فصل في كيفية الاحرام

[ بسم الله الرحمن الرحيم فصل في كيفية الاحرام وواجباته ثلاثة: ] الواقع بعد نية الاحرام وبين السابق عليه إذا كان يبقى بعده). وهو - كما ترى - غير مورد الرواية. اللهم إلا أن يستفاد منها كراهة أثره عند الاحرام، لا كراهة استعماله عند إرادة الاحرام. وهو غير بعيد. ولاجله يشكل قوله (ره): (ولا بأس بعدم ازالته...). فصل في كيفية الاحرام اختلفت عبارات الاصحاب في حقيقة الاحرام، ففي المختلف، في مسألة تأخير الاحرام عن الميقات: أن الاحرام ماهية مركبة من النية، والتلبية، ولبس الثوبين. وفى المدارك: أنه حكى الشهيد في الشرح، عن ابن ادريس: أنه جعل الاحرام عبارة عن النية، والتلبية. ولا مدخلية للتجرد، ولبس الثوبين فيه. وعن ظاهر المبسوط والجمل: أنه جعله أمرا واحدا بسيطا، وهو النية. وفى المسالك: إن هذا هو الظاهر... (إلى أن قال): وللشهيد تحقيق رابع، وهو أن الاحرام توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن يأتي بالمحلل... (إلى أن قال):

 

===============

 

( 359 )

 

وهذا التفسير راجع إلى النية، لان التوطين أمر نفساني، ولا يجب تحصليه في مجموع زمان الافعال... (إلى أن قال): بل هو قد فسر النية في قوله: (أحرم): بأن معناه: أوطن نفسي... أقول: أخذ النية في مفهوم الاحرام غير معقول، لانه فعل اختياري يقع عن نية تارة، ولا عنها أخرى. ولذلك اعتبروا في صحته النية، ومن المعلوم أن النية لا تكون موضوعا للنية، فالاقوال الثلاثة الاول على ظاهرها غير معقولة، ولعلها مبنية على المسامحة. وأما التوطين فان كان راجعا إلى النية فهو - كغيره - غير معقول. وإن كان راجعا إلى البناء النفساني على ترك المحرمات والالتزام بذلك فهو معقول، لانه فعل اختياري يمكن أن يكون موضوعا للنية كغيره من الافعال الاختيارية النفسانية. بل قد تحقق في محله: أن العقود والايقاعات النفسانية كلها التزامات نفسانية وهذه الالزامات اختيارية للموقع. بل ذكروا الخلاف في وجوب الموافقة الالتزامية للتكليف زائدا على الموافقة العملية. وإن كان التحقيق عدم الوجوب بل المحقق في محله: أن الاسلام هو الالتزام بصحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وعليه تترتب الاحكام، من حرمة الدم، والمال، وجواز المناكحة، وثبوت التوارث، وغيرها من أحكام الاسلام. وذلك كله دليل على كون الالتزام من الافعال الاختيارية وموضوعا للارادة والنية. لكن الاشكال في أن الاحرام هو نفس الالتزام، أو أنه الحاصل من التزام ترك المحرمات؟ الظاهر هو الثاني، فيكون الالتزام سببا لانشاء الاحرام وحصوله، نظير سائر المفاهيم الايقاعية التي يكون ايقاعها بالالتزام لا أنه نفس الاحرام، كما قد يظهر من الشهيد (قده). ويحتمل أن يكون السبب في حصوله مجرد نية ترك المحرمات وإن لم يكن التزام نفساني

 

===============

 

( 360 )

 

[ الاول: النية (1)، بمعنى القصد إليه، فلو أحرم من غير قصد أصلا بطل، سواء كان عن عمد، أو سهو، أو جهل. ويبطل نسكه أيضا إذا كان الترك عمدا (2)، وأما مع السهو والجهل فلا يبطل. ويجب عليه تجديده من الميقات إذا أمكن، وإلا فمن حيث أمكن، على التفصيل الذي مر سابقا في ترك أصل الاحرام. (مسألة 1): يعتبر فيها القربة والخلوص، كما في سائر العبادات، فمع فقدهما أو أحدهما يبطل احرامه. (مسألة 2): يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه، ] به. لكن الاظهر الاول. وعلى كل من التقديرين فهو صفة اعتبارية تحصل بأحد السببين، إما الالتزام بترك المحرمات، أو نية ترك المحرمات لا أنه نفس ترك المحرمات، ولا أنه نفس نيد ترك المحرمات، فان الاول خلاف الاجماع، والثاني غير معقول. (1) بلا خلاف محقق فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض. كذا في الجواهر. وفى كشف اللثام: (بلا خلاف عندنا في وجوبها...). ويقتضيه ارتكاز المتشرعة، فان الاحرام عندهم من سنخ العبادة التي لا تصح بدون نية. مضافا إلى بعض النصوص الآتية في كيفية النية والتلفظ. (2) إذا لم يتمكن من تجديده من الميقات، وإلا جدده وصح إحرامه وحجه، على ما تقدم في المسألة الثالثة من فصل أحكام المواقيت. فراجع في جميع شقوق هذه المسألة.

 

===============

 

( 361 )

 

[ فلا يكفي حصولها في الاثناء، فلو تركها وجب تجديده (1). ولا وجه لما قيل (2): من أن الاحرام تروك وهي لا تفتقر إلى النية، والقدر المسلم من الاجماع على اعتبارها إنما هو في الجملة ولو قبل التحلل. إذ نمنع - أولا - كونه تروكا (3) فان التلبية، ولبس الثوبين من الافعال. وثانيا: اعتبارها فيه ] (1) وعن الشيخ في المبسوط: (الافضل أن تكون مقارنة للاحرام فان فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل). والاشكال عليه ظاهر، بعد ما عرفت من كونه عبادة من أوله إلى آخره، فلا يصح بدون نية. ولذلك قال في محكى المختلف: (الاولى ابطال ما لم يقع بنيته، لفوات الشرط...) وفى الدروس: (لعله أراد نية التمتع في إحرامه، لا مطلق نية الاحرام. ويكون هذا التجديد بناء على جواز نية الاحرام المطلق - كما هو مذهب الشيخ - أو على جواز العدول إلى التمتع من احرام الحج أو العمرة المفردة). (2) قال في كشف اللثام: (وقد يكون النظر إلى ما أمضيناه، من أن التروك لا تفتقر إلى النية. ولما أجمع على اشتراط الاحرام بها - كالصوم - قلنا بها في الجملة، ولو قبل التحلل بلحظة، إذ لا دليل على أزيد من ذلك ولو لم يكن في الصوم نحو قوله صلى الله عليه وآله: (لا صيام لمن لم يبيت الصيام) (* 1) قلنا فيه بمثل ذلك. وإنما كان الافضل المقارنة، لان النية شرط في ترتب الثواب على الترك). (3) قد عرفت سابقا: أن الاحرام صفة خاصة اعتبارية تحصل للمحرم بتوسط الالتزام بترك المحرمات أو نية ترك المحرمات، لا أنه نفس الترك للمحرمات. كيف والمحرم إذا فعل جميع المحرمات من ابتداء احرامه

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 2 من ابواب وجوب الصوم حديث: 1.

 

===============

 

( 362 )

 

إلى أن يحل بالمحلل لا يخرج عن كونه محرما، بخلاف الصائم فانه إذا استعمل المفطر خرج عن كونه صائما؟ فالصوم ترك المفطرات وفعلها نقيضه. أما الاحرام فليس هو ترك المحرمات، فانه لا ينتقض بفعلها، بل بمجرد حصول سببه يحصل ويبقى للمكلف إلى أن يحل بالمحلل. فهو باق بنفسه ما لم يحصل المحلل والصوم باق باختيار الصائم لا بنفسه، فما دام تاركا يكون صومه باقيا، فإذا استعمل المفطر انتقض. وبذلك افترق الصوم عن الاحرام من جهة أخرى، فان الصوم في جميع الآنات المتتالية لا بد أن يقع على وجه العبادة، لانه في جميع الآنات باق باختيار الفاعل، فهو من الامور التدريجية. والاحرام باق بنفسه فلا يحتاج في بقائه إلى نية بل هو باق بنفسه، فهو من الامور القارة، نظير الامور الانشائية، كالزوجية، والرقية، ونحوها. فإذا عدل الصائم عن نية الصوم ونوى استعمال المفطر بطل صومه، وإذا عدل المحرم عن إحرامه لم يبطل إحرامه. فبناء على ذلك لا يتوجه لكلام كاشف اللثام وجه، لان النية قبل التحلل ليست نية لاحرام ولا قصدا له، لحصوله من الاول، فلا معنى لقصد حصوله، وأنه لا مجال للمقايسة بالصوم. وأيضا يظهر من دليل كاشف اللثام: أنه توجد قاعدة، وهي: أن التروك لا تحتاج إلى نية بخلاف الافعال، وظاهر المصنف (ره) موافقته على ذلك أيضا. ولكنه غير ظاهر، فانه لا أصل لهذه القاعدة. نعم في تروك الصوم لا يعتبر نية القربة، لجواز تعزد الفعل، فان الصائم ربما لا يتمكن من الطعام والشراب والنساء فلا يكون تركه لها حينئذ عباديا ولا عن نية القربة. ولاجل ذلك نقول: بأن عبادية الصوم فاعلية لا فعلية، ويكفي في وقوعه على وجه العبادة أن يكون ناويا لترك المفطر على تقدير القدرة

 

===============

 

( 363 )

 

[ على حد اعتباره في سائر العبادات، في كون اللازم تحققها حين الشرع فيها (1). (مسألة 3): يعتبر في النية كون الاحرام لحج أو عمرة، وأن الحج تمتع أو قران أو إفراد، وأنه لنفسه أو نيابة عن غيره، وأنه حجة الاسلام أو الحج النذري أو الندبي (2) فلو نوى الاحرام من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل ] فإذا لم يكن ناويا ذلك كان صومه باطلا. وقد أشرنا إلى ذلك في كتاب الصوم من هذا الشرح. وأما تروك الاحرام بعد وقوعه فلا يعتبر فيها القربة بكل وجه، فانه إذا كان الفعل غير مبطل للاحرام لا يكون نية الفعل مبطلا له بطريق أولى. نعم عند إنشاء الاحرام يجب أن يكون التزامه بتركه المحرمات أو نيته ترك المحرمات واقعا على وجه قربي، بحيث عند الابتلاء بالمحرم يتركه قربة إلى الله تعالى، كما في نية الصائم في ابتداء الصوم. (1) يعني: اعتبار النية فيه. والعمدة في ذلك ارتكاز المتشرعة، وإلا فالاجماع غير ثابت مع خلاف الشيخ (ره). اللهم إلا أن يكون خلافه لشبهة. (2) لاختلاف الخصوصيات الموجبة لاختلاف موضوع الامر، ويجب في العبادة أن يقع المأمور به بخصوصياته عن الامر، ولا يحصل ذلك إلا بقصد الخصوصية الموجبة لاختلاف الموضوع. فإذا لم يعين، فان كان نوى الجامع بين الفردين فقد فاتت نية الخصوصية. مع أنه غير موضوع للامر بما هو جامع بينهما فلا مجال للتقرب به. وكذا إذا نوى المردد، لعين ما ذكر من المحذورين. فلاحظ ما ذكر مفصلا في نية الوضوء وغيرها.

 

===============

 

( 364 )

 

[ فما عن بعضهم من صحته، وأن له صرفه إلى أيهما شاء من حج أو عمرة (1) لا وجه له، إذ الظاهر أنه جزء من النسك فتجب نيته كما في أجزاء سائر العبادات. وليس مثل الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة (2). نعم الاقوى كفاية التعيين ] (1) قال في التذكرة: (والواجب في النية أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة: ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا إلى الله تعالى، ويذكر ما يحرم له، من تمتع، أو قران، أو إفراد... (إلى أن قال): ولو نوى الاحرام مطلقا ولم يذكر لا حجا ولا عمرة انعقد احرامه، وكان له صرفه إلى أيهما شاء...). وحكي نحوه عن المنتهى، وقريب منه عن المبسوط والمهذب والوسيلة. وفى كشف اللثام - بعد أن حكى ذلك - قال: (ولعله الاقوى، لان النسكين في الحقيقة غايتان للاحرام، غير داخلين في حقيقته، ولا يختلف حقيقة الاحرام - نوعا ولا صنفا - باختلاف غاياته. فالاصل عدم وجوب التعيين). (2) فان كلا منهما مشروع لنفسه، فيمكن أن يتعبد به لنفسه من دون نية غايته، بخلاف الاحرام. ضرورة أنه لا يصح ولا يتعبد به بنفسه وإنما يصح ويتعبد به في ضمن غايته، فيكون جزءا من المأمور به. ولاجل ذلك تختلف خصوصياته باختلاف خصوصيات ما ينضم إليه، ولا بد من قصد تلك الخصوصيات في تحقق العبادة، كما عرفت. واستدل في التذكرة على ما ذكره: بأن الاحرام بالحج يخالف غيره من احرام سائر العبادات لانه لا يخرج منه بالفساد، وإذا عقد عن غيره - بأجرة أو تطوعا - وعليه فرضه وقع عن فرضه، فجاز أن ينعقد مطلقا. وإذا ثبت أنه ينعقد مطلقا فان صرفه إلى الحج صار حجا، وإن صرفه إلى العمرة صار عمرة...

 

===============

 

( 365 )

 

[ الاجمالي، حتى بأن ينوي الاحرام لما سيعينه من حج أو عمرة فانه نوع تعيين (1). وفرق بينه وبين ما لو نوى مرددا مع ] إلى آخر كلامه. وفيه: ما لا يخفى، فان ما ذكره، من أنه لا يخرجه عنه بالفساد، لا أثر له فيما نحن فيه، وقد عرفت في تحقيق مفهومه وجهه. وما ذكره - ثانيا - ممنوع. ولو سلم فهو للدليل. نظير ما ورد في العدول من صلاة إلى صلاة، فانه لا يدل على عدم وجوب العيين في الصلاة. وقد استدل أيضا بما رواه العامة، من أن النبي صلى الله عليه وآله: خرج من المدينة لا سمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء، وهو بين الصفا والمروة (* 1) وهو كما ترى، فان الرواية - لو صحت - فانما تدل على قصور في التشريع، لا قصور في التعيين، فانه صلى الله عليه وآله إنما قصد ما هو المشرع بخصوصياته، إذ لا تعين حينئذ زائدا على ذلك. (1) فإذا كان ما يعينه الحج فقد نوى الحج من الاول، وإذا كان ما يعينه العمرة فقد نوى العمرة من أول الامر، وهكذا... اللهم إلا أن يكون المعتبر هو التعيين مع قطع النظر عن التعيين، ولا يكفي التعيين الآتي من التعيين. لكنه غير ظاهر. ودعوى: أنه قبل التعيين اللاحق لا تعيين للمأتي به. مدفوعة، ضرورة كون المكلف قد قصد ما يعينه لاحقا فإذا كان ما يعينه هو الحج - مثلا - فقد قصد الحج من الاول، لكنه لعدم معرفته بما يعينه لاحقا لا يعرف المعين حين النية، لكنه لا يقدح في حصول التعيين الاجمالي. والظاهر جريان مثل ذلك في أجزاء الصلاة، فالتكبير إذا وقع منه بنية ما يعينه بعد ذلك - من ظهر أو عصر - فقد نوى التكبير

 

 

____________

(* 1) سنن البيهقي الجزء: 5 الصفحة: 6 باب: أنه صلى الله عليه وآله لم يعين الحج وينتظر القضاء.

 

===============

 

( 366 )

 

[ إيكال التعيين إلى ما بعد. (مسألة 4): لا يعتبر فيها نية الوجوب من وجوب أو ندب (1)، إلا إذا توقف التعيين عليها. وكذا لا يعتبر فيها التلفظ (2). بل ولا الاخطار بالبال، فيكفي الداعي (3). (مسألة 5): لا يعتبر في الاحرام استمرار العزم على ترك محرماته (4)، ] المعين بلحاظ التعيين الآتي. ولاجل ذلك يتضح الفرق بين الفرض وبين ما إذا نوى المردد ثم عين بعد ذلك، فانه في أول الامر لم ينو الخصوصية لا تفصيلا ولا إجمالا. (1) تقدم في نية الوضوء وغيرها وجه ذلك، خلافا للمشهور. (2) كما في القواعد وغيرها. والظاهر أنه لا إشكال فيه. ويقتضيه - مضافا إلى ذلك، وإلى الاصل -: صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال: (قلت له: إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، فكيف أقول؟ فقال: تقول: اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج، على كتابك وسنة نبيك. وإن شئت أضمرت الذي تريد) (* 1). ونحوه خبر أبي الصلاح مولى بسام الصيرفي (* 2). ويحتمل أن يكون المراد بالاضمار الاسرار في التلفظ. (3) كما تحقق ذلك في مباحث نية الوضوء وغيره من العبادات. (4) كما أشرنا إليه آنفا، وأن فعل المحرمات لا يوجب فساد الاحرام

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 17 من ابواب الاحرام حديث: 2.

