فصل في صلاة الاستيجار

[ فصل في صلاة الاستيجار يجوز الاستئجار للصلاة (1) ] فصل في صلاة الاستيجار (1) على المشهور بين المتأخرين شهرة كادت تكون إجماعا، بل حكى عليه الاجماع - حتى من القدماء - جماعة، كالشهيد في الذكرى، وشيخه في الايضاح، والمحقق الثاني في جامع المقاصد وغيرهم - على ما حكي عنهم - وهو الذي تقتضيه عمومات صحة العقود. ودعوى: أنها لا تحرز قابلية المحل، فمع الشك فيها - كما في المقام - لا مجال للتمسك بها. مندفعة: بأن مقتضى إطلاقها المقامي وجوب الرجوع إلى العرف في إحراز القابلية، مع بنائهم على ثبوت القابلية في كل فعل مقصود للعقلاء يبذل بأزائه المال. ومنه المقام بناء على صحة فعل النائب، وتفريغه لذمة المنوب عنه، واقتضائه استحقاق الثواب عليه - كما سيأتي -. ومن ذلك يظهر ضعف التردد فيه - كما في محكي المفاتيح - وظاهر الكفاية - حيث اقتصرا على نسبته إلى المشهور. وعلله - في الاول - بفقد النص، وعدم حجية القياس على الحج أو على التبرع، وعدم ثبوت الاجماع - بسيطا ولا مركبا - عليها. بل في الذخيرة: (لم أجد تصريحا به في كلام القدماء، ولم يكن ذلك مشهورا بينهم - قولا ولا فعلا - وإنما اشتهر بين المتأخرين). وقد يظهر من ثانيهما: أن وجه المنع - مضافا إلى ما عرفته - عدم تأتي القربة من الأجير، كما سيأتي مع ما فيه.

 

===============

 

( 105 )

 

[ بل ولسائر العبادات (1) عن الأموات إذا فاتت منهم، وتفرغ ذمتهم (2) ] (1) لما عرفت، بعد عموم صحة النيابة فيها. للأخبار الكثيرة (* 1) الدالة عليه. وقد جمعها صاحب الحدائق (* 2)، وفي جملة منها: التنصيص على الصلاة، والصوم، والحج، والعتق، والصدقة، والدعاء، والبر، والخير. وسيأتي بعضها في طي المباحث الآتية. (2) كما هو المشهور. وتقتضيه نصوص النيابة، فانها ظاهرة في كون النائب يفعل ما اشتغلت به ذمة المنوب عنه كفعل المنوب عنه نفسه. ومنها يظهر ضعف ما هو ظاهر السيد (ره) في الانتصار وابن زهرة في الغنية والعلامة في المختلف من منع صحة النيابة، وأن المراد من قولنا: يقضي ولي الميت عنه، أنه يقضي الولي عن نفسه، ونسبته إلى الميت باعتبار أنه السبب في وجوب القضاء على الولي. لقوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) (* 3)، وقوله صلى الله عليه وآله: (إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث...) (* 4). وجه الضعف: أنه لا بد من الخروج عن ظاهر ذلك بما سبق. نعم ها هنا إشكال معروف وهو: أن الخطاب إن كان بفعل المنوب عنه فلا يتأتى للنائب التقرب بفعله، فلا يكون فعله مفرغا لذمة المنوب عنه، وان كان بفعل النائب تأتى منه قصد التقرب، إلا أن فعله يكون مفرغا لذمة نفسه لا لذمة المنوب عنه. وقد يدفع - كما سيأتي - بأن الأمر وان

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 28 من ابواب الاحتضار، وباب: 12 من ابواب قضاء الصلوات، وباب: 23 من ابواب احكام شهر رمضان. (* 2) راجع الحدائق ج: 11 صفحة: 32 ط النجف الاشرف. (* 3) النجم: 39. (* 4) راجع البحار ج: 2 باب: 8 ثواب الهداية والتعليم حديث: 65 الطبعة الايرانية الحديثة.

 

===============

 

( 106 )

 

كان متوجها إلى المنوب عنه ومتعلقا بفعله، الا أن النائب ينزل نفسه منزلة المنوب عنه، فيكون الامر المتوجه إلى المنوب عنه متوجها إليه، ويكون فعله فعلا للمنوب عنه تنزيلا. وكما أن فعل المنوب عنه مفرغ لذمته كذلك فعل النائب. وهذا - على ظاهره - لا يخلو من اشكال، إذ التنزيل المذكور - بعد ما لم يكن حقيقيا بل كان ادعائيا - فهو إنما يقتضي ذلك لو كان صادرا ممن له جعل الاحكام والآثار لكونه طريقا إلى ذلك عرفا، أما لو كان صادرا من غيره فلا يقتضي ذلك أصلا. ولذا لا يمكن الالتزام بأن تنزيل المكلف للخمر منزلة الماء يقتضي إباحته، كما أن تنزيل نفسه منزلة عمرو لا يقتضي جواز وطئ زوجته، والتصرف في امواله، وصحة طلاقه لزوجاته، إلى غير ذلك مما لعمرو من الاحكام التكليفية والوضعية، وأيضا إذا اقتضى التنزيل المذكور كون فعل النائب فعلا للمنوب عنه فيكون واجبا، لم لا يقتضي كون تركه عصيانا يستحق النائب عليه العقاب وفعله طاعة يستحق عليها الثواب؟!. ويمكن أن يقال في دفع أصل الاشكال: إن الخطاب وان كان متوجها إلى المنوب عنه إلا أن ملاكه موجود في كل فعل مضاف إليه إضافة الملك، سواء أكان مضافا إليه إضافة الصدور - كفعله نفسه - أم لا، كفعل النائب الذي يصدر منه بعنوان كونه للمنوب عنه، فالنائب مهما تصور الفعل المأتي به للمنوب عنه وجده واجدا لملاك الامر، فيجوز أن يأتي به قاصدا التقرب بذلك الملاك فيصح طاعة وعبادة، كما يصح لو صدر من المنوب عنه بقصد كونه عن نفسه. ثم إن نتيجة الفعل المذكور - وهو الاستحقاق للثواب - لابد أن يكون راجعا إلى المنوب عنه، لانه الذي يملك الفعل، لا النائب وان كان

 

===============

 

( 107 )

 

صادرا عنه. (ودعوى): أن الاستحقاق من الاحكام العقلية وموضوعه الانقياد، وهو غير حاصل من المنوب عنه بل من النائب، فيمتنع أن يكون الاستحقاق للمنوب عنه. (مندفعة): بأن موضوعه وان كان ما ذكر، الا أنه لما كان الثواب ملحوظا نتيجة للفعل، وكان الحكم العقلي باستحقاقه من قبيل الاحكام الجزائية كان تابعا للفعل، فيستحقه من له الفعل سواء أكان صادرا منه أم لا. وحيث أن الفعل الصادر من النائب مجعول منه للمنوب عنه، كان الثواب المحكوم باستحقاقه راجعا إليه أيضا. ولأجل ذلك صح اعتبار المالية والملكية للفعل العبادي، وصح الاتيان به للمنوب عنه، لأن الاعتبار المذكور لا يصح إلا فيما يترتب عليه أثر مرغوب فيه، فكما لا يصح اعتبار المالية والملكية للذباب والحشرات من الاعيان التي لا يتنافس العقلاء عليها. كذلك لا يصح اعتبارها للافعال التي تكون كذلك، فلو لم يكن التقرب واستحقاق الثواب أثرا مترتبا على الفعل المضاف إلى المنوب عنه لم تصح اضافته إليه، كما لا تصح إضافة الافعال القبيحة إليه ولا تصح النيابة فيها. ومما ذكرنا يظهر الوجه في كون فعل النائب مفرغا لذمة المنوب عنه وموجبا لقربه وعدم كونه مقربا للنائب، نعم لا مانع من أن يكون في نفس النيابة والاتيان بالفعل للمنوب عنه بداعي التقرب عنه مصلحة، كما يكشف عن ذلك أوامر النيابة. فإذا فعل متقربا عن المنوب عنه بداعي تلك المصلحة كان موجبا لقربه واستحقاقه الثواب، غير الثواب الراجع للمنوب عنه الذي استحقه بفعل النائب متقربا عنه. ثم إنه لا فرق في فراغ ذمة المنوب عنه بفعل النائب بين أن يكون الفعل مملوكا على النائب بعقد إجارة أو صلح أو إيقاع - من شرط أو نحوه - أولا بل يكون فعله حين ما يقع يقع ملكا للمنوب عنه، كالمتبرع، والمأمور

