض. وكما أن القدر المشترك بين المدلولين المطابقيين للخبرين هو نفس وجود الهلال، كذلك القدر المشترك بين المدلولين الالتزاميين لهما هو عدم الهلال، فالاخذ بأحد المدلولين دون الآخر ترجيح بلا مرجح. والعمدة في عدم الاعتبار بشهادة الشاهدين مع اختلافهما في الاوصاف المتضادة: هو عدم حكايتهما عن وجود خارجي واحد، بل كل واحد يحكي عن وجود غير ما يحكيه الآخر، فلا يكون خبرهما بينة. هذا إذا كان خبر كل منهما عن الموصوف بنحو وحدة المطلوب. أما إذا كان بنحو تعدد المطلوب وجب قبولهما، لاشتراك الخبرين في الحكاية عن ذات الموصوف بنحو مفاد كان التامة، والاختلاف في وصفه - بنحو مفاد كان الناقصة - غير قادح، كما لو اتفقا على الاخبار بوجود شئ واختلفا في الاخبار عن وجود شئ آخر. وعلامة ذلك: أن لو تبين للشاهد الخطأ في الشهادة بالوصف بقي مصرا على الشهادة بذات الموصوف بخلاف مالو كان الاخبار عن الموصوف بما هو موصوف على نحو وحدة المطلوب، فانه لو تبين له الخطأ في الشهادة بالوصف عدل عن الشهادة بذات الموصوف. وقد أشرنا إلى ذلك في مباحث المياه في أوائل الكتاب فراجع. وعلى هذا فاطلاق ما في المتن وغيره: من عدم الاعتبار مع الاختلاف في غير محله. (1) لما عرفت من الاشتراك في الحكاية عن أمر خارجي واحد،

 

===============

 

( 457 )

 

{ في زمان الرؤية (1) مع توافقهما على الرؤية في الليل (2). } بلا تكاذب بين الخبرين، ليؤدي الى المحذور السابق. (1) إذ لا مقتضي لذلك بعد اشتراكهما في الحكاية عن وجوده، مع كون وجوده في أحد الزمانين ملازما لوجوده في الزمان الآخر. (2) فلو اختلفا فيها - كما لو شهد أحدهما برؤيته ليلة الاثنين والآخر برؤيته ليلة الثلاثاء - لم يثبت في كلتا الليلتين، لعدم اشتراك الخبرين في أمر واحد. نعم لازم شهادة الاول كون يوم الثلاثاء من الشهر، فيشترك الاول بمدلوله الالتزامي مع الثاني بمدلوله الالتزامي أيضا. إلا أن هذا المقدار من الاشتراك غير كاف في الدخول تحت موضوع الحجية، لاختصاصه بشهادة الشاهدين بأمر واحد، والمدلول الالتزامي ليس مشهودا به لهما، ولابد من صدق البينة من اتحاد المشهور به. فان قلت: قد تكرر مرارا وتحقق: إمكان التفكيك بين المدلول المطابقي والالتزامي في الحجية، فلم لا يكون الخبران حجة في المدلول الالتزامي لاشتراكهما فيه، وليسا بحجة في المدلول المطابقي لعدم الاشتراك؟! قلت: إذا ثبت حجية شئ أمكن حينئذ التفكيك بين مداليله في الحجية. والخبر الاول لما كان خبرا واحدا، فليس بحجة، وكذا الخبر الثاني، فلا وجه لحجيتهما في المدلول الالتزامي. واشتراكهما في ذلك المدلول بالالتزامي لا يجدي في وجوب ترتيب الاثر عليه واعتباره، لما عرفت من اختصاص دليل حجية البينة بما إذا اتحد المشهود به. نعم لو كان اللزوم بينا بالمعنى الاخص، وموجبا لكون الدلالة الالتزامية لفظية، كفى الاشتراك في الدلالة عليه في صدق البينة، والدخول تحت دليل الحجية، لتحقق الحكاية حينئذ للخبرين عن أمر واحد. وبالجملة: إذا اشترك الخبران في الحكاية عن أمر واحد بالدلالة

 

===============

 

( 458 )

 

{ ولا يثبت بشهادة النساء (1)، } اللفظية - مطابقة، أو تضمنا، أو التزاما، أو مختلفة - صدق مفهوم البينة وثبتت الحجية في كل واحد من المداليل المذكورة، لاطلاق دليل الحجية كما أنه لامانع من التفكيك بينها في الحجية إذا قام دليل على نفي الحجية في واحد منها، فتبقى البينة حجة في الآخر. أما إذا كان أحد الخبرين حاكيا عنه بالالتزام العقلي، لعدم كون اللزوم بينا بالمعنى الاخص، فلا عبرة بالخبرين معا، لانتفاء البينة، فينتفي حكمها وهو الحجية، فضلا عما إذا كان كل واحد منهما حاكيا كذلك. ومن هنا يظهر أنه لو شهد عدل برؤية هلال شعبان ليلة الاثنين، وآخر برؤية هلال شهر رمضان ليلة الاربعاء بعد ثلاثين ليلة، فقبول شهادتهما لاثبات كون الاربعاء من شهر رمضان موقوف على كون دلالة شهادة الاول بالالتزام على كون الاربعاء من شهر رمضان من الدلالة اللفظية، لكون اللزوم بينا بالمعنى الاخص. لكنه ليس كذلك، فلا وجه للقبول. (1) إجماعا، كما عن غير واحد. لصحيح الحلبي المتقدم (* 1) وصحيح حماد: " لا تجوز شهادة النساء في الهلال " (* 2) ونحوهما صحاح ابن مسلم (* 3) وعبد الله بن سنان (* 4) والعلاء (* 5) وغيرها. وما في خبر داود بن الحصين: " لا بأس في الصوم بشهادة النساء " (* 6) مطروح قطعا.

 

 

____________

(* 1) تقدم ذلك في أول الفصل. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 11 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 24 من ابواب الشهادات حديث: 10. (* 5) الوسائل باب: 24 من ابواب الشهادات حديث: 19. (* 6) الوسائل باب: 11 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 15.