 

===============

 

( 367 )

 

[ بل المعتبر العزم على تركها مستمرا (1)، فلو لم يعزم من الاول على استمرار الترك بطل. وأما لو عزم على ذلك ولم يستمر عزمه - بأن نوى بعد تحقق الاحرام عدمه، أو إتيان شئ منها - لم يبطل، فلا يعتبر فيه استدامة النية كما في الصوم. والفرق: أن التروك في الصوم معتنبرة في صحته (2)، بخلاف الاحرام فانها فيه واجبات تكليفية. (مسألة 6): لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد (3)، ] وإنما يوجب الفداء، فعدم استمرار العزم أولى أن لا يقتضي الفساد. وسيأتي في المتن التعرض لذلك. (1) يعني: يعتبر ذلك في حدوثه وإنشائه لا في بقائه واستمراره. والوجه في اعتبار ذلك: ما أشرنا إليه آنفا، من أن إنشاءه إما بالالتزام الملازم للعزم المذكور، أو بنفس العزم، فلا يتحقق بدونه على كل حال. (2) بل في مفهومه، فان مفهوم الصوم ترك المحرمات، ففعلها مناف له. (3) لبطلان إحرامه، لا جمال الملكف به وعدم الطريق إلى امتثاله، ولو بالاحتياط بفعل كل محتمل. فانه وإن كان هذا ليس جمعا بين النسكين بل هو مقدمة ليقين البراءة، إلا أن فعل أحدهما يقتضي التحليل لاشتماله على الطواف. ولعل مرادهم بالتخيير هذا المعنى، لا أن خطابه ينقلب إلى التخيير، كما في الابتداء كذا في الجواهر. ويشكل بامكان الامتثال الاجمالي. مثلا: إذا تردد بين نية حج الافراد وبين نية العمرة المفردة، يأتي باعمال الحج أولا، ثم يأتي إلى

 

===============

 

( 368 )

 

[ سواء تعين عليه أحدهما أولا. وقيل: إنه للمتعين منهما (1)، ] مكة فيأتي بأعمالها بنية المردد بين الحج والعمرة. وإذا تردد بين العمرة المفردة وعمرة التمتع، يتم أعمال العمرة بقصد ما نواه، وأحل واقتصر. لاصالة البراءة من وجوب الحج بعدها. واحتاط - بناء على لزوم الاحتياط - لان الحج طرف للعلم الاجمالي، فيحج برجاء المطلوبيه وبالجملة: لا مقتضى لبطلان الاحرام بعد وقوعه على الوجه الصحيح وإمكان إتمام أعماله إما رجاء أو علما. نعم لا يجزئ ذلك عقلا، ولا تفرغ به الذمة - وان تمكن من إتمامه - لتردده فيما نواه. فيجوز له رفع اليد عنه إذا لم يكن محذور في ذلك، كما لو دخل في صلاة ثم تردد أنه ونواها ظهرا أو عصرا، فانه إذا أتمها بقصد ما نواه لم تجزئ عما في الذمة لا عن الظهر ولا عن العصر. وهذا المقدار لا يستوجب البطلان، وانما يستوجب جواز رفع اليد عنه. لكن في مثل الاحرام - الذي لا يتحلل عنه إلا بمحلل خاص - لا مجال للبناء على التحلل منه بمجرد ذلك، إلا إذا ثبت عموم قاعدة: جواز رفع اليد عن العمل إذا لم يكن له دخل في الامتثال ولا في اليقين به، حتى في مثل المقام. لكنه يشكل، وإن كان الظاهر ثبوت ذلك هنا أيضا عندهم. نعم إذا كان لا يصح منه إلا أحدهما، فإذا تردد فيما نوى جاز له رفع اليد بالمرة - بناء على عدم جريان أصالة الصحة في المقام - ومقتضى الاصل العملي البطلان. (1) قال في الشرائع: (ولو نسي بماذا أحرم، كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما). وفى القواعد: (ولو نسي ما عينه تخير إذا لم يلزمه أحدهما). ونحوهما ما في غيرهما. وفى الجواهر: نسبته إلى الفاضل والشهيدين وغيرهم. وفى كشف اللثام: تعليله بأن له الاحرام بأيهما شاء

 

===============

 

( 369 )

 

[ ومع عدم التعيين يكون لما يصح منهما (1). ومع صحتهما - كما في أشهر الحج - الاولى جعله للعمرة المتمتع بها (2). وهو مشكل، إذ لا وجه له (3). ] إذا لم يتعين عليه أحدهما، فله صرف إحرامه إلى أيهما شاء. لعدم الرحجان. وعدم جواز الاحلال بدون النسك إلا إذا صدر أو أحصر، ولا جمع بين النسكين في إحرام... انتهى. وأما أنه للمتعين منهما، فلان الظاهر من حال المكلف الاتيان بما هو فرضه. (1) عملا بقاعدة الصحة. لكن قاعدة الصحة إنما تجري بعد احراز العنوان الذى يكون موضوعا للصحة والفساد، لا مع الشك فيه. (2) يعني: ويجوز جعله لكل منهما، كما تقدم في كلام الجماعة. وهذه الاولوية نسبت إلى الشيخ (ره)، لانه ان كان متمتعا فقد وافق، وإن كان حاجا فالعدول منه إلى غيره جائز. وعن المنتهى والتحرير: أنه حسن. لكن في كشف اللثام، عن الخلاف: تتعين العمرة. وهو ظاهر كلامه المحكي عن الخلاف. قال: (وإذا أحرم بالعمرة لا يمكنه أن يجعلها حجة مع القدرة على أفعال العمرة، فلهذا قلنا يجعلها عمرة على كل حال) وكيف كان فأولوية العدول مبنية على جواز العدول من الافراد إلى العمرة المتعمع بها. لكن الوجوب غير ظاهر الوجه. إلا المحافظة على تمامية العمل، وهو لا يقتضي الوجوب. (3) وما تقدم في كشف اللثام، من توجيهه: بان له الاحرام بأيهما شاء إذا لم يتعين عليه أحدهما. لا يخلو من منع، فان ثبوت ذلك قبل إنشاء الاحرام لا يقتضي ثبوته بعده. ولذا قلنا: بأن العدول من صلاة إلى أخرى خلاف الاصل، لا يجوز ارتكابه إلا في موارد مخصوصة دل عليها الدليل

 

===============

 

( 370 )

 

[ (مسألة 7): لا تكفي نية واحدة للحج والعمرة (1)، بل لا بد لكل منهما من نيته مستقلا، إذ لكل منهما يحتاج إلى إحرام مستقل، فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها. والقول ] وان جاز قبل الشروع في العمل. هذا وإن المناسب للقول المذكور التفصيل هكذا: أنه إن صح أحدهما دون الآخر اختار ما صح، وإن صحا معا، ولزمه أحدهما دون الآخر اختار ما لزم. وإن تساويا في عدم اللزوم اختار أحدهما، والاولى العدول إلى العمرة. وعبارة المتن قد نقل فيها التفصيل على شكل آخر غير مناسب ثم إنه تقدم من الجواهر: أنه احتمل أن مراد الجماعة بالتخيير التجديد. لكنه بعيد - كما يظهر من ملاحظة عبارة الشرائع - فانه ذكر التجديد مقابل التخيير في المسألة الآتية. وفى هذه المسألة ذكر التخيير مقتصرا عليه، فليس المراد منه إلا التخيير بالمعنى الظاهر له. فلاحظ. (1) قال في الشرائع: (ولو أحرم بالحج والعمرة، وكان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما. وإن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة. ولو قيل بالبطلان، في الاول ولزوم تجديد النية كان أشبه). وفي القواعد (فالاقرب البطلان، وإن كان في أشهر الحجج). وفى الدروس: (لا يجوز إدخال حج على حج، ولا عمرة على عمرة) ولا نية حجتين ولا عمرتين... (إلى أن قال): ولا نية حجة وعمرة معا، إلا على قول الحسن وابن الجنيد. ولو فعل بطل إحرامه. وفى المبسوط: يتخير ما لم يلزم أحدهما). أقول: بعد ما تحقق، من أن لكل من الحج والعمرة إحراما مستقلا فإذا أحرم ونوى باحرامه الحج والعمرة - بأن كان قصده أن يكون إحرامه

 

===============

 

( 371 )

 

[ بصرفه إلى المتعين منهما إذا تعين عليه أحدهما والتخيير بينهما إذا لم يتعين، وصح منه كل منهما، كما في أشهر الحج (1). لا وجه له. كالقول: بأنه لو كان في أشهر الحج بطل ولزم ] للحج والعمرة معا - فقد نوى ما لم يشرع، فلا يصح. ولا فرق بين أن يكون بحيث يصح منه الاحرام للحج ويصح منه الاحرام للعمرة - كما إذا كان في أشهر الحج - وبين أن لا يصح منه الاحرام للحج وإن كان يصح منه الاحرام للعمرة - كما إذا لم يكن في أشهر الحج - لاطراد المانع في الصورتين، وهو نية غير المشروع عن غير أمر الشارع. فما ذكره في القواعد هو الموافق للقواعد. (1) هذا منسوب إلى الشيخ وجماعة. وقواه في كشف اللثام، لما سبق منه، من أن الاحرام حقيقة واحدة، فإذا وقع على وجه العبادة صح وترتب عليه أثره. وفيه: أنه لو سلم، فذلك إذا كان قد وقع على وجه العبادة، ونيته للحج والعمرة مانعة عن ذلك، إذ الاحرام الذي يترتب عليه الغايتان ليس بمشروع له، فلا مجال للتقرب به. نعم إذا كان قصد الغايتين - على نحو تعدد المطلوب - فلا بأس. لكنه خلاف المفروض. وكذا إذا كان قصدهما لا باعتبار وقوعهما فيه بل باعتبار آخر، مثل: أن يكون العمرة واقعة فيه والحج يترتب عليه في الجملة - ولو لتوقفه عليه - وإن كان يقع في احرام آخر، فان نيتهما معا - بهذا المعنى - لا بأس بها. وعلى ذلك تحمل النصوص المتضمنة لنية الحج والعمرة في إحرام العمرة. ففي صحيح يعقوب بن شعيب: (سألت أبا عبد الله (ع)، فقلت: كيف ترى لي أن أهل؟ فقال: إن شئت سميت وإن شئت لم تسم شيئا. فقت له: كيف تصنع أنت؟ قال: أجمعهما فأقول: لبيك

 

===============

 

( 372 )

 

[ التجديد، وإن كان في غيرها صح عمرة مفردة (1). (مسألة 8): لو نوى كاحرام فلان، فان علم أنه لماذا أحرم صح (2). وإن لم يعلم، فقيل: بالبطلان لعدم التعيين، وقيل: بالصحة لما عن علي (ع) (3). والاقوى ] بحجة وعمرة معا...) (* 1). (1) وهو ظاهر الشرائع. ومثله، القول بالصحة للحج والعمرة - الذي نسبه في الدروس: إلى الحسن وابن الجنيد، وفى المسالك: إلى الاول وجماعة - لما عرفت. نعم في الحدائق: أن الاول يرى أن الحج بعد العمرة يقع في إحرام العمرة لا في احرام آخر. وأنه لا يحل من إحرامها إلا بعد أفعال الحج. وعليه يكون خلافه في المبنى. (2) بلا خلاف ولا إشكال. لوجود المقتضي - من النية، والتعيين - وعدم المانع. كذا في الجواهر. (3) قال في الدروس: (قال - يعني: الشيخ - لو قال: كاحرام فلان، صح. لما روي عن علي (ع) أنه قال: إهلالا كاهلال نبيك). يشير بذلك إلى ما في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) - الوارد في حج النبي صلى الله عليه وآله - وفيه ذكر: (أن عليا (ع) قدم من اليمين على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو بمكة... (إلى أن قال): (وأنت يا علي بما أهلك؟ قال (ع): قلت: يارسول الله إهلالا كاهلال النبي صلى الله عليه وآله: فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: كن على إحرامك مثلي، وأنت شريكي في هديي) (* 2). ونحوه ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (* 3)،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب الاحرام حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 2 من ابواب أقسام الحج حديث: 14.

 

===============

 

( 373 )

 

ومرسل الفقيه (* 1)، وغيرها. لكن النصوص المذكورة لا تخلو من تدافع - كما أشار إلى ذلك في الحدائق والجواهر وغيرهما - فان المذكور في صحيح الحلبي ومرسل الفقيه: أن النبي صلى الله عليه وآله ساق مائة بدنة، وبعد أن جاء علي (ع) من اليمن وسأل عن إهلاله، فقال: أهلك بما أهل به النبي صلى الله عليه وآله، فشركه في هديه وجعل له سبعا وثلاثين وحينئذ يكون الحكم مختصا به (ع)، لان مجرد نية الاحرام كاحرام النبي - مع أنه (ع) لم يسبق الهدي - لا يستوجب الاشتراك في الهدي. والمذكور في صحيح معاوية وخبر الفضل بن الحسن الطبرسي - في أعلام الورى -: أن النبي صلى الله عليه وآله ساق الهدي، ستا وستين أو أربعا وستين بدنة. وأن عليا (ع) جاء بأربع وثلاثين، أو ست وثلاثين (* 2). ومقتضاه أنه لم يكن إجمال في نية إحرام أمير المؤمنين (ع) وإنما كان ناويا للقران وساق الهدي كما نواه رسول الله صلى الله عليه وآله وساق الهدي فلا يكون مما نحن فيه. وأيضا فان المستفاد من النصوص: أن المتعة شرعت في حجة الوداع بعد وصول النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة، ولم يكن قبل ذلك إلا تشريع الحج. والمسلمون حسين أحرم النبي صلى الله عليه وآله من الميقات كلهم أحرموا للحج كما أحرم النبي صلى الله عليه وآله، ولا فرق بينهم وبينه في الاحرام، وإنما كان الفرق في سياق الهدي، وهو أمر خارج عن النية وعلي (ع) إنما أحرم للحج كما أحرم غيره، ولا إجمال فيما نواه. بل إن كان قد ساق الهدي - كما في بعض الروايات - كان حجه قرانا، وإلا كان إفرادا. وحينئذ يكون

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب أقسام الحج ملحق الحديث: 14، حديث: 25. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 32.

 

===============

 

( 374 )

 

[ الصحة، لانه نوع تعيين. نعم لو لم يحرم فلان، أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان (1). وقد يقال: إنه في صورة الاشتباه يتمتع (2) ولا وجه له. إلا إذا كان في مقام يصح له العدول إلى التمتع. (مسألة 9): لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل (3). ] المقصود، من قوله (ع): (كاهلالك) أنه إهلال بالحج. ولعله في مقابلة إهلال الجاهلية، فالاستدلال بالنصوص على ما نحن فيه غير ظاهر. وقد عرفت فيما سبق أنه لا قصور في النية في فرض المسألة. بل الصحة فيها أظهر منها فيه، لتحقق التعين حال النية في الفرض دون ما سبق. ومن العجيب ما في الجواهر هنا من أن الاقوى البطلان. كيف؟! ولعل أكثر السواد على هذا النهج من النية، فانهم يحرمون كما يحرم غيرهم ممن يعرفونه بالمعرفة والتفقه. (1) أما في الصورة الاولى فظاهر، لانتفاء الموضوع. وأما في الصورة الثانية فغير ظاهر. إلا بناء على ما عرفت في الناسي. (2) حكاه في الشرائع قولا، ونسبه في الجواهر إلى الشيخ. قال في محكي الخلاف: (إذا أحرم كاحرام فلان، وتعين له ما أحرم به عمل عليه. وإن لم يعلم حج متمتعا). وفيه - كما في الجواهر -: أن العدول إنما يسوغ في حج الافراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه. ومن ذلك يظهر الوجه فيما ذكر في المتن. (3) لفوات النية.

 

===============

 

( 375 )

 

[ (مسألة 10): لو نوى نوعا ونطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق (1). (مسألة 11): لو كان في أثناء نوع وشك في أنه نواه أو نوى غيره بنى على أنه نواه (2). (مسألة 12): يستفاد من جملة من الاخبار استحباب التلفظ بالنية (3)، ] (1) كما في القواعد وغيرها. إذ لا اعتبار بالنطق، وإنما الاعتبار بالنية. وقد يستشهد له بخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال: (سألته عن رجل أحرم قبل التروية، فأراد الاحرام بالحج يوم التروية فأخطأ فذكر العمرة. قال (ع): ليس عليه شئ، فليعقد الاحرام بالحج) (* 1). لكن ظاهره نية العمرة غلطا، لا التلفظ بالعمرة والنية غلطا - أيضا - لا أثر لها كاللفظ، لان التأثير في الفعل إنما يكون للداعي النفسي، لا للنية غلطا، فيكون المدار عليه لا عليها. (2) قد تقدم - في بعض مباحث نية الصلاة - الاشكال في ذلك، وأن قاعدة التجاوز أو الصحة إنما تجري مع الشك في تحقق ماله دخل في تماميه المعنون بعد إحراز عنوانه. والنية لما كانت بها قوام العنوان فمع الشك فيها يكون الشك في العنوان لا في المعنون. فراجع ذلك المبحث، وتأمل. (3) يعني: بالمنوي. ذكره جماعة من الاصحاب، كما في الحدائق. وفى الجواهر: (صرح به غير واحد...). ويشير بالاخبار المذكورة إلى صحيح حماد بن عثمان المتقدم في المسألة الرابعة (* 2). ونحوه خبر أبي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب الاحرام حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 17 من أبواب احرام حديث: 1.