 

===============

 

( 108 )

 

[ بفعل الاجير. وكذا يجوز التبرع عنهم. ولا يجوز الاستئجار، ولا التبرع عن الاحياء في الواجبات (1)، وان كانوا عاجزين عن المباشرة، الا الحج إذا كان مستطيعا (2) وكان عاجزا عن المباشرة. نعم يجوز اتيان المستحبات واهداء ثوابها للاحياء كما يجوز ذلك للأموات (3). ] بالعمل، والعامل في باب الجعالة وغيرهم، ومنه يظهر: أن دعوى كون باب النيابة من قبيل إهداء الثواب لا داعي إليه بعد مخالفته لظاهر النصوص الدالة على أن عمل النائب بنفسه يصل إلى المنوب عنه (* 1)، أو أنه من قبيل قضاء دينه. فلاحظها. (1) لما تقدم في المسألة الثانية والثلاثين من الفصل السابق. (2) للنصوص الآتي ذكرها في محله إن شاء الله. (3) الظاهر أنه لا إشكال في الاول، بل وفي الثاني ممن عدا السيد (ره) بل حتى من السيد، لأن السيد إنما يدعي امتناعه من أجل الادلة الخاصة لا من جهة القواعد العامة، فإذا فرض عدم دلالة تلك الأدلة على المنع كان جائزا بلا مانع. بل في رسالة شيخنا الاعظم (ره) المعمولة في القضاء عن الميت قال: (وكيف كان فانتفاع الميت بالاعمال التي تفعل عنه أو يهدي إليه ثوابها مما أجمع عليه النصوص، بل الفتاوى، على ما عرفت من كلام الفاضل وصاحب

 

 

____________

(* 1) تقدمت الاشارة إلى مواضعها في التعليقة السابقة. فلاحظ. (* 2) دلت الروايات الكثيرة على ان الصلاة والحج من الدين، وأن الاتيان بها - عن النفس أو الغير، حيا كان الغير ام ميتا، من قبيل قضاء الدين. راجع الحدائق ج: 11 صفحة: 39 ط النجف، وكنز العمال ج: 3 صفحة: 24، 56. وتجد بعض ذلك في مستدرك الوسائل باب: 18 من ابواب وجوب الحج وشرائطه. وذكر الشيخ (قده) بعض ذلك - ايضا - في المسألة: 6 من كتاب الحج صفحة: 156.

 

===============

 

( 109 )

 

[ ويجوز النيابة عن الاحياء في بعض المستحبات (1). ] الفاخر). ولم أقف عاجلا على ما دل على إهداء ثواب العمل (* 1). نعم ورد في بعض نصوص صلاة الهدية (* 2)، وفي نصوص قراءة آية الكرسي واهداء ثوابها إلى الاموات (* 3) ويحكى عن المحمودي: أنه كان يحج عن النبي صلى الله عليه وآله ويهدي ثواب ذلك إلى الائمة (ع)، ثم يهدي ثواب إهداء الثواب إليهم (ع) إلى المؤمنين (* 4). وفي الوسائل - في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة: - رواية عن هشام بن الحكم: أنه كان يقول: (اللهم ما عملت من خير مفترض فجميعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته الصادقين (ع)، فتقبل ذلك مني ومنهم) (* 5). وفي المستند استدل على جواز جعل الثواب للميت برواية عبد الله بن جندب الآتية، لأن الثواب هو الصالح للتشريك ثلثا وثلثين وللتفريد. وفي دلالتها تأمل. (1) ففي رواية محمد بن مروان: (قال أبو عبد الله (ع): ما يمنع

 

 

____________

(* 1) ويدل عليه - ايضا - ما رواه في مستدرك الوسائل باب: 10 من ابواب قضاء الصلوات حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 44 من ابواب الصلوات المندوبة حديث: 1، ومستدرك الوسائل باب: 36 من ابواب الصلوات المندوبة حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 34 من ابواب الدفن حديث: 4، ومستدرك الوسائل باب: 32 من ابواب الدفن حديث: 7. (* 4) مستدرك الوسائل باب: 11 من ابواب النيابة حديث: 6. ونقله الكشي (ره) في ترجمة المحمودي صفحة: 317 ط بمبي. وما في المتن منقول بالمعنى، على سبيل الاجمال. (* 5) الوسائل باب: 11 من ابواب احكام القضاء حديث: 40، ناقلا اياه عن الكشي (ره) لاحظ رجال الكشي صفحة: 177 في ترجمة هشام ط بمبي. وهو - بظاهره - غير مرتبط بما نحن بصدده وفى الكتابين: (عنهم) نسخة بدل عن (منهم).

 

===============

 

( 110 )

 

[ (مسألة 1): لا يكفي في تفريغ (1) ذمة الميت اتيان ] الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين؟: يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك، فيزيد الله عزوجل ببره وصلته خيرا كثيرا) (* 1). وفي رواية علي ابن أبي حمزة: (قلت لأبي ابراهيم (ع): أحج وأصلي وأتصدق عن الاحياء والاموات من قرابتي وأصحابي؟ قال: نعم تصدق عنه وصل عنه، ولك أجر بصلتك إياه) (* 2). وإطلاقهما وان كان يشمل الواجبات والمستجبات، إلا أنه مقيد بغير الواجبات، إجماعا، كما عرفت. وأما رواية عبد الله بن جندب: (كتبت إلى أبى الحسن (ع) أساله عن رجل يريد أن يجعل أعماله من البر والصلة والخير أثلاثا، ثلثا له وثلثين لأبويه، أو يفردهما من أعماله لشئ مما يتطوع به وان كان أحدهما حيا والآخر ميتا. فكتب الي: أما الميت فحسن جائز. وأما الحي فلا، إلا البر والصلة) (* 3) فلا تخلو من إجمال. وكأن مراد المصنف (ره) من البعض: ما ورد في هذه النصوص دون غيره من المستحبات. لكن يمكن أن يستفاد من تطبيق الامام (ع) البر على الصلاة وغيرها في الرواية الاولى عموم الحكم لكل ما يقبل النيابة، دون ما لا يقبله، كما لو كان استحبابه منوطا بعنوان لا ينطبق على المنوب عنه، أو كان مما يعتبر فيه المباشرة. (1) لأن التفريغ إنما يكون بفعل ما في الذمة، والثواب المهدى إليه أجنبي عنه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب قضاء الصلوات حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 12 من ابواب قضاء الصلوات حديث: 9. (* 3) الوسائل باب: 12 من ابواب قضاء الصلوات حديث: 16.

 

===============

 

( 111 )

 

[ العمل واهداء ثوابه، بل لابد إما من النيابة عنه بجعل نفسه نازلا منزلته (1). أو بقصد إتيان ما عليه له ولو لم ينزل نفسه منزلته، نظير أداء دين الغير. فالمتبرع بتفريغ ذمة الميت له أن ينزل نفسه منزلته، وله أن يتبرع باداء دينه (2) من غير تنزيل، بل الأجير - أيضا - يتصور فيه الوجهان، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائبا، بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميت وأداء دينه الذي لله. (مسألة 2): يعتبر في صحة عمل الأجير والمتبرع قصد القربة. وتحققه في المتبرع لا إشكال فيه (3). ] (1) قد عرفت الاشكال في ظاهر هذا التنزيل. (2) قد عرفت تحقيق الحال. والظاهر أن التبرع في وفاء الدين لا يتوقف على جعل ما به الوفاء للمديون ليرجع إليه ما ذكرناه، بل هو وفاء بمال المتبرع نفسه، لأنه مصداق - حقيقة - لما في ذمة المديون وانما لم يصح للغاصب الوفاء عما في ذمته بالمال المغصوب، لعدم سلطنته عليه، لا لقصوره عن المصداقية لما في ذمته. فلو أذن له المالك جاز له الوفاء به بلا عناية كونه له، ولاجل ذلك لو فرض الفسخ - بعد وفاء المتبرع - عن الثمن الذي في ذمة المشتري رجع الثمن إلى المتبرع لا إلى المشتري، لأنه خرج من كيس المتبرع فيرجع إليه، ولم يخرج من كيس المشتري ليرجع إليه، بخلاف العمل فيما نحن فيه، فانه حين وقوعه يقع للمنوب عنه، نظير العمل في باب الجعالة والأمر بالعمل. (3) قد عرفت الاشارة إلى الاشكال في فعل المتبرع من جهات ثلاث: (احداها): أن يتقرب بأمر نفسه أو بأمر المنوب عنه. ويشكل الاول: بأنه قد لا يشرع العمل في حقه. ويشكل الثاني: بأن الامر لا يدعو إلا