 

===============

 

( 459 )

 

{ ولا بعدل واحد (1)، ولو مع ضم اليمين. السادس: حكم الحاكم (2) } (1) كما هو المشهور. وعن سلار: الاكتفاء به في الصوم دون الافطار واستشهد له بصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): " قال أمير المؤمنين (ع): إذا رأيتم الهلال فافطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين " (* 1) وفيه - مع أن المحكي عن بعض نسخه: (عدول) (* 2) بدل (عدل) (* 3)، أو (بينة عدل) (* 4)، كما في الوسائل، والبينة رجلان. وأن العدل يطلق على الواحد والكثير، كما نص عليه أهل العربية. وأن مورده الافطار، الذي لا يقول به هو -: أنه لا يصلح لمعارضة ما سبق، مما هو أصح سندا وأكثر عددا، وموافق للاجماع ممن عداه. (2) كما هو ظاهر الاصحاب. كما عن الحدائق. لاطلاق مادل على وجوب قبوله ونفوذه، وعدم جواز رده. ولصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): " إذا شهد عند الامام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الامام بالافطار ذلك اليوم، إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الامام بالافطار ذلك اليوم، وأخر الصلاة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 1. والتهذيب ج 4 ص 177 طبع النجف الاشرف. وفيها: " واشهدوا عليه عدولا... ". (* 3) الوسائل باب: 5 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 11، التهذيب ج 4 ص 158 طبع النجف الاشرف، الاستبصار ج 3 ص 73 طبع النجف الاشرف، الفقيه ج 2 ص 77 طبع النجف الاشرف. (* 4) الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6. ولكن في الاستبصار ج 2 ص 64 طبع النجف الاشرف: " بينة عدول من المسلمين".

 

===============

 

( 460 )

 

إلى الغد فصلى بهم " (* 1) والتوقيع الذي رواه اسحاق بن يعقوب: " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله " (* 2). ويشكل الاول: بأن التمسك به فرع إحراز موضوعه - وهو الحكم الذي هو وظيفة المجتهد - فلا يصلح لاثبات موضوعه. نعم لو ثبت إطلاق يقتضي نفوذ حكم الحاكم في كل شئ كفى ذلك في نفوذه في المقام. لكنه غير ثابت. والثاني مختص بالامام الظاهر في إمام الحق، ولا يجدي فيما نحن فيه. إلا أن يقوم ما يدل على أن الحاكم الشرعي بحكم الامام، وله كل ما هو وظيفته. وأما التوقيع الشريف فلا يخلو من إجمال في المراد، وأن الرجوع إليه هل هو في حكم الحوادث، ليدل على حجية الفتوى؟! أو حسمها ليدل على نفوذ القضاء؟ أو رفع إشكالهما وإجمالها، ليشمل ما نحن فيه؟. وإن كانت لاتبعد دعوى انصرافه الى خصوص مالابد من الرجوع فيه الى الامام، وليس منه المقام، لامكان معرفة الهلال بالطرق السابقة. وكأنه لاجل ذلك اختار بعض أفاضل المتأخرين: العدم، وتبعه في الحدائق والمستند على ما حكي. هذا ويمكن الاستدلال له بما ورد في مقبولة ابن حنظلة، من قوله (ع): " ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكما " (* 3) وقوله (ع) في خبر أبي خديجة: " اجعلوا بينكم رجلا قد عرفت حلالنا وحرامنا فاني قد جعلته عليكم قاضيا " (* 4) فان مقتضى اطلاق التنزيل ترتيب جميع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 6.

 

===============

 

( 461 )

 

وظائف القضاة والحكام، ومنها الحكم بالهلال، فانه لا ينبغي التوقف عن الجزم بأنه من وظائفهم التي كانوا يتولونها. فانه لم يكن بناء المسلمين في عصر صدور هذه النصوص وغيره على الاقتصار في الصوم والافطار على الطرق السابقة، أعني: الرؤية، والبينة، فمن قام عنده بعض تلك الطرق أفطر مثلا، ومن لم يقم عنده شئ منها بقي على صومه، بل كانوا يرجعون إلى ولاة الامر، من الحكام، أو القضاء، فإذا حكموا أفطروا بمجرد الحكم. وأقل سبر وتأمل كاف في وضوح ذلك، كيف! ولولاه لزم الهرج والمرج. ويشير إلى ذلك: صحيح محمد بن قيس المتقدم، والمرسل المتضمن شهادة الاعرابي برؤية الهلال، وأمر النبي صلى الله عليه وآله مناديا ينادي: " من لم يأكل فليصم. ومن أكل فليمسك " المتقدم في تأخير النية إلى ما قبل الزوال للمعذور (* 1) وخبر أبي الجارود: " الفطر يوم يفطر الناس، والاضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم يصوم الناس " (* 2) المتقدم في استعمال المفطر تقية، وما تضمن قول الصادق (ع) لابي العباس: " ما صومي إلا بصومك، ولا إفطاري إلا بافطارك " (* 3) ونحوها. والظاهر أنه لافرق في ذلك بين أن يكون مستند الحكم البينة أو الشياع العلمي، وبين أن يكون علم الحاكم بنفسه، بناء على جواز حكمه بعلمه - كما هو الظاهر - حسب ما تحقق في محله من كتاب القضاء، فانه إذا صح له الحكم به وجب ترتيب الاثر عليه، لما دل على وجوب قبوله، وحرمة رده. فالتردد فيه - كما عن المدارك - غير ظاهر.

 

 

____________

(* 1) راجع صفحة: 214. (* 2) الوسائل باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 57 من ابواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.

