فصل فيما يستقبل له

فصل فيما يستقبل له يجب الاستقبال في مواضع: (أحدها: الصلوات اليومية (2)، ] القرعة (* 1). لكن وجوب العمل بها في المقام كغيره مما لم يتعرض له الاصحاب مشكل، لاعراض الاصحاب عنها في غالب الموارد، الكاشف عن إقترانها بما يمنع عن العمل بإطلاقها. وأما في الخبرين فالاصل المنع لكن الظاهر من دليل إعتبار الاستقبال فيهما غير الفرض، كما يظهر من ملاحظة ذلك المقام. فلاحظ. (1) سيأتي في أحكام الخلل الصحة في الغفلة مع تبين الانحراف إلى ما دون اليمين واليسار. وأما في المسامحة فالظاهر عدم دخوله في ذلك الدليل والمرجح فيه القواعد الاولية المقتضية للبطلان إلا إذا إنكشفت المطابقة للواقع فصل فيما يستقبل له (2) إجماعا من المسلمين كما قيل بل لعله من ضروريات الدين (* 1) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية الحكم، وباب: 34 نتت أبواب ميراث الخنثى والمستدرك باب: 11 من أبواب كيفية الحكم.

===============

( 214 )

[ أداء وقضاء (1)، وتوابعها من صلاة الاحتياط للشكوك (2) وقضاء الاجزاء المنسية (3)، بل وسجدتي السهو (4). ] ويشهد له بعد الكتاب العزيز كقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام..) (* 1) بضميمة ما ورد في تفسيره من النصوص الكثيرة المتجاوزة حد التواتر (* 2) كما قيل صحيح زرارة: " لا صلاة إلا إلى القبلة " (* 3) وصحيح: " لا تعاد الصلاة " (* 4)، وغيرهما مما سيمر عليك بعضه. (1) بلا شبهة للاطلاق. (2) للاطلاق المتقدم. ولا ينافيه إحتمال كونها نفلا بناء على عدم وجوب ذلك فيه لان الظاهر من قوله (عليه السلام) في بعض أخبارها: " وإن ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت " (* 5) أنها لا بد أن تقع على نحو يجوز أن تكون واجبة، فيجب فيها ما يجب في الصلاه الواجبة. (3) لان الظاهر من دليل قضائها وجوب الاتيان بها بما أنها جزء صلاتي، ومقتضى ذلك مطابقتها لما فات في جميع الخصوصيات التي يكون عليها حال إمتثال أمره، سواء أكان جزءا له، أم شرطا، أم واجبا مقارنا له، ومن ذلك الاستقبال، فإنه وإن لم يكن شرطا للسجود، بل هو شرط للصلاة، لكنه واجب مقارن للسجود، فيجب كما في الاداء. (4) لما في بعض الاخبار المتضمنة لسهو النبي (صلى الله عليه وآله) قال (عليه السلام):

____________
(* 1) البقرة / 144، 149، 150. (* 2) راجع الوسائل باب: 1 و 2 و 6 و 9 من أبواب القبلة والمستدرك باب: 2 و 6 من أبواب القبلة. (* 3) الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة حديث: 9. (* 4) الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1. (* 5) الوسائل باب: 8 من أبواب خلل الصلاة حديث: 3.

===============

( 215 )

[ وكذا فيما لو صارت مستحبة بالعارض كالمعادة جماعة (1) أو إحتياطا (2). وكذا في سائر الصلوات الواجبة (3) كالآيات بل وكذا في صلاة الاموات. ويشترط في صلاة النافلة في حال الاستقرار (4). ] " فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين " (* 1). وقد تنظر المصنف (ره) في مبحث الخلل في وجوب ذلك وغيره، ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه. فانتظر. (1) لان إعادة الشئ فعله ثانيا كفعله أولا. (2) إذ لا معنى للاحتياط إلا رفع إحتمال عدم الاتيان بالواقع، ولا يكون ذلك إلا بالاتيان بالفعل واجدا لجميع ما يعتبر فيه. (3) لاطلاق الادلة المتقدمة في اليومية. (4) كما عن غاية المراد نسبته إلى الاكثر. وفي كشف اللثام: أنه المشهور. وفي مفتاح الكرامة: " وبه صرح في جميع كتب الاصحاب إلى ما قل ". والعمدة فيه أمران: أحدهما: إرتكاز المتشرعة، فإنهم يقطعون ببطلان صلاة من يستدبر القبلة ويصلي جالسا أو قائما مستقرا بنحو لا يمكن ردعهم عن ذلك. وبذلك يفترق عن سائر المرتكزات المستندة إلى السماع من أهل الفتوى التي لا مجال للاعتماد عليهم في إثباتها. وثانيهما: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " لا صلاة إلا إلى القبلة " (* 2) الشامل للفريضه والنافلة.

