كتاب الضمانه

[ بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الضمانه وهو من الضمن (1)، لانه موجب لتضمن ذمة الضامن للمال الذي على المضمون عنه للمضمون له، فالنون فيه أصلية ] بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله وآله الطاهرين. كتاب الضمانة (1) قال في المسألك: " الضمان عندنا مشتق من الضمن، لانه يجعل ماكان في ذمته من المال في ضمن ذمة أخرى، أو لان ذمة الضامن تتضمن الحق. فالنون فيه أصلية، بناء على أنه ينقل المال من الذمة إلى الذمة. وعند أكثر العامة: أنه غير ناقل، وإنما يفيد اشتراك الذمتين، فاشتقاقه من الضم والنون فيه زائدة، لانه ضم ذمة إلى ذمة، فيتخير المضمون له في المطالبة ". لكن في كونه عندنا مشتقا من الضمن خفاء، فمن الجائز أن يكون الضمن مشتقا منه، فيكون معنى كون الشئ في ضمن شئ آخر: أنه في عهدته. وكذا معنى قولنا: إن كذا تضمن كذا، أو مضمون العبارة كذا. وضمنت قصيدتي آية أو بيتا من شعر فلان، ونحو ذلك، فان معنى ذلك وإن كان الظرفية، لكن يمكن أن تكون الظرفية

 

===============

 

( 245 )

 

[ كما يشهد له سائر تصرفاته من الماضي والمستقبل وغيرهما. وما قيل من احتمال كونه من الضم (1) فيكون النون زائدة (2)، واضح الفساد، إذ - مع منافاته لساير مشتقاته - (3) لازمه كون الميم مشددة (4). وله إطلاقان: (5). إطلاق بالمعنى الاعم الشامل للحوالة والكفاية أيضا، فيكون بمعنى التعهد بالمال أو النفس. وإطلاق بالمعنى الاخص، وهو التعهد بالمال عينا أو منفعة أو عملا، وهو المقصود من هذا الفصل. ويشترط فيه أمور: ] موجبة للتعهد. وبالجملة: الضمن معناه الظرفية، ولازمها نوع من التعهد: والضمان هو التعهد ولازمه نوع من الظرفية، فيحتمل أن يكون كل واحد منها أصلا للآخر. ومقتضى كثرة استعمال الضمان ومشتقاته كونه أصلا للآخر، لافرعا عليه. (1) تقدمت حكايته عن أكثر العامة. (2) نظير: الجولان، والنزوان، والجريان " والحيوان، والضربان وغيرها مما هو كثير. ويختص غالبا بما كان فيه حركة وتقلب، كما ذكره ابن مالك في منظومته. (3) لان زيادة النون في المصدر تقتضي خلو سائر المشتقات منها مع أنها موجودة فيها. اللهم إلا أن يكون المراد الاشتقاق الكبير. (4) ليكون الفعل ثلاثيا لا ثنائيا. (5) كما نص على ذلك جماعة، منهم المحقق والشهيد الثنانيان في جامع المقاصد والمسالك. وفي الشرائع: " كتاب الضمان. وهو عقد شرع للتعهد بمال أو نفس. والتعهد بالمال قد يكون ممن عليه للمضمون

 

===============

 

( 246 )

 

عنه مال، وقد لا يكون، فهنا ثلاثة أقسام "، فجعل الضمان مقسما للاقسام الثلاثة. لكن قال بعد ذلك: " القسم الاول في ضمان المال ممن ليس للمضمون عنه عليه مال. وهو المسمى بالضمان بقول مطلق ". ونحوه في القواعد. وفي الجواهر: أنه - يعني: الاخير - المعنى الحقيقي المتبادر عند الاطلاق، وما تقدم من تقسيم الضمان إلى الثلاثة بحسب المعنى المجازي بالعارض، وإن كان هو في الاصل المعنى الحقيقي، لكنه هجر. أو أنه على جهة الاشتراك اللفظي بين المعنى الخاص والعام والاشتهار قرينة على إرادة الخاص. أو أنه باق على الاشتراك المعنوي والاشتهار قرينة على إرادة الخاص عند الاطلاق. لكن ما ذكر من الاحتمالات الثلاثة كلها بعيدة عن المراد. وأبعد منها ما ذكره في المسالك: من أن الفرق بين مطلق لا ضمان والضمان المطلق هو الفرق بين مطلق الماء والماء المطلق، وكما أن مطلق الماء ينقسم إلى المطلق والمضاف، كذلك مطلق الضمان ينقسم إلى الضمان المطلق والضمان المقيد. فان مطلق الماء ليس جامعا بين الماء المطلق والمضاف، بل هو جامع بين أفراد الماء المطلق، مطلقها ومقيدا، وكذلك مطلق الضمان إنما يكون جامعا بين أفراد الضمان بالمعنى المقابل للحوالة والكفالة، لاجامعا بينه وبين الحوالة والكفالة. ولا جامع بين الماء المطلق والمضاف حقيقي، وانما هو اعتباري، وهو ما يسمى ماء، مثل الجامع بين معاني المشترك اللفظي. والتحقيق: أن للضمان معنيين: عرفي، وهو التعهد بالمال أو النفس واصطلاحي: وهو الضمان الخاص. فإذا أطلق الضمان في العرف كان المراد منه المعنى العام الشامل للضمان. وإذا أطلق عند الفقهاء كان المراد منه المعنى الخاص لا غير. فان كان مراد الشهيد ذلك كان في محله، وإن كان غيره كان محلا للنظر، كما يظهر بالتأمل.

 

===============

 

( 247 )

 

[ أحدها: الايجاب. ويكفي فيه كل لفظ دال (1)، بل يكفي الفعل الدال - ولو بضميمة القرائن - على التعهد والالتزام بما على غيره من المال. الثاني: القبول من المضمون له. ويكفي فيه أيضا كل ما دل على ذلك من قول أو فعل (2). وعلى هذا فيكون من العقود المفتقرة إلى الايجاب والقبول. كذا ذكروه (3). ولكن لا يبعد دعوى عدم اشتراط القبول على حد سائر العقود اللازمة، بل يكفي رضى المضمون له سابقا أو لاحقا، (4) كما عن الايضاح والاردبيلي، حيث قالا: يكفي فيه الرضا ] (1) هذا مما لا ينبغي الاشكال فيه، لتحقق الانشاء بذلك، الموجب لصدق العنوان. ولاجل ذلك نقول بكفاية الفعل لتحقق الانشاء به تحققه بالقول، فان الفعل وان كان في نفسه خاليا عن الدلالة على شئ، لكن بتوسط القرائن يكون دالا على إنشاء العنوان، كالقول، فان لم يكن دالا لم يكف في صدق العنوان عرفا، وان قصد به الانشاء. (2) لما سبق في الايجاب. (3) قد عرفت عبارة الشرائع والقواعد. نحوهما غيرها مما تضمن أن الضمان عقد. وفي جامع المقاصد: أن الضمان عقد إجماعا. (4) قال في الخلاف: " ليس من شرط صحة الضمان رضا هما أيضا. وان قيل: إن من شرطه رضى المضمون له كان أولى ". وهو صريح في عدم لزوم الرضا فضلا عن القبول. واحتج على ذلك بضمان أمير المؤمنين عليه السلام وأبي قتادة الدين عن الميت (* 1)، ولم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عن

 

 

____________

(* 1) المحكي في الخلاف: ان امير المؤمغين ضمن درهمين عن الميت، فقال النبي صلى الله عليه وآله له: -

 

===============

 

( 248 )

 

[ ولا يعتبر القبول العقدي. بل عن القواعد: (1) وفي اشتراط قبوله احتمال، ويمكن استظهاره من قضية الميت المديون الذي امتنع النبي صلى الله عليه وآله أن يصلي عليه حتى ضمنه علي (ع). ] رضا المضمون له. وفيه: أن عدم السؤال أعم من عدم اعتبار الرضا، كما هو ظاهر، إذ من الجائز إطلاعه صلى الله عليه وآله على حصول الرضا فلم يسأل عنه. ولذك قيل: إنه قضية في واقعة لاعموم فيها. وفي الجواهر: أن اشتمال الخير على وقوع الضمان يدل على وقوع الرضا، لان الضمان عقد مؤلف من الايجاب والقبول، فالاخبار عنه إخبار عنهما. لكن في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء. فقال (ع): إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت " (* 1) وظاهر اشتراط الرضا في الجواب: أنه أمر زائد على الضمان، وأنه يتحقق وإن لم يرض المضمون له. وعلى هذا فوقوع الضمان لا يدل على الرضا ولا على القبول. فاللازم في الجواب عن احتجاج الشيخ (ره) ما ذكرنا. هذا بناء على ثبوت الخبر. لكنه محل تأمل. وحينئذ فالاحتجاج به غير ظاهر وإن سلمت الدلالة. مضافا إلى أنه إذا تمت دلالة الخبر على عدم اعتبار الرضا كان معارضا لصحيح ابن سنان المذكور، فيتعين حمله على الصحيح، لا حمل الصحيح عليه، لان الصحيح أظهر دلالة. (1) قال في القواعد: " وفي اشتراط قبوله احتمال ". وفي جامع

 

 

____________

- " جزاك الله عن الاسلام خيرا، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ". والمحكي أيضا: أن أبا قتادة دينارين عن ميت، فقال (ع) له: هما عليك، والميت منهما برئ (* 2).؟ نه قدس سره (* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 3 من ابواب الضمان حديث: 2، 3.

 

===============

 

( 249 )

 

[ وعلى هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود من الترتيب والموالاة ] المقاصد - في شرحه - قال: " ينشأ من واقعة علي (ع)، والتمسك بالاصل،. والاصح الاشتراط، لان الضمان عقد اجماعا فلابد فيه من القبول. ولان المال للمضمون له، فكيف يملك شخص نقله إلى ذمته بغير رضاه؟. وقضية علي (ع) واقعة في عين لاعموم لها. ولا أصل في هذا، بل الاصل عدم شرعيته إلى أن يثبت ". أقول: دعوى الاجماع على كون الضمان عقدا وإن كان يقتضيها ما عرفت من عبارة الشرائع ونحوها، لكن خلاف الخلاف في اعتبار الرضا يوهنها جدا. بل عبارة القواعد مثل عبارة الشرائع صريحة في كونه عقدا ومع ذلك جعل اعتبار قبول المضمون له احتمالا، فربما يدل ذلك على كون المراد من كونه عقدا: أنه عند العرف لا عند الشارع. وحينئذ يسهل المنع عن ذلك، فان الضمان تعهد بالمال وهو - بمنزلة الوعد - قائم بنفس المتعهد. ويشير إلى ذلك صحيح ابن سنان المتقدم، حيث جعل الرضا شرطا زائدا على الضمان، وأنه يتحقق وإن لم يرض المضمون له. إلا أن يقال: إن الضمان ليس بمنزلة الوعد تعهدا محضا، وإنما هو نقل مال المضمون له من ذمة المدين إلى ذمة الضامن، ولما كان نقله تصرفا بمال الغير، كان قائما بالغير فهو عقد قائم بين الضامن والمضمون له، كما أشار إلى ذلك في جامع المقاصد. وأما صحيح ابن سنان فيمكن حمله إذا على مجرد إيجاب الضامن وإنشائه، كما يطلق ألفاظ سائر العقود على إنشاء ايجابها فيقال: باع زيد على عمرو فلم يقبل عمرو، ويكون المراد من رضا المضمون له قبوله، لا مجرد الرضا النفساني. اللهم إلا أن يقال: الضمان عندنا نقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن. وحكي عن أبي ثور وابن أبي ليلى وابن شرمة وداود أيضا.

 

===============

 

( 250 )

 

وعن الشافعي وباقي الفقهاء: أنه لانقل فيه من ذمة إلى ذمة، بل هو ضم ذمة إلى ذمته، والمضمون له مخير في أن يطالب أيهما شاء. وهذا الاختلاف لا يجوز أن يكون في المفهوم، ضرورة أن المفهوم المنشأ عندهم هو المفهوم المنشأ عندنا، فلابد أن يكون مفهومه ما به الاشتراك بيننا وبينهم، وأما ما به الاختلاف فهو خارج عن المفهوم. وعلى هذا فليس الضمان الا التعهد بالدين وشغل الذمة به، من دون تعرض فيه إلى نقل الدين، بل هو من الاحكام المستفادة من الادلة الخاصة الآتية. ولاجل ذلك يظهر أنه من المفاهيم الايقاعية دون العقدية، لعدم تعرض الضامن لشؤون غيره نفسا أو مالا، ولا تصرف منه في ذلك. ولاجل ذلك يجب الاخذ بظاهر صحيح ابن سنان المتقدم، ولا موجب للتصرف فيه بحمله على الايجاب الناقص، كما ذكرنا سابقا، بل يحمل على ما هو الظاهر من الضمان الكامل، وأن حكمه اعتبار الرضا من المضمون له شرطا له على نحو لا يصح بدونه. ويشهد بما ذكرنا تفسير الفقهاء للضمان: بأنه تعهد بمال، في قبال الحوالة التي هي تعهد بنفس. فكما أن التعهد بالنفس ليس إلا محض التعهد بالنفس، كذلك التعهد بالمال، ليس الا التعهد بالمال، من دون تعرض لنقل التعهد من غيره إليه. وقد عرف في الشرائع وغيرها الضمان بالمعنى الاعم - حسبما ذكروه - بأنه تعهد بالمال أو النفس. فهما على وتيرة واحدة. ومن ذلك كله يظهر أنه لا مقتضي لاعتبار قبول المضمون له. نعم لا بأس باعتبار رضاه، كما تضمنه صحيح ابن سنان. ولا سيما أن من أحكامه انتقال الضمان، وربما كان ذلك ضررا على المضمون له ماليا أو أدبيا، لا يجوز ارتكابه بلا رضاه. وإن كان هذا الوجه لا يقتضي اعتبار رضاه إلا مع لزوم الضرر، بخلاف الصحيح فانه يقتضيه مطلقا.

 

===============

 

( 251 )

 

[ وسائر ما يعتبر في قبولها. وأما رضى المضمون عنه فليس معتبرا فيه (1)، إذ يصح الضمان التبرعي، فيكون بمنزلة وفاء دين الغير تبرعا حيث لا يعتبر رضاه. وهذا واضح فيما لم يستلزم الوفاء أو الضمان عنه ضررا عليه أو حرجا (2)، من حيث كون تبرع هذا الشخص لوفاء دينه منافيا لشأنه، كما إذا تبرع وضيع دينا عن شريف غني قادر على وفاء دينه فعلا. الثالث: كون الضامن بالغا عاقلا، فلا يصح ضمان الصبي وان كان مراهقا، (3) بل وإن أذن له الولي على إشكال (4) ] (1) هذا موضع وفاق، كما في المسالك. وفي الجواهر: " بلا خلاف أجد فيه، بل الاجماع بقسميه عليه ". لما ذكره في المتن. (2) أما إذا استلزم ذلك فقاعدة نفي الضرر والحرج مانعتان من الصحة. (3) إجماعا حكاه جماعة. لقصور سلطنة الصبي عن التصرف في ماله. (4) ظاهرهم الاتفاق عليه، فقد فصلوا في ضمان العبد بين إذن المولى وعدمه، ولم يفصلوا هنا ولا في المجنون، بناء منهم على قصور عبارتهما. لكنه في الصبي غير ظاهر إذا كان مميزا، لانصراف أدلة المنع من نفوذ تصرفه عن صورة إذن الولي، بل لعل قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح...) (* 1) ظاهر في صحة تصرفه باذن الولي. وكذا رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع): " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كسب الاماء فانها إن لم تجد زنت، إلا أمة قد عرفت بصنعة يد. ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة

 

 

____________

(* 1) النساء: 6.

 

===============

 

( 252 )

 

[ ولاضمان المجنون، (1) إلا إذا كان ادواريا في دور إفاقته (2) وكذا يعتبر كون المضمون له بالغا عاقلا (3). وأما المضمون عنه فلا يعتبر فيه ذلك (4)، فيصح كونه صغيرا أو مجنونا. نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض (5). الرابع: كونه مختارا، فلا يصح ضمان المكره (6). ] بيده، فانه إن لم يجد سرق " (* 1). وقد تعرضنا لذلك في مباحث الاجارة من هذا الشرح. فلاحظ. (1) قصور عبارته عند العقلاء ظاهر، فلا يدخل عقده في أدلة الصحة وإن أذن له الولي. (2) هذا الاستثناء منقطع. (3) لما تقدم من اعتبار رضاه، الذي لا يصح من غير البالغ إلا باذن وليه، ولا من المجنون مطلقا. (4) إذ لا دخل له في صحة الضمان على ما عرفت. (5) لان ذلك من أحكام إذن المضمون له كما سيأتي وإذنهما تصرف منفى بأدلة قصور سلطنتهما. (6) إجماعا، لحديث نفي الاكراه، (* 2)، بناء على كون المراد منه رفع السببية، ولو بقرينة استدلال الامام (ع) به في صحيح البزنطي عن أبي الحسن (ع): " في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟ فقال (ع): لا. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وضع عن أمتي ما اكرهوا عليه. وما لم يطيقوا، وما اخطأوا " (* 3).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 33 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1. (* 2) راجع الوسائل باب: 56 من ابواب جهاد النفس. (* 3) الوسائل باب: 12 من ابوب كتاب الايمان حديث: 12.

 

===============

 

( 253 )

 

[ الخامس: عدم كونه محجورا لسفه (1) الا باذن الولي وكذا المضمون له (2)، ولا بأس بكون الضامن مفلسا (3)، فان ضمانه نظير اقتراضه (4)، فلا يشارك المضمون له مع الغرماء (5). وأما المضمون له فيشترط عدم كونه مفلسا (6) ولا بأس بكون المضمون عنه سفيها أو مفلسا، لكن لا ينفع إذنه في جواز الرجوع عليه. السادس: أن لا يكون الضامن مملوكا غير مأذون من قبل مولاه على المشهور (7)، لقوله تعالى: (لا يقدر على شئ) (8). ولكن لا يبعد صحة ضمانه وكونه في ذمته يتبع ] (1) لدليل الحجر المانع من صحة التصرف. (2) لما سبق من اعتبار رضاه ودليل الحجر مانع من صحة رضاه وترتب الاثر عليه. (3) لان الفلس إنما يمنع من التصرف في ماله لافي نفسه، والضمان تصرف في النفس، لانه اشغال الذمة بالمضمون، نظير الاجارة على العمل، فانها تصرف في النفس، مقابل إجارة العين، فانها تصرف في المال. (4) فانه يوجب اشتغال ذمته، فهو تصرف في نفسه لا في ماله. (5) لتعلق حق الغرماء بالمال قبل صيرورته غريما، فلا يصح أن يشاركهم. (6) لما سبق. وكذا الكلام فيما يأتي، فانه قد سبق أيضا. (7) وحكي عن المبسوط، والارشاد، التحرير، و اللمعة، وجامع المقاصد، والروضة، والمسالك، واختاره في الشرائع. (8) فان إطلاقه يقتضي نفي سلطنته على كل شئ ومنه الضمان.

 

===============

 

( 254 )

 

[ به بعد العتق، كما عن التذكرة والمختلف. ونفي القدرة منصرف عما لا ينافي حق المولى (1). ودعوى: أن المملوك ] وتخصيصه بالمال - كما عن المختلف - غير ظاهر، بل خلاف صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع): " قالا المملوك لا يجوز طلاقه ولانكاحه إلا باذن سيده. قلت: فان كان السيد زوجه، بيد من الطلاق؟ قال (ع): بيد السيد، (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) (* 1)، أفشي الطلاق؟ " (* 2). نعم المشهور تخصيص ذلك بما إذا كان قد تزوج أمة سيده، أما إذا كان قد تزوج حرة أو أمة لغير سيده وكان باذن مولاه، فالطلاق بيده لابيد سيده. لكنه حينئذ يكون تخصيصا للآية الشريفة، ولا مانع من العمل بعمومها في غيره. (1) هذا الانصراف غير ظاهر، بل ظاهر قوله تعال: (مملوكا لا يقدر) أن انتفاء القدرة لكونه مملوكا، وفعله مملوك تبع عينه. وإذا كان فعله مملوكا لم يكن تحت سلطانه، سواء كان منافيا لحق المولى أم لم يكن مضافا إلى أن الاستدلال به في الصحيح على عدم قدرته على الطلاق صريح في عدم اختصاصه بما ينافي حق المولى. ومنه يظهر الاشكال فيما في المختلف من تخصيص الآية بالمال، بقرينة ما بعدها من قوله تعالى: (ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه...). كما يظهر إشكال آخر عليه وعلى المصنف (ره) وهو أن الآية في نفسها غير ظاهرة في جعل الحكم الشرعي، نظير قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله...) (* 3)، فانه لا يدل على أن كل حبة تزرع نتاجها سبعمائة حبة، فالاستدلال بها

 

 

____________

(* 1) النحل: 75. (* 2) الوسائل باب: 45 من أبواب مقدمات الطلاق حديث: 1. (* 3) البقرة: 261.

 

===============

 

( 255 )

 

[ لا ذمة له، كما ترى (1)، ولذا لاإشكال في ضمانه لمتلفاته. هذا وأما إذا أذن له مولاه فلا إشكال في صحة ضمانه (2). وحينئذ فان عين كونه في ذمة نفسه، أو في ذمة المملوك يتبع به بعد عتقه أو في كسبه، فهو المتبع (3)، وإن أطلق الاذن ففي كونه في ذمة المولى (4)، ] لابد أن يكون بملاحظة الاستدلال بها في الصحيح، وهو صريح في غير المال، وصريح فيما لا ينافي حق المولى. فتأمل جيدا. (1) هذه الدعوى لم أقف عليها لاحد فيما يحضرني. نعم ذكر في جامع المقاصد وغيره: كون ذمته مملوكة لمولاه، فلا سلطان له عليها بغير إذنه. وفيه: أنه ممنوع، إذا لم يرجع إلى ما ذكرنا من ملكية فعله. (2) عن المبسوط: نسبته الينا، وعن التذكرة: أنه قولا واحدا. وفي المختلف: " يصح ضمان العبد باذن مولاه إجماعا ". (3) قال في المختلف: " وإن عينه في ذمته، أو في كسبه، أو في مال غيرهما من أمواله تعين ". وفي الشرائع: " ويثبت ما ضمنه في ذمته لا في كسبه إلا أن يشترطه في الضمان باذن مولاه. وكذا إذا شرط أن يكون الضمان من مال معين ". وفي القواعد: " ولو أذن له احتمل تعلقه بكسبه وبذمته ويتبع به بعد العتق، أما لو شرطه في الضمان باذن السيد صح، كما لو شرط الاداء من مال بعينه ". ونحوها عبارات غيرهم. وكلها تشترك في أنه إذا اشترط المولى كون الضمان في ذمة معينة - ذمته أو ذمة عبده - أو من مال معين - سواء كان كسب العبد أو غيره - تعين. ويظهر منهم المفروغية عن ذلك. وكأنه لعموم نفوذ الشروط وصحتها. (4) في جامع المقاصد: انه لا يخلو من قرب. وفي المسالك: لعله الاقوى ".

 

===============

 

( 256 )

 

[ أو في كسب المملوك (1)، أو في ذمته يتبع به بعد عتقه (2)، أو كونه متعلقا برقبته (3)، وجوه وأقوال. أوجهها: الاول لانفهامه عرفا (4)، ] (1) حكي عن بعض الشافعية. وحكاه في المسالك قولا، وفي القواعد وغيرها احتمالا. (2) اختاره المحقق في الشرائع، وحكى عن جملة من كتب العلامة وعن اللمعة. (3) حكي عن نسختين من التحرير، كما حكي عن بعض الشافعية أيضا. (4) يعني: يفهم من الاذن في الضمان أن المال في ذمة المولى لا في ذمة العبد، فيكون الاذن في الضمان راجعا إلى التوكيل فيه. ولذلك أشكل عليه في الجواهر: بأنه خلف، لان المفروض أن المولى أذن له في الضمان والضمان اشتغال الذمة بالدين، فالمأذون فيه إشغال ذمته بالدين لا إشغال ذمة مولاه، فكيف يمكن دعوى انفهامه؟!. نعم لما كان الضمان يستتبع الاداء وكان العبد عاجزا عنه، أمكنت دعون كون المفهوم كون الاداء على السيد لا أنه في ذمته. وهذا هو مراد القائلين بهذا القول. ففي جامع المقاصد - بعد أن ذكر وجه القول بتعلقه بكسبه، وهوأن إطلاق الاذن يستعقب الاداء، والاداء من غير مال السيد، ممتنع - قال: " وهذا التوجيه إن تم يقتضي عدم القصر على الكسب، بل يقتضي وجوب الاداء على السيد، وهو قريب من قول ابن الجنيد، ولا يخلو من قرب ". فالمراد: ان الواجب على السيد الاداء لما في ذمة العبد، من دون اشتغال ذمته بالمال. والمتحصل: أنه يتوجه إشكال الجواهر على المصنف (ره) في دعواه انفهام التوكيل من الاذن في الضمان. كما يتوجه عليه وعلى الجواهر

 

===============

 

( 257 )

 

[ كما في إذنه في الاستدانة لنفقته أو لامر آخر (1)، وكما في إذنه في التزويج حيث أن المهر والنفقة على مولاه (2). ودعوى الفرق بين الضمان والاستدانة: بأن الاستدانة موجبة لملكيته، وحيث أنه لا قابلية له لذلك يستفاد منه كونه على مولاه، بخلاف الضمان حيث أنه لاملكية فيه (3). ] إشكال حمل القول المذكور على هذا المعنى - أعني: اشتغال ذمة السيد - مع أن ظاهر عبارته كون الاداء على السيد، لاكون الدين عليه. ومثله القولان الآخران، فان مرجعهما إلى كون الاداء على السيد من رقبة العبد أو من كسبه، في مقابل القول المذكور، وهو كونه على السيد مطلقا من غير تقييد بمال معين. فالاقوال الاربعة كلها مشتركة في كون الدين بذمة العبد، واختلفت في أنه ليس على السيد أداؤه بل يتبع به العبد بعد العتق، أو على السيد اداؤه من ماله الخاص وهو كسب العبد، أو من ماله الخاص وهو رقبة العبد، أو من ماله مطلقا، وهذا الذي اختاره في جامع المقاصد. ومن ذلك يظهر أن الاحتمالات خمسة، خامسها: أنه في ذمة السيد لاغير كساير ديونه، وهو الذي اختاره المصنف. (1) يعني: أنه إذا أذن له في الاستدانة يكون العوض في ذمة المولى، فكذلك إذا أذن له في الضمان. (2) تقدم في هذا الشرح من مباحث النكاح: أنه إذا أذن السيد لعبده في التزويج كانت ذمة العبد مشغولة بالمهر والنفقة وذمة السيد فارغة منهما، لكن يجب عليه الاداء. (3) قال في الجواهر: " وفرق واضح بين اطلاق الاذن في المقام، وبينه في الاستدانة المقتضية ملك العين المستدانة على أن يملك صاحبها مثلها أو قيمتها في ذمة المستدين، والعبد لا قابلية له لذلك، لما حررناه من

 

===============

 

( 258 )

 

[ مدفوعة: بمنع عدم قابليته للملكية (1). ] عدم ملكه لشئ، فلا وجه لاطلاق الاستدانة إلا على السيد، بخلاف المقام الذي لا ملك فيه ". (1) لكن على تقديره نقول في الاستدانة أيضا: بأن الضمان على العبد، لان الذي دعى إلى القول بأنه على السيد امتناع الملكية، لاظهور الاذن في الاستدانة. وكان المناسب للمصنف أن يتعرض لاشكال الجواهر الاول، كما تعرض لاشكاله هذا، فان الاول أهم وألزم، فان الالتزام باشتغال ذمة السيد مخالفة للظاهر من دون سبب ظاهر، فهذا القول ضعيف جدا. ومثله القول بأن الدين في ذمة العبد لكن الاداء يكون من كسب العبد أو من رقبته، فانه بلا قرينة. فحينئذ يدور الامر بين القولين الاخرين: القول بأنه في ذمة العبد ولا دخل للسيد فيه ولا في وفائه، والقول بأنه في ذمة العبد وعلى السيد وفاؤه. والظاهر اختلاف الحكم باختلاف المقامات، فان كان العبد قد أهمله مولاه وسيبه وأذن له في الذهاب حيث يشاء، فهذا ضمانه على نفسه ولا يرتبط بالسيد: نعم يفي من كسبه وكده، سواء بقي على رقيته أو اعتق، فان عجز عن الوفاء كان كغيره من المعسرين. وإن كان العبد في خدمة مولاه ويسير في ركابه، وتحت سلطانه ورعايته، فهذا إذا ضمن فضمانه في ذمته، لكن وفاؤه على مولاه حسبما تقتضيه قرينة الحال. وإذا كان العبد ذا مال فضمن، وكان ناويا الوفاء من ماله وأذن له مولاه وقد علم بذلك، فتلف المال بعد الضمان قبل الوفاء، فالمال يبقى بذمته يتبع به بعد العتق، كما ذكر المحقق. وإن شئت قلت: إذا كانت القرينة على كون ضمانه مبنيا على كون وفائه من كسبه، أو في عهدة المولى عمل بها، وإن لم تكن القرينة على شئ كان وفاؤه بعد عتقه.