 

===============

 

( 462 )

 

{ الذي لم يعلم خطؤه، ولا خطأ مستنده (1)، } (1) لا ينبغي التأمل في عدم جواز العمل بالحكم إذا علم بخطئه الواقع - كما إذا حكم بكون الجمعة أول شوال، وعلمنا بكونه من شهر رمضان - لان حكم الحاكم ليس ملحوظا في نظر الشارع الاقدس عنوانا مغيرا للاحكام وجودا، وعدما، بل هو طريق - كسائر الطرق - حجة على الواقع في ظرف الشك فيه، فإذا علم الواقع انتفى موضوع الحجية، لامتناع جعل الحجة على الواقع في ظرف العلم به، مصيبة كانت الحجة أم مخطئة. وكذا لا مجال للعمل به إذا علم تقصير الحاكم في مقدمات الحكم، لان تقصيره مسقط له عن الاهلية للحكم، فلا يكون موضوعا لوجوب القبول وحرمة الرد. ولان الحكم حينئذ يكون فاقدا لبعض الشرائط المعتبرة فيه عند الحاكم، ويراه حكما على خلاف حكمهم (ع)، فكيف يحتمل وجوب العمل به منه أو من غيره؟! وكذا لو فقد بعض الشرائط غفلة من الحاكم، كما لو حكم تعويلا على شهادة الفاسقين غفلة عن كونهما كذلك، أو غفلة عن اعتبار عدالة الشاهد. أما إذا كان جامعا للشرائط المعتبرة فيه في نظره، بعد بذله الجهد في معرفتها والاجتهاد الصحيح في إثباتها، لكن كان الخطأ منه في بعض المبادئ - كما لو شهد له عنده فاسقان مجهولا الحال عنده، فطلب تزكيتهما بالبينة، واعتمد في ثبوت عدالتهما على البينة العادلة، التي قد أخطأت في اعتقاد عدالتهما - وجب العمل بالحكم، لانه حكم صحيح في نظر الحاكم فيدخل تحت موضوع وجوب القبول وحرمة الرد. وهكذا كل مورد كان فيه الخطأ من الحاكم في بعض المبادئ في الشبهات الموضوعية، أو الحكمية كما لو أدى اجتهاده الى حجية الشياع الظني - كما عن التذكرة والمسالك وغيرهما - لان الظن الحاصل منه أقوى من الظن الحاصل بالبينة، فيدل

 

===============

 

( 463 )

 

{ كما إذا استند إلى الشياع الظني (1). } على حجيته ما يدل على حجيتها بالفحوى. أو أدى الى حجية الرؤية قبل الزوال على كون ذلك اليوم من الشهر اللاحق أو نحو ذلك. ففي جميع هذه الموارد يجب العمل بالحكم، لدخوله تحت دليل الحجية. وبالجملة: عموم الدليل المتقدم يقتضي وجوب العمل بكل حكم، إلا في حال العلم بمخالفته للواقع. أو صدوره عن تقصير في بعض المبادئ أو غفلة توجب صدور حكمه على خلاف رأي الحاكم واجتهاده. (1) سبق العبارة يقتضي كونه مثالا لخطأ المستند. ولكنه غير ظاهر بل هو خطأ في الاستناد، فيكون مثالا لخطأ الحاكم. وكيف كان فلا يتضح الوجه في عدم حجية الحكم إذا أدى نظر الحاكم إلى حجية الشياع الظني، وقد عرفت دخوله في عموم الحجية. فان قلت: إذا كان المكلف لا يرى حجية الشياع الظني، كان حكم الحاكم - اعتمادا عليه - حكما على خلاف حكمهم (ع) في نظر المكلف فلا يجب قبوله. ومجرد كونه معذورا في حكمه على طبق اجتهاده لا يلزم منه وجوب العمل على ما يراه مخطئا في اجتهاده، ولاسيما وأن ذلك خلاف المرتكز العقلائي في الحجج. قلت: لو تم هذا اقتضى عدم نفوذ حكم الحاكم على من يخالفه في الرأي، اجتهادا أو تقليدا، وهذا - مع أنه خلاف المقطوع به، إذ لازمه عدم صلاحية الحاكم لحسم التداعي إذا كان ناشئا من الاختلاف في الاحكام الكلية، فان حكمه حينئذ لابد أن يكون مخالفا لهما، أو لاحدهما، فلو بني على عدم نفوذ حكم الحاكم المخالف في الرأي لزم أن يكون التداعي بلا حاسم، والالتزام به كما ترى - خلاف ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة، حيث دلت على وجوب الرجوع الى الحاكم المجتهد إذا كان النزاع في ميراث (* 1) الظاهر في كونه نزاعا في الحكم

 

 

____________

(* 1) تقدم ذلك في أوائل الامر السادس من هذا الفصل.

 

===============

 

( 464 )

 

{ ولا يثبت بقول المنجمين (1)، ولا بغيبوبة الشفق في الليلة الاخرى (2). } الكلي، لافي الموضوع الخارجي. وأقوى منه في الدلالة على ذلك: ما في ذيلها من الرجوع إلى قواعد التعارض عند اختلاف الحكمين، إذ ذلك إنما يكون وظيفة المجتهد، كما يظهر بأقل تأمل. وقد أشار الى بعض ما ذكرنا المصنف (ره) في قضائه، تبعا لما في الجواهر، قال (ره): " ولايجوز له (يعني: لحاكم آخر) نقضه، إلا إذا علم علما قطعيا بمخالفته للواقع، بأن كان مخالفا للاجماع المحقق أو الخبر المتواتر، أو إذا تبين تقصير في الاجتهاد. ففي غير هاتين الصورتين لا يجوز له نقضه وان كان مخالفا لرأيه، بل وإن كان مخالفا لدليل قطعي نظري كاجماع استنباطي، أو خبر محفوف بقرائن وإمارات قد توجب القطع مع احتمال عدم حصوله للحاكم الاول... " وقد تقدم في مباحث التقليد ماله نفع في المقام. فراجع. وتمام الكلام في ذلك موكول الى محله من كتاب القضاء. (1) لعدم الدليل عليه بعد عدم إفادته العلم. وعن شاذ منا وبعض الجمهور جواز العمل به. لقوله تعالى: (وبالنجم هم يهتدون) (* 1) ولجواز العمل عليها في القبلة. وهو كما ترى، إذ الاول دال على جواز الاهتداء بالنجوم، لا العمل بقول المنجمين تعبدا بلا اهتداء. والثاني لا يقتضي الجواز هنا، لما دل على جواز العمل بالظن هناك لصدق التحري الكافي، وعدم جواز العمل به هنا لانه من التظني المنهي عنه. كما تقدم. (2) كما هو المشهور. وعن المقنع: " واعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة، وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين، وإن رئي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال ". وكأنه لرواية إسماعيل بن الحر عن أبي

 

 

____________

(* 1) النحل: 16.