____________
الوسائل باب: 19 من أبواب خلل الصلاة حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة حديث: 9.

===============

( 216 )

(ودعوى) إختصاص ذيله بالفريضة: " قلت: أين حد القبلة؟ قال (عليه السلام): مابين المشرق والمغرب قبلة كله. قلت: فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت. قال (عليه السلام): يعيد ". (ضعيفة) لتوقفها على كون: " يعيد " للوجوب المولوي كي يختص بالفريضة، والظاهر أنه إرشادي إلى فساد الصلاة، فلا يختص بالفريضة. مع أن تخصيص الذيل بدليل منفصل لا يقتضي تخصيص الصدر به. ومثلها دعوى أن قيام الادلة الآتية على عدم وجوب الاستقبال في النافلة في حالي الركوب والمشي يقتضي خروج النافلة عن عموم الصحيح المذكور بالمرة، لان بقاءها في غير الحالين المذكورين تحته يقتضي حمله على العموم الافرادي، حتى يكون له إطلاق أحوالي مضافا إلى العموم الافرادي، فيكون ما دل على عدم إعتبار الاستقبال في الحالتين المذكورتين مقيدا لذلك الاطلاق فقط، بلا تصرف في العموم، لوجوب الاستقبال في النافلة في الجملة. ولو حمل على الجنس كان موضوعه صرف طبيعة الصلاة بلا تكثر فيه ولا عموم، فإذا خرج الحالان المذكوران أدى ذلك إلى خروجهما في الفريضة أيضا، وحيث أنه لا يمكن الالتزام به فلا بد أن يخص موضوع النفي بخصوص الفريضة لا مطلق الصلاة. والحمل على العموم الافرادي خلاف الاصل في أسماء الاجناس، لا يرتكب إلا عند قيام القرينة وهي مفقودة. ووجه الضعف أن ثبوت خلاف حكم المطلق لفرد في بعض الاحوال يصلح أن يكون قرينة على ملاحظة المطلق بنحو الطبيعة السارية لا صرف الماهية، فلا يكفي التقريب المذكور لرفع اليد عن حكم العام للفرد في غير

===============

( 217 )

حال التقييد. فالعمل بالصحيح متعين، ولا سيما مع إعتضاده بقاعدة إلحاق النوافل بالفرائض التي إستقر بناء الاصحاب على العمل بها في أكثر المقامات. وقد أشرنا إلى وجهها غير مرة. وربما تشير إليه النصوص الواردة في جواز ترك الاستقبال في النوافل في السفر أو المشي (* 1)، لسوقها مساق الاستثناء من حكم وجوب الاستقبال في الصلاة فلاحظها. وأما حديث: " لا تعاد الصلاة.. " (* 2): فلا يصلح دليلا على الاعتبار في النافلة، لانه ليس واردا في مقام تشريع الاعتبار، ليكون له إطلاق يقتضي عموم الاعتبار للنافلة، بل في مقام سقوطه المتفرع على ثبوته على إجماله من عموم وخصوص. ومثله خبر زرارة: " عن الفرض في الصلاة فقال (عليه السلام): الوقت، والطهور، والقبلة " (* 3)، إذ الظاهر منه الفرض في قبال السنة بعد الفراغ عن موضوع الاعتبار، فلا إطلاق له في موضوعه. وقد يستدل على القول بعدم الوجوب بالاصل. وبما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: " إستقبل القبلة بوجهك، ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإن الله عزوجل يقول لنبيه في الفريضة: (فول وجهك شطر المسجد الحرام (* 4) " (* 5) لظهوره في إختصاص الحكم بالفريضة. وبما عن قرب الاسناد عن علي (عليه السلام): " عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ فقال (عليه السلام): إذا كانت الفريضة

____________
(* 1) سيأتي ذكرها عن قريب. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب القبلة حديث: 1. (* 4) البقرة / 144، 149، 150. (* 5) الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 3.