 

===============

 

( 376 )

 

الصلاح مولى بسام الصيرفي، قال: (أردت الاحرام بالمتعة، فقلت لابي عبد الله (ع): كيف أقول؟ قال: تقول: اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، على كتابك وسنة نبيك وإن شئت أضمرت الذي تريد) (* 1)، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): (قال: إذا أردت الاحرام بالتمتع، فقل: اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج، فيسر ذلك لي، وتقبله مني، وأعني عليه، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. أحرم لك شعري، وبشري من النساء، والطيب، والثياب) (* 2). وظاهر هذه النصوص استحباب التلفظ بالمنوي في غير التلبية. قال في المدارك: (والافضل أن يذكر - في تلبية عمرة التمتع - الحج والعمرة معا، على معنى: أنه ينوي فعل العمرة - أولا - ثم الحج بعدها، باعتبار دخولها في حج التمتع. لقوله في صحيحة الحلبي: إن أمير المؤمنين (ع) كان يقول فيها: لبيك بحجة وعمرة معا، لبيك) (* 3) وهو في محله. وما في بعض النصوص من أنه يهل بالحج، محمول على ذلك قطعا. هذا وفى المنتهى: (لو اتقى كان الافضل الاضمار. وروى الشيخ - في الصحيح - عن أبان بن تغلب قال: (قلت لابي عبد الله (ع): بأي شئ أهل؟ فقال (ع): لا تسم حجا ولا عمرة، وأضمر في نفسك المتعة. فان أدركت كنت متمتعا، وإلا كنت حاجا) (* 4).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من ابواب الاحرام حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 16 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 21 من أبواب الاحرام حديث: 7. (* 4) الوسائل باب: 21 من أبواب الاحرام حديث: 4.

 

===============

 

( 377 )

 

[ والظاهر تحققه بأي لفظ كان (1). والاولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمار (2)، وهو أن يقول: " اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج، على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله، فيسر ذلك لي، وتقبله مني، وأعني عليه. فان عرض شئ يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك شعري، وبشري، ولحمي، ودمي، وعظامي، ومخي، وعصبي من النساء والطيب، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة ". ] وعن منصور بن حازم قال: (أمرنا أبو عبد الله (ع) أن نلبي، ولا نسمي شيئا. وقال: أصحاب الاضمار أحب إلي) (* 1). وعن اسحاق بن عمار قال: (سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) قال: الاضمار أحب إلي، ولم يسم) (* 2). وإنما قلنا: أن ذلك على سبيل التقية جمعا بين الاخبار). ولا بأس به، كما في المدارك. (1) لان اختلاف النصوص في اللفظ يدل على عدم خصوصية في لفظ بعينه. (2) روى في الفقيه: عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: (لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة... (إلى أن قال): فإذا انفتلت من الصلاة فاحمد الله عزوجل واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله، وتقول: اللهم إني اسألك أن تجعلني ممن استجاب لك، وآمن بوعدك، واتبع أمرك... (إلى أن قال):

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب الاحرام حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 17 من ابواب الاحرام حديث: 6.

 

===============

 

( 378 )

 

[ (مسألة 13): يستحب أن يشترط - عند إحرامه - على الله أن يحله إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حج أو عمرة، وأن يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج ولم يمكنه الاتيان، كما يظهر من جملة من الاخبار (1). واختلفوا في ] اللهم تمم لي حجي. اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، على كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله، فان عرض لي عارض (* 1)...) (* 2) إلى آخر ما في المتن. كذا فيما يحضرني من نسخة الفقيه وغيرها. ثم إن تخصيص الاولوية بصحيحة معاوية غير ظاهر. فاللازم إطلاق الاولوية بالنسبة إليها وإلى ما في صحيح ابن سنان (* 3) وغيرها، من دون اختصاص بواحد منها. (1) وفى الجواهر: (بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، نصا وفتوى. نعم أنكره جماعة من العامة)، وفى المدارك والحدائق: (استحباب ذلك مما أجمع عليه أصحابنا وأكثر العامة). والمراد من الاخبار في المتن: صحيح عبد الله بن سنان، وصحيح معاوية بن عمار المتقدمان (* 4)، وخبر

 

 

____________

(* 1) كما في الفقيه الجزء 2 الصفحة 206 طبع النجف الاشرف. وفي الكافي والتهذيب: " فان عرض لي شئ ". الكافي الجزء 4 الصفحة 331 طبع ايران الحديثة، التهذيب الجزء 5 الصفحة 77 طبع النجف الاشرف. (* 2) الوسائل باب: 16 من أبواب الاحرام حديث: 1. وأما ما أسنده إلى معاوية بن عمار في المتن فلم نعثر له على رواية كذلك. نعم إلى قوله: " وأعني عليه " موافق لصحيح ابن سنان المتقدم ذكره قريبا. فلاحظ. (* 3) الوسائل باب: 16 من أبواب الاحرام حديث: 2. وقد تقدم ذكره قريبا. (* 4) الوسائل باب: 16 من أبواب الاحرام حديث: 2، 1. وقد تقدم ذكر رواية ابن سنان في المسألة المتقدمة ورواية معاوية في التعليقة السابقة.

 

===============

 

( 379 )

 

[ فائدة هذا الاشتراط، فقيل: إنها سقوط الهدي (1). ] أبي الصباح الكناني قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يشترط في الحج، كيف يشترط؟ قال: يقول حين يريد أن يحرم: أن حلني حيث حسبتني، فان حبستني فهي عمرة...) (* 1)، وخبر الفضيل ابن يسار عن أبي عبد الله (ع): (قال: المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه، ومفرد الحج يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة) (* 2)، وخبر حنان بن سدير قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إذا أتيت مسجد الشجرة... (إلى أن قال): ثم تقول: اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج، فان أصابني قدرك فحلني حيث حسبتني بقدرك...) (* 3)، وغير ذلك من النصوص. (1) حكي ذلك في كشف اللثام، عن الانتصار، والسرائر، والجامع، وحصر التحرير، والمنتهى، والتذكرة، وغيرها. واستدل - في الاول - عليه: بالاجماع. وبأنه لا فائدة له سواء. وبصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (ع) قال: (سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج، وأحصر بعدما أحرم، كيف يصنع؟ قال: فقال: أو ما اشترط على ربه - قبل أن يحرم - أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله تعالى؟ فقلت: بلى، قد اشترط ذلك. قال: فليرجع إلى أهله حلا لا إحرام عليه. إن الله أحق من وفى بما اشترط عليه. قلت: أفعليه الحج من قابل؟ قال: لا) (* 4)، وصحيح محمد بن أبي نصر قال:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 23 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 23 من أبواب الاحرام حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 24 من أبواب الاحرام حديث: 3.

 

===============

 

( 380 )

 

[ وقيل: إنها تعجيل التحلل، وعدم انتظار بلوغ الهدي محله (1). ] وسألت أبا الحسن (ع) عن محرم انكسرت ساقه، أي شئ تكون حاله وأي شئ عليه؟ قال (ع): هو حلال من كل شئ. قلت: من النساء والثياب والطيب؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم: وقال: أو ما بلغك قول أبي عبد الله (ع): حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي؟ قلت: أخبرني عن المحصور والمصدود هما سواء؟ فقال: لا...) (* 1). فان الصحيحين وإن لم يتعرض فيهما لنفي الهدي صريحا، لكن السكوت فيهما عن الهدي ظاهر في سقوطه. واحتمال أن يكون ترك بيان وجوب الهدي اتكالا على الآية وغيرها - كما في الجواهر - غير ظاهر، فان مورد الصحيحين أخص من مورد الآية، وظاهر الآية: أن وجوب الهدي من جهة التحلل، فإذا حصل بالشرط لم يكن له فائدة (* 2). وأيضا فان البناء على كون الفائدة التعجيل يوجب تصرفا في الآية، وليس هو أولى من التصرف فيها، بحمل الهدي على غير صورة الاشتراط. (1) ولا يسقط الهدي، كما عن المبسوط والخلاف والمهذب في المحصور، والوسيلة في المصدود، وعن التذكرة والتحرير والمنتهى والنافع. واختاره في الشرائع والجواهر، واستشهد له بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) - في حديث -: (إن الحسين بن علي (ع) خرج معتمرا فمرض في الطريق، فبلغ عليا ذلك وهو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا، وهو مريض بها. فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال: اشتكى رأسي، فدعا علي (ع) ببدنة فنحرها، وحلق رأسه، ورده إلى

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاحصار حديث: 4. (* 2) المراد بها: قوله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) - البقرة: 196 -.

 

===============

 

( 381 )

 

المدينة) فلما برأ من وجعه اعتمر...) (* 1). بناء على أنه (ع) قد اشترط، لانه مستحب فلا يتركه. وبخبر عبد الله بن عامر، الذي رواه في كشف اللثام عن جامع بن سعيد، عن كتاب المشيخة لابن محبوب، عن الصادق (ع): (في رجل خرج معتمرا، فاعتل في بعض الطريق وهو محرم. قال (ع): ينحر بدنة، ويحلق رأسه، ويرجع إلى رحله، ولا يقرب النساء. فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، فإذا برأ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه. وان كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر...) (* 2). لكن الخبر الاخير غير ظاهر الصحة، وقد تفرد بروايته ابن سعيد ولم يعمل به. فانه نسب إليه القول الاول. والاول غير واضح الدلالة على ما نحن فيه. ومجرد الاستحباب لا يقتضي تحقق الاشتراط، لامكان وجود المانع. مع أن في صحيح رفاعة عن أبي عبد الله (ع) قال: (خرج الحسين (ع) معتمرا - وقد ساق بدنة - حتى انتهى إلى السقيا فبرسم، فحلق شعر رأسه، ونحرها مكانه. ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي (ع): ابني ورب الكعبة، افتحوا له الباب. وكان قد حموه الماء، فأكب عليه فشرب، ثم اعتمر بعد) (* 3). إذ حينئذ يكون خارجا عما نحن فيه، ففي المدارك: أن موضع الخلاف من لم يسق الهدي أما السائق فقال فخر المحققين (ره): إنه لا يسقط عنه باجماع الامة. وفى صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)، ورفاعة عن أبي عبد الله (ع)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب الاحصار والصد حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاحصار والصد حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 6 من أبواب الاحصار والصد حديث: 2.

 

===============

 

( 382 )

 

أنهما قالا: (القارن يحصر، وقد قال واشترط: فحلني حيث حبستني. قال: يبعث بهديه. قلنا: هل يتمتع في قابل؟ قال لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه) (* 1). اللهم إلا أن يكون مورده واقعة أخرى غير مورد صحيح معاوية، للاختلاف الواقع بن مضمونيهما، كما هو ظاهر. فالعمدة الاشكال الاول. مضافا إلى أن ظاهره أنه (ع) نحر البدنة في مكانه - وهي سقيا بني غفار - لا أنه أرسله إلى مكة وانتظر وصول الهدي إلى مكه، وبينه وبينها مسافة أربعة أيام أو أكثر، فانه أحد المنازل بين المدينة إلى مكه فمنه إلى الابواء، ومنه إلى الجحفه، ومنه إلى قديد، ومنه إلى عسفان، ومنه إلى بطن مر، ومنه إلى مكة. فان ذلك بعيد جدا عن سوق الرواية، لو لم يكن مقطوعا بخلافه، كما اعترف في الجواهر. فلو كانت الرواية فيما نحن فيه تعين البناء على تعجيل الاحلال بتعجيل نحر الهدي والاحلال بعده، لا التعجيل بالمعنى الذي ذكروه، فانه خلاف ظاهر الرواية جدا. لكن عرفت الاشكال في كون الرواية فيما نحن فيه. وعليه لا مانع من الاخذ بظاهر الصحيحين السابقين في سقوط الهدي، لسكوتهما عنه (* 2). بل ظهور الشرط في ذلك، فان مضمونه فسخ الاحرام وجعله كأن لم يكن، فلا يكون مقتضى للهدي كي يجب. ومنه يشكل ما في الجواهر، من أنه قد يقال: بأن المراد بالشرط

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من أبواب الاحصار والصد حديث: 1. (* 2) المراد بالصحيحين: هما صحيح ذريح المحاربي، وصحيح محمد بن أبي نصر، المتقدمين قريبا لاحظ الوسائل باب: 24 من ابواب الاحرام حديث: 3، باب: 1 من أبواب الاحصار والصد حديث: 4.

 

===============

 

( 383 )

 

[ وقيل: سقوط الحج من قابل (1). ] التحلل من احرامه بمحلله الشرعي، لا أنه يثبت به تحليل خاص لا يحتاج معه إلى الهدي ولا غيره. انتهى. كيف وهو خلاف ظاهر الشرط؟ وخلاف قوله (ع): (إن الله أحق من وفى بما اشترط عليه) (* 1)؟ وحمله على التعجيل بالمعنى المذكور بعيد جدا. وإن شئت قلت: ظاهر الآية الشريفة: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله...) (* 2) انحصار المحلل بالهدي ووجوب الانتظار، فان كانت فائدة الشرط التعجيل كان التصرف في إطلاقها من حيث وجوب الانتظار، وان كانت فائدة الشرط التحلل كان التصرف في اطلاقها من حيث لزوم الهدي. والتصرف الاول ليس أولى من الثاني، فيسقط الاطلاق من الجهتين، ومقتضى أصل البراءة عدم وجوب الهدي. (1) حكي ذلك عن الشيخ (ره) في التهذيب. واستدل عليه بصحيح ضريس بن أعين قال: (سألت أبا جعفر (ع) عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج، فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر. فقال (ع): يقيم على إحرامه، ويقطع التلبية حين يدخل مكة، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق رأسه، وينصرف إلى أهله إن شاء. وقال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه. فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل) (* 3). وأشكل عليه: بأن الحج الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في العام القابل بمجرد الاشتراط. وفى الجواهر: (بلا خلاف أجده

 

 

____________

(* 1) هذا بعض ما جاء في صحيح ذريح المحاربي، المتقدم ذكره قريبا. (* 2): البقرة: 196. (* 3) الوسائل باب: 27 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 2.

 

===============

 

( 384 )

 

[ وقيل: إن فائدته إدراك الثواب (1)، فهو مستحب تعبدي وهذا هو الاظهر. ويدل عليه قوله (ع) في بعض الاخبار (2): ] فيه، كما اعترف به في محكي المنتهى). وإن لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط، والظاهر أنه لا خلاف فيه أيضا. وعليه فالصحيح غير معمول به، ولا معمول عليه. على أن مورده خاص بالمتمتع الذي لم يدرك الموقفين فلا وجه للتعدي منه إلى ما نحن فيه. (1) نسبه في المدارك إلى الشهيد الثاني في جملة من مصنفاته. قال في المسالك - بعد ذكر الاقوال في فائدة الشرط -: (وكل واحد من هذه الفوائد لا يأتي على جميع الافراد التي يستحب فيها الاشتراط. أما سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق، إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط. وأما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصور دون المصدود - فانه يجوز له التعجيل من غير شرط اتفاقا، كما تقدم في كلامه -. وأما كلام التهذيب فمخصوص بالمتمتع. وظاهر أن ثبوت التحلل بالاصل، والعارض لا مدخل له في شئ من الاحكام. واستحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحاج. ومن الجائز كونه - تعبدا، أو ادعاء - مأمور به يترتب على فعله الثواب). وفى الجواهر: (ربما كان ذلك ظاهر المبسوط والخلاف والمهذب). (2) يشير بذلك إلى مصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع): (هو حل إذا حبسه، اشترط أو لم يشترط) (* 1)، وخبر حمزة بن حمران قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الذي يقول: حلني حيث حبستني. قال (ع): هو حل حيث حبسه، قال أو لم يقل) (* 2). ورواه الصدوق باسناده عن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 25 من أبواب الاحرام حديث: 2.