 

===============

 

( 465 )

 

{ ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال (1) فلا يحكم بكون ذلك } عبد الله (ع): " إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين " (* 1). ولكنها مهجورة، ومعارضة بما هو ظاهر رواية الحسن بن راشد - قال: " كتب إلي أبو الحسن العسكري (ع) كتابا، وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وكان يوم الاربعاء يوم شك، وصام أهل بغداد يوم الخميس، وأخبروا في أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس، ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل. قال: فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس، وأن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الاربعاء. قال: فكتب إلي: زادك الله تعالى توفيقا فقد صمت بصيامنا قال: ثم لقيته بعد ذلك، فسألته عما كتب به الي، فقال لي: أو لم أكتب اليك إنما صمت الخميس؟ ولا تصم إلا للرؤية " (* 2) - من عدم الاعتبار بذلك مع فرض الغياب بعد الشفق بزمان طويل. وعن الشيخ في كتابي الاخبار: حمل الاولى على مااذا كان في السماء علة من غيم، أو ما يجري مجراه. وفيه: أنه لا شاهد له. (1) كما هو المشهور شهرة عظيمة يمكن تحصيل الاجماع معها، كما في الجواهر، وعن التذكرة: نسبته إلى علمائنا أجمع. ويشهد له - مضافا الى مادل على انحصار الحجة بغيره (* 3) - صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): " قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدول من المسلمين. وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 9 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 8 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

 

===============

 

( 466 )

 

أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل " (* 1) بناء على أن المراد من الوسط ما قبل الزوال، بلحاظ كون الاول طلوع الفجر، ومكاتبة محمد بن عيسى: " جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال، وربما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتب (ع): تتم إلى الليل، فانه إن كان تاما رئي قبل الزوال " (* 2) بناء على ان المراد من هلال شهر رمضان هلال شوال، بقرينة سؤاله عن جواز الافطار، وقوله (ع): " إن كان تاما... "، إذ لادخل لتمامية هلال شهر رمضان في رؤيته في أوله قبل الزوال، بل رؤيته كذلك تناسب كونه ناقصا، كما هو ظاهر. ورواية الجراح المدائني: " قال أبو عبد الله (ع): من رأى هلال شوال نهارا في رمضان فليتم صيامه " (* 3) والمرسل عن الفقيه عن أمير المؤمنين (ع): " إذا رأيتم الهلال، أو رآه ذوا عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان ذلك في أول النهار، أوفي آخره. وقال (ع): لا تفطروا إلا لتمام ثلاثين من رؤية الهلال، أو بشهادة شاهدين عدلين " (* 4) والاخبار المتضمنة للامر بالصوم للرؤية والافطار للرؤية، بناء على انصرافها الى الرؤية الليلية (* 5).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 8 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 2. (* 4) لم نعثر على الرواية في الوسائل ومستدركها والفقيه والحدائق. نعم رواه في الجواهر مرسلا عن بعض الكتب. (* 5) راجع الوسائل باب: 3 من ابواب أحكام شهر رمضان، وقد تقدم ذكر كثير من هذه الاخبار من اول الفصل الى هنا.

 

===============

 

( 467 )

 

هذا ولكن النصوص الاخيرة غير متعرضة لهذه الحيثية، بل هي في مقام اعتبار الرؤية، وعدم الاعتبار ببعض الامور التي لا تصلح للاعتماد عليها وأما المرسل فمن القريب أن يكون عين صحيح محمد بن قيس، الذي لا ينافي مادل على دلالة الرؤية قبل الزوال على كون اليوم من الشهر اللاحق. ورواية جراح مطلقة صالحة للتقييد به. فلم يبق إلا المكاتبة، وليس هي في وضوح الدلالة، وصحة السند، وكثرة العدد كمعارضها، مثل مصحح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة " (* 1) وموثق عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير قالا: " قال أبو عبد الله (ع): إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، وإذا رئي بعد الزوال فهو من شهر رمضان " (* 2) وموثق اسحاق: " سألت أبا عبد الله (ع) عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان، فقال (ع): لا تصمه إلا أن تراه. فان شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه، وإذا رأيته من وسط النهار فأتم صومه الى الليل " (* 3) والمرسل عن أبي جعفر (ع): "... وإذا رئي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، وإذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان " (* 4). فالعمدة في رفع اليد عن هذه النصوص: إعراض المشهور عنها، إذ لايعرف القول بمضمونها إلا من المرتضى (ره) في شرح المسائل الناصرية دون غيره من كتبه: نعم حكيت متابعته عن جماعة من متأخري المتأخرين

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 8 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 3. (* 4) الفقيه ج 2 صفحة 110 طبع النجف الاشرف.