 

===============

 

( 259 )

 

[ وعلى فرضه ايضا لا يكون فارقا بعد الانفهام العرفي (1). السابع: التنجيز، فلو علق الضمان على شرط - كأن يقول: أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي، وأنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا، أو إن لم يف أصلا - بطل على المشهور (2). لكن لادليل عليه - بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامة - إلا دعوى الاجماع في كلي العقود على أن اللازم ترتب الاثر عند إنشاء العقد من غير تأخير. ] (1) قد عرفت أن الانفهام العرفي الذي ادعاه جامع المقاصد بالنسبة إلى الاداء، لا بالنسبة إلى اشتغال الذمة. (2) قال في التذكرة: " يشترط في الضمان التنجيز، فلو علقه بمجئ الشهر أو قدوم زيد لم يصح... (إلى أن قال): ولو قال: إن لم يؤد اليك غدا فانا ضامن، لم يصح عندنا. وبه قال الشافعي، لانه عقد من العقود فلا يقبل التعليق، كالبيع ونحوه ". وفي القواعد جعل التنجيز شرطا. ولم يتعرض لشرحه في جامع المقاصد. ولم يتعرض في مفتاح الكرامة لنقل ذلك عن أحد. نعم حكى عن تمهيد القواعد: الاجماع على عدم صحة التعليق في العقود على الشرط، وان ذلك يلوح من التذكرة وكشف اللثام. وقد عرفت ما في التذكرة. وفي الرياض - في مسألة ضمان الدين الحال مؤجلا - قال: " وربما يتوهم كونه ضمانا معلقا وهو غير جائز عندنا، وليس كما يتوهم، بل هو تأجيل للدين الحال " والى ذلك أشير في تلك المسألة في المسالك والجواهر، وأهمل ذكره في الشرائع هنا، وجملة كتب أخرى. لكن الظاهر أنه من المسلمات التي لا تقبل المناقشة والتأمل.

 

===============

 

( 260 )

 

[ أو دعوى منافاة التعليق للانشاء (1). وفي الثاني مالا يخفى (2) وفي الوأل منع تحققه في المقام (3). وربما يقال: لا يجوز تعليق الضمان، ولكن يجوز تعليق الوفاء على الشرط مع كون الضمان مطلقا (4). وفيه: ان تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ولا يعقل التفكيك (5). نعم في المثال الثاني يمكن أن يقال: ] (1) لان الانشاء الايجاد. وكما ان الايجاد والوجود واحد والاختلاف اعتباري، كذلك الانشاء والنشوء واحد والاختلاف اعتباري، فلا يمكن أن يكون الانشاء فعليا والنشوء معلقا. (2) ضرورة صحة الانشاء المعلق في جملة من الموارد - كالوصية التمليكية، والتدبير، والنذر المعلق على شرط - فضلا عن امكان ذلك. والسر فيه: أن المعلق عليه الوجود اللحاظي لا الخارجي، فالانشاء يكون حاليا والمنشأ كذلك، لكنه معلق على أمر ذهني لحاظي، لا على الامر الخارجي الاستقبالي، حتى يكون منوطا بوجوده اللاحق. (3) لا يظهر الفرق بين المقام وغيره من موارد العقود والايقاعات التي صرح الفقهاء بعدم صحة التعليق فيها عدا موارد مخصوصة. وقد عرفت أنه يظهر منهم عدم المناقشة فيه، وأنه من المسلمات. (4) قد تقدم هذا المضمون صريحا في كلام الرياض، وإشارة في المسالك والجواهر. (5) إشكاله ظاهر من ملاحظة الديون المؤجلة، فان الدين فيها مضمون في الذمة حالا والوفاء مؤجل. وسيأتي بيان جواز الضمان للدين الحال حالا ومؤجلا، وهو اجماعي. والمراد منه تأجيل الوفاء مع حلول الضمان، كما تقدم التصريح بذلك في الرياض وغيره.

 

===============

 

( 261 )

 

[ بامكان تحقق الضمان منجزا مع كون الوفاء معلقا على عدم وفاء المضمون له (1)، لانه يصدق أنه ضمن الدين على نحو الضمان في الاعيان المضمونة، إذ حقيقته قضية تعليقية (2). ] (1) هذا - مع أنه خلاف ظاهر العبارة، فانها مشتملة على تعليق الضمان لا تعليق الوفاء، فكيف يكون الضمان منجزا؟! - يلزم منه كون الضمان ضم ذمة إلى ذمة، لا نقل ما في الذمة إلى ذمة أخرى، لان وفاء المديون المعلق على عدمه الضمان يراد منه وفاء ما في ذمته، فلا بد أن يكون الدين في ذمته، لا في ذمة الضامن. (2) قال في الجواهر - في شرح قول ماتنه. " وكذا لو أبرأه من الضمان " يعني: لو فرط الودعي في الوديعة فأبرأه المالك من ضمانها برأ -: " المراد من الضمان اشتغال ذمته لو تلف بالمثل أو القيمة، فهو كما لو قال للغاصب أبرأتك من ضمان المال المغصوب في يدك، ونحوه مما هو إبراء مما لم يجب بعد "، ونحوه كلام غيره. وفيه: أن ضمان العين معناه كونها في العهدة، ووجوب المثل أو القيمة على تقدير التلف من قبيل الحكم لذلك الضمان، لا أنه معناه، إذ لا مانع من اعتبار وجود العين في العهدة، في قبال وجودها في الخارج على نحو البدل عنه، بل هو الظاهر من العرف في المضمونات. ثم إنه إذا سلم كون الضمان في ضمان الاعيان من قبيل القضية التعليقية، فحمل الضمان في المقام عليه يلزم منه كون الضمان في المقام معلق، وقد سبق منه: أن الضمان منجز ان التعليق للوفاء لا للضمان. وأيضا يلزم منه تكرار التعليق على أمر واحد، لان التعليق مأخوذ في حاق مفهومه، وهو غير التعليق الذي تضمنته أداة الشرط: نظير قول الشارع إذا فرط الودعي ضمن، فان فيه تعليقين أحدهما في حاق مفهوم الضمان، لان الضمان حسب الفرض معناه اشتغال الذمة بالمثل

 

===============

 

( 262 )

 

[ إلا أن يقال: بالفرق بين الضمان العقدي والضمان اليدي (1). الثامن: كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون ] أو القيمة على تقدير التلف، فهو معنى داخل فيه التعليق، وقد علق هذا المعنى التعليقي على التفريط. لكنه في لسان الشارع على أمرين، وهنا يكون التعليقان في لسان الموجب على أمر واحد. وبالجملة: إذا حملنا معنى الضمان في المقام على معنى الضمان في الاعيان بناء على ما ذكر في الجواهر من أنه تعليقي، ويكون معنى: " ضمنت الدين ": أنه يلزمني الدين على تقدير عدم أداء المديون، فحينئذ يصح إنشأه بلا تعليق، بان يقول: [ ضمنت الدين ] ويريد المعنى المذكور. أما إذا أنشأه معلقا على عدم الوفاء يكون المعنى حينئذ أني يلزمني الدين على تقدير عدم وفاء الدين على تقدير عدم وفاء الدين، فيكون عدم وفاء المديون دينه شرطا للموضوع والحكم وهو ممتنع. اللهم إلا أن يريد من القضية التعليقية: أن التعليق مقدر خارج عن معنى الضمان، فيكون الضامن هنا قد خرج به، غاية الامر أن المعلق عليه الضمان هناك التلف. وهنا عدم أداء المديون دينه. فالاشكال على المصنف تارة: من جهة منع كون ضمان الاعيان تعليقا. وأخرى: أنه لو سلم فلا وجه لحمل المقام عليه، فان الضمان هناك حكم شرعي، وهنا إنشائي جعلي، وجواز التعليق في الاول لا يقتضي جوازه في الثاني. ولو سلم لزم وجود تعليقين ولا يمكن الجمع بينهما. فتأمل. (1) الفرق بينهما ظاهر، فان الاول إنشائي جعلي، والاخر حكم شرعي غير انشائي. والاول يختص بالذمي، والاخر يختص بالخارجي. والاول تنجيزي، والثاني معنى تعليقي على ما اختاره المصنف.

 

===============

 

( 263 )

 

[ عنه (1)، سواء كان مستقرا، كالقرض والعوضين في البيع الذي لاخيار فيه، أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري كما إذا ضمن الثمن الكلي للبايع، أو المبيع الكلي للمشتري، أو المبيع الشخصي قبل القبض (2)، وكالمهر قبل الدخول ونحو ذلك. فلو قال: (3) اقرض فلانا كذا وأنا ضامن، ] (1) قال في الشرائع: " الثاني: في الحق المضمون، وهو كل مال ثابت في الذمة، سواء كان مستقرا كالبيع بعد القبض وانقضاء الخيار، أو معرضا للبطلان كالثمن في مدة الخيار بعد قبض الثمن. ولو كان قبله لم يمح ضمانه عن البائع ". وفي القواعد: " الخامس: الحق المضمون وشرطه المالية والثبوت في، الذمة، وإن كان متزلزلا، كالثمن في مدة الخيار والمهر قبل الدخول ". وفي مفتاح الكرامة: " كما طفحت به عباراتهم كالخلاف والغنية وغيرهما. وفي المبسوط نفي الخلاف - وظاهره بين المسلمين - عن صحة ضمان الثمن في البيع بعد تسليم المبيع، والمهر بعد الدخول، والاجرة بعد دخول المدة، وعن صحة ضمان الثمن قبل التسليم، والاجرة قبل انقضاء الاجارة، والمهر قبل الدخول. قال: فهذه الحقوق لازمة غير مستقرة، فيصح ضمانها أيضا بلا خلاف ". (2) المبيع الشخصي قبل القبض مضمون بضمان المعاوضة، يعني: بالتلف يكون من مال البائع، لانفساخ العقد قبله آناما، وليس مضمونا بضمان اليد، فلا يكون مضمونا في ذمة البائع. والضمان بهذا المعنى حكم شرعي لا يقبل الاسقاط، ولا يمكن نقله إلى غيره بضمانه، وذلك يختص بالضمان باليد. نعم إذا أتلفه البايع كان ضامنا له، لكنه بالاتلاف لا باليد. (3) تفريع على الشرط المذكور.

 

===============

 

( 264 )

 

[ أو بعه نسيئة وأنا ضامن، لم يصح على المشهور. بل عن التذكرة الاجماع. قال: " لو قال لغيره مهما أعطيت فلانا فهو علي، لم يصح إجماعا " (1). ولكن ما ذكروه من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية (2). ويمكن أن يقال بالصحة إذا حصل المقتضي للثبوت وإن لم يثبت فعلا، بل مطلقا، لصدق الضمان وشمول العمومات العامة (3)، وإن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم. بل يمكن منع عدم كونه منه أيضا. ] (1) في التذكرة: " ولو قال لغيره: ما أعطيت فلانا فهو علي، لم يصح أيضا عند علمائنا أجمع. وبه قال أحمد ". (2) قال في مفتاح الكرامة - بعد ما حكى عن التذكرة العبارة المذكورة -: " وقد جوزوا ضمان أشياء كثيرة ليست ثابتة في الذمة " كضمان الاعيان المضمونة، وضمان العهدة، ونقصان الصنجة، وغير ذلك، فهي إما مستثناة أو الشرط أغلبي ". وسيأتي في المسألة الثامنة والثلاثين وغيرها التعرض للموارد التي يكون الضمان فيها منافيا لما ذكر. (3) قد عرفت في أول الكتاب أن الضمان إشغال الضامن ذمته بما اشتغلت به ذمة المضمون عنه، وهو يتوقف على اشتغال ذمة المضمون عنه ليصح القصد إليه، فإذا لم يكن في ذمة المضمون عن شئ، لم يكن للضامن قصد اشغال ذمته به ولا انشاء ذلك، فلا ضمان ولا عقد، كي يتمسك بالعمومات الدالة على صحة الضمان أو صحة العقود. ولذلك لم يصح ضمان ما لم يجب. أما ما سيجب وما سيثبت فيمكن ضمانه على نحو الواجب المعلق، أو على نحو الواجب المشروط. والثاني تعليق في الانشاء مانع عن صحته. والاول وإن كان جائزا لكنه غير ثابت بالنسبة إلى

 

===============

 

( 265 )

 

[ التاسع: أن لا تكون ذمة الضامن مشغولة للمضمون ] المضمون عنه، فكيف يكون ثابتا بالنسبة إلى الضامن وهو تابع له؟!. نعم على ما عرفت من معنى الضمان فهو من ضمان ما لم يجب، الذي لا يكون من الضمان الذي هو محل الكلام " بل إن صح كان ضمانا بمعنى آخر. ولا يتوقف على وجود المقتضي. لكنه يكون المضمون في الذمة بدون مضمون له لفرض عدم حصول السبب المملك له " وربما يأتي التعرض له في المسألة الثامنة والثلاثين. كما يمكن أيضا التعهد على غير وجه الضمان، بأن يتعهد إنسان للزوجة بأن ترفع اليد عن النفقة التي لها على الزوج في المستقبل، ويعطيها هو النفقة. ولا بأس به، لدخوله في عمومات الصحة. ونظيره أن يتعهد لمن له دين على زيد أن يصلي عنه ركعتين، ويرفع اليد عن دينه على زيد، فانه نوع من أنواع العقد، إن صح لم يكن من جنس الضمان، بل هو عقد لنفسه يدخل في عموم صحة العقود. لكن لا يسقط الدين في الفرض بمجرد العقد، بل لابد من اسقاط الدين من الدائن، وإذا كان العوض مفروضا بدلا عن الدين، كان الدين لذي العوض ولا يسقط إلا بالوفاء أو الابراء منه. ويمكن أن تكون المعاملة بنحو آخر. وكيف كان: فهذا ليس من الضمان في شئ، والضمان ليس مطلق التعهد، وإلا فالعقود كلها تعهدات على أنحاء مختلفة باختلاف مضامينها ومن ذلك تعرف صحة ما ذكره الاصحاب، كما تعرف الاشكال فيما ذكره من قوله (ره): " يمكن منع عدم كونه منه ". والذي يتحصل: أن ضمان ما لم يجب ليس من الضمان المصطلح، فان صح كان ضمانا بالمعنى اللغوي، ولا يتوقف على وجود المقتضي. وسيأتي إن شاء الله، فلاحظ.

 

===============

 

( 266 )

 

[ عنه بمثل الدين الذي عليه، على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الاعم، حيث قالوا: إنه بمعنى التعهد بمال أو نفس (1)، فالثاني الكفالة، والاول ان كان ممن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة، وإن لم يكن فضمان بالمعنى الاخص. ولكن لادليل على هذا الشرط (2)، فإذا ضمن للمضمون عنه بمثل ماله عليه يكون ضمانا، فان كان باذنه يتهاتران بعد أداء مال الضمان، والا فيبقى الذي للمضمون عنه عليه، وتفرغ ذمته مما عليه بضمان الضامن تبرعا، وليس من الحوالة، لان المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه (3) على الضامن حتى تكون حوالة ومع الاغماض عن ذلك (4) غاية ما يكون أنه يكون داخلا في كلا العنوانين (5)، فيترتب عليه ما يختص بكل منهما مضافا إلى ما يكون مشتركا. ] (1) ذكر ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما. (2) كما أنه أيضا لا يتم التقسيم المذكور، بناء على صحة الحوالة على البرئ. كما أشار إلى ذلك في المسالك وغيرها. (3) أصل العبارة لم يحل دائنه. (4) يعني: يصدق عليه حوالة وإن لم يكن المضمون عنه قد أحال داينه (5) كما ذكر ذلك في المسالك. والذي يتحصل: الاشكال على الاصحاب من الوجوه: الاول: أن الحوالة لا تختص بالمديون للمحيل، بل تصح على البرئ على قول يأتي. الثاني: أن الضمان لا يختص بالبرئ فانه لادليل على ذلك، والعمومات تنفيه، فيصح من المديون. الثالث: أن الفرق بين الحوالة والضمان في نفس المفهوم، فان الحوالة متقومة بالمحيل

 

===============

 

( 267 )

 

[ العاشر: امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه عند الضامن (1)، على وجه يصح معه القصد إلى الضمان. ويكفي التميز الواقعي وإن لم يعلمه الضامن (2). فالمضر هو الابهام والترديد (3)، فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع فرض تحقق الدينين، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد، ولا ضمان دين لاحد الشخصين ولو على واحد. ولو قال: ضمنت الدين الذي على فلان، ولم يعلم أنه لزيد أو لعمرو، أو الدين الذي لفلان، ولم يعلم أنه على زيد أو على عمرو، صح لانه متعين واقعا. وكذا لو قال: ضمنت لك كلما كان لك على الناس، أو قال: ضمنت عنك كلما كان عليك لكل من كان من الناس. ومن الغريب ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب، أو العلم باسمهما ونسبهما (4) ] والمحال بل والمحال عليه، والضمان متقوم بالضامن والمضمون له، ولا يتوقف على رضا المضمون عنه. فالمتصدي في الضمان الضامن، والمضمون له تابع له، والمضمون عنه أجنبي عنه. والمتصدي في الحوالة المحيل، والمحال والمحال عليه تابعان له. فالفرق بين الحوالة والضمان في المفهوم، كالفرق بين البيع والرهن، وليس الفرق بينهما في حدود المفهوم، كالفرق بين النقد والنسيئة مثلا. (1) بلا خلاف ولا إشكال. (2) إذ لا دليل على اعتبار أكثر من ذلك، والعمومات تقتضي الصحة. (3) لان المبهم لاخارجية له، فلا ينطبق على فرد بعينه، فلا يترتب عليه الاثر، لان الاثر للموجود المتعين الخارجي دون غيره. (4) حكي عن المبسوط أنه قال: " يشترط معرفة المضمون له،

 

===============

 

( 268 )

 

[ مع أنه لادليل عليه أصلا، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي ] ليعرف هل هو سهل المعاملة أم لا؟ ومع انتفاء ذلك يتطرق الغرر. ومعرفة المضمون عنه لينظر هل يستحق ذلك أم لا؟ ". وحكي ذلك عن المفاتيح، للغرر والضرر، ولانه ربما تمس الحاجة إلى المعرفة، ولانه إحسان فلا بد من معرفة محله حتى لا يوضع في غير موضعه. ولا يخفى ما في الجميع من التأمل. وفي المختلف: " والوجه عندي: أن معرفة المضمون عنه شرط دون معرفة المضمون له. لنا: أن المضمون عنه لابد أن يتميز عند الضامن ويتخصص عن غيره، ليقع المضان عنه. وذلك يستدعي العلم به، وهو كما ترى. وفي الخلاف: " ليس من شرط الضمان أن يعرف المضمون له أو المضمون عنه ". واستدل على ذلك بما تضمن ضمان على (ع) وأبي قتادة لدين الميت، ولم يسألهما النبي صلى الله عليه وآله عن معرفة صاحب الدين ولا الميت (* 1)، فدل على أنه ليس من شرطه معرفتهما. وفيه: أن ذلك قضية في واقعة مجملة من هذه الجهة. فلا مجال للاستدلال بها، كما تقدم. وفي الشرائع: " لكن لابد أن يمتاز المضمون عنه عند الضامن بما يصح معه القصد إلى الضمان ". والظاهر منه الامتياز المصحح للقصد إلى الضمان " في مقابل الابهام المانع من القصد إلى الضمان، كما فسره به في الجواهر. لكن في السمالك حمل التمييز على التمييز التفصيلي، فأشكل عليه: بأن القصد إلى الضمان غير متوقف على معرفة من عليه الدين، فلو قال شخص: إني أستحق في ذمة شخص مائة درهم، فقال له آخر: ضمنتها لك، كان قاصدا إلى عقد الضمان عن أي من كان عليه الدين، ولا دليل على اعتبار ما زاد عن ذلك.

 

 

____________

(* 1) تقدم التعرض للحديث في الصفحة: 248.

 

===============

 

( 269 )

 

[ هو أضيق دائرة من سائر العقود. (مسألة 1): لا يشترط في صحة الضمان العلم بمقدار الدين ولا بجنسه (1). ويمكن أن يستدل عليه - مضافا إلى العمومات العامة، وقوله صلى الله عليه وآله: " الزعيم غارم " - بضمان علي بن الحسين (ع) لدين عبد الله بن الحسن (2)، وضمانه لدين ] (1) كما عن جماعة كثيرة. وفي المسالك: أنه الاشهر. وفي جامع المقاصد: " هذا قول الشيخ وأكثر الاصحاب، للاصل، ولقوله صلى الله عليه وآله: الزعيم غارم، ولان الضمان عقد لا ينافيه الغرر " (1). وكأن المراد من الاصل العموم الدال على صحة العقود. وأما ما بعده فغير ثابت من طرقنا، بل المروي في خبر الحسين بن خالد (2) تكذيبه وفي المسالك: استدل بظاهر قوله تعالى: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) (* 3)، مع اختلاف كمية الحمل. لكن الظاهر أن حمل البعير مقدار معين من الوزن. وفي زماننا حمل البعير وزنتان: مائة وستون حقة اسلامبول، أو مائتا كيلو تقريبا. (2) روى ذلك في الفقيه، قال: " روي أنه احتضر عبد الله بن الحسن فاجتمع إليه غرماؤه فطالبوه بدين لهم، فقال لهم: ما عندي ما أعطيكم، ولكن أرضوا بمن شئتم من أخي وبني عمي، علي بن الحسين و عبد الله بن جعفر. فقال الغرماء: أما عبد الله بن جعفر فملي مطول، وأما علي بن الحسين فرجل لامال له صدوق، وهو أحبهما الينا. فأرسل إليه فاخبره الخبر، فقال (ع): أضمن لكم المال إلى غلة، ولم يكن له

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الضمان حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب كتاب الضمان حديث: 1. (* 3) يوسف: 72.

 

===============

 

( 270 )

 

[ محمد بن أسامة (1). لكن الصحة مخصوصة بما إذا كان له واقع معين، وأما إذا لم يكن كذلك. - كقولك: " ضمنت شيئا من دينك " - فلا يصح (2). ولعله مراد من قال إن الصحة إنما هي فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك (3). فلا ] غلة، فقال القوم: قد رضينا، فضمنه، فلما أتت الغلة أتاح الله تعالى له المال فأداه " (* 1). (1) مروي في الكافي عن فضيل وعبيد عن أبي عبد الله (ع): " قال: لما حضر محمد بن أسامة الموت دخل عليه بنو هاشم، فقال لهم: قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم، وعلي دين فأحب أن تقضوه. فقال علي ابن الحسين (ع): ثلث دينك علي. ثم سكت وسكتوا، فقال علي بن الحسين (ع): علي دينك كله. ثم قال علي بن الحسين: أما انه لم يمنعني أن أضمنه أولا إلا كراهة أن يقولوا سبقنا " (* 2). لكنهما من حكاية وافعة، وهي مجملة لا دلالة فيها على المقصود نفيا أو اثباتا. فإذا العمدة في دليل الحكم العمومات. (2) قولا واحدا، كما في التذكرة وجامع المقاصد والمسالك. (3) ذكر ذلك في التذكرة وجامع المقاصد والمسالك، قال في التذكرة: " إن قلنا بصحة ضمان المجهول فانما يصح في صورة يمكن العلم فيها بعد ذلك، كما لو قال: أنا ضمان للدين الذي عليك، وأنا ضامن لثمن ما بعت من فلان، وهو جاهل بالدين والثمن، لان معرفته ممكنة، والخروج عن

 

 

____________

(* 1) من لا يحضره الفقيه الجزء: 3 الصفحة: 55 طبع النجف الاشرف، الوسائل باب: 5 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1. (* 1) روضة الكافي الصفحة: 332 الطبعة الجديدة، الوسائل باب: 3 من ابواب كتاب الضمان حديث: 1.

 

===============

 

( 271 )

 

[ يرد عليه ما يقال: من عدم الاشكال في الصحة مع فرض تعينه واقعا (1). وان لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر المعلوم (2). هذا وخالف بعضهم فاشترط العلم به (3)، لنفي الغرر والضرر ورد بعدم العموم في الاول، لاختصاصه بالبيع (4)، أو مطلق المعاوضات (5). ] العهدة مقدور عليه. أما لو لم يمكن الاستعلام فان الضمان لا يصح فيه قولا واحدا، كما لو قال: ضمنت لك شيئا ممالك على فلان " ونحوه ما في جامع المقاصد والمسالك. (1) قال في الجواهر - بعد نقل ما ذكره عن التذكرة والمسالك وغيرها -: " وهو جيد إن كان المراد عدم إمكان العلم في الواقع للابهام ونحوه - كما عساه يومئ إليه قوله " فيدفع... " انتهى - وإلا كان محلا للنظر.. ". (2) هذا إذا دار بين الاقل والاكثر، أما إذا دار بين المتباينين فلا بد من طريق آخر، إما قرعة أو غيرها. (3) حكي عن الخلاف والمبسوط والقاضي وابن ادريس. وعن كشف الرموز: أنه أشبه. (4) فان الحديث المشهور: " نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر " (* 1) مختص بالبيع. وفي بعض كتب العلامة روايته: " نهي النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر " (* 2). لكنه غير ثابت، بل المظنون أن مراد العلامة من ذلك هو الحديث المشهور. (5) إما للاجماع - كما قد يدعى - وإما للتعدي عن البيع المذكور في

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من ابواب اداب التجارة حديث: 3، الموطأ الجزء: 2 الصفحة 111 طبعة مصر. (* 2) راجع التذكرة: المسألة: 2 من الركن الثالث من الفصل الثاني من الاجارة.

 

===============

 

( 272 )

 

[ وبالاقدام في الثاني (1). ويمكن الفرق بين الضمان التبرعي والاذني، فيعتر في الثاني دون الاول، إذ ضمان علي بن الحسين (ع) كان تبرعيا (2). واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع، بل يجري من مثل المقام الشبيه بالمعاوضة (3). إذا كان بالاذن مع قصد الرجوع على الآذن. وهذا التفصيل لا يخلو عن قرب (4) (مسألة 2): إذا تحقق الضمان الجامع لشرائط الصحة انتقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وتبرأ ذمة المضمون عنه، بالاجماع والنصوص (5)، خلافا للجمهور ] الحديث إلى غيره من المعاوضات. (1) فانه مع الاقدام لا نفي للضرر، إما لانه امتناني ولا امتنان في نفيه مع الاقدام. وإما لان الظاهر من نفي الضرر نفي الحكم الذي يؤدي إلى الضرر، ومع الاقدام على الضرر يكون الضرر من جهة الاقدام لا من جهة الحكم. (2) الذي يظهر من الروايتين السابقتين أنه كان بالاذن والطلب، لكن من الخارج يعلم أنه (ع) لم يضمن بقصد الرجوع على المضمون عنه. (3) لكن دليله غير ظاهر، كما عرفت. (4) لكن الجواز مطلقا أقرب، لما عرفت من إطلاق أدلة الصحة من دون مقيد ظاهر. (5) في التذكرة: أنه عند علمائنا أجمع، وبه قال ابن أبى ليلي وابن شبرمة وداود وأبو ثور، وعن الغنية: أن عليه إجماع الطائفة. وفي المسالك: أنه موضع وفاق. وفي الحدائق: " الظاهر أنه لا خلاف فيه ". وفي الجواهر: " بلا خلاف في ذلك ولا اشكال، بل الاجماع بقسميه عليه، بل لعله من ضروريات الفقه ". وتقدم في مبحث اعتبار

 

===============

 

( 273 )

 

[ حيث أن الضمان عندهم ضم ذمة إلى ذمة (1). وظاهر كلمات الاصحاب عدم صحة ما ذكروه حتى مع التصريح به على هذا النحو. ويمكن الحكم بصحته حينئذ (2)، ] رضا المضمون عنه (* 1) صحيح ابن سنان المتضمن: أنه إذا رضي المضمون عنه فقد برئت ذمة الميت. كما تقدمت الروايات الدالة على براءة ذمه الميت بالضمان عنه، التي هي من طرقنا ومن طرق الجماعة، كرواية أبي سعيد الخدري في ضمان علي (ع) دين الميت " ورواية جابر في ضمان أبي قتادة دين الميت. (1) نسب في التذكرة ذلك إلى عامة الفقهاء كالثوري والشافعي وأحمد واسحاق وأبي عبيدة وأصحاب الرأي " على خلاف بينهم في أن للمضمون عنه مطالبة كل منهما، كما عن الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم، أو أنه لا يطالب الضامن إلا إذا عجز من تحصيله من المضمون عنه لغيبته أو إعساره، كما عن مالك. (2) إذ لا مانع من اشتغال ذمم متعددة بمال واحد على أن يكون بعضها بدلا عن الآخر، كما في المقام، أو لم يلحظ فيها ذلك، كما في تعاقب الايدي، فان العين المغصوبة إذا تعاقبت عليها الايدي كان كل واحد من ذوي الايدي ضامنا لها على السواء فيما بينهم لم يكن قد لوحظت البدلية معه. وامتناع كون الشئ الواحد في مكانين يختص بالامور الحقيقية، ولا يجري في الامور الاعتبارية التي هي وجودات ادعائية اعتبرت عند العقلاء لاسباب اقتضت ذلك الاعتبار. ونظير ذلك الوجوب الكفائي، فانه يتعدد بتعدد الواجب عليهم مع وحدة الواجب، فكما يصح اعتبار وجوب متعدد لواجب واحد يصح اعتبار ضمان متعدد لمضمون واحد،

 

 

____________

(* 1) راجع الصفحة: 248.

 

===============

 

( 274 )

 

[ للعمومات (1). ] ولا فرق إلا من حيث التكليف والوضع، فالواجب الكفائي مع أنه واحد ثابت على كل واحد من المكلفين أو في ذمته، والضمون في تعاقب الايدي أيضا ثابت في ذمة كل واحد من ذوي الايدي. وسيأتي في المسألة السادسة والعشرين بعض الكلام في ذلك. (1) الظاهر أنه يريد عمومات صحة الشروط (* 1). لكن يشكل: بأن تلك العمومات مخصصة بما لا يخالف الكتاب والسنة، والمراد به الشرط الذي لا يكون على خلاف الحكم الشرعي الاقتضائي، فإذا كان مخالفا للحكم الشرعي الاقتضائي كان باطلا. والظاهر من الدليل الدال على كون الضمان موجبا لبراءة ذمة المضمون عنه كونه مقتضيا لذلك حسب الارتكاز العقلائي، لا أن البراءة لعدم المقتضي للاشتغال، فإذا كانت براءة ذمة المضمون عنه لوجود المقتضي لها لا لعدم المقتضي للاشتغال فاشتراط الاشتغال يكون على خلاف الحكم الاقتضائي، فلا يصح. وكذا بناء على ما ذكره شيخنا الاعظم (ره) في تفسير الشرط المخالف للكتاب والسنة بأنه ما كان على خلاف إطلاق دليل الحكم، فان اطلاق قوله (ع): " إذا رضي المضمون له فقد برئت ذمة الميت " (* 2) يقتضي البراءة حتى مع الشرط المذكور، فيكون الشرط المذكور مخالفا لدليل الحكم، فيبطل. إن كان ما ذكره - قدس سره - ضعيفا، فان أكثر أدلة الاحكام مطلقة من حيث العنوان الثانوي حتى الاحكام غير الالزامية، وحينئذ يشكل الامر في أكثر الشروط، إذ ما من شرط إلا ويبدل حكم مشروطه إلى اللزوم، وهو مناف لاطلاق دليل حكم المشروط، ولازم

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الخيار كتاب التجارة. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب كتاب الضمان حديث: 1.