 

===============

 

( 385 )

 

حمران بن اعين (* 1). لكن الروايتين لا تنافيان ما سبق، لجواز الفرق من جهة زائدة على أصل الحل، فالتمسك بهما لنفي الفرق أصلا غير ظاهر في مقابل ما عرفت من النصوص. مضافا إلى أن الضمير في قوله (ع): (هو حل...) لا يعرف مرجعه، فالتمسك به في جميع الصور غير ظاهر. وأما ما أشار إليه في المسالك، من أن استحباب الشرط عام والفائدة غير عامة، فلا بد أن يكون الشرط لغير تلك الفوائد المذكورة. ففيه أيضا: أنه وإن كان صحيحا في الجملة، لكنه لا يصلح لنفي الفائدة بالمرة بعد دلالة النصوص عليها. ووجوب الهدي للسائق لا يدل على عدم الفائدة للشرط فيه، لا مكان أن يكون الوجوب من جهة تعين الهدي للذبح أو النحر، لا لعدم التحلل بالشرط، بل يتحلل قبل ذبح الهدي. فلا تختص الفائدة - على القول الاول - بمورد دون مورد. وهذا مما يعضد أدلة القول الاول. ومثله في الاشكال ما عن فخر المحققين، من أن الفائدة: هي أن التحليل بالشرط أصلي، وبغيره عرضي من جهة العذر. وفيه: أن ذلك يتوقف على أن طروء المانع مع عدم الشرط موجب للتحلل فعلا من دون حاجة إلى الهدي، وهو غير ظاهر. بل خلاف ظاهر الآية الشريفة الواردة في المحصور، المتضمنة الانتظار في التحلل أن يبلغ الهدي محله (* 2). فمع الشرط يجوز التحلل فورا، فتكون فائدته تحليل ما لم يحل لولاه. نعم عرفت الاتفاق على التحلل فورا في المصدود، فتكون فائدة الشرط سقوط الهدي، لان الشرط يوجب انفساخ الاحرام وفرضه بمنزلة عدمه، فلا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من ابواب الاحرام حديث: 4. (* 2) المراد بالآية: قوله تعالى: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) - البقرة: 196 -.

 

===============

 

( 386 )

 

[ " هو حل حيث حبسه، اشتراط أو لم يشترط ". والظاهر عدم كفاية النية في حصول الاشتراط. بل لا بد من التلفظ (1). لكن يكفي كلما أفاد هذا المعنى، فلا يعتبر فيه لفظ مخصوص (2) وان كان الاولى التعيين مما في الاخبار. الثاني: من واجبات الاحرام: التلبيات الاربع (3). ] موجب للهدي. بخلاف ما لو لم يشترط، فان تحلله يكون بالهدي في مكانه. والمتحصل. أن حكم المحصور عدم التحلل إلا بعد وصول الهدي إلى محله إذا لم يكن قد اشترط. فان كان قد اشترط كان حكمه انفساخ الاحرام، فيتحلل بلا هدي. وحكم المصدود - إذا لم يشترط -: أن يتحلل بذبح الهدي أو نحره من مكان الصد، فإذا اشترط كان حكمه انفساخ الاحرام بمجرد الصد، ولا حاجة إلى الهدي. فهذا هو الفرق بين الشرط وعدمه، لا ما ذكره (قدس سره). (1) الظاهر أن المراد من النية: الالتزام النفساني بمضمون الشرط فلا يترتب عليه الاثر - لانصراف الادلة عنه - ما لم يكن معه إنشاء لفظي كما هو الحكم في الانشائيات العرفية، فان الالتزامات النفسانية ما لم يكن لها مظهر - من قول أو فعل - ليست موضوعا للتأثير، ولا يترتب عليها الاثر. وأما النية بمعنى: نية الاشتراط فلا تحتمل إرادتها في كلام المصنف ولا موضوعيتها لاثر شرعى. (2) كما يقتضي ذلك إطلاق الادلة، مثل ما تقدم في صحيح ذريح (* 1) (3) الوجوب - في الجملة - من القطعيات، المدعى عليها الاجماع.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من أبواب الاحرام حديث: 3. وقد تقدم ذلك في صفحة: 379.

 

===============

 

( 387 )

 

[ والقول بوجوب الخمس (1)، أو الست (2) ضعيف. بل ادعى جماعة الاجماع على عدم وجوب الازيد من الاربع. واختلفوا في صورتها على أقوال: أحدها: أن يقول: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك " (3). ] وفى الجواهر: (الاجماع بقسميه عليه). نعم يقع الكلام تارة: في وجوبها تكليفا، وأخرى: في وجوبها وضعا، بمعنى: عدم انعقاد الاحرام إلا بها. وسيأتي الكلام في ذلك في المسألة الخامسة عشرة. (1) قال في محكي الاقتصاد: (يلبي فرضا واجبا فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك بحجة أو عمرة أو بحجة مفردة تمامها عليك، لبيك. وإن أضاف إلى ذلك الفاظا مروية من التلبيات كان أفضل). قال في كشف اللثام - بعد نقل ذلك -: (ولم يقل به أحد، وفى التذكره: الاجماع على العدم، وفى المنتهى: إجماع أهل العلم عليه...). (2) حكي عن المهذب البارع: حكايته عن بعض. وفى الجواهر: (لم نتحققه...). (3) كما في الشرائع، وعن النافع، وعن جملة من نسخ المقنعة، وعن التحرير والمنتهى، واختاره السيد في المدارك وكاشف اللثام وغيرهم. ويشهد له صحيح معاوية بن عمار - الآتي عن أبي عبد الله (ع) (* 1) فانه - بعد ما ذكر ما في المتن إلى قوله (ع): (يا كريم لبيك) - قال:

 

 

____________

(* 1) يأتي ذلك في الامر الرابع من واجبات الاحرام.

 

===============

 

( 388 )

 

[ الثاني: أن يقول - بعد العبارة المذكورة -: " إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " (1) الثالث: أن يقول: " لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك " (2). ] (تقول ذلك في دبر كل صلاة... (إلى أن قال) (ع): واعلم أنه لا بد من التلبيات الاربع التي كن في أول الكلام، وهي الفريضة، وهي التوحيد، وبها لبى المرسلون...) (* 1). والظاهر من التلبيات الاربع - التي كن أول الكلام - ما يتم بلفظ (لبيك) الرابع. (1) حكي ذلك عن الفقيه، والمقنع، والهداية، والامالي، والمراسم لما في صحيح عاصم بن حميد قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انتهى إلى البيداء - حيث الميل - قربت له ناقة فركبها فلما انبعثت به لبى بالاربع، فقال: لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك. ثم قال: هاهنا يخسف بالاخابث. ثم قال: إن الناس زادوا بعد، وهو حسن) (* 2) وخبر شرائع الدين، الذي رواه الصدوق في الخصال عن الاعمش، عن الصادق (ع) (وفرائض الحج: الاحرام، والتلبيات الاربع، وهي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) (* 3) (2) كما عن جمل السيد، وشرحه، والمبسوط، والسرائر، والكافي والغنية، والوسيلة، والمهذب.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 36 من أبواب الاحرام حديث: 6. (* 3) الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 29.

 

===============

 

( 389 )

 

[ الرابع: كالثالث، إلا أنه يقول: " إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك، لبيك " (1) بتقديم لفظ: والملك على لفظ: لك. والاقوى هو القول الاول - كما هو صريح (2) صحيحة معاوية بن عمار (* 1) - والزوائد مستحبة. والاولى التكرار، بالاتيان بكل من الصور المذكورة. بل يستحب ] (1) اختاره في القواعد، وحكي عن جامع ابن سعيد. الخامس: ما عن النهاية والاصباح، من ذكر: (لك) قبل: (الملك) وبعده جميعا (2) الصراحة غير ظاهرة، لاحتمال أن يكون المراد من التلبيات الاربع: ما قبل الخامسة، بأن تكون التلبيات الاربع من قبيل العلم لذلك كما أن ما بينها داخل في مفهومها. نعم دعوى الظهور في محلها. لكن الجمع بينه وبين صحيح عاصم بن حميد يقتضي الحمل على ذلك. اللهم إلا أن يقال: المذكور في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع): (قال إذا أحرمت من مسجد الشجرة، فان كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك بحجة تمامها عليك. وأجهر بها...) (* 2)، فان خلوه من الزيادة المذكورة دليل على عدم لزومها. وحينئذ يتعين حمل ما في صحيح عاصم على الاستحباب، وتكون حكاية الامام (ع) ذلك من باب حكاية ما هو أفضل وأرجح. وأما القول الثالث والرابع والخامس فلم يعرف لها شاهد.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 2. وقد تقدم ذكر الرواية في الصورة الاولى من صور التلبية. (* 2) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 4.

 

===============

 

( 390 )

 

[ أن يقول - كما في صحيحة معاوية بن عمار -: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعيا إلى دار السلام، لبيك غفار الذنوب لبيك، لبيك أهل التلبية لبيك، لبيك ذا الجلال والاكرام، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك، لبيك تبدأ والمعاد اليك، لبيك كشاف الكروب العظام لبيك، لبيك عبدك ابن عبديك لبيك، لبيك يا كريم لبيك ". ] وفى الجواهر: (وأما القول الثالث - على كثرة القائل به، بل في الدروس: إنه أتم الصور، وإن كان الاول مجزيا، والاضافة إليه أحسن - فلم أظفر له بخبر - كما اعترف به غير واحد - لا من الصحيح، ولا من غيره، في الكتب الاربعة ولا في غيرها، لا بتقدم. (لك) على (الملك). ولا تأخيره، ولا ذكر مرتين قبله وبعده...) ونحوه ما في المدارك وكشف اللثام وغيرهما. نعم ورد في بعض الروايات صور أخرى مثل ما في خبر يوسف بن محمد بن زياد وعلى بن محمد بن يسار، عن أبويهما عن الحسن العسكري (ع)، عن آبائه (ع)، عن أمير المؤمنين (ع)، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله.. (إلى أن قال): فنادى ربنا عزوجل: يا أمة محمد، فأجابوا كلهم، وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: لبيك اللهم، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك) (* 1). ونحوه مرسل الصدوق عن أمير المؤمنين (ع) قال: (جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: إن التلبية شعار المحرم،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 5.

 

===============

 

( 391 )

 

[ (مسألة 14): اللازم الاتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربية (1). فلا يجزئ الملحون مع التمكن من الصحيح، بالتلقين، أو التصحيح. ومع عدم تمكنه فالاحوط الجمع بينه وبين الاستنابة (2). ] فارفع صوتك بالتلبية: لبيك اللهم لبيك...) (* 1) إلى آخر ما في الخبر. ومثل ما في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): (قال: لما لبى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لبيك الله لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك ذا المعارج. وكان صلى الله عليه وآله يكثر من ذي المعارج...) (* 2). ومتن هذا الصحيح كمتن صحيح معاوية المتقدم (* 3)، غير أنه خال عن الجملة الاخيرة التي بها قوام الاستدلال للقول الاول. (1) قال في التذكرة ومحكي المنتهى: (لا تجوز التلبية إلا بالعربية مع القدرة، خلافا لابي حنيفة). وظاهره أنه لا خلاف فيه منا. لانه المفهوم من الادلة، والملحون - مادة أو هيئة - خارج عنه. (2) فان مقتضى قاعدة الميسور الاجتزاء بالملحون. ومقتضى خبر زرارة: (إن رجلا قدم حاجا لا يحسن أن يلبي، فاستفتي له أبو عبد الله (ع) فأمر له أن يلبي عنه) (* 4) لزوم الاستنابة عنه. لكن القاعدة لا تعارض الخبر. ودعوى: أنه حكاية حال كما ترى، فانه حكاية قول في مورد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 37 من أبواب الاحرام حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 15. (* 3) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 2. وقد تقدم ذلك في الصورة الاولى من صور التلبية. (* 4) الوسائل باب: 39 من أبواب الاحرام حديث: 2.

 

===============

 

( 392 )

 

[ وكذا لا تجزئ الترجمة مع التمكن (1)، ومع عدمه فالاحوط الجمع بينهما وبين الاستنابة (2). والاخرس يشير إليها باصبعه مع تحريك لسانه (3). والاولى أن يجمع بينها وبين الاستنابة ] الجواب عن السؤال، كغيره من الاخبار الواردة هذا المورد. نعم هو غير ثابت الصحة، والاعتماد عليه غير ظاهر. والقاعدة وان لم تكن عليها حجة لكنها معتضدة برواية الاخرس، بضميمة الاولوية. (1) لانها غير المأمور به. (2) لما عرفت، من قاعدة الميسور، وخبر زرارة. (3) كما صرح بذلك أكثر الاصحاب. ويقتضيه خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) (إن عليا (ع) قال: تلبية الاخرس، وتشهده، وقراءته القرآن في الصلاة: تحريك لسانه، وإشارته باصبعه) (* 1). وفى الشرائع قال: (مع عقد قلبه بها...). ولم يذكره الاكثر، ولا ذكر في الخبر ولعله لا ستفادته من الامر بالاشارة بالاصبع، لانها لا تحقق إلا بذلك. ومن الامر بتحريك لسانه، إذ المراد منه تحريكه بعنوان الحكاية عما يحكيه لفظ التلبية لا مجرد التحريك. وظاهر المحكي عن أبي على لزوم الجمع. قال: (يجزيه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه). ثم قال: ويلبي عن الصبي، والاخرس، وعن المغمى عليه...). ولعل مراده من الاخرس - في كلامه الاخير - الابكم الذي لا يعرفها، ولا تمكنه الاشارة، ولا عقد قلبه إياها. إلا فهو خلاف ظاهر خبر السكوني، المعول عليه عندهم هنا وفى الصلاة. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 39 من أبواب الاحرام حديث: 1.

 

===============

 

( 393 )

 

[ ويلبى عن الصبي غير المميز، وعن المغمى عليه (1). وفي قوله: " إن الحمد... " يصح أن يقرأ بكسر الهمزة، وفتحها (2). والاولى الاول. و (لبيك) مصدر منصوب بفعل مقدر (3)، أي: ألب لك البابا بعد إلباب. أو لبا ] (1) بلا إشكال ظاهر في الاول. ويقتضيه فيهما خبر زرارة المتقدم لكن عرفت الاشكال في صحة الاعتماد عليه. مع أن عمومه لهما محل تأمل أو منع. ويقتضيه في الصبي صحيح زرارة عن أحدهما (ع) قال: (إذا حج الرجل بابنه وهو صغير، فانه يأمره أن يلبي ويفرض الحج. فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه...) (* 1). وقريب منه غيره. وقد تقدم - في المسألة الخامسة من فصل أحكام المواقيت - ما هو مناف لما هنا في الاول. فراجع. (2) قال في المدارك: (فائدة: يجوز كسر الهمزة في: (إن الحمد) وفتحها. وحكى العلامة في المنتهى، عن بعض أهل العربية أنه قال: من قال: (أن) - بفتحها - فقد خص، ومن قال بالكسر فقد عم: وهو واضح، لان الكسر يقتضي تعميم التلبية وانشاء الحمد مطلقا والفتح يقتضي تخصيص التلبية، أي: لبيك بسبب أن الحمد لك). ونحوه كلام غيره، ممن تقدم عليه، أو تأخر عنه. (3) قال سيبويه: (انتصب (لبيك) على الفعل، كما انتصب سبحان الله). وفى الصحاح: (نصب على المصدر، كقولك: (حمدا لله وشكرا) وكان حقه أن يقال: لبا لك...).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

 

===============

 

( 394 )

 

[ بعد لب، أي: إقامة بعد إقامة، من لب بالمكان - أو الب - أي: أنام. والاولى كونه من لب (2). وعلى هذا، فأصله (لبين لك)، فحذ اللام، وأضيف إلى الكاف، فحذف النون. وحاصل معناه: إجابتين لك (3). وربما يحتمل أن يكون من (لب)، بمعنى: واجه (4)، يقال، " داري تلب دارك "، أي: تواجهها. فمعناه: مواجهتي وقصدي لك. وأما احتمال كونه من (لب الشئ) أي: خالصه، فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد (5). كما ] (1) حكي بعض عن الخيل، وأنشد: لب بأرض ما تخطاها الغنم قال: ومنه قول طفيل: رددن حصينا من عدي ورهطه * * * وتيم تلبي في العروج وتحلب وعن أبي الهيثم: أن معنى تلبي - في البيت المذكور - تحلب اللباء تشربه (2) لانها أنسب بهيئة الثلاثي. (3) ذكر ذلك جماعة من أهل اللغة، من القدماء والمتأخرين. (4) احتمل ذلك جماعة، كابن الاثير، والجوهري، والفيروز ابادي حكى احتماله عن الخليل وغيره. (5) وان احتمل الجماعة. وكأن وجه البعد: أنه لا يناسب مقام الجواب. أولا يناسب هيئة الكلمة. واحتمل في القاموس وغيره أن المعنى محبتي: لك. مأخوذ من قولهم: (امرأة لبة) أو (أم لبة) بمعنى: محبة. وأنشد له:

 

===============

 

( 395 )

 

[ أن القول بأنه كلمة مفردة، نظير: (على) و (لدى)، فأضيفت إلى الكاف، فقلبت ألفه ياء (1). لا وجه له (2) لان (على) و (لدى) - إذا أضيفا إلى الظاهر - يقال فيهما بالالف، كعلى زيد، ولدى زيد. وليس لبى كذلك، فانه يقال فيه: " لبي زيد " بالياء. (مسالة 15): لا ينعقد إحرام حج التمتع وإحرام عمرته، ولا إحرام حج الافراد، ولا إحرام حج العمرة ] وكنتم كام لبة طعن ابنها * * * * إليها فما ردت عليه بساعد وهو - أيضا - كسابقه في البعد. (1) هذا القول محكي عن يونس. (2) قال الجوهري - بعد ما حكى ذلك عن يونس وأنكره سيبويه - قال: (لو كان مثل (على) و (لدى) ثبتت الياء مع الضمير، وبقيت الالف مع الظاهر. وحكى من كلامهم: (لبى زيد) مع الاضافة إلى الظاهر، فثبوت الياء مع الاضافة إلى الظاهر يدل على أنه ليس مثل (على) و (لدى)...). والانصاف: أن الاحتمالات المذكورة وإن ذكرت في كلام أكثر أهل اللغة والعربية، واقتصر بعضهم على ذكر الاولين منها، وبعضهم على ذكر الثلاثة الاول منها. لكن كلها بعيدة وتخرص في العربية، ولا طريق إلى اثبات بعضها، ولا يخطر منها شئ في بال المتكلم أصلا. والاقرب أن تكون كلمة برأسها، تستعمل في مقام الجواب للمنادي، مثل سائر كلمات الجواب، ولا يختلف حالها في الظاهر والضمير.