 

===============

 

( 112 )

 

[ وأما بالنسبة إلى الأجير الذي من نيته أخذ العوض (1) فربما يستشكل فيه (2)، بل ربما يقال (3) - من هذه الجهة -: أنه لا يعتبر فيه قصد القربة، بل يكفي الاتيان بصورة العمل عنه. لكن التحقيق: أن أخذ الاجرة داع لداعي القربة (4) ] من توجه إليه. (ثانيتها): أنه كيف يكون فعله مفرغا لذمة المنوب عنه؟. (ثالثتها): أنه كيف يتقرب المنوب عنه بفعل النائب؟ وكيف يستحق عليه الثواب؟. وقد عرفت اندفاع الاشكال من الجهات المذكورة، بلا فرق بين المتبرع والأجير، غاية الامر أن جعل النائب عمله للمنوب عنه قد يكون بداعي الاجرة، كما في الاجارة والصلح والجعالة والامر بالعمل. وقد يكون بداع شرعي، كما لو كان بقصد الصلة للقريب والجزاء على الاحسان. والاختلاف في هذه الجهة لا أثر له في الفرق بينهما في جهة الاشكال المتقدم. نعم يفترقان في جهة أخرى يأتي الكلام عليها. (1) هذا في الجعالة ظاهر. أما في باب الاجارة فالاجر وان كان مستحقا ومملوكا بنفس العقد لا بالعمل، لكن العمل له دخل في جواز المطالبة بالاجرة. وعلى كل حال فجهة الاشكال في الجميع: كون العمل فاقدا لشرط الاخلاص. (2) حكي ذلك عن المفاتيح، تبعا لبعض آخر. (3) القائل: صاحب المستند. (4) لا يخفى أنه لا مجال لقياس المقام على الامثلة المذكورة، فان الفعل بداعي أمر الله سبحانه - بداعي خوفه ورجائه في الامور الدنيوية والاخروية - لا ينافي تحقق الاطاعة والانقياد له، الموجب للقرب منه سبحانه واستحقاق الثواب، إذ الاطاعة في كل مقام لا تكون غرضا أصليا للمطيع

 

===============

 

( 113 )

 

[ - كما في صلاة الحاجة وصلاة الاستسقاء - حيث أن الحاجة ] بل تكون غرضا غيريا. لكن الفعل بداعي أمره سبحانه - بداعي خوف غيره أو رجائه إنما يكون مقربا في نظر العقلاء من ذلك الغير، لا منه سبحانه، كما يظهر ذلك من ملاحظة إطاعة الاوامر العرفية. فان المولى إذا أمر عبده باطاعة ضيفه أو صديقه أو ولده فأطاعه كان العبد مستحقا للجزاء على المولى، لا على الضيف أو الصديق أو الولد، فاطاعة النائب أمر الله سبحانه بداعي إطاعة المستأجر واستحقاق الاجر لا تكون مقربة عند العقلاء إلا من المستأجر لا غير، ولا يستحق - بفعله - ثوابا منه سبحانه، فلا تتحقق العبادية المعتبرة في العبادات فلا مجال لقياس العبادة بداعي خوف غير الله سبحانه أو رجائه على الامثلة المذكورة في المتن، فانها فعل العبادة بداعي خوف الله سبحانه أو رجائه. فالتحقيق في دفع هذا الاشكال: أن فعل العبادة بداعي غير الله سبحانه إنما يمتنع من مقربيتها للفاعل نفسه، فان كان فعله لنفسه بطلت العبادة، لأنه يعتبر في جميع العبادات أن تقع على وجه مقرب للفاعل، أما إذا كان فعل لغيره متقربا عنه فلا موجب لبطلانها بالاضافة إلى غيره. وبعبارة أخرى: إنما يعتبر في العبادة وقوعها على نحو مقرب لمن له العبادة، فإذا كان المتعبد فاعلا عن نفسه كان فعله بداعي غير الله - سبحانه - مانعا من تقربه، فتبطل - لأجله ذلك - عبادته. أما إذا كان فاعلا عن غيره فلا دليل يقتضي بطلانها حينئذ. ولاجل ذلك لم يقرر الاشكال المذكور في عبادة المتبرع إذا كان تبرعه بداعي حب المنوب عنه لا بداعي الامر الشرعي بالتبرع، مع أنه في التبرع المذكور غير متقرب لله، فإذا لم يعتبر التقرب في الفعل عن الغير لم يقدح فعله بداعي غير الله. كما لعله ظاهر بأدنى تأمل.

 

===============

 

( 114 )

 

[ ونزول المطر داعيان إلى الصلاة مع القربة. ويمكن أن يقال (1) إنما يقصد: القربة من جهة الوجوب عليه من باب الاجارة (2) ودعوى: أن الامر الاجاري (3) ليس عباديا بل هو توصلي مدفوعة: بأنه تابع للعمل المستأجر عليه (4)، فهو مشترك بين التوصلية والتعبدية. ] (1) هذا الجواب ظاهر محكي حاشية المدارك للوحيد البهبهاني (ره). (2) الظاهر أن مراده وجوب الوفاء بالاجارة. لكن الذي أوضحناه - فيما علقناه على مكاسب شيخنا الاعظم (ره) -: أن وجوب الوفاء بالعقود والشروط والنذور ونحوه إرشادي محض لا مولوية فيه بوجه. فراجع. نعم عقد الاجارة يوجب ملك المستأجر العمل على الاجير، ومقتضى عموم وجوب تسليم كل مال إلى مالكه وجوب العمل المستأجر عليه. (3) هذه الدعوى لشيخنا الاعظم (ره) في رسالته. ومراده من كونه توصليا: أنه لا يتوقف سقوطه على قصد امتثاله، فلا يمنع من ملاحظة العوض، كما هو المفروض في ورود الاشكال. (4) يعني: إن كان العمل المستأجر عليه توصليا كفى في سقوطه مجرد الاتيان بالعمل وان لم يكن متقربا به. وإن كان عباديا لم يسقط الا أن يؤتى بالفعل بداع قربي. أقول: هذا لا يوجب كونه مشتركا بين التعبدي والتوصلي، إذ الأمر التوصلي ما يكفي في سقوطه مجرد الاتيان بمتعلقه، وأمر الاجارة كذلك. وعدم سقوطه باتيان ذات العمل إذا كان المستأجر عليه العمل القربي إنما هو لعدم الاتيان بمتعلقه، لا لكونه عباديا حينئذ، اللهم إلا أن يقال: إذا كان موضوعه عبادة، وفرض أنها لا تصح إلا بقصده على نحو الاوامر العبادية صار عباديا بالعرض، فلا يسقط إلا بملاحظته وداعويته.