 

===============

 

( 468 )

 

{ اليوم أول الشهر، ولا بغير ذلك (1) مما يفيد الظن ولو كان } كالمحقق السبزواري في الكفاية والذخيرة، والكاشاني في الوافي والمفاتيح، وغيرهما. فلا مجال للاعتماد عليها لذلك. والمسألة لا تخلو عن إشكال. (1) كالتطوق، فقد نسب إلى الصدوق: أنه أمارة كونه لليلتين. ويشهد له صحيح مرازم عن أبي عبد الله (ع): " إذا تطوق الهلال فهو لليلتين " (* 1) وكعد خمسة أيام من أول الهلال في الماضية، فالخامس أول الآتية، كما يشهد به جملة من النصوص، كرواية محمد بن عثمان الخدري، عن بعض مشايخه، عن أبي عبد الله (ع): " صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول " (* 2) ونحوها غيرها. وعن عجائب المخلوقات للقزويني: " امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا ". وكعد شعبان ناقصا أبدا وشهر رمضان تاما ابدا، كما يشهد به جملة أخرى، كخبر حذيفة بن منصور: " شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا " (* 3) وفي خبر معاذ بن كثير - بعد بيان الشهور كلها شهر ناقص وشهر تام -: " ثم الشهور على مثل ذلك شهر تام وشهر ناقص، وشعبان لايتم أبدا " (* 4) ونحوهما غيرهما. وعن المفيد في بعض كتبه والصدوق العمل بها. لكن الجميع مهجور عند الاصحاب معرض عنه. والاخيرة معارضة بجملة أخرى - قيل إنها متواترة - كصحيح حماد عن أبي عبد الله (ع): " أنه قال في شهر رمضان: هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان " (* 5) ونحوه غيره. فيتعين العمل على المشهور في الجميع.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 10 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 5 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 26. (* 4) الوسائل باب: 5 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 32. ولكن رواها في الوسائل مسندة إلى يعقوب بن شعيب. وكذلك في التهذيب ج 4 صفحة 171 طبع النجف الاشرف والاستبصار ج 2 صفحة: 67 طبع النجف. (* 5) الوسائل باب: 5 من ابواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.

 

===============

 

( 469 )

 

{ قويا. إلا للاسير، والمحبوس (1). (مسألة 1): لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية (2)، بل شهدا شهادة علمية. (مسألة 2): إذا لم يثبت الهلال وترك الصوم، ثم شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم (3). وكذا إذا قامت البينة على هلال شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان (4)، أو رآه في تلك الليلة بنفسه. (مسألة 3): لا يختص اعتبار حكم الحاكم بمقلديه (5) بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضا إذا لم يثبت عنده خلافه. } (1) كما سيأتي. (2) للتقييد في نصوص قبول شهادة البينة في المقام بصورة شهادتهما بالرؤية. (3) بلا خلاف ظاهر. ويشهد له صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع): " أنه قال: صم للرؤية، وأفطر للرؤية. فان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه " (* 1) ونحوه غيره. (4) ففي صحيح ابن سنان عن رجل: " صام علي (ع) بالكوفة ثمانية وعشرين يوما شهر رمضان، فرأوا الهلال، فأمر مناديا ينادي: اقضوا يوما، فان الشهر تسعة وعشرون يوما " (* 2). (5) لاطلاق دلى نفوذ الحكم، ووجوب قبوله، وحرمة رده. وقد أشرنا سابقا إلى أن مقبولة ابن حنظلة - بقرينة ما في صدرها من التنازع،

 

 

____________

(* 1) تقدم ذلك في أول الفصل، وعبر هناك بالموثق. فلاحظ. (* 2) الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

 

===============

 

( 470 )

 

{ مسألة 4): إذا ثبت رؤيته في بلد آخر ولم يثبت في بلده، فان كانا متقاربين كفى (1)، وإلا فلا. إلا إذا علم توافق أفقهما وإن كانا متباعدين. (مسألة 5): لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي (2) } وما في ذيلها من الترجيح - ظاهرة في صورة كون المختلفين من المجتهدين (* 1) ومنه تعرف ظهور قوله (ره): " بل هو نافذ ". وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بقوله: " إذا لم يثبت عنده خلافه ". (1) إجماعا قيل. واستدل له بصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) " أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين، قال (ع): إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما ". وإطلاق مادل على الاكتفاء بشهادة عدلين بالرؤية. بناء على انصراف الجميع إلى صورة تقارب البلدان. أقول: لاجل أنه لا ينبغي التأمل في اختلاف البلدان في الطول والعرض الموجب لاختلافها في الطلوع والغروب، ورؤية الهلال وعدمها، فمع العلم بتساوي البلدين في الطول لا إشكال في حجية البينة على الرؤية في أحدهما لاثباتها في الآخر. وكذا لو رئي في البلاد الشرقية، فانه يثبت رؤيته في الغربية بطريق أولى. أما لو رئي في الغربية فالاخذ باطلاق النص غير بعيد إلا أن يعلم بعدم الرؤية، إذ لا مجال حينئذ للحكم الظاهرى. ودعوى الانصراف إلى المتقاربين غير ظاهرة. نعم يحتمل عدم إطلاق النص بنحو يشمل المختلفين، لوروده من حيث تعميم الحكم لداخل البلد وخارجها، لا من حيث التعميم للمختلفين والمتفقين. لكن الاول أقوى. (2) حيث أن الخبر الحجة لا فرق فيه بين أن يكون بالقول، وبالكتابة

 

 

____________

(* 1) راجع الامر السادس من هذا الفصل.

 

===============

 

( 471 )

 

{ - المسمى بالتلغراف - في الاخبار عن الرؤية، إلا إذا حصل منه العلم، بأن كان البلدان متقاربين، وتحقق حكم الحاكم، أو شهادة العدلين برؤيته هناك. (مسألة 6): في يوم الشك في أنه من رمضان أو شوال يجب أن يصوم (1). وفي يوم الشك في أنه من شعبان أو رمضان يجوز الافطار، ويجوز أن يصوم، لكن لا بقصد أنه من رمضان كما مر سابقا تفصيل الكلام فيه. ولو تبين في الصورة الاولى كونه من شوال وجب الافطار، سواء كان قبل الزوال، أو } وبالفعل كتحريك الالات التلغرافية بقصد الاخبار عن الواقع - فصاحب التلغراف المحرك لآلاته إن كان عدلا، بحيث عرف أنه فلان العادل، كان إخباره بتوسط الآلات التلغرافية خبر عادل يلحقه حكمه، فإذا انضم إليه عادل آخر كان خبرهما حجة، فان شهدا برؤيته وجب الصوم أو الافطار. وكذا إذا شهدا بوجود الحجة، كحكم الحاكم، أو البينة، أو الشياع الموجب للعلم. نعم إذا كان مورد التلغراف غير البلدة التي هي مصدره جرى ما سبق من التفصيل في إلحاق أحد البلدين بالآخر في وجوب الصوم أو الافطار. وإن كان المحرم للآلات التلغرافية واحدا، أو ليس بثقة، أو غير معروف، لم يجز العمل بخبره. إلا أن تقوم القرائن القطعية على صدقه، سواء أخبر بالرؤية أم بالحجة على الرؤية. ومما ذكرنا يظهر عدم خلو عبارة المتن من الحزازة وإن علم المراد. فلاحظ. (1) بلا ريب، لما عرفت من النصوص الدالة على كون الصوم والافطار للرؤية، فانها صريحة في ذلك. وقد تقدم الوجه في بقية المسألة في أوائل كتاب الصوم. فراجع.