 

===============

 

( 275 )

 

ذلك بطلان الشروط عامة إلا النادر منها، وهو كما ترى. ودعوى: أن أغلب المباحات والمستحبات والمكروهات بل جميعها انما دل دليلها على حكمها بالنظر إلى الذات ومن حيث نفسها ومجردا عن ملاحظة عنوان آخر طارئ عليه، بخلاف أغلب المحرمات والواجبات، فان دليل الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع. ممنوعة، لورود أدلة الطرفين على نهج واحد، إما مطلقة من حيث العناوين الثانوية أو مهملة. بل ربما وردت في سياق واحد، مثل قوله تعالى: (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) (* 1) وقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) (* 2) فالتفكيك بينهما بحمل: (أحل) على النظر إلى الذات دون العناوين الثانوية، و (حرم) بالنظر إلى العناوين الثانوية، بلا فارق. وكيف كان فالتحقيق: أن الشرط المخالف للكتاب هو المخالف للحكم الاقتضائي، ومنه الشرط في المقام حسب الارتكاز العرفي، فان كون الحكم اقتضائيا أو غير إقتضائي لما لم يكن طريق إليه شرعا تعين الرجوع إلى المرتكزات العقلائية، إذ لولا ذلك كان البيان المذكور خاليا عن الفائدة، إذ لا طريق إلى تشخيص الموضوع سواه. وبالجملة: مقتضي الاطلاق المقامي الرجوع إلى المرتكزات، كما أن مقتضاه الرجوع إليها في تشخيص مفاهيم موضوعات الاحكام الشرعية. نعم إذا توقف العرف في تشخيص الحكم الاقتضائي واللا اقتضائي تعين الرجوع إلى الاصل، وهو أصل عدم كون الشرط مخالفا، بناء على جريان الاصل في العدم الازلي بنحو مفاد ليس الناقصة، كما هو الظاهر. وتحقيق ذلك في مبحث الشروط

 

 

____________

(* 1) الاعراف ب: 157. (* 2) البقرة: 275.

 

===============

 

( 276 )

 

[ (مسألة 3): إذا أبرء المضمون له ذمة الضامن برئت ذمته وذمة المضمون عنه (1). وإن أبرأ ذمة المضمون عنه لم يؤثر شيئا (2)، فلا تبرء ذمة الضامن، لعدم المحل للابراء بعد برائته بالضمان، الا إذا استفيد منه الابراء من الدين الذي كان عليه، بحيث يفهم منه عرفا إبراء ذمة الضامن (3). وأما في الضمان بمعنى ضم ذمة إلى ذمة فان أبرء ذمة المضمون عنه برئت ذمة الضامن أيضا، وان أبرء ذمة الضامن فلابترء ذمة المضمون عنه. كذا قالوا. ويمكن أن يقال: ببرائة ذمتهما على ] من كتاب المكاسب. فلاحظ. (1) أما برائة ذمته: فللابراء، وأما براءة ذمة المضمون عنه: فلانها كانت بريئة بالضمان قبل الابراء المذكور، ففائدته بالنسبة إلى المضمون عنه تكون من جهة استحقاق الضامن الرجوع عليه بالاداء، ولا أداء، فتكون ذمة المضمون عنه بريئة عن مال المضمون له وعن مال الضامن. (2) قال في الشرائع: " ولو أبرأ المضمون له المضمون عنه لم يبرأ الضامن على قول مشهور لنا " وفي المسالك: " فقول المصنف: (على قول مشهور لنا) يشعر بثبوت مخالف منا، لكن لم نقف عليه، وفي التذكرة: ادعى اجماع علمائنا على ذلك. ولعله أراد بذلك أنه لم يتحقق الاجماع وان لم نجد مخالفا، فان عدم الاطلاق على المخالف لا يوجب الاجماع " وكيف كان لا ينبغي الاشكال فيما ذكره المصنف، لما ذكره من التعليل. (3) كما أشار إلى ذلك في الجواهر. لكنه قال: " إلا أن ذلك لو سلم فهو خروج عما نحن فيه، ضرورة كون المراد من الحيثية المزبورة، لامن حيث دعوى دلالة العرف على إرادة براءة ذمة الضامن أيضا. مع أنها واضحة على مدعيها مع عدم القرائن ".

 

===============

 

( 277 )

 

[ التقديرين (1). (مسألة 4): الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له (2)، فلا يجوز للضامن فسخه حتى لو كان باذن المضمون عنه وتبين اعساره (3). وكذا لا يجوز للمضمون له فسخه و؟ لرجوع على المضمون عنه (4)، لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له باعساره، بخلاف مالو كان معسرا حين الضمان وكان جاهلا باعساره، ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور (5)، بل الظاهر عدم الخلاف ] (1) بأن يفهم منه ارادة رفع اليد عن الدين المضمون، كما سبق في ابراء ذمة المضمون عنه على قول الاصحاب، بل هنا أولى. لكنه خروج عن موضوع البحث، كما تقدم من الجواهر في المسألة السابقة. أو يقال: بأن الابراء بمنزلة الاستيفاء، فكما ان استيفاء الدين من أحدهما يوجب براءة الآخر، كذلك إبراء أحدهما منه. وسيأتي التعرض لذلك في المسألة السادسة والعشرين. (2) بلا خلاف ظاهر، بل الظاهر الاتفاق عليه، كما يظهرمن كلامهم في المسألة الآتية. وتقتضيه أصالة اللزوم. (3) كما يقتضيه إطلاق الفتاوى. وتقتضيه أصالة اللزوم. (4) بلا إشكال ولا خلاف، كما في الجواهر، لاصالة اللزوم. (5) بل لا خلاف فيه عندنا، كما في الجواهر، وعن ظاهر الغنية: الاجماع عليه، وعن السرائر: نسبته إلى أصحابنا. وفي جامع المقاصد: " ظاهرهم أن هذا الحكم موضع وفاق ". وعن الرياض: أنه لم نجد خلافا فيه.

 

===============

 

( 278 )

 

[ فيه. ويستفاد من بعض الاخبار أيضا (1). والمدار - كما أشرنا إليه - في الاعسار واليسار على حال الضمان، فلو كان ] (1) يريد موثق الحسن بن الجهم: " سألت أبا الحسن (ع) عن رجل مات وله على دين وخلف ولدا رجالا ونساء وصبيانا، فجاء رجل منهم فقال: أنت في حل مما لابي عليك من حصتي " وأنت حل مما لاخوتي وأخواتي، وأنا ضامن لرضاهم عنك. قال: تكون في سعة من ذلك وحل. قلت: وإن لم يعطهم. قال: ذلك في عنقه. قلت: فان رجع الورثة علي فقالوا: أعطنا حقنا. فقال (ع): لهم ذلك في الحكم الظاهر، وأما بينك وبين الله تعالى فانت في حل منها إذا كان الرجل الذي أحلك يضمن رضاهم. قلت: فما تقول في الصبي، لامه ان تحلل؟ قال (ع) نعم إذا كان لها ما ترضيه وتعطيه. قلت: فان لن يكن لها مال؟ قال (ع)؟ فلا " (* 1). لكن مورده التحليل لا الضمان. ومفاده أن الملاءة شرط الصحة فيه، لاشرط اللزوم كما هو المدعى. وأن ذلك مختص بالصبي وأمه، دون البالغ وأخيه، فان اطلاق الصحة في الثاني يقتضي عدم الشرطية فيه، فيكون صدر الحديث دليلا على عدم الخيار. ولذلك قال في مفتاح الكرامة: " والشهرة تجبر السند والدلالة ". وفي الجواهر قال: " وما عساه يشعر به ذيل خبر ابن الجهم... " فلم يجعل الخبر دالا عليه. هذا مضافا إلى ما فيه من الاشكال من صحة التحليل بلا إذن الدائن، أو الضمان بلا إذن المضمون له. ولم يعرف خبر يدل على المشهور غير ما ذكر. نعم قيل: إن فتوى ابن ادريس به وذكر الشيخ له في النهاية يدل على أن به خبرا أو أخبارا. انتهى. ولعله اجتهاد منهما في دلالة خبر ابن الجهم. وفي الجواهر: استدل عليه بما دل على اشتراط

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب كتاب الضمان حديث: 1.

 

===============

 

( 279 )

 

[ موسرا ثم أعسر لا يجوز له الفسخ (1). كما أنه لو كان معسرا ثم أيسر يبقى الخيار (2). والظاهر عدم الفرق في ثبوت ] الملاءة في المحال عليه، لان الحوالة أخت الضمان. لكن لم تثبت هذه الاخوة في المقام. (1) كما صرح به في التذكرة والقواعد والتحرير وغيرها، في مفتاح الكرامة: " طفحت به عبارتهم منطوقا ومفهوما ". وظاهر جامع المقاصد: أن ظاهرهم الاتفاق عليه. ويقتضيه أصالة اللزوم بعد اختصاص دليل الخيار في الصورة السابقة. ومثله ما إذا ضمن باستدعاء المضمون عنه بانيا على الرجوع إليه فتبين إعساره، فانه لاخيار للضامن، لاختصاص الدليل بالمضمون له. (2) وفي الجواهر: " قد يقوى عدم الخيار أيضا لو كان معسرا حال الضمان ولم يعلم به حتى تجدد يساره للاصل ". لكن الاصل يقتضي بقاء الخيار لاعدمه. إلا أن يقال: أصالة اللزوم تقتضي عدم الخيار، ولم يثبت لها مخصص، لما عرفت من إجمال دليل التخصيص، والمتيقن منه غير هذه الصورة. نعم إطلاق كلمات الاصحاب يقتضي عدم الفرق بين زوال الاعسار وبقائه. اللهم الا أن يكون تعليلهم الحكم بالارفاق يقتضي الاختصاص بغير من تجدد يساره. ولكنه يعم من علم باعساره حال الضمان أيضا. اللهم إلا أن يكون عدم الفسخ مع العلم بالاعسار موجبا لسقوط الخيار وإن لم يتجدد اليسار لانه فوري، وحينئذ يتعين تخصيص الاستثناء بصورة عدم العلم بالاعسار، كما ذكر في الجواهر. لكن الظاهر أن التعليل بالارفاق من باب بيان الحكمة لا العلة، والا لم يكن وجه للاقتصار في الخيار على الصورة المذكورة. وحينئذ يكون اطلاق كلماتهم بلا مقيد.

 

===============

 

( 280 )

 

[ الخيار مع الجهل بالاعسار بين كون المضمون عنه ايضا معسرا أولا (1). وهل يلحق بالاعسار تبين كونه مماطلا مع يساره في ثبوت الخيار أولا؟ وجهان (2). (مسألة 5): يجوز اشتراط الخيار في الضمان للضامن والمضمون له (3). ] (1) كما في الجواهر. لاطلاق الفتاوى. (2) من ظهور اتفاقهم على اختصاص الخيار بصورة الاعسار مع الجهل به، ومن قاعدة نفي الضرر. ولذا ذكر في الجواهر: أن اطلاق الفتاوى يقتضي عدم الخيار مع الملاءة وان لم يكن وفيا. بل ظاهرهم عدم ثبوته بغير ذلك من وجوه الضرر أو تعسر الاستيفاء. ولكنه لا يخلو من نظر. لكن العمل بقاعدة نفي الضرر لاثبات الخيار ليس بناء الاصحاب عليه في البيع، وليس من أنواع الخيار خيار المماطلة للبائع أو المشتري. وكأنه لعدم الضرر فيها، وانما فيها تحديد سلطنة المالك عن ملكه وحبسه عنه. ولذلك قال في المسالك: " وكما لا يقدح تجدد إعساره المانع من الاستيفاء كذا لا يقدح تعذر الاستيفاء منه بوجه آخر، فلا يرجع على المضمون عنه متى لزم الضمان ". هذا مع عدم امكان الاجبار، والا فلا مجال للقول بالخيار. (3) وهو الاصح كما في جامع المقاصد، وحكاه عن صريح بيع التذكرة وظاهر بيع القواعد والمعتبر وغيرها. لكن في القواعد في كتاب الضمان ذكر أن شرط الخيار في الضمان مفسد، وفي التذكرة: " لو شرط الضامن الخيار لنفسه كان باطلا، لانه ينافي مقتضي الضمان، فان الضامن على يقين من الغرر "، - وهو كما ترى - غير ظاهر. والذي ينبغي ابتناء الجواز وعدمه على كون اللزوم في المقام من

 

===============

 

( 281 )

 

[ لعموم أدلة الشروط. والظاهر جواز اشتراط شئ لكل منهما (1)، كما إذا قال الضامن: " أنا ضامن بشرط أن تخيط ] الحقوق أو من الاحكام، فعلى الاول يجوز الشرط، وعلى الثاني لا يجوز، لانه مخالف للكتاب. والمرتكزات العرفية تقتضي الاول، وهو ظاهر المانعين، فان العلامة في التذكرة علل المنع بما عرفت، لا بكون اللزوم حكميا، وصرح بجواز شرط الخيار للمضمون له، لان له الخيار في الابراء والمطالبة، ولو كان اللزوم عنده حكميا لم يجز شرط الخيار حتى للمضمون له. وعلى ذلك يبتني جواز التقايل لاختصاص الاقالة بما يكون الفسخ فيه من حقوق الطرفين، ولا تكون فيما لا يكون الفسخ كذلك، لان أدلة الاقالة العامة ليس واردة في مقام اثبات قابلية المحل، وإنما هي واردة في مقام تشريعها على تقدير القابلية، فالقابلية تحرز من الخارج، والاطلاق المقامي يقتضي الرجوع إلى العرف في احراز القابلية، والارتكاز العرفي يقتضي ثبوت القابلية فيما كان الفسخ من الحقوق الراجعة إلى طرفي المعاقدة. والظاهر اطراد ذلك في عامة العقود المتعلقة بالنفس أو المال، فان ايقاعها من حقوق الطرفين وفسخها كذلك، ما لم يقم دليل على الخلاف. كالنكاح والوقف، لما دل على لزومهما وعدم تمكن المتعاقدين من فسخهما. فما لم يقم ذلك الدليل فالارتكاز العرفي يقتضي جواز الاقالة، لتعلق العقد بحقوق الطرفين وشؤونهما، وكما أن لهما إيقاعه لهما فسخه، ولاجل ذلك يصح شرط الخيار فيه. والضمان من قبيل ذلك، لما عرفت من أن لزومه مأخوذ من اصالة اللزوم الذي هو من حقوق المتعاقدين، ولا دليل على لزومه حكما كالنكاح. (1) كما يقتضيه عموم أدلة الشروط الذي كان بناؤهم على العمل به

 

===============

 

( 282 )

 

[ لي ئوبا "، أو قال المضمون له: " أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا ". ومع التخلف يثبت للشارط خيار تخلف الشرط (1). (مسألة 6): إذا تبين كون الضامن مملوكا وضمن من غير إذن مولاه، أو باذنه وقلنا إنه يتبع بما ضمن بعد العتق، لا يبعد ثبوت الخيار للمضمون له (2). (مسألة 7): يجوز ضمان الدين الحال حالا، ومؤجلا (3) ] في الضمان بشرط التأجيل أو الحلول، وبشرط أن يكون الضمان من مال معين وغير ذلك. لكن في التذكرة: " لو ضمن رجل عن غيره ألفا وشرط المضمون له أن يدفع إليه الضامن أو المضمون عنه كل شهر درهما لا يحسبه من مال الضمان بطل الشرط إجماعا "، والظاهر أن دعوى الاجماع المذكورة مبنية على كونه من الربا المحرم بالاجماع، وإلا فلم أقف عن من تعرض لهذا الشرط ولحكمه، فضلا عن كونه معقد إجماع. وليس هو من الربا في البيع، ولا في القرض. ثم إنه إذا تم ذلك في الشرط للمضمون له لايتم في الشرط للضامن، لان الشرط الموجب للربا ما يرجع إلى الدائن، دون ما يرجع إلى المديون. (1) لانه مقتضى الشرط عرفا، فكأن المشترط اشترط الشرط، واشترط الخيار عن تقدير تخلف الشرط، وقد عرفت أن عقد الضمان يقبل الخيار بالشرط. (2) لان ذلك نوع من الاعسار الموجب للخيار. (3) أما مؤجلا: فقد حكى الاجماع عليه في الشرائع، قال: " والضمان المؤجل جائز إجماعا ". وفي المسالك: أنه موضع وفاق.

 

===============

 

( 283 )

 

[ وكذا ضمان المؤجل حالا، ومؤجلا (1) بمثل ذلك الاجل، أو أزيد، أو أنقص. والقول بعدم صحة الضمان ألا مؤجلا (2) وانه يعتبر فيه الاجل كالسلم، ضعيف (3)، كالقول بعدم صحة ضمان الدين المؤجل حالا (4)، ] ونحوهما ما عن التنقيح وايضاح النافع وجامع المقاصد والمفاتيح. وعن الكفايه:، لا أعرف فيه خلافا ". ويقتضيه عموم الادلة. قال في المسالك: " وليس هذا تعليقا للضمان على الاجل، بل تأجيل للدين الحال في عقد لازم فيلزم ". وأما حالا: فسيأتي نقل الخلاف فيه من الشيخ. (1) أما ضمان المؤجل حالا، فهو مقتضى عموم الصحة في الضمان وفي شرط الحلول، وفي الشرائع - بعد أن ذكر ما سبق - قال: " وفي الحال تردد أظهره الجواز " وسيأتي فيه نقل خلاف الشيخ والفخر أيضا. وأما ضمان المؤجل مؤجلا: فلا اشكال فيه إذا كان أجل الضمان أبعد. وأما إذا كان مساويا فيأتي فيه الخلاف المحكي عن الشيخ. وإذا كان أجل الضمان أقل فيأتي فيه خلاف الشيخ والفخر أيضا. لكن عموم الصحة يقتضي صحته من دون مخصص كما يأتي. (2) حكى في المختلف عن الشيخ في النهاية أنه قال: " ولا يصح ضمان مال ولا نفس الا بأجل معلوم " ونسب في المختلف ذلك إلى المقنعة والى ابن البراج في الكامل وابن حمزة. قال في مفتاح الكرامة: " لم أجد ذلك في المقنعة ". وفي السرائر: حمل كلام النهاية على انه إذا اتفقا على كون الضمان بأجل فلابد من تعيينه، وجعله حق اليقين. لكنه خلاف ظاهر العبارة، كما فهمه الاصحاب. (3) لمخالفته للعمومات المقتضية للصحة. (4) في جامع المقاصد في شرح قول مصنفه: " والاقرب جواز

 

===============

 

( 284 )

 

العكس " - يعني: جواز ضمان المؤجل حالا - قال: " وجه الاقرب: أن الاداء معجلا جائز، فكذا الضمان، لانه كالاداء. وقال الشيخ: إنه لا يصح، لان الفرع لا يكون أقوى من الاصل. وفي هذا التوجيه ضعف. ولان الضمان نقل المال على ما هو به، ولا يرد تأجيل الحال، لان ذلك شرط زائد يستقل صاحب الحق باثباته في العقد اللازم، بخلاف الاجل الذي هو مشترك بين المضمون له والمضمون عنه. ولان الحلول زيادة في الحق، ولهذا يختلف الاثمان به، وهذه الزيادة غير واجبه على المديون ولا ثابتة في ذمته، فيكون ضمان ما لم يجب، فلا يصح عندنا. وهذا التوجيه الاخير ذكره الشيخ فخر الدين ولد المصنف، وحسنه في المختلف. وهو المختار ". وقد أشار بذلك إلى ما ذكره العلامة في المختلف قال: " إذا ضمن المؤجل حالا قال في المبسوط: الاقوى أنه لا يصح، لانه لا يجوز أن يكون الفرع أقوى من الاصل. والوجه عندي الصحة، ولا نسلم تحقق القوة هنا، فانه كما يجوز للمضمون عنه دفع المال معجلا كذا يجوز الضمان معجلا، فان الضمان كالقضاء... (إلى أن قال): وقد استخرج ولدي العزيز محمد - جعلت فداه - وجها حسنا يقوي قول الشيخ، وهو أن الحلول زيادة في الحق ولهذا تختلف الاثمان به، وهذه الزيادة غير واجبة على المديون، ولا ثابتة في ذمته، فيكون ضمان ما لم يجب، فلا يصح عندنا ". وقد تضمن كلامهما هذا وجوها من الاشكال. منها: أن الفرع لا يكون أقوى من الاصل. ومنها: أن الضمان نقل المال على ما هو به. ومنها: أن الحلول زياد غير ثابتة في ذمة المديون فيكون ضمانها ضمان ما لم يجب لكن الجميع كما ترى، بل ما كان يؤمل من مقامه الرفيع في التحقيق والاتقان الاعتماد على مثل هذه الوجوه الضعيفة إذ لا دليل على

 

===============

 

( 285 )

 

القاعدة الاولى على نحو تمنع من الصحة في المقام. والضمان في المقام لنفس الدين على ما هو عليه، والاجل ليس مضمونا، وإنما هو ظرف أداء المضمون. ومن ذلك يظهر ضعف الوجه الاخير. والذي يظهر من عبارة المختلف اختيار الصحة. كما هو المشهور. والاستحسان منه إنما كان للوجه لا للفتوى بالمنع. ولعل فخر المحققين كذلك. والذي يتحصل مما ذكر: أن الدين المضمون تارة: يكون حالا، وأخرى: مؤجلا، وكل منهما إما يضمن حالا، أو مؤجلا، فهذه أربعة صور، والصورة الرابعة - وهي ضمان المؤجل مؤجلا - تارة: يكون الاجل فيها مساويا لاجل الدين، وأخرى: يكون أقل، وثالثة: يكون أكثر. فهذه ست صور. وفي كل منها إما أن يكون الضمان بسؤال المضمون عنه، أو تبرعا من الضامن. فهذه اثنتا عشره صورة. والاشكال والخلاف يكون في صورة ضمان المؤجل حالا كما عن الشيخ في المبسوط، واختاره في جامع المقاصد، وتردد فيه في الشرائع في آخر كتاب الضمان، وإن جزم بالصحة في أوائل الكتاب، وصورة ضمان الحال حالا، كما تقدم عن الشيخ في النهاية، ونسب إلى المقنعة وغيرها، كما عرفت، خلافا للشيخ في المبسوط فاختار الجواز. وصورة ضمان المؤجل بأجل أقل. وفي المختلف نسب إلى الشيخ الاجماع، للمنع من الضمان الحال - الذي تقدمت حكايته عن النهاية - بأن الضمان شرع للارفاق بالمضمون عنه، فإذا كان الضمان حالا ورجع الضامن على المضمون عنه لم يكن إرفاق به. وفيه: أنه لو تم أنه إرفاق فهو بملاحظة افراغ ذمته بالضمان، وهو حاصل في الحال. مع أنه عليه يختص المنع بصورة ما إذا كان الضمان موجبا للرجوع على المضمون عنه لكونه بسؤاله، أما إذا لم يكن كذلك - بأن كان تبرعا - فلا إشكال في الجواز.

 

===============

 

( 286 )

 

[ أو بأنقص. ودعوى: أنه من ضمان ما لم يجب، كما ترى (1)، (مسألة 8): إذا ضمن الدين الحال مؤجلا باذن المضمون عنه فالاجل للضمان لا للدين (2)، فلو أسقط الضامن أجله وأدى الدين قبل الاجل يجوز له الرجوع على المضمون عنه (3)، لان الذي عليه كان حالا (4) ولم يصر مؤجلا بتأجيل الضمان. وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحل ] (1) إذ الضمان الدين، وهو ثابت في الذمة لا للاجل، فان الاجل للوفاء بما في الذمة، لا أنه مضمون بنفسه. (2) وفي الجواهر: أنه لا يخلو من قوة. والمراد به أنه أجل لجواز مطالبة الضامن، فلا تجوز مطالبته قبله، فان ذلك مقتضى الشرط النافذ الصحيح، وهو لا يرتبط بالدين الذي كان في ذمة المضمون عنه، فانه لم يكن مؤجلا قبل الضمان، والضمان لا يقتضي تأجيله، لان الشرط لم يكن متعلقا به، وانما كان متعلقا بالضامن. (3) كما صرح به في جامع المقاصد والسمالك والحدائق والجواهر. وعن المبسوط والتحرير والتذكرة: التنبيه عليه. (4) لا يخفى أن الدين الذي عليه كان للمضمون عنه، وقد فرغت ذمته منه حالا كان أو مؤجلا، وليس للضامن على شئ سابقا، وانما حدث الدفع الضامن إلى المضمون له، فليس هناك دين حال كي يعلل به الحكم. وكان اللازم تعليله باطلاق مادل على جواز رجوع الضامن على المضمون عنه بما دفعه المقتضي للحول. لكن ذلك إذا أذن في الضمان عنه مطلقا. أما إذا أذن بشرط الاجل ففي جواز الرجوع قبل الاجل إشكال، إذ قد يرجع ذلك إلى اشتراط الاجل في الرجوع إليه، فلا يجوز الرجوع إليه قبله.