===============

( 218 )

والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلى ولا يعتد به، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود " (* 1). ونحوه ما عن جامع البزنطي عن الرضا (عليه السلام) (* 2). ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إذا إلتفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا " (* 3). وما عن تفسير العياشي: " الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء.. إلى أن قال: فأتوجه نحوها في كل تكبيرة. فقال (عليه السلام): أما في النافلة فلا، إنما تكبر على غير القبلة: ألله أكبر، ثم قال (عليه السلام): كل ذلك قبلة للمتنفل: (أينما تولوا فثم وجه الله) (* 4) " (* 5). والجميع لا يخلو من إشكال، إذ الاصل لا مجال له مع الدليل. وأن مقتضى صحيح زرارة إختصاص الآية بالفريضة لا إختصاص الحكم بها. وما عن قرب الاسناد مع ضعفه إنما يدل على عدم قدح الالتفات في الاثناء، وهو أعم من جواز الصلاة إلى غير القبلة، كما ورد في جواز الالتفات إلى أحد الجانبين في الفريضة، كما يشير إليه التقييد بالخلف فيه. ومنه يظهر الحال فيما بعده. وأما عن تفسير العياشي، فمع ضعفه في نفسه، لا إطلاق له، لاختصاص مورده بالسفينة. والاستشهاد بالآية بعد عدم إمكان الاخذ بإطلاقها لا بد من الاقتصار فيه على مورده. ولا يبعد أن يكون المراد من قوله تعالى: (تولوا): تذهبوا، فتختص بحال السعي سواء أكان في سفينة، أم على دابة، أم ماشيا، كقوله تعالى: (ولو

____________
(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة ملحق الحديث الثامن. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2. (* 4) البقرة / 115. (* 5) الوسائل باب: 13 من أبواب القبلة حديث: 17.

===============

( 219 )

[ لا في حال المشي أو الركوب (1) ] إلى قومهم منذرين) (* 1). وليس المراد: تولوا وجوهكم. ومنه يظهر عدم صحة الاستدلال بما عن تفسير العياشي أيضا عن حريز قال أبو جعفر عليه السلام: " أنزل الله تعالى هذه الآيه في التطوع خاصة " (* 2). مضافا إلى ظهور وروده لنفي عمومها للفريضة فلا إطلاق له أيضا. وما قيل من إستفاضة النقل في تفسير الآية الشريفة بأنها نزلت في النافلة مطلقا غير ثابت سوى ما ذكر مما عرفت إشكاله. مع معارضته بما في الوسائل عن نهاية الشيخ (* 3) ومجمع البيان (* 4)، وما في الجواهر عن تفسير القمي (* 5) من أنها نزلت في النافلة في السفر. والجمع بينهما يقتضي حمل الاول على الاخير، والله سبحانه أعلم. (1) بلا خلاف فيه ظاهر في السفر، بل عن المعتبر والمنتهى: الاجماع عليه في الثاني، وعن الثاني: نفي الخلاف في الاول. ويشهد له صحيح الحلبي: " سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة على البعير والدابة فقال (عليه السلام): نعم، حيث كان متوجها، وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (* 6) والصحيح عن إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه قال له: إني أقدر أن أتوجه نحو القبلة في المحمل فقال (عليه السلام): هذا الضيق، أما لكم في رسول الله أسوة؟ " (* 7)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)

____________
(* 1) الاحقاف / 29. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 23. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 19. (* 4) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة: 18. (* 5) الجواهر ج 8 ص 6 طبع النجف الحديث. (* 6) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 6. (* 7) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 2 وفي التهذيب (ما هذا الضيق).