 

===============

 

( 472 )

 

{ بعده. ولو تبين في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الامساك، وكان صحيحا إذا لم يفطر ونوى قبل الزوال، ويجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال. (مسألة 7): لو غمت الشهور ولم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها، حسب كل شهر ثلاثين (1) ما لم يعلم النقصان عادة. } (1) الاكثر - كما عن المسالك - أنه لو غمت الشهور كلها عد كل شهر ثلاثين. وكأنه لاصالة التمام، المطابقة لاصالة بقاء الشهر. وقيل: ينقض منها لقضاء العادة بالنقيصة. ولم يعرف قائله - كما قيل - ولا عرف مقدار النقيصة، ولا تعيين الشهر الناقص. اللهم إلا أن يكون المراد منهما ما جرت به العادة، المقتضية للعلم، الذي يختلف باختلاف الاشخاص والازمان. وحينئذ يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الشهر إلى أن يعلم بانتهائه. وقد يشكل ذلك: بأن استصحاب بقاء الشهر إنما يجري لو كان الاثر لوجود الشهر وعدمه. أما إذا كان الاثر لكون الزمان المعين من شهر كذا، فلا يجدي استصحاب بقاء الشهر في اثبات كون الزمان المعين من الشهر الكذائي، الا على القول بالاصل المثبت. وظاهر قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه...) (* 1) كون الاثر مجعولا على النحو الثاني لتعليق الفعل به، حيث جعل الضمير الراجع إلى الشهر مفعولا فيه للصوم، بلا إناطة لوجوبه بوجوده. ويندفع: بأنه على تقدير تسليم ما ذكر، فظاهر الاخبار المتضمنة لقولهم (ع): " صم للرؤية، وأفطر للرؤية " (* 2). لزوم العمل بما

 

 

____________

(* 1) البقرة: 185. (* 2) لاحظ اكثرها في الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان. وقد تقدم ذكر الكثير منها من أول الفصل إلى هنا.

 

===============

 

( 473 )

 

يطابق استصحاب بقاء الشهر، فلا بأس بالبناء على بقاء شعبان أو رمضان إلى أن يعلم بالخلاف. نعم لو فرض ثبوت أثر شرعي غير الصوم لكون الزمان المعين من شهر كذا جاء الاشكال، ووجب الرجوع إلى الاصول العملية الجارية في ذلك المورد. مع أنا قد أشرنا سابقا: إلى أن الخصوصيات الزمانية - من الليل والنهار، ورمضان، وغيرها - إنما أخذت في موضوعات الاحكام ملحوظة بنحو الوجود المقارن، لا على الظرفية الحقيقية، فمعنى قوله: " صم في النهار " صم في زمان فيه النهار - أعني: كون الشمس فوق الارض - فاستصحاب وجود النهار كاف في إحراز قيد الموضوع، وليس معناه صم في زمان هو نهار. إذ المراد من الزمان إن كان الامد الموهوم، فليس هو مصداقا للنهار، وإن كان نفس النهار، فلا ظرفية حقيقية بينه وبين الصوم، كما يظهر بأقل تأمل، فليس المراد به إلا ما ذكرنا، أعني: صم في زمان فيه حركة الشمس في القوس النهاري، وفي مثله يكفي في إحراز الموضوع استصحاب بقاء الحركة. فان قلت: يرجع ذلك إلى اعتبار المقارنة بين الصوم والنهار، والمقارنة لا يمكن إثباتها بالاستصحاب. قلت: المقارنة لازم التقييد على النحو المذكور، لاأنها معناه، كي يتوجه الاشكال المذكور. فان قلت: وجوب الصوم على النحو المذكور راجع الى اعتبار التقييد بينه وبين النهار على نحو خاص، والتقييد لا يمكن اثباته بالاستصحاب، لانه إن أريد إجراؤه فيه بنفسه، فليس له حالة وجود سابقة، بل هو مسبوق بالعدم. وان أريد إجراؤه في النهار، فلا يمكن إثباته به، إلا بناء على الاصل المثبت، لانه لازم بقاء النهار إلى زمان الصوم. قلت: التقييد - بالمعني المذكور - لم يلحظ بالمعنى الاسمى في قبال طرفيه، وإنما لوحظ بالمعنى الحرفي، والاضافات الملحوظة كذلك في القضايا الشرعية لا يحتاج في

 

===============

 

( 474 )

 