 

===============

 

( 287 )

 

[ ما عليه وأخذ من تركته يجوز لو ارثه الرجوع على المضمون عنه (1). واحتمال صيرورة أصل الدين مؤجلا حتى بالنسبة إلى المضمون عنه ضعيف. (مسألة 9): إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن كذلك، فمات وحل ما عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلا بعد حلول أجل أصل الدين (2) لان الحلول على الضامن بموته لا يستلزم الحلول على المضمون عنه. وكذا لو أسقط أجله وأدى الدين قبل الاجل لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء الاجل. ] (1) كما صرح بذلك في جامع المقاصد والمسالك والحدائق والجواهر وعن المبسوط والتحرير والتذكرة: التنبيه عليه. لما ذكر فيما قبله. ويشكل أيضا إطلاقه بما سبق فيما قبله. (2) قال في القواعد: " ولو ضمن الحال مؤجلا تأجل، وليس للضامن مطالبة المديون قبل الاداء. وإذا مات حل، ولورثته مطالبة المضمون عنه قبل الاجل. ولو كان الاصل مؤجلا لم يكن لهم ". وذكره في الجواهر من دون نقل خلاف. وكذا في مفتاح الكرامة حاكيا له عن صريح المبسوط والتذكرة والتحرير، معللا له بما في المتن. وتبعه في الجواهر. لكن قد عرفت أن الدين الاصلي قد فرغت منه ذمة المضمون عنه فلا يتصف بالحلول أو التأجيل. وإطلاق مادل على رجوع الضامن على المضمون عنه بما أداه يقتضي جواز الرجوع في المقام بعد الاداء من دون مقيد يقتضي تأجيل الرجوع. ومجرد كون الدين الذي كان على المضمون عنه مؤجلا لا يقتضي التأجيل للديل الجديد. نعم إذا كان إذن

 

===============

 

( 288 )

 

[ (مسألة 10): إذا ضمن الدين المؤجل حالا باذن المضمون عنه (1)، ] المضمون عنه مقيدا بالمؤجل، بحيث يفهم منه اشتراط عدم الرجوع إليه قبل الاجل، كان الشرط المذكور مانعا من الرجوع على المضمون عنه، وهو أمر آخر غير كون الدين مؤجلا في نفسه. وبالجملة: تعليل جواز الرجوع على المضمون عنه حالا ومؤجلا بكون الدين الذي كان عليه حالا أو مؤجلا، غير ظاهر، لعدم دخل ذلك به، وانما الدخيل فيه الاذن مطلقا أو مشروطا بعدم الرجوع حالا. (1) إذا ضمن المؤجل حالا صار الدين حالا بالنسبة إلى الضامن، فيجب عليه الاداء حالا. وهل يكون حالا بالنسبة إلى المضمون عنه، بحيث يكون للضامن الرجوع على بمجرد الاداء قبل الاجل؟ فيه أقوال: الاول: عدمه مطلقا. قال في التذكرة: " على قولنا إنه يصح ضمان المؤجل حالا، إذا أدى الضامن المال إلى صاحبه لم يكن له مطالبة المضمون عنه إلا عند الاجل إن أذن له في مطلق الضمان. ولو أذن له في الضمان عنه معجلا، ففي حلوله على إشكال، أقربه عدم الحلول أيضا ". وفي مفتاح الكرامة: نسب ذلك إلى المختلف والسمالك والروضة وظاهر التحرير ومجمع البرهان. الثاني: أنه يجوز الرجوع إلى المضمون عنه بسؤاله مطلقا. حكاه في مفتاح الكرامة عن صريح التنقيح. ولعله ظاهر القواعد، حيث قال: " فيحل مع السؤال على إشكال ". الثالث: أنه يصير حالا مع التصريح بالاذن حالا، لامع الاطلاق. حكاه في مفتاح الكرامة عن ظاهر المفاتيح. الرابع: أنه مع التصريح بالسؤال حالا يرجع عليه حالا، وأما مع الاطلاق فمحل إشكال. وحكاه في مفتاح الكرامة عن الايضاح. قال في جامع المقاصد: " وأعلم أن الشارح ولد المصنف قال: إن موضع

 

===============

 

( 289 )

 

[ فان فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك، وإلا فلا يجوز إلا بعد انقضاء الاجل. والاذن في الضمان أعم من كونه حالا. (مسألة 11): إذا ضمن الدين المؤجل بأقل من أجله وأداه (1)، ليس له الرجوع على المضمون عنه الا بعد انقضاء ] الاشكال ما إذا أذن في الضمان وأطلق، أما إذا أذن فيه حالا فلا إشكال في الحلول. وليس بشئ، بل قد يقال: إنه مع الاطلاق لا إشكال في عدم الحلول ". ومن ذلك يظهر قول خامس، وهو ما ذكره في جامع المقاصد. والاقرب هو الثاني، لاطلاق مادل على رجوع الضامن على المضمون عنه عند أداء مال الضمان من دون مقيد ظاهر. والاذن في الضمان وإن كانت أعم من كونه حالا، لكن الاطلاق المتقدم كاف في جواز الرجوع، ومن ذلك يظهر ضعف الثالث، الذي جعله في الجواهر الاقوى، لعدم اقتضاء الاطلاق الاذن في التعجيل، فيكون كالمتبرع. إذ التعجيل في الرجوع لا يحتاج إلى الاذن، بل يكفي فيه اطلاق الدليل الدال عليه. والذي اختاره المصنف هو المنع من الرجوع على المضمون عنه مطلقا، إلا أن يفهم من اذنه رضاه بالرجوع عليه. ولعله راجع إلى القول الاول، أو هو قول سادس والذي يتقضيه إطلاق أدلة الرجوع على المضمون عنه هو القول الثاني. إلا أن يفهم من الاذن بالضمان المؤجل اشتراط عدم الرجوع عليه قبل الاجل، فيجب العمل بالشرط. ولعله يكون قولا سابعا. ومنه يظهر ضعف بقية الاقوال، فان المنع من الرجوع قبل الاجل مطلقا - كما هو القول الاول - أو في بعض الصور - كما في الاقوال الاخر - خلاف إطلاق مادل على الرجوع على المضمون عنه إذا كان بسؤاله، كما يأتي. (1) الذي يظهر من الجواهر أن هذه المسألة نظير المسألة السابقة،

 

===============

 

( 290 )

 

[ أجله. وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأداه جاز له الرجوع عليه، على ما مر (1) من أن أجل الضمان لا يوجب صيرورة أصل الدين مؤجلا. وكذا إذا مات بعد انقضاء أجل الدين قبل انقضاء الزائد فاخذ من تركته، فانه يرجع على المضمون عنه. (مسألة 12): إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمته، ولم يكن له الرجوع عليه (2) وإن كان أداؤه باذنه أو أمره (3). الا أن يأذن له (4) ] يأتي فيها الاقوال كلها. لوجود مأخذ الاقوال المذكورة فيها بعينها. (1) ومر الكلام فيه في المسألة الثامنة، وأنه وان لم يوجب أجل الدين لكنه قد يوجب اشتراط عدم الرجوع قبل أجل الضمان. (2) قال في الشرائع: " ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أداه إن ضمن باذنه ولو أدى بغير اذنه، ولا يرجع إذا ضمن بغير إذنه ولو أدى باذنه " وفي المسالك بعد أن ذكر أن العبارة تتضمن أحكاما أربعة: اثنين بالمنطوق واثنين بالمفهوم، قال: " وحكم الاربعة كما ذكر عند علمائنا أجمع " وفي جامع المقاصد: " والحكم عدم الرجوع فيهما عند علمائنا ذكره في التذكرة ". وفي الجواهر: " الاجماع بقسميه عليه " ونحو ذلك كلام غيرهم. ويكفي في إثباته أصالة البراءة لولا ما يقتضيه إطلاق الاخبار الآتية في المسألة الآتية، لشمولها لما نحن فيه. فالعمدة إذا الاجماع. (3) كما صرح به في معقد اجماع المسالك وجامع المقاصد وغيرهما، إذ الاذن في أداء ما وجب أو الامر به ليس من أسباب الضمان. (4) كما مال إليه في الجواهر، وجعله نظير ما إذا قال، لاجنبي:

 

===============

 

( 291 )

 

[ في الاداء عنه (1) تبرعا منه في وفاء دينه، كأن يقول: " أد ما ضمنت عني وارجع به علي " على إشكال في هذه الصورة أيضا (2)، ] إذ عن الضامن المتبرع وارجع به علي، فإذا أدى بعنوان امتثال أمر المضمون عنه اتجه الرجوع عليه. (1) يعني: عن الآذن. (2) حكاه في الجواهر عن بعض الناس، معللا له بما ذكر في المتن، ثم قال: " لا يخلو من نظر أو منع بعد ما عرفت ". والمراد مما عرفت قاعدة الاحترام، فانه وإن لم يكن دليل على قاعدة الاحترام كلية، لكن المتيقن منها صورة استيفاء عمل الغير. وهو على قسمين: الاول: أن يكون الاستيفاء بالامر على وجه الضمان، كما في المثال الذي ذكره. والظاهر أنه لا إشكال في الضمان، فان الامر به على وجه الضمان من المعاملات العرفية الممضاة من الشارع المقدس، بشهادة استقرار سيرة المتشرعة عليها. فهي نظير القرض الذي هو تملك للعين على وجه الضمان بالمثل في المثليات وبالقيمة في القيميات، فإذا قال له: " أقرضني درهما " أو " أقرضني ثوبا " كان ضامنا لدرهم في الاول ولقيمة الثوب في الثاني، لان معنى: " أقرضني ": ملكني على وجه الضمان. كذلك الامر في المقام، فإذا قال: " ادفع عني لزيد درهما وعلي ضمانه " أو " خط ثوب زيد وعلي ضمانه " كان ضامنا في الاول لدرهم وفي الثاني قيمة الخياطة، فهي معاملة جرت عليها سيرة العرف والمتشرعة، أشبه ما يكون بالجعالة، فتكون صحيحة، وتستوجب الضمان. وتوهم: أنها وعد لا يجب الوفاء به. غريب، لاختصاصه بالوعد بالاحسان المجاني، ولا ينطبق على الاحسان المعاوضي.

 

===============

 

( 292 )

 

الثاني: مالا يكون الامر على وجه الضمان، كما إذا قال للحلاق: " احلق رأسي " فحلق رأسه، وكان كل من الآمر والمأمور غافلا عن الضمان، فانه يكون الآمر ضامنا للاجرة ما لم يقصد المأمور المجانية. والضمان في المقام لا يكون مستندا إلى معاملة، لعدم قصد العوض منهما. والمعروف عندهم الضمان أيضا، اعتمادا على قاعدة احترام مال المسلم كدمه، فان استيفاءه بلا عوض ظلم وعدوان. فإذا مان المناط في الضمان في القسمين أمرا واحدا، تعين أن يكون سبب الضمان في القسم الاول هو الاستيفاء أيضا، لا المعاملة، ويكون الضمان في المقامين لقاعدة الاحترام. وإذا كان سبب الضمان فيهما مختلفا كان الضمان في القسم الاول مقتضي المعاملة، وفي الثاني لقاعدة الاحترام. والذي يظهر من الجواهر وغيرها: أن المناط في الضمان في القسمين واحد، ولذلك جعل الضمان في المثال المذكور في الجواهر هو قاعدة الاحترام. وهو محتمل، بل في كتاب الاجارة جزمنا به. ولكن الاظهر خلافه. هذا كله إذا كان الامر بالفعل على أن يكون للآمر، وأما إذا كان للفاعل كما إذا قال له: " أد دينك، وانفق على زوجتك، وأحسن إلى من أساء اليك " ففعل المأمور لم يكن الآمر ضامنا، لعدم الدليل عليه، بل هو على خلافه. ضرورة أن الامر بالمعروف واجبا كان أو مستحبا لا يوجب ضمان الآمر حسب ما تقتضيه السيرة القطعية. هذا إذا كان خاليا عن التعويض. أما إذا كان مشتملا عليه - كما إذا قال لاخيه: صل اليومية ولك علي أن أعطيك كل يوم درهما " - فالظاهر أنه كذلك، فلا يجب عليه دفع العوض - أعني: الدرهم في المثال - لانه وعد وإحسان مجاني، فلا يجب الوفاء فيه. والذي يتحصل: أن استيفاء عمل الغير على أربعة أقسام، لان الفعل

 

===============

 

( 293 )

 

[ من حيث أن مرجعه حينئذ إلى الوعد الذي لا يلزم الوفاء به وإذا ضمن باذنه فله الرجوع عليه بعد الاداء وان لم يكن باذنه (1)، لانه بمجرد الاذن في الضمان اشتغلت ذمته من غير توقف على شئ. نعم لو أذن له في الضمان تبرعا فضمن ليس له الرجوع عليه، لان الاذن على هذا الوجه كلا إذن. (مسألة 13): ليس للضامن الرجوع على المضمون ] المأمور به تارة: يكون للآمر، وأخرى: يكون للمأمور. وإذا كان للآمر فهو مضمون، سواء قصد الآمر والمأمور المضان ليكون نوعا من المعاملة، أم لم يقصدا. وإذا كان للمأمور فلاضمان على الآمر، سواء قصدا الضمان أم لم يقصدا. ومن ذلك يتوجه الاشكال على الجواهر، حيث جعل الضمان في القسم المعاملي، لقاعدة الاحترام. كما يتوجه على المصنف حيث ذكر الاشكال عليه من بعضهم بأنه وعد، وسكت عنه، مع أن الوعد يختص بالاحسان المجاني، ولا مجانية في الفرض، لان الآمر أمر بالتبرع عن نفسه. نعم إذا أمره بالوفاء عن نفسه - يعني: المأمور - فقال: " أد دينك ولا تعص ربك وعلى عوضه "، كان من الاحسان المجاني، فيكون وعدا لا يجب الوفاء به. (1) اجماعا حكاه جماعة كثرة، كما سبق. وفي الجواهر: " الاجماع بقسميه عليه ". ويشهد له ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن خالد. قال: " قلت لابي الحسن (ع): جعلت فداك قول الناس: الضامن غارم. قال: فقال: ليس على الضامن غرم. الغرم على من أكل المال " (* 1) واطلاقه يشمل صورة الضمان بغير إذن. لكنه مقيد بغير ذلك بالاجماع. ويعضده الاخبار الآتية في المسألة الآتية. ولعله إلى ذلك أشار في السرائر بقوله: " وردت به الاخبار عن الائمة الاطهار ".

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب كتاب الضمان حديث: 1.

 

===============

 

( 294 )

 

[ عنه في صورة الاذن الا بعد أداء مال الضمان، على المشهور بل الظاهر عدم الخلاف فيه (1). وانما يرجع عليه بمقدار ما أدى، فليس له المطالبة قبله. إما لان ذمة الضامن وان اشتغلت حين الضمان بمجرده إلا أن ذمة المضمون عنه لا تشتغل الا بعد الاداء وبمقداره. وإما لانها تشتغل حين الضمان، لكن بشرط الاداء، فالاداء على هذا كاشف عن الاشتغال من حينه (2)، وإما لانها وإن اشتغلت بمجرد الضمان إلا أن جواز المطالبة مشروط بالاداء. وظاهرهم هو الوجه الاول (3). وعلى أي حال لا خلاف في أصل الحكم، وإن ] (1) قد أخذ الاداء موضوعا للرجوع في معاقد الاجماعات. قال في الشرائع: " ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أداه إن ضمن باذنه " ونحوه عبارات غيره. وظاهر الجميع: أن الرجوع بعد الاداء. وفي جامع المقاصد: أن الضامن إنما يرجع بعد الاداء، فلا يرجع بما لم يؤده، ويظهر التسالم عليه. (2) ويحتمل أن يكون اشتغال الذمة حاصلا بمجرد الضمان لكنه متزلزل فيستقر بالاداء، وإذا لم يحصل الاداء بطل الاشتغال وانفسخ. احتمله في الجواهر أيضا. وأما الاحتمال الثالث المذكور في المتن فالظاهر منه حصول الاشتغال بمجرد الضمان وبقاؤه وإن لم يحصل الاداء أبدا. فتكون الاحتمالات أربعة. (3) قال في المسالك: " قد عرفت أن الضامن لا يستحق عند المضمون عنه شيثا إلى أن يؤدي مال الضمان ". وفي الجواهر نسب الوجه المذكور إلى المسالك وغيرها، ثم قال: " ولعله الاقوى ". لكن في

 

===============

 

( 295 )

 

[ كان مقتضى القاعدة جواز المطالبة واشتغال ذمته من حين الضمان في قبال اشتغال ذمة الضامن (1)، ] الشرائع: " إذا ضمن عنه دينارا باذنه فدفعه إلى الضامن فقد قضى ما عليه ". وظاهره اشتغال الذمة بمجرد الضمان بالاذن. ولكن حمله في المسالك على خلاف ظاهره، ويظهر منه عدم احتمال ذلك. (1) يعني: لما كان اشتغال ذمة الضامن بالضمان كان بأمر المضمون عنه، وكان ذلك ضررا على الضامن، كان مضمونا على المضمون عنه. وعلله في الجواهر: بأن الضمان نوع أداء، والفرض حصوله باذنه، فيقتضي شغل ذمة المضمون عنه، فيصح حينئذ الدفع له وفاء، كما يصح للضامن إبراء ذمة المضمون عنه قبل الاداء. انتهى. لكنه أشكل عليه: بأنه لم يثبت كون الضمان أداء بالنسبة إلى ذلك، وإن كان هو كالاداء بالنسبة إلى إبراء ذمة المضمون عنه، فلا سبب حينئذ لشغل ذمة المضمون عنه إلا الاداء المأذون فيه بالاذن بالضمان، لقاعدة احترام مال المسلم. انتهى. وكل من التعليل وإشكاله مبني على كون سبب ضمان المضمون عنه للضامن هو أداؤه، فالتعليل مبني على أن الضمان أداء، والاشكال راجع إلى نفي ذلك. وفيه: أنه لا ضرورة تدعو إلى ذلك، بل من الجائز أن يكون السبب هو الضمان الايقاعي باذن المضمون عنه، لانه المأذون فيه والمأمور به، وبه يكون خلاص المضمون عنه من الدين الذي عليه للمضمون له، والاداء لا يتعلق به بوجه، وإنما يتعلق بالضامن وبه افراغ ذمته. وفي حاشية بعض الاعاظم: ان القاعدة تقتضي ذلك، من جهة أن اشتغال ذمة المضمون عنه إنما يكون باستيفائه لمال الضامن، وهو إنما يحصل بالاداء، وقبله لا استيفاء. انتهى. والاشكال فيه ظاهر مما عرفت فان أداء الضامن للمال لا يرتبط بالمضمون عنه بوجه، وإنما يرتبط بالضمان وبه

 

===============

 

( 296 )

 

[ سواء أدى أو لم يؤد. فالحكم المذكور على خلاف القاعدة، ] فراغ ذمته. أما ما يرتبط بالمضمون عنه ويكون به فراغ ذمته من ثقل الدين فهو ضمان الضامن، وهو الذي أذن له فيه وأمره به، وبنفس الضمان تكون الخسارة الماليه على الضامن، وهي بأمر المضمون عنه، فيكون ضامنا لها. قال في التذكرة: " وإن لم يكن (يعني: الضامن) متبرعا بالضمان وضمن بسؤال المضمون عنه، فهل يثبت للضامن حق عليه ويوجب علقة بينهما؟ للشافعية وجهان: أحدهما: أنه يثبت، لانه اشتغلت ذمته بالحق كملا لما ضمن، فليثبت له عوضه على الاصيل. والثاني: لا يثبت لانه لا يفوت عليه قبل الغرم شئ، فلا يثبت له شئ إلا بالغرم. إذا عرفت هذا فان كان المضمون له يطالب الضامن باداء المال فهل للضامن مطالبة الاصيل بتخليصه؟ قال أكثر الشافعية: نعم، كما أنه يغرم إذا غرم. وقال القفال: لا يملك مطالبته به. وهو الاقوى عندي إذ الضامن انما يرجع بما أدى فقبل الاداء لا يستحق الرجوع، فلا يستحق المطالبة... ". ومن أمعن النظر في الوجهين الذين ذكرهما الشافعية يتضح له أن الاوجه أولهما، وأن العلامة إنما رجح ثانيهما لعدم وجوب شئ على المضمون عنه إلا ما أداه الضامن حسب مادل عليه الدليل بالخصوص، فكأنه لاجله لزم رفع اليد عن القاعدة المقتضية لجواز الرجوع من أول الامر. لكن الاجماع على عدم جواز رجوع الضامن إلا بما أداه، وكذا النص لم يدلا على نفي استحقاق الضامن بمجرد ضمانه، فان الاجماع دل على عدم جواز المطالبة قبل الاداء، وقد عرفت عبارة الشرائع الظاهرة في ثبوت الاستحقاق على المضمون عنه بمجرد ضمان الضامن. وأما الخبر فسيأتي بيانه.

 

===============

 

( 297 )

 

[ ثبت بالاجماع، وخصوص الخبر (1): عن رجل ضمن ضمانا ثم صالح عليه، قال: ليس له إلا الذي صالح عليه. بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن الا ما خسر. ويتفرع على ما ذكروه (2): أن المضمون له لو أبرء ذمة الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلا، وإن أبرأه ] (1) وهو موثق عمر بن يزيد، قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه قال (ع): ليس له الا الذي صالح عليه " (* 1). ونحوه موثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) (* 2). وهذا الخبر لا يدل على عدم اشتغال الذمة حين الضمان، وانما يدل على عدم اشتغال الذمة بما لم يؤد أو ما لم يصالح عليه وكذلك خبر الحسين بن خالد المتقدم (* 3) يدل على أن الضامن بعد أن يغرم تكون غرامته على المضمون عنه ولو لاجل كونه مشغول الذمة بذلك من الاول، أما لانه لا تشتغل ذمته قبل الاداء فلا دلالة له عليه. فالنصوص قاصرة عن إثبات الوجه الثالث، لا أنها دالة على الوجه الاول، وتكون موجبة لخلاف القواعد. (2) يعني: ما ذكروه أولا من أنه يرجع بما أدى لا بتمام المال المضمون. والوجه في تفرع الامور المذكورة على ذلك واضح في الجميع عدا صورة ما إذا ضمن عنه ضامن فادى تبرعا، أو وفي عنه تبرعا، أو وفي عنه من باب الزكاة، فان الجميع غير داخل في النص. وحينئذ يشكل إلحاقه بمورد النص، ولابد من الرجوع فيه إلى القاعدة الآتي بيانها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 6 من أبواب كتاب الضمان حديث: 2. (* 3) راجع الصفحة: 293.

 

===============

 

( 298 )

 

[ من البعض ليس له الرجوع بمقداره. وكذا لو صالح معه بالاقل، كما هو مورد الخبر. وكذا لو ضمن عن الضامن ضامن تبرعا فادى، فانه حيث لم يخسر بشئ لم يرجع على المضمون عنه وإن كان باذنه. وكذا لو وفاه عنه غيره تبرعا. (مسألة 14): لو حسب المضمون له على الضامن ما عليه خمسا أو زكاة أو صدقة، فالظاهر أن له الرجوع على المضمون عنه (1)، ولايكون ذلك في حكم الابراء. وكذا ] (1) وفي الجواهر: " لعله كذلك. " ولا يخلو من إشكال، إذ لاغرم من الضامن ليكون على المضمون عنه. نعم كان الغرم فيه على مستحق الزكاة مثلا، لا على الشخص المذكور. اللهم إلا أن نقول: إن القاعدة تقتضي اشتغال ذمة المضمون عنه بمجرد الضمان بأمره، ولم يثبت في المقام ما يقتضي الخروج عنها. وإلحاقه بمورد النص غير ظاهر ولاجل ذلك يكون اللازم الحكم بالرجوع في جميع موارد الشك في الخروج بخلاف ما إذا كان السبب في ضمان المضمون عنه استيفاؤه لمال الضامن، فانه مع الشك يبني على عدم الرجوع، لاصالة البرائة. فعلى المبنى الاول: يكون الشك في السقوط، وعلى المبنى الثاني: يكون الشك في الثبوت. اللهم إلا أن يقال: لما كان المدين له باحتسابه من الزكاة برئت ذمته فالبراءة كانت بماله، فيكون ماله قد استوفاه المضمون عنه،. فعليه ضمانه ومن ذلك يصح أن يقال: إنه قد غرم ماله، فيكون الغرم على المضمون عنه. فالحكم في هذا الفرض لا يختلف باختلاف المباني. لكنه يتم بناء على ثبوت ملك ما في الذمة آناما، أما إذا قلنا بامتناعه، لعدم الفرق بين الآنات، فلا استيفاء لما له ولا غرامة عليه. فيتعين الابتناء على المباني.

 

===============

 

( 299 )

 

[ لو أخذه منه ثم رده عليه هبة (1). وأما لو وهبه ما في ذمته فهل هو كالابراء أولا؟ وجهان (2). ولو مات المضمون له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع به على المضمون عنه (3) (مسألة 15): لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوى أقل من الدين (4)، أو وفاه الضامن بما يسوى أقل منه (5)، فقد صرح بعضهم بأنه لا يرجع على المضمون عنه إلا بمقدار ما يسوى (6). وهو مشكل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة، وكون القدر المسلم غير هذه الصور. وظاهر خبر الصلح الرضا من الدين باقل منه، لا ما إذا صالحه بما ] (1) كما نص عليه في الجواهر، وفي التذكرة: أنه أقرب. ووجهه واضح لحصول الغرم، فيرجع به على المضمون عنه. (2) بناء على ما سبق في الزكاة يكون الاقرب الثاني، إذ لا فرق بين الهبة المجانية وبين الصدقة أو الزكاة في أن البراءة بماله في الجميع، بخلاف الابراء فان البراءة فيه لم تكن بمال الضامن. وعليه يتعين الرجوع إلى المباني (3) يتعين فيه الرجوع إلى المباني المتقدمة. (4) الظاهر أن أصل العبارة: " لو باع أو صالح " وفاعله ضمير الضامن كما يظهر بالتأمل. (5) الوفاء بالاقل قيمة يختص بما إذا كان من الجنس الردي مثلا، أما إذا كان من غير الجنس فلا يمكن الوفاء الا بمقدار القيمة. (6) ذكر ذلك في الشرائع والتذكرة والقواعد والمسالك وغيرها. قال في التذكرة: " لو صالح عن الف على عبد يساوي ستمائة لم يرجع الا بستمائة "، ثم استدل عليه بموثقي عمر بن يزيد و عبد الله بن بكير.

 

===============

 

( 300 )

 

[ يسوى أقل منه (1). وأما لو باعه أو صالحه أو وفاه الضامن بما يسوى أزيد فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة (2). (مسألة 16): إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه، فان كان ذلك بعنوان الامانة ليحتسب بعد الاداء عما له عليه، فلا إشكال، ويكون في يده أمانة، لا يضمن لو تلف الا بالتعدي أو التفريط. وإن كان بعنوان وفاء ما عليه، فان قلنا باشتغال ذمته حين الضمان وإن لم يجب عليه دفعه إلا بعد أداء الضامن، أو قلنا باشتغاله حينه بشرط الاداء بعد ذلك على وجه الكشف، فهو صحيح ويحتسب وفاء، لكن بشرط حصول الاداء من الضامن على التقدير الثاني. وإن قلنا: انه لا تشتغل ذمته إلا بالاداء وحينه ] (1) ظهور الخبر فيما يشمل هذا الفرض الذي ذكروه لا يقبل الانكار لوضوحه. نعم الخبر بلفظه لا يشمل البيع. لكن الظاهر منه عرفا الاعم من البيع. وقد نفي الخلاف عن أنه لا يجب على المضمون عنه أن يدفع إلى الضامن أزيد مما دفعه إلى المضمون له. نعم لو صالحه عن ذلك أو أو باعه عليه بما يساوي الدين وتقاصا عنه بالاقل ففي المسالك: اتجه رجوعه عليه بما يساوي الدين، وفي التذكرة: احتمل ذلك، واحتمل الرجوع بقيمة العين، لان الضمان وضع للارتفاق، ونسب إلى الشافعية الاول. (2) صرح بذلك غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات، معللين له بأنه متبرع بالزيادة غير مأذون فيها، فلا استيفاء لها من المضمون عنه، بناء على كون الضمان بالاستيفاء. وكذا بناء على كون الضمان بالضمان، لان الضمان لم يكن بالزايد، وهو واضح.

 

===============

 

( 301 )

 

[ - كما هو ظاهر المشهور - فيشكل صحته وفاء، لان المفروض عدم اشتغال ذمته بعد، فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد (1)، وبعد الاداء ليس له الاحتساب إلا باذن جديد (2) أو العلم ببقاء الرضا به. (مسألة 17): لو قال الضامن للمضمون عنه: " إدفع عني إلى المضمون له ما علي من مال الضمان " فدفع برئت ذمتهما معا (3)، أما الضامن: فلانه قد أدى دينه، وأما ] (1) كما صرح به في التذكرة، فيكون مضمونا عليه، ويجب عليه رده إلى مالكه. وفي المسالك: أنه كالمقبوض بالسوم. ولكنه غير ظاهر، لان المقبوض بالسوم مقبوض على أنه ملك الدافع، والمفروض في المقام أنه مقبوض على أنه ملك القابض - كما هو معنى الوفاء - كالمقبوض بالعقد الفاسد، فالاذن في قبضه مقيدة بعنوان مفقود، فتكون مفقودة. ولذا قلنا لا يجوز التصرف فيه ولو بوضع اليد عليه، ويجب رده إلى مالكه، كالمغصوب، فيكون مضمونا (2) لا حاجة إلى الاذن الجديد، بل يكفي بقاء الاذن السابق، لانها كانت مقيدة بعنوان الوفاء المفقود سابقا، فإذا وجد لاحقا بحصول الاداء وبقيت الاذن كفت في حصول الملك. ومن ذلك يظهر أن الاذن الجديد لا فائدة فيها إذا لم ترجع إلى بقاء الاذن السابق، ولعل هذا هو المراد مما في حاشية بعض الاعاظم في هذا المقام، وإلا فلا محصل له. ويكفي الشك في بقاء الاذن لجريان الاستصحاب، ولا حاجة إلى العلم بالبقاء. فلا حظ. (3) قال في الشرائع: " ولو قال: ادفعه إلى المضمون له،

 

===============

 

( 302 )

 

[ المضمون عنه: فلان المفروض ان الضامن لم يخسر. كذا قد يقال. والاوجه أن يقال: أن الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمته بالاداء، والمفروض أن ذمة المضمون عنه أيضا مشغولة له، حيث أنه أذن له في الضمان فالاداء المفروض موجب لاشتغال ذمة الضامن من حيث كونه بأمره، ولاشتغال ذمة المضمون عنه حيث أن الضمان باذنه وقد وفى الضامن، فيتهاتران، أو يتقاصان (1). وإشكال صاحب الجواهر في اشتغال ذمة الضامن بالقول المزبور (2) ] فدفعه، فقد برئا " وقال في المسالك في شرحه:، أي: قال الضامن للمضمون عنه: ادفعه أنت إلى المضمون له، فدفعه فقد برئا، أما الضامن فلوفاء دينه، وأما المضمون عنه فلان الضامن لم يغرم، فلا يرجع عليه. ويمكن اعتبار التقاص القهري، لثبوت ما دفعه المديون في ذمة الضامن، لانه المديون وقد أذن له في وفائه، وثبوت مثله في ذمة المضمون عنه لادائه، فيتقاصا ". (1) وقع التعبير بالتقاص القهري في المسالك، وكأن المراد منه التهاتر بقرينة وصفه بالقهري، والتقاص المشروع اختياري من أفعال الملكف القصدية بخلاف التهاتر، فانه من الاحكام الشرعية. وكأن عطفه في المتن على التهاتر، بقصد التوضيح، لا التقاص الاصطلاحي. (2) قال في الجواهر - بعد نقل عبارة المسالك السابقة -: " وفيه: أن أداء دين الضامن المأذون بمال المضمون عنه باذن الضامن لا يقتضي اشتغال ذمة الضامن بمثله، إذ ليس هو قد صار بذلك قرضا عليه مع عدم قصده، وعدم توقف وفاء الدين على كونه مملوكا للمديون. كما أنه لا يستحق

 

===============

 

( 303 )

 

[ في غير محله (1). (مسألة 18): إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معا (2)، كما لو دفعه أجنبي عنه. (مسألة 19): إذا ضمن تبرعا فضمن عنه ضامن ] رجوعا على المضمون عنه، لعدم حصول الاداء منه. فلا تقاص حينئذ، لعدم ثبوت المالين في ذمة كل منهما. فتأمل ". (1) لان الموجب لضمان الضامن لما أداه المضمون عنه أمر الضامن له بالاداء الموجب لصدق الاستيفاء، الذي هو من أسباب الضمان - كما عرفت -، لا لتحقق القرض حتى يتوقف على قصده، ولا لتوقف الوفاء على كونه مملوكا للمديون حتى يمنع ذلك. كما أنه يستحق الضامن الرجوع على المضمون عنه بادائه، لان هذا الاداء من المضمون عنه لما كان بأمر الضامن وموجبا لاستحقاق الرجوع على الضامن، كان ذلك خسارة على الضامن، فاستحق الرجوع على المضمون عنه في تدارك خسارته بعد أن كان ضمانه باذنه. نعم يتوجه الاشكال على المسالك: بأن المضمون عنه لما دفع إلى المضمون له بأمر الضامن إن كان يستحق الرجوع على الضامن - من جهة تحقق الاستيفاء - تعين الوجه الثاني ولم يصح الوجه الاول، وإن كان لا يستحق الرجوع على الضامن - من جهة قصده التبرع بالدفع - تعين الوجه الاول ولم يصح الوجه الثاني. (2) قال في الشرائع: " ولو دفع المضمون عنه مالا إلى المضمون له بغير إذن الضامن فقد برئ الضامن والمضمون عنه ". ونحوها ما في القواعد وغيرها. وفي الجواهر نفى الاشكال والخلاف في ذلك. وهو واضح مما عرفت في صدر المسألة السابقة.

