فصل في شرائط وجوب حجة الاسلام 2

بأن يكون مرادهم من خروج الرفقة التمكن من المسير. وإلا فقد عرفت: أنه مع تمكنه من المسير قبل خروج الرفقة يكون مستطيعا، فيجب عليه الحج، فيكون تعجيز نفسه مخالفة منه للتكليف ومعصية له. ومثله في الاشكال: ما ذكره بعض الاعاظم (ره) في حاشيته: من أنه لا يجوز إذهاب المال في اشهر الحج وإن لم يتمكن من المسير، فانه إذا دخل شوال ولم يتمكن من المسير لم يكن مستطيعا. فلم يجب عليه الحج، فلم يجب عليه حفظ مقدماته. هذا كله بناء على ما يظهر من الادلة: من أن القدرة العقلية - المقيدة في الاستطاعة - القدرة الفعلية، كما قد يفهم من جعل الصحة في البدن والتخلية في السرب في سياق الزاد والراحلة. فكما يعتبر في الاستطاع: الملك للزاد والراحة فعلا، يعتبر فيها الصحة في البدن وتخلية السرب فعلا بحيث لا يكفي في تحق الاستطاعة الملك للزاد والراحلة، مع المرض ووجود المانع من السفر، وإن كانا زائلين بعد ذلك قبل وقت الحج. أما إذا جعل المدار في الاستطاعة ملك الزاد والراحلة فقط، وما زاد على ذلك لا يعتبر وجوده فعلا - فإذا ملك الزاد والراحلة وكان مريضا لا يقدر على السفر، أو كانت الحكومة قد منعت عنه فعلا، فهو مستطيع إذا كان يشفى بعد ذلك، والحكومة تأذن فيه - فتقريب ما في المتن على النحو الذي ذكرنا غير مفيد في إثباته، لانه مع ملك الزاد والراحلة يكون مستطيعا، فلا يجوز له تعجيز نفسه من جهتهما، وإن كان عاجزا فعلا من الجهات الاخرى، لمرض أو مانع من السفر. وعلى هذا لا فرق في عدم جواز التعجيز بين وقت وآخر، ما دام قد ملك الزاد والراحلة. فلا فرق بين أشهر الحج وغيرها، ولا بين وقت السفر وغيره ولا بين أول السنة وآخرها " بل لا فرق - على هذا - بين سنة الحج وما قبلها، لاشتراك الجميع في مناط حرمة التعجيز .

 

===============

 

( 109 )

 

[ ذمته مشغولة به. والظاهر صحة التصرف - مثل الهبة، والعتق - وإن كان فعل حراما، لان النهي متعلق بأمر خارج (1). نعم لو كان قصده في ذلك التصرف الفرار من الحج لا لغرض شرعي، أمكن أن يقال بعدم الصحة (2). والظاهر أن المناط في عدم جواز التصرف المخرج هو التمكن في تلك السنة، فلو ] (1) قد تحقق في الاصول: أن النهي عن المعاملة لا يقتضى الفساد سواء تعلق بالسبب أم المسبب. وما يدعى: من أنه إذا تعلق بالمسبب اقتضى الفساد، لامتناع اعتبار ما هو مبغوض للمعتبر. ضعيف جدا كما حرر في محله. ثم إن التفصيل بين تعلق النهي بالداخل والخارج إنما يعرف في النهى في العبادات، فان تعلق بالداخل اقتضى الفساد، وإلا لم يقتضه. وأما في المعاملات فلم يعرف التفصيل بين تعلق النهي بالامر الداخل وتعلقه بالامر الخارج، وإنما يعرف التفصيل بين تعلق النهي بالسبب وتعلقه بالمسبب، فان كان المراد من الداخل من المسبب ومن الخارج السبب، كان في التعليل المذكور إشارة الى التفصيل المذكور. لكن لم يتضح الوجه في عدم تعلق النهي في المقام بالامر الداخل على هذا المعنى، فان النهي إنما تعلق بالتعجيز فيقتضى النهي عن المسبب، لانه الذي يتوقف عليه التعجيز لا السبب، كما لعله ظاهر. (2) هذا ايضا غير ظاهر، لان قصد التوصل الى الحرام بالفعل وإن كن يقتضى تحريمه، لكن لا يخرج عن كونه نهيا عن الامر الخارج، ولا يكون نهيا عن الامر الداخل. فلاحظ. كما ان التفصيل بين قصد التوصل بالمقدمة إلى الحرام وغيره إنما يكون في المقدمات إذا لم تكن الغاية توليدية بل كانت فعلا اختياريا، أما إذا كانت توليدية فيكفي في التحريم العلم بالترتب، وإن لم يقصد التوصل إلى الغاية.

 

===============

 

( 110 )

 

[ لم يتمكن فيها، ولكن يتمكن في السنة الاخرى لم يمنع عن جواز التصرف (1)، فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة، فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكة بمسافة سنتين. (مسألة 24): إذا كان له مال غايب بقدر الاستطاعة - وحده أو منضما إلى ماله الحاضر - وتمكن من التصرف في ذلك المال الغايب، يكون مستطيعا ويجب عليه الحج. وإن لم يكن متمكنا من التصرف فيه - ولو بتوكيل من يبيعه هناك - فلا يكون مستطيعا إلا بعد التمكن منه أو الوصول في يده (2). وعلى هذا فلو تلف في الصورة الاولى بقي وجوب الحج مستقرا عليه، إن كان التمكن في حال تحقق سائر الشرائط (3) ] (1) قد عرفت ان مقتضى القاعدة التي ذكرناها عدم الفرق بين السنين، فكأن المستند في الفرق: الاجماع. (2) ضرورة أن المستفاد من النصوص: أن الزاد والراحلة - المعتبرين في حصول الاستطاعة - يجب أن يكونا مما يمكن صرفهما في سبيل الحج، كما يستفاد من قولهم (عليهم السلام): " أن يكون له ما يحج به "، " وأن يكون عنده "، وأمثال ذالك من العبارات - المذكورة في النصوص، الواردة في تفسير الاستطاعة - (* 1) ولا يكفي في حصولها ملك المال الذي لا يمكن أن يحج به. فلو كان له ملك حاضر، ولم يتمكن ان يستعين به في سبيل الحج لم يكن مستطيعا. (3) يعني: إذا كان تلفه بتقصير منه، وإلا فتلفه لا بتقصير منه

 

 

____________

(* 1) تقدمت الاشارة إلى مصادرها في المسألة: 17 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 111 )

 

[ ولو تلف في الصورة الثانية لم يستقر. وكذا إذا مات مورثه وهو في بلد آخر، وتمكن من التصرف في حصته أو لم يتمكن، فانه على الاول يكون مستطيعا، بخلافه على الثاني. (مسألة 25): إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة، لكنه كان جاهلا به، أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد أن تلف ذلك المال (1)، فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده والجهل والغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة (2) غاية الامر: أنه معذور في ترك ما وجب عليه. وحينئذ فإذا مات - قبل التلف أو بعده - وجب الاستيجار عنه إن كانت له تركة بمقداره، وكذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره - بهبة أو صلح - ثم علم ] يكون كاشفا عن عدم الاستطاعة. (1) يعنى: إذا كان تلفه بتقصيره وإلا فلا ريب في عدم كونه مستطيعا (2) لعدم تعرض النصوص لاعتبار العلم والالتفات في حصول الاستطاعة فاطلاق ادلة الوجوب على من ملك الزاد والراحلة محكم. وكأن الوجه الذي دعا القمي (ره) إلى نفى الاستطاعة ما تضمن من النصوص: من ان من ترك الحج ولم يكن له شغل يعذره الله به فقد ترك فريضة من فرائض الاسلام (* 1)، مما يدل على ان وجود العذر ناف للاستطاعة. وفيه: أن المفهوم من النصوص العذر الواقعي الذي لا يشمل قصور المكلف، من جهة غلطه، وجهله، واشتباهه، بل يختص بالامر الواقعي الذي يكون معلوما تارة، ومجهولا اخرى.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الحج حديث: 1، 3 وغيرهما من احاديث الباب.

 

===============

 

( 112 )

 

[ بعد ذلك أنه كان بقدر الاستطاعة. فلا وجه لما ذكره المحقق القمي في أجوبة مسائله: من عدم الوجوب، لانه لجهله لم يصر موردا، وبعد النقل والتذكر ليس عنده ما يكفيه، فلم يستقر عليه. لان عدم التمكن - من جهة الجهل والغفلة - لا ينافي الوجوب الواقعي، والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي، وهي موجودة، والعلم شرط في التنجز لا في أصل التكليف. (مسألة 26): إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندبا، فان قصد امتثال الامر المتعلق به فعلا، وتخيل أنه الامر الندبي أجزأ عن حجة الاسلام، لانه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق (1). وإن قصد الامر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنها، وإن كان حجه صحيحا (2)، وكذا الحال إذا علم باستطاعته ثم غفل عن ذلك (3). وأما لو علم بذلك وتخيل ] (1) لا يخفى ان الاشكال في أمثال هذا المورد ليس في مجرد قصد الامر الندبي مع ان المتوجه إليه قصد الامر الوجوبي، بل في قصد غير المأمور به، فكيف يجزي عن المأمور به، بناء على ما يأتي: من أن الحج الاسلامي غير الحج الندبي؟ وحينئذ لا مجال للحكم بالاجزاء، الا إذا كان الاشتباه في التطبيق بالنسبة إلى الامر والمأمور به معا. وقد تقدم في المسألة التاسعة، ماله نفع في المقام. (2) يأتي الاشكال في صحة الحج من المستطيع إذا كان نائبا عن غيره أو متطوعا عن نفسه. إلا أن يختص بغير المقام، كما سيأتي. (3) يعني: فحج ندبا.

 

===============

 

( 113 )

 

[ عدم فوريتها فقصد الامر الندبي فلا يجزي، لانه يرجع الى التقييد. (مسألة 27): هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد والراحلة وغيرهما - كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معينة، أو باعه محاباة كذلك -؟ وجهان، أقواهما العدم، لانها في معرض الزوال (1)، إلا إذا كان واثقا بأنه لا يفسخ. وكذا لو وهبه وأقبضه إذا لم ] (1) هذا إنما يصلح تعليلا للحكم إذا كانت الاستطاعة لاتقبل التزلزل أما إذا كانت تقبله - ضرورة أن كل شئ موجود في معرض الزوال، وكل وجود في معرض الانتهاء - فلا يصلح كون الملكية في معرض الزوال لنفي الاستطاعة، واللازم البناء على تحقق الاستطاعة واقعا إذا لم يفسخ ذو الخيار. كما أنه لو فرض عدم الخيار لم يكن مستطيعا إذا طرأ ما يوجب الخيار ففسخ، فالمدار يقتضى أن يكون على الواقع، والتزلزل والوثوق بعدم الفسخ لا دخل لهما في حصول الاستطاعة وعدمها، فإذا لم يحج في الحال المذكورة فانكشف أنه لم يفسخ ذو الخيار انكشف أنه مستطيع واقعا نظير ما لو كان عنده مقدار الاستطاعة، ولم يمكنه الفحص عنه فلم يحج ثم انكشف أنه مستطيع. هذا في مقام الواقع. وأما في مقام الظاهر فيحتمل الرجوع إلى اصالة عدم الفسخ، فيثبت ظاهرا أنه مستطيع، ويحتمل اعتبار الوثوق بعدم الفسخ. لكن الاول أوفق بالقواعد. واعتبار الوثوق في العمل بالاصل لا دليل عليه. اللهم إلا ان يقال: إذا لم يكن واثقا بعدم الفسخ يكون تكليفه بصرف المال - المؤدي الى ضمانه عند الفسخ - تعريضا إلى الخسران. وفيه: أن ذلك لا يمنع عن العمل بالاصول. وسيأتي في

 

===============

 

( 114 )

 

[ يكن رحما، فانه ما دامت العين موجودة له الرجوع. ويمكن أن يقال بالوجوب هنا (1)، حيث أن له التصرف في الموهوب، فتلزم الهبة. (مسألة 28): يشترط في وجوب الحج - بعد حصول الزاد والراحلة - بقاء المال إلى تمام الاعمال (2)، فلو تلف بعد ذلك (3) - ولو في أثناء الطريق - كشف عن عدم الاستطاعة. وكذا لو حصل عليه دين قهرا، كما إذا أتلف مال غيره خطأ. وأما لو أتلفه عمدا فالظاهر كونه كاتلاف الزاد والراحلة عمدا في عدم زوال استقرار الحج (4). ] مبحث البذل ماله نفع في المقام. (1) قد يشكل: بأن التزلزل إذا كان موجبا لنفي الاستطاعة فلا وجوب معه، فلا موجب للتصرف الموجب للزوم الهبة، لان وجوب التصرف - لو قيل به - فانما هو وجوب غيري وهو لا يكون مع انتفاء الوجوب النفسي. نعم بناء على ان التزلزل لا ينافي الاستطاعة يتحقق الوجوب النفسي فيجب حفظ المقدمة بالوجوب الغيري، فكما يجب حفظ الزاد في حرز لئلا يسرق كذلك يجب حفظه عن رجوع الواهب به. هذا إذا توقف عليها السفر، وإلا فلا موجب للتصرف، وحينئذ يحب الحج، ويستقر في ذمة المكلف وإن رجع الواهب. (2) كما يقتضيه دليل اعتبار الاستطاعة، فان المراد منها القدرة الخاصة على العمل، وهي لا تحصل إلا ببقاء الشرائط الى تمام العمل، فمع التلف قبل تمام الاعمال ينكشف عدم الاستطاعة من أول الامر. (3) يعني: بعد حصول الزاد والراحلة. (4) لعدم منافاته للاستطاعة التي هي موضوع الوجوب، كما لو أتلف

 

===============

 

( 115 )

 

[ (مسألة 29): إذا تلف - بعد تمام الاعمال - مؤنة عوده إلى وطنه، أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه - بناء على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة - فهل يكفيه عن حجة الاسلام أو لا؟ وجهان، لا يبعد الاجزاء (1). ] الزاد والراحلة عمدا. (1) كما قطع به في المدارك. قال (ره): " فوات الاستطاعة - بعد الفراغ من أفعال الحج - لم يؤثر في سقوطه قطعا، وإلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال في الرجوع، أو حصول المرض الذي يشق السفر معه، وهو معلوم البطلان... ". وقريب منه ما في الذخيرة. لكن في الجواهر: " قد يمنع معلومية بطلانه، بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا وايابا في الوجوب.. ". وهو في محله بالنظر إلى القواعد المتقدمة، فانما يحتاج إليه في الاياب إذا كان دخيلا في حصول الاستطاعة، يكون فقده موجبا لانتفائها من أول الامر. فالاجزاء لا بد أن يكون قبيل إجزاء غير الواجب عن الواجب، وهو محتاج إلى دليل يوجب الخروج عن القواعد. ولا سيما وأن المكلف إنما نوى حج الاسلام، فإذا لم يصح لم يصح غيره، لانه لم ينوه. فالبناء على الاجزاء فيه مخالفة للقواعد من جهتين: من جهة صحة العمل ولم ينوه، لانه لم ينو غير حجة الاسلام، ومن جهة إجزائه عن حج الاسلام، والدليل عليه غير ظاهر. نعم سكوت النصوص عن التعرض لذلك، مع كثرة الطوارئ الحادثة في كل سنة على بعض الحجاج - من مرض، وتلف مال، ونحو ذلك مما يوجب زوال الاستطاعة - مع الغفلة عن ذلك، وارتكاز المتشرعة على صحة الحج، ربما يكون دليلا على الاجزاء. لكن لو تم ذلك لم يكن فرق بين زوال الاستطاعة بعد تمام الاعمال وفي أثنائها وقبلها، لاشتراك الجميع فيما ذكرنا، فان تم تم في الجميع،

 

===============

 

( 116 )

 

[ ويقربه: ما ورد من أن من مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجة الاسلام (1). بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحج أيضا (2). (مسألة 30): الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد والراحلة، فلو حصلا بالاباحة الملازمة كفى في الوجوب، لصدق الاستطاعة (3). ] والتفكيك غير ظاهر. اللهم الا ان يقال ما دل على اشتراط الزاد والراحلة في حجة الاسلام إنما يدل على اعتبار ذلك في الذهاب ولا يشمل الاياب، واشتراط ذلك في الاياب انما كان بدليل نفي الحرج ونحوه، وهو لا يجري في الفرض لانه خلاف الامتنان. (1) هذا إن أمكن الاعتماد عليه، والتعدي عن مورده، كان اللازم البناء على الاجزاء إذا تلفت الاستطاعة بعد الاحرام ودخول الحرم، فإذا لم يمكن الاعتماد عليه في ذلك لم يكن مقربا للمدعى. (2) قد عرفت وجه هذا الاحتمال. (3) لا مجال للاستدلال به بعد ما ورد في تفسير الاستطاعة: بأن يكون له زاد وراحلة (* 1)، مما ظاهره الملك. نعم في صحيح الحلبي: " إذا قدر الرجل على ما يحج به " (* 2)، وفي صحيح معاوية: " إذا كان عنده مال يحج به، أو يجد ما يحج به " (* 3) وهو أعم من الملك. لكن الجمع بينه وبين غيره يقتضى تقييده بالملك وعدم الاجتزاء بمجرد الاباحة.

 

 

____________

(* 1) لاحظ الوسائل باب: 8 من ابواب وجوب الحج حديث: 4، 5، 7. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. والفقرة الاولى منقولة بالمعنى فلاحظ.

 

===============

 

( 117 )

 

[ ويؤيده الاخبار الواردة في البذل (1). فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر - في ضمن عقد لازم - أن يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلا، وجب عليه الحج، ويكون كما لو كان مالكا له. (مسألة 31): لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي. خصوصا إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له (2)، وقلنا بملكيته ما لم يرد، فانه ليس له الرد حينئذ. (مسألة 32): إذا نذر - قبل حصول الاستطاعة - أن يزور الحسين (عليه السلام) في كل عرفة، ثم حصلت لم يجب عليه الحج (3). بل وكذا لو نذر: ] مضافا إلى أنه لم يظهر الفرق بين الاباحة المالكية والاباحة الشرعية، وليس بناؤهم على الاجتزاء بها في حصول الاستطاعة. فلا يجب الاصطياد والاحتطاب وأخذ المعدن ونحو ذلك إذا أمكن المكلف ذلك، لكونه مستطيعا بمجرد الاباحة في التصرف. (1) فانها وان كانت مختصة بالبذل لخصوص الحج، لكن يمكن استفادة الحكم منها في المقام بنحو التأييد. لكن التأييد لا ينفع في إثبات الدعوى. (2) على هذا القول يكون الحكم كما في المسألة السابقة. وعلى القول باعتبار القبول يكون الحكم كما في الهبة، فانه لا يجب عليه القبول فيها، وإن كان استدلال المصنف (ره) في المسألة السابقة بصدق الاستطاعة مطردا في الجميع. (3) يظهر من الاصحاب: الاتفاق عليه، فان هذه المسألة وان لم

 

===============

 

( 118 )

 

تكن محررة بخصوصها في كلامهم، لكن ما ذكروه في مسألة: ما لو نذر حجا غير حج الاسلام، يقتضي بناءهم على عدم وجوب الحج هنا. قال في المدارك - فيما لو نذر المكلف الحج -: " فاما أن ينوي حج الاسلام أو غيره، أو يطلق، بأن لا ينوي شيئا منهما، فالصور ثلاث.. (إلى أن قال): الثاني: أن ينوي حجا غير حج الاسلام. ولا ريب في عدم التداخل على هذا التقدير. ثم إن كان مستطيعا حال النذر، وكانت حجة النذر مطلقة أو مقيدة بزمان متأخر عن ذلك العام.. (إلى أن قال): وإن تقدم النذر على الاستطاعة وجب الاتيان بالمنذور مع القدرة، وان لم تحصل الاستطاعة الشرعية، كما في غيره من الواجبات. ولو اتفق حصول الاستطاعة قبل الاتيان بالحج المنذور قدمت حجة الاسلام إن كان النذر مطلقا، أو مقيدا بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها، لان وجوبها على الفور، بخلاف المنذورة على هذا الوجه. وإلا قدم النذر، لعدم تحقق الاستطاعة في تلك السنة، لان المانع الشرعي كالمانع العقلي.. ". ونحوه كلام غيره ممن سبقه - كالدروس، والمسالك - وممن لحقه - كالذخيرة والمستند، والجواهر - على نحو يظهر منهم التسالم على تقديم النذر على حج الاسلام، وأنه يكون رافعا للاستطاعة. نظير ما لو استؤجر على الحج، فان الاجارة رافعة للاستطاعة عندهم، فلا يجب على الاجير حج الاسلام إذا كان الحج المستأجر عليه مزاحما لحج الاسلام. هذا ولكن بعض الاعاظم فرق بين الاجارة والنذر، حيث قال : " الفرق بين النذر والاجارة: هو كفاية سلطنة المؤجر على منفعة نفسه عند عقد الاجاره في صحة تمليكها وتملك المستأجر لها، فلا يبقى مورد لتأثير الاستطاعة. بخلاف النذر، فان اشتراطه - حدوثا وبقاء - يرجحان المنذور

 

 

____________

ذكر ذلك في حاشية له على رسالته العملية في الحج، منه قدس سره.