 

===============

 

( 115 )

 

[ (مسألة 3): يجب على من عليه واجب - من الصلاة أو الصيام أو غيرهما من الواجبات - أن يوصي به (1)، خصوصا مثل - الزكاة والخمس والمظالم والكفارات من الواجبات المالية ويجب على الوصي إخراجها من أصل التركة في الواجبات المالية. ] ويمكن أن يستشكل في الجواب المذكور - أيضا - من وجوه أخرى:. (أولها): ما ذكره شيخنا الاعظم (ره): من عدم تأتيه في الجعالة والامر بالعمل، فانه لا وجوب فيها، مع عدم الفصبينهما وبين الاجارة في صحة العمل. (وثانيها): أن صحة الاجارة موقوفة على صحة العبادة في نفسها - مع قطع النظر عن الاجارة - فلابد من أن تكون مشروعة من غير جهة الاجارة، فلا يصلح أمر الاجارة لتشريعها. (وثالثها): أن إطاعة أمر الاجارة لا يقتضي سقوط أمر الصلاة، لأن الأمر بالصلاة عبادي والأمر العبادي لا يسقط إلا إذا أتي بمتعلقه بداعية لا بداعي أمر آخر. ولذا لو انطبق على الصلاة أو الصوم عنوان راجح فأتي بهما بداعي ذلك الامر لم يسقط أمرهما الأولي. (ورابعها): بأن داعي التقرب مما ينوب به النائب عن المنوب عنه كذات الفعل، والتقرب بداعي أمر الاجارة ليس كذلك، لأن أمرها متوجه إلى النائب أصالة لا إلى المنوب عنه، فالتقرب به أجنبي عن التقرب المعتبر في العبادة الذي يكون موردا للنيابة. فالتحقيق في الجواب ما عرفت. (1) إذ بعد المفروغية عن ثبوت ملاك التكليف في فعل النائب يجب على المكلف تحصيله والتسبب إليه بقدر المكنة، فإذا كان الامر بفعله بعد موته دخيلا في تحقق الفعل المذكور يجب عليه. بل لعله يجب عليه اكثر من الامر مما له دخل في حصوله من النائب. وانقطاع التكليف بالموت

 

===============

 

( 116 )

 

[ ومنها: الحج الواجب (1)، ولو بنذر (2) ونحوه. بل وجوب اخراج الصوم والصلاة من الواجبات البدنية أيضا من الاصل لا يخلو عن قوة (3)، لانها دين الله (4)، ] لا يمنع من وجب الوصية والامر بفعل ما في الذمة الصادرين حال الحياة. كما أن عدم العلم بترتب الفعل على الامر لا يمنع من وجوبه عقلا في ظرف احتمال ترتبه، إذ الشك في القدرة كاف في وجوب الاحتياط. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الفوات بعذر وبغيره، لاطراد المقتضي لوجوب الامر من باب المقدمة في المقامين. كما لا فرق - أيضا - بين الواجبات المالية وغيرها، لذلك. (1) خروجه من أصل المال مما اتفق عليه النص والفتوى. لكن في كونه واجبا ماليا تأمل. أو منع. (2) على خلاف يأتي في كتاب الحج إن شاء الله، وان كان الاظهر ما في المتن. (3) عند جماعة (4) كما صرحت بذلك النصوص في الجملة، منها: رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) المتقدمة في أدلة المواسعة (* 1). ومنها: رواية حماد عن أبي عبد الله (ع) - في أخبارة عن لقمان (ع) -: (وإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخر لشئ، صلها واسترح منها، فانها دين) (* 2). ونحوهما غيرهما. وأشكل عليه: بانه إن كان المراد أنها دين حقيقة - لكونه عبارة عما اشتغلت به الذمة - فلا دليل على وجوب إخراج كل دين من الاصل

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 27 من فصل صلاة القضاء. (* 2) الوسائل باب: 12 من ابواب قضاء الصلوات حديث: 25.

 

===============

 

( 117 )

 

[ ودين الله أحق أن يقضى (1). ] لاختصاص الادلة بالدين المالي. وان كان المراد أنها دين ادعاء، فالظاهر كونه بلحاظ لزوم الاداء. (1) هذا ورد في قصة الخثعمية لما سألت رسول الله صلى الله عليه وآله، قالت له: (إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه ينفعه ذلك؟ فقال صلى الله عليه وآله لها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه ينفعه ذلك؟ قالت: نعم. قال صلى الله عليه وآله: فدين الله أحق بالقضاء) (* 1). وفيه: أن الظاهر - بقرينة المورد - كون المراد أن دين الله سبحانه أحق وأولى بصحة قضائه، جريا على ما اشتهر من أهمية حقوق الناس من حقوق الله تعالى، فتكون أجنبية عن إثبات المطلوب. وقد يستدل عليه بما ورد في أداء دين المقتول عمدا من ديته لأنه أحق بديته من غيره (* 2). وفيه: أنه إنما يقتضي الأحقية فيما لو كان في ذمة الميت مال ودار الامر بين صرف التركة في قضائه وبين صرفها إلى الوارث. والواجبات البدنية ليست من الاموال - لا لانها أفعال في قبال الاموال، إذ الافعال قد لا تخلو من مالية. ولذا تقابل بالمال، فإذا كان الميت مشغول الذمة بفعل مالي - من خياطة ثوب أو بناء قنطرة أو نحوهما - أمكن دعوى خروجها من الاصل -، بل لأن الواجبات البدنية لم تجب على المكلف بما أنها أموال، بل بما أنها عبادات مخصوصة قد الغيت فيها حيثية المالية

 

 

____________

(1) مرت الاشارة إلى انه ورد - في اخبار كثيرة - التعبير عن الصلاة والحج بالدين. والرواية المذكور في المتن موافقة لما في الحدائق عن السيد (ره). وأقرب الروايات إلى هذا المضمون هو ما في المستدرك والا فالتفاوت بينه وبين سائر الروايات كثير، وان اشترك الجميع في المقصود. فراجع ما علقناه - حول هذا الموضوع - في اوائل الكلام في هذا الفصل. (* 2) الوسائل باب: 59 من ابواب القصاص في النفس حديث: 2.

 

===============

 

( 118 )

 

[ (مسألة 4): إذا علم ان عليه شيئا من الواجبات المذكورة وجب اخراجها (1) من تركته وان لم يوص به. والظاهر ان إخباره بكونها عليه يكفي في وجوب الاخراج من التركة (2). (مسألة 5): إذا أوصى بالصلاة أو الصوم ونحوهما، ولم يكن له تركة، لا يجب على الوصي (3) ] بالمرة، فليست من سنخ التركة في المالية حتى يمكن استثناؤها واخراجها منها. والأجرة المبذولة بأزاء جعلها للميت - حسبما تقدم في دفع إشكال النيابة - ليست مما اشتغلت بها ذمة المكلف، بل إنما اشتغلت بنفس الافعال المخصوصة غير ملحوظ فيها حيثية المالية بوجه. ولأجل ذلك لا ينبغي التأمل في عدم خروجها من الأصل، لأن الدين المقدم على الميراث يراد منه الدين المالي، لحفظ الوحدة السنخية بين الخارج والمخرج منه. ولأجل ذلك يتعين كون المراد من حمل الدين عليها في النصوص المتقدمة لزوم الاداء، لا التنزيل منزلة الدين في وجوب الاخراج من التركة، لعدم السنخية بينها وبين التركة. (1) قد عرفت اختصاصه بالواجبات المالية. (2) ينبغي أن يجري على الاخبار بها حكم الاقرار بدين، من نفوذه مطلقا، أو في صورة عدم التهمة، أو غير ذلك. ودعوى: وجوب قبوله مطلقا لأنه مما لا يعلم إلا من قبله - غير ظاهرة، لمنع الصغرى وان سلمت الكبرى. (3) لأن مفاد الوصية العهدية ليس إلا جعل ولاية التصرف للوصي، فيجب التصرف لاجلها. ويختص ذلك بمثل البيع والشراء والاجارة والاستيجار

 

===============

 

( 119 )

 

[ أو الوارث إخراجه من ماله، ولا المباشرة، إلا ما فات منه لعذر - من الصلاة والصوم - حيث يجب على الولي (1) وان لم يوص بهما. نعم الأحوط مباشرة الولد (2) - ذكرا كان أو ] والقسمة ونحوها، ولا دليل على وجوب مثل الصلاة والصوم بأمر الموصي والاصل البراءة، بل لا يظن أن ذلك محل إشكال. نعم قد يظهر من شيخنا الاعظم (ره) - في كتاب الوصية في شرح قول ماتنه: (ولو أوصى بواجب وغيره...) وجوب فعل الموصى به على الوصي بنفسه أو بماله. والظاهر أن أصل العبارة: (وجب على الولي...) بدل: (على الوصي...) فراجع. (2) لما سيأتي إن شاء الله تعالى. (3) كأن وجه التوقف فيه: هو التوقت في عموم دليل وجوب إطاعة الولد للوالد لمثل ذلك، فانه وان استفاضت الاخبار المتضمنة لكون عقوق الوالدين من الكبائر (* 1)، إلا أن في صدقة على مخالفة الأمر والنهي - مطلقا - إشكالا، لأنه - كما في القاموس، والمفهوم منه عرفا -: ضد البر، وترك الاطاعة نقيض البر لا ضده. وتفسيره - في المجمع -: بالايذاء والعصيان وترك الاحسان - مع أنه خلاف الظاهر منه - مما لا يمكن الالتزام به، إذ لا يكاد يرتاب في عدم وجوب إطاعة الوالد لو أمر ولده بطلاق زوجته والتصدق بماله وأشباه ذلك. وكأن من هنا ضعف في الجواهر القول بعدم صحة صوم الولد مع نهي الوالد، معللا له بعدم ما يدل على وجوب إطاعته في ذلك ما لم يستلزم إيذاء بذلك من حيث الشفقة.