 

===============

 

( 396 )

 

[ المفردة إلا بالتلبية (1). وأما في حج القران فيتخير بين ] (1) حكى الاجماع على ذلك في الانتصار وفى الجواهر والغنية والتذكرة والمنتهى وغيرها، بمعنى: أن من لم يلب كان له ارتكاب المحرمات على المحرم ولا كفارة عليه. وقد استفاضت بذلك النصوص. منها: صحيح عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي عبد الله (ع): (في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الاحرام ولم يلب. قال (ع): ليس عليه شئ) (* 1)، وصحيح معاوية ابن عمار عن أبي عبد الله (ع): (قال (ع): لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرى، ويقول الذي يريد أن يقوله ولا يلبي، ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره، فليس عليه فيه شئ) (* 2)، وما وراء الصدوق باسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) (فيمن عقد الاحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبي. قال (ع): ليس عليه شئ) (* 3)، ومصحح حريز عن أبي عبد الله (ع): (في الرجل إذا تهيأ للاحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب) (* 4). ونحوها غيرها مما هو كثير. كما لا فرق بين عمرة التمتع والعمرة المفردة، ولا في الحج بين حج التمتع والقران والافراد. وأما ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد قال: (سمعت أبي يقول، في رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للاحرام ثم يواقع أهله قبل أن يهل بالاحرام.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب الاحرام حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 14 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 14 من أبواب الاحرام حديث: 13. (* 4) الوسائل باب: 14 من أبواب الاحرام حديث: 8.

 

===============

 

( 397 )

 

[ التلبية وبين الاشعار أو التقليد (1). والاشعار مختص بالبدن ] قال: عليه دم) (* 1). فلا مجال للعمل به في مقابل تلك النصوص والاجماعات ولا سيما أن مقتضى الجمع بينها وبينه الحمل على الاستحباب. كما عن الشيخ (ره). على أنه غير معلوم الاسناد إلى المعصوم. (1) على المشهور، كما في المدارك والجواهر وغيرهما. للنصوص. منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (قال (ع): يوجب الاحرام ثلاثة أشياء: التلبية، والاشعار، والتقليد، بمنزلة التلبية) (* 3) وصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع): (قال (ع): من أشعر بدنه فقد أحرم، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير) (* 4) ونحوها غيرها. وعن السيد وابن إدريس عدم انعقاد الاحرام مطلقا إلا بالتلبية، لان انعقاد الاحرام بالتلبية مجمع عليه، ولا دليل على انعقاده بهما. وفيه: أن النصوص الصحيحة الصريحة المعول عليها دليل عليه. ومثله في الاشكال ما عن الشيخ وابني حمزة والبراج، من اشتراط الانعاقد بغيرها بالعجز عنها إذ فيه: أنه جمع بلا شاهد. والجمع العرفي يقتضي ما ذكره المشهور. ولاسيما بملاحظة صحيح معاوية الثاني، فانه بمنزلة الحاكم المعلوم تقدمه على المحكوم.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب الاحرام حديث: 14. (* 2) الوسائل باب: 12 من ابواب أقسام الحج حديث: 20. (* 3) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 11. (* 4) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 21.

 

===============

 

( 398 )

 

[ والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي (1). والاولى في البدن الجمع بين الاشعار والتقليد (2). فينعقد ] (1) الظاهر انه لا إشكال فيه. وقد صرح به غير واحد، مرسلا له إرسال المسلمات، منهم العلامة في التذكرة والقواعد. قال في القواعد: ويتخير القارن في عقد احرامه بها، أو بالاشعار المختص بالبدن، أو التقليد المشترك بينها). ونحوه كلام غيره. وفى الحدائق: أنه ذكره الاصحاب وأن الظاهر أنه متفق عليه بينهم، لا أعلم فيه مخالفا. انتهى. ولكن دليله غير ظاهر. نعم كل ما ورد كيفية الاشعار لم يذكر فيه الا البدن، والتقليد ورد في جميعها. وعلل اختصاص الاشعار: بضعف البقر والغنم عن الاشعار. واستدل على الاشتراك في الثاني، بصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): (قال: كان الناس يقلدون الغنم والبقر، وإنما تركه الناس حديثا، ويقلدون بخيط أو سير) (* 1). وضعف ذلك ظاهر. (2) في حسن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (البدن تشعر من الجانب الايمن، ويقوم الرجل من الجانب الايسر، ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيه) (* 2). وفى رواية السكوني عن أبي جعفر (ع): (أنه سئل ما بال البدنة تقلد بالنعل وتشعر؟ قال: أما النعل فتعرف أنها بدنة، ويعرفها صاحبها بنعله. وأما الاشعار فانه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها، فلا يستطيع الشيطان أن يمسها) (* 3) ونحوه غيره.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 22.

 

===============

 

( 399 )

 

[ إحرام حج القران بأحد هذه الثلاثة، ولكن الاحوط - مع اختيار الاشعار والتقليد - ضم التلبية أيضا (1). نعم الظاهر وجوب التلبية على القارن (2)، ] (1) خروجا عن شبهة خلاف السيد وغيره ممن تقدم. (2) قال في الشرائع: (والقارن بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها - يعني: بالتلبية - وإن شاء قلد أو أشعر، على الاظهر. وبأيهما بدأ كان الآخر مستحبا). وفى القواعد: (ولو جمع بين التلبية وأحدهما كان الثاني مستحبا). وظاهر المسالك: المفروغية عن الاستحباب. وفى المدارك: أنه لم يقف على دليل يتضمن ذلك صريحا. ولعل اطلاق الامر بكل من الثلاثة كاف في ذلك.... وفى كشف اللثام، في شرح عبارة القواعد المذكورة - بعد نسبة مضمونها إلى الشرائع - قال: (والاقوى الوجوب. لاطلاق الاوامر، والتأسي. وهو ظاهر من قبلهما - يعني: قبل الفاضلين -.....) إلى آخر كلامه في تقريب نسبة الوجوب إلى من قبل الفاضلين، ونقل عباراتهم الظاهرة في وجوب التلبية في حج القران حتى مع الاشعار والتقليد. وفى الجواهر - في مباحث فصل أنواع الحج - قال: (إنما الكلام في المستفاد من عبارة القواعد، من استحباب التلبية بعد عقد الاحرام والاشعار والتقليد. ولعل وجهه الاحتياط، وإطلاق الاوامر بها في عقده، ونحو ذلك مما يكفي في مثله. وأما احتمال الوجوب تعبدا وإن انعقد الاحرام بغيرها - كما هو مقتضى ما سمعته من كشف اللثام. بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار والتقليد بعدها أيضا - فهو في غاية البعد. خصوصا الاخير. فتأمل جيدا). لكن في هذا المبحث حمل عبارة الشرائع والقواعد على أن المراد

 

===============

 

( 400 )

 

استحاب الثاني من حيث عقد الاحرام الذي لا ينافي الوجوب تعبدا. وذكر أنه يمكن استفادته من إطلاق الامر بالتلبية (* 1). وما في موثق يونس من الامر بالتلبية بعد الاشعار (* 2)، وما في حسن معاوية المتقدم من الامر بالتقليد بعد الاشعار (* 3)، وما في رواية السكوني المتقدمه من الامر بالتقليد مع الاشعار (* 4)، وما في رواية الفضيل بن يسار، من الامر بالجمع بين التقليد والاشعار، فانه (ع) قال: (ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم، ثم يشعرها، ويقلدها) (* 5). أقول: أما الروايات الثلاث الاخيرة فاللازم حملها على الاستحباب. ضرورة عدم وجوب الجمع بين الاشعار والتقليد، لا على الترتيب ولا مطلقا. ولذلك ذكرها في الحدائق دليلا على الاستحباب الذي ذكر في الشرائع والقواعد، معارضة منه لصاحبه المدارك، فيما ذكره من عدم وقوفه على دليل صريح في الاستحباب. وأما موثق يونس: (قلت لابي عبد الله (ع): إني قد اشتريت بدنة، فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة، فأفض عليك من الماء، والبس ثوبيك. ثم أنخها مستقبل القبلة، ثم ادخل المسجد فصل، ثم أفرض بعد صلاتك، ثم أخرج إليها فأشعرها من الجانب الايمن من سنامها، ثم قل: بسم الله اللهم منك ولك، اللهم فتقبل مني. ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبه) (* 6).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 29. (* 2) الوسائل باب: 12 من ابواب أقسام الحج حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 22. (* 5) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 13. (* 6) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 401 )

 

فمن المعلوم أن جهة السؤال فيه عما يصنع بالبدنة غير معلومة، من حيث الوجوب، أو الاستحباب، أو هما. وأيضا فان أكثر المذكورات آداب وأيضا فالامر إنما كان بالتلبية في البيداء، وسيأتي أن في كونها مستحبة حينئذ أو واحبة إشكالا. وبالجملة: استفادة وجوب التلبية من الامر المذكور غير ظاهرة. ولاسيما بملاحظة ما تقدم في صحيحة معاوية الثانية، الدال على أن الاشعار والتقليد بمنزلة التلبية (* 1)، فان مقتضاه الاجتزاء بأحدهما عنها من حيث الوضع والتكليف، فتكون حاكمة على أدلة الوجوب لو كانت. وأما كلمات الجماعة من القدماء، فأما السيد وابن ادريس وابن حمزة وابن البراج والسيخ فحالهم معلوم - كما اعترف به في كشف اللثام - لما عرفت من بنائهم على عدم انعقاد الاحرام إلا بها اختيارا مطلقا. وأما ما حكاه عن القواعد والمراسم، مما يدل على وجوب التلبية حتى مع الاشعار والتقليد فغير ظاهر في ذلك. فلاحظ عبارتهما. ولاسيما مع اشتمالها على المندوبات واحتمال أن يكون مذهبهم فيها مذهب الشيخ وابني حمزة والبراج. وكيف كان، فالعمدة في دعوى الوجوب الدليل، وهو غير ظاهر. هذا بالنسبة إلى التلبية، وأما الاشعار والتقليد بعد التلبية، فقد حكي في كشف اللثام. الاتفاق على عدم وجوبهما. للاصل، وصحيح معاوية ابن عمار عن الصادق (ع): (في رجل ساق هديا، ولم يقلده، ولم يشعره. قال (ع): قد أجزأ عنه. ما أكثر ما لا يقلد ولا يشعر ولا يحلل) (* 2). فلا مجال لاحتمال قوله بالوجوب، كما قد تشعر به عبارته السابقة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 10.

 

===============

 

( 402 )

 

[ وإن لم يتوقف انعقاد احرامه عليها، فهي واجبة عليه في نفسها. ويستحب الجمع بين التلبية وأحد الامرين، وبأيهما بدأ كان واجبا وكان الآخر مستحبا. ثم إن الاشعار عبارة عن شق السنام الايمن (1)، بأن يقوم الرجل من الجانب الايسر من الهدي، ويشق سنامه من الجانب الايمن، ويلطخ صفحته بدمه (2). والتقليد: أن يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى فيه (3). ] (1) كما في موثق يونس ومصحح معاوية بن عمار المتقدمين (* 1). وفى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله وزرارة: (سألنا أبا عبد الله (ع): عن البدن كيف تشعر؟... (إلى أن قال (ع) في الجواب): وتشعر من الجانب الايمن) (* 2). (2) كذا ذكره الاصحاب. لكن في الحدائق: إن الاخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ... وهو كما ذكر. وفى التذكرة علله: بأنه يعرف به أنه صدقة. وفى رواية السكوني المتقدمة ما ربما ينافيه (3). كما تقدم في صحيح معاوية (* 4) وعن ابن زهرة: يعلق عليه نعلا أو مزادة. وفى التذكرة: (والتقليد: أن يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلى فيه، أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيرا أو ما أشبههما ليعلم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 2، 4. وقد تقدم الاول في التعليقة السابقة، والثاني قبل ذلك قريبا. (* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 6. (* 3) الوسائل باب: 12 من ابواب أقسام الحج حديث: 22. (* 4) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 11.

 

===============

 

( 403 )

 

[ (مسألة 16): لا تجب مقارنة التلبية لنية الاحرام، وإن كان أحوط. فيجوز أن يؤخرها عن النية ولبس الثوبين على الاقوى (1). ] أنه صدقة). ونحوه عن المنتهى. ولعله لصحيح زرارة المتقدم (* 1). لكن دلالته غير ظاهرة، لان فعل الناس لا يدل على المشروعية. ثم إنه قد ذكر الاصحاب (قدهم) أنه إذا كان القارن قد ساق أكثر من بدنة وقف بينهما، وأشعر ما على يمينه من الجانب الايمن، وما على يساره من الجانب الايسر. ففي صحيح حريز: (إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها، دخل الرجل بين بدنتين، فيشعر هذه من الشق الايمن، وهذه من الشق الايسر) (* 2). وفى صحيح جميل: (إذا كانت البدن كثيرة قام فيما بين اثنين، ثم أشعر اليمنى، ثم اليسرى) (* 3). (1) كما لعله المشهور، والمنسوب في الجواهر إلى ظاهر المعظم، بل الجميع إلا من جماعة. وفى المدارك وغيرها: نسبته إلى كثير، أو الاكثر أو المشهور. وفى اللمعة: اعتبار المقارنة بينهما، وحكي عن ابن ادريس وابني حمزة وسعيد عن التنقيح. وظاهر ذلك عدم الاعتبار بهما مع الفصل فلو نوى الاحرام ثم لبى لم يصح. ويحتمل أن يكون المراد من المقارنة الانضمام، فلو نوى الاحرام لم يصح احرامه حتى يلبي، فإذا لبى بعد ذلك صح احرامه. وهذا المعنى وان كان بعيدا عن معنى المقارنة، غير بعيد عن عبارات من نسب إليهم اعتبار المقارنة فان المحكي عن ابن ادريس: أنها - يعني:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 19. (* 3) الوسائل باب: 12 من ابواب أقسام الحج حديث: 7.