===============

( 220 )

قال: " لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي، يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ، فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى " (* 1)، وصحيح يعقوب بن شعيب قال: " سألت ابا عبد الله (عليه السلام).. إلى أن قال: قلت: يصلي وهو يمشي؟ قال (عليه السلام): نعم يومئ إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع " (* 2). ونحوها غيرها مما هو متجاوز حد التواتر، وإن كان أكثرها غير ظاهر في وروده لتشريع عدم الاستقبال في النافلة، بل في مجرد عدم مانعية المشي والركوب فراجعها. لكن قد يستفاد ذلك من غلبة كون طرق المسير على غير القبلة، بل الغالب إنحراف ما يكون منها على القبلة عنها يمينا وشمالا ولو في الاثناء بل تمكن دعوى عدم وجود ما يكون منها على القبلة مستقيما من أوله إلى آخره، فيكون عدم التعرض لذكر الاستقبال فيها دليلا على عدم إعتباره. مع أن في التصريح في بعضها كفاية. وإطلاق جملة منها يقتضي إلحاق الحضر بالسفر كما هو المشهور. مضافا إلى تصريح بعضها، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام: " في الرجل أو أنه سأل أبا عبد الله عن الرجل يصلي النوافل في الامصار وهو على دابته حيث ما توجهت به؟ قال: (عليه السلام): نعم لا بأس " (* 3)، وصحيح حماد بن عثمان عن أبي الحسن الاول (عليه السلام): " في الرجل يصلي النافلة وهو على دابته في الامصار؟ قال (عليه السلام):

____________
الوسائل باب: 16 من أبواب القبلة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 16 من أبواب القبلة حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 1.

===============

( 221 )

لا بأس " (* 1)، والصحيح الآخر لابن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة.. إلى أن قال (عليه السلام): فإن صلاتك على الارض أحب إلي " (* 2). نعم ليس فيها ما يدل صريحا على سقوط الاستقبال في حال المشي في الحضر بالخصوص بل فيها ما هو مطلق في جواز الصلاة ماشيا، لكنه يمكن أن يستفاد ذلك منه كما عرفت، أو يستفاد مما ورد في الركوب في الحضر بالاولوية. وكيف كان فما عن إبن أبي عقيل وغيره من إعتبار الاستقبال مطلقا في الحضر غير ظاهر. إلا من جهة ذكر السفر في جملة من نصوص الجواز وما في بعض الاخبار الواردة في تفسير قوله تعالى: (أينما تولوا..) في النافلة في السفر (* 3). لكن الاول لا يصلح لتقييد غيره، لعدم التنافي فضلا عن أن يصلح لمعارضة الصريح كصحيح إبن الحجاج وغيره. ومن ذلك يظهر إندفاع الثاني، فيكون ذكر السفر لاجل كونه الغالب في موارد الابتلاء، أو أنه مورد النزول لا مورد إختصاص الحكم. فلاحظ. ثم إن المحكي عن الشيخ: الاجماع على عدم إعتبار الاستقبال في الركوع والسجود، وما في صحيح معاوية المتقدم (* 4) من تحويل الوجه إلى القبلة فيهما محمول، على الاستحباب، كما قد يشهد به صحيح يعقوب المتقدم (* 5) وصحيح عبد الرحمن بن أبي نجران الآتي، وغيرهما مما أهمل فيه ذلك. فتأمل. وكذا ما دل على عدم لزومه في التكبير، كما هو ظاهر المشهور

____________
(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 10. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 12. (* 3) تقدمت الاشارة إليها في التعليقة السابقة. (* 4) تقدم في صدر هذه التعليقة. (* 5) تقدم في صدر هذه التعليقة.

===============

( 222 )

أيضا. ويقتضيه إطلاق النصوص وخصوص خبر الحلبي المتقدم المروي عن الكافي بزيادة: " قلت: على البعير والدابة؟ قال (عليه السلام): نعم حيث ما كان متوجها، قلت: أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال (عليه السلام): لا، ولكن تكبر حيث ما كنت متوجها، وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (* 1). ومنها يظهر ضعف ما عن جماعة من وجوبه فيه لما في صحيح معاوية المتقدم، وما في صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل. قال (عليه السلام): إذا كنت على غير القبلة فأستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بعيرك.. " (* 2) إذ يجب بقرينة ما ذكر حملهما على الاستحباب مضافا إلى كون المورد من المندوبات التي إشتهر فيها عدم وجوب حمل المطلق على المقيد. فتأمل. ثم إن المحكي عن صريح الصيمري، وظاهر العلامة في جملة من كتبه وجماعة: أن قبلة الراكب طريقه ومقصده. وصريح البيان وغيره: أن قبلته رأس دابته. والظاهر أن المراد واحد وهو وجوب إستقبال الجهة التي يمشي إليها، سواء أكان فيها المقصد أم لا، وكأنهم فهموا مما في النصوص من قولهم (عليه السلام): " حيث ذهب بعيرك " و " حيث ماكان متوجها "، و " حيث ما توجهت به "، ونحوها: أنه يجب إستقبال الجهة التي تتوجه إليها الدابة، ولا يجوز الانحراف عنها. ولا يخفى بعد التأمل أن المراد أنه لا يحتاج إلى أن يوجه دابته إلى القبلة، بل يصلي مطلقا أينما توجهت الدابة ولو أريد بيان المعنى المدعى كان اللازم التعبير بقولهم (عليهم السلام): يصلي إلى حيث توجهت "، لتدل كلمة (إلى) على أن مدخولها مستقبل بالفتح