 

===============

 

( 119 )

 

من حيث نفسه، ومع غض النظر عن تعلق النذر به يوجب انحلاله بالاستطاعة.. ". وتوضيح ما ذكر: أن رجحان المنذور - المشروط به صحه النذر - يجب أن يكون مع قطع النظر عن النذر، ومع مزاحمة النذر للاستطاعة إذا غض النظر عن النذر يكون المنذور غير راجح، لادائه إلى ترك الحج، وإنما يكون المنذور راجحا بتوسط النذر الرافع للاستطاعة، ومثل هذا الرجحان لا يكفي في صحة النذر. وفيه: أن ما ذكره وإن كان مسلما، لكنه يجرى مثله في وجوب حج الاسلام في الفرض، فان الاستطاعة المعتبرة في وجوب حج الاسلام يجب أن تكون حاصله مع غض النظر عن وجوب الحج، وفى المقام إذا غض النظر عن وجوب الحج ترتفع الاستطاعة بالنذر. وعلى هذا يكون الاخذ بأحد الحكمين رافعا لموضوع الاخر، وترجيح وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر بلا مرجح حتى بملاحظة كون وجوب الحج أهم، لان ترجيح الاهم إنما يكون في المتزاحمين الواجد كل منهما لملاكه ويكون تزاحمهما في مقام الامتثال، لا في المتواردين اللذين يكون كل منهما رافعا لملاك الاخر، بل فيهما يتعين الرجوع إلى منشأ آخر للترجيح. ولا ينبغى التأمل في أن الجمع العرفي يقتضى الاخذ بالسابق دون اللاحق، تنزيلا للعلل الشرعية منزلة العلل العقلية، فكما أن العلل العقلية يكون السابق منها رافعا للاحق كذلك العلل الشرعية. فيلغى احتمال كون اللاحق رافعا لموضوع السابق، وإن كان احتمالا معقولا في العلل الشرعية، لكنه لا يعتنى به في مقام الجمع بين الدليلين. وقد أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث القراءة من هذا الشرح. وبهذا صح ما ذكره: من تقديم الاجارة على الحج عند سبق الاجارة، فان سلطنة الاجير غير كافية في صحة الاجارة، إذا لم يكن قادرا على العمل في وقته مع قطع النظر عن وجوب الوفاء بالعقد. والاستطاعة

 

===============

 

( 120 )

 

[ إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقدارا، فحصل له ما يكفيه لاحدهما، بعد حصول المعلق عليه، بل وكذا إذا نذر - قبل حصول الاستطاعة - أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك، فان هذا كله مانع عن تعلق وجوب الحج به. وكذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة، ولم يمكن الجمع بينه وبين الحج، ثم حصلت الاستطاعة، وإن لم يكن ذلك الواجب أهم من الحج، لان العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب (1). وأما لو حصلت الاستطاعة أولا ثم حصل واجب فوري آخر ] اللاحقة رافعة للقدرة مع قطع النظر عن عقد الاجارة، فلو لم يكن السبق موجبا للتقديم لم يكن وجه لصحة الاجارة، بل كانت الاستطاعة وقت العمل رافعة للقدرة عليها، وموجبة لبطلان الاجارة بعين التقريب المذكور في الاستطاعة والنذر - فتأمل جيدا - وعليه يتعين البناء في الفرض على تقديم النذر على الاستطاعة. (1) بذلك طفحت عباراتهم، كما اشرنا إلى ذلك في صدر المسألة. ولاجل ذلك لا مجال لدعوى: كون الاستطاعة عباره عن ملك الزاد والراحلة، وصحة البدن، وتخليه السرب، وان النذر لا ينافي شيئا من ذلك ولا يرفعه، فلا تنتفي الاستطاعة به. وحينئذ تكون هي رافعة لموضوعه، لعدم كونه راجحا للمستطيع الذي يجب عليه الحج. فانه إذا تم ان المانع الشرعي كالمانع العقلي يكون المنع الشرعي مانعا عن الاستطاعة في مقابل تخلية السرب وبقية الامور الاربعة المذكورة. مضافا إلى أنها خلاف ظاهر جملة من النصوص، كصحيح الحلبي:

 

===============

 

( 121 )

 

[ لا يمكن الجمع بينه وبين الحج، يكون من باب المزاحمة، فيقدم الاهم منهما (1)، فلو كان مثل انقاذ الغريق قدم على الحج. وحينئذ فان بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج فيه، وإلا فلا. إلا أن يكون الحج قد استقر عليه سابقا. ] " إذا قدر الرجل على ما يحج به، ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره الله تعالى فيه فقد ترك شريعة من شرائع الاسلام " (* 1) فانه ظاهر في أن مطلق العذر رافع للفرض. ولا ريب في أن الوفاء بالنذر عذر، فيكون رافعا للفرض. وايضا فان لازم هذه الدعوى ان لو كان الحج مزاحما بواجب بحيث يقدم عليه - كما إذا كان المكلف أجيرا على الحج في سنة الاستطاعة، فوجب عليه حج الاجارة - لوجب عليه حج الاسلام في السنة الثانية ولو متسكعا لانه قد استقر الحج في ذمته، ولا يظن من أحد إمكان الالتزام به. وسيأتي الكلام فيه في المسأله الرابعة والستين. (1) قد عرفت: أن حدوث الاستطاعة اناما لا يوجب ثبوت الوجوب، وأنه لا بد من بقائها إلى اخر أزمنة العمل أو أكثر من ذلك، كما سبق ويأتى. وحينئذ إذا تحققت الاستطاعة ثم حصل واجب فوري، كان حصوله رافعا لها، فلا وجوب للحج لانتفاء موضوعه، فكيف يكون من باب المزاحمة؟! ثم إنه لو بني على كون المقام من باب المزاحمة فقد عرفت أن لازمه وجوب الحج عليه في السنة اللاحقة وإن لم تبق الاستطاعة، لاستقرار الحج في ذمته. ولاجل ذلك يشكل قوله (ره): " وإلا فلا ". كما أنه مما ذكرنا يظهر أنه لو حدث أي واجب بعد تحقق الاستطاعة رفعها، سواء كان أهم من الحج، أم مساويا له في الاهتمام، أم أقل منه. نعم إذا كان موضوع ذلك الواجب يزول بالاستطاعة كانت الاستطاعة مقدمة عليه، لما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 122 )

 

[ فانه يجب عليه ولو متسكعا. (مسألة 33): النذر المعلق على أمر قسمان (1): تارة: يكون التعليق على وجه الشرطية، كما إذا قال: " إن جاء مسافري فله علي أن أزور الحسين (عليه السلام) في عرفة "، وتارة: يكون على نحو الواجب المعلق، كأن يقول: " لله علي أن أزور الحسين (عليه السلام) في عرفة عند مجئ مسافري ". فعلى الاول ] عرفت من أن الواجبين المترافعين المتواردين - اللذين يكون كل واحد منهما إذا لوحظ في نفسه رافعا لموضوع الاخر - يكون العمل على السابق منهما ويبطل اللاحق. هذا ولو فرض تقارن الاستطاعة والنذر لم يكمن لاحدهما اثر، لعدم المرجح، فلا يجب عليه الحج. ولا يجب عليه الوفاء بالنذر. (1) النذر المعلق قسم واحد، وهو المشروط، ولاجل ذلك اشتهر: أن التعليق في العقود والايقاعات مبطل، يراد بذلك ما لو كان الايقاع فيه معلقا. وأما ما كان على نحو الواجب المعلق فليس النذر فيه معلقا بل المعلق هو المنذور. وكيف كان، تارة: يكون الايقاع معلقا - أعني: المعنى الايقاعي الذي يوقعه البائع - وهو البيع في قول البايع: " بعت إذا جاء يوم الجمعة "، أو مضمون النذر في قول الناذر: " لله علي إذا جاء يوم الجمعة أن أفعل كذا " ونحو ذلك. وتارة: لا يكون تعليق في المعنى الايقاعي، وإنما يكون في متعلق المعنى الايقاعي، وهو الصوم في قول الناذر: " لله علي أن اصوم إذا جاء يوم الجمعة "، أو الصدقة في قوله: " لله علي أن اتصدق إذا جاء يوم الجمعة "، أو الزيارة في مثل الفرض المذكور في المتن فالمعلق يكون هو الزيارة، في مقابل القسم الاول الذي يكون المعلق عليه معنى: " لله علي " الذي عرفت أنه المعنى الايقاعي.

 

===============

 

( 123 )

 

[ يجب الحج إذا حصلت الاستطاعة قبل مجئ مسافره. وعلى الثاني لا يجب، فيكون حكمه حكم النذر المنجز، في أنه لو حصلت الاستطاعة وكان العمل بالنذر منافيا لها لم يجب الحج، سواء حصل المعلق عليه قبلها أو بعدها. وكذا لو حصلا معا لا يجب الحج، من دون فرق بين الصورتين. والسر في ذلك: أن وجوب الحج مشروط والنذر مطلق، فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة (1). (مسألة 34): إذا لم يكن له زاد وراحلة، ولكن ] (1) يعني: وجوب الحج مشروط بالاستطاعة، ووجوب الوفاء بالنذر غير مشروط حسب الفرض، فيكون رافعا للاستطاعة. فيرتفع وجوب الحج. هذا ولكن ما ذكره من السر إن كان المقصود به سر تقديم النذر على الاستطاعة في اصل المسالة، فقد عرفت أن السر غير ذلك، وهو ما ذكرنا. وان كان المقصود به سر تقديم النذر في المقام فلا مقتضي له، لان السر فيه هو السر في أصل المسألة. وكان المناسب ذكر السر في عدم تقديم النذر المشروط في المقام لانه الخارج عن الكلية التي تعرض فيها لاصل المسألة. وكيف كان فالفرق الذي ذكره بين النذر المعلق والمشروط غير ظاهر، لان النذر المشروط ايضا يقتضى وجوب تحصيل المقدمات قبل حصول الشرط عقلا. إذ لا فرق بين الوجوب المشروط والمعلق في ذلك، فكما يجب تحصيل المقدمات قبل حصول المعلق في الواجب لمعلق يجب تحصيلها ايضا في الوجوب المشروط. غاية الامر: أنه في الواجب المعلق يكون تحصيلها واجبا شرعا بناء على وجوب المقدمة، وفي الوجوب المشروط

 

===============

 

( 124 )

 

[ قيل له: " حج وعلى نفقتك ونفقة عيالك " وجب عليه. وكذا لو قال: " حج بهذا المال " وكان كافيا له - ذهابا وإيابا - ولعياله، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها (1). ] يكون واجبا عقلا، كما اشرنا إلى ذلك في مسألة غسل المستحاضة قبل الفجر من هذا الشرح. وإذا وجب عقلا فعل المقدمات قبل حصول الشرط مع العلم بحصوله كان ذلك رافعا للاستطاعة، ومانعا من وجوب حج الاسلام. وقولهم: " المانع الشرعي كالمانع العقلي " يراد به ما هو أعم من ذلك. هذا مع العلم بحصول الشرط، أما مع الجهل فيمكن الرجوع إلى اصاله عدم حصول الشرط أو غيرها من الاصول، فيجب عليه الحج ظاهرا، لكن إذا انكشف بعد ذلك حصول الشرط، وأنه مكلف بالزيارة لا بالحج يكون الحج غير مجز عن حج الاسلام. (1) إجماعا محكيا في الخلاف والغنية وظاهر التذكرة والمنتهى وغيرهما إن لم يكن محصلا، كذا في كشف اللثام والجواهر. ويشهد له جملة من النصوص، كصحيح محمد بن مسلم المروي في كتاب التوحيد: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا..). قال: يكون له ما يحج به. قلت: فمن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع " (* 1)، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): " قلت له: رجل عرض عليه الحج فاستحيى أهو ممن يستطيع الحج؟ قال (عليه السلام): نعم " (* 2). وهما العمدة في الحكم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 2) لم نعثر على هذا الحديث في كتاب الوسائل ومستدركه، والجواهر والحدائق وكشف اللثام والمدارك. نعم في التذكرة في المسالة الثانية من المبحث الرابع في المؤنة (جزء: 1 صفحة: 302 -

 

===============

 

( 125 )

 

المذكور. وأما صحيح معاوية بن عمار: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): رجل لم يكن له مال، فحج به رجل من إخوانه، هل يجزيه ذلك عن حجة الاسلام أم هي ناقصة؟ قال (عليه السلام): بل هي حجة تامة " (* 1). فانه وإن دل على الاجزاء لا يدل على الوجوب بالبذل، والاجزاء عن حجة الاسلام أعم من الوجوب. وأكثر منه إشكالا مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): - في حديث - قال: " قلت له: فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك، أهو ممن يستطيع إليه سبيلا؟ قال (عليه السلام): نعم، ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار أجدع أبتر؟ فان كان يطيق ان يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج " (* 2) إذ لا مجال للعمل به. وحمل قوله (عليه السلام) " ما شأنه يستحيي " على أنه بيان لحكم أخلاقي لا فقهي، بعيد عن الظاهر فلا مجال للاعتماد عليه، كما عرفت سابقا. واشكل منه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " فان كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل، فانه لا يسعه الا أن يخرج ولو على حمار أجدع أبتر " (* 3)، ونحوها. فانه لو أمكن التفكيك بين مضامين صحيح الحلبي المتقدم - بالحمل على حكمين أخلاقي وفقهي - فلا مجال لذلك فيه، لانه صريح في الحكم على المقيد، فلا مجال فيه للتفكيك المذكور، بأن يكون الحكم على المقيد أخلاقيا، والحكم على غيره فقهيا. ومن ذلك تعرف الاشكال على جماعة من الاصحاب، حيث استدلوا بهذه النصوص، التي ليس بناؤهم على العمل بمضمونها.

 

 

____________

- الطبعة الاولى) قال: " ولان الباقر والصادق عليهما السلام سئلا عمن عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك اهو ممن يستطيع إلى ذلك سبيلا؟ قال: نعم ". (* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 10 من ابواب وجوب الحج حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 10 من ابواب وجوب الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 126 )

 

[ من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملكها إياه، ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها، ولا بين أن يكون البذل واجبا عليه - بنذر، أو يمين أو نحوهما - أولا، ولا بين كون الباذل ] ومثله في الاشكال: الاستدلال بالاية الشريفة، لصدق الاستطاعة مع البذل. إذ فيه: ما عرفت، من أن الاستطاعة المذكورة في الاية الشريفة وإن كانت صادقة، لكن بعد ورود الادلة على تقييدها بملك الزاد والراحلة - كما في مصحح الحلبي (* 1)، ومصحح هشام بن الحكم (* 2)، وغيرهما - لا مجال للتمسك باطلاقها ولا ينافي ذلك ما ورد في تفسيرها: بأن يكون عنده مال، أو أن يجد ما يحج به (* 3)، أو أن يقدر على ما يحج به (* 4)، وذلك كله صادق مع عدم الملك. لان الجمع العرفي في أمثال المقام - مما ورد في مقام الشرح والتحديد - يقتضى التقييد، فلا تتحقق بمجرد حصول واحد منها، بل لا بد من حصول جميعها. وليس هو من قبيل القضايا الشرطية التي يتعدد فيها الشرط ويتحد فيها الجزاء، التي يكون الجمع بينها بالحمل على سببيه كل واحد من الشروط. فإذا كان الجمع العرفي بين نصوص التفسير والتحديد هو التقييد، تكون الاستطاعة مختصة بصورة ما إذا كان الزاد والراحلة مملوكين، فلا ينطبق على المقام، كما أشرنا إلى ذلك في المسالة الثلاثين. فالعمدة - إذا - في الحكم المذكور: الاجماع، والخبران الاولان.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. وفي الرواية: " أن يكون له ما يحج به ". (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب وجوب الحج حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 4) نقل بالمعنى لما رواه في الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب الحج حديث: 3، 9.

 

===============

 

( 127 )

 

[ موثوقا به أولا على الاقوى. والقول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف (1). كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه (2)، ] (1) هذا القول منسوب إلى الحلي في سرائره. قال (ره): " والذي عندي في ذلك: أن من يعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مؤنة الطريق فحسب لا يجب عليه الحج، إذا كان له عائله تجب عليه نفقتهم، ولم يكن له ما يخلفه نفقة لهم، بل هذا يصح فيمن لا تجب عليه نفقة غيره، بشرط أن يملكه ما يبذله ويعرض عليه، لا وعد بالقول دون الفعال.. ". ودليله غير ظاهر، ولذا قال في المختلف - بعد أن حكى ذلك عنه -: " إن فتاوى اصحابنا خالية عنه، وكذا الروايات. بل لو وهب المال لم يجب عليه القبول.. ". وما ذكره أخيرا مبني على أن مراده: اعتبار فعليه التمليك، إذ لا مجال للنقض عليه إلا بناء على ذلك. اما لو كان مراده أن يكون الباذل في مقام التمليك، فهذا المعنى لما لم يتوقف على القبول يتحقق الوجوب وإن لم يتحقق القبول. وإذا تحقق الوجوب وجب القبول، لانه يكون حينئذ شرطا للواجب لا للوجوب كي لا يجب، لان الوجوب لا يقتضى حفظ شرطه. ولاجل ذلك اختلف البذل مع الهبة، فيجب القبول مع البذل، ولا يجب مع الهبة. وكيف كان فاطلاق الادلة المتقدمة ينفي اعتبار التمليك. هذا ولكن التأمل في عبارة السرائر يقتضى أن مراده اعتبار الوثوق، وحينئذ يرجع إلى القول الآتى. (2) هذا القول منسوب إلى العلامة في التذكرة. قال فيها: " التحقيق: ان البحث هنا في امرين: الاول: هل يجب على الباذل الشئ المبذول ام لا؟ فان قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج.. (إلى أن قال): وإن قلنا بعدم وجوبه ففي ايجاب الحج إشكال، اقربه العدم، لما فيه من

 

===============

 

( 128 )

 

[ أو بأحد الامرين: من التمليك أو الوجوب (1) ] تعليق الواجب بغير الواجب.. ". وفي جامع المقاصد: " أما البذل لمجموعها، أو لبعضها وبيده الباقي ففي وجوب الحج بمجرده قولان، اصحهما: أنه إن كان على وجه لازم كالنذر وجب، وإلا لم يجب.. ". وفيه: ما عرفت من أن ذلك خلاف إطلاق الادلة. والتعليل الذي ذكره في التذكرة عليل، لا يرجع إلى قاعدة عقلية أو شرعية. ولا يبعد أن يكون مراده: اعتبار الوثوق ببقاء البذل إلى آخر أزمنة الحاجة، فيرجع إلى القول الاتى ايضا. (1) في الحدائق " نقل عن جمع من الاصحاب: اشتراط التمليك أو الوجوب بنذر وشبهه.. ". ونسب هذا القول في المستند إلى الدروس. وكأن المصنف (ره) تبعه في ذلك، ولكن المذكور في الدروس غير ذلك. قال: " ويكفي البذل في الوجوب مع التمليك، أو الوثوق به.. ". فالعدلان: التمليك والوثوق، لا التمليك والوجوب. وكيف كان فصدر العبارة وإن كان قد يظهر منه الشرطية التخييرية، لكن قال بعد ذلك: " وهل يستقر الوجوب بمجرد البذل؟ إشكال: من ظاهر النقل وعدم وجوب تحصيل الشرط. ولو حج كذلك أو في نفقة غيره أجزأ، بخلاف ما لو تسكع، فانه لا يجزي عنه عندنا. وفيه دلالة على أن الاجزاء فرع الوجوب فيقوى الوجوب بمجرد البذل لتحقق الاجزاء. إلا أن يقال: الوجوب ههنا بقبول البذل، ولو وهبه زادا وراحلة لم يجب عليه القبول. وفي الفرق نظر.. ". وعبارته الثانية ظاهرة في التردد بين الوجوب بمجرد البذل. وبين توقفه على القبول، وميله أخيرا الى اعتبار القبول في سببية البذل إذا لم يكن على نحو التمليك. وتدل على عدم اعتبار التمليك أو الوثوق، وعدم توقف الوجوب - ولا الاجزاء - على أحدهما. بل عبارته الاولى

 

===============

 

( 129 )

 

[ وكذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقا به (1). ] ظاهره في حصول الوجوب مع أحد الامرين، لا عدم حصوله إلا مع احدهما. وكيف كان فاعتبار التمليك، أو القبول، أو الوجوب، أو الوثوق، خلاف إطلاق الدليل، إذا كان المراد من اعتبار الوثوق اعتباره في موضوع الحكم الواقعي. وإن كان المراد اعتباره في الحكم الظاهري فسيأتي الكلام فيه. هذا وفي المسألة قول اخر لم يتعرض له المصنف (ره) صريحا، وإن أشار إليه فيما سبق بقوله: " ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها.. "، وهو ما اختاره في المسالك. قال في مبحث البذل: " واشترط بعض الاصحاب تمليكه إياه " وأخرون وجوب بذله عليه. والاجود عدم الاشتراط. نعم يشترط بذل عين الزاد والراحلة، فلو بذل له أثمانها لم يجب عليه القبول. وكذا لو نذر لمن يحج واطلق ثم بذله لمعين، أو أو أوصى بمال لمن يحج ثم بذله كذلك، لان ذلك متوقف على القبول، وهو شرط للواجب المشروط، فلا يجب تحصيله.. ". ويظهر من عبارة التذكرة ذلك أيضا. وما ذكره خلاف إطلاق الادلة الدالة على الوجوب بالبذل، لصدقه ببذل اثمانها، فإذا صدق تحقق الوجوب فيجب القبول، لانه شرط الواجب لا الوجوب، كما أشرنا إليه آنفا. وما في التذكرة من التعليل بالمنة في بذل الثمن غير ظاهر. (1) ذكره جماعة. قال في المدارك: " نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل، لما في التكليف بالحج بمجرد البذل - مع عدم الوثوق بالباذل - من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم والمشقه الزائدة، فكان منفيا.. ". وقد اشار إليه - في الجملة - في الدروس في عبارته المتقدمة. وفي الجواهر قال: " نعم قد يقال باعتبار الطمأنينة بالوفاء، أو بعدم الظن بالكذب. حذرا من الضرر والخطر عليه. وللشك في شمول أدلة الوجوب له إن لم تكن ظاهرة في خلافه. بل لعل ذلك كذلك وإن

 

===============

 

( 130 )

 

وجب على الباذل. بل هو في الحقيقة خارج عما نحن فيه، ضرورة: أن محل البحث الوجوب من حيث البذل من دون نظر الى الواقعة الخارجية التي قد تنتفي الاستطاعة معها، كما هو واضح. ولا ريب أن المتجة ما قلناه، عملا باطلاق النص، والفتوى، ومعاقد الاجماعات. مضافا إلى تحقق الاستطاعة بذلك.. ". وتحقيق ذلك: أن الكلام تارة: في الحكم الواقعي، وهو ثبوت الوجوب واقعا بتحقق البذل واقعا، وأخرى: في الحكم الظاهري، وهو. ثبوت الوجوب ظاهرا بثبوت موضوعه ظاهرا. فان كان الكلام في الاول، فلا ينبغي التأمل في أن النصوص والفتوى متفقة على ثبوت الوجوب بمجرد البذل واقعا، ولا دخل للوثوق ولا للعلم فيه. وإن كان الكلام في الثاني، فالظاهر أن اللازم العمل بما تقتضيه الطرق العقلائية، ولا يختص ذلك بالوجوب بالبذل، بل يجري في الوجوب بالاستطاعة المالية، فانه لا يتحقق الوجوب الظاهري إذا لم تقم الطرق العقلائية على بقائها. فإذا احتمل المستطيع زوال استطاعته - بموته، أو موت دابته، أو سرقه ماله، أو وجود سيل أو عدو مانع عن عبوره، أو نحو ذلك مما يمنع من بقاء استطاعته - لا يسقط الوجوب عنه، وإن لم يكن الوثوق بخلافه، فكذا في المقام، وفي الجميع يسقط الوجوب مع الوثوق بحصوله. فلا فرق بين الاستطاعة المالية والبذلية من هذه الجهة، ولا يعتبر الوثوق بالبقاء فيهما، بل يعول على الاصول العقلائية، مثل: أصالة السلامة، وبقاء المال، وعدم وجود الحائل، وعدم طروئه، وبقاء البذل، ونحو ذلك، والجميع على حد واحد. ولو حصل الوثوق بحصول الموانع من بقاء الاستطاعة سقط الوجوب الظاهري، لكن الوجوب الواقعي بحاله، لحصول موضوعه. فلو حصل الوثوق بالمانع فلم يسافر وانكشف الخلاف، انكشف ثبوت الوجوب واقعا

 

===============

 

( 131 )

 

[ كل ذلك لصدق الاستطاعة، وإطلاق المستفيضة من الاخبار (1). ولو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضا (2). ولو ] واستقر الوجوب عليه، كما لو اعتقد أنه فقير لا مال له وتبين بعد ذلك أنه غني مستطيع، كما تقدم في المسألة الخامسة والعشرين. نعم إذا كان خوف على النفس كان السفر حراما، فلا يكون مستيطعا واقعا لحرمة السفر. أما إذا كان الخوف على غير النفس، فلاجل انه لا يحرم السفر لا يخرج به عن كونه مستطيعا واقعا، إذا لم يكن مانع واقعا من بقاء الاستطاعة. بل الظاهر أنه لا فرق بين المستطيع ابتداء ومن استقر عليه الحج، فانه في السنين اللاحقة وإن كان يجب عليه الحج متسكعا، لكن لا يجوز له السفر مع خوفه على النفس، ولا يجب عليه مع وثوقه بوجود الموانع عن الوصول. والوجه الذي ذكر - في المدارك وغيرها - لاعتبار الوثوق إن تم اقتضى اعتبار الوثوق ببقاء الباذل وقدرته على البذل، ولا يختص باعتبار الوثوق ببقاء البذل، كما يقتضى ايضا اعتبار الوثوق في الاستطاعة المالية. فإذا التحقيق ما ذكرنا، وأنه لا يعتبر الوثوق ببقاء البذل، بل يكفي - في ثبوت الوجوب ظاهرا - قيام الطرق العقلائية في البقاء، من دون فرق بين الاستطاعة المالية والبذلية. (1) قد عرفت: أن الاستدلال المذكور إنما يصح لو كان القائل باعتبار الوثوق قائلا باعتباره في موضوع الحكم الواقعي اما لو كان قائلا باعتباره في إثبات الوجوب ظاهرا فلا مجال له. (2) كذا ذكر جماعة، مرسلين له إرسال المسلمات، منهم: العلامة في القواعد، والمحقق والشهيد الثانيان في جامع المقاصد والمسالك، والسيد في المدارك، والفاضل الهندي في كشف اللثام، وغيرهم، من دون تعرض لخلاف أو إشكال.