 

===============

 

( 404 )

 

التلبية - كتكبيرة الصلاة. وعن ابن حمزة: أنه إذا نوى ولم يلب، أو لبى ولم ينو لم يصح احرامه. وعن ابن سعيد: أنه يصير محرما بالنية والتلبية واطلاق العبارات المذكورة يقتضي اعتبار المقارنة بالمعنى الثاني، لا بالمعنى الاول. وكذلك ما استدل به عليها، وهو الاتفاق على أن الاحرام إنما ينعقد بها لغير القارن، ولا معنى للانعقاد إلا التحقق والحصول والنصوص الدالة على عدم لزوم الكفارات إذا حصل الموجب قبل التلبية. فان مفاد الدليلين المذكورين عدم حصول الاحرام قبلها، لا لزوم المقارنة بينها وبين النية. وبالجملة: لا تصح نسبة القول بوجوب المقارنة - بالمعنى الاول - إلا إلى من عبر بالمقارنة، فانها ظاهرة فيه. ودليله أيضا غير ظاهر إلا الاصل - بناء على عدم إطلاق لادلة تشريع الاحرام - فانه مع الشك حينئذ يرجع إلى أصالة عدم ترتب الاثر. أما إذا كان له إطلاق فمقتضى الاطلاق عدم الشرطية. وقد عرفت أن الاحرام من الايقاعات الانشائية الحاصلة بالالتزام بحصولها، فمقتضى الاطلاق المقامي حصوله بمجرد الالتزام النفساني. والدليل الدال على لزوم التلبية في حصول الاحرام - لما لم يدل إلا على اعتبارها في الجملة، فاطلاق دليل التشريع يقتضي نفي اعتبار المقارنة زائدا على اعتبار وجودها. ثم إن ثمرة الخلاف المذكور أنه لو أنشأ الاحرام ولم يلب حينئذ ثم لبى بعد ذلك، لم يصح احرامه بناء على اعتبار المقارنة، ويصح احرامه بناء على عدمه. ولا فرق بين أن تكون النية هي الاخطار أو الداعي. ومنه يظهر لك النظر فيما في الجواهر، من أن الثمرة واضحة، بناء على أن النية الاخطار. أما بناء على الداعي - كما هو التحقيق - فلا ثمرة

 

===============

 

( 405 )

 

[ (مسألة 17): لا تحرم عليه محرمات الاحرام قبل التلبية وإن دخل فيه بالنية ولبس الثوبين، فلو فعل شيئا من المحرمات لا يكون آثما، وليس عليه كفارة (1). وكذا في القارن إذا لم يأت بها، ولا بالاشعار أو التقليد (2). بل يجوز له أن يبطل الاحرام ما لم يأت بها في غير القارن، أو لم يأت بها ولا بأحد الامرين فيه (3). ] غالبا، ضرورة عدم انفكاكه عن التلبية المقصود بها عقد الاحرام. وجه النظر: أن المراد من قصد عقد الاحرام بها إن كان إنشاء الاحرام حين التلبية، فهو حاصل أيضا بناء على الاخطار. وان كان تصور عقد الاحرام فلا يفيد في إنشاء الاحرام حتى بناء على الداعي، لفقد الالتزام الذي يتحقق به الانشاء. (1) الظاهر أنه مما لا إشكال فيه. وتقتضيه النصوص والاجماع، المتقدمان في المسألة الخامسة عشرة. (2) النصوص المتقدمة خالية عن التعرض لذلك. لكن يستفاد من الاجماع على عدم انعقاد احرام القارن إلا بأحد الثلاثة، ومن النصوص المتضمنة أن الاشعار والتقليد بمنزلة التلبية. فقبل واحد منها لا شئ عليه، لاطلاق النصوص المتقدمة، ومع فعل واحد منها يكون عليه الاثم والكفارة، لهذه النصوص المتضمنة للتنزيل. (3) كما نص على ذلك في التهذيب. ويشكل: بأنه - على ما يأتي احتماله، من صيرورته محرما وإن لم يلب - يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الاحرام وان عدل عنه. وإن كان بقاؤه لا اثر له، من إثم أو كفارة،

 

===============

 

( 406 )

 

[ والحاصل: أن الشروع في الاحرام وان كان يتحقق بالنية ولبس الثوبين (1)، إلا أنه لا تحرم عليه المحرمات، ولا يلزم ] لكن لو رجع إلى أهله واتفق وقوع التلبية منه - إما مطلقا، أو بقصد عقد الاحرام - لزمه الاحرام، ولم يحل عنه الا بالمحلل. (1) قد عرفت أن المذكور في كلام الاصحاب، المدعى عليه الاجماع أنه لا ينعقد الاحرام الا بالتلبية لغير القارن، ولا ينعقد إحرام القارن إلا بالتلبية أو الاشعار أو التقليد، وأن مقتضى ذلك عدم حصول الاحرام إلا بذلك. لكن المذكور في كشف اللثام وغيره: أنه يصح الاحرام، ويكون المكلف محرما بالنية لا غير. وفسر معقد إجماع الاصحاب، من أنه لا ينعقد الاحرام الا بالتلبية: بأنه ما لم يلب يجوز له ارتكاب محرامات الاحرام ولا كفارة عليه، لا أنه لا يكون محرما الا بالتلبية. وبذلك - أيضا - فسره في الجواهر. وقد يظهر ذلك من الخلاف والمبسوط والنهاية والمهذب وغيرها. والوجه فيه: عدم الدليل على عدم صحة الاحرام الا بالتلبية. وإنما الذي دلت عليه النصوص - المتقدمة في المسألة الخامسة عشرة -: أنه إذا أحرم ولم يلب جاز له ارتكاب المحرمات ولا كفارة عليه، وهو أعم من عدم الصحة. وحملها على أنها من قبيل نفي الموضوع بلسان نفي الحكم، غير ظاهر، ولا داعي إليه. لكن قال في التهذيب - بعد ذكر الاخبار المتقدمه في عدم انعقاد الاحرام إلا بالتلبيه -: (والمعنى في هذه الاحاديث أن من اغتسل للاحرام وصلى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرما، وإما يكون عاقدا للحج والعمرة، وإنما يدخل في أن

 

===============

 

( 407 )

 

[ البقاء عليه إلا بها، أو بأحد الامرين. فالتلبية وأخواها بمنزلة تكبيرة الاحرام في الصلاة (1). (مسألة 18): إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها (2). وان لم يتمكن أتى بها في مكان التذكر. والظاهر عدم وجوب الكفارة عليه إذا كان آتيا بما يوجبها، لما عرفت من عدم انعقاد الاحرام إلا بها. ] يكون محرما إذا لبى...) ونحوه ظاهر غيره. ولكنه غير ظاهر، كما عرفت. وكأنه لذلك اختاره في المتن. لكن الانصاف أنه خلاف المرتكزات عند المتشرعة، فيكون ذلك قرينة على نفي الموضوع بلسان نفي الحكم. (1) يعني: توجب تحريم المحرمات، لا أنها بها يتحقق الاحرام، وإلا كان منافيا لما سبق. (2) هذا ظاهر - بناء على عدم صحة الاحرام قبل التلبية - إذ يكون نسيان التلبية نسيانا للاحرام، وحكم الناسي الرجوع إلى الميقات إن أمكن أما بناء على ما تقدم منه، من صحة الاحرام قبل التلبية وصيرورة الملكف محرما بمجرد النية، فلا موجب للرجوع إلى الميقات، بل يلبي حيث يذكر. وكأنه لذلك حكي عن الشيخ في النهاية والمبسوط: أنه من ترك الاحرام ناسيا حتى يجوز الميقات كان عليه أن يرجع إليه ويحرم منه إذا تمكن منه والا أحرم من موضعه. وإذا ترك التلبية ناسيا ثم ذكر جدد التلبية، وليس عليه شئ...). فانه كالصريح في الفرق بين نسيان الاحرام من الميقات ونسيان التلبية منه. اللهم إلا أن يقال: كما يجب الاحرام من الميقات تجب التلبية منه.

 

===============

 

( 408 )

 

[ (مسألة 19): الواجب من التلبية مرة واحدة (1). نعم يستحب الاكثار بها وتكريرها ما استطاع (2). خصوصا في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة، وعند صعود شرف أو هبوط واد، وعند المنام (3)، وعند اليقظة، وعند الركوب ] فإذا نسيها في الميقات ثم ذكر وجب تداركها بفعلها في الميقات. لكن دليله غير واضح، إذ غاية ما يستفاد من الادلة وجوب المبادرة إليها، والنسيان عذر في تركها. فتأمل (1) كما صرح في السرائر وغيرها، بل الظاهر أنه إجماع. ويقتضيه إطلاق الادلة. (2) إجماعا كما قيل. وتقتضيه النصوص، ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) - بعد الامر بالتلبية، وذكر كيفيتها -: (تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ونافلة، وحين ينهض بك بعيرك، وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا، أو لقيت راكبا، أو استيقضت من منامك وبالاسحار. وأكثر ما استطعت وأجهر بها... (إلى أن قال): وأكثر من ذي المعارج، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكثر منها) (* 1). وفى صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال: (إذا أحرمت من مسجد الشجرة، فان كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد، تقول: لبيك... (إلى أن قال): وأجهر بها كلما ركبت وكلما نزلت، وكلما هبطت واديا، أو علوت أكمة، أو لقيت راكبا، وبالاسحار) (* 2). (3) كما في الشرائع والقواعد. لكن في كشف اللثام: (لم أر لمن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 3.

 

===============

 

( 409 )

 

[ وعند النزول، وعند ملاقاة راكب، وفي الاسحار. وفي بعض الاخبار (1): " من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا واحتسابا، أشهد الله ألف ألف ملك براءة من النار وبراءة من النفاق ". ويستحب الجهر بها - خصوصا في المواضع المذكورة - للرجال (2)، ] قبل الفاضلين التعرض له)، وفى الجواهر: (لم نجد - فيما وصل الينا من النصوص - التعرض للنوم، كما اعترف به في المدارك). (1) يريد به خبر ابن فضال، عن رجال شتى، عن أبي جعفر (ع) (قال: رسول الله صلى الله عليه وآله...) (* 1) (2) عن السرائر: (الجهر بها مندوب، على الاظهر من قول أصحابنا. وقال بعضهم: الجهر بها واجب). وعن التهذيب: (الاجهار بالتلبية واجب مع القدرة والامكان). وربما مال إليه في الحدائق. للامر به في صحيح معاوية المتقدم (* 2)، وصحيح حريز وغيره عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع): (أنهما قالا: لما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه جبرئيل فقال: مر أصحابك بالعج والثج. فالعج: رفع الصوت، والثج: نحر البدن. قال: فقال جابر: فما مشى الروحاء حتى بحت أصواتنا) (* 3). والامر حقيقة في الوجوب. ولاسيما أوامر الله تعالى. وربما استظهر ذلك من الكليني، حيث قال: (ولا يجوز لاحد أن يجوز البيداء إلا وقد أظهر التلبية). لكن في الخلاف: (إن التلبية

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 41 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 40 من أبواب احرام حديث: 2. وقد تقدم ذلك قريبا. (* 3) الوسائل باب: 37 من أبواب الاحرام ملحق حديث: 1.

 

===============

 

( 410 )

 

[ دون النساء (1). ففي المرسل (2): " إن التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية ". وفي المرفوعة (3): " لما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه جبرائيل، فقال: مر أصحابك بالعج ] فريضة، ورفع الصوت بها سنة. ولم أجد أحدا ذكر كونها فرضا). ثم ذكر رواية خلاد بن السايب، المتضمنة للامر برفع أصواتهم بالتلبية، ثم قال: (وظاهر الامر يقتضي الوجوب. ولو خليناه وظاهره لقلنا إن رفع الصوت أيضا واجب. لكن تركنا بدليل). وكيف كان فالنصوص المذكورة ظاهرة في الحكم الادبي، بقرينة بحة الصوت الذي حكاه جابر، إذ لا قائل بوجوبة. وكذا ذكره في سياق الامور التي لا شبهة في استحبابها. (1) بلا خلاف، كما قيل. للاخبار الكثيرة الدالة على ذلك. منها: مرسلة فضالة، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (ع): (إن الله وضع عن النساء أربعا: الجهر بالتلبية...) (* 1). ونحوه خبر أبي سعيد المكاري. (* 2) وفى مصحح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): (ليس على النساء جهر بالتلبية) (* 3). (2) رواه في الفقيه عن أمير المؤمنين (ع): (قال: جاء جبرئيل (ع) إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له: إن التلبية...) (* 4). (3) رواها في الكافي عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز رفع قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أحرم أتاه جبرئيل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحرام حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 37 من أبواب الاحرام حديث: 3.

 

===============

 

( 411 )

 

[ والثج. فالعج: رفع الصوت بالتلبية. والثج: نحر البدن ". (مسألة 20): ذكر جماعة أن الافضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقا - كما قاله بعضهم - (1) أو في خصوص الراكب، كما قيل (2). ولمن حج على طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلا (3). ولمن حج من مكة تأخيرها إلى الرقطاء (4) - كما قيل - أو إلى أن يشرف على الابطح (5). لكن الظاهر - بعد عدم الاشكال في عدم ] فقال له: مر أصحابك...) إلى آخر ما تقدم، لكن في الحدائق: أنه مسند، كما تقدم (* 1). (1) حكي ذلك عن الشيخ، وبني حمزة والبراج وسعيد: (2) حكي عن الشيخ، وابن سعيد (3) حكي عن المبسوط) والتحرير، والمنتهى، والمسالك. (4) عن هداية الصدوق: استحباب التأخير إلى الرقطاء مطلقا. وعن السرائر والنهاية والجامع والوسيلة والمنتهى والتذكرة: استحباب تلبية المحرم من مكة من موضعه إن كان ماشيا. وإذا نهض به بعيره إن كان راكبا. (5) كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. بل في الجواهر: (صرح به غير واحد من المتقدمين والمتأخرين). وفى حسن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (إذا انتهيت إلى الردم، وأشرفت على الابطح، فارفع صوتك بالتلبية) (* 2).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 37 من أبواب الاحرام ملحق حديث: 1. وقد تقدم ذلك قريبا فلاحظ. (* 2) الوسائل باب: 46 من أبواب الاحرام حديث: 4.

 

===============

 

( 412 )

 

[ وجوب مقارنتها للنية ولبس الثوبين - استحباب التعجيل بها مطلقا، وكون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها (1). ] (1) أقول: الروايات الواردة في الباب لا تخلو من إشكال واختلاف ففي صحيح معاوية بن وهب قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن التهيؤ للاحرام: فقال: في مسجد الشجرة، فقد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد ترى أناسا يحرمون، فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء - حيث الميل - فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول: لبيك اللهم لبيك...) (* 1)، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع): (قال: إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء، حيث يقول الناس: يخسف بالجيش) (* 2)، وصحيح عبد الله بن سنان قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء) (* 3)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (قال: صل المكتوبة، ثم أحرم بالحج أو بالمتعة، وأخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك. فإذا استوت بك الارض - راكبا كنت أو ماشيا - فلب) (* 4). وفى صحيح البزنطي: (سألت أبا الحسن الرضا (ع)، كيف أصنع إذا أردت الاحرام؟ قال: إعقد الاحرام في دبر الفريضة، حتى إذا استوت بك البيداء فلب. قلت: أرأيت إذا كنت محرما من طريق العراق؟ قال: لب إذا استوى بك بعيرك) (* 5)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب الاحرام حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 34 من أبواب الاحرام حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 34 من أبواب الاحرام حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 34 من أبواب الاحرام حديث: 6. (* 5) الوسائل باب: 34 من أبواب الاحرام حديث: 7.

 

===============

 

( 413 )

 

وفى صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع): (قال: إن أحرمت من غمرة ومن بريد البعث صليت، وقلت كما يقول المحرم في دبر صلاتك وإن شئت لبيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبي) (* 1). وفى صحيح الفضلاء، حفص بن البختري، ومعاوية بن عمار، و عبد الرحمن ابن الحجاج، والحلبي، كلهم عن أبي عبد الله (ع): (قال: إذا صليت في مسجد الشجرة فقل - وأنت قاعد - في دبر الصلاة - قبل أن تقوم - ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبه) (* 2). وفى صحيح الفضلاء - أيضا - عن أبي عبد الله (ع): (وإذا أهلت من المسجد الحرام للحج، فان شئت لبيت خلف المقام. وأفضل من ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي، قبل أن تصير إلى الابطح) (* 3). وفى صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع): (قال: إن كنت ماشيا فاجهر باهلالك وتلبيتك من المسجد، وإن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء) (* 4). وفى صحيحه - أيضا - عن أبي عبد الله (ع): (إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صل خلف المقام، ثم أهل بالحج. فان كنت ما شيا فلب عند المقام، وان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك) (* 5). وفى موثق أبي بصير: (ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت) (* 6).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 35 من ابواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحرام حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 46 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 34 من ابواب الاحرام حديث: 1. (* 5) الوسائل باب: 46 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 6) الوسائل باب: 46 من أبواب الاحرام حديث: 3.

 

===============

 

( 414 )

 

وفى خبر زرارة: (قلت لابي جعفر (ع): متى ألبي بالحج؟ فقال: إذا خرجت إلى منى... ثم قال: إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب بالحج) (* 1). وفى خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: (سألته عن الاحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها أن لا يلبي حتى يعلو البيداء؟ قال: لا يلبي حتى يأتي البيداء، عند أول ميل. فأما عند الشجرة فلا تجوز التلبية) (* 2) وفى مصحح اسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) قال: (قلت له: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة، أيلبي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال: إي ذلك شاء صنع) (* 3). ونحوها غيرها. وهي - كما ترى - تختلف مضامينها من حيث المنع من الاحرام في مسجد الشجرة - كما في صحيح معاوية بن وهب - أو المنع من التلبية فيه - كما في خبر ابن جعفر - أو الامر بتأخير التلبية عن الميقات - كما في أكثرها - أو التفصيل في الجهر بالتلبية بين الماشي، فيجهر من المسجد، والراكب فيجهر في البيداء - كما في صحيح عمر بن يزيد - أو التخيير بين المبادرة إلى التلبية في دبر الصلاة وتأخيرها إلى أن ينهض به بغيره، كما في مصحح اسحاق. ونحوه صحيح هشام بن الحكم، فيمن أحرم من غمرة. أقول: أما ما دل على تأخير الاحرام عن مسجد الشجرة فلا مجال للاخذ به. ضرورة وجوب الاحرام من الميقات، وأنه موضع الاحرام لا موضع التهيؤ للاحرام. مع أنه لم يعرف قائل به. ومعارض بالنصوص

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من أبواب الاحرام حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 34 من ابواب الاحرام حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحرام حديث: 4.