 

===============

 

( 304 )

 

[ باذنه وأدى ليس له الرجوع على المضمون عنه (1)، بل على الضامن (2). بل وكذا لو ضمن بالاذن فضمن عنه ضامن باذنه، فانه بالاداء يرجع على الضامن، ويرجع هو على المضمون عنه الاول. (مسألة 20): يجوز أن يضمن الدين بأقل منه برضا المضمون له (3). وكذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه. وفي الصورة الاولى لا يرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلا بذلك الاقل (4). كما أن في الثانية لا يرجع عليه إلا بمقدار الدين (5) ] (1) يعني: ليس للضامن الثاني الرجوع على المضمون عنه الاول، لانه لم يضمن عنه، فلا موجب لرجوعه عليه. (2) لانه ضمن عنه باذنه. (3) لم يحضرني عاجلا من تعرض له. ومقتضى ما تقدم من معنى الضمان من أنه نقل ما في الذمة إلى ذمة الضامن امتناع ذلك، الا أن يرجع إلى ضمان البعض وسقوط الباقي أو الابراء منه. وكذلك الفرض الثاني، فانه ممتنع الا أن يرجع إلى اشتراط الزيادة للمضمون له. اللهم إلا أن يكون المراد من الضمان في المقام مفهوما آخر، وهو اثبات بدل ما في الذمة في ذمة أخرى أقل منه أو اكثر. ولا بأس بالبناء على صحته، عملا بعمومات الصحة، ولا يكون من الضمان الاصطلاحي، ولا تجري عليه أحكامه إلا ما تقتضيه العمومات. (4) لان الزائد عليه لم يؤده، فلا يرجع به على المضمون عنه وإن كان باذنه. (5) كما سبق.

 

===============

 

( 305 )

 

[ إلا إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة (1). (مسألة 21): يجوز الضمان بغير جنس الدين (2). كما يجوز الوفاء بغير الجنس (3). وليس له أن يرجع على المضمون عنه الا بالجنس الذي عليه (4)، إلا برضاه. (مسألة 22): يجوز الضمان بشرط الرهانة (5)، فيرهن بعد الضمان. بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهنا بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان (6). ] (1) لاطلاق مادل على الرجوع بما أدى. (2) لم أقف على من تعرض له. ويشكل بما سبق من امتناع ذلك، لان نقله من ذمة إلى ذمة مع البناء على ثبوت غيره خلف. الا أن يكون المقصود اشتراط الاداء من غير الجنس، فلا بأس، لعموم الوفاء بالشروط، نظير الاشتراط من مال معين، كما سيأتي. أو يكون المراد غير الضمان الاصطلاحي، بل معنى آخر وهو اثبات بدل لما في الذمة في ذمة أخرى، كما تقدم. وحينئذ لا تجري عليه أحكام الضمان، وتثبت له الاحكام العامة. (3) بلا إشكال. والنصوص به شاهدة. (4) لاطلاق الموثق: " ليس له الا الذي صالح عليه " (* 1). (5) يعني: بنحو شرط الفعل، يعني: شرط أن يرهن، فيجب على الضامن أن يرهن عند المضمون له عينا، لتكون مورد حق الاستيفاء. (6) قد ذكرنا في كتاب الاجارة من هذا الشرح الاشكال في صحة شرط النتيجة من وجهين: الاول: أن النتائج لا تقبل أن تكون مضافة إلى مالك، فلا يمكن أن تكون شرطا، لان التحقيق أن الشرط مملوك للمشروط له، ولذا كان له المطالبة به، وإذا امتنع أن تكون مملوكة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب كتاب الضمان حديث: 1.

 

===============

 

( 306 )

 

امتنع أن تشترط ملكيتها. نعم إذا كانت في العهدة جاز أن تكون مملوكة. لكنها تكون من شرط الفعل لامن شرط النتيجة. الوجه الثاني: أن مفاد صيغة الشرط مجرد جعل التمليك بين المشروط له والمشروط، لاجعل نفس المشروط، فان صيغة الشرط لا تتكفل ذلك، فإذا لم يحصل الشرط لا يكون ثابتا، فلا تترتب اثاره، وحينئذ لا نتيجة ولا يجوز ترتيب آثارها. وهذا معنى بطلان شرط النتيجة. ثم إن الاشكالين المذكورين إنما يتوجهان على شرط النتيجة بناء على أن مفاد الشرط تمليك المشروط له للمشروط، كما يقتضيه مناسبته مع شرط الفعل. أما إذا كان مفاده مجرد الالتزام للمشروط له بالشرط، فيكون مفاده انشاء المشروط وهو النتيجة في ضمن العقد، فلا بأس به، عملا بعموم نفوذ الشروط. الا إذا كانت النتيجة لاتنشأ الا بسب خاص، فان عموم نفوذ الشرط لا يصلح لتشريع ما لم يشرع، فيكون الشرط حينئذ مخالفا للكتاب، فيدخل في الشرط الباطل. وإذا لم يشترط في إنشائها سبب خاص صح شرطها وترتب عليه الاثر وإن لم يكن مملوكا للمشروط له. ويكون له الخيار في تخلفه نظير خيار تبعض الصفقة، كما إذا جمع بين بيع ونكاح فبطل أحدهما، فانه يكون الخيار في الآخر. لكن هنا يبطل الشرط ببطلان العقد، لان الشرط لوحظ تابعا لمضمون العقد ومبنيا عليه، فلا يستقل بدونه، بخلاف مالو جمع بين بيع ونكاح، فانه لم يلاحظ أحدهما تابعا للآخر ومبنيا عليه، بل انشاء كل منهما في مقابل الآخر، فيكون بطلان كل منهما موجبا للخيار في الآخر. كما أن بطلان الشرط موجب للخيار في العقد لعين الوجه الموجب للخيار هناك عند بطلان أحد الامرين. وهو اشتراكهما في قصد واحد كما هو موضح في محله. والذي تحصل مما ذكرناه: أن شرط الفعل يتضمن إنشاء تمليك

 

===============

 

( 307 )

 

الفعل وشرط النتيجة لا يتضمن إنشاء التمليك، وإنما يتضمن إنشاء نفس النتيجة، فإذا لم يشترط في إنشاء النتيجة سبب خاص صح، وإذا اشترط في إنشائها سبب خاص لم يصح، لانه لا يصحل دليله لتشريع ما لم يشرع. وإذا تخلف الاول - إما لعدم صحة التمليك، أو لعدم حصول المملوك - يكون الخيار للمشروط له، وتخلف الثاني لا يكون إلا لعدم صحة الانشاء، وهو موجب للخيار للمشروط له، وهو من كان إنشاؤه موافقا لرغبة أحدهما. فان كان انشاؤه موافقا لرغبة أحدهما بعينه كان تخلفه موجبا لخياره فقط، كما إذا باعه الشجر بشرط أن يكون للمشتري الثمر الموجود، فان الشرط يوافق رغبة المشتري فيكون الخيار له " أو يبيعه الشجر بشرط أن يكون ثمره في السنة الآتية للبائع، فان الشرط يوافق رغبة البائع، فيكون الخيار له. وإذا كان موافقا لرغبة كل منهما كان الخيار لكل منهما، كما إذا باعه الجارية بشرط أن يكون حملها عوضا عن دين المشتري على البائع. فان المعاوضة لما كانت من الطرفين كانت موافقة لرغبة كل منهما، فيكون خيار التخلف لكل منهما، نظير تخلف البيع في بعض الصفقة، فانه يوجب الخيار لكل من البائع والمشتري. ثم إنه لا ينبغي التأمل في صحة شرط النتيجة بعد ما ورد النص به في شرط الضمان في الاجارة والعارية وشرط الاجل في النسيئة والسلف وغير ذلك. نعم لا مجال للبناء على جواز نذر النتيجة، فان اللام في قول الناذر: " لله علي " لام الملك، فيتوجه على نذر النتيجة الاشكالان السابقان واحتمال أن تكون اللام لام التعليل، ويكون معنى: " لله علي ": التزمت لله علي، خلاف الظاهر جدا، فالبناء على المنع من صحة نذر النتيجة في محله، كالبناء على صحة شرط النتيجة. وعليه يصح شرط الرهن في ضمن عقد الضمان، ولابد فيه من القبض - بناء على اشتراطه في الرهن - إذ لا فرق بين الموارد.

 

===============

 

( 308 )

 

[ (مسألة 23): إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فهل ينفك بالضمان أولا؟ يظهر من المسالك والجواهر انفكاكه (1)، لانه بمنزلة الوفاء (2). لكنه لا يخلو عن اشكال (3). هذا مع الاطلاق، وأما مع اشتراط البقاء أو عدمه فهو المتبع (4). (مسألة 24): يجوز اشتراط الضمان (5) في مال معين (6) ] (1) قد صرحا بذلك في شرح المسألة الرابعة من الشرائع في كتاب الضمان. (2) في الجواهر: " لان الضمان أداء ". وفي المسالك: " لان الضمان بمنزلة الاداء ". ويظهر منهما المفروغية عن ذلك. (3) إذ لا أداء ولا وفاء، وإنما كانت فائدة الضمان اشتغال ذمة الضامن به وفراغ ذمة المضمون عنه، فالدين انتقل من ذمة إلى أخرى من دون أداء، فان كان الرهن على وفائه بقي على حاله، لعدم الوفاء، وإن كان على إفراغ ذمة المديون بطل، لفراغ ذمته بالضمان. ولكن الاظهر الثاني، لان الراهن إنما وضع الرهن لحسابه، لا لحساب المرتهن. (4) عملا بعموم صحة الشروط. (5) كما في الشرائع والقواعد والتذكرة وغيرها، ويظهر منهم التسالم على ذلك، ولم ينقل فيه خلاف أو اشكال، وفي الجواهر: " لا خلاف أجده في صحته ". وكفى دليلا عليه عموم: " المؤمنون عند شروطهم " (* 1). (6) يعني: يكون الاداء منه، كما في عبارة القواعد والتذكرة، وعبارة الشرائع كعبارة المصنف. والظاهر أن المراد منها ذلك. وسيجئ

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث 4.

 

===============

 

( 309 )

 

[ على وجه التقييد (1)، أو على نحو الشرائط في العقود من كونه من باب الالتزام في الالتزام. وحينئذ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال (2)، بمعنى صرفه فيه. وعلى الاول: إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان (3) ويرجع المضمون له على ] احتمال آخر. فانتظر (1) يعني: يؤخذ الاداء من ذلك المال قيدا للضمان أو قيدا للمضمون فكأنه قال: أضمن الضمان الذي يكون وفاء ماله من المال المعين، أو أضمن المال الذي يكون وفاؤه من المال المعين. (2) عملا بالشرط. (3) لفوات القيد الموجب لفوات المقيد. قال في التذكرة: " لو شرط في الضمان الاداء من مال بعينه صح الضمان والشرط معا، لتفاوت الاغراض في أعيان الاموال. فلو تلف المال قبل الاداء بغير تفريط الضامن فالاقرب فساد الضمان لفوات شرطه، فيرجع صاحب المال على الاصيل. وهل يتعلق الضمان بالمال المشروط تعلقه به تعلق الدين بالرهن، أو الارش بالجاني؟ الاقرب: الاول، فيرجع على الضامن لو تلف. وعلى الثاني: يرجع على المضمون عنه ". والعبارة لا تخلو من إشكال، لتنافي الصدر والذيل فيها، لان الرجوع على الضامن الذي قربه في الذيل يقتضي صحة الضمان، وهو ينافي ما في الصدر من بطلان الضمان والرجوع على الاصيل، المناسب لكون التعلق نظير تعلق أرش الجناية. والمصنف (ره) جعل البطلان من أثار أخذ الشرط على نحو القيد، لان فوات القيد يوجب فوات المقيد. وقد تبعه إلى ذلك في المسالك في توجيه البطلان الذي حكاه عن التذكرة والشهيد في بعض فتاواه. ولكنه يشكل: بأن فوات القيد لا يوجب بطلان العقد، وإنما يوجب الخيار

 

===============

 

( 310 )

 

[ المضمون عنه. كما أنه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته. ] المسمى بخيار تخلف الوصف، كما إذا قال: " بعتك هذا العبد الكاتب " فتبين أنه غير كاتب، فلا فرق بين فوات القيد وفوات الشرط. فان قلت: فوات المقيد بفوات قيده من الضروريات، فالقصد انما. تعلق بالمقيد لا بغيره، فكيف يصح مع فواته الموجب لانتفاء قصده؟! قلت: هذا الاشكال يتوجه نظيره في صورة فوات الشرط، لان القصد انما كان إلى المشروط لا إلى الخالي عن الشرط، فكيف يصح الخالي عن الشرط من دون قصد؟! بل يتوجه أيضا في باب تبعض الصفقة، فان من اشترى دارا وتبين أن بعضها لغير البائع ولم يجز، أو بعضها وقف لا يصح بيعه، لم يكن يقصد شراء البعض أبدا، وإنما كان يقصد شراء المجموع. ويندفع: بأن القصد الضمني التحليلي كاف في صحة العقد بالنسبة إلى الفاقد للقيد أو الشرط، وبالنسبة إلى الجزء في باب تبعض الصفقة. ويشهد بذلك بناؤهم على صحة العقد في البعض لكن مع الخيار، وكذا بناؤهم على صحة العقد مع تخلف الوصف لكن مع الخيار، المعبر عنه خيار الوصف، كما في: " بعتك العبد الكاتب ". ومثله الكلام في مورد خيار الرؤية. ودعوى، أن الصحة في هذه الموارد لان الانشاء فيها من باب تعدد المطلوب، بحيث يكون قصدان: قصد قائم بالمجموع وبالمشروط وبالموصوف، وقصد قائم بالبعض وبالخالي عن الشرط أو الوصف، فإذا فات القصد الاول كفى القصد الثاني، فيها - مع أن ذلك ممنوع، بل ليس إلا قصد واحد في اكثر الموارد -: أنه لو صح ذلك جاء فيما نحن فيه أيضا واقتضى الصحة، فلا وجه للبطلان. ثم إن العلامة في القواعد قال: " فان تلف بغير تفريط ففي بطلان الضمان اشكال، ومع عدمه يتعلق به تعلق الدين بالرهن، لا الارش بالجاني،

 

===============

 

( 311 )

 

فيرجع على الضامن. وعلى الثاني يرجع على المضمون عنه ". وكأن منشأ الاشكال في البطلان الاشكال في أن فوات الشرط يوجب فوات المشروط وعدمه. والظاهر من قوله (ره): " ومع عدمه " أنه مع عدم البطلان، وقوله: " تعلق الدين بالرهن " يعني: يثبت الدين في ذمة الضامن كما يثبت في ذمة الراهن، لا أنه لا يثبت في ذمته كما في حق الجناية، فانه لا يتعلق بذمة المالك للجاني، وانما يثبت في رقبة الجاني فقط. لكن هذا التردد لا يتناسب مع عنوان المسألة التي هي الضمان واشتراط كون الاداء من المال المعين، إذ المراد منه أن الذمة مشغولة ويكون الاداء لما في الذمة من المال المعين، لا أن الذمة فارغة، فليس من شقوقها كون الذمة فارغة كما في حق الجناية. وقوله (ره): " وعلى الثاني " الظاهر من الثاني تعلق الارش بالجاني، كما صرح بذلك في عبارة التذكرة. وحمله في مفتاح الكرامة على البطلان. ووجهه غير ظاهر لان البطلان لم يذكر ثانيا لاول، وانما ذكر أولا بدون ذكر ثان. ولذلك فهم منه في جامع المقاصد ما ذكرنا، وأشكل عليه: بأنه إذا صح الضمان وبنينا على كون التعلق كتعلق أرش الجناية كيف يتصور الرجوع على المضمون عنه؟! وعلى هذا فالمتعين: أنه بناء على صحة الضمان مع الشرط المذكور يكون تعلق الدين بالمال المعين تعلق الدين بالرهن، فتكون ذمة الضامن مشغولة، وعليه الوفاء من المال المعين. ولا مجال لاحتمال كون التعلق به تعلق أرش الجناية، وعلى تقديره يتعين البناء على سقوط الدين بالتلف بدون تفريط، لا أنه يرجع المضمون له على المضمون عنه، فان أرش الجناية المتعلق بالعبد الجاني يسقط بموته، لا أنه يرجع المجني عليه إلى مالكه أو غيره، فانه بعد انتقال الدين من ذمة المضمون عنه إلى المال المعين لاوجه

 

===============

 

( 312 )

 

[ وعلى الثاني: لا يبطل، بل يوجب الخيار لمن له الشرط من الضامن أو المضمون له أو هما. ومع النقصان يجب على الضامن الاتمام مع عدم الفسخ. وأما جعل الضمان في مال معين من غير اشتغال ذمة الضامن، بأن يكون الدين في عهدة ذلك المال، فلا يصح (1). ] لرجوعه إلى ذمة المضمون عنه بتلف موضوعه. نظير حق الزكاة الذي يسقط بتلف العين بدون تفريط. ثم إن الاختلاف بين حق الرهانة وحق الجناية من وجهين: الاول: ما ذكرناه من أن حق الرهانة مقرون باشتغال ذمة الراهن، بخلاف حق الجناية فانه غير مقرون باشتغال ذمة المالك. الثاني: أن حق الرهانة مانع من التصرف في الرهن، فكأنه قائم بالعين بما انها مضافة إلى مالكها حال الرهن، بخلاف حق الجناية، فانه غير مانع من التصرف، فلو باع المالك العبد الجاني صح البيع وانتقل الحق معه، فكأن الحق قائم به غير مقيد باضافته إلى مالك بعينه. (1) قال في المسالك فيما لو اشترط أن يكون الضمان من مال معين: " وهل هو متعلق به كتعلق الدين بالرهن، أو كتعلق الدين بالجاني؟ وجهان، مأخذهما: أن الضمان ناقل للدين إلى ذمة الضامن، لان موضعه إنما هو الذمة، وتخصيص هذا المال أفاد انحصار المطالبة فيه، ولم تخرج الذمة عن العهدة، لان مقتضى الضمان ابتداء التعلق بها. وهذا هو وجه تعلق الرهن. ومن أن الضامن لم يدخل ذمته مطلقا، وانما حصر الاستحقاق في المال المعين وجعله متعلق حق المضمون له، فينحصر حقه فيه ابتداء من غير تعلق بالذمة. وأقواهما الاول ". ولا يخفى أن مفاد الوجه الثاني إلى

 

===============

 

( 313 )

 

[ (مسألة 25): إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه، فان قلنا إن الضامن هو المولى - للانفهام العرفي، أو ] ارجاع اشتراط الضمان من مال معين إلى تخصيص حق المضمون له بالمال المعين، فالبناء على صحته حينئذ يقتضي البناء على صحة هذه الصورة، بل ظاهر بعض عبارات المسالك الاخرى ذلك. وهو كذلك، عملا بعمومات الصحة، وان لم تكن من الضمان المصطلح الذي هو اشتغال الذمة، فلا تجري عليها أحكامه. والذي يتحصل مما ذكرنا أمور: الاول: أن اشتراط الضمان في مال معين يكون على صور ثلاث ذكرها المصنف، كلها صحيحة. الثاني: أن أحكام الضمان تجري على الاولتين منها دون الاخيرة. الثالث: أنه مع التلف بدون تفريط يكون الخيار للمشروط له في الصورتين الاولتين، ولا يكون له الخيار في الاخيرة. الرابع: أنه مع التلف بدون تفريط يرجع المضمون عنه على الضامن في الصورتين الاولتين، ولا يرجع على أحد في الصورة الثالثة، لا على الضامن، لان المفروض فراغ ذمته، ولا على المضمون عنه لان المفروض انتقال المال من ذمته إلى المال المعين، فلا موجب لبطلان هذا الانتقال، كما احتمله في المسالك، خلافا لما سبق عن التذكرة والقواعد وغيرهما. الخامس: أن الوجه في صحة العقد في صورتي تخلف القيد والشرط هو الاجتزاء بالقصد الضمني الارتباطي في صدق العقد والايقاع، وكذلك في باب تبعض الصفقة، وإن كان القصد المذكور غير حاصل في حال انتفاء القيد أو الشرط أو المقارن. السادس: أن الفرق بين حق الرهانة وحق الجناية من وجهين: الاول: أن الاول لا يسقط الدين فيه بتلف موضوع الحق، بخلاف الثاني. الثاني: أن الاول يمنع من التصرف في موضوعه بنقل أو نحوه، بخلاف الثاني.

 

===============

 

( 314 )

 

[ لقرائن خارجية - يكون من اشتراط الضمان في مال معين، وهو الكسب الذي للمولى، وحينئذ فإذا مات العبد تبقى ذمة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود، ويبطل إن كان على وجه التقييد (1). وإن انعتق يبقى وجوب الكسب عليه (2). وان قلنا إن الضامن هو المملوك، وأن مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان، فإذا مات لا يجب على المولى شئ (3)، وتبقى ذمة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها. وإن انعتق يبقى الوجوب عليه (4). (مسألة 26): إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد فاما أن يكون على التعاقب، أو دفعة. فعلى الاول: الضامن من رضي المضمون له بضمانه (5). ولو أطلق الرضا بهما كان ] (1) قد سبق في المسألة الماضية الاشكال فيه. (2) عملا بمقتضى الشرط وإن لم نقل بأن المدين يجب عليه الكسب. (3) إذ لا مقتضى لهذا الوجوب، فان الضمان الواقع لا يقتضيه، وليس له مقتض غيره. (4) عملا بمقتضى إطلاق عقد الضمان لما لم يقيد بحال الرقية. (5) تارة: يرضى المضمون له بضمان أحدهما دون الآخر، وأخرى: يرضى بضمان أحدهما ثم يرضى بالآخر. فان كان الاول صح ضمان من رضي المضمون له به، لحصول شرطه، سواء كان سابقا أم لاحقا، وبطل الآخر لفقد شرطه كذلك. وإن كان الثاني صح ضمان الاول وبطل ضمان الثاني، لا نتفاء موضوعه بالاول، لانه أوجب فراغ ذمة المضمون عنه، فلا معنى للضمان الثاني.

 

===============

 

( 315 )

 

[ الضامن هو السابق (1). ويحتمل قويا كونه كما إذا ضمنا دفعة خصوصا بناء على اعتبار القبول من المضمون له، فان الاثر حاصل بالقبول نقلا لاكشفا (2). وعلى الثاني: إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن، وإن رضي بهما معا ففي بطلانه - كما عن المختلف وجامع المقاصد (3)، واختاره ] (1) كذا في الجواهر وغيرها. وعلله في مفتاح الكرامة. بأنه إذا رضي بضمان كل منهما فقد رضي بضمان الاول، فينتقل المال إليه، فلا يصادف ضمان الثاني ولا الرضا به حقا على المضمون عنه، فيبطل. (2) فتكون نسبته إلى الايجابين نسبة واحدة، فترجيح أحدهما على الآخر من دون مرجح، فيكون الحكم كما إذا اقترن الايجابان. هذا بناء على اعتبار القبول في الضمان لكونه من العقود. أما بناء على اشتراط الرضا في الضمان لكونه من الايقاع فالرضا وان كان شرطا خارجا عن السبب المؤثر الا أنه دخيل في ترتب الاثر فيكون الاثر مقارنا له، وحينئذ يرجع الكلام السابق من أن نسبة الرضا إلى الايقاعين نسبة واحدة، فلا يترجح أحدهما على الآخر وإن سبق زمانا. نعم بناء على الكشف يتعين الاثر للاول، ويبطل الثاني لارتفاع موضوعه بالاول، كما سبق في مفتاح الكرامة، ولا يتوجه ما ذكره بناء على النقل. (3) قال في المختلف فيما إذا وقع ضمان الجماعة دفعة: " وإن وقع الرضا دفعة احتمل بطلان الضمان، لامتناع انتقال الحق دفعة واحدة إلى ذمم متعددة، والصحة، فيطالب كل واحد بقسطه لا بالجميع. والاقوى الاول ". وفي جامع المقاصد بعد ما نقل القول الثالث في المسألة وهو البطلان قال: " وهو الاصح ". وفي التذكرة: " لو اتفق ضمان الاول مع صاحب الحق وضمان الثاني مع وكيله في الزمان الواحد بطل الضمانان معا، لعدم أولوية أحدهما بالصحة والآخر بالبطلان ".

 

===============

 

( 316 )

 

[ صاحب الجواهر (1) أو التقسيط بينهما بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا (2)، أو ضمان كل منهما فللمضمون له مطالبة من شاء - كما في تعاقب الايدي - وجوه. أقواها: الاخير (3) ] (1) فانه بعد أن نقل القول الثالث في المسألة وهو البطلان قال: " ولكن لا يخفى على من أحاط خبرا بنظائر المسألة قوة الاخير منها. وما ذكر الفاضل من وجود النظير - لو سلم أنه مثله - لا يصلح دليلا للمسألة ". (2) حكاه في المختلف وجامع المقاصد قولا، ونسبه في مفتاح الكرامة إلى ابن الجنيد. لكن عبارته غير ظاهرة فيه، قال: " ولو كفل جماعة بمال الرجل على رجل، ولم يفصلوا قدر ما كفل به كل واحد من المال، كان كل واحد منهم كفيلا بحقه على قدر عددهم ". وظاهره أن في مقام الاثبات لا الثبوت، فلا يكون مما نحن فيه. وكيف كان فاستدل لهذا القول في جامع المقاصد: بأن الاصل صحة الضمان، ولما امتنع انتقال المضمون إلى كل من الذمتين، ولا أولوية، انتقل إلى كل واحدة منهما ما يقتضيه التحاص. ثم قال: " وفيه نظر، لانه خلاف ما اقتضاه العقدان وأراده الضامنان. بل إن كان العقد صحيحا ترتب عليه مقتضاه، والا كان باطلا ". وقد يتوهم أن التقسيط مقتضى التزاحم. وفيه: أن التزاحم يتوقف على وجود المقتضي في الطرفين. وهو أول الكلام، فانه بناء على امتناع اشتغال الذمتين بتمام المالين يكون التنافي بين تطبيق الدليل بالاضافة إلى كل من العقدين، ولعدم المرجح يسقط الدليل فيهما معا. (3) حكاه في جامع المقاصد عن ابن حمزة في الوسيلة، وعبارته صريحة فيه، وسماه ضمان الانفراد، وهو ضمان جماعة عن واحد، ويكون للمضمون له الخيار في مطالبة المال من أيهم شاء على الانفراد وعلى الاجتماع، في

 

===============

 

( 317 )

 

مقابل ضمان الاشتراك، وهو بالعكس، يعني: ضمان واحد عن جماعة. وكان المناسب التسمية على العكس. وفي جامع المقاصد عن الفخر عن والده في درسه الشريف توجيهه: بأن مثله واقع في العبادات، كالواجب على الكفاية، وفي الاموال كالغاصب من الغاصب، وحكى ذلك عنه الشهيد أيضا على ما حكاه في مفتاح الكرامة. ثم ذكر أن ظاهر الفخر وصريح الشهيد الرضا به. لكن أشكل على مقايسته بباب الغاصب من الغاصب: بأنه لم يثبت المال في ذمم متعددة وإنما وجب على من جرت يده على المغصوب رده على مالكه، عملا بعموم: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (* 1). وفيه: أن تقدير المضاف خلاف الاصل. مع أنه لا ينسجم الصدر فيه مع الذيل، لان مرجع التقدير إلى قوله: " على اليد... " أداء ما أخذت حتى تؤدي " فتتحد الغاية والمغيى، وهو كما ترى. وفي الجواهر في شرح مفهوم الضمان ذكر أن المشغول به في تعاقب الايدي على المغصوب ذمة واحد، وهو من تلف في يده المال مثلا، وان جاز للمالك الرجوع على كل واحد، لعدم تصور اشتغال ذمتين فصاعدا بمال واحد. وكأنه إلى ذلك أشار في عبارته السالفة بقوله: " لو سلم أنه مثله ". وفيه: أنه خلاف قوله صلى الله عليه وآله: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي ". و جواز الرجوع إلى كل واحد لا دليل عليه سواه. وشيخنا الاعظم ذكر أن الشئ الواحد لا يقبل الاستقرار إلا في ذمة واحدة، ولاجل ذلك يتعين الالتزام بأن اشتغال ذمة كل واحد من الايدي المتعاقبة على البدل. ثم قال: " ويمكن أن يكون نظير ذلك ضمان المال على طريقة الجمهور، وضمان الاثنين لواحد، كما اختاره ابن حمزة ". وظاهره حمل هذه الاقوال

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من ابواب الغصب حديث: 4، كنز العمال الجزء: 5 حديث: 5197.