 

===============

 

( 132 )

 

[ بذل له نفقة الذهاب فقط ولم يكن عنده نفقة العود لم يجب (1)، وكذا لو لم يبذل نفقة عياله (2). إلا إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود، أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا. ] واستدل له في الجواهر - تبعا للمدارك -: بالاولوية. لكنها غير ظاهرة. وربما يستدل له: بأن ثبوت الحكم في الاستطاعة المالية والبذلية يدل على ثبوته للجامع بينهما. وفيه: أنه وإن سلم لكن لم يثبت وجود الجامع مع التبعيض، كما يتضح بملاحظة النظائر. فان ثبوت حكم لكر من حنطه وكر من شعير لا يدل على ثبوته لنصف كر من الحنطة ونصف كر من الشعير. أو يستدل له: بأن ما في النص: من أن المبذول له مستطيع (* 1)، يدل على أنه مستطيع حقيقة. وحينئذ يتعين صرف ما دل بظاهره على اعتبار الملك الى اعتبار القدرة المالية، سواء كانت بالبذل أم التمليك أم بهما. وفيه: أن الجمع بينهما يمكن أن يكون يجعل الاستطاعة ذات فردين ملكي وبذلي - كما هو ظاهر الاصحاب - ويقتضيه بناءهم على عدم وجوب قبول الهبة إذا لم تكن لخصوص الحج، إذ لو كان المراد من الاستطاعة المالية القدرة على المال - كما ذكر المستدل - لوجب قبول الهبة، لحصول القدرة بمجرد إنشاء التمليك، كما أشرنا إليه آنفا. والاولى: الاستدلال عليه باطلاق نصوص البذل، فانه يصدق ببذل التتمة، كما يصدق ببذل الجميع. (1) لظهور عرض الحج، ببذل ما يحتاج إليه في الذهاب والاياب. (2) نفقة العيال خارجة عن نصوص البذل، لاختصاصها ببذل ما يحتاجه لنفسه في سفر الحج. لكن لما كان وجوب الانفاق على العيال يقتضي منعه من السفر لم يكن مستطيعا، كسائر الاعذار الشرعية. ونصوص البذل إنما تتعرض لتشريع الاستطاعة المالية لا غير، فلا تنافي ما دل على

 

 

____________

(* 1) راجع أول المسألة.

 

===============

 

( 133 )

 

[ (مسألة 35): لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية. نعم لو كان حالا، وكان الديان مطالبا، مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج ولو تدريجا، ففي كونه مانعا أولا وجهان (1). ] اعتبار الاستطاعة من الجهات الاخرى. وقد عرفت فيما سبق: أن الاعذار الشرعية مانعة عن الاستطاعة. وسيأتي التعرض له في المسألة الرابعة والستين وغيرها. ولاجل ذلك يظهر الوجه لما ذكره في المتن، من استثناء صورة وجود ما يكفيهم، وصورة عجزه عن الانفاق عليهم. إذ في هاتين الصورتين لا محذور شرعي في السفر. ولذلك قال في الجواهر: " بل إن لم يقم الاجماع على اعتبار بذل مؤنة العيال في الوجوب أمكن منعه في المعسر عنها حضرا، للاطلاق المزبور ". وقد يظهر من عبارته الاجماع على الاعتبار. لكنه غير ظاهر، وان اشتهر في كلامهم ذكر نفقة عياله مع نفقته في البذل. لكن الظاهر منه ما هو المتعارف، ولا يشمل صورة العجز المسقط للتكليف المانع عن الاستطاعة. لا اقل من عدم ثبوت انعقاد الاجماع في الصورة المذكورة، فيرجع الى الاطلاق، كما ذكر في الجواهر. وعليه فما في المتن في محله. لكن كان اللازم تخصيص العيال بواجبي النفقة، وإلا لم يكن ما يمنع من السفر، فيكون مستطيعا ويجب عليه الحج. إلا إذا كان ترك الانفاق عليه حرجا على المعيل، فلا يكون الحج واجبا، بناء على ما تقدم، من أن الحرج مانع من الوجوب. (1) ينشآن من ملاحظة الادلة الاولية المقتضية لنفي الاستطاعة السربية الشرعية، لوجوب الاداء المقتضي لوجوب الحضر حسب الفرض. ومن إطلاق كلمات الاصحاب: من أن الدين لا يمنع من الاستطاعة البذلية. قال في المسالك: " ولا يشترط في الوجوب بالبذل عدم الدين، أو ملك

 

===============

 

( 134 )

 

[ (مسألة 36): لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية (1). ] ما يوفيه به، بل يجب الحج وإن بقي الدين.. ". وفي كشف اللثام: " واعلم ان الدين لا ينفي الوجوب بالبذل، كما ينفيه باتهاب ما لا يفي به، مع نفقه الحج، والاياب، والعيال.. ". وفي الجواهر: " ولا يمنع الدين الوجوب بالبذل وان منعه في غيره.. ". ونحوه كلام غيرهم، وقد اشتهر هذا الاطلاق بينهم. وفي المدارك - بعد ما ذكر ذلك - استدل عليه باطلاق النص. وقد عرفت: أن النص إنما يتعرض للمساواة بين البذل والملك، ولا يصلح للتعرض للشروط الاخرى - كالبلوغ، والعقل والحرية، والصحة في البدن وتخلية السرب عقليه كانت أو شرعية - بل كل منها باق بحاله، فإذا قلنا بعدم الوجوب لعدم تخلية السرب الشرعية لم يكن ذلك منافيا لاطلاق النص. وكلمات الاصحاب ايضا منزلة على ما هو المراد من النصوص. ومن ذلك يظهر: أن اقوى الوجهين أولهما. (1) بلا خلاف ظاهر. واستدل عليه في المستند: " بأن الظاهر من اخبار اشتراطه إنما هو فيما إذا انفق في الحج من كفايته، لا مثل ذلك. مع أن الشهرة الجابرة غير متحققة في المورد. ومع ذلك يعارضها إطلاق وجوب الحج بالبذل، وهي اقوى وأكثر، فيرجع إلى عمومات وجوب الحج والاستطاعة العرفية.. ". وما ذكره - أولا - مبنى على الرجوع إلى الاخبار في اعتبار الرجوع إلى الكفاية، فإذا لم تتم لم تصل النوبة إلى دعوى ظهوره فيما ذكر. وما ذكره - ثانيا وثالثا - وإن كان محل المناقشة، لكنها لا تقدح فيما ذكره أولا، كما لا يخفى. وبالجملة: إن كان الدليل هو الاخبار فالجواب عنها ما ذكره. وإن كان الدليل عموم نفي الحرج فلا مجال لتطبيقه في المقام، لاختصاصه بما

 

===============

 

( 135 )

 

[ (مسألة 37): إذا وهبه ما يكفيه للحج لان يحج وجب عليه القبول على الاقوى (1)، بل وكذا لو وهبه وخيره بين أن يحج به أولا (2) وأما لو وهبه ولم يذكر الحج لا تعيينا ] إذا أنفق في الحج من كفايته، وليس كذلك فيما نحن فيه، كما ذكره (قده). نعم إذا اتفق لزوم الحرج في إجابة الباذل لم تجب الاجابة. وسيأتي - إن شاء الله - في المسألة الثامنة والخمسين التعرض لذلك. فانتظر. (1) كما في كشف اللثام، واختاره في الحدائق، وحكاه عن الذخيرة ومجمع البرهان، وكذا في المستند وغيرها. لاطلاق النصوص، الشامل للبذل على نحو الاباحة والتمليك، فيجب القبول، لانه حينئذ يكون مقدمة للواجب لا للوجوب. لكن في الشرائع: " لو وهبه مالا لم يجب قبوله... ". وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن يهبه للحج بالخصوص أو له ولغيره. وعلله في المسالك: بأن قبول الهبة نوع من الاكتساب، وهو غير واجب للحج، لان وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة، فلا يجب تحصيل شرطه، بخلاف الواجب المطلق. ومن هنا ظهر الفرق بين البذل والهبة، فان البذل يكفي فيه نفس الايقاع في حصول القدرة والتمكن، فيجب بمجرده. انتهى. وتبعه في ذلك في الجواهر، بناء منه على ظهور نصوص البذل بالاباحة لاكل الزاد والراحلة أو الاباحة المطلقة حتى للتملك إن ازاده. وفيه: أن المبني غير ظاهر، لشمول النصوص لايقاع الاباحة، وإيقاع التمليك للحج معا، ولا اختصاص لها بالاول كما ذكره. (2) كأنه: لصدق عرض الحج عليه، فيثبت له حكم البذل من الوجوب، فيجب القبول. وفيه: أنه غير ظاهر، لظهور عرض الحج - المذكور في النصوص - في عرضه على التعيين لا على التخيير.

 

===============

 

( 136 )

 

[ ولا تخييرا، فالظاهر عدم وجوب القبول، كما عن المشهور (1). (مسألة 38): لو وقف شخص لمن يحج - أو أوصى أو نذر كذلك - فبذل المتولي - أو الوصي أو الناذر - له وجب عليه، لصدق الاستطاعة (2)، بل إطلاق الاخبار. وكذا لو أوصى له بما يكفيه للحج بشرط أن يحج، فانه يجب عليه بعد موت الموصي (3). ] (1) حكى نسبته إلى المشهور في المستند. وقد عرفت: ما ذكره في الشرائع، ومثله في القواعد. ويظهر من شراحهما: التسالم عليه، معللين ذلك: بأن القبول نوع من الاكتساب، وهو شرط وجوب الحج فلا يجب تحصيله. وفي المدارك: " وربما علل: باشتماله على المنة، ولا يجب تحملها. ويتوجه على الاول: ما سبق. وعلى الثاني: منع تأثير مثل ذلك في سقوط الواجب. مع ان ذلك بعينه يأتي في بذل عين الزاد والراحلة، وهو غير ملتفت إليه.. ". ومراده بما سبق تحقق الاستطاعة. لانها التمكن من الحج بمجرد البذل. وفيه: ما عرفت من أن الذي يظهر من الادلة: أن الاستطاعة نوعان ملكيه وبذلية، وتختص البذلية بالبذل للحج، فالهبة مطلقة قبل القبول خارجة عن النوعين معا. وليست الاستطاعة نوعا واحدا - وهو التمكن من المال - كي يدعى وجوب القبول: ولاجل ذلك لا يتم ما ذكر في المدارك - واختاره في المستند - من وجوب الحج في الفرض. بل يشكل ايضا: ما تقدم من المصنف في المسألة الثلاثين، كما اشرنا إليه هناك. (2) قد عرفت الاشكال فيه. نعم لا بأس بالتمسك باطلاق الاخبار، لان عرض الحج على المكلف أعم من ان يكون المال مملوكا للعارض، أو تحت ولايته وسلطانه. (3) هذا من افراد المسأله السابقة، فإذا يدخل في اخبار العرض "

 

===============

 

( 137 )

 

[ (مسألة 39): لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة، وشرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحة (1)، ] بملاحظة أن الوصي إذا عرض عليه المال الموصى به للحج يدخل في اخبار العرض. بل يزيد عليه بامكان تطبيق الاخبار بملاحظة وصية الميت ايضا، فيكون الميت قد عرض عليه الحج. وهذا وإن كان حاصلا في فرض الوصية السابق، لكن عرض الميت فيه ليس للشخص المعين بل للكلي، حسب فرض المسألة. وسيأتي الاشكال في مثل ذلك. (1) الشرط المذكور تارة: يكون من قبيل إنشاء شرط العمل على المدفوع إليه " وأخرى: من قبيل القيد للمدفوع إليه. فان كان من قبيل الاول فصحته موقوفة على ثبوت ولاية المالك على مثل ذلك، ودليله غير ظاهر. وعمومات صحة الشروط لا تصلح لاثبات السلطنة عليه عند الشك فيها، نظير عمومات صحة البيع لا تثبت السلطنة لكل بايع. وكذلك غيرها، من عمومات صحة العقود والايقاعات ليست ناظرة إلا إلى إثبات قابلية المنشأ للانشاء في ظرف صدوره من السلطان، فلا بد في اثبات ولايته على الشرط من دليل. والفرق بين المورد وغيره من موارد العقود والايقاعات: أن في الموارد المذكورة لما كان موضوعها تحت سلطنة الموقع يكون الشرط من شؤون تلك السلطنة. مثلا: إذا باع الانسان ماله على غيره، فلما كان المال موضوعا لسلطنه البايع الراجعة الى السلطنة على البيع وغيره من التصرفات، فإذا كان البيع تحت السلطنة مطلقا كان الشرط تحتها، لانه من شؤون البيع، وليس كذلك في المقام، فان المال المدفوع ليس ملكا للدافع، وإنما له ولايه تعيين المستحق، ودليل هذه الولاية لا يستفاد منه الولاية على التعيين بشرط. وأما إذا كان الشرط من قبيل القيد، بان يدفعه له مقيدا بكونه يحج به، فقد يقال بامتناعه، بلحاظ أن المدفوع إليه هو الشخص الخارجي،

 

===============

 

( 138 )

 

[ ووجوب الحج عليه إذا كان فقيرا، أو كانت الزكاة من سهم سبيل الله (1). (مسألة 40): الحج البذلي مجز عن حجة الاسلام، ] وهو لا يقبل الاطلاق والتقييد، وفيه: ان الشخص الخارجي وإن كان كذلك، لكن الدفع الاختياري الذى أخذ موضوعا للقصد والارادة - يقبل ذلك، لانه يتعلق بالصور الذهنية، والصور الذهنية تقبل ذلك، سواء كانت حاكية عن المفاهيم الكلية أم الجزئية، ولذلك يتمسك في الاحكام الشخصية بالاطلاق الاحوالي. وإذا كان الدفع قابلا للاطلاق والتقييد كان موضوعه كذلك، لانه من شؤونه. فالعمدة في الاشكال في صحه الشرط على هذا الوجه: عدم ثبوت ولاية الدافع على مثل هذا التقييد، وليس في دليل ولاية المالك في الزكاة على تعيين المستحق ما يشمل مثل ذلك. فيلحظ هذا في الزكاة. وأما في الخمس، فقد تقدم في كتاب الخمس: عدم وضوح الدليل على ولاية المالك على تعيين المستحق. لكن الكلام في المقام مبني على ثبوت ولايته ولو باذن الحاكم الشرعي. وقد تقدم من المصنف (ره) في بعض مسائل ختام الزكاة: أنه لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج أو نحوهما من القربات. فراجع. ثم إن ظاهر المتن: أن وجوب الحج في المقام مبني على صحة الشرط. ويمكن المناقشة فيه: بأنه لو بني على بطلان الشرط أمكن أن يدعى الوجوب بلحاظ صدق العرض، فتشمله نصوص البذل، فيجب عليه الحج للاستطاعة البذلية لا لصحة الشرط، نظير ما تقدم في المسالة السابقة. (1) إذا كانت الزكاة كذلك وجب الحج بعد القبول - كما هو مفروض المسألة - وإن لم نقل بصحة الشرط، لان الحج هو المصرف لا غير.

 

===============

 

( 139 )

 

[ فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك على الاقوى (1). (مسألة 41): يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الاحرام (2). وفي جواز رجوعه عنه بعده وجهان (3). ] (1) كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، إذ لم يعرف الخلاف في ذلك إلا من الشيخ في الاستبصار. لخبر الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سألته عن رجل لم يكن له مال، فحج به أناس من اصحابه، اقضي حجة الاسلام؟ قال: نعم. قال: فإن ايسر بعد ذلك فعليه أن يحج. قلت: هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال (عليه السلام): نعم. قضى عنه حجة الاسلام (وتكون تامة ليست بناقصه. خ). وإن ايسر فليحج " (* 1). ونحوه خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج " (* 2). وحملا على الاستحباب. والعمدة: وهن الخبرين بالاعراض والهجر. ولولا ذلك لاشكل الحمل على الاستحباب بأنه خلاف الظاهر. ولا يقتضيه الجمع بينهما وبين ما دل على الاجزاء عن حجة الاسلام، لتضمنها ذلك ايضا. وأبعد من الحمل المذكور الحمل على من حج عن غيره، أو على الوجوب الكفائي، كما في الوسائل. (2) الظاهر أنه لا إشكال في ذلك، كما يظهر من كلماتهم في مسألة اشتراط وجوب البذل في الاستطاعة، كما سبق. (3) أحدهما: أنه وعد، والوعد لا يجب الوفاء به، كما يقتضيه قاعدة السلطنة على النفس والمال. وأما الثاني فقد يوجه: بأنه إذا شرع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب وجوب الحج حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.

 

===============

 

( 140 )

 

في الاحرام فقد وجب عليه الاتمام، فيكون تركه غير مقدور، فلا أثر للعدول عن البذل. ونظيره ما ذكر - في من أذن لغيره في الصلاة في ملكه -: من أنه بعد الشروع في الصلاة لا اثر لمنع المالك، كما أشار إلى ذلك بعض مشايخنا في رسالة الحج. وفي حاشيته على المقام ذكر: أن أقوى الوجهين عدمه. ويشكل: بأن الحكم غير ثابت في النظير، فضلا عن المقام. أما الاول فلان نهي المالك عن الصلاة في ملكه يوجب امتناع التعبد بها، وإذا امتنع التعبد بها بطلت. فوجوب إتمام الصلاة إنما يوجب سلب قدرة المصلي على القطع على تقدير إمكان الاتمام، ونهي المالك مانع عن الاتمام، لامتناع التعبد بالصلاة في المكان المغصوب، فتبطل بنفسها لا بابطال المصلي لها. فان قلت: حرمة الابطال من اثار الدخول في الصلاة الصحيحة، ولما كان الدخول في الصلاة باذن المالك كان الدخول صحيحا، فيترتب عليه حرمة الابطال. قلت: لا ريب أن الابطال المحرم هو إبطال الصلاة الصحيحة، فما دامت الصلاة صحيحة بحرم إبطالها، فهو منوط بالصحة - حدوثا وبقاء - إناطة كل حكم بموضوعه، لا أنه منوط بها حدوثا فقط. كيف ولا ريب أنه لو طرأ ما يوجب بطلان الصلاة لم يحرم إبطالها؟ بل لا يتصور إبطالها. وإذا كان الحكم منوطا بالصحة حدوثا وبقاء، كان منوطا بشرائط الصحة حدوثا وبقاء، فإذا زال بعض الشرائط زال الحكم بزواله، ورجوع المالك عن إذنه موجب. لذلك نظير مالو شرع في الصلاة في مكان مباح، ثم اضطر الى الخروج عنه الى مكان مغصوب، فانه لا يحرم قطعها لبطلانها واضعف من ذلك ما قيل: من أن الشروع في الصلاة الصحيحة لما كان يستلزم الاتمام، كان الاذن في الشروع إذنا في الاتمام، لان الاذن في الشئ

 

===============

 

( 141 )

 

إذن في لوازمه. وجه الضعف: أن الكلام في جواز رجوع المالك عن إذنه وعدمه، وحرمة إتمام الصلاة وعدمها، لا في تحقق الاذن في الاتمام كى يستدل على تحقق الاذن بالقاعدة المذكورة. فالكلام في تأثير الرجوع عن الاذن وعدمه ثبوتا، لا في ثبوت الاذن وعدمه إثباتا، فالاختلاف بين المقام ومورد القاعدة موضوعا وحكما. ومثل رجوع المالك عن إذنه في الصلاة رجوعه عن إذنه في البناء في ملكه أو الغرس فيه أو الزرع فيه، ففي مثل هذه الموراد إذا رجع - بعد البناء أو الغرس أو الزرع - كان الواجب على المأذون إخلاء الارض. إلا إذا لزم الضرر، فتكون قاعده الضرر حاكمة على قاعدة السلطنة، المقتضية لجواز الرجوع. ولا تعارضها قاعدة الضرر الجارية في حق المالك، لانه مقدم عليه بالاذن. وقد يستشهد على عدم جواز رجوع المالك عن الاذن في الصلاة بما تسالموا عليه: من عدم تأثير رجوع المالك إذا أذن في رهن ملكه. وفيه: وضوح الفرق بين المقامين، فان الرهن باذن المالك يستوجب حقا للمرتهن في العين " فقاعده السلطنة على الحق - الجارية في حق المرتهن - مانعة من تأثير الرجوع، ومن اجراء قاعده السلطنة في حق المالك. والسر في ذلك: أن عقد الرهن ليس من الامور القارة الموقوفة على إذن المالك حدوثا وبقاء، بل هو يحدث وينعدم، فإذا حدث بالاذن صح وترتب اثره وبعد العدم لا يناط بالاذن. بخلاف مثل التصرف في المكان، فانه كما يحتاج الى إذن المالك في الحدوث يحتاج إليها في البقاء. نعم المناسب لباب الرهن الجزء الخاص من التصرف الحادث قبل رجوع المالك، فانه لا اثر للرجوع في حرمته، ولا في ترتب اثر الحرمة عليه بوجه. فهو والرهن من باب واحد، ويصح قياس احدهما على الاخر، لا قياس التصرف اللاحق للرجوع بالرهن، فانهما من بابين لا من باب واحد.