 

===============

 

( 415 )

 

الباقية، الظاهر ة في وقوع الاحرام في الميقات. فما في الحدائق من الميل إليه، وما في كشف اللثام من احتماله تأخير نية الاحرام إلى البيداء، ضعيف. وأما ما تضمن الامر بتأخير التلبية، فيعارضه في الماشي صحيح عمر ابن يزيد المتقدم في استحباب الاكثار منها (* 1)، ومطلقا مصحح اسحاق ابن عمار (* 2)، وخبر عبد الله بن سنان: (أنه سأل أبا عبد الله (ع) هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم، إنما لبى رسول الله صلى الله عليه وآله في البيداء، لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية) (* 3). وعليه فلا ينبغي التأمل في جوازها في الميقات. نعم يبقى الاشكال في جواز تأخيرها - بناء على أنها شرط في صحة الاحرام - فتأخيرها تأخير للاحرام عن الميقات، مع أنه لا يجوز تأخيره عن الميقات. ولاجل ذلك يشكل التفصيل بين الراكب فيؤخر التلبية والماشي فيبادر إليها - كما عن الشيخ لصحيح عمر بن يزيد، ويكون شاهد جمع بين النصوص - فان المحذور المذكور لا يفرق فيه بينهما ويلزم الوقوع في المحذور في الراكب. مضافا إلى أن الصحيح ظاهر في التفصيل بالاجهار بالتلبية، لا في أصل التلبية، وأن روايات التأخير قد نص بعضها على عدم الفرق بين الماشي والراكب. وحينئذ يكون التخلص عن المحذور المذكور دائرا بين أمور: الاول: حمل روايات التأخير على تأخير الجهر، إما مطلقا - كما عن الصدوق في الفقيه والهداية، وابن ادريس، والمنتهى والتذكرة، واختاره في المتن -

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 3. (* 2) تقدم ذلك قريبا. قريبا. (* 3) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحرام حديث: 2.

 

===============

 

( 416 )

 

[ فالافضل أن يأتي بها حين النية ولبس الثوبين سرا، ويؤخر الجهر بها إلى المواضع المذكورة. والبيداء: أرض مخصوصة بين مكة والمدينة، على ميل من ذي الحليفة نحو مكة (1). ] أو لخصوص الراكب - كما في الشرائع والقواعد وعن غيرهما - وأما الماشي فيجهر بها في الميقات. الثاني: البناء على صحة الاحرام بلا تلبية، فيكون الاحرام من الميقات لكن بلا تلبية، فلا يلزم المحذور المتقدم. الثالث: حمل روايات تأخير التلبية على التلبية المستحبة والاكثار منها. وهذا هو الاقرب، فان الروايات واردة في التلبية في فرض حصول الاحرام، فلا تعرض فيها للتلبية التي بها قوام الاحرام. وقد عرفت: أن الوجه الثاني خلاف المرتكزات الشرعية. والاول بعيد جدا عن ظاهر النصوص، فانها كالصريحة في أصل التلبية، لا الاجهار بها. وبالجملة: الاقرب - في وجوب التخلص من المحذور - حمل الروايات على استحباب تأخير التلبية المستحبة بعد عقد الاحرام بها، لا التلبية التي بها عقد الاحرام. وأما وجه الجمع بين النصوص - بعد حملها على هذا المعنى -: فالاقرب هو الاخذ باطلاق نصوص التأخير وحملها على كراهة التقديم، جمعا بينها وبين ما دل على جواز التقديم. والبناء على تأكد الكراهة في الراكب - ولا سيما مع الجهر - بشهادة صحيح عمر بن يزيد (* 1). هذا ما يقتضيه التأمل عاجلا. والله سبحانه العالم العاصم الحاكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل. (1) كما عن السرائر، والتحرير، والتذكرة، والمنتهى، وغيرها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب الاحرام حديث: 1 وباب: 46 من أبواب الاحرام حديث: 2. وقد تقدم ذكر الروايتين قريبا. فلاحظ.

 

===============

 

( 417 )

 

[ والابطح مسيل وادي مكة (1)، وهو مسيل واسع فيه دقائق الحصى، أوله عند منقطع الشعب بين وادي منى، وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالعلى عند أهل مكة. والرقطاء: موضع دون الردم، يسمى مدعى (2). ومدعى الاقوام: مجتمع قبائلهم. والردم: حاجز يمنع السيل عن البيت (3)، ويعبر عنه بالمدعى (4). (مسألة 21): المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة (5) في الزمن القديم. وحدها - لمن جاء ] ويشهد به صحيح معاوية المتقدم. (1) هذا إلى قوله (ره): (والرقطاء) ذكره في مجمع البحرين. لكن عن ابن الاثير: تفسيره بمسيل وادي مكة، مقتصرا عليه. وقوله: (هو مسيل واسع فيه دقاق الحصى) ذكره في القاموس تفسيرا للبطيحة والبطحاء والابطح. (2) على وزن سلمى: اسم مكان للدعوة. (3) هذا إلى آخره ذكره في مجمع البحرين. وكأنه لاحظ فيه معناه في أصل اللغة، ومنه قوله تعالى. (أجعل بينكم وبينهم ردما) (* 1). لكن المذكور في القاموس: أنه موضع بمكة يضاف إلى بني جمح، وهو لبني قراد، كغراب. (4) هذا ربما ينافي ما تقدم من تفسير الرقطاء - التي هي دون الردم - بالمدعى. اللهم إلا أن يكون كل من الموضعين يسمى بالمدعى. (5) ذكره الاصحاب، وقيل: إنه اجماع. ويشهد له النصوص.

 

 

____________

(* 1) الكهف: 95.

 

===============

 

( 418 )

 

منها: مصحح معاوية بن عمار قال: (قال أبو عبد الله (ع): إذا دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية. وحد بيوت مكة - التي كانت قبل اليوم -: عقبة المدنين، فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن، فاقطع التلبية. وعليك بالتكبير، والتحميد، والتهليل، والثناء على الله عزوجل ما استطعت) (* 1)، ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): (قال: المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية) (* 2)، وصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع): (أنه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال (ع): إذا نظر إلى عروش مكة، عقبة ذى طوى. قلت: بيوت مكة؟ قال: نعم) (* 3). ونحوها غيرها. نعم في موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع): (سألته أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة، لا بيوت الابطح) (* 4). لكنه مهجور. ونحوه خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع): (سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال: حين يدخل الحرم) (* 5). نعم يبقى الاشكال في الاختلاف فيما بين مصحح معاوية وصحيح البزنطي، فان التحديد في الاول بعقبة المدنيين ينافيه التحديد في الثاني بعقبة ذي طوى - بناء على أن الاولى غير الثانية - كما يظهر من الاصحاب. ولاجل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 43 من ابواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 43 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 43 من أبواب الاحرام حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 43 من أبواب الاحرام حديث: 7. (* 5) الوسائل باب: 43 من أبواب الاحرام حديث: 9.

 

===============

 

( 419 )

 

[ على طريق المدينة -: عقبة المدنيين، وهو مكان معروف. والمعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم (1)، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من ] ذلك جمع بينهما، بحمل الاول على من دخل مكة على طريق المدينة، والثاني على من دخلها على طريق العراق. حكي ذلك عن السيد والشيخ وسلار. وعن الصدوقين: تخصيص الثاني بمن أخذ على طريق المدينة. وفى الروضة والمسالك: تخصيص الاول بمن دخلها من أعلاها، والثاني بمن دخلها من أسفلها. وفى المختلف - بعد نقل الجمعين الاولين - (ولم نقف لاحدهم على دليل). أقول: عقبة المدنيين وعقبة ذي طوى إن اتحد المراد منهما فلا تعارض وإن اختلف فلا بد أن يكون ذلك لاختلاف الجهات. وحينئذ لا اختلاف بين النصوص، لان بيوت مكة من جهة: عقبة المدنيين، ومن جهة أخرى: عقبة ذي طوى، والوارد إلى مكة من جهة يكون قطعه عند النظر إلى بيوتها من تلك الجهة لا من الاخرى، وحينئذ لا معارضة بين النصوص ولا منافاة ومقتضى ما في الروضة والمسالك: أن عقبة ذي طوى تكون من جهة أسفل مكة، كما حكي عن تهذيب الاسماء ولعل اختلاف الجماعة - قدس سرهم - مبني على اختلاف الازمنة في تداول الطرق إلى مكة. (1) كما عن المشهور فيه وفيما بعده. جمعا بين صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع)، قال في حديث: (ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة) (* 1) ومصحح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (من اعتمر من التنعيم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 45 من ابواب الاحرام حديث: 8.

 

===============

 

( 420 )

 

فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد (* 1). وبين خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) - في حديث - قال: (وإن كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم) (* 2) وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع): (من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الابل أخفافها في الحرم) (* 3)، وحسن مرازم عن أبي عبد الله (ع): (يقطع صاحب العمرة المفردة التلبيه إذا وضعت الابل أخفافها في الحرم) (* 4). ونحوها غيرها. لكن في جملة من النصوص: أنه يقطع التلبية عند النظر إلى بيوت مكة. منها: موثق يونس بن يعقوب قال: (سألت أبا عبد الله (ع): عن الرجل يعتمر عمرة مفردة، من أين يقطع التلبية؟ قال (ع): إذا رأيت بيوت مكة - ذي طوى - فاقطع التلبية) (* 5). وفى خبر الفضيل ابن يسار قال: (سألت أبا عبد الله (ع) قلت: دخلت بعمرة، فاين أقطع التلبية؟ قال (ع): حيال العقبة، عقبة المدنيين. فقلت: أين عقبة المدنيين؟ قال: بحيال القصارين) (* 6) وصحيح البزنطي، المروي في قرب الاسناد قال: (سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التلبية؟ قال: كان أبو الحسن (ع) يقول: يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة) (* 7). ونحوها غيرها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب 45 من ابواب الاحرام حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 45 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 45 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 45 من أبواب الاحرام حديث: 6. (* 5) الوسائل باب: 45 من ابواب الاحرام حديث: 3. (* 6) الوسائل باب: 45 من أبواب الاحرام حديث: 11. (* 7) الوسائل باب: 45 من أبواب الاحرام حديث: 12.

 

===============

 

( 421 )

 

وعن الصدوق (ره): أنه جمع بينها بالتخيير. وحكاه في الشرائع قولا، وفى النافع: أنه أشبه، وفى كشف اللثام: أنه لا بد منه. ويشكل: بأن الصحيح الاول مختص بمن خرج من مكة للعمرة، ولا معارض له في مورده إلا بالعموم اللازم تخصيصه. بل قيل: إن نصوص القطع بدخول الحرم لا تشمله، لان الخارج من مكة إحرامه من أدنى الحل، فلا تمضي مدة يكون انتهاؤها بدخول الحرم، فلا بد أن يختص بالبعيد الذي يقبل إلى مكة. بل خصوص البعيد الذي إحرامه من الميقات لا من أدنى الحل كما تقدم في المواقيت. نعم يبقى الاشكال في وجه الجمع بين الطائفتين الاخريين. وعن ظاهر الشيخ في التهذيب والاستبصار: الجمع بينهما، بحمل الاولى على من لم يجئ من المدينة أو العراق، وحمل الثانيه على من جاء منهما. فان جاء من المدينة قطع عند عقبة المدنيين، وإن جاء من العراق قطع عند ذي طوى، وان جاء من غيرهما قطع عند دخول الحرم، وإن خرج من مكة قطع عند رؤية الكعبة. ولا بأس به لو كانت الطائفة الثانية مختصة بخبري الفضيل ويونس - المذكور فيهما: عقبة المدنيين، وذي طوى - عملا بالنصوص الخاصة في موردها، وبالنصوص العامة في بقية الموارد. لكن من جملة الطائفة الثانية: صحيح البزنطي، الذي لم يذكر فيه طريق بعينه، فيكون التعارض بينه وبين الطائفة الاولى مستحكما. فيحتمل الجمع بينهما، بحمل الثانية على تأكد المنع. ويحتمل الجمع بالتخصيص، بناء على ما عرفت: من أن نصوص الدخول في الحرم مختصة بالمحرم من الميقات، وصحيح البزنطي أعم منها، فيخصص بها. لكن الظاهر أن نصوص النظر إلى البيوت لا عامل بها. بل خبر الفضيل ظاهره القطع

 

===============

 

( 422 )

 

[ مكة لاحرامها. والحاج - بأي نوع من الحج يقطعها عند الزوال من يوم عرفة (1). وظاهرهم: أن القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب (2)، وهو الاحوط. وقد يقال بكونه مستحبا. ] عند الوصول إلى البيوت لا النظر إليها، فيتعارضان. وكيف كان فاعراض الاصحاب عنها يوجب سقوطها عن الحجية. (1) بلا خلاف ظاهر. ويشهد له النصوص المستفيضة. منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) أنه قال: (الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس) (* 1)، ومصحح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (قال: قطع رسول الله صلى الله عليه وآله التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة. وكان علي بن الحسين (ع) يقطع التلبية إذا زاغت الشمس يوم عرفة) (* 2)، ومصححه الآخر عن أبي عبد الله (ع): (إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس) (* 3). ونحوها غيرها. (2) بل عن الخلاف والوسيلة: النص عليه، بل عن الاول: الاجماع عليه، وحكي عن علي بن بابويه. وفى المدارك: إنه حسن، بل هو ظاهر الجميع ويقتضيه ظاهر النصوص، فان الامر بالفعل بعد النهي عنه، وان قلنا إنه ظاهر في الرخصة فيه، كما أن النهي عن الشئ بعد الامر به ظاهر في الرخصة في تركه، لكن ذلك في غير العبادة. أما فيها فظاهر النهي بعد الامر نفي المشروعية، وهو المراد من وجوب القطع في كلامهم، لا الوجوب التكليفي.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 44 من أبواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 44 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 44 من أبواب الاحرام حديث: 5.

 

===============

 

( 423 )

 

[ (مسألة 22): الظاهر أنه لا يلزم - في تكرار التلبية - أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الاحرام - بل ولا باحدى الصور المذكورة في الاخبار - بل يكفي أن يقول: " لبيك اللهم لبيك " (1). بل لا يعبد كفاية تكرار لفظ: (لبيك). (مسألة 23): إذا شك بعد الاتيان بالتلبية أنه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحة (2). (مسألة 24): إذا أتى بالنية ولبس الثوبين وشك في أنه أتى بالتلبية أيضا حتى يجب عليه ترك المحرمات أولا، يبني على عدم الاتيان بها (3). فيجوز له فعلها ولا كفارة عليه. (مسألة 25): إذا أتى بموجب الكفارة (4) وشك ] (1) لاطلاق النصوص. بل يظهر ذلك بملاحظة التكرار في صحيح معاوية بن عمار المتقدم في المتن (* 1). وكفى بالاطلاق دليلا على ذلك وعلى ما بعده، فضلا عن الصحيح. (2) عملا بقاعدة الصحة - المعبر عنها بقاعدة الفراغ في بعض الموارد - التي تشهد لها النصوص، وبناء العقلاء، كما أشرنا إلى ذلك في بعض المباحث السابقة. (3) لاصالة عدمه. فيجوز له فعل المحرمات، لان النصوص المتقدمة دلت على أن موضوع الجواز عدم التلبية. (4) يعني: وقد أتى بالتلبية.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحرام حديث: 2. وقد تقدم ذلك في المسألة: 13 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 424 )

 

[ في أنه كان بعد التلبية حتى تجب عليه أو قبلها، فان كانا مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية مجهولا لم تجب عليه الكفارة (1) وإن كان تاريخ إتيان الموجب مجهولا، فيحتمل أن يقال بوجوبها، لاصالة التأخر (2). لكن الاقوى عدمه، لان الاصل لا يثبت كونه بعد التلبية. الثالث من واجبات الاحرام: لبس الثوبين (3) ] (1) أما في الصورة الاولى فلاصالة البراءة الجارية بعد عدم جريان الاصل في مجهولي التاريخ - إما لعدم كونهما مجرى للاصل. أو للتعارض بين الاصلين على الخلاف - كما أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث الخلل في الوضوء. وأما في الثانية فلاصالة عدم التلبية إلى حين فعل المحرم، المقتضية لانتفاء الحرمة والكفارة، كما عرفت في المسألة السابقة. (2) يشير إلى ما ذكره جماعة: من أصالة تأخر الحادث، إذا شك في تقدمه وتأخره. والاشكال عليه ظاهر، لان التأخر حادث، فلا يثبت بالاصل. وحينئذ يتعين الرجوع إلى أصالة البراءة من وجوب الكفارة. (3) قال في الذخيرة: (لا أعلم خلافا في هذا الحكم بين الاصحاب بل قال في المنتهى: إنه لا نعلم خلافا). ونحوه كلام غيره. وعن التحرير: الاجماع عليه. ومستنده قيل التأسي. وإشكاله ظاهر، لان فعله صلى الله عليه وآله أعم من الوجوب وقيل: النصوص. مثل: صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (قال: إذا انتهت إلى العقيق من قبل العراق، أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام - إن شاء الله - فانتف أبطيك وقلم أظفارك، وأطل عانتك، وخذ من شاربك - ولا يضرك بأي ذلك

 

===============

 

( 425 )

 

بدأت - ثم استك، واغتسل، والبس ثوبيك. وليكن فراغك من ذلك....) (* 1) ونحوه غيره. وفى دلالتها تأمل، لانها واردة في مقام بيان الآداب. ولذلك قال في كشف اللثام: (وأما لبس الثوبين فان كان على وجوبه إجماع كان هو الدليل، وإلا فالاخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندا له، مع أن الاصل العدم). وهل يختص وجوب لبسهما بالرجل أو يعم المرأة؟ فيه إشكال. وفى الجواهر: حكي الثاني عن بعض الفضلاء. وقوى العدم، لعدم شمول النصوص لها. وقاعدة الاشتراك غير جارية هنا، لمخالفتها لظاهر النص والفتوى... وفيه: أن الفتاوى مطلقة، ولم أقف على من قيد الوجوب بالرجل إلا البحراني في حدائقه. وأما النصوص - فان تمت دلالتها على الوجوب - فالخطاب فيها للرجل كغيرها من أدلة التكاليف التي كان البناء على التعدي فيها من الرجل إلى المرأة. مع أن في بعض النصوص ما يظهر منه ثبوت الحكم فيها. ففي موثق يونس بن يعقوب قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الحائض تريد الاحرام. قال: تغتسل، وتستثفر، وتحتشي بالكرسف، وتلبس ثوبا دون ثياب إحرامها...) (* 2)، وخبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) قال: (سئل عن امرأة حاضت وهي تريد الاحرام فتطمث. قال: تغتسل، وتحتشي، بكرسف، وتلبس ثياب الاحرام، وتحرم) (* 3).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب الاحرام حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 48 من ابواب الاحرام حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 48 من أبواب الاحرام حديث: 3.