 

===============

 

( 318 )

 

على ما ذكر من كون الضمان بدلي لا عرضي. ويشكل: بأن الضمان على البدل غير معقول، إذ كل ما يكون في الخارج متعين. إلا أن يريد - قدس سره - من كونه على البدل أنه كذلك من حيث الحكم، فالذمتان وإن كانت كل واحدة منهما مشغولة بالبدل في عرض واحد، لكن بالاستيفاء من أحدهما يسقط الآخر. وإلا لم يكن البدل بدلا، فان معنى كونه بدلا أنه يقوم مقام المبدل منه ويشغل الفراغ الذي كان بفقده، فإذا قام مقامه وتدارك الخسارة التي جائت من فقده فلا معنى لضمانه. وعلى هذا يجوز عنده اشتغال الذمم المتعددة بمال واحد، لكنها في مقام الفراغ متلازمة، فإذا فرغت إحدى الذمم من المال بدفع البدل فرغت الاخرى حينئذ. ولا يحسن التعبير منه بأن الشئ الواحد لا يقبل الاستقرار الا في ذمة واحدة. وكيف كان فالتحقيق جواز اشتغال الذمم متعددة بمال واحد لمالك واحد، كجواز اشتغال ذمم متعددة بواجب واحد كما في الواجبات الكفائية، فان اشتغال الذمم المتعددة بالواجب فيها حاصل، ولا فرق بينها وبين المقام إلا في أن المصحح للاشتغال فيها الوجوب والمصحح للاشتغال هنا الملك. ودعوى: أن الواحد لا يقبل الوجود الا في مكان واحد. مدفوعة: بأن ذلك في الوجود الحقيقي والوجود هنا اعتباري لا حقيقي، واعتباره تابع لوجود منشأ الاعتبار، وهو سبب الضمان، فلما كان: " على اليد " ينطبق بالنسبة إلى كل واحد من ذوي الايدي المتعاقبة كان موجبا لاشتغال الذمة بالنسبة إليهم جميعا أيضا، وإن كان الحكم إذا أدى واحد منهم فقد برأت ذمة الباقين، لان المضمون في جميع الذمم مال واحد، فإذا وصل إلى أهله لزم حصول البراءة منه. نظير ما يقال في الواجبات الكفائية: من أنه يسقط الوجوب عن الجميع بفعل واحد منهم،

 

===============

 

( 319 )

 

[ وعليه إذا أبرء المضمون له واحدا منهما برئ دون الآخر (1) إلا إذا علم ارادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمة ذلك الواحد. (مسألة 27): إذا كان له على رجلين مال، فضمن كل منهما ما على الآخر باذنه، فان رضي المضمون له بهما صح (2). وحينئذ فان كان الدينان متماثلين جنسا وقدرا تحول ما على كل منهما إلى ذمة الآخر. ويظهر الثمر في الاعسار واليسار (3)، ] لان الواجب واحد يسقط الامر به بمجرد حصوله. وهنا تبرأ الذمم منه بمجرد وصوله إلى مالكه. (1) لاختصاصه بالابراء فلا يتعدى إلى الآخر. اللهم الا أن يقال: إنه بمنزلة الاستيفاء، لانه إسقاط لما في الذمة وقطع العلاقة بينه وبينه، فهو تصرف في المال نفسه، لا تصرف في الذمة، ليختص باحدهما دون الآخر، إذ لا سلطان له على الذمة، و إنما سلطانه على ماله، فإذا كان قد قطع العلقة بينه وبينه فقد قطع العلقة بينه وبين ما في غيرها من الدمم، لان المفروض أنه عينه لا غيره، وقد تقدم من المصنف (ره) احتمال ذلك في المسألة الثالثة. لكن التحقيق أن إبراء الذمة بحسب الارتكاز العرفي مجرد إخلائها من ماله، فان كان له مستقر آخر فهو على حاله، لا أنه قطع للعلقة بينه وبين المال، كي يسقط من جميع الذمم. (2) قال في الشرائع: " إذا كان له على رجلين مال فضمن كل منهما ما على صاحبه تحول ما كان على كل واحد منهما إلى صاحبه ". ونحوه في القواعد وغيرها. وفي المسالك: " لا إشكال في صحة هذا الضمان، لان كل واحد جامع لشرائط الصحة ". (3) فإذا كان أحدهما معسرا كان للمضمون له الخيار في فسخ الضمان،

 

===============

 

( 320 )

 

[ وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر (1)، بناء على افتكاك الرهن بالضمان. وإن كانا مختلفين قدرا أو جنسا أو تعجيلا وتأجيلا أو في مقدار الاجل فالثمر ظاهر. وإن رضي المضمون له باحدهما دون الآخر كان الجميع عليه (2). وحينئذ فان أدى الجميع رجع على الآخر بما أدى، حيث أن المفروض كونه مأذونا منه. وإن أدى البعض، فان قصد كونه مما عليه أصلا أو مما عليه ضمانا فهو المتبع. ويقبل قوله إن ادعى ذلك (3). ] فإذا فسخ استقر تمام المال على الموسر. (1) كما نص عليه في المسالك، معلا له بأن الضمان بمنزلة الاداء. وقد تقدم الكلام فيه في المسألة الثالثة والعشرين. (2) أما دينه الاول: فلانه لم ينتقل عنه بضمان صاحبه، لبطلانه. وأما دين صاحبه: فلانتقاله إلى ذمته بضمانه. (3) كما نص عليه في الشرائع في آخر كتاب الرهن، معللا له بأنه أبصر بنيته. وفي جامع المقاصد: " لانه أعرف بنيته ". وفي الجواهر: " بلا خلاف ولا اشكال ". وكأنه لبناء العقلاء والمتشرعة، نظير إخبار ذي اليد عما في يده، بل هو أولى منه، لانه إخبار عن النفس، وبناء العقلاء والمتشرعة على الاخذ به. نعم إذا كان في مقام النزاع ثم الرجوع إلى الحاكم الشرعي يتعين اليمين عليه، لانه منكر، فاليمين يحتاج إليه الحاكم الشرعي لفصل الخصومة، ولايحتاج إليه غيره لترتيب آثار الصدق. وهكذا جميع موارد الحجج، فان الحجة تكون مع المنكر ولا يكتفي بها الحاكم، بل يحتاج إلى يمين إذا لم يقم المدعي بينة على صدقه، لقوله صلى الله عليه وآله:

 

===============

 

( 321 )

 

[ وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط (1). ] " إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان " (* 1) وإن كان غير الحاكم يرتب آثار الواقع على الحجة التي تكون مع المنكر، فان المنكر من يوافق قوله الحجة، ولا يكتفي بها الحاكم في فصل الخصومة، لانحصار فصل الخصومة بالبينة واليمين. (1) كما نص عليه في القواعد. وفي جامع المقاصد: " لا متناع صرفه إلى أحدهما، نظرا إلى عدم الاولوية، فيتعين الاول لانحصار الحال فيهما ويحتمل صرفه الآن إلى ما شاء، لعدم القصد وامتناع وقوعه بدونه. ويضعف: بأن المدفوع إليه ملكه من حين القبض، فيمتنع أن لا يسقط شئ من الدين في مقابله، لان قبضه إنما كان عن جهته، فيتعين التوزيع لما قلنا من انتفاء الاولوية. وهو الاصح. وأعلم أن المصنف تردد في الرهن في نظائر هذه المسألة ثم رجع إلى الفتوى هنا " وفيه: أنه لا دليل على حصول الملك بالقبض كي يتعين التوزيع لعدم الاولوية، كيف وان كل واحد من الدينين متعين في نفسه، ولذا لوعينه في الوفاء تعين، فإذا كان متعينا في نفسه كان محتاجا إلى التعيين، لان الوفاء قصدي، وقصد الشئ يتوقف على ملاحظته بخصوصياته. وإلا فالتقسيط محتاج إلى مرحج كالتعيين لاحدهما، فالبناء على التقسيط لعدم المرجح ليس أولى من البناء على عدم التقسيط لعدم المرحج. وقد ذكر الاصحاب أنه إذا كان الواجب متعددا بلا تعيين امتنع التعيين في مقام الوفاء، فإذا جاء المكلف ببعض الواجب سقط البعض وبقي البعض بلا تعيين. فإذا كان عليه صوم أيام من شهر رمضان فصام يوما سقط يوم من تلك الايام بلا تعيين. وإذا كان الواجب متعددا مع تعين بعضه في مقابل البعض الآخر، كما إذا كان عليه صوم الكفارة وصوم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب كيفية القضاء حديث: 1.

 

===============

 

( 322 )

 

[ ويحتمل القرعة (1). ويحتمل كونه مخيرا في التعيين بعد ذلك (2) والاظهر الاول. وكذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا كان عليه دين وعليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فادى مقدار أحدهما (3)، أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن ] القضاء، فصام يوما ولم يعين بطل ولم يصح لاحدهما. وكذا في المقام مادام كل واحد من الدينين متعينا في نفسه في مقابل الآخر لم يحصل الوفاء القصدي إلا بقصد أحد المتعينين، وإلا خرج عن كونه قصديا. وأما قصد الجامع بين المتعينين، فليس قصدا لما في الذمة، لعدم كون الجامع المذكور في الذمة، وإنما الذي في الذمة كل واحد من المتعينين. هذا ما تقضيه المرتكزات العرفية. ونظير المقام ما إذا كان عليه قضاء رمضان من هذه السنة وقضاء رمضان من السنين السابقة، فان قضاء رمضان هذه السنة تجب المبادرة إليه قبل رمضان الثاني، فإذا لم يبادر كان عليه الكفارة، وليس كذلك قضاء رمضان السابق فإذا نوى صوما قضاء ولم يعين لم يصح لاحدهما. (1) كما احتملت فيما لو كان له زوجتان أو زوجات فقال: " زوجتي طالق " ولم ينو واحدة منهما. لكن هذا الاحتمال ضعيف في المقيس والمقيس عليه، إذ لا دليل على القرعة بعد أن كان موضوعها المشكل أو المشتبه (* 1) لعدم الاشكال والاشتباه بعد قيام الادلة على البطلان. (2) قد عرفت أنه هو المتعين الذي تقتضيه الادلة، فيبقى المدفوع على ملك الدافع إلى أن يعين المراد له. (3) فان المدفوع إن كان وفاء للاول بطل حق الرهانة لوفاء الدين، وإن كان عن الثاني فالحق بحاله لبقاء دينه.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية القضا. ومستدرك الوسائل باب: 11 من ابواب كيفية القضاء.

 

===============

 

( 323 )

 

[ مبيع (1)، وهكذا، فان الظاهر في الجميع التقسيط. وكذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار احد الدينين مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدين الاصلي (2). ويقبل قوله إذا ادعى التعيين في القصد (3)، لانه لا يعلم إلا من قبله. (مسألة 28): لا يشترط علم الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه (4)، كما لا يشترط العلم بمقداره (5)، فلو ادعى رجل على آخر دينا فقال: " علي ما عليه " صح. وحينئذ فان ثبت بالبينة يجب عليه أداؤه، سواء كانت سابقة أو لاحقة (6)، وكذا إن ثبت بإلاقرار ] (1) فان كان الوفاء للاول بقي حق الخيار من جهة عدم دفع الثمن. (2) فان كان من مال الضمان لم يرجع الضامن على المضمون عنه، وإن كان من غيره رجع، على ما تقدم. (3) قد تقدم وجهه. (4) قد يظهر من جامع المقاصد والمسالك وضوحه والتسالم عليه. وقد يظهر من عبارتي الشرائع والقواعد اشتراط ذلك، وسيأتي نقل ذلك في المسألة الآتية. وعمومات الصحة تقتضي عدم اشتراط ذلك. ولازم استدلال القائلين باشتراط العلم بمقدار المضمون بقاعدة نفي الغرر القول باشتراط العلم بوجوده لحصول الغرر بدونه. وقد أصر على ذلك في مفتاح الكرامة، ناسيا له إلى الاصحاب، مستدلا عليه بقاعدة نفي الغرر، مؤيدا له بالعقل. (5) تقدم الكلام فيه في المسألة الاولى. (6) لاطلاق عموم دليل حجية البينة الشامل للحالين. والعمدة في هذا

 

===============

 

( 324 )

 

[ السابق على الضمان، أو باليمين (1) المردودة (2) كذلك (3) وأما إذا أقر المضمون عنه بعد الضمان أو ثبت باليمين المردودة فلا يكون حجة على الضامن إذا أنكره (4)، ويلزم عنه بادائه في الظاهر (5). ولو اختلف الضامن والمضمون له في ئبوت الدين أو مقداره، فأقر الضامن أورد اليمين على ] العموم رواية مسعدة بن صدقة المتضمنة قوله (ع): " والاشياء كلها على هذا حتى يتبين غير ذلك أو تقوم به البينة " (* 1). (1) كما صرح بذلك غير واحد، لحجيتهما. (2) بأن كان المضمون عنه قد أنكر الدين الذي يدعيه المضمون له ولم يقم المضمون له البينة على دعواه، فكان على المضمون عنه اليمين على النفي أو رد اليمين على المضمون له، فردها فحلف المضمون له على ثبوت دعواه. (3) يعني: قبل الضمان. (4) أما الاقرار فلانه إقرار في حق الغير. وأما اليمين المردودة فهي بمنزلة الاقرار من هذه الجهة، لا تكون حجة الا للحاكم في فصل الخصومة لقصور دليل حجيتها عن شمول ذلك. وقد أشرنا إلى الخلاف في حجية اليمين المردودة في المسألة الثالثة من (فصل فيه مسائل متفرقة) من كتاب النكاح. وعن أبي الصلاح وأبي المكارم حجية الاقرار، بل عن الثاني دعوى الاجماع عليه. وفيه: ما عرفت. والاجماع ممنوع. (5) هذا اللزوم غير ظاهر، للعلم بفراغ ذمة المضمون عنه، لانه إن كان مشغول الذمة قبل الضمان فقد برئت بالضمان، وإن كان برئ الذمة قبل الضمان فلا موجب لاشتغالها، فأخذ المال منه مما يعلم بعدم استحقاقه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

 

===============

 

( 325 )

 

[ المضمون له فحلف، ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان منكرا (1) وإن كان أصل الضمان باذنه. ولابد في البينة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين الضمان، فلو شهدت بالدين اللاحق أو اطلقت ولم يعلم سبقه على الضمان أو لحوقه لم يجب على الضامن أداؤه (2). (مسألة 29): لو قال الضامن: " علي ما تشهد به البينة " وجب عليه أداء ما شهدت بئبوته حين التكلم بهذا الكلام (3)، لانها طريق إلى الواقع وكاشف عن كون الدين ثابتا حينه (4). فما في الشرائع من الحكم بعدم الصحة لاوجه له (5) ] (1) لعدم ثبوت الدين على المضمون عنه باقرار الضامن، لاختصاص حجيته به، ولا بيمين المضمون له المردودة لما عرفت. (2) لعدم ثبوت الدين حال الضمان لينتقل إلى ذمته، والاصل عدمه. (3) يعني: حين الضمان. (4) وإذا كان ثابتا حينه كان مضمونا على الضامن ومنتقلا إلى ذمته. (5) قال في الشرائع: " لو ضمن ما تشهد به عليه لم يصح، لانه لا يعلم ثبوته في الذمة وقت الضمان ". وقوله: " وقت الضمان " يحتمل فيه أن يكون قيدا للثبوت في الذمة، يعني: أن الثبوت في الذمة وقت الضمان غير معلوم، إما لعدم شهادة البينة بالثبوت وقت الضمان، وإنما كانت شهادتها بالثبوت حال الشهادة، وإما لعدم كونها حجة على الثبوت وقت الضمان وإن كانت قد شهدت بذلك. ويحتمل أن يكون قيدا للعلم، يعني: لا يعلم وقت الضمان بالثبوت في الذمة، ومقتضى الاخير اعتبار العلم وقت الضمان بالثبوت في الذمة، فإذا لم يعلم حين الضمان الثبوت في الذمة لم يصح الضمان،

 

===============

 

( 326 )

 

كما أصر على ذلك في مفتاح الكرامة، حاملا عبارات الاصحاب عليه، كما أشرنا إليه آنفا، فيكون مخالف لما تقدم في المسألة السابقة، كما أشرنا إليه هناك. وعلى الاحتمالين السابقين لا تعرض فيه لذلك. والمصنف حملها على الاحتمال الثاني منهما. وهو غير ظاهر، إذ لا خلاف من أحد في حجية البينة، فكيف يحتمل الخلاف من المحقق (ره)؟! والاول منهما أيضا غير ظاهر، إذ ربما تشهد بالثبوت وقت الضمان، كما ربما تشهد بالثبوت في الجملة، فاطلاق عدم شهادتها بالثبوت حال الضمان لاوجه له. ومثلها في هذه الاحتمالات عبارة القواعد، قال: " ولو ضمن ما تقوم به البينة لم يصح، لعدم العلم بثبوته حينئذ ". نعم ظاهر عبارة المختلف أن المراد الاحتمال الاول، قال في الختلف: " قال الشيخ في المبسوط: قال قوم من أصحابنا أنه يصح أن يضمن ما تقوم به البينة، دون ما يخرج به دفتر الحساب. ولست أعرف به نصا. وفي هذه العبارة اشكال، وعبارة المفيد وأبي الصلاح هنا أحق، وهو أنه يضمن حقه عليه، إذ ما تقوم به البينة لا يعلم ثبوته وقت الضمان، فلا يصح، لانه يكون ضمان ما لم يجب " فان الظاهر أن وجه الفرق بين عبارة قوم من أصحابنا وعبارة المفيد وأبي الصلاح: أن الثانية من قبيل ما علم ثبوته حال الضمان لان المفروض أن المضمون الحق الذي عليه، والثانية من قبيل ما لم يعلم ثبوته حال الضمان، لعدم شهادة البينة بذلك، ولذلك كان من قبيل ضمان ما لم يجب، يعني: ضمان ما لم يعلم أنه وجب، لعدم ثبوت البينة بثبوته، فيحتمل أن يكون من ضمان ما لم يجب. وفي المسالك حمل عبارة الشرائع على إرادة ضمان الجامع بين الثابت وقت الضمان وغيره، فانه لا يصح ضمان الجامع المذكور، ثم قال: " فعلى هذا لو صرح بقوله: ما يشهد عليه ان كان ثابتا وقت الضمان، فلا مانع

 

===============

 

( 327 )

 

[ ولا للتعليل الذي ذكره بقوله: " لانه لا يعلم ثبوته في الذمة " إلا أن يكون مراده في صورة إطلاق البينة المحتمل للثبوت بعد الضمان. وأما ما في الجواهر (1) من أن مراده بيان عدم صحة ضمان ما يثبت بالبينة من حيث كونه كذلك، لانه من ضمان ما لم يجب، حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمته لتكون البينة طريقا، بل جعل العنوان ما يثبت بها، والفرض وقوعه قبل ثبوته بها. فهو - كما ترى - لا وجه له (2). ] من الصحة كما لو ضمن ما في ذمته، ولزمه ما تقوم به البينة إن كان ثابتا ". وكأنه اخذه من جامع المقاصد، فانه في شرح عبارة القواعد المتقدمة قال: " لو قال لعدم دلالة عقد الضمان على ضمان ما في الذمة حينئذ لكان أولى، وتخرج العبارة على أن المراد لعدم العلم بثبوته من صيغة الضمان... " يعني: أن صيغة الضمان بالمعنى المذكور لاتدل على ضمان ما ثبت، لان ما ثبت أخذ بنحو الاجمال والاهمال لا بنحو الاطلاق. فلا يتوجه عليه ما في الجواهر، من أنه إذا أخذ مطلقا كان اللازم البناء على الصحة على تقدير شهادة البينة بالثبوت حال الضمان، فلا وجه لاطلاق البطلان. فانه يتم لو كان المراد مطلق ما تشهد به البينة، وليس كذلك بل المراد ما تشهد به في الجملة. (1) قال في الجواهر: " ولعل الاولي تفسير ذلك بارادة بيان عدم صحة ضمان ما يثبت بالبينة من حيث كونه كذلك، لانه حيئنذ من ضمان ما لم يجب، ضرورة عدم جعل عنوان الضمان في ذمته والبينة طريق لمعرفته، بل كان العنوان ما يثبت بها، والفرض وقوعه قبل ثبوته. ومن هنا أردف التعليل المزبور في المختلف بقوله: فلا يصح لانه ضمان ما لم يجب ". (2) إن كان المراد أنه لا وجه للحكم المذكور على تقدير كون المراد

 

===============

 

( 328 )

 

[ (مسألة 30): يجوز الدور في الضمان (1)، بأن يضمن عن الضمان ضامن آخر، ويضمن عنه المضمون عنه ] ذلك فوجهه ظاهر لانه من ضمان ما لم يجب. وإن كان المراد أنه لاوجه لحمل العبارة عليه لانه بعيد، فهو ليس بأبعد مما ذكره من الحمل. وبالجملة: عبارتا الشرائع والقواعد ونحوهما تحتمل معاني كثيرة قد حملها كل واحد من الاكابر على واحد منها. فحملها في مفتاح الكرامة على عدم العلم حال الضمان بالثبوت حاله، فيكون من ضمان مجهول الثبوت، وهو غير صحيح، لاشتراط العلم بالثبوت حال الضمان. وحملها في المسالك وجامع المقاصد على ضمان ما لم يكن مفروض الثبوت حال الضمان. وحملها في الجواهر على ضمان ما عنون بعنوان غير ثابت حال الضمان. وحملها المصنف على عدم العلم حتى بعد الضمان بالثبوت، لعدم حجية البينة، والمحامل الثلاثة الاخيرة بعيدة جدا عن العبارات المذكورة. والمحمل الاول وإن كان قريبا بالنظر إلى نفس التعبير، لكنه بعيد عن سيرة الاصحاب، إذ لو كان العلم وقت الضمان بثبوت الدين شرطا للضمان كان اللازم عده في جملة شرائطه التي فصلت في كتبهم، لا إهماله الاشارة إليه بمثل هذه العبارة. مضافا إلى عدم الدليل على شرطيته غير عموم نفي الغرر، وهو غير ثابت. ولذا بني على عدم اشتراط العلم بمقدار الدين المضمون. وأما تأييد الشرطية بالعقل - على ما ذكر في مفتاح الكرامة - فغير ظاهر. هذا بالنظر إلى كل من الاحتمالات في نفسه. لكن إذا دار الامر بينها فالاقرب ما ذكره في المسالك وجامع المقاصد. (1) كما صرح به جماعة، وفي الجواهر: " لا إشكال في جواز الدور. خلافا للمحكي عن الشيخ في المبسوط، فمنعه، لصيرورة الفرع أصلا وبالعكس، ولعدم الفائدة فيه ".

 

===============

 

( 329 )

 

[ الاصيل. وما عن المبسوط من عدم صحته لاستلزامه صيرورة الفرع أصلا وبالعكس، ولعدم الفائدة لرجوع الدين كما كان مردود بأن الاول غير صالح للمانعية (1)، بل الثاني أيضا كذلك (2). مع أن الفائدة تظهر في الاعسار واليسار (3)، وفي الحلول والتأجيل، والاذن وعدمه. وكذا يجوز التسلسل بلا إشكال (4). (مسألة 31): إذا كان المديون فقيرا يجوز أن يضمن عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها من الوجوه التي تنطبق عليه (5)، إذا كانت ذمته مشغولة بها فعلا، بل وإن لم تشتغل فعلا، على إشكال. ] (1) إذ لا محذور في صيرورة الفرع أصلا ولا في عكسه. (2) إذ لا محذور فيه، لان مجرد عدم الفائدة لا يوجب الخروج عن إطلاق الادلة المقتضية للصحة. (3) كما تقدم نظير ذلك في المسألة السابعة والعشرين. (4) كما في الجواهر، أولا شبهة في جوازه كما في المسالك، أو الظاهر عدم الخلاف فيه عند الاصحاب كما عن مجمع البرهان. (5) تارة: يكون المراد نقل الدين من ذمة الفقير إلى مصرف الخمس أو غيره، بأن يكون المتعهد المصرف الخاص. وأخرى: يكون المراد النقل إلى ذمة الضامن ويكون الاداء من الحق الخاص. وثالثة: بأن يكون المراد التعهد بالوفاء من الحق الخاص من دون اشتغال ذمته بالمال، لان التعهد كان بالفواء لا بالمال. أما الاول: فتتوقف صحته على ولاية الضامن على الحق بحيث بجعله مدينا للمضمون له، نظير ما إذا

 

===============

 

( 330 )

 

[ (مسألة 32): إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمسا جاز إن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي (1)، ] اشترى ولي الزكاة علفا لانعام الصدقة، فان الثمن يكون على الزكاة لاعلى، الولي، فإذا لم يكن له ولاية على الحق لم يصح منه أن يجعله مدينا للمضمون له. وثبوت هذه الولاية غير واضح من الادلة، خصوصا في الخمس ورد المظالم والكفارات ونحوها من الحقوق التي يجب تمليكها إلى الفقير، فانه لا تبرأ ذمة من عليه الحق إلا بالتمليك، والوفاء على النحو المذكور ليس تمليكا. أما ما لا يجب فيه التمليك كالزكاة فانه قد تبرأ ذمة المالك بالصرف في مصارفها من دون تمليك. لكن الولاية للمالك على هذه الاستدانة عليها غير ثابته. بل ثبوتها للحاكم الشرعي غير ظاهر، لقصور أدلة ولاية الحاكم الشرعي عن شمول مثل ذلك، وإن كانت له ولاية على الاستدانة عليها إذا قضت الضرورة بذلك، لكن عموم الولاية لما نحن فيه بحيث يجعل الضمان على الزكاة غير ثابت. مضافا إلى أنه قد تقدم في المسألة الرابعة والعشرين أن نقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى نفس المال المعين لا يصح عند المصنف، فكيف صح هنا عنده؟!. وأما الثاني: فهو أوضح إشكالا، لان صرف الحقوق في الوفاء عن ذمة المالك لا يصح في الزكاة فضلا عن غيرها، فلا يصح اشتراطه. وأما الثالث: فهو وعد بالوفاء لا يجب العمل به، ولا يوجب انتقال الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة أخرى (1) لانه الولي عليه، فيكون هو المضمون له، لان المراد من المضمون له من له ولاية المال، سواء كان مالكا له أم وليا عليه وإن لم يكن الدين مملوكا لمالك كالزكاة. وإن شئت قلت: المضمون له الجهة المختص بها المال، والحاكم ولي عليها، فبقبوله يتم الضمان. وكذلك الحكم في

 

===============

 

( 331 )

 

[ بل ولآحاد الفقراء، على إشكال (1). (مسألة 33): إذا ضمن في مرض موته، فان كان باذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الاصل، لانه ليس من التبرعات، بل هو نظير القرض والبيع بثمن المثل نسيئة (2). وإن لم يكن باذنه فالاقوى خروجه من الاصل كسائر المنجزات. نعم على القول بالثلث يخرج منه (3). (مسألة 34): إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته لا يصح ضمانه (4)، كما إذا كان عليه خياطة ثوب ] الصدقات المعينة للجهات إذا كانت دينا فضمنه الجهة المعينة اعتبر قبول الولي الخاص إن كان، وإلا كان القبول من الحاكم الشرعي. كل ذلك لعموم الادلة المقتضية للصحة. (1) ظاهر، لان آحاد الفقراء لا يملكون المال، بل ولا حق لهم فيه، إذ لادليل على شئ من ذلك، فلا ولاية لهم عليه. (2) كما صرح بذلك في المسالك وغيرها. (3) كما جعله الاصلح في الشرائع - قال (ره): " إذا ضمن المريض في مرضه ومات فيه خرج ما ضمنه من ثلث تركته على الاصح " - لبنائه على خروج المنجزات من الثلث، وقوله (ره): " خرج ما ضمنه من ثلث تركته " ظاهر في الضمان التبرعي الذي يحتاج إلى المخرج، إذ الضمان المأذون فيه لا نقص فيه مالي كي يحتاج إلى مخرج. (4) لامتناع انتقاله إلى ذمة غير المديون، لان ما في ذمة غير المديون ليس مصداقا لما في ذمة المديون. اللهم إلا أن يقال: لا مانع من تعهد غير المديون بفعل المديون، فمباشرة الخياطة مثلا إنما تقتضي اعتبار صدور

 

===============

 

( 332 )

 

[ مباشرة، وكما إذا اشترط أداء الدين من مال معين للمديون (1) وكذا لا يجوز ضمان الكلي في المعين (2)، كما إذا باع صاعا من صبرة معينة، فانه لا يجوز الضمان عنه والاداء من غيرها مع بقاء تلك الصبرة موجودة. (مسألة 35): يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة (3) ] الخياطة من المديون ولا تقتضي اعتبار اشتغال ذمته به، فيجوز أن يتعهد غير الخياط بفعل الخياط، بأن يستأجر زيد على خياطة ثوب، ويشترط أن يكون المباشر للخياطة عبده أو أجيره. (1) يمكن مجئ الاشكال السابق فيه أيضا، بأن يتعهد زيد بالوفاء من مال عمرو، فاعتبار الوفاء من مال معين لا يقتضي اختصاص التعهد به بمالك المال، بحيث لا يمكن أن يتعهد به غيره وتشتغل ذمته به. (2) لا يخفى أن الكلي في المعين ليس ثابتا في ذمة فلا يكون ضمانه من ضمان ما في الذمة، الذي هو موضوع كتاب الضمان، على ما عرفت في الشرط الثامن. ومع غض النظر عن ذلك فلو ضمنه بقصد الاداء من تلك الصبرة لامانع من صحته، ولو ضمنه بقصد الاداء من صبرة أخرى مع بقاء تلك الصبرة لم يصح، لان الاداء من الصبرة الاخرى ليس أداء للمضمون، بل أداء لغيره. (3) قال في الشرائع: " ويصح ضمان النفقة الماضية والحاضرة للزوجة، لاستقرارها في ذمة الزوج دون المستقبلة ". ونحوه في القواعد باسقاط التعليل. وحكي عن كثير من كتب القدماء والمتأخرين. وفي مفتاح الكرامة عن مجمع البرهان: " لعله لا خلاف فيه " ثم قال: " وهو كذلك ". وفي الجواهر في الماضية نفي الخلاف والاشكال. ويظهر من المسالك التسالم على الحكم في الماضية والحاضرة.

 

===============

 

( 333 )

 

[ لانها دين على الزوج. وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكنة في صبيحته، لوجوبها عليه حينئذ (1). وإن لم تكن ] (1) قال في الشرائع: " الزوجة تملك نفقة يومها مع التمكين "، وظاهره أنها تملك نفقة اليوم في أول اليوم مع التمكين، كما لعله صريح القواعد، حيث قال: إنها تملك النفقة في صبيحة اليوم. وظاهر المسالك: أنه لا اشكال فيه. وكذا ظاهر غيرها. وعلله في المسالك: بأنها تحتاج إلى الطحن والخبز والطبخ، إذ الواجب عليه دفع الحب ونحوه ومؤنة إصلاحه، لاعين المأكول مهيئا، عملا بالعادة، فلو لم يسلم إليها في أول النهار لم تنله عند الحاجة ". ويشكل بمنع الاكتفاء بدفع الحب ونحوه، إذ هو خلاف إطلاق النفقة والرزق، وإلا لاجزأ دفع الصوف والقطن في نفقة الكسوة. مع أنه لو سلم ذلك كان اللازم الدفع في الوقت الذي لابد منه في تحصيل المأكول والملبوس، فقد يقتضي تقديمه على اليوم، كما هو الغالب، فان دفع الحب لا يكفي في أكلة الصبح، وقد يقتضي تأخيره عن الصبح إذا كانت المقدمات تتهيأ في جزء يسير من الزمان. وبالجملة: تعيين أول اليوم لادليل عليه، ومقتضي الادلة حصول الملك عند الحاجة. ولذلك اعترف في الجواهر: بأن أدلة الانفاق لا تقتضي الملك، فضلا عن ثبوته في صبيحة اليوم. لكن الظاهر من قوله تعالى: " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " (* 1) هو الملك. اللهم الا أن يحمل الرزق والكسوة على المصدر لا العين. لكن لازم ذلك السقوط بخروج الوقت، فلا تقضى إذا فاتت، وهو خلاف المتسالم عليه. وكون العادة جارية على البذل لا ينافي ذلك إذا كان البذل مع التراضي، فانه يجوز وفاء الدين بغير جنسه إذا كان مع التراضي.