 

 

____________

(1) راجع الوسائل باب: 46 من ابواب جهاد النفس، وباب: 92، 93، 94، 104 106 من ابواب احكام الأولاد.

 

===============

 

( 120 )

 

[ أنثى - مع عدم التركة إذا أوصى بمباشرته لهما، وان لم يكن مما يجب على الولي (1)، أو أوصى إلى غير الولي (2)، بشرط أن لا يكون مستلزما للحرج من جهة كثرته. وأما غير الولد ممن لا يجب عليه اطاعته فلا يجب عليه، كما لا يجب على الولد (3) - أيضا - استئجاره إذا لم يتمكن من المباشرة، أو كان أوصى (4) بالاستيجار عنه لا بمباشرته. (مسألة 6): لو أوصى بما يجب عليه من باب الاحتياط وجب اخراجه من الاصل أيضا (5). وأما لو أوصى بما يستحب عليه من باب الاحتياط وجب العمل به، لكن يخرج من الثلث (6). وكذا لو أوصى بالاستيجار عنه أزيد من عمره فانه يجب العمل به والاخراج من الثلث، لأنه يحتمل (7) ] (1) بأن كان قد فاته لا لعذر. (2) يعني: أو كان الولد الموصى بالمباشرة غير الولد الولي. (3) قد جزم هنا بعدم وجوب إطاعة الوالد، لكونه مما يستلزم صرف المال. (4) يعني: أو كان قد أوصى الولد بالاستيجار، فانه لا يجب عليه. (5) هذا إذا تمت مبادئ الاحتياط في حق الوارث أيضا. أما لو اختلت في حقه - سواء أكانت الشبهة موضوعية أم حكمية، كما لو اختلفا اجتهادا أو تقليدا - فوجوب الاحتياط غير ظاهر. وكيف كان فالحكم مختص بالواجب المالي، كما عرفت. (6) لأن وجوبه بالوصية، ومثله إنما يخرج من الثلث. (7) تعليل لوجوب العمل.

 

===============

 

( 121 )

 

[ أن يكون ذلك من جهة احتماله الخلل في عمل الاجير. وأما لو علم فراغ ذمته علما قطعيا فلا يجب وان أوصى به (1)، بل جوازه - أيضا - محل اشكال (2). ] (1) الظاهر أن الوجوب وعدمه مبنيان على جوازه وعدمه، فالجزم بعدم الوجوب لا يناسب الاشكال في الجواز. (2) أقول: الكلام تارة: في مشروعية القضاء عن الميت مع العلم بفراغ ذمته، كما لو أدى الصلاة في وقتها ثم مات. وأخرى: في جواز الاداء عنه بعد موته - كما لو مات ودخل وقت الصلاة بعد موته، فيؤدي الولي أو غيره الصلاة نيابة عنه -، وفي جواز قضاء ما فاته حال الموت عنه. أما الاول: فلا ينبغي التأمل في عدم مشروعية النيابة عنه في القضاء، لأنه فرع الفوت، والمفروض عدمه. بل لا معنى لنية القضاء فضلا عن مشروعيته. وأما الثاني: فقد يستدل له بما حكي عن صفوان وعبد الله بن جندب وعلى بن النعمان، حيث تعاقدوا على أن من مات منهم يصلي من بقي منهم صلاته ويصوم عنه ويحج، فبقى صفوان، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة (* 1). لكن استشكل فيه في الذخيرة بعدم ثبوت ذلك بنحو يحتج به. والمقدار المستفاد من النصوص - على تقدير تمامية دلالتها على عموم النيابة - هو جواز النيابة فيما بشرع من الصلاة في حق المكلف، فكما يجوز الاتيان به عن نفسه يجوز الاتيان به نيابة عن الميت، دون مالا يكون كذلك، مثل صلاة الظهر التي لا يجوز للمكلف الاتيان بها إلا مرة واحدة. وفي الحدائق: الجزم بالعدم، لموثق أبي بصير عن الصادق (ع): (سألته عن امرأة مرضت

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 20 من ابواب الاحتضار حديث: 13.

 

===============

 

( 122 )

 

[ (مسألة 7): إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حج فمات قبل الاتيان به. فان اشترط المباشرة بطلت الاجارة (1) ] في شهر رمضان وماتت في شوال، فاوصتني أن أقضي عنها. قال (ع): هل برئت من مرضها؟ قلت: لا، ماتت فيه. قال (ع): لا يقضى عنها، فان الله تعالى لم يجعله عليها. قلت: فاني أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك قال (ع): كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله الله تعالى عليها؟) (* 1). ومورده وان كان هو الصوم، إلا أن التعليل فيه والاستفهام في ذيله يقتضيان العموم. ويشكل: بأن مفاد الرواية الملازمة بين عدم مشروعية الاداء وعدم مشروعية القضاء، ولا تدل على عدم مشروعية الاداء عن الميت، كما هو مورد قضية صفوان وأصحابه. وحينئذ فلا تصلح لمعارضة ما دل على مشروعية الاداء عنه، مثل النصوص المتقدمة في مشروعية النيابة التي لا فرق فيها بين الواجبات والمستحبات، حسبما يقتضيه إطلاقها. بل يمكن الفرق بين الصوم والصلاة بأن وجوب قضاء الصوم مشروط بالبرء فيما بين الرمضانين فإذا لم يبرأ لم يجب القضاء وإن برئ بعد ذلك، ليس وجوب قضاء الصلاة كذلك، لاطلاق دليله. فعموم ما دل على النيابة بالاضافة إلى كل من الاداء والقضاء محكم. (1) هذا غير ظاهر، إذ غايته أن يكون من باب تعذر الشرط المؤدي إلى تسلط المستأجر على الفسخ. نعم لو كان عقد الاجارة واردا على منافع الميت كان البطلان في محله، لعدم الموضوع، كما لو انهدمت الدار أو ماتت الدابة المستأجرتان. ولعله المراد من المتن. لكنه خلاف الظاهر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من ابواب احكام شهر رمضان حديث: 12.

 

===============

 

( 123 )

 

[ بالنسبة إلى ما بقي عليه، وتشتغل ذمته (1) بمال الاجارة إن قبضه، فيخرج من تركته. وان لم يشترط المباشرة وجب استئجاره من تركته إن كان له تركة، وإلا فلا يجب على الورثة، كما في سائر الديون (2) إذا لم يكن له تركة. نعم يجوز تفريغ ذمته من باب الزكاة (3) أو نحوها (4)، أو تبرعا. (مسألة 8): إذا كان عليه الصلاة أو الصوم الاستئجاري ومع ذلك كان عليه فوائت من نفسه. فان وفت التركة بها فهو، وإلا قدم الاستئجاري، لأنه من قبيل دين الناس (5). ] (1) بمقتضى ضمان المعاوضة. (2) حيث لا يجب أداؤها من مال الورثة. (3) من سهم الغارمين. وقد استفاضت النصوص في جواز صرف الزكاة في وفاء الدين الذي على الميت (* 1)، الشامل للمقام. وحينئذ يستأجر من الزكاة من يقوم بالعمل المستأجر عليه. (4) كالوقف الذي جعل مصرفه ما يشمل ذلك. (5) هذا وان اشتهر، إلا أنه لا دليل عليه ظاهر، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم فيما لو لم تف التركة بالدين وحجة الاسلام، فان المعروف هو التوزيع بالحصص. بل ظاهر بعض النصوص تقديم الحج على الزكاة (* 2) ومال إلى العمل به في الحدائق. فراجع. ثم إنه - بناء على ما ذكرنا من عدم خروج الواجبات البدنية من الاصل - لا إشكال في اخراج الواجب الاستئجاري في الفرض، لعدم المزاحمة بينه وبين الواجب البدني.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 18 من ابواب مستحقي الزكاة. (* 2) الوسائل باب: 42 من ابواب كتاب الوصايا حديث 1.