 

===============

 

( 426 )

 

[ بعد التجرد عما يجب على المحرم اجتنابه (1): يتزر بأحدهما، ويرتدي بالآخر. والاقوى عدم كون لبسهما شرطا في تحقق الاحرام (2)، ] (1) لما سيأتي. (2) حكي ذلك عن ظاهر الاصحاب. قال في الدروس: (وهل اللبس من شرائط الصحة حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد؟؟ نظر. وظاهر الاصحاب انعقاد، حيث قالوا: لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه، ولو لبسه بعد الاحرام وجب شقه وإخراجه من تحته، كما هو مروي). وفى كشف اللثام: (قلت: كلامهم هذا قد يدل على عدم الانعقاد، فان الشق والاخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس، فعلهم لم يوجبوه أولا لعدم الانعقاد. نعم الاصل عدم اشتراط الانعقاد). أقول: الكلام تارة: في عدم اشتراط صحة الاحرام بلبس الثوبين، وأخرى: في عدم اشتراطه بالتجرد عن لبص الخيط. وما ذكره الاصحاب إنما يرتبط بالثاني. فان كان غرض الدروس الاستدلال به على الاول فهو كما ترى. وإن كان غرضه الاستدلال به على الثاني فهو في محله، إذ لو كان التجرد من لبس المخيط شرطا في صحة الاحرام لكان اللازم تجديد النية والتلبية، وظاهر الاصحاب عدم الاحتياط إلى ذلك كظاهر النص. ففي صحيح معاوية بن عمار وغير واحد عن أبي عبد الله (ع): (في رجل أحرم وعليه قميصه. فقال: ينزعه ولا يشقه. وإن كان لبسه بعدما أحرم شقه وأخرجه مما يلي رجليه) (* 1)، وخبر عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (ع): (فيمن لبس قميصا. فقال (ع) له: متى

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 45 من أبواب تروك الاحرام حديث: 2.

 

===============

 

( 427 )

 

[ بل كونه واجبا تعبديا. والظاهر عدم اعتبار كيفية مخصوصا في لبسهما، فيجوز الاتزار بأحدهما كيف شاء، والارتداء بالآخر، أو التوشح به، أو غير ذلك من الهيئات (1). ] لبست قميصك؟ أبعد ما لبيت أم قبل؟؟ قال: قبل أن البي. قال (ع): فأخرجه من رأسك، فانه ليس عليك بدنة، وليس عليك الحج من قابل أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه) (* 1). ونحوه خبر خالد بن محمد الاصم (* 2). نعم في مصحح معاوية عن أبي عبد الله (ع) قال: (إن لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك، وإن لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك) (* 3). لكن الظاهر منه اللبس بعد الاحرام، ويكون مفاده الفرق بين القميص وغيره من الثياب التي لا يصلح للمحرم لبسها، وهو على ظاهره غير معمول به. وسيأتي ماله نفع في المقام في المسألة الآتية. هذا كله في عدم اشتراط التجرد. وأما عدم اشتراط لبس الثوبين، فالعمدة فيه: صحيح معاوية عن أبي عبد الله (ع): (يوجب الاحرام ثلاثه أشياء: التلبية، والاشعار، والتقليد. فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم) (* 4). فان اطلاقه يقتضي نفي شرطية لبس الثوبين كغيره مما يحتمل فيه الشرطية. (1) الظاهر أنه لا إشكال في وجوب الاتزار بأحدهما، ولكن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 45 من أبواب تروك الاحرام حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 45 من ابواب تروك الاحرام حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 45 من أبواب تروك الاحرام حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 20.

 

===============

 

( 428 )

 

[ لكن الاحوط لبسهما على الطريق المألولف. ولذا الاحوط عدم عقد الازار في عنقه (1). ] اختلفت كلماتهم في الثاني، ففي المنتهى والتذكرة: أنه يرتدي به. وعن الوسيلة: أنه يتوشح به. وهو - كما عن الازهري وغيره -: أن يدخل طرفه تحت أبطه الايمن ويلقيه على عاتقه الايسر، كالتوشح بالسيف. وفى القواعد: (يأتزر بأحدهما ويتوشح بالآخر أو يرتدي به). وحكي عن الشيخ والحلي والمسالك وغيرهم: التخيير المذكور. وفى كشف اللثام: (ولا يتعين عليه شئ من الهيئتين. للاصل من غير معارض. بل يجوز التوشح بالعكس أيضا، أي: إدخال طرفه تحت الابط الايسر والقاؤه على الايمن). وفى الحدائق: قوة الاول. للتعبير بالرداء في جملة من النصوص. منها: صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع)، وفيه: (لما نزل الشجرة - يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله - أمر الناس بنتف الابط، وحلق العانة، والغسل، والتجرد في ازار ورداء، أو ازار وعمامة يضعها على عائقه لمن لم يكن له رداء) (* 1). وفى رواية محمد بن مسلم: (يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء) (* 2). ونحوهما. لكن النصوص المذكور ليس فيها إلا ذكر الرداء، ولم تتعرض لكيفية لبسه. نعم النصوص المتضمنة للامر بلبس الثوبين ظاهرة في لبس كل واحد منهما في محله. لكن عرفت المناقشة في ورودها مورد الوجوب. فتأمل. (1) في موثق سعيد الاعرج: (أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن المحرم يعقد أزاره في عنقه؟ قال (ع): لا) (* 3). وفى خبر علي بن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 15. (* 2) الوسائل باب: 44 من أبواب تروك الاحرام حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 53 من أبواب تروك الاحرام حديث: 1.

 

===============

 

( 429 )

 

[ بل عدم عقده مطلقا ولو بعضه ببعض، وعدم غرزه بابرة ونحوها (1). وكذا في الرداء الاحوط عدم عقده (2). لكن الاقوى جواز ذلك كله في كل منهما (3)، ما لم يخرج عن ] جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع): (المحرم لا يصلح له أن يعقد أزاره على رقبته. ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده) (* 1). وظاهرهما المنع، وإن كان ظهور الثاني محل تأمل. (1) في مكاتبه محمد بن عبد الله ابن جعفر (ع) إلى صاحب الزمان (ع) المروية في الاحتجاج: (أنه كتب إليه يسأله عن المحرم، يجوز أن يشد الميزر من خلفه على عنقه [ عقبة خ ل ]... (إلى أخر ما ذكر في السؤال). فأجاب (ع): جائز أن يتزر الانسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثا بمقراض، ولا إبرة تخرجه به عن حد الميزر وغرزه غرزا ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض، وإذا غطى سرته... (إلى أن قال): والافضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة للناس جميعا) (* 2). (2) فعن العلامة والشهيد في الدروس وغيرهما: عدم الجواز. ويستدل له بموثق الاعرج المتقدم، بناء على أن المراد بالازار الرداء بقرينة السؤال، لانه هو الذي يعقد في العنق. ولذا خص الجماعة المنع فيه، وفى الدروس صرح بجواز عقد الازار. (3) فان موثق الاعرج غير ظاهر في المنع، لاحتمال كون السؤال فيه عن وجوب العقد - لمناسبة الستر الذي هو أقرب إلى مقام العبادة والتواضع - فيكون النفي في الجواب بنفي الوجوب. لا كون السؤال فيه عن الجواز،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 53 من أبواب تروك الاحرام حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 53 من أبواب تروك الاحرام حديث: 3.

 

===============

 

( 430 )

 

[ كونه رداء أو أزارا. ويكفي فيهما المسمى (1). وإن كان الاولى - بل الاوحط أيضا - كون الازار مما يستر السرة والركبة والرداء مما يستر المنكبين (2). والاحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتزر ببعضه ويرتدي بالباقي (3)، إلا في حال الضرورة والاحوط كون اللبس قبل النية والتلبية (4)، ] ليكون النفي لنفي الجواز. وأما خبر ابن جعفر (ع) فضعيف السند. مضافا إلى ضعف الدلالة. وكذا المكاتبة، لعدم ذكر السند في كتاب الاحتجاج. مع قرب احتمال أن يكون المراد من العقد فيها العقد المخرج عن كونه أزارا. فلاحظ. (1) للاصل. وإطلاق النص. لكن الاطلاق قد عرفت الاشكال فيه، فالعمدة: الاصل. (2) المعروف بينهم: أنه يعتبر في الازار ستر ما بين السرة والركبة وفى الرداء ستر ما بين المنكبين، وعن الرياض: نفي الاشكال عن ذلك. لكنه لا دليل عليه، واللازم الرجوع فيه إلى العرف، كما صرح به غير واحد، منهم: السيد في المدارك، والشيخ في الجواهر. وفى صدق الرداء على ما يستر المنكبين فقط إشكال، بل الظاهر وجوب ستر أكثر من ذلك. (3) قال في الدروس: (ولو كان الثوب طويلا فأتزر ببعضه وارتدى بالباقي أو توشح أجزأ). وعليه فالاثنينية - في النص والفتوى - لا اعتبار لها. وفى الجواهر: (لا يخلو من وجه). ولكنه غير ظاهر. (4) كما صرح به غير واحد. ويقتضيه الامر بذلك في النصوص، حيث ذكر فيها في سياق مقدمات الاحرام. وفى الجواهر: جعله ظاهر النص والفتوى. لكن من المعلوم أن الواجب وقوع ذلك حال التلبية التي

 

===============

 

( 431 )

 

[ فلو قدمهما عليه أعادهما بعده (1). والاحوط ملاحظة النية في اللبس (2). وأما التجرد فلا يعتبر فيه النية (3)، وإن كان الاحوط والاولى اعتبارها فيه أيضا. (مسألة 26): لو أحرم في قميص (4) عالما عامدا أعاد. لا لشرطية لبس الثوبين (5)، لمنعها - كما عرفت - بل لانه مناف للنية، حيث أنه يعتبر فيها العزم على ترك المحرمات التي منها لبس المخيط (6). وعلى هذا فلو لبسهما فوق القميص أو تحته كان الامر كذلك أيضا، لانه مثله في ] بها يكون عقد الاحرام، ولا يجب قبلها ولو حال النية. للاصل. والنصوص لا تفي بالوجوب قبل ذلك، لما عرفت من الاشكال فيها. (1) هذا ينافي ما تقدم منه، من عدم كون اللبس شرطا في صحة الاحرام، ومقتضاه الاثم وعدم وجوب الاعادة. (2) لان الظاهر كونه من العبادات - كالتلبية - حسب مرتكزات المتشرعة (3) فانه - كغيره من تروك الاحرام - ليس من العبادة التي يعتبر فيها التقرب. (4) يعني: أحرم في القميص بدون لبس ثوبين. (5) يعني: وهو مفقود. (6) فيه: أن منافاة اللبس حال الاحرام للنية وان كان يقتضي البطلان لفوات النية، لكن عرفت: أن يقتضى صحيح معاوية السابق الصحة (* 1). وكذا مقتضى فتوى الاصحاب، كما أشرنا إلى ذالك في توجيه كلام الدروس.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 45 من أبواب تروك الاحرام حديث: 2 وقد تقدم في المسألة السابقة.

 

===============

 

( 432 )

 

[ المنافاة للنية. إلا أن يمنع كون الاحرام هو العزم على ترك المحرمات (1)، بل هو البناء على تحريمها على نفسه (2)، فلا تجب الاعادة حينئذ. هذا ولو أحرم في القميص جاهلا بل أو ناسيا أيضا - نزعه وصح إحرامه (3)، أما إذا لبسه ] وحينئذ لابد من الخروج عن القاعدة المذكورة، بأن يلتزم بان المحرم هو اللبس بعد الاحرام لاحاله، فلا يكون لبس القميص حال الاحرام منافيا لنية الاحرام. ولذلك صح الاحرام حينئذ ووجب نزع الثوب. نعم مقتضى إطلاق الصحيح - كاطلاق الفتوى - عدم الفرق بين العلم والجهل بالموضوع والحكم، والنسيان للحكم والموضوع. لكن ظاهر ما في خبر خالد بن محمد الاصم، من التعليل بقوله (ع): (أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه) (* 1). الاختصاص بحال الجهل، فلا يشتمل حال العلم بالموضوع والحكم. وحينئذ يتعين تخصيص صحيح معاوية به، فيحمل على حال الجهل لا غير، ويرجع إلى القاعدة في البناء على البطلان في حال العلم. لكن الخبر ضعيف السند، ومخالف لاطلاق الفتوى - كما عرفت حكايتها في الدروس - فالاعتماد عليه في تقييد الصحيح غير واضح. ولابد من مراجعة كلماتهم، ليتضح اعتمادهم على الخبر في تقييد الصحيح وإهمالهم إياه. (1) كأنه يريد أن نية الاحرام هو العزم، لا أنه نفس الاحرام. (2) قد عرفت أن ذلك هو التحقيق. وهذا البناء عبارة عن الالتزام النفسائي بترك المحرمات. والظاهر المنافاة بينه وبين لبس القميص، فلا فرق بينه وبين العزم في المنافاة. (3) تقدم ما يتعلق بذلك.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 45 من أبواب تروك الاحرام حديث: 4. وقد تقدم ذلك في المسألة السابقة.

 

===============

 

( 433 )

 

[ بعد الاحرام فاللازم شقه وإخراجه من تحت. والفرق بين الصورتين من حيث النزع والشق تعبد، لا لكون الاحرام باطلا في الصورة الاولى، كما قد قيل (1). (مسألة 27): لا يجب استدامة لبس الثوبين، بل يجوز تبديلهما ونزعهما لازالة الوسخ أو للتطهير (2). بل الظاهر جواز التجرد منهما (3)، مع الامن من الناظر. أو كون العورة مستورة بشئ آخر. (مسألة 28): لا بأس بالزيادة على الثوبين - في إبتداء الاحرام وفي الاثناء - للاتقاء عن البرد والحر (4). ] (1) يشير به إلى ما تقدم من كاشف اللثام. (2) كما صرح به جماعة منهم السيد في المدارك. بل ذكر: أنه مقطوع به عند الاصحاب. ويقتضيه الاصل، بعد عدم الدليل على وجوب الاستمرار. وفى رواية الشحام: (عن امرأة حاضت وهي تريد الاحرام فطمثت، فقال (ع): تغتسل، وتحتشي بكرسف، وتلبس ثياب الاحرام وتحرم. فإذا كان الليل خلعتها ولبست ثيابها الاخر حتى تطهر) (* 1). (3) كل ذلك ذلك للاصل. (4) بلا خلاف فيه، كما عن المفاتيح وشرحه. ففي مصحح الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن المحرم يتردى بالثوبين؟ قال: نعم والثلاثة إن شاء، يتقي بها البرد والحر) (* 2) وفى مصحح معاوية بن عمار

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 48 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 30 من أبواب الاحرام حديث: 1.

 

===============

 

( 434 )

 

[ بل ولو اختيارا (1). (قد تم كتاب الحج بعون الله. وصلى الله عليه محمد وآله الطاهرين) ] عن أبي عبد الله (ع): (سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها. قال (ع): لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة) (* 1). (1) كما يقتضيه المصحح الثاني. مضافا إلى الاصل. وقد يتوهم - من اقتصار جماعة على ما في مضمون المصحح الاول -: عدم جواز الزيادة اختيارا. لكنه بعيد، مخالف للاصل والنص. والله سبحانه ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل. إلى هنا انتهى ما أردنا شرحه من كتاب العروة الوثقى من مباحث الحج، في جوار الحضرة العلوية المشرقة، عند غروب اليوم السابع من شهر شعبان، سنة ألف وثلاثمائة وخمس وسبعين هجرية. والحمد لله تعالى كما هو أهله، والصلاة والسلام على رسوله الاكرم وآله الطاهرين.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 30 من أبواب الاحرام حديث: 2.