 

===============

 

( 142 )

 

هذا كله الحكم في النظير. وأما الكلام في المقام فهو: أنه إذا بنينا على عدم تأثير الرجوع إذا اذن في الصلاة - لما سبق - لا يلزم البناء عليه في المقام، لان وجوب إتمام الحج في المقام لا ينافي حرمة التصرف في المال المبذول، لجواز إتمام الحج بلا تصرف في المال المبذول، بأن يحج متسكعا، أو بالاستدانة، أو الاستيهاب. أو إجارة نفسه على عمل مؤجل أو حال أو غير ذلك. فوجوب اتمام الحج لا يقتضى سلب قدرته على ترك التصرف في المال، كي يكون من قبيل باب الاذن في الصلاة. نعم إذا انحصر إتمام الحج بركوب الراحلة المبذولة كان من ذلك القبيل، وحينئذ يجئ فيه ما ذكر هناك، فان قلنا فيه بعدم تأثير الرجوع وجب الاتمام بالتصرف بالمال المأذون فيه أولا، وإن رجع المالك عن الاذن. وإن قلنا بتأثير الرجوع وجب ترك التصرف، ويجرى عليه حكم المحصور. هذا كله من حيث الحكم التكليفي. أما من حيث الحكم الوضعي - أعني: ضمان المال المبذول في المقام، والانتفاع المبذول في باب الصلاة والاعارة للزرع والغرس - فهو أنه إن بني على تأثير الرجوع في حرمة التصرف فلا إشكال في الضمان. أما لو بني على عدم تأثيره، فقد يقال بعدم الضمان، لوجوب البذل شرعا، المقتضى لعدم احترام المال. وفيه: أن وجوب البذل أعم من عدم احترام المال، نظير البذل عند المخمصة، فانه مضمون على المتصرف فيه بالاكل. وبالجملة: وجوب بذل المال، ووجوب تصرف المبذول له فيه لا يقتضى نفي الضمان الثابت بالاتلاف، لعدم المنافاة بينهما كي يدل أحدهما على عدم الاخر. وكذا الكلام في ضمان منافع الارض المبذولة للغرس والزرع والبناء إذا لزم الضرر من إخلائها من ذلك عند رجوع الباذل عن إذنه. فلاحظ. ومن ذلك تعرف حكم الرجوع عن الاذن في الموارد المختلفة، فان

 

===============

 

( 143 )

 

رجوع الباذل للرهن لا اثر له، ورجوع المعير للزرع والغرس ونحوهما يترتب عليه الاثر تكليفا ووضعا، إلا مع الضرر فيترتب اثره وضعا لا تكليفا، ورجوع الاذن في الصلاة يترتب أثره تكليفا ووضعا، فتبطل الصلاة معه ويكون المصلي ضامنا، وكذا المقام. وأما رجوع الزوج عن الاذن للزوجة في الحج فيترتب عليه أثره وإن كان قبل إحرامها، ولا يترتب أثره إذا كان بعد إحرامها، لان وجوب الاتمام مانع عن وجوب إطاعة الزوج. ومثله رجوع الوالد عن الاذن لولده في الحج. وأما رجوع المولى إذا اذن لعبده في الحج أو الاعتكاف، فان كان قبل الاحرام في الحج، وقيل اليوم الثالث في الاعتكاف ترتب عليه اثره -، من حرمة الحج والاعتكاف - فيبطل اعتكافه إذا كان قد شرع فيه. وإن كان بعد الاحرام أو بعد دخول اليوم الثالث، فان قلنا بان منفعة الحج والاعتكاف من المنافع المملوكة - كما هو الظاهر - يكون الحكم كما لو رجع الباذل للصلاة، وان لم نقل بذلك كان الحكم كما في رجوع الزوج والوالد عن الاذن. وأما إذا أذن في دفن الميت في ملكه ثم عدل بعد الدفن، فان لم يؤد نقله إلى موضع آخر إلى محذور لزم، وإن أدى إلى هتك حرمته - لطروء الفساد على بدنه - ففي جواز نقله إشكال، لاحتمال أهميه حرمة الهتك من محذور دفنه في ارض غيره. ولا سيما أن حرمة الهتك لا تختص بالمباشر لدفنه بل عامة حتى لصاحب الارض. ولاجل ذلك يشكل النقل حتى لو دفن في ارض بغير إذن المالك، لاطراد المحذور فيه ايضا. ثم إن الظاهر أن وجه توقف المصنف (ره) عن الحكم بجواز الرجوع في البذل بعد الاحرام، مع بنائه على الجواز فيما لو أذن في الصلاة في داره - كما تقدم منه في كتاب الصلاة -: احتمال التمسك بقاعدة الغرور في المقام، التي يدل عليها - مضافا إلى الاجماع في الجملة -: النبوى المرسل

 

===============

 

( 144 )

 

المشهور: " المغرور يرجع على من غره " (* 1). وما ورد في تدليس الزوجة، من رجوع الزوج الى المدلس، معللا بقوله (عليه السلام): " كما غر الرجل وخدعه " (* 2). ومقتضى ذلك وإن كان عموم الحكم برجوع المغرور إلى الغار في جميع الموارد، الا أنه ليس بناء الاصحاب على العمل بها كليه. ولذلك يشكل الاخذ بعموم دليلها، كما اشرنا إلى ذلك في مبحث الفضولي من (نهج الفقاهة)، تعليقتنا على مكاسب شيخنا الاعظم (قده). لكن يخدش الوجه المذكور: أن الايقاعات لا توجب تغريرا للغير، فانها إنشاءات بحتة ليس فيها حكاية ولا دلالة تصديقية، ولا تتصف بصدق ولا كذب، فإذا رجع الباذل عن بذله لم ينكشف من الرجوع خلاف ما دل عليه إنشاء الوعد. نعم إذا ظهر من قوله أو فعله انه لا يخلف في وعده ولا يرجع عنه كان ذلك تغريرا للمبذول له وايقاعا له في الغرور فالتغرير إنما يكون بذلك القول أو الفعل لا بنفس الوعد. وعليه إذا بني على عموم القاعدة، ولزوم العمل بها فاللازم التفصيل بين أن يكون اعتماد المبذول له على مجرد الوعد، وبين أن يكون اعتماده على قوله أو فعله الدال على بقائه على وعده. ففي الاول لا مجال لرجوعه عليه. وفي الثاني يرجع عليه، لحصول التغرير منه في الثاني دون الاول. وأما العمل بعموم القاعدة حتى في المقام فلا بأس به، لعموم دليلها. نعم قد يشكل صدق التغرير إذا لم يكن الغار قاصدا للايهام. بل الظاهر اختصاص الخديعة بذلك، ففي هذه الصورة يضمن الغار، ولا يبعد أن يكون بناء العقلاء والمتشرعة على الضمان ومؤاخذتهم الغار بتغريره.

 

 

 

____________

(* 1) هذا الحديث وان وجد في بعض الكتب الفقهية الا انه لم نعثر عليه بعد الفحص في كتب الحديث للعام والخاصة وبعد الاستعانة ببعض الفهارس المعدة لضبط السنة النبوية. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب العيوب والتدليس في النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 145 )

 

[ ولو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه، في جواز الرجوع قبل الاقباض وعدمه بعده، إذا كانت لذي رحم، أو بعد تصرف الموهوب له (1). (مسألة 42): إذا رجع الباذل في أثناء الطريق، ففي وجوب نفقة العود عليه أولا وجهان (2). (مسألة 43): إذا بذل لاحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية (3)، فلو ترك الجميع استقر عليهم ] أما إذا لم يكن قاصدا للايهام وايقاع المغرور في خلاف الواقع، ففي البناء على الضمان اشكال، لعدم وضوح الدليل فيه. وعدم ثبوت بناء العقلاء والمتشرعة عليه، وإن كان ظاهر الاصحاب في مبحث الفضولي - فيما لو رجع المالك على المشتري - عموم الحكم لصورة علم الغار وجهله. وإن كان بناؤهم على ذلك لا يهم إذا كان الدليل قاصرا، فانه لم يكن عن إجماع معتد به على ذلك، لاختلاف أنظارهم في وجه الرجوع. فلاحظ ما ذكرناه في (نهج الفقاهة) في ذلك المبحث. والله سبحانه العالم الموفق. (1) لعدم ظهور خصوصيه للمورد تمتاز بها عن بقية افراد الهبة، فيشملها عموم الدليل المقتضي للتفصيل المذكور. (2) ينشآن: مما ذكرنا من اصالة البراءة. ومن قاعدة الغرور، فان هذه المسأله وسابقتها من قبيل واحد، ولذلك توقف المصنف (ره) في المقام. ومن بنى على الرجوع الى قاعدة الغرور في إحداهما بنى على ذلك في الاخرى. (3) لتحقق الاستطاعة بالنسبة إلى كل واحد منهم، على ما ذكره هنا، وتقدم منه في المسألة الثلاثين وغيرها. لكن عرفت الاشكال

 

===============

 

( 146 )

 

[ الحج. فيجب على الكل، لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل. نظير: ما إذا وجد المتيممون ماء يكفي لواحد منهم، فان تيمم الجميع يبطل (1). ] في ذلك، وأن المستفاد من النصوص أن الاستطاعة نوعان: ملكيه، وبذلية، وكلتاهما في المقام غير حاصلة، لانتفاء الملك. ولعدم شمول نصوص البذل له. ولذا قال في الجواهر: " إن لم ينعقد اجماع على وجوبه للمبذول لهم الحج على جهة الاطلاق من دون خصوصية - كأن يقال: " بذلت الزاد والراحلة لكل من يريد الحج مثلا - أمكن القول بعدمه. للاصل وغيره. وبالجملة: المدار في المسألة: أن وجوب الحج على المبذول له، لصدق الاستطاعة المتحقق في ذلك وأمثاله. أو أنه لمكان الادلة المخصوصة، لعدم الاكتفاء بهذه الاستطاعة المشتملة على المنة، التي سقط لها ونحوها أكثر التكاليف. ولعل الاخير لا يخلو من قوة.. ". وما ذكره في محله. وإن كان بعضه لا يخلو من مناقشة، فان الاعتماد على النصوص المخصوصة في الاستطاعة البذلية، وعدم شمول العمومات لها ليس لاجل المنه، بل لاجل ان العمومات مختصة بالملك، على ما عرفت في المسألة الثلاثين وغيرها. والمنة الحاصلة في البذلية ليست مما يسقط لاجلها التكليف، لعدم بلوغها الحرج. ولو فرض بلوغها ذلك فلا ينبغي التأمل في منعها من الاستطاعة البذلية، لعموم ادلة الحرج، كما عرفت في جملة من مسائل الاستطاعة المالية المتقدمة. فراجع. (1) الوجدان - الموجب لبطلان التيمم - إنما هو بمعنى القدرة على الماء، وهو في المقام حاصل بالنسبة إلى كل واحد منهم، فيبطل تيممه. نعم إذا تسابقوا إليه فسبق واحد منهم بطل تيممه دون غيره، لانكشاف قدرة السابق وعجز غيره وإذا سبقوا إليه جميعا لم يبطل تيمم واحد منهم،

 

===============

 

( 147 )

 

[ (مسألة 44): الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل (1). وأما الكفارات فان أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه، وإن أتى بها اضطرارا، أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد وغيره، ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان (2). (مسألة 45): إنما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة، فلو بذل للآفاقي بحج القرآن أو الافراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه، وكذا لو بذل للمكي لحج ] لاشتراكهم فيه. أما الاستطاعة في باب الحج فقد عرفت أنها ليست كذلك، فالتنظير في غير محله. (1) لانه جزء من الواجب، فيشمله البذل. هذا إذا كان البذل واجبا بنذر ونحوه، لانصرافه الى الفرد الاختياري. أما إذا كان واجبا بقاعدة اخرى - كالغرور، أو التسبيب - فوجوبه على الباذل غير ظاهر، لانه واجب عند القدرة، وبامتناع الباذل تنتفي القدرة فينتقل إلى بدله. نعم لو كان المبذول له متمكنا من الهدي فاشتراه فذبحه أمكن رجوعه على الباذل بالثمن، لقاعدة الغرور. وهكذا الكلام في كل ماله بدل، فانه لا يجب عليه بذله. بل لو بذل له من اول الامر مالا يفي بالواجب الاختياري وجب عليه الحج وأجزأ عن حج الاسلام. وكذا لو كان المكلف مالكا لمال لا يفي بالواجب الاختياري، ولكن يفي بالواجب الاضطراري، كان مستطيعا بالاستطاعة الملكية، ووجب عليه الحج، وأجزاه عن حج الاسلام. (2) مما ذكرنا سابقا يظهر أن أقوى الوجهين أولهما. فان البذل إذا كان واجبا - بنذر ونحوه - فلا ينصرف إلى مثل ذلك، وإن كان واجبا بقاعدة الغرور ونحوها فلا يقتضي ذلك. فتأمل جيدا.

 

===============

 

( 148 )

 

[ التمتع لا يجب عليه. ولو بذل لمن حج حجة الاسلام لم يجب عليه ثانيا (1). ولو بذل لمن استقر عليه حجة الاسلام وصار معسرا وجب عليه (2). ولو كان عليه حجة النذر أو نحوه ولم يتمكن فبذل له باذل وجب عليه (3)، وإن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج. لشمول الاخبار من حيث التعليل فيها: بأنه بالبذل صار مستطيعا. ولصدق الاستطاعة عرفا. (مسألة 46): إذا قال له: " بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحج به أو تزور الحسين (عليه السلام) " وجب عليه الحج (4). ] (1) كما يقتضيه ظاهر النصوص. (2) لان المفروض استقرار الوجوب عليه. غاية الامر: أنه كان معذورا من جهة العسر وبالبذل يزول المانع (3) لما سبق. والقول بعدم وجوب قبول الهبة لو وهبه لا للحج لا يرتبط بما نحن فيه، لانه في اصل وجوب الحج واشتغال ذمته. وقد عرفت ان المقام ليس في ذلك، لاستقرار الوجوب عليه بالسبب السابق، والكلام هنا في وجوب إفراغ ذمته عقلا من الواجب المشغولة به، فالقدرة هنا عقليه لا شرعية، فلا مناسبة بين المقام وذلك المقام. ومن ذلك يظهر النظر في قوله (ره): " لشمول الاخبار من حيث... "، فان المقام لا يرتبط بتلك الاخبار، ولا بالتعليل المذكور فيها، ولا بصدق الاستطاعة لانها كلها في مقام أصل الوجوب، وفي حصول ملاكه، لا فيما نحن فيه مما لم تكن الاستطاعة شرطا في الوجوب ولا في الملاك. وما كان يؤمل من المصنف (ره) صدور مثل ذلك منه. (4) تقدم الكلام فيه في المسألة السابعة والثلاثين.

 

===============

 

( 149 )

 

[ (مسألة 47): لو بذل له مالا ليحج بقدر ما يكفيه، فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب (1). (مسألة 48): لو رجع عن بذله في الاثناء، وكان في ذلك المكان يتمكن من أن يأتي ببقية الاعمال من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته، وجب عليه الاتمام (2)، وأجزأه عن حجة الاسلام. (مسألة 49): لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا (3)، فلو قالا له: " حج وعلينا نفقتك " وجب عليه. (مسألة 50): لو عين له مقدارا ليحج به، واعتقد ] (1) بل انكشف عدم ثبوته، لانتفاء شرطه. (2) ظاهر العبارة أنه كان الرجوع عن البذل بعد الاحرام. وعليه يشكل ما ذكره من اجزائه عن حج الاسلام، لانه بالرجوع انكشف عدم كونه مستطيعا من أول الامر. لكن تقدم منه في المسألة التاسعة والعشرين: احتمال ان تلف المال في أثناء الحج لا يمنع من الاجزاء عن حج الاسلام، والرجوع بعد الاحرام من قبيل تلف الاستطاعة بعد الاحرام. هذا إذا كان المال الذي يكفيه للاتمام قد حدث له، أما إذا كان عنده حين البذل فلا إشكال لان البذل إلى زمان الرجوع يكون متمما للاستطاعة أما إذا كان المراد الرجوع عن البذل قبل الاحرام، وكان عنده من المال ما يكفيه للذهاب والاياب، أو حدث له مال كذلك، فلا ينبغى التأمل في أنه يجب عليه حج الاسلام، وكان بذلك مستيطعا. ولعله مراد المتن. (3) لاطلاق أدلة العرض.

 

===============

 

( 150 )

 

[ كفايته فبان عدمها، وجب عليه الاتمام في الصورة التي لا يجوز له الرجوع. إلا إذا كان ذلك مقيدا بتقدير كفايته (1). (مسألة 51): إذا قال: " اقترض وحج وعلي دينك " ففي وجوب ذلك عليه نظر، لعدم صدق الاستطاعة عرفا (2) ] (1) يعنى: وجب على الباذل إتمام ما بذله حتى يكون بمقدار الكفاية، في الصورة التي لا يجوز الرجوع فيها عن البذل. إلا إذا كان بذل المقدار المعين مقيدا بقدر كفايته، بأن كان بذله للمقدار المعين معلقا على تقدير الكفاية فحينئذ لا يجب إضافته بمقدار الكفاية وكأن الوجه في وجوب الاتمام هو الوجه في عدم جواز الرجوع في البذل بناء عليه. لكن يشكل ذلك: بأنه لو بني على عدم جواز الرجوع من جهة التغرير لا مجال للبناء على ذلك هنا، إذ لا تغرير من الباذل. اللهم إلا أن يكون قول الباذل: " لتحج به " بمنزلة إخباره بكفايته للحج، فيكون تغريرا منه. لكن لازم ذلك وجوب الرجوع على كل من أخبر بذلك ولو كان غير الباذل، ولا يختص وجوب الاتمام بالباذل. أو لان قول الباذل: " لتحج به " لما لم يكن مقيدا بتقدير الكفاية، كان دالا على الوعد بالاتمام على تقدير النقص، لانه لازم لبذل المقدار المعين للحج، إذ لا تمكن الاستعانة به في الحج إلا بذلك. والمظنون: أن مراد المصنف ذلك، فيكون مرجع البذل في المقام إلى بذل التتمة على تقدير النقص، فلا يجوز للباذل الرجوع عنه. لكن الدلالة على الوعد بالاتمام يتوقف على علم الباذل بعدم تمكن المبذول له من الاتمام إلا ببذل التتمة، فلو كان الباذل يحتمل تمكن المبذول له من الحج متسكعا، أو أن يكون له مال يتمكن من الاتمام به، فالدلالة غير حاصلة. (2) في هذا التعليل نظر - بناء على ما تقدم منه من أن الاستطاعة

 

===============

 

( 151 )

 

[ نعم لو قال: " اقترض لي وحج به " وجب مع وجود المقرض كذلك. (مسألة 52) لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج أنه كان مغصوبا، ففي كفايته للمبذول له عن حجة الاسلام وعدمها وجهان، أقواهما العدم (1). أما لو قال: " حج وعلي نفقتك "، ثم بذل له مالا فبان كونه مغصوبا، ] عبارة عن القدرة المالية، نظير القدرة على الماء التي يبطل معها التيمم - حصولها بالبذل على النحو المذكور. نعم بناء على ما ذكرنا سابقا: من ان الاستطاعة منحصرة في نوعين: ملكيه وبذلية، تكون منتفية بكلا نوعيها، لانتفاء الملك والبذل معا. ومن ذلك يظهر عدم الوجوب في الصورة الثانية، لانتفاء الملك والبذل ايضا، فلا يجب الحج فيها. نعم لو اقترض حصلت الاستطاعة البذلية، ووجب الحج، وأجزأ عن حج الاسلام. (1) لا ينبغي التأمل في أن البذل الانشائي والوعد بالبذل لا يستوجب الاستطاعة البذلية، ولا بد من البذل الخارجي في حصولها، فإذا كان المبذول مغصوبا لم يتحقق البذل الموجب للاستطاعة، لاختصاصه ببذل المال غير المضمون. وهذا مما لا ينبغي التأمل والتردد فيه. ومنه يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف في الصورة الثانية، من تعليل صحة البذل بقوله: " لانه استطاع بالبذل " فان البذل الخارجي للمال المغصوب المضمون لا يستوجب الاستطاعة، كما عرفت. والبذل الانشائي لا يكفي في حصولها ايضا، فكيف يكون المبذول له مستطيعا، ويصح حجه. ويجزي عن حجة الاسلام؟! وبالجملة: الاستطاعة البذلية تكون ببذل إنشائي وبذل خارجي، فان اعتبر في المبذول أن لا يكون مضمونا لم يكن فرق بين الصورتين في عدم حصول الاستطاعة البذلية، وإن لم يعتبر ذلك لم يكن ايضا فرق

 

===============

 

( 152 )

 

[ فالظاهر صحة الحج وإجراؤه عن حجة الاسلام، لانه استطاع بالبذل. وقرار الضمان على الباذل في الصورتين، عالما كان بكونه مال الغير أو جاهلا (1). (مسألة 53): لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج. ولا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير، لان الواجب عليه - في حج نفسه - أفعال الحج، وقطع الطريق مقدمة توصلية، بأي وجه أتى بها كفى ولو على وجه الحرام، أو لا بنية الحج (2). ] بينهما في حصولها. إذ لا فرق بين الصورتين في ذلك - بل ولا في غيره - إلا في أن البذل الانشائي في الاول مقارن للبذل الخارجي، وفي الثاني غير مقارن، وهذا المقدار لا يستوجب اختلافا بينهما في الحكم. (1) لما كان المفروض جهل المبذول له بالغصب يكون مغرورا من قبل الباذل، فيرجع عليه في تدارك خسارته إذا كان قد رجع عليه المغصوب منه بمثل المبذول أو بقيمته. وهذا الرجوع لقاعدة الغرور. وعموم الحكم بالرجوع على الباذل لصورة علمه وجهله مبني على عموم القاعدة لهما معا، ولو بني على اختصاصها بصورة علم الغار اختص الرجوع على الباذل بها لا غير. (2) كما نص على ذلك في الجواهر، قال (ره) في دفع إشكال أن السفر إذا كان واجبا بالاجارة كيف يكون حج الاجير مجزيا عن حجة الاسلام: " ويدفع: بأن الحج - الذي هو عبارة عن مجموع الافعال المخصوصة - لم تتعلق به الاجارة، وإنما تعلقت بالسفر خاصة، وهو غير داخل في أفعال الحج.. ". ونحوه: ما في المسالك والمدارك وغيرهما. ويظهر منهم التسالم على كون الحج عبارة عن الافعال المخصوصة، وليس

 

===============

 

( 153 )

 

السفر منها وإنما هو مقدمة، فلا مانع من أن يكون واجبا لسبب اخر، أو مملوكا عليه بعقد إجارة ونحوها. ويشكل: بأن ظاهر الاية الشريفة وجوب السفر فان حج البيت - في الاية الشريفة - يراد منه الذهاب إليه والسعي نحوه، فيكون واجبا وجوبا نفسيا كسائر افعاله. وإذا أجمل مبدأ السير فالقدر المتيقن منه السير من الميقات. ثم استدل على ذلك في الجواهر بصحيح معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام): " عن الرجل يمر مجتازا - يريد اليمن أو غيرها من البلدان - وطريقه بمكة، فيدرك الناس وهم يخرجون الى الحج " فيخرج معهم إلى المشاهد، أيجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال (عليه السلام): نعم " (* 1)، وصحيحه الاخر عنه (عليه السلام): " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يخرج في تجارة الى مكة، أو يكون له إبل فيكريها، حجته ناقصة أم تامة؟ قال (عليه السلام): لا بل حجته تامة " (* 2)، وخبر الفضل ابن عبد الملك عنه (عليه السلام) قال: " وسئل عن الرجل يكون له الابل يكريها فيصيب عليها، فيحج وهو كري، تغني عنه حجته؟ أو يكون يحمل التجارة الى مكة فيحج، فيصيب المال في تجارته أو يضع، تكون حجته تامة أو ناقصة؟ أو لا يكون حتى يذهب به الى الحج ولا ينوي غيره؟ أو يكون ينويهما جميعا، أيقضي ذلك حجته؟ قال (عليه السلام): نعم حجته تامة " (* 3). اقول: النصوص المذكورة لا تصلح للخروج بها عن ظاهر الاية الشريفة، فان الصحيح الاول ظاهر في أن خروجه إلى المشاهد لم يكن بقصد غاية اخرى وإنما كان لمحض الحج. وأما الصحيح الثاني فانما يدل على ان حجه - وهو كري، أو يحمل التجارة إلى مكة - صحيح، وهو لا يقتضى

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 22 من ابواب وجوب الحج حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 22 من ابواب وجوب الحج حديث: 5.