 

 

____________

(* 1) البقرة: 233.

 

===============

 

( 334 )

 

[ مستقرة لاحتمال نشوزها في أثناء النهار، بناء على سقوطها بذلك (1). ] (1) الاحتمالات في نفقة الممكنة في أول اليوم إذا نشزت في أثناء النهار ثلاثة: الاول: أن تكون ثابتة في ذمة الزوج أول اليوم، ولا يجوز استرجاعها إذا طرأ النشوز في أثناء النهار. الثاني: أن تكون ثابتة في الذمة أول اليوم ويكون النشوز مسقطالها بعد الثبوت. الثالث: أن تكون ثابتة في الذمة أول اليوم ثبوتا مراعى باستمرار التمكين، فإذا نشزت في أثناء النهار انكشف عدم الثبوت من أول الامر. والذي يقتضيه إطلاق الادلة هو الاخير، لان النشوز مانع من استحقاق النفقة، فإذا حصل في أثناء النهار انكشف عدم الاستحقاق من أول الامر. ودعوى: حصول الاستحقاق بالتمكين أول اليوم، فيكون النشوز مانعا من بقائه وموجبا لسقوطه بعد الثبوت. لادليل عليها، ولا تساعدها أدلة المقام، كما أن الزوجية موضوع النفقة فإذا زالت بالموت أو الطلاق انكشف عدم الحكم لعدم موضوعه. ودعوى: أن الموضوع هو الزوجية في صبيحة اليوم، فإذا كانت زوجة حينئذ استحقت نفقة اليوم تامة، وغير ظاهر من الادلة. ومن ذلك يشكل ما في القواعد من أنها إذا ماتت أو طلقها في أثناء النهار لم يسترد النفقة لانها ملكتها. كما يشكل الفرق بين الطلاق والموت وبين النشوز حيث حكم في القواعد أيضا بالاسترداد فيه دونهما إذا طرأ في أثناء النهار، على إشكال، من تقديم القبض الموجب للملك قبل النشوز، ومن أن التمكين شرط في ملك النفقة. إذ لا يخفى أن دخل الزوجية في استحقاق النفقة أأكد من دخل التمكين فيه، فكيف لا يكون فوات الزوجية بالموت أو الطلاق موجبا لفوات الاستحقاق وفوات التمكين موجبا لذلك؟! وفي بعض عبارات القواعد أنه لا تسترد النفقة في الطلاق

 

===============

 

( 335 )

 

[ وأما النفقة المستقبلة فلا يجوز ضمانها عندهم، لانه من ضمان ما لم يجب. ولكن لا يبعد صحته، لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجية (1). وأما نفقة الاقارب فلا يجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى، لعدم كونها دينا على ما كانت عليه (2)، ] في أثناء النهار، وتسترد في موتها أو موته أو نشوزها. وهو كما ترى. فإذا التحقيق أن الجميع من باب واحد، وأن فوات كل منها موجب لفوات الاستحقاق. والملك في أول اليوم إن تم فهو مراعي ببقاء الموضوع والشرط، ومع انتفاء واحد منهما ينكشف فوات الاستحقاق من أول الامر. وعلى هذا فصحة ضمان النفقة الحاضرة مراعاة ببقاء التمكين. وأما ما ذكره المصنف من احتمال ثبوت الملك أول النهار، ويستقر باستمرار التمكين فإذا طرأ النشوز بطل التمليك. فهو ظاهر التعبير بالاسترداد في كلام الجماعة. قال في المسالك: " وأما الحاضرة فلا إشكال في وجوبها وثبوتها في الذمة مع التمكين، أما استقرارها ففيه نظر، مبني على أنه لو نشزت في أثناء النهار هل تسترد نفقة ذلك اليوم أم لا؟ فيه خلاف، يأتي إن شاء الله الكلام فيه " وظاهر أن القائلين بالاسترداد يقولون بالسقوط بعد الثبوت " لا أنه كاشف عن عدم الثبوت من أول الامر، كما عرفت أنه ظاهر الادلة. وكيف كان فالاشكال في كون الملك لتمام نفقة اليوم أول اليوم أو أن الملك يكون حين الحاجة إلى النفقة بالنسبة إلى ابعاضها في اليوم - كما هو ظاهر الادلة - لا ينافي صحة ضمان النفقة الحاضرة بناء على الملك، لحصول الملك واشتغال الذمة المصحح للضمان على كل حال. (1) قد تقدم الاشكال فيه في الشرط الثامن من شروط الضمان فراجع. (2) فلا تقضى بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر بعضهم الاجماع عليه.

 

===============

 

( 336 )

 

[ الا إذا أذن للقريب أن يستقرض (1) وينفق على نفسه، أو أذن له الحاكم في ذلك (2)، أذ حينئذ يكون دينا عليه (3). وأما بالنسبة إلى ما سيأتي (4) فمن ضمان ما لم يجب. مضافا إلى أن وجوب الانفاق حكم تكليفي (5)، ولا تكون النفقة ] كذا في الجواهر. لكن قال بعد ذلك: " قد يشكل أصل عدم وجوب القضاء بأن الاصل القضاء في كل حق مالي لآدمي ودعوي: كون الحق هنا خصوص السد الذي لا يمكن تداركه، واضحة المنع بعد إطلاق الادلة المزبورة، وحرمة العلة المستنبطة عندنا ". وفيه: أن أدلة النفقة للاقارب قاصرة عن إثبات ملك المال. ففي خبر حريز: " قلت لابي عبد الله (ع): من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته؟ فقال: الوالدان والولد والزوجة " (* 1) ونحوه غيره. وهي - كما ترى - لا تعرض فيها لملك عين النفقة، بل ظاهرها التكليف بالبذل للنفقة في زمان الحاجة إليها، فلا موضوع له بالنسبة إلى الزمان الماضي، فلا يتضح هذا الاطلاق المقتضي للقضاء. (1) هذا واضح، فان الاذن كان في صحة الاستقراض. (2) كما ذكره في الشرائع وغيرها، ويظهر منهم المفروغية عن صحته. (3) لكن الذين يكون للمقرض، لا للقريب المستقرض. (4) ظاهره خصوص المستقبلة. (5) إن كان مورد كلامه المستقبلة فكونها من قبيل الحكم التكليفي أيضا غير ظاهر، لعدم ثبوت هذا التكليف بالنسبة إلى الزمان المستقبل. نعم يتم بالنسبة إلى الزمان الحاصر لو بني على الاقتصار على ما تحت عبارة النصوص. أما بالنظر إلى جواز مطالبة القريب بالنفقة، وعرض الامر على الحاكم الشرعي، وإذنه في الاستدانة لها، فيتعين البناء على عدم كونها تكليفا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب النفقات حديث: 3.

 

===============

 

( 337 )

 

[ في ذمته. ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال (1). ] بحتا، بل على كون القريب يملك الانفاق عليه أو النفقة، إذ لولا الملك والحق الوضعي لم تجز المطالبة إلا من باب الامر بالمعروف. لكنه يختص بشرائط لا مجال له مع فقدها. وكذلك لولا الحق الوضعي لا وجه لرفع الامر إلى الحاكم، ولا لاذنه بالاستقراض، كما هو واضح. نعم لما كان الحق مرددا بين الحقين لا مجال للاستصحاب في إثبات القضاء، لانه من قبيل الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد، وهو غير حجة، فيتعين الرجوع في وجوب قضائه إلى أصالة البراءة، فهو حق وضعي لا تكليف محض. (1) لما عرفت. مضافا إلى بنائهم على صحة ضمانها، فقد ذكر في القواعد أنه يصح ضمان النفقة الحاضرة للقريب دون الماضية والمستقبلة. وفي التذكرة: " أما نفقة اليوم فالاقرب جواز ضمانها، لوجوبها بطلوع الفجر ". ونحوه في المسالك وعن مجمع البرهان. ومن المعلوم أن الضمان لا يصح في التكليف، فلابد أن يكون الانفاق حقا ماليا مملوكا للقريب ويكون المضمون هو ذلك الحق المالي. وإن كان ظاهر كلامهم أن المضمون عين النفقة، كما يقتضيه أيضا سوقها مساق نفقة الزوجة التي يكون المضمون منها عين النفقة بلا شبهة. لكن لا مجال للاخذ بهذا الظاهر، إذ لادليل عليه، بل لا يتناسب مع فتواهم بعدم قضاء الماضية. والذي يتحصل مما ذكرنا أمور: (الاول): أن وجوب الانفاق ليس من باب التكليف، بل من باب الحق المالي. (الثاني): أن هذا الحق في الزوجة لما كان مشروطا بالتمكين وعدم النشوز لا يكون ثابتا الا عند الحاجة مع حصول الشرط، ولا يثبت قبله. وما ذكره الاصحاب من أن نفقة اليوم تثبت للزوجة عند طلوع الفجر غير ظاهر، بل تثبت نفقة الصبح عند حصوله مع الشرط، ونفقة الظهر عند حصوله كذلك،

 

===============

 

( 338 )

 

[ (مسألة 36): الاقوى جواز ضمان مال الكتابة (1) سواء كانت مشروطة أو مطلقة، لانه دين في ذمة العبد (2) وإن لم يكن مستقرا لامكان تعجيز نفسه (3). والقول بعدم الجواز مطلقا (4)، أو في خصوص المشروطة معللا بأنه ] ونفقة العشاء عند حصوله كذلك، وكذلك نفقة القريب. وعلى تقدير البناء على ثبوت الملك عند الفجر فهو مراعى ببقاء الشروط. (الثالث): أن الفرق بين نفقة الزوجة ونفقة القريب: أن الاولى من قبيل ملك النفقة، والثانية من قبيل ملك الانفاق. (الرابع): أن عبارة المصنف أهملت التعرض لنفقة القريب الحاضرة، مع أنها أولى من غيرها بالتعرض، لذكر الاصحاب لها بالخصوص من حيث جواز الضمان، وإن كان التعليل الثاني كافيا في المنع عن ضمانها. لكن عرفت إشكاله. (الخامس): أن التحقيق جواز ضمان نفقة القريب الحاضرة كنفقة الزوجة الحاضرة. كما ذكره الجماعة آنفا. وكون الثابت في الثانية ملك العين وفي الاولى ملك الانفاق لايجوب الفرق بينهما في ذلك، فان الانفاق حق مالي في الذمة يقبل الانتقال منها إلى ذمة أخرى، وليس من قبيل الحكم التكليفي الذي لا يقبل ذلك، فكما أن الخياطة إذا كانت دينا يجوز ضمانها كذلك الانفاق. (1) وفي الشرائع: أنه حسن وفي التذكرة والقواعد: أنه أقرب. وحكي عن الارشاد والتحرير والمختلف. وفي جامع المقاصد: أنه الاصح وفي المسالك: أنه يصح. وحكي نحو ذلك عن غيرها. (2) هذا ممالا خلاف فيه حتى من الشيخ (ره)، كما سيأتي كلامه ووجه خلافه. (3) لانه إذا عجز نفسه بطلت المكاتبة، فتبرأ الذمة من مالها. (4) ذكره الشيخ في المبسوط، لانه لا يلزم العبد في الحال، لان

 

===============

 

( 339 )

 

[ ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم. ضعيف كتعليله (1). ] للمكاتب إسقاطه بفسخ الكتابة للعجز، فلا يلزم العبد في الحال، ولا يؤول إلى اللزوم، لانه إذا أداه أعتق وإذا أعتق خرج عن أن يكون مكاتبا، فلا يتصور أن يلزم في ذمته مال الكتابة بحيث لا يكون له الامتناع من أدائه، فهذا المال لا يصح ضمانه، لان الضمان إثبات مال في الذمة والتزام لادائه، وهو فرع لزومه للمضمون عنه، فلا يجوز أن يكون ذلك المال في الاصل غير لازم ويكون في الفرع لازما، فلهذا منعنا من ضمانه. وهذا لا خلاف فيه. انتهى. هذا وفي المسالك: أن موضع الخلاف الكتابة المشروطة كما بينا، إذ لا خلاف في المطلقة، فاطلاقها من المصنف غير جيد. انتهى. وما ذكر غير ظاهر، لاطلاق عبارة المبسوط، وقد صرح جماعة بأن الخلاف لا يختص بالمشروطة كما ذكر في الشرائع. نعم ما حكاه في الشرائع من أن بناء الشيخ (ره) على جواز تعجيز العبد نفسه يختص بالمشروطة، وأنها الجائزة دون المطلقة يقتضي اختصاص خلافه بها دون المطلقة، وإن كان هذا التخصيص من الشيخ غير ظاهر. (1) قد يظهر من العبارة تعليلان للحكم. الاول: أن مال الكتابة في ذمة العبد غير لازم. وهو كما ترى أولا: من أجل أن عدم اللزوم غير مانع من صحة الضمان، فيكفي في الضمان الثبوت في الذمة، كما سبق في شرائط الضمان، فيكون كضمان الثمن في مدة الخيار. وثانيا: أن المشهور المنصور لزومه من جهة العبد، قال في الشرائع: " الكتابة عقد لازم، مطلقة كانت أو مشروطة. وقيل: إن كانت مشروطة فهي جائزة من جهة العبد، لان له أن يعجز نفسه. والاول أشبه، ولا نسلم أن للعبد أن يعجز نفسه، بل يجب عليه السعي، ولو امتنع يجبر. وقال الشيخ: لا يجبر وفيه إشكال، من حيث اقتضاء عقد الكتابة وجوب

 

===============

 

( 340 )

 

[ وربما يعلل: بأن لازم ضمانه لزومه، مع انه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم، فيكون في الفرع لازما مع أنه في الاصل غير لازم (1). وهو أيضا كما ترى (2). (مسألة 37): اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل ] السعي، فكان الاشبه الاجبار. لكن لو عجز كان للمولى الفسخ ". وما ذكره مقتضى القواعد، كما أشار إليه في كلامه، لان الاصل اللزوم. (1) هذا هو التعليل الثاني من التعليلين الذين ذكرهما في عبارة المبسوط المتقدمة. ويحتمل أن مفاد العبارة تعليل واحد، وهو هذا الاخير. وحاصله: أنه لا يجوز ضمان غير اللازم، لانه يؤدي إلى أن يكون الفرع غير لازم والاصل لازما. فيكون الاول من قبيل الصغرى له. (2) لانه لم يتضح وجه منعه من صحة الضمان إذ يكون من قبيل ضمان الثمن في مدة الخيار. والذي يتحصل في الاشكال على الشيخ: أنه إن كان المانع من صحة ضمان مال الكتابة هو الجواز مطلقا. ففيه أولا: أنها ليست جائزة. ولو سلم فليس بمانع، إذ لا دليل على منعه. وإن كان الجواز الذي لا يؤول إلى اللزوم ولذلك افترق عن ثمن البيع الخياري. ففيه: - أيضا - أنه ليس بفارق، ولا دليل على الفرق به. وإن كان قاعدة عدم جواز زيادة الفرع على أصله. ففيه: أنها ليست قاعدة عقلية على نحو يجب تخصيص الادلة الشرعية لاجلها. كما أن المتحصل في الاشكال على المصنف: أنه جزم أن الاول تعليل للمنع، واحتمل أن يكون الثاني تعليلا ثانيا، مع أن الاولى العكس وأن الثاني هو تعليل الحكم، ويحتمل أن يكون الاول تعليلا آخر " كما يحتمل أن يكون تمهيدا للتعليل الثاني، نظير الصغرى للكبرى.

 

===============

 

( 341 )

 

[ الاتيان بالعمل، وكذا مال السبق والرماية، فقيل بعدم الجواز (1). لعدم ثبوته في الذمة قبل العمل. والاقوى - وفاقا لجماعة - الجواز (2)، لا لدعوى ثبوته في الذمة من الاول وسقوطه إذا لم يعمل (3)، ولا لثبوته من الاول بشرط مجئ العمل في المستقبل (4)، إذ الظاهر أن الثبوت انما هو بالعمل، بل ] (1) قال في جامع المقاصد: " والفرق بينه (يعني: مقال الجعالة) وبين الثمن في مدة الخيار ظاهر، لان الثمن حينئذ ثابت، غاية ما في الباب أنه متزلزل، بخلاف الجعل فانه لا ثبوت له أصلا، والمتجه عدم الجواز قبل الفعل ". ونحوه في المسالك. (2) كما عن المبسوط والتحرير ومجمع البرهان وغيرها. وفي القواعد: " الخامس: الحق المضمون. وشرطه المالية، والثبوت في الذمة وإن كان متزلزلا كالثمن في مدة الخيار، والمهر قبل الدخول. أو لم يكن لازما لكن يؤول إليه كمال الجعالة قبل العمل، ومال السبق والرماية "، ونحوه في الشرائع، لكن قال بعد ذلك: " وفيه تردد ". وصريحهما الثبوت في الذمة، كظاهر الاستدلال عليه بالعمومات، مثل قوله صلى الله عليه وآله: " الزعيم غارم " (* 1). (3) فيكون عدم العمل بمنزلة الفسخ. (4) فيكون العمل بمنزلة الشرط المتأخر، فان تحقق العمل تبين ثبوت الجعل من حين الجعالة. وهذان الاحتمالان جعلهما في الجواهر مبني للقول بصحة الضمان، ثم قال: " ولعل ذلك لا يخلو من قوة ". ولكنه غير ظاهر، فان مفاد الجعالة ثبوت مال على تقدير العمل، لا الثبوت وملك العمل كالاجارة. ولذا ذكروا من غير خلاف أن العامل

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الضمان حديث: 2.

 

===============

 

( 342 )

 

[ لقوله تعالى: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) (* 1) (1). ولكفاية المقتضي للثبوت في صحة الضمان (2) ومنع اعتبار الثبوت الفعلي، كما أشرنا إليه سابقا. (مسألة 38): اختلفوا في جواز ضمان الاعيان المضمونة - كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد، ونحوهما - على قولين، ] يستحق الجعل بالعمل الذي جعل له الجعل، فان جعل للتسليم لم يستحق الجعل الا بالتسليم، وان جعل لغيره لم يستحق الجعل الا بفعل ذلك الغير. وبالجملة: ظاهر قول الجاعل: " إن فعلت كذا فلك كذا " أن الملك يكون على تقدير العمل وفي حينه، فلا يكون قبله، لا منوطا به بنحو الشرط المتأخر، ولا غير منوط به، فان ذلك خلاف الظاهر، وخلاف ظاهر كلماتهم في كتاب الجعالة، فكيف يصح البناء على ثبوته قبله وإن كان غير لازم أو غير مستقر؟! فانه لا مأخذ له. وعلى هذا فضمان المال المذكور من ضمان ما لم يجب. وعن المختلف الاستدلال على صحة الضمان بمسيس الحاجة إليه، فجاز ضمانه، كقوله: " الق متاعك في البحر وعلي ضمانه ". وهو كما ترى، فان ذلك لا يصلح لتشريع ما لم يشرع. (1) وفيه: أن الآية إنما دلت على مشروعية التعهد على النحو المذكور ولا دلالة فيها على أنه من الضمان الذي هو محل البحث، أو هو من قبيل الوعد الذي لا يجب الوفاء به، فلا دلالة لها على شئ من ذلك. (2) هذا خلاف ما تقدم من اعتبار كون الحق المضمون ثابتا في الذمة، وكون الضمان نقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، فإذا لم يكن ثبوت في ذمة المضمون عنه لم يكن ثبوت في ذمة الضامن أيضا. فلو صح مثل هذا الضمان لم يكن من الضمان المصطلح، بل كان بمعنى آخر.

 

 

____________

(* 1) يوسف: 72.

 

===============

 

( 343 )

 

[ ذهب إلى كل منهما جماعة. والاقوى الجواز (1)، سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردها (2) عينا ومثلها أو قيمتها على فرض التلف، أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت. وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وآله: " الزعيم غارم " (* 1) والعمومات العامة، مثل قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (* 2). ودعوى (3): أنه على التقدير الاول يكون من ضمان العين ] (1) قال في الشرائع: " وفي ضمان الاعيان المضمونة والمقبوض بالبيع الفاسد تردد، الاشبه الجواز ". وفي القواعد: " ويصح ضمان أرش الجناية... (إلى أن قال): والاعيان المضمونة - كالغصب والعارية والامانة مع التعدي - على إشكال ". وحكي الجواز عن المبسوط والتحرير والارشاد وغيرها. (2) قال في التذكرة: " الاعيان المضمونة - كالمغصوب، والمستعار مع التضمين، أو كونه أحد النقدين، والمستام، والامانات إذا خان فيها أو تعدى - فله صورتان: الاولى: أن يضمن رد أعيانها. وهو جائز لانه ضمان مال مضمون على المضمون عنه. وبه قال أبو حنيفة... (إلى أن قال): الثانية: أن يضمن قيمتها لو تلفت. والاقوى عندي الصحة، لان ذلك ثابت في ذمة الغاصب فيصح الضمان... ". (3) هذه الدعوى ذكرها في جامع المقاصد. فانه أشكل على ما ذكره في التذكرة - من أن لضمانها صورتين: الاولى: أن يضمن رد أعيانها، وجوزه لانه ضمان مال مضمون على المضمون عنه - بأن الثابت في الذمة هو جوب ردها، وليس بمال. وبأن القيمة إنما تثبت بعد التلف فضمانها

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من ابواب كتاب الضمان حديث: 2. (* 2) المائدة: 1.

 

===============

 

( 344 )

 

[ بمعنى الالتزام بردها (1) مع أن الضمان نقل الحق من ذمة إلى أخرى. وأيضا لاإشكال (2) في أن الغاصب أيضا مكلف بالرد (3)، فيكون من ضم ذمة إلى أخرى، وليس من مذهبنا. وعلى الثاني يكون من ضمان ما لم يجب، كما أنه على الاول أيضا كذلك بالنسبة إلى رد المثل أو القيمة عند التلف (4). ] قبله ضمان ما لم يجب. مع أن الضمان على تقدير التلف حكم شرعي تابع لوصف الغصب والاستعاره والتعدي في الامانة، وهذا لا يمكن نقله بالضمان، لان الذي ينقل بالضمان هو الحق لا الحكم الشرعي، فعدم صحة الضمان قوي. انتهى. وتبعه على جمع ممن تأخر عنه، ومنهم في الجواهر. (1) يعني: أن الضامن إنما يلتزم برد العين، وليس هو بمال كان في ذمة المضمون عنه. (2) هذا إشكال ثاني ذكره في المسالك مضافا إلى الاشكال الذي ذكره تبعا لجامع المقاصد. (3) إجماعا، كما في المسالك. (4) يعني: إذا كان المراد من الضمان الالتزام بالرد فبالاضافة إلى رد العين نفسها حكم فعلي: لكن بالنسبة إلى المثل أو القيمة حكم تعليقي على تقدير التلف، فيكون من ضمان ما لم يجب، فلا يصح وإن قلنا بصحة ضمان الحكم الشرعي. إلا أن يقال: إن الضمان بلحاظ الحكم الفعلي لا غير. والذي يتحصل من عبارة جامع المقاصد الاشكال على الضمان في المقام من وجهين: الاول: أن الثابت في المقام حكم شرعي لاحق مالي، وهو لا يقبل الانتقال. وهذا الاشكال ذكره في كل من المعنيين. الثاني: أنه ضمان ما لم يجب. وهذا يختص بالمعني الثاني. والذي يظهر من عبارة المتن اختصاص الاشكال الاول بالمعنى الاول والاشكال الثاني بالمعنى الثاني،

 

===============

 

( 345 )

 

وهو في محله، إذ لا فرق على المعنى الثاني بين الضمان حال التلف والضمان على تقدير التلف، فكما أنه على الاول يكون حقا ماليا كذلك على الثاني، والاختلاف إنما هو في التعليق والتنجيز. وكيف كان فالاشكال الاول - إن تم - لا يمكن دفعه بالعمومات، لانها لا تصلح لذلك. أما قوله صلى الله عليه وآله: " الزعيم غارم " فقد عرفت أنه غير ثابت من طرقنا، وفي بعض الاخبار تكذيبه. مع أنه لاغرامة مع وجود العين، والرد ليس غرامة ليدل عليه الحديث. وأما قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) ونحوه فانما يدل على صحة العقد وتحقق مضمونه، فإذا كان مضمون قول الضامن: " ضمنت: التزمت لك برد العين، فقد ملك مالك العين عليه الرد، ولا يرتبط برد الغاصب، فكيف يقتضي عدم وجوب الرد على الغاصب؟! وقد تقدم أن فراغ ذمة المضمون عنه إنما قلنا بها للنص أو لامتناع اشتغال ذمتين بمال واحد، وكلاهما لا مجال لهما في المقام، إذ النص لا يشمل المقام، وذمة الغاصب ليست مشغولة بمال ولا برد، وإنما يجب الرد تكليفا لا غير. بل الظاهر أن الضامن في المقام إنما يلتزم بالرد من دون أن يشغل ذمته بملك الرد للمالك، ولاجل ذلك يكون من باب الوعد لامن باب الوضع والعقد، فلا مجال للتمسك بعموم الوفاء بالعقد، إذ لا عقد وإنما هو محض الوعد. وبالجملة: تارة يقول الضامن: " سأرد مالك "، وأخرى يقول: " لك علي أن أرد مالك ". فالاول من قبيل الوعد، والثاني من قبيل العقد. والواقع في الخارج هو الاول. وعلى تقدير الثاني فلا موجب لسقوط وجوب الرد على الغاصب. نعم لو كان مضمون قول الضامن تعهدت برد الغاصب، كان مقتضاه السقوط. لكنه يحتاج إلى قبول من الشارع وبدونه لا يصح، وعمومات العقود لا تقتضي مشروعية هذا الفعل، نظير ما إذا ضمن الفرائض اليومية عن شخص،

 

===============

 

( 346 )

 

[ مدفوعة: بأنه لا مانع منه بعد شمول العمومات، غاية الامر أنه ليس من الضمان المصطلح. وكونه من ضمان ما لم يجب لا يضر بعد ثبوت المقتضي (1). ] فان عموم الوفاء بالعقود لا يقتضي سقوط الفريضة عن المضمون عنه، لانه لا يدل على قابلية المحل لذلك، وعموم دليل الوجوب على المضمون عنه محكم. (1) قد تقدم في الشرط الثامن من شروط الضمان الكلام في ذلك، وأن ضمان ما سيجب إن كان المراد اشتغال الذمة به فعلا فهو غير مقصود ولا مدعى. وإن كان المراد اشتغال الذمة به معلقا فهو من الانشاء المعلق، الذي لا يصح إجماعا، فان التعليق مانع من صحة العقود والايقاعات إلا في موارد خاصة، فراجع. وإن كان المراد الضمان بنحو الواجب المعلق، فيكون الضمان حاليا والمضمون استقباليا، فقد عرفت أن الضامن تابع للمضمون عنه فلما لم يثبت في ذمة المضمون عنه ولو بنحو الواجب المعلق لم يثبت كذلك في ذمة الضامن، فلو أريد اثباته كذلك لم يكن من باب الضمان المصطلح، بل كان من باب الضمان العرفي، وليس هو محل كلامهم، فان المراد من ضمان ما لم يجب ضمان ما لم يثبت في الذمة ولو بنحو الواجب المعلق. إذ ما يثبت بنحو الوجوب المعلق ثابت وواجب، لا ما لم يجب، وذلك يختص بالضمان المصطلح الذي يمكن فرض شئ ثابت في الذمة غير ذمة الضامن، أما الضمان العرفي فليس موضوعه ما ثبت إذ ثبوته بالضمان فلا يكون موضوعا للضمان، فلو ثبت بالضمان كان بلا مضمون له، لان المفروض أن المضمون له لم يتحقق السبب المملك له. هذا ولا يخفى أن حمل الضمان للاعيان الممضونة على أحد المعنيين قد عرفت أنه ذكره العلامة في التذكرة، وتبعه عليه الجماعة، وجعلوا ذلك

 

===============

 

( 347 )

 

[ ولا دليل على عدم صحة ضمان ما لم يجب من نص أو إجماع ] مورد النقض والابرام في المقام. مع أن الظاهر من الضمان في الاعيان المضمونة كونها بنفسها في الذمة، كما يقتضيه ظاهر دليل الضمان، مثل: " على اليدما أخذت حتى تؤدي " (* 1) فان ظاهر العبارة المذكورة أن نفس المأخوذ ثابت في الذمة، ولما لم يكن مانع من ذلك عقلي ولا غيره، وجب الاخذ به. ودعوى: أن الاعيان الخارجية موجودة في الخارج، فكيف تكون موجودة في الذمة، لان الواحد لا يكون في مكانين. مندفعة: بأن الخارج طرف للوجود الحقيقي، والذمة ظرف للوجود الاعتباري، ولا مانع من أن يكون للشئ الواحد وجودان اعتباري وخارجي، فالوجود الذمي نظير الوجود الذهني، فكما أن الموجود الخارجي يجوز أن يكون له وجود ذهني يجوز أن يكون له وجود ذمي. وعلى هذا يكون الغاصب ونحوه مشغول الذمة بالعين، فيصح الضمان عنه، وبه تبرأ ذمته من العين، وتشتغل بها ذمة الضامن فقط. وأما وجوب الرد فهو من أحكام عدم الاذن في الاستيلاء على العين، فإذا حصل الاذن لم يجب الرد ولو مع الضمان. كالمقبوض بالسوم، فانه مضمون ولا يجب رده مادام مشغولا بالسوم، وإذا لم يحصل الاذن يجب الرد حتى مع عدم الضمان، كالامانة عند انتهاء مدة الايتمان، فانه يجب الرد ولا ضمان. وعلى هذا فوجوب الرد ليس معنى للضمان، ولا من أحكامه. وأما المعنى الثاني للضمان فأشكل لان اشتغال الذمة بالبدل على تقدير التلف حكم تعليقي، وضمان الغاصب حكم تنجيزي، فكيف يكون أحدهما معني للآخر؟! ولا يبعد أن تكون العين نفسها في الذمة على تقدير التلف، ووجوب أداء البدل من أحكام ذلك، لا من معانيه.