____________
(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 13.

===============

( 223 )

[ ولا يجب فيها الاستقرار (1) والاستقبال وإن صارت واجبة بالعرض (2) بنذر ونحوه. ] ويشهد بذلك ما في خبر الكرخي المتقدم: " هذا الضيق.. " (* 1) إذ لو كان يجب إستقبال رأس الدابة كان أيضا ضيقا. فتأمل. لا أقل من الاجمال الموجب للرجوع إلى أصالة البراءة من وجوب إستقبال الجهة التي توجهت إليها الدابة. وأما قوله تعالى: (فأينما تولوا..) (* 2) بناء على أن معناها: أينما تذهبوا فالمراد منه بيان أن وجه الله تعالى يكون في كل جهة، لا أنه مختص بخصوص الجهة التي تتوجهون إليها لا غير. وعلى هذا فلا بأس بالصلاة إلى أحد جانبي الدابة أو خلفها، كما قواه في الجواهر والنجاة، وأمضاه المحققون من أهل الحواشي عليها. (1) لوفاء النصوص المتقدمة (2) لان النذر والاجارة ونحوهما لا يصلحان لتشريع أحكام في النافلة غير أحكامها الثابتة لها لولاهما، فإذا كان من أحكامها جواز إيقاعها إختيارا ماشيا أو راكبا فهي على ذلك بعد النذر. لكن عن بعض: التصريح بثبوت حكم الفريضة بعد النذر، بل في الجواهر: " لا خلاف أجده فيه ". وكأنه لاطلاق ما دل على المنع من ذلك في الفريضة، ولا يعارضه إطلاق ما دل على الجواز في صلاة الليل والوتر الشامل لحال النذر، للانصراف إلى حال كونها نفلا كما هو الغالب ولو سلم فالمرجع عموم وجوب الاستقبال. وفيه مضافا إلى ما قيل من أن عنواني الفريضة والنافلة قد غلب

____________
(* 1) تقدم في صدر هذه التعليقة. (* 2) البقرة / 115.

===============

( 224 )

[ (مسألة 1): كيفية الاستقبال في الصلاة قائما أن يكون وجهه ومقاديم بدنه إلى القبلة حتى أصابع رجليه (1) على الاحوط، والمدار على الصدق العرفي. وفي الصلاة جالسا ] عليهما المعنى الاسمي فيتبادر منهما ذوات الصلوات المخصوصة لا بقيد وصفي النفل والفرض خبر علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى (عليه السلام): " سألته عن رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا هل يجزئه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال: (عليه السلام): نعم (* 1). والتوقف فيه لان في سنده محمد بن أحمد العلوي غير ظاهر، لتصحيح العلامة حديثه فيما عن المختلف والمنتهى، وعدم إستثناء القميين حديثه من كتاب نوادر الحكمة، ووصف الصدوق له فيما عن إكمال الدين بالدين والصدق، ورواية جملة من الاجلاء عنه، وكفى بهذا المقدار دليلا على الوثاقة. مضافا إلى ما في الجواهر (* 1) من رواية الشيخ الحديث أيضا من كتاب إبن جعفر (عليه السلام) وطريقه إليه صحيح. ويؤيده أو يعضده ما روي من صلاة النبي (صلى الله عليه وآله). صلاة الليل وهو على راحلته (* 3) مع ما إشتهر من وجوبها عليه (صلى الله عليه وآله) هذا لو نذر الصلاة الصحيحة. أما لو نذر فعلها على الارض أتبع قصد الناذر، وهو غير محل الكلام. (1) بل الظاهر عدم توقف الاستقبال على ذلك، وليس الرجلان إلا كاليدين، وكذا الركبتان في إستقبال الجالس، والقيام والجلوس لا يختلفان في هذه الجهة ولا في غيرها، ولا فرق بين أن يكون الجلوس على الرجلين وعلى الارض، فقوله: (لا بد أن يكون..) محل تأمل.