 

===============

 

( 154 )

 

خروج السير من الميقات عن الحج، وعدم لزوم التعبد والتقرب به. لان وقوع العمل على وجه العبادة يتوقف على صدوره عن داعي القربة على نحو يكون ذلك الداعي صالحا للاستقلال في الداعوية، وذلك لا ينافي وجود داع آخر إليه صالح للاستقلال في الداعوية. نعم إطلاقه يقتضى الصحة وإن كان داعي القربة تبعيا. لكن الاطلاق المذكور ليس بحد يصلح للخروج به عن ظاهر الآية، لقرب حمل الكلام على انه في مقام نفي مانعية الضميمة. وأما الخبر الثالث فحمله على ذلك اقرب، فان قول السائل: " ولا ينوي غيره " ظاهر في ذلك جدا. مضافا إلى ضعف سنده بالارسال، كما عرفت في مبحث البذل. فان قلت: المراد من الاية الشريفة وجوب السفر الى البيت وجوبا غيريا، نظير قوله تعالى: (فتيمموا صعيدا طيبا.. " (* 1) فانه لاريب في عدم وجوب السعي إلى التراب وجوبا نفسيا. قلت: إذا كان المراد من آية التيمم ذلك - لقرينة في الكلام، وهي قوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم..) ضرورة: أن التطهير إنما يكون باستعمال التراب لا بالسعي إليه. أو لقرينة خارجية من إجماع وغيره - فهو لا يقتضى حمل الامر في المقام عليه، لعدم القرينة عليه. ولا سيما وكون الوجوب النفسي هو الموافق للارتكاز العقلائي، فان السعي إلى بيوت اهل الشأن مظهر من مظاهر العبودية. فلاحظ. والمتحصل مما ذكرنا: أن البناء على عدم جزئية السفر الى البيت في الواجب النفسي وأنه مقدمة لا غير خلاف ظاهر الاية، وليس ما يقتضي الخروج عنه، فالبناء على الاخذ بظاهر الاية متعين. وعلى هذا لا يجوز. وقوع السفر من الميقات إلى مكة على وجه لا يقتضى تقرب المحرم - بأن يكون

 

 

____________

(* 1) المائدة: 7.

 

===============

 

( 155 )

 

[ وكذا لو كان مستطيعا قبل الاجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق. بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه، بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صح أيضا، ولا يضر بحجه. نعم لو آجر نفسه لحج بلدي لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي، كاجارته لزيارة بلدية أيضا. أما لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس وإن كان مشيه للمستأجر الاول. فالممنوع وقوع الاجارة على نفس ما وجب عليه أصلا أو بالاجارة. (مسألة 54): إذا استؤجر - أي: طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعا - لا يجب عليه القبول، ولا ] مملوكا لغيره بالاجارة ونحوها - أو ملكا له لكن على نحو لا يكون مقربا - بأن كان حراما - أو وقع قهرا أو غفلة - كما إذا أحرم وعزم على ترك السفر فقهر على ذلك، أو نام فحمله شخص حتى أوصله إلى مكة - أو كان رياء ونحو ذلك. نعم لا يضر إذا وقع فيه نوم أو غفلة مع عزمه عليه، ضرورة الاجتزاء به حينئذ. ثم إن الاجارة للخدمة لا تقتضي امتناع التعبد بالسفر، إذ وجوب الخدمة المملوكة بالاجارة وإن اقتضى وجوب السفر. لكن لا مانع من التعبد به من جهة وجوب الحج، فيكون السفر واجبا بالاجارة غيريا، وواجبا بالاستطاعة نفسيا. ولا مانع من اجتماع الوجوبين، ولا من التقرب بهما معا إذا كان كل واحد من الامرين الغيري والنفسي صالحا للاستقلال بالداعوية إلى فعل الواجب، فلا مانع من وجوب حج الاسلام على الاجير إذا كان مال الاجارة كافيا في حصول الاستطاعة. أما إذا كان السفر بنفسه مستأجرا عليه، فيكون مملوكا للمستأجر. وحينئذ لا يمكن التقرب به، لانه مملوك

 

===============

 

( 156 )

 

[ يستقر الحج عليه، فالوجوب عليه مقيد بالقبول ووقوع الاجارة. وقد يقال بوجوبه (1) إذا لم يكن حرجا عليه، لصدق الاستطاعة. ولانه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الاجارة، كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته، وكانت كافية في استطاعته. وهو كما ترى، إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك (2). لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره، كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للاسفار. (مسألة 55): يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه ] لغير الفاعل، فيمتنع ان يتقرب بالفعل الراجع لغيره. وحينذ يمتنع ان يجب عليه حج الاسلام، فتكون الاجارة مانعة من حصول الاستطاعة على كل حال: (1) القائل: النراقي في مستنده. (2) كما عرفت سابقا، إذ لا ملك ولا بذل، وهي منحصرة في أحدهما. نعم بناء على ما تقدم من المدارك: من أنها التمكن من المال الكافي، تتحقق الاستطاعة بمجرد طلب المستأجر الاجارة، وحينئذ يجب عليه القبول، كما عرفت. وكذلك بناء على ما ذكره المصنف (ره) في المسألة السابعة والعشرين وغيرها، من أن الاستطاعة القدرة على المال، فانه حاصل لعين ما ذكر. فعلى مبناه المذكور يتعين عليه البناء على وجوب القبول، ولا وجه لمنع صدق الاستطاعة ولذالك جعل في المستند مما يتفرع على كون الاستطاعة القدرة المالية، وجوب الحج على الكسوب إذا تمكن من كسبه في الطريق، ووجوب الاستدانة لمن له دين مؤجل أو متاع لا يتمكن من بيعه في الحال، ووجوب قبول الهبة وإجارة النفس لمعونة السفر. فالعمدة - إذا - الاشكال في صحة المبني، وأنه مما لا يستفاد من الادلة.

 

===============

 

( 157 )

 

[ للنيابة عن الغير. وإن حصلت الاستطاعة بمال الاجارة قدم الحج النيابي (1)، فان بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه، وإلا فلا. (مسألة 56): إذا حج لنفسه، أو عن غيره تبرعا أو بالاجارة، مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة ] وأما ما ذكر في المستند: من أن الشخص مالك لمنافعه، فيكون كما لو كان له ضيعة لم يتمكن من بيعها ويمكن إجارتها مدة يكفيه للحج، فموهون إذ المنافع قبل وجودها في الخارج تعد من شؤون ذي المنفعة، وكما أنه لا يملك العامل نفسه لا يملك منافعه، إذ لا إثنينية مصححة لاعتبار إضافة المالكية والمملوكية. ولذلك بنينا على عدم ضمان منافع الحر. ولا فرق في ذلك بين من عادته إجارة نفسه وغيره. (1) هذا إذا كان المستأجر عليه الحج في سنة الاجارة، إذ حينئذ يجب عليه حج النيابة في تلك السنة، فيكون مانعا عن الاستطاعة السربية التي هي شرط وجوب حج الاسلام - وإن كانت الاستطاعة المالية له حاصلة. أما إذا كانت الاجارة على الحج لا تختص بتلك السنة، اما لانها مختصة بالسنة التالية لها، أو عامة للجميع - بان استؤجر على ان ينوب عن شخص مرة واحدة في مدة سنتين أو اكثر - فانه إذا استطاع بمال الاجارة يجب عليه حج الاسلام في سنة الاجارة، ويؤخر الحج النيابي إلى السنة الاخرى، لان الاول مضيق والاخر موسع، فلا يتنافيان ولا يتزاحمان. نعم إذا كان الاجير بحيث لو صرف مال الاجارة في حج الاسلام عجز عن الحج النيابي لم يكن مستطيعا، لان وجوب حفظ المال للحج النيابي يمنع عن صرفه في حج الاسلام، فتنتفي الاستطاعة السربية، ويكون الحكم فيه كالفرض السابق.

 

===============

 

( 158 )

 

[ الاسلام، فيجب عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك (1). وما في بعض الاخبار: من إجزائه عنها، محمول على الاجزاء ] (1) على المشهور المعروف، وفي المدارك: " هذا مذهب الاصحاب، لا اعرف فيه مخالفا.. "، وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بل يمكن تحصيل الاجماع عليه.. ". ويشهد به خبر مرازم بن على عن ابي الحسن (عليه السلام): " قال: من حج عن إنسان، ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه ما يحج به، ويجب عليه الحج " (* 1)، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج " (* 2). لكن يتعين حمل الثاني على صورة عدم حصول شرائط الاستطاعة البذلية، فالعمدة: الخبر الاول، المنجبر ضعف سنده بعمل الاصحاب. نعم يعارض ذلك جملة من النصوص. منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: حج الصرورة يجزي عنه، وعن من حج عنه " (* 3)، ومصححه الاخر: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حج عن غيره، أيجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال (عليه السلام): نعم " (* 4)، وصحيح جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره، ثم اصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما جميعا " (* 5). لكن إعراض الاصحاب عنها مانع من الاعتماد عليها. ولذلك

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. والموجود فيه: (آدم) بدل: (مرازم). وكذلك في التهذيب ج: 5 صفحة: 8، صفحة 411، والاستبصار ج: 2 صفحة: 144. (* 2) الوسائل باب: 21 من ابواب وجوب الحج حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 21 من ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 21 من ابواب وجوب الحج حديث: 4. (* 5) الوسائل باب: 21 من ابواب وجوب الحج حديث 6.

 

===============

 

( 159 )

 

[ ما دام فقيرا، كما صرح به في بعضها الآخر (1). فالمستفاد منها: أن حجة الاسلام مستحبة على غير المستطيع، وواجبة على المستطيع (2)، ويتحقق الاول بأي وجه أتى به ولو عن الغير تبرعا أو بالاجارة، ولا يتحقق الثاني إلا مع حصول شرائط الوجوب. (مسألة 57): يشترط في الاستطاعة - مضافا إلى ] قال في المدارك - بعد ذكر النصوص الاخيرة -: " إلا انه لا خروج عما عليه الاصحاب... ". وقد ذكر لها محامل بعيده لا مجال للبناء عليها، بعد ان لم تكن مقتضى الجمع العرفي بينها. والذي يقتضيه الجمع العرفي: الاخذ بظاهرها، وحمل غيرها على الاستحباب، كما هو ظاهر. هذا والنصوص من الطرفين مختصة بمن حج عن غيره. أما إذا كان حج عن نفسه متسكعا فالمرجع فيه القواعد المقتضية لعدم الاجزاء عن حج الاسلام، فانه مقتضى إطلاق: " من استطاع فعليه حج الاسلام ". فان اطلاقه يقتضى الشمول لمن حج متسكعا ثم استطاع، كما لا يخفى. وبذلك يندفع اصل البراءة. نعم خبر أبى بصير المتقدم - بناء على حمله على من حج عن نفسه، ولم يكن البذل بشرائط الاستطاعة - يكون دالا على حكم المقام. (1) كأنه يريد به خبر أبي بصير بالنسبة إلى من حج عن نفسه، وخبر مرازم بالنسبة إلى من حج عن غيره. لكن هذا الحمل بعيد جدا بالنسبة إلى صحيح جميل، لانه كالصريح في عدم الحاجة الى الحج بعدما أيسر فالعمدة: أنه لا حاجة إلى بيان محمل النصوص المذكورة، لسقوطها عن الحجية. (2) لا إشكال فتوى ونصا في ان حجة الاسلام واجبة على المستطيع، ولا تجب ولا تستحب للفقير، ولو كانت مستحبة للفقير لاغنت عن الحج

 

===============

 

( 160 )

 

[ مؤنة الذهاب والاياب - وجود ما يمون به عياله حتى يرجع، فمع عدمه لا يكون مستطيعا (1). والمراد بهم: من يلزمه نفقته لزوما عرفيا وإن لم يكن ممن يجب عليه نفقته شرعا على الاقوى (2)، فإذا كان له أخ صغير، أو كبير فقير لا يقدر ] إذا استطاع، كما سيأتي. فكان المناسب أن يقال: إن الحج مستحب على غير المستطيع، والمقصود من النصوص الاجزاء عن هذا الحج. فلاحظ. (1) بلا خلاف أجده، بل ربما ظهر من بعضهم الاجماع عليه، كذا في الجواهر. واستدل له - في الجواهر وغيرها - بالاصل. وعدم تحقق الاستطاعة بدونه بعد أن اعتبر الشارع فيها ما هو أسهل منه، ضرورة وجوب الانفاق عليه، فهو حق سابق على وجوب الحج. فلا استطاعة مع عدمه، وبخبر أبي الربيع: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا..) فقال: ما يقول الناس؟ قال: فقلت له: الزاد والراحلة. قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد سئل ابو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال: هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس، ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال، إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا [ بعض خ ل ] لقوت عياله.. " (* 1). وقد رواه المشايخ الثلاثة، ورواه المفيد مرسلا عن أبي الربيع في المقنعة بتفاوت يسير. (2) مقتضى الدليل الاول اختصاص الحكم بواجب النفقة، كما اختاره في الدروس والمدارك، وحكاه في الجواهر عن المنتهى. ويقتضيه - أيضا - المرسل في المجمع الاتي. لكنه ضعيف ومقتضى الرواية المذكورة اختصاص

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب وجوب الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 161 )

 

[ على التكسب، وهو ملتزم بالانفاق عليه، أو كان متكفلا لانفاق يتيم في حجره ولو أجنبي يعد عيال له، فالمدار على العيال العرفي. (مسألة 58): الاقوى وفاقا - لاكثر القدماء - اعتبار الرجوع الى كفاية، من تجارة، أو زراعة، أو صناعة، أو منفعة ملك له، من بستان، أو دكان، أو نحو ذلك (1)، ] الحكم بالعيال العاجز عن الانفاق على نفسه. والذي اختاره في الجواهر عموم الحكم لكل من يكون ترك إعالته حرجا عليه. عملا بادله الحرج، التى كانت هي المرجع في استثناء المسكن والخادم ونحوهما. وقد رمز الامام (عليه السلام) له بقوله: " اليسار في المال ". وما ذكره (ره) في محله، لما تقدم. (1) حكي ذلك عن الشيخين والحلبيين وابني حمزة وسعيد وجماعة أخرين وعن الخلاف والغنية: الاجماع عليه. لخبر أبي الربيع الشامي، المتقدم في المسألة السابقة. وزاد المفيد في المقنعة في روايته عنه - بعد قوله (عليه السلام) ويستغني به عن الناس " -: " يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه! لقد هلك الناس إذا. فقيل فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال، وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه، ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله " (* 1) وخبر الاعمش عن الصادق (عليه السلام) أيضا في تفسير السبيل: " هو الزاد والراحلة، مع صحة البدن، وان يكون للانسان ما يخلفه على عياله، وما يرجع إليه من بعد حجه " (* 2). وفي مجمع البيان في تفسير الاية الشريفة: " المروي عن أئمتنا (عليهم السلام): أنه الزاد والراحلة، ونفقة من تلزمه نفقته، والرجوع إلى كفاية، إما من مال أو

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب وجوب الحج ملحق حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.

 

===============

 

( 162 )

 

ضياع أو حرفة.. " (* 1). لكن الجميع غير صالح لذلك، أما الخبر فظاهر في نفقة العيال حال السفر. وأما المرسل في المقنعة فالموثوق به أنه عين الخبر المذكور، وحينئذ يشكل الاستدلال به، للتعارض في النقل. مع أن منصرف الحديث صورة العجز على نحو يؤدي إلى الهلاك. فلا يدل على القول المذكور. وأما خبر الاعمش فلا جمال ما يرجع إليه بعد حجه من حيث المدة - وأنها سنة أو أقل أو أكثر - ومن حيث الكم، وأنه قليل أو كثير. وحمله على ما لا بد له منه عند الرجوع - بقرينة دليل نفي الحرج - رجوع إلى الدليل المذكور، وحينئذ يتعين العمل بمقتضاه لا غير. وأما مرسل مجمع البيان فعده من قسم الخبر لا يخلو من إشكال، لظهوره في كونه من باب بيان المضمون بحسب فهم الناقل، فهو أشبه بالفتوى من الخبر. ولا سيما مع تفرده في نقل ذلك دون غيره من أئمة الحديث. مضافا إلى اشكال السند فيه وفي خبر الاعمش، لعدم صحتهما. وعدم ثبوت اعتماد الاصحاب عليهما، فان الظاهر أن اعتمادهم كان على خبر أبي الربيع الذي عرفت قصور دلالته. وعلى هذا فالاعتماد على النصوص المذكورة غير ظاهر. نعم لا باس بالرجوع إلى أدلة نفي الحرج والعمل بمقتضاها (* 2)، فكما أنها تعمل عملها في كيفية مؤنته ومؤنة عياله في السفر، واستثناء مثل الخادم والدار وغيرهما من المستثنيات، تعمل عملها في ذلك أيضا. فإذا كان صرف ما عنده، مما يكفيه في سفره لنفسه ولعياله حرجا عليه - لانه يرجع إلى مهانة ومذلة - فهو غير مستطيع، وإلا فهو مستطيع. ولعل مراد القائلين باعتبار الرجوع الى كفاية ذلك - كما يظهر من المتن - لا اعتبار

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب وجوب الحج حديث: 5. (* 2) تقدمت الاشارة الى الادلة المذكورة اجمالا في صفحة: 72.

 

===============

 

( 163 )

 

[ بحيث لا يحتاج الى التكفف، ولا يقع في الشدة والحرج، ويكفي كونه قادرا على التكسب اللائق به، أو التجارة باعتباره ووجاهته، وإن لم يكن له رأس مال يتجر به. نعم قد مر عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية (1). ولا يبعد عدم اعتباره - أيضا - فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به، كطلبة العلم من السادة وغيرهم، فإذا حصل لهم مقدار مؤنة الذهاب والاياب، ومؤنة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم. بل وكذا الفقير الذى عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسب، إذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب والاياب له ولعياله (2). ] الكفاية تعبدا، كما في ملك الزاد والراحله، حسبما ينسبق الى الذهن من كلماتهم ولاجل ذلك لم يوافقهم جماعة عليه كابن ادريس والمحقق والعلامة. وعن ظاهر اليد - بل عن المعتبر والتذكرة -: نسبته إلى الاكثر. وكيف كان فان كان مراد القائلين باعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة، المعنى الذي يقتضيه دليل نفي الحرج فهو في محله. وإن كان مرادهم المعني الذي يظهر من نفس الكلام فلا دليل عليه، بل إطلاق ادلة الوجوب ينفيه. (1) بناء على ما ذكرنا من المعنى لا فرق بين الاستطاعة المالية والبذلية في ذلك، فإذا كان المبذول له ممن يكتسب في ايام الحج لا غير، ويعيش بربحه في تمام السنة، فوجوب الحج عليه بالبذل يوجب وقوعه في الحرج، من جهة عجزه عن إدارة معاشه في بقية السنة، فلا يجب عليه الحج. إلا إذا بذل له ما يكفيه لبقية سنته. (2) ومثله: من كان له ولد، أو والد، أو صديق ينفق عليه بمقدار حاجته.

 

===============

 

( 164 )

 

[ وكذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده (1)، إذا صرف ما حصل له من مقدار مؤنة الذهاب والاياب، من دون حرج عليه. (مسألة 59): لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحج به (2). كما لا يجب على الوالد أن يبذل له. وكذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به. وكذا لا يجوز للوالد الاخذ من مال ولده للحج. والقول بجواز ذلك أو ] (1) مثل الذي كانت حرفته النيابة عن الاموات في العبادات، أو كانت حرفته بعض الاعمال الخسيسة، كالحمال والكناس ونحوهما ممن اعتاد ذلك ولا يراه حرجا عليه فان الجميع يجب عليهم الحج وإن لم يكن لهم ما به الكفاية. ولا سيما إذا كان عازما على الاستمرار على عمله بعد رجوعه من الحج على كل حال. وما في مناسك بعض الاعاظم، وفي حاشيته على الكتاب: من عدم وجوب الحج عليهم غير ظاهر. (2) كل ذلك على المشهور. لقاعدة السلطنة. وللتوقيع الشريف: " فلا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه " (* 1). وللنصوص الخاصة مثل خبر علي بن جعفر (عليه السلام) عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال: لا، إلا أن يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف. ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلا باذن والده " (* 2)، وحسن الحسين بن ابي العلاء قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال (عليه السلام): قوته بغير سرف إذا اضطر إليه. قال: قلت له: فقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجل الذي أتاه فقدم أباه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب الانفال حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.

 

===============

 

( 165 )

 

[ وجوبه - كما عن الشيخ (1) - ضعيف، وإن كان يدل عليه صحيح سعيد بن يسار قال: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال: نعم، يحج منه حجة الاسلام. قلت: وينفق منه؟ قال: نعم. ثم قال: إن مال ] فقال له: أنت ومالك لابيك. فقال (عليه السلام): إنما جاء بأبيه الى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، هذا أبي وقد ظلمنى ميراثي من أمي، فأخبره الاب أنه أنفقه عليه وعلى نفسه. فقال: أنت ومالك لابيك، ولم يكن عند الرجل شئ. أو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبس الاب للابن؟! (* 1)، وخبر أبي حمزة الثمالي عن أبى جعفر (عليه السلام): " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لرجل: أنت ومالك لابيك. ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه، ان الله لا يحب الفساد " (* 2). ونحوها غيرها. (1) حكي عنه ذلك في الخلاف والتهذيب والنهاية، وحكي أيضا عن القاضي في المهذب. وظاهر الجواهر: نسبته الى المفيد، بل ظاهر الخلاف عدم الخلاف فيه. قال (ره): " مسألة: إذا كان لولده مال، روى اصحابنا: انه يجب عليه الحج، ويأخذ منه قدر كفايته ويحج به، وليس للابن الامتناع منه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا: الاخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة، قد ذكرناها في الكتاب الكبير. وليس فيها ما يخالفها، فدل على إجماعهم على ذلك. وايضا قوله (عليه السلام): " أنت ومالك لابيك "، فحكم أن ملك الابن مال الاب، وإذا كان له فقد وجد الاستطاعة، فوجب عليه الحج ".

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 78 من ابواب ما يكتسب به حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 78 من ابواب ما يكتسب به حديث: 2.