إثباتها إلى أكثر من ثبوت طرفيها حقيقة، أو تعبدا، أو ثبوت أحدهما حقيقة والآخر تعبدا، لان اثباتها بنفسها يتوقف على ملاحظتها على نحو المعنى الاسمي، وهو خلف. مع أنه لو لوحظت كذلك فلابد من ثبوت إضافة بالمعنى الحرفي بينها وبين كل من الطرفين، فتحتاج أيضا إلى الاثبات وهكذا يلزم في إثباتها من ملاحظتها بالمعنى الاسمي، فتثبت إضافة جزئية فيلزم التسلسل. وبالجملة: الاضافات الجزئية لا تحتاج الى إثبات زائد على إثبات طرفيها والا أشكل جريان الاستصحاب في طهارة الماء، وعدالة الامام، لان الماء الطاهر مقيد بالطهارة، فلو كان استصحاب الطهارة لا يثبت تقييد الماء بها لم ينفع استصحاب الطهارة في ترتيب أحكام الماء الطاهر. وكذا الكلام في الامام العدال إذا شك في بقاء عدالة الامام. كيف والعمدة في دليل الاستصحاب صحيح زرارة الوارد في الشك في الحدث بعد الطهارة، وقد تضمن لزوم استصحاب الطهارة من الحدث، والطهارة لوحظت شرطا للصلاة فإذا كان استصحاب الطهارة كافيا في إثبات كون الصلاة على طهارة، فلم لا يكون استصحاب بقاء النهار كافيا في إثبات كون الصوم في حال النهار؟! وكذا الحال في غيره من الموارد. وأضعف من ذلك: المنع من جريان الاستصحاب لاثبات جزء المركب لان الجزء مقيد بالجزء الآخر، وإثبات الجزء بالاستصحاب لا يثبت التقييد. إذ فيه - مضافا الى ما عرفت -: أن الاجزاء لاتقيد فيما بينها، وإلا لزم تقدم الشئ على نفسه، لان تقييد الاول بالثاني يقتضي تقدم الثاني عليه رتبة، لان القيد مقدم على المقيد، وتقييد الثاني بالاول يقتضي كون الاول مقدما على الثاني رتبة، فيلزم أن يكون الشئ متقدما على الآخر ومتأخرا عنه. فالاجزاء لم يلحظ فيما بينها تقييد، وإنما لوحظت بينها نسبة أخرى

 

===============

 

( 475 )

 

بين الاطلاق والتقييد، فالجزء الاول لوحظ حال الجزء الثاني، لا مطلقا، ولا مقيدا به، وكذا الجزء الثاني لوحظ حال الجزء الاول، لا مطلقا، ولا مقيدا به. وبذلك افترق الجزء عن الشرط، فانه لوحظ تقييد المشروط به، ولم يلاحظ ذلك في الجزء. ومثل الجزء في ذلك الموضوع بالنسبة إلى حكمه، فانه لم يلحظ مقيدا بحكمه، ولا مطلقا بالنسبة إليه، بل لوحظ لا مطلقا بالنسبة إليه ولا مقيدا به. وبالجملة: المحقق في محله: أنه يكفي في صحة جريان الاستصحاب كون مجراه مذكورا في القضية الشرعية، سواء أكان موضوعا للحكم، أم قيدا للموضوع، أم قيدا لقيده، فإذا قال: " أكرم عالما جالسا في دار موقوفة، وقفها عادل لم يتجاوز عمره خمسين سنة، في وقت بارد، بيده عصا يابسة " فمفردات القضية - وهي: الاكرام، والعلم، والجلوس، والدار، والوقف، وعدالة الواقف، وعدم تجاوز عمره خمسين سنة، وكون الوقت باردا، وكون بيده عصا، وكون العصا يابسة - إذا جرى فيها الاستصحاب ثبت الحكم والاضافات الحرفية لا يحتاج إلى إثباتها في مقابل المفردات. نعم يجب إثبات المفردات على النحو الذي أخذت عليه عند ذكرها في القضية، فإذا ذكرت على نحو مفاد كان التامة وجب إثباتها كذلك، وإذا كانت مأخوذة على نحو مفاد الناقصة يجب إثباتها كذلك، وإلا لم يترتب الحكم، فلابد من إثباتها على النحو المذكور في القضية. وعن الشيخ (ره) في المبسوط، والعلامة في جملة من كتبه، والشهيدين في الدروس والروضة، وجوب العمل برواية الخمسة، أعني: رواية عمران الزعفراني: " قلت لابي عبد الله (ع): إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة. فأي يوم نصوم؟ قال (ع): أنظر اليوم الذي صمت

 

===============

 

( 476 )

 

{ مسألة 8): الاسير والمحبوس إذا لم يتمكنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظن (1). ومع عدمه تخيرا في كل سنة بين الشهور (2)، فيعينان شهرا له. ويجب مراعاة المطابقة } فيه من السنة الماضية فعد منه خمسة أيام، وصم اليوم الخامس (* 1) ورواية الخدري المتقدمة (* 2) لكن الروايتين ضعيفتان مهجورتان. ولذا حكي عن المختلف في المقام: أن العمل على العادة، لا الرواية. لكن في ثبوت العادة إشكال، ولاسيما وقد قيل: إن ذلك في غير السنة الكبيسية. ويشهد له مكاتبة محمد بن فرج التي رواها السياري (* 3) ولو سلم فحجيتها غير ظاهرة. فالعمل على القواعد الاولية متيعن. (1) إجماعا، كما عن التذكرة، والمنتهى. ويشهد له مصحح عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (ع): " رجل أسرته الروم، ولم يصح له شهر رمضان، ولم يدر أي شهر هو. قال (ع): يصوم شهرا يتوخى ويحسب. فان كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزئه، وإن كان بعد شهر رمضان أجزأه " (* 4) ونحوه مرسل المقنعة (* 5) وموردهما: الاسير فالتعدي عنه إلى المحبوس كأنه لفهم العرف المناط المشترك بينهما. (2) من غير خلاف فيه بينهم، كما في الجواهر، وفي المدارك: نسبته إلى قطع الاصحاب. وقد يستدل له بالصحيح المتقدم (* 6) وفيه: أن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3. (* 2) راجع أواخر الامر السادس من هذا الفصل. (* 3) الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1. (* 5) الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2. (* 6) المراد هو صحيح عبد الرحمان المتقدم في التعليقة السابقة.