 

===============

 

( 124 )

 

[ (مسألة 9): يشترط في الاجير: أن يكون عارفا (1) باجزاء الصلاة، وشرائطها، ومنافياتها، وأحكام الخلل، عن اجتهاد أو تقليد صحيح. (مسألة 10): الاحوط اشتراط عدالة الاجير (2)، ] (1) لا دخل للمعرفة في صحة العمل، كما تقدم في مبحث التقليد. نعم ربما يكون الجهل مؤديا إلى عدم الاتيان بالعمل الصحيح فلا يجزئ حينئذ. وعلى هذا فلو علم بأداء الاجير للعمل الصحيح جاز استئجاره. أما لو شك فيه ففي جريان أصل الصحة حينئذ إشكال، وان كان الاقرب جريانها. وعليه فلو تبرع الجاهل واحتمل مطابقة عمله للواقع جرت أصالة الصحة واجتزئ به. (2) نسب هذا الشرط إلى المتأخرين. وليس المراد اشتراط صحة عمله بالعدالة، إذ لا ريب في صحة عبادة غير العادل. بل المراد اشتراط قبول خبره باتيان العمل المستأجر عليه بها، إذ الفاسق لا تعويل على خبره وعليه فلا يقتضي الا اعتبار العدالة حال الاخبار، لا حال الاجارة أو العمل. كما أنه - لو بني على عدم تمامية دلالة آية النبأ ونحوها في اثبات حجية خبر العادل في الموضوعات - لا وجه للاكتفاء بالعدالة في قبول خبر الاجير. فالتحقيق: أنه إن علم اشتغاله بالعمل للمنوب عنه وشك في كونه صحيحا أو فاسدا كفى أصالة الصحة في البناء على صحته، من دون حاجة إلى حجية خبره. وان شك في أصل الاشتغال، أو علم الاشتغال وشك في كونه بعنوان النيابة عن المنوب عنه لم يبعد الاكتفاء بخبره. ففي الجواهر - في مبحث حجية إخبار ذي اليد - قال: (إن تتبع الاخبار بعين الانصاف والاعتبار يورث القطع بالاكتفاء بنحو ذلك، وبأن كل ذي عمل مؤتمن على عمله كالاخبار الواردة في القصابين والجزارين، والجارية المأمورة

 

===============

 

( 125 )

 

[ وان كان الاقوى كفاية الاطمئنان باتيانه على الوجه الصحيح وان لم يكن عادلا. (مسألة 11)، في كفاية استيجار غير البالغ ولو باذن وليه إشكال (1)، وان قلنا بكون عباداته شرعية والعلم باتيانه ] بتطهير ثوب سيدها، وأن الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة ونحو ذلك). وقد تقدم - في مسألة طريق ثبوت النجاسة - بعض الكلام في ذلك (* 1). أما مجرد الوثوق بادائه من دون اخباره فكفايته لا تخلو من اشكال. (1) كأن منشأ الاشكال في عموم أدلة تشريع النيابة للصبي كالبالغ، إذ لو فرض شرعية عباداته، وكانت أدلة النيابة قاصرة عن شموله لم تصح نيابته، ولا يترتب عليها فراغ ذمة الميت لكن الظاهر عمومها له. وعليه فيمكن القول بجواز استئجاره، وان قلنا بكون عباداته تمرينية، سواء أكانت شرعية أيضا - بأن كانت مأمورا بها شرعا لمصلحة التمرين - أم غير شرعية - بأن كان خطاب الشارع موجها إلى الولي بأمره بها، من دون أن يتوجه إليه خطاب شرعي بها - لأن ذلك لا يقدح في صحة النيابة عن الغير - كنيابة غير المستطيع عن المستطيع في حجة الاسلام - فان عدم مشروعية الفعل في حق النائب لا يمنع من صحة نيابته عن غيره المشروع في حقه الفعل، لأن النائب - كما عرفت - إنما يفعل بقصد امتثال أمر المنوب عنه لاغير. فالبناء على عدم شرعية عبادات نفسه أصلا لا ينافي عقلا صحة نيابته

 

 

____________

(* 1) تقدم تفصيل الكلام في ذلك في المسألة: 6 من فصل ماء البئر، ومرت الاشارة إليه في المسألة: 10 من فصل طريق ثبوت من الجزء الاول. وقد مر بعض الروايات المرتبطة بذلك في المسألتين المشار اليهما. وبعضها في اوائل: فصل استصحاب النجاسة إلى ان يثبت خلافه صفحة: 127 من الجزء: 2. كما تقدم هناك نقل عبارة الجواهر - ايضا - فراجع.

 

===============

 

( 126 )

 

[ على الوجه الصحيح. وان كان لا يبعد ذلك مع العلم المذكور. وكذا لو تبرع (1) عنه مع العلم المذكور. (مسألة 12): لا يجوز استيجار ذوي الاعذار (2)، خصوصا من كان صلاته بالايماء، أو كان عاجزا عن القيام ويأتي بالصلاة جالسا ونحوه، وان كان ما فات من الميت (3) - أيضا - كان كذلك. ولو استأجر القادر فصار عاجزا وجب عليه التأخير إلى زمان رفع العذر. وان ضاق الوقت انفسخت الاجارة (4). ] لأن أدلة مشروعية النيابة كغيرها من أدلة التشريع. والاشكال - إن تم - ففي الجميع على نسق واحد. (1) لعموم أدلة النيابة، كما عرفت. (2) لقصور أدلة البدل الاضطراري عن شمول صورة التمكن من الفعل الاختياري، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث وضوء الجبيرة وغيره، ولأجله قيل: بعدم جواز البدار لذوي الاعذار. نعم لو فرض عدم التمكن من استئجار المختار ففي جواز استئجار المعذور وعدمه، أو التفصيل بين صورة رجاء زوال العذر وغيرها، وغير ذلك وجوه مذكورة في مبحث جواز البدار لذوي الاعذار وعدمه، فان المقام من صغريات تلك المسألة. ولابد من ملاحظة أدلة الابدال فربما كانت مختلفة في ذلك، فلاحظ. (3) سيأتي - إن شاء الله - بيان أن أدلة البدلية في الابدال الاضطرارية إنما تقتضي مشروعية البدل في ظرف الامتثال، فإذا لم يمتثل المكلف وترك الواجب فالفائت هو الواجب الاولي لاغير. ولاجل ذلك لا يجزئ الناقص في القضاء، وان كان لو أتى به في الاداء أجزأ. (4) هذا يتم لو كان المملوك بها العمل بمباشرة الاجير. أما لو كان

 

===============

 

( 127 )

 

[ (مسألة 13): لو تبرع العاجز عن القيام - مثلا - عن الميت ففي سقوطه عنه إشكال (1). (مسألة 14): لو حصل للاجير سهو أو شك يعمل باحكامه (2) على وفق تقليده أو اجتهاده، ولا يجب عليه إعادة الصلاة. (مسألة 15): يجب على الاجير أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليف الميت - اجتهادا أو تقليدا - ولا يكفي الاتيان بها على مقتضي تكليف نفسه (3). ] العمل في ذمة الاجير جرى فيه ما سبق في المسألة السابعة. (1) بل منع، لما عرفت من قصور أدلة البدلية عن شمول مثل ذلك إلا في بعض الصور، حسبما أشرنا إليه. ومنه يظهر أنه لا يناسب الاشكال في صحة التبرع الجزم بعدم صحة الاجارة، لابتناء الثانية على الاولى. (2) لاطلاق أدلتها، الشامل لصلاة النائب، المقتضي لاجزائها عن الواقع، كالصلاة عن نفسه. (3) لا ينبغي التأمل في صحة الاجارة على العمل بمقتضى تكليف الاجير، وبمقتضى تكليف المستأجر، أو بمقتضى تكليف المنوب عنه، أو بمقتضى تكليف غيرهم، فان العمل على أحد الانحاء المذكورة - بعد ما كان مما يترتب عليه غرض مقصود - يصح بذل المال بازائه، فيصح أن يكون موضوعا للاجارة، وتكون الاجارة عليه كسائر الاجارات الصحيحة. بل لأجل اختلاف الاغراض في ذلك يتعين تقييده بأحد الوجوه المذكورة، ولا يجوز إبهامه وإهماله، للجهل المانع من صحة الاجارة. نعم مقتضى الاطلاق وعدم التقييد هو الرجوع إلى نظر الاجير، كما