 

===============

 

( 166 )

 

[ الولد لوالده. إن رجلا اختصم هو ووالده الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقضى أن المال والولد للوالد " (* 1) (1). وذلك لاعراض الاصحاب عنه (2). مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله، مع استطاعته من مال نفسه. أو على ما إذا كان فقيرا، وكانت نفقته على ولده، ولم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ (3). ] (1) وكذا صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه. قال (عليه السلام): يأكل منه ما شاء من غير سرف. وقال (عليه السلام): في كتاب علي (عليه السلام): إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء. وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها. وذكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال للرجل: أنت ومالك لابيك " (* 2). (2) لكن الاشكال في كون الاعراض بنحو يقتضي السقوط عن الحجية، إذ من الجائز أن يكون الوجه فيه بناءهم على التعارض والترجيح، وإلا فالشيخان أعرف بمذهب الامامية من غيرهما. وكذا في جهة الصدور. (3) مجرد الامكان غير كاف في رفع اليد عن الظاهر. إلا إذا كان مقتضى الجمع العرفي. ومن المعلوم أن الجمع العرفي بين الدليلين - المتضمن أحدهما للمنع والاخر للرخصة - حمل الاول على الكراهة، فتحمل النصوص الاول على كراهة الاخذ وإن جاز. نعم يشكل الاخذ بالصحيح المذكور " لظهوره في أن جواز الاخذ من أجل قول النبي (صلى الله عليه وآله): إن المال والولد للوالد، الوارد في الخصومة بين الوالد والولد. فان ذلك معارض بما في خبر الحسين بن أبي العلاء المتقدم في شرح تلك الخصومة، وقول النبي (صلى الله عليه وآله)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 78 من ابواب ما يكتسب به حديث: 1.

 

===============

 

( 167 )

 

الوارد فيها (* 1). وحينئذ لا بد من الرجوع الى قواعد التعارض. ورواية الحسين معتضدة بعموم حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، والنصوص الخاصة، كرواية الثمالي المتقدمة (* 2)، ورواية علي بن جعفر (عليه السلام) عن أبي ابراهيم (عليه السلام): " سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال (عليه السلام) لا. إلا أن يضطر إليه، فيأكل منه بالمعروف " (* 3)، وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيها: " أما إذا أنفق عليه بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا. وإنه لا يطأ جارية إلا أن يقومها على نفسه " (* 4) وغير ذلك مما هو كثير. كما أن صحيح سعيد معتضد بصحيح ابن مسلم المتقدم (* 5). وقوله (عليه السلام): " من غير سرف " يمكن حمله على السرف المحرم. فتأمل. وبرواية محمد ابن سنان فيما كتبه إلى الرضا (عليه السلام): " وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه.. (إلى أن قال): لان الولد موهوب.. (إلى ان قال): ولقول النبي (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك لابيك " (* 6)، وخبر علي بن جعفر (عليه السلام) المروي عن كتابه، والمتضمن لجواز وطئ الاب جارية الابن إن أحب، وكذلك الاخذ من ماله، وأن الام لا تأخذ إلا قرضا (* 7). وعلى هذا فالنصوص طائفتان، كل منهما فيه الصحيح وغيره، وكل منهما مشهور الرواية. نعم الطائفة الاولى موافقة لعموم المنع من التصرف في مال الغير بغير إذنه، والطائفة الثانية مخالفة للعامة، لما تقدم في كلام الشيخ في الخلاف،

 

 

____________

(* 1)، (* 2)، (* 3) تقدم ذكر الروايات المذكورة في صدر المسألة. (* 4) الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3. (* 5) تقدم ذكر الروايتين في المسألة قريبا. (* 6) الوسائل باب: 78 من ابواب ما يكتسب به حديث: 9. (* 7) الوسائل باب: 78 من ابواب ما يكتسب به حديث: 10.

 

===============

 

( 168 )

 

[ (مسألة 60): إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله، فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه (1)، وكذا لو حج متسكعا. بل لو حج من مال الغير غصبا صح وأجزأه. نعم إذا كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصح. وكذا إذا كان ثمن هديه غصبا (2). (مسألة 61): يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية، فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب، أو كان حرجا عليه - ولو على المحمل أو الكنيسة - لم يجب (3). وكذا لو ] من بناء جميع الفقهاء على المنع. وعلى هذا إن بني على الترتيب في الترجيح بالمرجحات، فالموافقة للكتاب لما كانت متقدمة على مخالفة العامة كان اللازم الاخذ بنصوص المنع. وإن بني على عدم الترتيب فاللازم التخيير في المقام، لاشتمال كل طائفة منهما على مرجح. لكن الاخذ بنصوص المنع أولى، لانه أبعد عن الظلم والعدوان، واقرب الى المرتكزات الشرعية، وموافق للمشهور بين الاصحاب. والله سبحانه الموفق للصواب. (1) إجماعا بقسميه، كما في الجواهر. وفي المستند. " لا خلاف فيه بين العلماء، لان الحج واجب عليه، وقد امتثل بفعل المناسك المخصوصة، فيحصل الاجزاء. وصرف المال غير واجب لذاته، وإنما يجب إذا توقف عليه الواجب. ". (2) إذا كان قد اشتراه بعين الثمن. أما إذا اشتراه بثمن في الذمة ووفى من المغصوب صح الهدي، وإن بقي مشغول الذمة بالثمن. (3) بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى: كأنه إجماعي، وعن المعتبر: اتفاق العلماء عليه، كذا في الجواهر وغيرها. ويقتضيه ما دل على

 

===============

 

( 169 )

 

[ تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤنته (1). وكذا لو احتاج الى خادم ولم يكن عنده مؤنته. (مسألة 62): ويشترط أيضا: الاستطاعة الزمانية (2)، فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول الى الحج، أو امكن لكن بمشقة شديدة لم يجب (3). وحينئذ فان بقيت الاستطاعة الى العام القابل وجب، وإلا فلا. ] اعتبار صحة البدن في الاستطاعة زائدا على اعتبار الزاد والراحلة. (1) يمكن أن يدخل هذا في فقد الاستطاعة المالية وإن كان ذلك لفقد صحة البدن. وإن شئت قلت: يدخل في أحد الامرين. (2) نسبه في التذكرة إلى علمائنا وفي كشف اللثام: أنه اجماع. وقال في المستند: " للاجماع، وفقد الاستطاعة، ولزوم الحرج والعسر، وكونه مما يعذره الله تعالى فيه، كما صرح به في بعض الاخبار.. " (* 1). والعمدة: الاول والاخير. وأما الثاني فمشكل، بعد تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة وغيرهما مما لا يدخل فيه الزمان. اللهم إلا أن يكون مفهوما من سياق أدلة التفسير. وأما الثالث فانما يجدي في رفع التكليف لا في رفع الملاك. إلا أن يرجع إلى الاخير، كما اشرنا إليه انفا، ويأتي أيضا. (3) لما عرفت ويأتي من أن أدلة نفي الحرج وإن لم تكن نافية لملاك الحكم في الواجبات والمحرمات الحرجية غير الحج، لكنها في الحج رافعة لملاكه، فان من مقومات الاستطاعة - التي هي شرط الوجوب - عدم لزوم الحرج. ولذلك بنى الاصحاب على انتفائها في كثير من الموارد التي يكون وجوب الحج فيها حرجيا، يتضح ذلك بملاحظة ما تقدم في

 

 

____________

(* 1) لعل المقصود بها حديث: 2 و 7 من باب 24 من ابواب وجوب الحج من الوسائل.

 

===============

 

( 170 )

 

[ (مسألة 63): ويشترط أيضا: الاستطاعة السربية (1)، بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول الى الميقات أو الى تمام الاعمال، وإلا لم يجب. وكذا لو كان غير مأمون (2) بأن يخاف على نفسه، أو بدنه أو عرضه، أو ماله - وكان الطريق منحصرا فيه، أو كان جميع الطرق كذلك. ولو كان هناك طريقان، أحدهما أقرب لكنه غير مأمون، وجب الذهاب ] فروع الاستطاعة المالية. (1) بلا خلاف ولا إشكال. وفي المستند: " اشتراطها مجمع عليه، محققا ومحكيا.. ". ويقتضيه - مضافا الى ذلك - الاية (* 1)، والنصوص المتضمنة لتخلية السرب (* 2). (2) الحكم هنا ظاهري، فان موضوع الحكم الواقعي بعدم الوجوب - لعدم الاستطاعة - هو عدم تخلية السرب واقعا، فمع الشك لا يحرز الحكم الواقعي، بل يكون الحكم بعدم الوجوب ظاهريا. نعم مع احتمال تلف النفس لما كان يحرم السفر يكون الحكم الظاهري بحرمة السفر موضوعا للحكم الواقعي بانتفاء الاستطاعة وانتفاء وجوب الحج، لكن لا لاجل انتفاء تخلية السرب، بل للحرمة الظاهرية المانعة عن القدرة على السفر أما مع احتمال تلف المال أو غيره مما لا يكون الاقدام معه حراما، فالاصول والقواعد العقلائية - المرخصة في ترك السفر - تكون من قبيل الحجة على انتفاء تخلية السرب. ولاجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر وجود الحجة على عدم وجوبه. من اصل عقلائي، أو أمارة كذلك تقتضي الترخيص في تركه. وعليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه

 

 

____________

(* 1) آل عمران: 97. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب وجوب الحج الحديث 4. 7 5

 

===============

 

( 171 )

 

[ من الابعد المأمون. ولو كان جميع الطرق مخوفا إلا أنه يمكنه الوصول الى الحج بالدوران في البلاد - مثل ما إذا كان من أهل العراق، ولا يمكنه إلا أن يمشي الى كرمان، ومنه الى خراسان، ومنه الى بخارا، ومنه الى الهند، ومنه الى بوشهر، ومنه الى جدة مثلا، ومنه إلى المدينة، ومنها الى مكة - فهل يجب أولا؟ وجهان، أقواهما عدم الوجوب (1)، لانه يصدق عليه أنه لا يكون مخلى السرب. (مسألة 64): إذا استلزم الذهاب الى الحج تلف مال ] مستطيعا واقعا، كما لو قامت البينة على ثبوت دين عليه بمقدار ما يوجب ثلم استطاعته، ثم انشكف كذب البينة، فانه يجب عليه في العام اللاحق السفر إلى الحج ولو متسكعا، لاشتغال ذمته به واستقرار الوجوب عليه، كما تقدم ذلك في بعض الفروع السابقة. بل في صورة احتمال تلف النفس وإن كان السفر حراما. لكن يمكن أن يقال: إن الحرمة الاتية من جهة جهل المكلف وغلطه لا تكون نافية للاستطاعة، كما تقدم في بعض الفروع السابقة ويأتي. نظير: ما لو ملك الزاد والراحلة واعتقد أنهما لغيره، فان حرمة التصرف الاتية من جهة الجهل لا تمنع من تحقق الاستطاعة واستقرار الوجوب عليه. فلاحظ. (1) وفي المستند: " إشكال، بل عدمه اظهر. لعدم صدق تخلية السرب عرفا، وعدم انصراف استطاعة السبيل إليه. فالمدني لو منع من المسير من طريق المدينة الى مكة، وأمكنه المسير الى الشام، ومنه الى العراق، ومنه الى خراسان، ومنه الى الهند، ومنه الى البحر، ومنه الى مكة لم يجب عليه الحج ". وما ذكره في محله.

 

===============

 

( 172 )

 

[ له في بلده معتد به لم يجب (1). وكذا إذا كان هناك مانع شرعي (2)، من استلزامه ترك واجب فوري سابق على حصول الاستطاعة، أو لاحق مع كونه أهم من الحج (3)، كانقاذ غريق أو حريق. وكذا إذا توقف على ارتكاب محرم، كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية، أو المشي في الارض المغصوبة. ] (1) كما نص على ذلك في المستند. لقاعده الضرر. وفيه: أن ادلة وجوب الحج مخصصة لادلة نفي الضرر، لاقتضائها وجوب صرف المال، نظير ادلة وجوب الانفاق على الرحم، فلا مجال لاعمال ادلة نفي الضرر معها. إلا أن يقال: إن المقدار اللازم من تخصيص ادلة نفي الضرر بأدلة وجوب الحج خصوص المال المصروف في سبيل الحج، وفرض المسألة ليس من ذلك القبيل، فيبقى داخلا تحت أدلة النفي. لكن هذا التخصيص غير ظاهر، والاطلاق ينفيه. وكأنه لذلك قال في كشف اللثام: " والحق أنه إن ادى تلف المال إلى الضرر في النفس أو البضع سقط لذلك، وإن كان الخوف على شئ قليل من المال. وإن لم يؤد إليه فلا اعرف للسقوط وجها، وإن خاف على كل ما يملكه، إذا لم نشترط الرجوع إلى كفاية.. ". وسيأتي في المسألة السابعة والستين ماله نفع في المقام، وكذا في المسألة الاتية، فانتظر. (2) قد عرفت سابقا الوجه في ذلك. فراجع ما تقدم في المسألة الثانية والثلاثين وغيرها. (3) قد عرفت الاشكال في اعتبار الاهمية في نفي الاستطاعة، فان إطلاق العذر النافي للاستطاعة يقتضى شموله لغير الاهم، فيكون لحوقه

 

===============

 

( 173 )

 

[ (مسألة 65): قد علم مما مر أنه يشترط في وجوب الحج - مضافا إلى البلوغ، والعقل، والحرية - الاستطاعة المالية، والبدنية، والزمانية، والسربية، وعدم استلزامه الضرر (1)، أو ترك واجب، أو فعل حرام (2)، ومع فقد احد هذه لا يجب. فبقي الكلام في أمرين: ] رافعا للاستطاعة. ومن ذلك تعرف وجه ما ذكره بقوله: " وكذا إذا توقف.. ". (1) الضرر الذي يستلزمه السفر إلى الحج تارة: يكون بدنيا. وحينئذ إما أن يرجع إلى الاستطاعة البدنية، أو إلى الشرط الاخير. وهو استلزام فعل الحرام. وأخرى: يكون ماليا. وحينئذ يكون دليل نفي الضرر دالا على نفي الوجوب. لكن نفي الوجوب الضررى لا يدل على نفي ملاكه، لانه دليل امتناني، والامتنان إنما يكون برفع الحكم لا برفع ملاكه، إذ لا امتنان في رفعه. وإذا ثبت الملاك فقد استقر الحج في ذمة المكلف، وحينئذ يجب عليه الحج في السنة القابلة ولو متسكعا، وهو خلاف المدعى من انتفاء الاستطاعة. وعلى هذا لا يكون لزوم الضرر شرطا في الاستطاعة لدليل نفي الضرر، بل لا بد أن يدخل تحت عنوان اخر، مثل كونه مما يصح الاعتذار به في ترك الحج، ليدخل في النصوص المتضمنة لاشتراط عدم القدرة في تحقق الاستطاعة. لكن في صحة الاعتذار بالضرر المالي إشكال، كما عرفت قريبا. وكان المناسب للمصنف (ره) التعرض لعدم الحرج، منضما إلى عدم الضرر، فان الحرج أولى من الضرر في صحة الاعتذار به. وقد تقدم: أن جمله من الشروط كان الوجه في اعتبارها لزوم الحرج. (2) تقدم وجه ذلك، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة.

 

===============

 

( 174 )

 

[ أحدهما إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعا، أو اعتقد فقد بعضها وكان متحققا، فنقول: إذا اعتقد كونه بالغا أو حرا - مع تحقق سائر الشرائط - فحج، ثم بان أنه كان صغيرا أو عبدا، فالظاهر - بل المقطوع - عدم إجزاءه عن حجة الاسلام (1). وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبدا - مع تحقق سائر الشرائط - وأتى به، أجزأه عن حجة الاسلام، كما مر سابقا (2). وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجة فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه (3)، ] (1) كما يقتضيه إطلاق ادلة الوجوب عند اجتماع الشرائط. (2) يعني: في المسألة التاسعة من مبحث اشتراط الكمال. ومر بعض الاشكال فيه. (3) أصل الحكم في الجملة مما لا ينبغي الاشكال فيه. قال في الجواهر: " لا خلاف ولا إشكال - نصا وفتوى - في أنه يستقر الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط وأهمل حتى فات. فيحج في زمن حياته وإن ذهبت الشرائط التي لا ينتفي معها أصل القدرة، ويقضي عنه بعد وفاته.. ". ونحوه كلام غيره. إنما الاشكال فيما ذكر المصنف (ره): من التحديد بذي الحجة، فان المذكور في كلام الجماعة غير ذلك. قال في الذخيرة: " اختلف كلام الاصحاب فيما يتحقق به استقرار الحج، فذهب الاكثر إلى انه يتحقق بمضي زمان يمكن الاتيان فيه بجميع أفعال الحج مستجمعا للشرائط، واطلق المحقق القول بتحققه بالاهمال مع تحقق الشرائط، واكتفى المصنف (ره) في التذكرة بمضي زمان يمكن فيه تأدي الاركان خاصة. واحتمل الاكتفاء بمضي زمان يمكن فيه الاحرام ودخول الحرم. واستحسنه

 

===============

 

( 175 )

 

بعض المتأخرين إن كان زوال الاستطاعة بالموت، وإن كان بذهاب المال أو غيره فلا. ولعدم الدليل على الاجزاء لو عجز عن الحج بعد دخول الحرم. والاخبار خالية عن ذلك كله، بل ليس فيها حديث الاستقرار اصلا. ولعل ما ذكره الاصحاب مبني على أن وجوب القضاء تابع لوجوب الاداء. وللتأمل فيه مجال.. ". ونحوه ما ذكره في المستند. وزاد - بعدما حكى عن الذخيرة ما ذكره أخيرا، من التأمل في كون القضاء تابعا للاداء - أن قال: " وهو في موضعه. بل الاقرب عدم الاشتراط، وكفاية توجه الخطاب ظاهرا أولا. وهو ظاهر المدارك، وصريح المفاتيح وشرحه. وجعل الاخير القول بالاشتراط اجتهادا في مقابلة النص، ونسب فيه - وفي سابقه - القول بعدم الاشتراط إلى الشيخين. وينسب إلى المحقق ايضا، حيث حكم بوجوب القضاء بالاهمال، مع استكمال الشرائط.. ". ونحوهما كلام غيرهما. والمستفاد منها وجود احتمالات وأقوال: الاول: استمرار بقاء الشرائط إلى آخر زمان يمكن فيه تمام الافعال. وهو الذي اختاره في التذكرة والقواعد. قال في أولهما: " استقرار الحج في الذمة يحصل بالاهمال، بعد حصول الشرائط باسرها، ومضي زمان جميع أفعال الحج.. ". الثاني: مضى زمان الاركان. وهو المحكي عن التذكرة. لكنه غير موجود فيما عندنا، كما اعترف به في كشف اللثام. الثالث: مضي زمان يقع فيه الاحرام ودخول الحرم، كما احتمله في التذكرة والقواعد. الرابع: توجه الخطاب بالحج ولو ظاهرا، كما اختاره في المستند وغيره. وحكى في المدارك وغيرها عن التذكرة: بأن من تلف ماله قبل عود الحاج، وقبل مضي إمكان عودهم، لم يستقر الحج في ذمته، لان نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط. ومقتضى ذلك: اعتبار بقاء الشرائط إلى زمان يمكن

 

===============

 

( 176 )

 

[ فان فقد بعض الشرائط بعد ذلك - كما إذا تلف ماله - وجب عليه الحج ولو متسكعا. وان اعتقد كونه مستطيعا مالا وأن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج، ففي إجزائه عن حجة الاسلام وعدمه وجهان، من فقد الشرط واقعا. ومن أن القدر المسلم من عدم (1) إجزاء حج غير المستطيع عن حجة الاسلام غير هذه الصورة (2). وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال وكان في الواقع كافيا وترك الحج، فالظاهر الاستقرار عليه. وان اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف، فالظاهر كفايته (3). وإن اعتقد المانع - من ] فيه العود، فيكون قولا خامسا. وما ذكره المصنف (ره) من التحديد بذي الحجة خارج عن الاقوال المذكورة. وسيأتي منه (قده) التعرض للاقوال في المسألة الاحدى والثمانين، ولم يذكر فيها ما ذكره هنا، ولا حكاه عن أحد قولا ولا احتمالا. وكيف كان فتحقيق هذه الاقوال يأتي في المسألة المذكورة إن شاء الله. (1) هذا إنما يصلح وجها للاجزاء لو كان دليل يدل على عموم الاجزاء، فانه حينئذ يقتصر في الخروج عنه على القدر المتيقن. أما إذا كان مقتضى عموم الادلة عدم الاجزاء - للوجه المذكور أولا - فيتعين القول بعدم الاجزاء. (2) كما تقدم ذلك في المسألة الخامسة والعشرين. وتقدم فيها ذكر خلاف المحقق القمي (قده)، لشبهة العذر الموجب لرفع الاستطاعة. وتقدم الجواب عنها: بأن العذر الرافع للاستطاعة يختص بالعذر الواقعي، ولا يشمل العذر الخطئي. (3) لتحقق الاستطاعة في حقه. والحرج أو الضرر وإن كان مانعا

 

===============

 

( 177 )

 

[ العدو، أو الضرر، أو الحرج - فترك الحج، فبأن الخلاف، فهل يستقر عليه الحج أولا؟ وجهان. والاقوى عدمه، لان المناط في الضرر الخوف، وهو حاصل (1). إلا إذا كان ] عن الاستطاعة، إلا أن دليل مانعيته يختص بمثل صحيح الحلبي، المتضمن لمنافاة العذر للاستطاعة (* 1)، وهو يختص بمن ترك الحج، فلا يشمل من حج. وبالجملة: شرائط الاستطاعة مختلفه في أدلتها، فبعضها دليلها مطلق، مثل الزاد والراحلة، وتخلية السرب، وصحة البدن. وبعضها دليلها مختص بصورة ترك الحج، مثل الحرج، ولزوم ترك الواجب، والوقوع في الحرام، وغير ذلك من الاعذار. ففي القسم الاول إن حج مع فقده لم يكن حج الاسلام، وإن لم يحج لم يستقر الحج في ذمته. وفي القسم الثاني لمكان الدليل مختصا بمن ترك الحج ولا يشمل من حج، فإذا حج مع فقده كان حج الاسلام وإذا تركه لم يستقر الحج في ذمته. والتفكيك بين الفاعل والتارك لا مانع عنه. ونظيره: جميع موارد الابدال الاضطرارية، فان الفعل الناقص ان جاء به كان واجبا عليه، وإن لم يأت به كان الواجب هو الكامل. فلاحظ. لكن الظاهر أن المصنف (ره) في فتواه اعتمد على ما يأتي في المسألة الاتية، ولم يعتمد على ما ذكرنا. (1) لا يخفى أنه إذا اعتقد المانع من العدو، فتارة: يعتقد منعه من السير، وأخرى: يعتقد الاضرار به بجرحه ونحوه. ففى الصورة الاولى يكون معتقدا لعدم تخلية السرب، ومن المعلوم أن تخلية السرب في النص أخذت بنفسها شرطا في الاستطاعة، فإذا اعتقدها فقد اعتقد وجود المانع. وهذا الاعتقاد لم يؤخذ بنفسه مانعا عن الاستطاعة، ولا موجبا لفقدها،

 

 

____________

(* 1) لعل المراد به حديث: 2 من باب: 24 من أبواب وجوب الحج من الوسائل. أو يراد به صدر الحديث: 3 من باب: 6 من ابواب وجوب الحج من الوسائل.