____________
(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب القبلة حديث: 6. (* 2) الجواهر ج 7 ص 422 طبع النجف الحديث. ولم أعثر عليه في مضان وجوده في التهذيب. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة حديث: 20 و 21 و 22.

===============

( 225 )

[ أن يكون رأس ركبتيه إليها مع وجهه وبطنه. وإن جلس على قدميه لا بد أن يكون وضعهما على وجه يعد مقابلا لها. وإن صلى مضطجعا يجب أن يكون كهيئة المدفون (1). وإن صلى مستلقيا فكيئة المحتضر. (الثاني): في حال الاحتضار (2)، وقد مر كيفيته. (الثالث): حال الصلاة على الميت يجب أن يجعل على وجه يكون رأسه إلى المغرب ورجلاه إلى المشرق (3). (الرابع): وضعه حال الدفن على كيفية مرت. (الخامس): الذبح والنحر (4) بأن يكون المذبح ] (1) العرف يقصر عن إثبات هذه الحدود للاستقبال، وإنما تستفاد من النصوص، والكلام في ذلك كله يأتي إن شاء الله في مبحث القيام. (2) قد تقدم دليل وجوبه في أحكام الاحتضار. وكذا الثالث والرابع فإن محلهما مبحث الصلاة والدفن. والمراد وجوب الاستقبال بالميت حال الاحتضار، وحال الصلاة عليه، وحال الدفن. (3) يعني: إذا كانت القبلة في ذلك المكان في الجنوب. أما إذا كانت في الشمال كما في المكان الذي يكون في جنوب مكة فيجب الاستقبال بالميت بأن يكون رأسه إلى المشرق ورجلاه إلى المغرب. والمدار. فيجب الاستقبال بالميت بأن يكون رأسه إلى المشرق ورجلاه إلى المغرب. والمدار في إستقباله أن يكون رأسه إلى يمين المصلي حينما يستقبل القبلة ورجلاه إلى يساره. فراجع. (4) إجماعا بقسميه، كما في الجواهر، للنصوص المستفيضة كحسن إبن مسلم: " أستقبل بذبيحتك القبلة " (* 1). ونحوه غيره.

____________
(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح حديث: 1 ويشتمل على غيره ولكن موضوعه. المتعمد خاصة.

===============

( 226 )

[ والمنحر ومقاديم بدن الحيوان إلى القبلة (1). والاحوط كون الذابح أيضا مستقبلا (2)، وإن كان الاقوى عدم وجوبه. (مسألة 2): يحرم الاستقبال حال التخلي بالبول أو الغائط. والاحوط تركه حال الاستبراء والاستنجاء كما مر. (مسألة 3): يستحب الاستقبال في مواضع: حال الدعاء، وحال قراءة القرآن، وحال الذكر، وحال التعقيب وحال المرافعة عند الحاكم، وحال سجدة الشكر وسجدة التلاوة، بل حال الجلوس مطلقا. (مسألة 4): يكره الاستقبال حال الجماع، وحال لبس السروايل، بل كل حالة تنافي التعظيم. ] (1) لانه الظاهر من الاستقبال بها. (2) إ لما عن جماعة من وجوب إستقبال الذابح، بدعوى كون الباء في الحسن للمصاحبة، أي: أستقبل مع ذبيحتك القبلة. ولما عن دعائم الاسلام: " إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة أحد الشفرة وأستقبل القبلة " (* 1) بناء على كون المراد إستقبال الذابح. لكن الدعوى ممنوعة مع أن مصاحبة المستقبل لا تقتضي إستقبال الصاحب: وإنما إقتضته في مثل: (ذهبت بزيد) لخصوصية المادة. والظاهر أن الباء هنا للتعدية، مثل قوله تعالى: (ذهب الله بنورهم). (* 2) وحديث الدعائم مع ضعفه في نفسه ولا جابر له يلزم حمله على الاستقبال بالبهيمة لئلا يلزم عدم التعرض له مع وجوبه، وتعرضه لما ليس بواجب. والله سبحانه أعلم.

____________
(* 1) مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الذبائح حديث: 1. (* 2) البقرة / 17.