 

===============

 

( 128 )

 

[ فلو كان يجب عليه تكبير الركوع أو التسبيحات الاربع ثلاثا، أو جلسة الاستراحة اجتهادا أو تقليدا، وكان في مذهب الاجير عدم وجوبها، يجب عليه الاتيان بها. وأما لو انعكس فالاحوط الاتيان بها أيضا، لعدم الصحة عند الاجير على فرض الترك. ويحتمل الصحة إذا رضي المستاجر بتركها. ولا ينافي ذلك البطلان في مذهب الاجير إذا كانت المسألة اجتهادية ظنية، لعدم العلم بالبطلان فيمكن قصد القربة الاحتمالية. نعم لو علم علما وجدانيا بالبطلان ] لو وكله على البيع، فان اطلاق الوكالة يقتضي الرجوع في الخصوصيات التي يقع عليها البيع إلى نظر الوكيل، المستتبع وجوب العمل على مقتضى تكليف الاجير. نعم قد يكون اختلافه مع المستأجر في النظر والصحة والبطلان قرينة على ارادة العمل على تكليف المستأجر. كما قد يكون اختلاف صاحب المال مع المستأجر - إذا كان وكيلا أو وصيا عنه - قرينة على تقييد وصايته أو وكالته بصورة الاستيجار على العمل بمقتضى تكليف الموصي والموكل. فيكون ذلك قرينة على وقوع الاجارة على خصوص العمل بمقتضى تكليف صاحب المال، فإذا كان هو المنوب عنه تعين العمل بمقتضى تكليفه. فإذا لم يصلح شئ من هذا الاختلاف قرينة على شئ من ذلك، وكانت الاجارة مطلقة تعين العمل على مقتضى تكليف الاجير. وإذا صلح شئ من ذلك قرينة على مقتضى تكليف المستأجر أو صاحب المال أو المنوب عنه عمل عليه. هذا إذا كانت الاجارة على الصلاة عن زيد - مثلا -. وأما إذا

 

===============

 

( 129 )

 

[ لم يكف، لعدم إمكان قصد القربة حينئذ (1)، ومع ذلك لا يترك الاحتياط. (مسألة 16): يجوز استيجار كل من الرجل والمرأة (2) ] كانت على تفريغ ذمة زيد، فقد يتوهم: وجوب العمل على مقتضى تكليف زيد، لأن العمل على مقتضى تكليف غيره لا يعلم به الفراغ. وفيه: أنه يجري في الفراغ ما يجري في الصلاة، فإذا كان مقتضى الاطلاق الفراغ بنظر الاجير فهو حاصل بالفعل على مقتضى تكليفه، فيعمل به ما لم تقم قرينة على إرادة الفراغ بنظر غيره، إما المستأجر أو صاحب المال أو المنوب عنه أو غيرهم. هذا كله الكلام في تعيين المراد من موضوع الاجارة. وأما الكلام في الاجتزاء به، فهو انه لا ينبغي التأمل في اجتزاء الولي به إذا كان العمل موافقا لتكليف نفسه، وان كان مخالفا لتكليف الميت. أما لو كان موافقا لتكليف العامل مخالفا لتكليف الولي، فاجتزاء الولي به، بحيث لا يجب عليه القضاء لا يخلو من تأمل، لتوقفه على تمامية قاعدة الاجزاء في المقام. وهي غير ظاهرة. وعليه فلو تبرع متبرع عن الميت فقضى على حسب اجتهاده أو تقليده، لم يجز للولي الاجتزاء في ترك القضاء عنه إذا كان ذلك مخالفا لاجتهاده أو تقليده. وكذا الحال في غير الولي إذا كان لاجتزائه أثر عملي كالوصي والوكيل وغيرهما. فلاحظ. (1) في هذا الفرض تبطل الاجارة، لعدم القدرة على العمل المستأجر عليه. (2) الظاهر أن هذا من المسلمات. وهو مقتضى إطلاق بعض نصوص النيابة (* 1). وقد صرح في بعضها: بجواز نيابة الرجل عن كل من الرجل والمرأة (* 2).

 

 

____________

(* 1) راجع اول فصل صلاة الاستيجار. (* 2) لعل المراد به مثل حديث محمد بن مروان، المتقدم في اوائل الكلام من هذا الفصل.

 

===============

 

( 130 )

 

[ للآخر. وفي الجهر والاخفات يراعى حال المباشر (1)، فالرجل يجهر في الجهرية وان كان نائبا عن المرأة، والمرأة مخيرة وان كانت نائبة عن الرجل. (مسألة 17): يجوز - مع عدم اشتراط الانفراد - الاتيان بالصلاة الاستيجارية جماعة، إماما كان الاجير أو مأموما لكن يشكل الاقتداء (2) بمن يصلي الاستيجاري. إلا إذا علم اشتغال ذمة من ينوب عنه بتلك الصلاة، وذلك لغلبة كون الصلوات الاستيجارية احتياطية. (مسألة 18): يجب على القاضي عن الميت - أيضا - مراعاة الترتيب (3) في فوائته مع العلم به. ] (1) لأن الظاهر من دليل اعتبار الخصوصية اعتبارها بلحاظ حال المؤدي. واطلاقه يقتضي عدم الفرق بين حالتي الاصالة والنيابة. (2) لعدم إحراز صحة صلاة الامام مع احتمال عدم الامر بها. نعم بمكن الاقتداء به رجاء، والاتيان بالقراءة بقصد القربة المطلقة، لكن يشكل ترتيب سائر أحكام الجماعة إذا كانت مخالفة للاحتياط. (3) قد بنى شيخنا الاعظم - في رسالة القضاء عن الميت - وجوب ذلك على كون فعل النائب تداركا للقضاء الواجب على الميت، إذ حينئذ يجب فيه ما يجب في قضاء الميت نفسه. ومنه الترتيب بين الفوائت. أما لو كان تداركا للاداء الواجب على الميت - ويكون في عرض قضاء الميت - فلا يجب فيه الا ما يجب في الاداء، وليس الترتيب منه. وما دل على اعتبار الترتيب في القضاء مختص بقضاء المكلف عن نفسه لا مطلقا. ثم استظهر الثاني.

 

===============

 

( 131 )

 

[ ومع الجهل يجب اشتراط التكرار المحصل له، خصوصا إذا علم (1) أن الميت كان عالما بالترتيب. (مسألة 19): إذا استؤجر لفوائت الميت جماعة، يجب أن يعين الوقت لكل منهم، ليحصل الترتيب الواجب. وأن يعين لكل منهم أن يبدأ في دوره بالصلاة الفلانية، مثل الظهر. وان يتم اليوم والليلة في دوره (2). وأنه إن لم يتم اليوم والليلة، بل مضى وقته - وهو في الاثناء - أن لا يحسب ما أتى به، والا لاختل الترتيب. مثلا: إذا صلى الظهر والعصر فمضى وقته. أو ترك البقية مع بقاء الوقت، ففي اليوم الآخر يبدأ بالظهر، ولا يحسب ما أتى به من الصلاتين. (مسألة 20): لا تفرغ ذمة الميت بمجرد الاستيجار (3)، ] أقول: مقتضى ما ذكره في كيفية تقرب النائب - من أن النائب ينزل نفسه منزلة المنوب عنه فيتوجه إليه أمره - هو الاول، فان أمر الاداء ساقط بخروج الوقت، فلا يدعو الميت بعد الوقت فضلا عن أن يدعو نائبه، فلابد أن يكون الامر الذي يقصد النائب امتثاله هو أمر القضاء لاغير. مع أنه لو بني على الثاني، فاختصاص أدلة اعتبار الترتيب بالقضاء عن النفس غير ظاهر، بل الظاهر كونه من أحكام القضاء مطلقا لبعض الاحكام المختصة بالقضاء. وقد اعترف (قده) بعدم بعد التعميم. (1) وجه الخصوصية: هو التفصيل المتقدم من بعضهم في وحوب الترتيب وعدمه بين العلم والجهل. (2) المقصود: التمثيل، والا فلا يتوقف حصول الترتيب على ذلك بل يحصل بأن يعين لبعضهم: يوما ونصفا، ولآخر: نصفا ويوما (3) إذ الاستيجار ليس مصداقا لما في الذمة ليكون مفرغا لها، بل