 

===============

 

( 178 )

 

[ اعتقاده على خلاف روية العقلاء وبدون الفحص والتفتيش. وإن اعتقد عدم مانع شرعي فحج، فالظاهر الاجزاء إذا بان الخلاف (1). وإن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف، فالظاهر الاستقرار (2). ] وإنما اخذ الواقع شرطا وعدمه مانعا، فيكون المقام من قبيل ما لو اعتقد عدم الاستطاعة المالية، الذي تقدم منه استقرار الحج في الذمة معه. وفي الصورة الثانية يكون المانع من قبيل العذر المسوغ للترك، وقد عرفت إشكال أن دليل مانعية العذر يختص بصورة وجوده واقعا، ولا يشمل صورة اعتقاد وجوده خطأ، فكيف يصح أن يدعى أن المناط في الضرر الخوف؟! نعم الخوف من الطرق الشرعية، فإذا حصل فقد حرم السفر ظاهرا. لكن لا دليل على مانعيته واقعا على استقرار الحج، لانصراف دليل مانعية العذر عن مثله. وقد أشرنا إلى ان نظيره ما لو كان عنده مال لغيره سابقا، وشك في انتقاله إليه، ثم تبين له أنه انتقل إليه - ببيع ونحوه - وكان قد نسي ذلك. فلاحظ. هذا في ضرر النفس. وأما ضرر المال فقد عرفت أنه راجع إلى الحرج، وقد عرفت أن مانعيته مستفادة من مانعية مطلق العذر، وهي مختصة بالحرج الواقعي لا الخطئي. والخوف فيه ليس من الطرق الشرعية الموجبة للحرمة ظاهرا، كي يتوهم مانعيته عن الاستطاعة، كما قد يتوهم في الضرر الوارد على النفس. وعلى هذا فالبناء على استقرار الحج في ذمة المكلف في الفرض في محله. (1) لما تقدم في من اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج، فان الفرضين من باب واحد. (2) لما عرفته في من اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج،

 

===============

 

( 179 )

 

[ ثانيهما: إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا، أو حج مع فقد بعضها كذلك. أما الاول فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجة (1). وأما الثاني فان حج مع عدم البلوغ، أو مع عدم الحرية فلا اشكال في عدم إجزائه. إلا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين، على اشكال في البلوغ قد مر (2). وإن حج مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الاجزاء (3). ولا دليل عليه إلا الاجماع، والا فالظاهر أن حجة الاسلام هو الحج الاول (4)، وإذا أتى به كفى ولو كان ندبا، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر ] من أن الوجه الاستقرار. ومن ذلك يظهر لك الاشكال في الفرق بين المسألتين، حيث اختار المصنف (ره) الاستقرار في هذه المسألة وعدمه في المسألة السابقة، مع أنهما من باب واحد. (1) قد عرفت الاشكال في هذا التحديد. (2) قد مر دفع الاشكال المذكور. فراجع. (3) في المستند: عن بعض نفي الخلاف فيه، وعن ظاهر الخلاف والمنتهى وغيرهما: الاجماع عليه. (4) هذا خلاف إطلاق ما دل على وجوب الحج على تقدير الاستطاعة، فانه يقتضى وجوب الحج بعد الاستطاعة وإن كان قد حج قبل ذلك، فيكشف ذلك عن كون الحج المأتي به قبل الاستطاعة غير حج الاسلام الواجب بالاستطاعة، وإلا لكان الامر به من قبيل الامر بتحصيل الحاصل، أو من قبيل الامر بالوجود بعد الوجود. والاول محال. والثاني مقطوع بخلافه، وخلاف ظاهر الادلة، إذ الظاهر أن موضوع الامر صرف الوجود.

 

===============

 

( 180 )

 

[ مستحبا - بناء على شرعية عباداته - فبلغ في أثناء الوقت، فان ] ولا مجال لمقايسة المقام بصلاة الصبي قبل البلوغ " إذ ادلة التشريع الاولية تقتضي كون موضوع الحكم في الصبي والبالغ واحدا، لاطلاق الادلة الشامل للصبي كالبالغ، نظير إطلاقها الشامل للعادل والفاسق، والشيخ والكهل، ونحو ذلك. فإذا كان موضوع الخطاب والحكم في الجميع واحدا كانت الماهية واحدة لا متعددة، فإذا جاء به الصبي قبل البلوغ فلو وجب ثانيا بعد البلوغ كان إما من الامر بتحصيل الحاصل، أو من الامر بالوجود بعد الوجود. والاول محال - كما عرفت - والثاني خلاف ظاهر الادلة، فلا يجب. وليس دليل نفي الوجوب عن الصبي من قبيل: " إذا بلغت فصل " كي يكون نظير المقام، فيجب البناء فيه على وجوب الصلاة بعد البلوغ. بل ليس هو إلا حديث رفع القلم عن الصبي (* 1)، وهو لا يقتضي الاثنينية ولا يدل عليها. بل إنما يقتضى مجرد نفي اللزوم عن الصبي. لان الظاهر من رفع القلم عنه رفع قلم السيئات، وارتفاع ذلك يقتضي عدم اللزوم لا غير " لانه به يكون الترك سيئة. ولما لم يقتض الحديث المذكور الاثنينية لم يكن معارضا لما دل على الوحدة، فيتعين العمل به. ومقتضاه إجزاء الفعل قبل البلوغ، وعدم الحاجة إلى فعله ثانيا بعد البلوغ، بل عدم مشروعيته لما عرفت من الاشكال. نعم لا بأس بالاتيان به برجاء المطلوبية، إذا ما ذكرنا إنما يكون دليلا على عدم مشروعيته ثانيا، لا أنه يوجب العلم بعدمها. ولما كان احتمال المشروعية موجودا كان كافيا في جواز الاتيان به برجاء المطلوبية. ومن ذلك تعرف أنه يتعين البناء في المقام على تعدد ماهية الحج قبل الاستطاعة والحج بعدها. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث: 11.

 

===============

 

( 181 )

 

[ الاقوى عدم وجوب اعادتها. ودعوى: أن المستحب لا يجزي عن الواجب ممنوعة، بعد اتحاد ماهية الواجب والمستحب. نعم لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع والمستطيع ثم ما ذكر، لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب، بل لتعدد الماهية. وإن حج مع عدم أمن الطريق، أو مع عدم صحة البدن مع كونه حرجا عليه، أو مع ضيق الوقت كذلك، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب (1). وعن الدروس: الاجزاء. ] (1) كما صرح به جماعة، وحكي عن المشهور، كذا في المستند. وقال في المنتهى: " مسألة: هذه الشروط التي ذكرناها، منها: ما هو شرط في الصحة والوجوب، وهو العقل. لعدم الوجوب على المجنون، وعدم الصحة منه. ومنها: ما هو شرط في الصحة دون الوجوب، وهو الاسلام، على ما ذهبنا إليه من وجوب الحج على الكافر. ومنها: ما هو شرط في الوجوب دون الصحة، وهو البلوغ، والحرية، والاستطاعة، وإمكان المسير. لان الصغير والمملوك، ومن ليس له زاد ولا راحلة، وليس بمخلى السرب ولا يمكنه المسير لو تكلف الحج يصح منهم وإن لم يكن واجبا عليهم، ولا يجزيهم عن حج الاسلام على ما تقدم.. ". وفي المدارك حكى ذلك عن التذكرة، ولم أجده في ما يحضرني من نسختها. وفي الدروس - بعد أن ذكر الشرائط، وأنهاها إلى ثمانية - قال: " ولو حج فاقد هذه الشرائط لم يجزه. وعندي لو تكلف المريض، والمعضوب والممنوع بالعدو، وتضيق الوقت أجزأه ذلك، لان ذلك من باب تحصيل الشرط، فانه لا يجب، ولو حصله وجب وأجزأ. نعم لو أدى ذلك إلى اضرار بالنفس يحرم إنزاله. ولو قارن بعض المناسك احتمل عدم

 

===============

 

( 182 )

 

[ إلا إذا كان إلى حد الاضرار بالنفس، وقارن بعض المناسك فيحتمل عدم الاجزاء، ففرق بين حج المتسكع وحج هؤلاء. وعلل الاجزاء: بأن ذلك من باب تحصيل الشرط، فانه لا يجب، لكن إذا حصله وجب. وفيه: أن مجرد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط (1). مع أن غاية الامر ] الاجزاء.. ". وقال بعد ذلك: " فانقسمت الشرائط إلى أربعة اقسام إلى ان قال: الرابع: ما هو شرط في الاجزاء، وهو ما عدا الثلاثة الاخيرة. وفي ظاهر الفتاوى: كل شرط في الوجوب والصحة شرط في الاجزاء.. ". ويريد من الثلاثة الاخيرة: الصحة من المرض، وتخلية السرب، والتمكن من المسير. (1) يمكن توجيه كلام الشهيد: بان عدم الحرج والضرر - المأخوذ شرطا في الاستطاعة - يراد به عدم الحرج والضرر الاتيين من قبل الشارع لا مطلقا. فإذا تكلف المكلف الحرج والضرر - لا بداعي أمر الشارع بل بداع اخر - فعدم الحرج والضرر الاتيين من قبل الشارع حاصل، لان المفروض أن الحرج والضرر الحاصلين كانا باقدام منه وبداع نفساني، لا بداعي الامر الشرعي، فتكون الاستطاعة حينئذ حاصله بتمام شروطها، فيكون الحج حج الاسلام. فان قلت: إذا كان المكلف جاهلا، واقدم على الحج بداعي اللزوم الشرعي، يكون الحرج أو الضرر حينئذ مانعا من الاستطاعة. ولازمه بطلان حجه، مع أنه اطلق الشهيد (ره) القول بالصحة. قلت: في الفرض المذكور ايضا لا يكون الحرج أو الضرر آتيا من قبل الشارع، بل يكون ناشئا من جهله بالحكم واعتقاده اللزوم غلطا منه واشتباها، فيكون الشرط - وهو عدم الحرج أو الضرر الاتي من قبل الشارع - حاصلا أيضا، فيكون

 

===============

 

( 183 )

 

[ حصول المقدمة، التي هو المشي إلى مكة ومنى وعرفات. ومن المعلوم أن مجرد هذا لا يوجب حصول الشرط، الذي هو عدم الضرر أو عدم الحرج (1). نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط، ولم يكونا حين الشروع في الاعمال تم ما ذكره (2)، ولا قائل بعدم الاجزاء في هذه الصورة. هذا ومع ذلك فالاقوى ما ذكره في الدروس. لا لما ذكره، ] مستطيعا، ويجزيه عن حج الاسلام. وأما ما ذكره: من استثناء صورة ما إذا بلغ الضرر حد الاضرار بالنفس وقارن بعض المناسك، فلان الاضرار بالنفس حرام. ويحتمل حينئذ سراية الحرمة إلى المنسك الذي قارنه ذالك فيحرم، ولا يصح التعبد به. لكن هذا التوجيه وإن كان يرفع استبشاع التفصيل المذكور. إلا أنه لا يرفع عنه الاشكال بالمرة، لما عرفت انفا: من ان دليل نفي الضرر أو الحرج لا يصلح لرفع الملاك في حال الحرج والضرر، فلا يدل على اشتراط عدم الحرج والضرر في الاستطاعة، لا مطلقهما ولا خصوص ما كان آتيا من قبل الشارع. فلا بد في التفصيل المذكور من الرجوع إلى ما ذكرناه في صدر المسألة، في شرح قوله (ره): " فالظاهر كفايته.. ". فراجع. نعم قد يشكل الامر في مثل صحة البدن التي دلت النصوص على اشتراط الاستطاعة بها في مقابل العذر. ولعل الشهيد فهم من النصوص: أن اعتبارها من باب العذر، لا تعبدا كالزاد والراحلة. وهو غير بعيد: (1) قد عرفت أنه يوجبه. إذ الحرج الذي وقع فيه ليس آتيا من قبل الشارع، فالآتي من قبله معدوم، وبعدمه تحصل الاستطاعة. (2) لكن لا مجال لاحتماله في كلامه، إذ لا فرق في ذلك بين الشروط

 

===============

 

( 184 )

 

[ بل لان الضرر والحرج إذا لم يصلا الى حد الحرمة إنما يرفعان الوجوب والالزام لا أصل الطلب (1)، فإذا تحملهما وأتى بالمأمور به كفى. ] الثلاثة الاخيرة وبين غيرها. كما أنه لا خلاف في ذلك بينه وبين غيره من الاصحاب. وقد تقدم في كلامه: التصريح بالفرق بين الشرائط الثلاثة وغيرها. كما ان ما تقدم في كلامه، من قوله: " وعندي.. "، وقوله: " وظاهر الفتاوى.. " كالصريح في تحقق الخلاف بينه وبين غيره في الفتاوى. فلاحظ. (1) قد اشرنا في بعض المواضع من هذا الشرح إلى أن الاختلاف بين فردي الطلب الوجوبي والاستحبابي ليس من قبيل الاختلاف بين فردي الكلي التشكيكي، بان يكون الطلب الوجوبي أكيدا والطلب الاستحبابي ضعيفا، ولا من قبيل الاختلاف بين فردي الطلب المتواطئ، بان يكون الطلب الوجوبي فردا خاصا والطلب الاستحبابي فردا آخر، نظير زيد وعمرو. بل الاختلاف بينهما ليس إلا في الترخيص في مخالفته في الطلب الاستحبابي وعدمه في الطلب الوجوبي. ولما كانت أدلة نفي الحرج والضرر ظاهرة في نفي المنشأ - وهو اللزوم - وكان اللزوم منتزعا من عدم الترخيص، كانت ادلة نفي الحرج والضرر راجعة إلى الترخيص في مخالفة الطلب. فالطلب قبل أدلة نفي الحرج لا ترخيص في مخالفته، وبعد أدلة نفي الحرج مرخص في مخالفته. فالطلب في الحالين لا تبدل فيه، لا في ذاته ولا في صفته، وإنما التبدل في انضمام الترخيص إليه بعد أن كان خاليا عنه، فإذا كان باقيا بحاله كان كافيا في مشروعية المطلوب وجواز التعبد به. ولو سلم أن الاختلاف بين فردي الطلب من قبيل الاختلاف بين فردي الماهية التشكيكية، فيكون الطلب الوجوبي شديدا والطلب الاستحبابي ضعيفا فغاية ما يقتضى دليل نفي الحرج رفع الشدة

 

===============

 

( 185 )

 

[ (مسألة 66): إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ] الموجبة للزوم، فيبقي أصل الطلب بحاله. ولو سلم أنه من قبيل الافراد للكلي المتواطئ، فإذا زال الطلب الوجوبي لا بد أن يخلفه الطلب الاستحبابي، لان الملاك بعدما كان موجودا كان موجبا لحدوث الارادة الاستحبابية. ومن ذلك تعرف الاشكال في حاشية بعض الاعاظم على المقام، حيث قال فيها: " لم يعرف ان هذا الطلب المدعى ثبوته - بعد رفع الوجوب - استحبابي أو نوع آخر، وكيف تولد من رفع الوجوب ما لم يكن له عين ولا اثر سابق؟.. ". هذا مضافا إلى ما عرفت في بعض مباحث الوضوء، من أن الطلب بما هو ليس داعيا إلى الفعل العبادي، بل بما هو طريق الى وجود الملاك الموجب للترجح النفساني عند الالتفات. وحينئذ لو فرض عدم حصول الطلب لمانع عنه، أو لعدم الالتفات - كما في الموالي العرفية - كان ذلك الترجيح كافيا في الدعوة إلى الفعل، وصدوره على وجه العبادة، وعدم كونه تشريعا. فلاحظ. نعم يشكل ما ذكره المصنف (ره): بما عرفت الاشارة إليه سابقا، من أن دليل نفي الحرج لما لم يكن مانعا عن وجود الملاك فقد استقر الحج في ذمة المكلف، وإن كانت لا تجب المبادرة إليه لدليل نفي الحرج، فاللازم - مع عدم الحرج - الاتيان به في السنة اللاحقة وان زالت الاستطاعة، كما لو ترك الحج في السنة الاولى عمدا من غير عذر. وإن شئت قلت: بناء على ما ذكره المصنف لا يكون الحرج منافيا للاستطاعه، ولا عدمه شرطا فيها، وإنما يكون رافعا للزوم الحج، وهو خلاف ما ذكره سابقا، من اشتراط الاستطاعة بان لا يكون حرج. وعليه بناء الاصحاب، كما سبق. وعلى هذا لا بد من الرجوع إلى ما ذكرناه في صدر المسألة في شرح قوله (ره): " فالظاهر كفايته.. "، كما تقدم في توجيه كلام الشهيد.

 

===============

 

( 186 )

 

[ ارتكاب محرم لم يجزه عن حجة الاسلام، وإن اجتمع سائر الشرائط. لا لان الامر بالشئ نهي عن ضده، لمنعه أولا، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانيا. لان النهي متعلق بأمر خارج (1). بل لان الامر مشروط بعدم المانع، ووجوب ذلك الواجب مانع (2). وكذا النهي المتعلق بذلك المحرم مانع ] (1) لم يتضح وجه ما ذكره، لان القائلين بأن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، منهم: من بناه على مقدمية أحد الضدين للضد الاخر، فيكون النهي غيريا. ومنهم: من بناه على أن المتلازمين في الخارج متلازمان في الحكم، ولما كان عدم أحد الضدين ملازما للضد الاخر كان بحكمه، وعلى كلا التقديرين فالنهي عن الضد نفسه لا عن أمر خارج. نعم استشكل بعضهم في اقتضاء النهى الغيري للفساد، من أجل أنه كالوجوب الغيري لا يقتضى ثوابا ولا عقابا، ولا قربا ولا بعدا. لكن الظاهر ضعف الاشكال المذكور، كما حققناه في محله وعلى تقديره فهو إشكال آخر غير ما ذكره المصنف (ره). ثم إن ظاهر المصنف (ره) المفروغية عن أن المقام من صغريات مسألة الضد. وهو إنما يتم في ما إذا كان الواجب - الذي يلزم تركه من الحج - ضدا لنفس أفعال الحج، أما إذا كان ضدا للسفر إلى الحج، فلا يكون من صغريات تلك المسألة، لانه مقدمة غير عبادية، وهي تختص بما إذا كان ضدا للواجب العبادي، الذي يفسد بالنهي على تقدير القول به. نعم الوجه الذي سيذكره شامل للمقامين. (2) قد عرفت الاشكال فيما ذكره، وأن ما كانت مانعيته مستفادة من دليل مانعية العذر تختص مانعيته بحال الترك ولا تعم حال الفعل. وإلا كان اللازم البناء على عدم الاجزاء في موارد الحرج، لانه ايضا عذر مانع.

 

===============

 

( 187 )

 

[ ومعه لا أمر بالحج. نعم لو كان الحج مستقرا عليه، وتوقف الاتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة (1)، وأمكن أن يقال بالاجزاء، لما ذكر: من منع اقتضاء الامر بشئ للنهي عن ضده، ومنع كون النهي المتعلق بأمر خارج موجبا للبطلان. (مسألة 67): إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بالمال، فهل يجب بذله ويجب الحج أولا؟ أقوال (2)، ثالثها: الفرق بين المضر بحاله وعدمه، فيجب في الثاني دون الاول. ] ودعوى: أن أدلة نفي الحرج لا ترفع الا اللزوم - كما تقدمت من المصنف - مسلمة. لكنها لا تجدي في البناء على الاجزاء إذا كان مقتضى الدليل عدم الاجزاء، إذ لا منافاة بين كون نفي الحرج لا يقتضى نفي الاجزاء وكون مانعية العذر تقتضي نفي الاجزاء. إذ لا منافاة بين المقتضى واللا مقتضى، كما هو ظاهر. وبالجملة: إن كان لدينا دليل يدل على مانعية العذر مطلقا عن الاستطاعة كان اللازم البناء على مانعية الحرج عنها، وإن لم يكن دليل على ذلك كان اللازم البناء على عدم مانعية ترك الواجب أو الوقوع في الحرام عنها، فالتفكيك بين الحرج وغيره من الاعذار في المانعية عن الاستطاعة وعدمها غير ظاهر. (1) قد عرفت أن دخوله في تلك المسألة يتوقف على كون ترك الواجب ملازما لنفس أفعال الحج لا للسفر، وإلا فلا يكون من تلك المسألة أيضا. كما عرفت ان النهي - على تقديره - يتعلق بأمر داخل في العبادة لا بأمر خارج عنها. (2) أولها: عدم الوجوب، كما في المدارك عن الشيخ (ره) وجماعة

 

===============

 

( 188 )

 

[ (مسألة 68): لو توقف الحج على قتال العدو لم ] لانتفاء الشرط، وهو تخلية السرب. ولان المأخوذ على هذا الوجه ظلم لا تنبغي الاعانة عليه. وأن من خاف من أخذ المال قهرا لا يجب عليه الحج وإن قل المال، وهذا في معناه. وهذه الوجوه - كما ترى - ضعيفة، لتحقق التخلية بالقدرة على المال. وعدم حرمة الاعانة على مثل هذا الظلم. وللفرق بين المقام وبين اخذ المال قهرا. مع أن الحكم في المقيس عليه ممنوع. وثانيها: الوجوب مع الامكان. قال في الشرائع: " ولو قيل يجب التحمل مع المكنة كان حسنا.. ". وفي المدارك: " والاصح: ما اختاره المصنف (ره)، من وجوب بذل المال مع القدرة مطلقا. لتوقف الواجب عليه، فكان كأثمان الالات.. ". ومثل ذلك: ما عن العلامة وغيره. وأما الثالث فاختاره في المعتبر قال: " والاقرب أنه إن كان المطلوب مجحفا لم يجب، وإن كان يسيرا وجب بذله، وكان كأثمان الالات.. ". وهذا هو المراد مما في المتن. هذا وقد عرفت في شرح المسألة الرابعة والستين: أنه لا مجال للتمسك بقاعدة نفي الضرر في الباب، لان أدلة وجوب الحج من قبيل مخصص لها، فيؤخذ باطلاقه. ومن ذلك يظهر ضعف القول الاول. كما عرفت أن الحرج في المقام مانع عن الاستطاعة، فيتعين لذلك التفصيل المذكور، لان المراد من أخذ المال المجحف ما يكون موجبا للحرج. ثم إنه لم يظهر وجه توقف المصنف (ره) عن الفتوى في هذه المسألة، وعن التمسك بقاعدة نفي الضرر والحرج، مع أنه أفتى - في المسألة الرابعة والستين، والخامسة والستين - بسقوط الحج مع لزوم الضرر أو الحرج. والفرق بين المقامين غير ظاهر.