 

===============

 

( 477 )

 

{ بين الشهرين في سنتين (1)، بأن يكون بينهما أحد عشر شهرا ولو بان بعد ذلك أن ما ظنه أو اختاره لم يكن رمضان، فان } الظاهر من التوخي العمل بما هو أقرب الى الواقع، فيختص بالظن. وأضعف منه: الاستدلال له: بأن التعيين سقط اعتباره بالعجز، فيبقى أصل الصوم. وفيه: أن التعيين قيد في الواجب، فالعجز عنه عجز عن الواجب مسقط له. مع أن العجز إنما هو عن العلم بالتعيين، لانفسه فاللازم الاحتياط بالتكرار إلى أن يحصل العلم بأداء الواجب في وقته. ودعوى لزوم الحرج من الاحتياط التام ممنوعة بنحو الكلية. مع أن لزوم الحرج من الاحتياط يوجب أحد الامرين، إما التبعيض في الاحتياط بالاقتصار على المقدار الممكن، أو سقوط التكليف بالمرة، على الخلاف فيما لو تعذر الاحتياط في بعض أطراف الشبهة الوجوبية. وكيف كان فلا مصحح للقول بالاكتفاء بالامتثال الاحتمالي. وقياس المقام بما لو تعذرت الصلاة إلى إحدى الجهات الاربع قياس مع الفارق، لان الصلاة لا تترك بحال. ولخصوص النص الوارد في تلك المسألة. نعم هنا شئ، وهو أنه كما يعلم بوجوب صوم شهر رمضان يعلم بحرمة صوم العيدين - بناء على أن حرمته ذاتية - فمع تردد شهر رمضان بين الشهور يكون المقام من قبيل الدوران بين المحذورين، وحينئذ يتخير بين الصوم والافطار، كما هو مقتضى حكم العقل عند الدوران بين المحذورين لا التخيير في تعيين الشهر كما ذكر. نعم لو تردد شهر رمضان بين غير شوال وذي الحجة كان الحكم ما سبق من وجوب الاحتياط بالتكرار. إلا أن يلزم الحرج منه، فيسقط التكليف بالمرة، أو يحكم بتبعيض الاحتياط. على الخلاف المشار إليه آنفا فلاحظ. (1) لئلا يعلم أن أحد الشهرين ليس رمضان، فيجب القضاء. إلا

 

===============

 

( 478 )

 

{ تبين سبقه كفاه (1)، لانه حينئذ يكون ما أتى به قضاء. وإن تبين لحوقه وقد مضى قضاه، وإن لم يمض أتى به. ويجوز له في ضورة عدم حصول الظن (2) أن لا يصوم حتى يتيقن أنه كان سابقا فيأتي به قضاء. والاحوط إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنه (3)، من الكفارة، والمتابعة، والفطرة، وصلاة العيد، وحرمة صومه، مادام الاشتباه باقيا. وإن بان الخلاف عمل بمقتضاه. } أن يعلم بسبق رمضان، فيكون المأتي به بعده قضاء. فالموجب للمطابقة الفرار عن تنجز وجوب القضاء. ومجرد احتمال تحقق القضاء - بأن يكون رمضان سابقا - غير كاف في نظر العقل. نعم لو كان مبنى التخيير سقوط خصوصية الزمان بالعجز، فيبقى وجوب نفس الصوم بلا قيد الزمان، كان لعدم اعتبار المطابقة وجه. (1) وقد يشكل: بأنه خلاف مانواه. وفيه: أن نية الاداء في مثل المقام من أجل الاشتباه في التطبيق، لا على نحو التقييد. ولعله يستفاد من ذيل النص. (2) هذا الجواز إما لعدم حجية العلم الاجمالي بين التدريجين. وإما من أجل كون المورد من قبيل الدوران بين محذورين. لكن كلا من المبنيين غير ظاهر. مع أنه خلاف ظاهر الاجماع على التخيير، الموجب للموافقة الاحتمالية. فالبناء على جواز ترك جميع المحتملات بعيد جدا. (3) كما عن غير واحد من الاصحاب. وكأنهم فهموا من النص حجية الظن بقول مطلق، فيثبت جميع اللوازم وملزوماتها بمالها من الاحكام. والنص غير ظاهر في ذلك، بل لعله ظاهر في وجوب البناء على كون

 

===============

 

( 479 )

 

{ (مسألة 9): إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر - مثلا - فالاحوط صوم الجميع (1). وإن كان لا يبعد إجراء حكم الاسير والمحبوس (2). وأما إن اشتبه الشهر المنذور صومه بين شهرين أو ثلاثة فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج، ومعه يعمل بالظن، ومع عدمه يتخير (3). (مسألة 10): إذا فرض كون المكلف في المكان الذي نهاره ستة أشهر وليلة ستة أشهر، أو نهاره ثلاثة وليلة ستة، أو نحو ذلك، فلا يبعد كون المدار في صومه وصلاته على البلدان المتعارفة المتوسطة (4)، مخيرا بين أفراد المتوسط. وأما احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد. كاحتمال سقوط الصوم، وكون الواجب صلاة يوم واحد وليلة واحدة. ويحتمل كون المدار بلده } المظنون أنه شهر رمضان شهر رمضان بماله من الاحكام الشرعية لاغير، ومنها وجوب: الكفارة، والمتابعة، وأما وجوب الفطرة، وصلاة العيد وحرمة صومه، ونحوها من أحكام اللوازم فغير ظاهر. فلاحظ. (1) كما عرفت أنه مقتضى القواعد الاولية. (2) إذ كما تعدوا عن الاسير الى المحبوس بمناط الاشتباه الناشئ من القهر والغلبة - يمكن التعدي الى المقام بمناط الجهل بالشهر. وأما التعدي الى مطلق الجاهل بالزمان الواجب صومه ولو بالنذر فغير ظاهر، فيتعين العمل فيه بالقواعد. (3) العمل بالظن محتاج إلى تقرير مقدمات الانسداد في المورد، وتماميتها ممنوعة. بل يدور الامر بين الاحتياط الناقص، وبين رفع اليد عن التكليف، على الخلاف المشار إليه آنفا. (4) لا يظهر لهذا وجه، كيف والصلوات اليومية لها مواقيت معينة

 

===============

 

( 480 )

 

{ الذي كان متوطنا فيه سابقا إن كان له بلد سابق.