 

===============

 

( 132 )

 

[ بل يتوقف على الاتيان بالعمل صحيحا. فلو علم عدم اتيان الاجير، أو أنه أتى به باطلا وجب الاستيجار ثانيا. ويقبل قول الاجير (1) بالاتيان به صحيحا. بل الظاهر جواز الاكتفاء ما لم يعلم عدمه، حملا لفعله على الصحة (2) إذا انقضى وقته (3) وأما إذا مات قبل انقضاء المدة فيشكل الحال، والاحوط تجديد استيجار مقدار ما يحتمل بقاؤه من العمل. (مسألة 21): لا يجوز للاجير أن يستأجر غيره للعمل الا مع إذن المستأجر (4)، ] إنما يقتضي اشتغال ذمة الاجير بالعمل. وذلك لا ينافي اشتغال ذمة الميت، بل ذمته باقية على اشتغالها إلى أن يحصل الاداء. (1) على ما عرفت. (2) بل حملا له نفسه على الصحة لا لفعله، للشك في تحقق فعله. (3) ظاهر العبارة التمسك بقاعدة: (الصحة) لاثبات الاداء. لكن دليله غير ظاهر، وليس بناء الفقهاء عليها في أمثال المقام في موارد الدعاوى، كما لو ادعى الدائن عدم وفاء المديون وادعت الزوجة عدم الانفاق ونحوها، فان القاعدة لو جرت اقتضت كون القول قول مدعي الاداء. هذا ويحتمل أن يكون الوجه - في البناء على تحقق الفعل منه -: قاعدة الشك في الفعل بعد خروج وقته. وموردها وان كان شك الفاعل نفسه، الا أنه يمكن استفادة التعميم لغيره بالغاء خصوصية مورده عرفا. إلا أن يدعى: اختصاص الحكم بالموقت بحسب أصل الشرع، لا بجعل المكلف باجارة أو نذر أو نحوهما. لكنه بعيد، وان كان لا يخلو من وجه. (4) إذا كانت المباشرة شرطا في العقد فمرجع الاذن إلى إسقاط

 

===============

 

( 133 )

 

[ أو كون الاجارة واقعة على تحصيل العمل (1)، أعم من المباشرة والتسبيب، وحينئذ فلا يجوز أن يستأجر باقل من الاجرة المجعولة له (2)، إلا أن يكون آتيا ببعض العمل ولو قليلا (3). (مسألة 22): إذا تبرع متبرع عن الميت قبل عمل الاجير ففرغت ذمة الميت انفسخت الاجارة (4)، فيرجع ] الشرط. وان كانت المباشرة عنوانا للعمل فمرجع الاذن إلى المعاوضة على ما في ذمة الاجير الاول بفعل الاجير الثاني. (1) فيكون فعل الأجير الثاني مصداقا للعمل المستأجر عليه. (2) على ظاهر الاشهر، أو المشهور. لبعض النصوص الظاهرة في المنع، كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): (عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه. قال (ع): لا، الا أن يكون قد عمل فيه شيئا) (* 1). ونحوه صحيحه الآخر عن أبي حمزة عن الباقر (ع) (* 2) لكنه خال عن الاستثناء. وقريب منهما غيرهما. وليس لها معارض سوى ما حكي عن الحلي والفاضل من روايتهما رواية أبي حمزة - بدل قوله (ع): (لا) -: (لا بأس) (* 3). لكن الظاهر أنه سهو، كما في مفتاح الكرامة. واحتمال تخصيص الحكم بالعمل في شئ دون العمل الصرف - كالصلاة والصوم - بعيد جدا عن ظاهر تلك النصوص. فلاحظ. (3) كما هو مقتضى الاستثناء في النصوص (* 4). (4) لتعذر المنفعة. هذا إذا كان العمل المستأجر عليه تفريغ ذمة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من ابواب كتاب الاجارة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 23 من ابواب كتاب الاجارة حديث: 4. (* 3) راجع السرائر باب الاجارة صفحة: 4. (* 4) راجع الوسائل باب: 23 من ابواب كتاب الاجارة.

 

===============

 

( 134 )

 

[ المؤجر بالاجرة، أو ببقيتها إن أتى ببعض العمل. نعم لو تبرع متبرع عن الاجير (1) ملك الاجرة. (مسألة 23): إذا تبين بطلان الاجارة بعد العمل استحق الاجير أجرة المثل (2) بعمله، وكذا إذا فسخت الاجارة من جهة الغبن لاحد الطرفين. (مسألة 24): إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال من يوم معين إلى الغروب، فأخر حتى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات ولم يصل صلاة عصر ذلك اليوم، ففي وجوب صرف الوقت في صلاة نفسه أو الصلاة الاستيجارية إشكال، من أهمية صلاة الوقت، ومن كون صلاة الغير من قبيل حق الناس المقدم على حق الله (3). ] الميت. أما إذا كان الصلاة عنه، فان امتنعت النيابة عنه بغير ما اشتغلت به ذمته - كما تقدم - فالحكم كذلك. وان جازت، فان كان المستأجر عليه طبيعة العمل عنه فالاجارة صحيحة، وان كان خصوص العمل عنه فيما اشتغلت به ذمته فالاجارة باطلة. (1) يعني: حيث يمكن، كما إذا لم تكن الاجارة على عمله بالمباشرة. (2) لقاعدة: (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) - التي عمدة ما يستدل عليها به في المقام الاجماع الموافق لمرتكزات المتشرعة - فان استيفاء منفعة العامل بلا أجرة مع عدم قصده التبرع يعد ظلما وعدوانا. (3) قد عرفت أنه مما هو مشهور غير ظاهر المأخذ. ولو سلم فلا يجدي في المقام، لأن بقاء صحة الاجارة مشروط بالقدرة على العمل بقاء فإذا تعذر العمل - ولو لمانع شرعي - انفسخت الاجارة. فلا يصلح وجوب

 

===============

 

( 135 )

 

[ مسألة 25): إذا انقضي الوقت المضروب للصلاة الاستيجارية ولم يأت بها أو بقي منها بقية، لا يجوز له أن يأتي بها بعد الوقت، إلا باذن جديد (1) من المستأجر. (مسألة 26): يجب تعيين الميت المنوب عنه (2). ويكفي الاجمالي، فلا يجب ذكر اسمه عند العمل، بل يكفي من قصده المستأجر أو صاحب المال أو نحو ذلك. (مسألة 27): إذا لم يعين كيفية العمل من حيث الاتيان بالمستحبات يجب الاتيان على الوجه المتعارف (3). (مسألة 28): إذا نسي بعض المستحبات التي اشترطت عليه (4)، أو بعض الواجبات - مما عدا الاركان - فالظاهر نقصان الاجرة بالنسبة (5)، إلا إذا كان المقصود تفريغ الذمة على الوجه الصحيح (6). ] العمل بها لمزاحمة الواجب الموقت، لارتفاع الموضوع. (1) لأنه غير العمل المستأجر عليه، فلا يكون وفاء عنه، كما تقدم. (2) إذ لا يقع العمل عنه الا بقصده، لأنه من الامور القصدية. (3) لأنه منصرف الاطلاق، حيث لم يتعرض لكيفية خاصة. (4) يعني: بنحو كانت جزءا من العمل المتسأجر عليه. وكذا في الواجبات عدا الاركان، إذ لو كانت مأخوذة بنحو الشرط الاصطلاحي فتخلفها لا يوجب جواز الرجوع ببعض الاجرة، بل يوجب الخيار في الفسخ. (5) لفوات بعض العمل المستأجر عليه. (6) بأن يكون هو المستأجر عليه، لا كونه داعيا على الاجارة وحينئذ لا وجه للرجوع، لحصول المستأجر عليه. هذا والاستثناء في العبارة

 

===============

 

( 136 )

 

[ (مسألة 29): لو آجر نفسه لصلاة شهر - مثلا - فشك في أن المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر، ولم يمكن الاستعلام من المؤجر - أيضا - فالظاهر وجوب الاحتياط بالجمع (1). وكذا لو آجر نفسه لصلاة، وشك أنها الصبح أو الظهر - مثلا - وجب الاتيان بهما. (مسألة 30) إذا علم أنه كان على الميت فوائت ولم يعلم أنه أتى بها قبل موته أولا فالاحوط الاستيجار عنه (2).