 

===============

 

( 189 )

 

[ يجب، حتى مع ظن الغلبة عليه والسلامة. وقد يقال بالوجوب في هذه الصورة (1). (مسألة 69): لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه (2). إلا مع خوف الغرق أو المرض خوفا عقلائيا (3)، أو استلزامه الاخلال بصلاته (4)، أو إيجابه لاكل النجس أو شربه. ولو حج مع هذا صح حجه، لان ذلك في المقدمة، وهي المشي الى الميقات، كما إذا ركب دابة غصبية الى الميقات. ] (1) قال في كشف اللثام: " الاقرب - وفاقا للمبسوط والشرائع - سقوط الحج إن علم الافتقار الى القتال مع ظن السلامة - أي العلم العادي بها وعدمه - كان العدو مسلمين أو كفارا. للاصل. وصدق عدم تخلى السرب. وعدم وجوب قتال الكفار إلا للدفع أو للدعاء الى الاسلام باذن الامام.. الى ان قال: وقطع في التحرير والمنتهى بعدم السقوط إذا لم يلحقه ضرر ولا خوف، واحتمله في التذكرة. وكأنه: لصدق الاستطاعة، ومنع عدم تخلية السرب حينئذ، مع تضمن المسير أمرا بمعروف ونهيا عن منكر، واقامة لركن من أركان الاسلام.. ". أقول: إذا كان الضرر مأمونا، وكان دفع العدو ميسورا فالظاهر صدق تخليه السرب وثبوت الوجوب. وإذا كان الضرر مخوفا، أو كان الدفع حرجا ومشقه لا يقدم عليها العقلاء لم يجب الحج، كما عرفت الكلام في نظيره. (2) بلا إشكال ظاهر. وقد نص عليه جماعة كثيرة. ويقتضيه إطلاق دليل الوجوب. (3) تقدم الكلام في نظيره. (4) الواجب الذي يلزم تركه من السفر الى الحج على قسمين،

 

===============

 

( 190 )

 

[ (مسألة 70): إذا استقر عليه الحج، وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، ولا يجوز له المشي الى الحج قبلها. ولو تركها عصى، وأما حجه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمته لا في عين ماله. وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مؤنته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما، أو كان مما تعلق به الحقوق ولكن كان ثوب إحرامه، وطوافه، وسعيه، وثمن هديه المال الذي ليس فيه حق. بل وكذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس والزكاة، إلا أنه بقي عنده مقدار ما فيه منهما. بناء على ما هو الاقوى، من كونهما في ] الاول: ما يكون له بدل، كالصلاة بالطهارة المائية التي بدلها الصلاة بالطهارة الترابية، والصلاة قائما التي بدلها الصلاة جالسا، ونحو ذلك. الثاني: مالا يكون له بدل. وفي الاول إذا قلنا بجواز تعجيز النفس فيه فلا ينبغى الاشكال في عدم مزاحمته للحج، فيجب الحج وإن لزم منه تركه، لكون المفروض جواز تركه الى البدل. وإن قلنا بعدم جواز تعجيز النفس فيه كان حاله حال ما إذا لم يكن له بدل، وظاهر الفتاوى: عدم الفرق - في مزاحمته لوجوب الحج، ومنافاته للاستطاعة - بين كونه أهم من الحج وعدمه. بل الظاهر أنه لا إشكال فيه عندهم، كما يظهر بملاحظة كلماتهم، فيما إذا نذر الحج في السنة المعينة فاستطاع فيها، حيث لم يتعرضوا لذكر أهمية النذر في وجه المزاحمة. بل لا مجال لدعوى ذلك فيه، فان أهمية حج الاسلام بالاضافة إلى حج النذر ليست موضعا للاشكال. والذي ينبغى أن يقال إنه لا عموم في النصوص - التي اعتمد عليها في مانعية

 

===============

 

( 191 )

 

[ العين على نحو الكلي في المعين، لا على وجه الاشاعة (1). (مسألة 71): يجب على المستطيع الحج مباشرة، فلا يكفيه حج غيره عنه - تبرعا أو بالاجارة - إذا كان متمكنا من المباشرة بنفسه. (مسألة 72): إذا استقر الحج عليه، ولم يتمكن من من المباشرة - لمرض لم يرج زواله، أو حصر كذلك، أو هرم بحيث لا يقدر، أو كان حرجا عليه - فالمشهور وجوب الاستنابة عليه، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه (2). وهو الاقوى، وإن كان ربما يقال بعدم الوجوب. وذلك لظهور ] ما ذكر عن الاستطاعة - لكل واجب، بل يختص بالواجب الذي له نوع من الاهمية، بحيث يصح أن يعتذر به في ترك الحج. فإذا علم المكلف أنه إذا حج يفوته رد السلام على من سلم عليه، أو الانفاق يوما ما على من تجب نفقته عليه، أو نحو ذلك من الواجبات التي ليس لها تلك الاهمية، لا يجوز له ترك الحج فرارا من تركها، فانه لا يصح له الاعتذار بذلك. لا اقل من الشك الموجب للرجوع إلى عموم الوجوب على من استطاع. فإذا كان لزوم ترك الواجب أو الوقوع في الحرام عذرا في نظر المتشرعة، ويصح الاعتذار به عندهم كان مانعا من الاستطاعة، وإلا فلا. وكذا لو شك في صحة الاعتذار، لان عموم الوجوب هو المرجع مع الشك في صدق عنوان المخصص. فلاحظ. (1) تعرضنا في كتاب الزكاة والخمس لتحقيق ما هو مفاد الادلة. فراجع. (2) حكى في المستند عن المسالك والروضة والمفاتيح وشرحه وشرح الشرايع للشيخ علي: الاجماع عليه.

 

===============

 

( 192 )

 

[ جملة من الاخبار (1) ] (1) كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر شيخا كبيرا لم يحج قط، ولم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه " (* 1)، ومصحح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: إن عليا رأى شيخا لم يحج قط، ولم يطق الحج من كبره، فأمره أن يجهز رجلا فيحج عنه " (* 2)، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): " قال كان علي (عليه السلام) يقول: لو أن رجلا اراد الحج، فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج، فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه " (* 3)، وخبر عبد الله بن ميمون القداح عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه: " إن عليا (عليه السلام) قال لرجل كبير لم يحج قط، قال إن شئت أن تجهز رجلا ثم أبعثه يحج عنك " (* 4)، ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: " وإن كان موسرا وحال بينه وبين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره الله تعالى فيه، فان عليه ان يحج من ماله صرورة لا مال له " (* 5)، وخبر علي بن أبي حمزة: " سألته عن رجل مسلم حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله تعالى فيه، فقال (عليه السلام): عليه أن يحج رجلا من ماله صرورة لا مال له " (* 6)، وخبر سلمه أبي حفص عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إن رجلا أتى عليا (عليه السلام) ولم يحج قط، فقال:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من ابواب وجوب الحج حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 24 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 24 من ابواب وجوب الحج حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 24 من ابواب وجوب الحج حديث: 8. (* 5) الوسائل باب: 24 من ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 6) الوسائل باب: 24 من ابواب وجوب الحج حديث: 7.

 

===============

 

( 193 )

 

إني كنت كثير المال، وفرطت في الحج حتى كبرت سني، فقال: تستطيع الحج؟ فقال: لا. فقال له علي (عليه السلام): إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك " (* 1). لكن الروايات الثلاث الاول غير ظاهرة في المستطيع. وحملها عليه ليس بأولى من حمل الامر فيها بالاستنابة على مجرد بيان المشروعية. وخبر القداح ظاهر في عدم الوجوب. ومن أجله يظهر إشكال اخر في النصوص السابقة - بناء على وحدة الواقعة - كما هو الظاهر، فان ظاهر خبر القداح أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أجاب باستحباب الاستنابة، فيحمل غيره عليه - بناء على ظهوره في الوجوب - لانه اقرب من حمله على الوجوب، والاخذ بظاهر غيره. ونحوه خبر سلمة أبي حفص. وأما مصحح الحلبي وخبر علي بن أبي حمزة فلا يمكن الاخذ بظاهرهما، من وجوب استنابة الصرورة. والتفكيك بين القيد والمقيد في الوجوب بعيد. ولاجل ما ذكرنا من المناقشات ونحوها جزم في المستند بعدم وجوب الاستنابة، وحكى التردد من بعضهم في الوجوب في هذه الصورة، واستظهره من الذخيرة، بل من الشرائع والنافع والارشاد. لترددهم في مسألة استنابة المعذور، من غير تفصيل بين الاستقرار وعدمه. وأيده بعدم تعرض جماعه للوجوب في هذه الصورة. لكن الانصاف أن حمل النصوص الاول على مجرد تشريع الاستنابة بعيد جدا، أولا: من جهة أن ذكر القيود في المورد المحكي من الامام عن الامام يدل على دخلها في الحكم. والاستنابة في الحج الاستحبابي لا يختص بمجمع القيود وثانيا: أن قوله (عليه السلام) في مقام الحكاية عن أمير المؤمنين: " أمر. " ظاهر في الوجوب ظهورا قويا، لا يقوى على التصرف فيه - بالحمل على مجرد المشروعية - إطلاق مورد الجواب من حيث كونه مستطيعا

 

 

____________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 194 )

 

وغير مستطيع. وأما الاشكال باختلاف النقل - من جهة إطلاق الامر في النصوص الاول، وتعليقه على المشيئة في رواية القداح وخبر سلمة - فلا يهم، لانه مع الاختلاف في النقل تجري أحكام التعارض، وهي تقتضي الاخذ بالصحاح، لانها أصح سندا، وأكثر عددا. مع قرب احتمال أن يكون المراد من قوله (عليه السلام): " إن شئت أن تجهز.. " في خبر القداح: " إن شئت حججت بنفسك وتحملت الحرج، وإن شئت استنبت ": نعم لا يجئ ذلك في خبر سلمة، لان المفروض فيه أنه لا يطيق الحج بنفسه. وبالجملة: النصوص الاول ظاهرة في الوجوب، والخروج عنه بغيرها خلاف قواعد العمل بالادلة. وأما خبر الخثعمية، المروي عن الزهري، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس: " إن امرأة من خثعم سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته، فهل ترى أن أحج عنه؟ قال (صلى الله عليه وآله): نعم " (* 1). وفي رواية عمر بن دينار زاد: " فقالت: يا رسول الله، فهل ينفعه ذلك؟ فقال: نعم، كما لو كان عليه دين تقتضيه نفعه " (* 2). فضعيف سندا، ودلالة لعدم ظهوره في الوجوب. ثم إن المذكور في كلام الاصحاب: الهرم والمرض، والضعف ونحو ذلك مما يرجع إلى قصور الاستطاعة البدنية. ولم أقف عاجلا على من تعرض لغير ذلك من الموانع - من حبس، أو صد، أو نحوهما - مما يوجب فقد الاستطاعة السربية، مع أن المذكور في مصحح الحلبي: أن موضوع الاستنابة مطلق العذر (* 3). ونحوه: خبر علي بن أبي حمزة (* 4). فالتعميم أوفق بالنصوص، لولا ما عرفت من ظهور كون المشهور خلافه.

 

 

____________

(* 1)، (* 2) لاحظ الخلاف جزء: 1 صفحة: 156 المسألة: 6 من كتاب الحج. (* 3)، (* 4) تقدما قريبا في أول المسألة.

 

===============

 

( 195 )

 

[ في الوجوب. وأما ان كان موسرا من حيث المال، ولم يتمكن من المباشرة مع عدم استقراره عليه، ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان، لا يخلو أولهما من قوة (1). لاطلاق الاخبار ] (1) وهو المحكي عن الشيخ وأبي الصلاح وابن البراج والعلامة في التحرير. اعتمادا على إطلاق النصوص المذكورة، فانه شامل لمن حدثت له الاستطاعة حال العذر لكن لا تبعد دعوى انصراف النصوص - بعد حملها على الوجوب - إلى خصوص من كان مستطيعا قبل العذر. لا أقل من الجمع بينها وبين ما دل على اعتبار صحة البدن وإمكان المسير في الاستطاعة بذلك فان الجمع بينها كما يكون بتقييد اطلاق الحكم بغير الاستنابة - بأن تحمل الشرطية على الشرطية للوجوب بنحو المباشرة - يكون أيضا بتقييد موضوع هذه النصوص بمن كان مستطيعا. ولا ريب في كون التقييد الثاني أسهل. بل الاول بعيد جدا في نفسه، وبملاحظة قرينة السياق، فان الصحة ذكرت في النصوص في سياق الزاد والراحلة (* 1)، اللذين هما شرط في الاستطاعة حتى بالاضافة إلى وجوب الاستنابة، فتكون صحة البدن كذلك. هذا مضافا إلى ما في رواية سلمة أبي حفص، من كون السائل لعلي (عليه السلام) كان مستطيعا سابقا - بناء على وحدة الواقعة، كما هو الظاهر - كما عرفت (* 2). وحينئذ لا مجال للاخذ باطلاق مورد السؤال فيها. ولذلك قيل بعدم الوجوب، كما حكاه في الشرائع ونسب إلى الحلي وابن سعيد والمفيد في ظاهره. وفي القواعد: " الاقرب العدم "، وتبعه في كشف اللثام. وحكى عن الخلاف: الاجماع على عدم وجوبها عليه، لكني لم أجده فيه.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب وجوب الحج حديث: 4، 5، 7. (* 2) تقدم ذكر ذلك في التعليقة السابقة.

 

===============

 

( 196 )

 

[ المشار إليها. وهي وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه، لكن المنساق من بعضها ذلك (1). مضافا إلى ظهور الاجماع على عدم الوجوب، مع رجاء الزوال (2). ] (1) النصوص الواردة في الشيخ الكبير (* 1) ظاهرة في خصوص المأيوس من زوال العذر. وأما صحيح ابن مسلم (* 2) بناء على ظهوره في المستطيع - فظاهر في المستطيع قبل العذر، " فلا يكون فيما نحن فيه. نعم إطلاقه يشمل كون استطاعته في سنة العذر. لكن الظاهر أن محل الكلام يشمل ذلك. ومثل الصحيح المذكور: صحيح الحلبي (* 3)، وخبر علي بن أبي حمزة (* 4). (2) في الجواهر عن المنتهى: الاجماع على عدم وجوب الاستنابة مع رجاء زوال العذر. وربما يشهد له التتبع. وفي المدارك: " إجماعا، قاله في التذكرة والمنتهى.. ". لكن في الخلاف: " إذا كان به علة يرجى زوالها - مثل الحمى وغيرها - فأحج رجلا عن نفسه ثم مات، أجزأه عن حجة الاسلام. ثم ادعى إجماع الفرقة والاخبار.. ". لكنه غير ظاهر في الوجوب، ولا في الاجزاء على تقدير البرء. وفي الدروس: " الاقرب أن وجوب الاستنابة فوري إن يئس من البرء، وإلا استحب الفور ". وظاهره الوجوب مع عدم اليأس. لكن قوله بعد ذلك: " لو استناب المعضوب فشفي انفسخت النيابة.. " ظاهر في كون الوجوب تابعا لبقاء العذر واقعا، فإذا زال انكشف عدم الوجوب. إلا أن يقال: إن كلامه الاخير يختص بما إذا كان زوال العذر في تلك السنة، فلا يشمل ما لو استمر في تلك السنة وزال بعد ذلك. وعن الحدائق: اختيار الوجوب مع الرجاء واليأس، تمسكا بظاهر الاخبار. وهو قريب بناء على الوجوب. لكن العمل بها - بعد إعراض الاصحاب عنها - كما ترى. إلا أن يحتمل بناؤهم على

 

 

____________

(* 1)، (* 2)، (* 3)، (* 4) تقدم ذكر ذلك كله في التعليقة السابقة.

 

===============

 

( 197 )

 

ظهورها في المأيوس - كما في المدارك الجزم به - فإذا تبين ظهورها في غير المأيوس لم يكن إعراضهم موهنا. وبالجملة: ظهور بعض النصوص في الاعم من صورتي اليأس والرجاء غير بعيد، فإذا اختصت بمن استقر الحج في ذمته فقد دلت على وجوب الاستنابة في الصورتين فيه، وإن عمت من لم يستقر الحج في ذمته فقد دلت على وجوبها في الصورتين أيضا. والاجماع على اختصاص الاستنابة بصورة اليأس لم يثبت على نحو ترفع به اليد عن إطلاق الادلة وإن كان محتملا، إذ لم يعثر على مصرح بخلافه. فلاحظ. والذي ينبغى أن يقال: إن اليأس والرجاء مما لم يتعرض لموضوعيتهما للبدلية في النصوص المتقدمة، وليس فيها إشارة إلى ذلك ولا تلويح، وإنما المذكور فيها نفس العذر. نعم نصوص الشيخ الكبير ظاهرة - بملاحظة موردها - في العذر المستمر (* 1). وصحيح الحلبي وخبر علي بن أبي حمزة ظاهران في العذر المانع عن الحج (* 2)، فان كان إطلاقهما شاملا للعذر في السنة كان مقتضاهما مشروعية الاستنابة والنيابة ولو مع العلم بارتفاع العذر، وإن كانا مختصين بالعذر المستمر كان حالهما حال نصوص الشيخ الكبير. وعلى كل حال فليس في شئ من النصوص تعرض للرجاء ولا لليأس من حيث موضوعيتهما للنيابة والاستنابة. وعليه فالمدار - في مشروعية النيابة وعدمها - وجود العذر وعدمه واقعا. نعم الاشكال في الاكتفاء بالعذر في السنة، كما قد يظهر بدوا من صحيح الحلبي ونحوه. لكن يشكل ذلك أولا: بأن لازمه وجوب الاستنابة مع العلم بزوال العذر في السنة اللاحقة، ولا يظن من أحد التزام ذلك، إذ قد عرفت أن اعتبار اليأس مظنة الاجماع. وإذا أمكن التنازل عن ذلك

 

 

____________

(* 1)، (* 2) تقدم ذكر الروايات في أول المسألة. فلاحظ.

 

===============

 

( 198 )

 

الحق الرجاء باليأس، كما تقدم عن الدروس والحدائق. أما مع العلم بالارتفاع فشئ لم يحتمله أحد. وثانيا: بان المقام من قبيل سائر موارد جعل البدل الاضطراري. والتحقيق: أن اطلاق دلايل البدلية الاضطرارية وان كان يقتضي ثبوت البدلية بمجرد تحقق الاضطرار وقتا ما، لكن مناسبة الحكم والموضوع والارتكاز. العقلائي في باب الضرورات يقتضي حمله على الاضطرار إلى ترك الواجب بجميع افراده التدريجية، فيختص بالعذر المستمر. فيكون المراد من قوله (عليه السلام): " حال بينه وبين الحج مرض.. " (* 1) أنه حال على نحو لم يتمكن من الحج إلى آخر عمره، لا أنه لم يتمكن منه في سنة من السنين. كل ذلك للارتكاز العرفي في باب الضرورات، كما أشرنا إلى ذلك في موارد كثيرة من هذا الشرح. وعليه تكون الروايتان - كغيرهما من روايات الشيخ - ظاهرة في العذر المستمر المانع من اداء الفرض في جميع الاوقات. مضافا إلى ان الروايتين قد اشتملتا على ما لم يقل أحد بوجوبه، من استنابة الصرورة، الموجب لحملها على الاستحباب. فيحتمل أن يكون المراد منهما: استحباب إحجاج غيره عن نفسه لا بعنوان النيابة، كما احتمله في الجواهر. وكيف كان لا مجال للبناء على وجوب الاستنابة مع العذر في السنة إذا كان يرتفع بعدها. ومن ذلك يظهر: أن دعوى ظهور الاخبار في الياس - كما في المدارك حيث قال: " وإنما تجب الاستنابة مع اليأس من البرء. ولو رجا البرء لم يجب عليه الاستنابة إجماعا، قاله في التذكرة والمنتهى. تمسكا بمقتضى الاصل، السالم من معارضة الاخبار المتقدمة، إذ المتبادر منها تعلق الوجوب بمن حصل له اليأس من زوال المانع... " - أو في اليأس والرجاء - كما عن الحدائق، كما تقدم - ليس كما ينبغي. لقصور الاخبار عن التعرض لهذه الجهة، لانها

 

 

____________

(* 1) كما في صحيح الحلبي وخبر علي بن أبي حمزة.

 

===============

 

( 199 )

 

واردة في مقام بيان حكم العذر الواقعي، واليأس من ارتفاعه ورجاء ارتفاعه أمران آخران أجنبيان عنه، كما عرفت. نعم الظاهر أنه لا إشكال في كون الياس طريقا إلى استمرار العذر، ولا يعتبر العلم باستمراره. وفي كون الرجاء طريقا إليه إشكال، وإن كان قد يحتمل ذلك، اعتمادا على استصحاب بقاء العذر واستمراره، أو استصحاب بقاء العجز. إلا أن يقوم إجماع على خلافه، كما عرفت. والظاهر أن ذكر اليأس والرجاء في كلام الفقهاء (رض) في مقام بيان الحكم الظاهري لا الواقعي، بل لا ينبغي التأمل فيه. كما عرفت من أن الحكم الواقعي موضوعه العذر الواقعي - الذي هو موضوع اليأس والرجاء - لانفسهما. فلاحظ وتأمل. والذي يتحصل مما ذكرنا أمور: الاول: أنه لا إشكال في أن العذر المستمر موضوع لوجوب الاستنابة. الثاني: أنه لا ينبغي الاشكال في أن العذر غير المستمر ليس موضوعا لوجوب الاستنابة عند الفقهاء. والروايتان قد عرفت معناهما. الثالث: أن الياس أو مع الرجاء ليس موضوعا لوجوب الاستنابة واقعا. والنصوص خالية عن التعرض لدخلهما في موضوع الحكم الواقعي المذكور، لا تصريحا ولا تلويحا. الرابع: أنه لا إشكال في وجوب الاستنابة مع اليأس على نحو يكون الوجوب ظاهريا لا واقعيا. ودليله: الاجماع. ولعله مقتضى إطلاق النصوص المقامي، إذ لو انحصر الطريق بالعلم باستمرار العذر لم يبق مورد للعمل بالنصوص المذكورة إلا نادرا، وحمل النصوص المذكورة على ذلك بعيد جدا. وأما الرجاء فمقتضى الاستصحاب طريقيته غالبا للحكم الظاهري. لكن يشكل العمل به، لما عرفت من أنه خلاف مظنة الاجماع. نعم لو استناب مع الرجاء ثم مات قبل الشفاء أجزأ، كما عرفت دعوى الاجماع عليه في الخلاف.

 

===============

 

( 200 )

 

[ والظاهر فورية الوجوب، كما في صورة المباشرة (1). ومع بقاء العذر إلى أن مات يجزيه حج النائب، فلا يجب القضاء عنه وان كان مستقرا عليه. وان اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك، فالمشهور أنه يجب عليه مباشرة وإن كان بعد إتيان النائب، بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه (2). لكن الاقوى عدم الوجوب، لان ظاهر الاخبار: أن حج النائب هو الذي كان واجبا على المنوب عنه (3)، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه، ولا دليل على وجوبه مرة أخرى. بل لو قلنا باستحباب الاستنابة، فالظاهر كفاية فعل النائب (4) بعد ] (1) لان دليل النيابة يقتضي تنزيل عمل النائب منزله عمل المنوب عنه وكونه فردا له تنزيلا، فإذا وجب على المنوب عنه فورا فقد وجب على النائب كذلك. (2) قال في المستند: " من غير خلاف صريح منهم أجده، بل قيل: كاد أن يكون اجماعا. وعن التذكرة: أنه لا خلاف فيه بين علمائنا.. ". (3) هذا مما لا إشكال فيه لو ثبتت البدلية. لكنها - بعد انكشاف عدم استمرار العذر - ممنوعة، كما عرفت. وموافقة الامر الظاهرى لا تقتضي الاجزاء، كما تحقق في محله. وبالجملة: بعد انكشاف غلط الطريق وخطئه انكشف عدم ثبوت مشروعية الاستنابة واقعا، فلا يكون فعل النائب غير المشروع مجزيا. (4) كما اختاره جماعة في من لم يستقر الحج في ذمته، ومنهم صاحب الجواهر. وقد تقدم الكلام فيه.

أقرء المزيد ...