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من كتاب الغصب حديث: 4.

 

===============

 

( 348 )

 

[ وإن اشتهر في الالسن، بل في جملة من الموارد حكموا بصحته، وفي جملة منها اختلفوا فيه، فلا إجماع. وأما ضمان الاعيان غير المضمونة - كمال المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقق سبب ضمانها من تعد أو تفريط - فلا خلاف بينهم في عدم صحته (1). والاقوى بمقتضى العمومات صحته أيضا (2). ] (1) قال في الشرائع: " ولو ضمن ما هو أمانة كالمضاربة والوديعة لم يصح لانها ليست مضمونة في الاصل "، ونحوه في المنع ما في القواعد وجامع المقاصد والمسالك وعن غيرها، وفي التذكرة: نسبته إلى علمائنا أجمع، لانها غير مضمونة العين ولا مضمونة الرد، وانما الذي يجب على الامين مجرد التخلية، وإذا لم تكن مضمونة على ذي اليد فكذا على ضامنه، وفي الجواهر: أنه لا اشكال ولا خلاف فيه. (2) قد عرفت إشكاله في المسألة السابقة. نعم إذا كان المراد من ضمانها اشتغال الذمة بها، لا بالمعنى المصطلح من الضمان الذي نحن في مباحثه ومسائله بل بمعنى محض اشتغال الذمة، فمعنى: " ضمنت الامانة التي عند زيد ": اشغلت ذمتي بها، أمكن التمسك بعموم وجوب الوفاء بالشرط والعهد ونحوهما في صحة الضمان المذكور، فإذا تلفت العين لم يكن الامين ضامنا، وكان الضامن له ضامنا بمقتضي انشائه. ولعل من ذلك ضمان شركة التأمين المتعارف في هذا العصر وإن كان ضمانها في مقابل المال لا تبرعا، فصاحب المال يعطي الشركة مالا في قبال أن تضمن أو في قبال أن تنشئ الضمان، فتنشئ الضمان ويلزمها ذلك، لعموم الوفاء بالعهد، وإن كان الجاري بينهم الاول. وكيف كان فهذا ليس من الضمان الذي نحن فيه بل هو معنى آخر، إذ ليس فيه

 

===============

 

( 349 )

 

[ (مسألة 39): يجوز عندهم بلا خلاف بينهم (1) ضمان درك الثمن للمشتري (2) إذا ظهر كون المبيع مستحقا ] مضمون عنه أصلا. والذي يتحصل: أن الضمان المصطلح لا يصح إذا لم يكن المال المضمون مضمونا لمضمون عنه حال الضمان. وأما الضمان العرفي فمنه شرعي بحت، مثل من أتلف مال غيره فهو له ضامن. ومنه إنشائي إما تبرعا. ويحتمل أنه إيقاعي لا عقدي، لانه ليس فيه تصرف في المال، ليتوقف على قبول المالك. اللهم الا أن يكون عقدا لاقتضائه التمليك. وإما بعوض، فيكون عقدا، كضمان شركة التأمين المجعول في مقابل مال معين. وقد يكون العرض في مقابل إنشاء الضمان، فيكون نظير عقد الاجارة، ولابد فيه من إنشاء الضمان بعد العقد. ويمكن أن يكون المال مبذولا مجانا بشرط إنشاء الضمان، أو بشرط تدارك الخسارة لو اتفقت. فلا يكون ضمان في البين، وإنما يكون تدارك خسارة لاغير. وأما بذل المال في مقابل تدارك الخسارة فلا يصح، لعدم وجود الخسارة في بعض الاوقات، فيكون المال بلا عوض. (1) وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه، بل في محكي التذكرة - وكذا مجمع البرهان - نسبته إلى إطباق الناس عليه في جميع الاعصار، وفي المسالك: أن ظاهرهم الاطباق عليه "، وفي جامع المقاصد: " إطباق الناس على ضمان العهدة ". (2) قال في الصحاح: " الدرك التبعة. وقيل: سمي ضمان الدرك لالتزامه الغرامة عند ادراك المستحق عين ماله ". ويسمى ضمان العهدة، وفي التذكرة: " سمي ضمان العهدة، لالتزام الضامن ما في عهدة البائع رده... ".

 

===============

 

( 350 )

 

[ للغير، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن (1). - كما قيد به الاكثر - أو مطلقا - كما أطلق آخر - وهو الاقوى (2). قيل: وهذا مستثنى من ] (1) يعني: إذا وقع البيع وقبض البائع الثمن يخاف المشتري من ضياع ثمنه إذا تبين بعد ذلك أن المبيع لغير البائع، فيأخذه المالك من المشتري ويتمرد البائع عن دفع الثمن إليه، فحينئذ يضمن ضامن للمشتري ثمنه الذي دفعه إلى البائع، ليكون المشتري واثقا بعدم ضياع ماله، فالضمان يكون احتماليا لا يقينيا، لانه إذا كان البيع صحيحا كان الثمن ملكا للبائع، فلا معنى لضمانه للمشتري، وانما يصح هذا الضمان إذا كان البيع باطلا والثمن الذي قبضه البائع غير مملوك له ولا يستحقه، لانه مقبوض بالعقد الفاسد، فيكون مضمونا عليه، فيضمنه آخر للمشتري. قال في المسالك: " وفي الحقيقة هذا فرد من أفراد ضمان الاعيان المضمونة على تقدير كوته موجودا حالة الضمان "، وفي مفتاح الكرامة ": وقد قيد بكونه بعد القبض في أكثر الكتب المتقدمة، ما عدا المبسوط والشرائع والارشاد واللمعة، بل في الوسيلة والتذكرة والتحرير: التصريح بأنه إن كان قبض الثمن صح الضمان وإن لم يكن قد قبض لم يصح. وهو أيضا مراد في كلام من لم يقيد به، لانهم لا يختلفون في أن الضمان لابد فيه من ثبوت حق في ذمة المضمون عنه في نفس الامر وقت الضمان، بحيث يمكن تكليف غيره به، والبائع ما لم يقبض لم يتعلق بذمته حق ". وقال في الجواهر: " ومن ذلك يعلم إرادة المصنف وغيره ممن ترك التقييد بالقبض ما صرح به الاكثر من التقييد به، ضرورة عدم دخوله في عهدة البائع الذي هو المضمون عنه الا بقبضه ". ومن ذلك تعرف الاشكال في قول المصنف. (2) وكأنه مبني على ما ذكره في آخر المسألة السابقة من جواز

 

===============

 

( 351 )

 

[ عدم ضمان الاعيان (1). هذا وأما لو كان البيع صحيحا وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض، فعلى المشهور لم يلزم الضامن ويرجع على البائع، لعدم ثبوت الحق وقت الضمان، فيكون من ضمان ما لم يجب. بل لو صرح بالضمان إذا حصل الفسخ لم يصح بمقتضى التعليل المذكور (2). نعم في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق اختلفوا في أنه هل يدخل ] ضمان الاعيان غير المضمونة، فكأن المشتري يخاف أن يدفع الثمن إلى البائع ويتبين عدم استحقاق البائع له، ولا يتمكن المشتري من استرجاعه، فيضمنه للمشتري ضامن قبل أن يدفعه إلى البائع، فيأمن من ضياعه، فيدفعه إليه. (1) قال في جامع المقاصد: " ولا شبهة في صحة ضمان الثمن عن المشتري للبائع إذا كان دينا. أما إذا كان عينا فهو من جملة الاعيان المضمونة. ولعل تجويز ضمانه لعموم البلوى ودعاء الحاجة إليه، واطباق الناس على ضمان العهدة ". ونحوه في المسالك والجواهر. بل الظاهر أنه لا ينبغي الاشكال فيه، فالضمان فيما نحن فيه من قبيل ضمان العين على تقدير كونها مضمونة على المضمون عنه. لكن في المسالك جعل الفرق بين ضمان المال وضمان العهدة الاختلاف في نفس المضمون، قال (ره): " والفرق يظهر في اللفظ والمعنى. أما اللفظ فالعبارة عن ضمان الثمن: ضمنت لك الثمن الذي في ذمة زيد مثلا، ونحوه، وضمان العهدة: ضمنت لك عهدته أو دركه، ونحو ذلك. وأما المعنى فظاهر، إذ ضمانه نفسه يفيد انتفاله إلى ذمة الضامن وبراءة المضمون عنه، وضمان العهدة ليس كذلك، إنما يفيد ضمان دركه على بعض التقديرات ". وهو كما ترى. (2) كما صرح به في الجواهر، معللا له بما ذكر.

 

===============

 

( 352 )

 

[ في العهدة ويصح الضمان أولا؟ فالمشهور على العدم (1)، وعن بعضهم: دخوله (2)، ولازمه الصحة مع التصريح بالاولى. والاقوى في الجميع الدخول مع الاطلاق، والصحة مع التصريح ودعوى: أنه من ضمان ما لم يجب. مدفوعة: بكفاية وجود السبب (3). هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل ] (1) قال في الشرائع: " أما لو تجدد الفسخ بالتقايل أو تلف المبيع قبل القبض لم يلزم الضامن، ويرجع المشتري على البائع. وكذا لو فسخ المشتري بعيب سابق ". وفي الجواهر: نسبته إلى المشهور، لان الفسخ انما أبطل العقد من حينه لامن أصله. فلم يكن حالة الضمان مضمونا، بل لو صرح بضمانه كان فاسدا، لانه ضمان ما لم يجب. فما في القواعد ومحكي التذكرة من الاشكال فيه مما عرفت، ومن وجود سبب الفسخ حال البيع - بل عن فخر المحققين الجزم بالدخول فيه للحاجة - واضح الضعف، ولذا استقرب (يعني: العلامة في القواعد) عدم اندراجه بعد أسطر من الاشكال، بل جزم به بعد ذلك، انتهى. ويشبر بقوله: " ولذا استقرب... " إلى قوله في القواعد بعد أسطر من الاشكال: " والاقرب أنه لا يصح ضمان عهدة الثمن لو خرج المبيع معيبا ورده "، وقوله بعد ذلك: " ويرجع على ضامن عهدة الثمن في كل موضع يبطل فيه البيع من رأس، لا ما يتجدد له الفسخ بالتقايل أو العيب السابق... ". (2) حكي ذلك عن فخر المحققين، كما تقدم في الجواهر. وذكر في مفتاح الكرامة: أنه قوي متين. انتهى. (3) قد عرفت أن ضمان ما لم يجب لا يدخل في الضمان المصطلح، ولا تشمله أدلته الخاصة. نعم تشمله أدلة الصحة العامة. لكن شمولها لا يتوقف على وجود السبب.

 

===============

 

( 353 )

 

[ الفسخ، وأما بالنسبة إلى مطالبة الارش، فقال بعض من منع من ذلك بجوازها (1) لان الاستحقاق له ثابت عند العقد، فلا يكون من ضمان ما لم يجب. وقد عرفت أن الاقوى صحة الاول أيضا، وأن تحقق السبب حال العقد كاف. مع إمكان دعوى: أن الارش أيضا لا يثبت إلا بعد اختياره ومطالبته (2) ] (1) قال في القواعد: " ويرجع على ضامن عهدة الثمن في كل موضع يبطل فيه البيع من رأس، لاما يتجدد له الفسخ بالتقايل أو العيب السابق أو تلفه قبل قبضه، بل يرجع على البائع. ولو طالب بالارش فالاقرب مطالبة الضامن ". ونحوه في الشرائع بزيادة تعليل الحكم الاخير بأن استحقاقه ثابت حين العقد، ثم قال: " وفيه تردد ". (2) هذا ذكره في المسالك وجها لتردد الشرائع، قال (ره): " والموجود حالة العقد من العيب ماكان يلزمه تعيين الارش، بل التخيير بينه وبين الرد، فلم يتعين الارش إلا باختياره. ولو قيل (* 1): إنه أحد الفردين الثابتين على وجه التخيير، فيكون كافراد الواجب المخير حيث يوصف بالوجوب قبل اختياره، فيوصف هذا بالثبوت قبل اختياره، لزمه مثله في الثمن، لانه قسيمه في ذلك. والحق ثبوت الفرق بينهما، فان الثمن ما وجب الا بالفسخ، وأما الارش فانه كان واجبا بالاصل، لانه عوض جزء فائت من مال المعاوضة... "، وتبعه على ذلك في الجواهر. ولكنه كما ترى، فان صفة الصحة لا تقابل بجزء من الثمن، وإنما هي دخيلة في زيادة الثمن في مقابل الذات الموصوفة. وكذا الكلام في الصفات المشروطة في المبيع. ولذا كان خيار تخلف الوصف وخيار العيب

 

 

____________

(* 1) هذا القول اختارة في الروضة. وحينئذ يشكل بما ذكره في المسالك - مضافا إلى ما ذكرناه. منه قدس سره

 

===============

 

( 354 )

 

[ فالصحة فيه أيضا من جهة كفاية تحقق السبب. ومما ذكرنا ظهر حال ضمان درك المبيع للبائع (1). (مسألة 40): إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقا، فالاقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض ] غير خيار تبعض الصفقة. والمقايسة على الواجب التخييري غير ظاهرة، فان وجوب الاختيار في الواجب التخييري دليل على ثبوت الوجوب، وفي المقام لا يجب الاختيار، وإنما هو جائز، فان اختار أحد الامرين ثبت له وإلا لم يثبت، فلا تشتغل ذمة البائع بالارش إلا بعد اختياره. نعم المطالبة فرع الاستحقاق، فلا يتوقف عليها الاستحقاق. نعم لو اختص الكلام بصورة تعذر الرد وتعين الاخذ بالارش أمكن دعوى ثبوت الارش من أول الامر حين العقد، كما قد يقتضيه ظاهر النصوص. لكن مورد كلامهم أعم. ومن ذلك يظهر عدم صحة الضمان الاصطلاحي في المقام، الذي يتوقف على وجود مضمون عنه، ويكون قصد الضامن الضمان عنه، لا مجرد الضمان العرفي، ولذا جزم في التحرير بعدمه. والذي يتحصل: أنه إذا كان غرض الضامن الضمان عن مضمون عنه هو ضامن، فلا يصح في جميع الموارد المذكورة حتى الارش، لعدم وجود مضمون عنه ضامن. وإذا كان غرضه الضمان بنفسه مع التغافل عن مضمونه عنه، فان كان المقصود الضمان مطلقا صح في جميع ذلك، وإذا كان غرضه مقيدا بصورة دون أخرى اقتصر في الرجوع إليه على خصوص تلك الصورة، ولا يتعداها إلى غيرها. (1) إذا ضمن ضامن درك المبيع للبائع عن المشتري جري فيه جميع ما ذكر من الصور والاحكام. ولا يصح الضمان الاصطلاحي إلا إذا تبين عدم استحقاق المشتري للمبيع حال القبض، لما سبق.

 

===============

 

( 355 )

 

[ وفي البعض الآخر يتخير المشتري بين الامضاء والفسخ لتبعض الصفقة، فيرجع على البايع بما قابله. وعن الشيخ: جواز الرجوع على الضامن بالجميع (1). ولا وجه له (2). (مسألة 41): الاقوى - وفاقا للشهيدين (3) - صحة ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الارض المشتراه إذا ظهر كونها مستحقة للغير وقلع البناء والغرس، فيضمن الارش، وهو تفاوت ما بين المقلوع والثابت عن البايع. خلافا للمشهور، لانه من ضمان ما لم يجب. ] (1) حكي ذلك عن الشيخ (ره) في المبسوط. (2) هذا يتوجه على المشهور الذين لا يقولون بجواز الرجوع على الضامن لو حدث ما يقتضي انفساخ العقد بخيار أو إقالة أو نحو ذلك. أما بناء على ما ذكره المصنف في المسألة السابقة من أن الاقوى جواز الضمان فيرجع المشتري على الضامن، فوجهه ظاهر، وهو عموم الصحة الذي تمسك به فيما سبق لرد دعوى المشهور من عدم صحة الضمان وعدم جواز الرجوع على الضامن. وبالجملة: الجمع بين كلامي المصف في المسألتين غامض. (3) قال في الشرائع: " إذا ضمن ضامن للمشتري درك ما يحدث من بناء أو غرس لم يصح، لانه من ضمان ما لم يجب ". ونحوه في القواعد وغيرها. وفي اللمعة قال: " والاقوى جوازه ". وظاهر الروضة: الميل إليه، وعن التذكرة: الاشكال فيه، وعن التحرير: احتماله على ضعف. والوجه في الجواز وجود السبب حال العقد. وقد عرفت الاشكال فيه،

 

===============

 

( 356 )

 

[ وقد عرفت كفاية السبب. هذا ولو ضمنه البايع قيل: لا يصح أيضا كالاجنبي (1)، وثبوته بحكم الشرع لا يقتضي صحة عقد الضمان المشروط بتحقق الحق حال الضمان (2). وقيل بالصحة، لانه لازم بنفس العقد (3)، فلا مانع من ضمانه، لما مر من كفاية تحقق السبب (4)، فيكون حينئذ للضمان سببان: نفس العقد (5)، والضمان ] وأنه إن أريد الضمان المصطلح فلابد فيه من وجود ضامن قبل هذا الضمان ليكون مضمونا عنه، وهو مفقود. وإن أريد الضمان العرفي لم يتوقف على وجود السبب حال الضمان. (1) حكاه في الشرائع قولا، وهو المحكي عن المبسوط، واختاره جماعة ممن تأخر. (2) يعني: وهو مفقود، إذ ليس هناك حق مضمون حال الضمان. (3) كذا ذكر في الشرائع، ونحوه في القواعد والتذكرة. وفيه: أن العقد بنفسه لا يقتضي الضمان. وإنما يقتضي الغرور. وضمان الغار إنما يكون بعد ورود الخسارة على المغرور، وذلك إنما يكون بعد قلع البناء والشجر، كما حرر ذلك في مباحث الفضولي. (4) لكن إذا كان وجود السبب كافيا لزم البناء على صحة ضمان الاجنبي أيضا لوجود المصحح. ولو حمل كلام المحقق على حصول الضمان نفسه بالعقد أيضا جاء الاشكال المذكور من عدم الوجه في المنع من ضمان الاجنبي معللا بأنه من ضمان ما لم يجب، فالاشكال على المحقق ومن وافقه في التفصيل بين الاجنبي والبائع متوجه على كل حال. مضافا إلى أن وجود السبب لا يكفي في تحقق الضمان المصطلح، كما هو ظاهر كلامهم. (5) قد عرفت أن نفس العقد لا يقتضي الضمان.

 

===============

 

( 357 )

 

[ بعقده. وتظهر الثمرة (1) فيما لو أسقط المشتري عنه حق الضمان الثابت بالعقد، فانه يبقى الضمان العقدي (2). كما ] (1) هذه الثمرة ذكرها في المسالك والروضة. (2) المراد أن الضمان يقتضي اشتغال الذمة بالمال المضمون، فان تكرر الضمان فقد تكرر اشتغال الذمة، فيكون للمال المضمون وجودان في الذمة كل واحد بعنوان البدلية عن المضمون، فيجوز إسقاط أحدهما دون الآخر، ولا تلازم بينهما في السقوط كما لا تلازم في الثبوت. وعبارة المسالك هكذا: " وتظهر الفائدة فيما لو أسقط المشتري عنه حق الرجوع بسبب البيع، فانه يبقى له الرجوع عليه بسبب الضمان ". لكن من المعلوم أن الرجوع ليس من الحقوق التي تسقط بالاسقاط، بل من الاحكام، ولو أسقطه لم يسقط. ولعل مراده ما ذكر في المتن. وإن كان هو أيضا لا يخلو من خفاء. وجواز التعدد مع تعدد الذمم لتعدد الضامن لا يقتضي جواز التعدد في ذمة واحدة. ولذا عبر بعضهم بالتأكيد، وإن كان التأكد يختص بالماهية التشكيكية، وكون العين المضمونة من ذلك غير ظاهر. نعم وجوب الاداء مما يقبل التأكد. لكنه لا يمكن إسقاطه. ولاجل ذلك يشكل البناء على الفائدة المذكورة. ثم إن الذي يظهر من الشرائع وغيرها أن الضمان الذي يكون من البائع من الضمان المصطلح، فانه ذكره في سياق ضمان الاجنبي الممنوع من صحته لاجل أنه من ضمان ما لم يجب، والضمان المصطلح إذا صح فرغت ذمة المضمون عنه، فضمان البائع إذا صح فرغت ذمة البائع من جهة كونه غارا. وعلى هذا لا يجتمع ضمانان في وقت واحد حتى تجري الفائدة المذكورة من سقوط أحدهما وبقاء الآخر. فالجمع بين كلامهم في تصحيح الضمان من البائع وفي بيان فائدة الضمان المذكور لا يخلو من غموض، فان الاول يقتضي

 

===============

 

( 358 )

 

[ إذا كان لشخص خياران بسببين فاسقط أحدهما. وقد يورد عليه بأنه لا معنى لضمان شخص عن نفسه، والمقام من هذا القبيل (1). ويمكن أن يقال: لا مانع منه مع تعدد الجهة (2) هذا كله إذا كان بعنوان عقد الضمان. وأما إذا اشترط ضمانه فلا بأس به (3)، ويكون مؤكدا لما هو لازم العقد (4). ] الضمان المصطلح، والثاني يقتضي غيره. ومن هنا يتعين أن يكون المراد من الضمان غير المصطلح، وهو العرفي، كما هو الظاهر من أمثال المقام. فلاحظ. (1) المورد صاحب الجواهر (ره)، وبعد تقرير الايراد المذكور قال: " ومن الغريب اشتباه هؤلاء الافاضل في ذلك، وحمل كلام الشرائع على صورة اشتراط الضمان على البائع كما في بعض نسخ الشرائع. لكن على هذا لا حاجة إلى تعليل الجواز بأنه لازم بنفس العقد، فانه يجوز اشتراط الضمان ولو لم يكن لازما بنفس العقد ". (2) فان أحد الضمانين قائم بالغرور والضمان الثاني قائم بالعقد. إلا أن يقال: إن هذه الجهات تعليلة، فلا توجب تعدد الموضوع. (3) يعني: اشترط في عقد البيع أو غيره ضمان البائع. وقد حكى في الجواهر عن نسختين من نسخ الشرائع أن العبارة هكذا: " إذا ضمن ضامن للمشتري درك ما يحدث من بناء أو غرس لم يصح، لانه من ضمان ما لم يجب. وقيل: وكذا لو ضمنه البائع ولو شرط في نفس العقد. والوجه الجواز، لانه لازم بنفس العقد "، فتكون متعرضة لشرط الضمان لكن عرفت أن شرط الضمان يصح ولو لم يكن لازما بنفس العقد، فالتعليل به غير ظاهر. (4) الضمان ليس من الماهيات التشكيكية ليقبل التأكد والتأكيد، فالمراد التأكيد في الاثر، وهو وجوب الاداء.

 

===============

 

( 359 )

 

[ (مسألة 42): لو قال عند خوف غرق السفينة: " الق متاعك في البحر وعلي ضمانه " صح بلا خلاف بينهم بل الظاهر الاجماع عليه (1). وهو الدليل عندهم. وأما إذا لم يكن لخوف الغرق، بل لمصلحة أخرى من خفة السفينة ] (1) هذه المسألة حررت في الشرائع والقواعد وغيرهما في كتاب الديات لبعض المناسبات، كما حررت أيضا في بعض الكتب في كتاب الضمان لبعض المناسبات، فان الضمان فيها ليس من الضمان المصطلح. قال في الشرائع في أوائل مباحث الديات: " ولو قال: الق متاعك في البحر لتسلم السفينة، فالقاه فلا ضمان. ولو قال: وعلي ضمانه، ضمن دفعا لضرورة الخوف. ولو لم يكن خوف فقال: ألقه وعلى ضمانه، ففي الضمان تردد، أقربه أنه لا يضمن ". وفي القواعد: " ولو أشرفت سفينة على الغرق فقال الخائف على نفسه أو غيره: الق متاعك في البحر وعلي - ضمانه، ضمن ". وفي كشف اللثام: " بلا خلاف إلا من أبي ثور، كما في المبسوط والخلاف ". وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل وبين غيرنا، إلا من أبي ثور " وهو شاذ لا يعتد به، كما في محكي الخلاف، بل فيه ان عليه إجماع الامة عداه، كما عن المبسوط نفي الخلاف فيه من غيره ". ويقتضيه - مضافا إلى ذلك - عموم الصحة، فانه نوع من العهد. ويحتمل ان يكون عقدا ويكون قبوله فعليا وهو الالقاء، وأن يكون قوليا كما إذا قال: قبلت، فيلزمه الالقاء، عملا بالعقد، ولا يلزم في الصورة الاولى لعدم تحقق القبول. ويحتمل أن يكون إيقاعا، نظير: " خط ثوبي ولك درهم " أو " رد عبدي ولك نصفه ". وهذا هو الاقرب وقد عرفت أن الضمان هنا ليس من الضمان المصطلح، بل هو من الضمان العرفي.

 

===============

 

( 360 )

 

[ أو نحوها، فلا يصح عندهم (1). ومقتضى العمومات صحته ايضا. ] (1) قال في الشرائع: " ولو لم يكن خوف فقال: القه وعلي ضمانه ففي الضمان تردد، أقربه أنه لا يضمن ". ونحوه في القواعد، إلا أنه لم يذكر التردد، وفي المسالك: أنه أدعى عليه الشيخ في المبسوط الاجماع. انتهى. وفي كشف اللثام عن المبسوط: أنه قال: قيل: إنه لا خلاف في عدم الضمان. انتهى. وفي المسالك بعد أن جعل الاظهر عدم الضمان قال: " لكن المصنف تردد في الحكم عند عدم الخوف. ووجه التردد من عدم الفائدة، والاجماع المدعى، وكون الضمان على خلاف الاصل وإنما ترك العمل به مع الخوف للمصلحة فيبقى الباقي. ومن عموم الامر بالوفاء بالعقود، وهو عام إلا ما خصصه الدليل ولا مخصص هنا. وهو ضعيف لوجود المخصص " ولا يخفى أن فرض عدم الفائدة لا يتناسب مع إطلاق عنوان المسألة وهو عدم الخوف، فانه أعم من أن يكون فائدة وأن لا تكون. كما أنه لاوجه لتنظيره بقوله: أهدم دارك ومزق ثوبك واجرح نفسك. ومن ذلك يظهر أن إلقاء المتاع إذا كان يترتب عليه فائدة عقلائية من حفة السفينة وحسن سيرها فتقطع المسافة البعيدة في مدة قليلة، وكان المتاع بحيث يحسن بذله في سبيل الفائدة عند العقلاء جاز لصاحبه القاؤه بلا عوض، وجاز التعويض عليه من ركبان السفينة أو من بعضهم. وإذا كان لا يترتب على فائدة عقلائية لم يجز الالقاء مع الضمان وبدونه. وكذلك في مثل: إهدم دارك ومزق ثوبك واجرح نفسك، فانه إذا كان يترتب فائدة عقلائية على كل واحد من الامور المذكورة جاز فعله بلا عوض ومع العوض، ويكون ذلك من قبيل إعابة السفينة لصاحب موسى (ع)، وإذا لم يترتب عليه فائدة لم يجز مع الضمان وبدونه. وإذا أمره آمر على

 

===============

 

( 361 )

 

شرط الضمان فالضمان باطل، لانه تعويض عى الحرام وتضييع المال، ولا يبعد أن تكون هذه الصورة مورد القول بالمنع ومورد الاجماع عليه. ولذا قال في محكي الايضاح: " لو خلى عن الفائدة بالكلية لم يصح قطعا ". ومن ذلك تعرف أن إطلاق الصحة عملا بالعمومات غير ظاهر، واللازم التفصيل بين صورة وجود الفائدة العقلائية وعدمه. فلاحظ. هذا ولم يتعرض المصنف (ره) للمسألة الاولى التي ذكرها في الشرائع في صدر كلامه، من أنه إذا كان خوف على السفينة فقال لصاحب المتاع: الق متاعك، واقتصر على ذلك، فالقى المتاع صاحبه لم يرجع على القائل وليس عليه ضمانه. وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخين والفاضلين وثاني الشهيدين وغيرهم. للاصل، كما لو قال: (اعتق عبدك) فاعتقه. أو: (طلق زوجتك، فطلقها "، وسبقه في الاستدلال المذكور كاشف اللثام. وفي المسالك: والفرق بينه وبين قوله: (أد ديني)، فأداه حيث يرجع عليه. أن أداء دينه منفعة لا محالة، والقاء المتاع قد يفضي إلى النجاة وقد لا يفضي، فلا يضمن إلا مع التصريح ". وفي الجواهر: " وهو كما ترى. نعم قد يقال: الفارق الاجماع. أو لان المفهوم من الامر بالاداء التوكيل في ذلك، فيكون حينئذ بالاداء كالقرض عليه، كما أن المفهوم من الامر بالضمان عنه الرجوع به عليه، بخلاف المفروض ". وهو أيضا كما ترى، فان التمسك بالاجماع على الفرق خلاف ظاهر الاستدلال منهم على ذلك بالاصل ونحوه كما أنه إذا كان المفهوم من الامر بأداء الدين التوكيل فلم لا يكون المفهوم من الامر بالقاء المتاع ذلك؟ فالتحقيق: أن استيفاء مال الغير وعمل الغير موجب لضمانه، وكما توجد قاعدة: (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) توجد قاعدة أخرى:

 

===============

 

( 362 )

 

[ (تتمة) قد علم من تضاعيف المسائل المتقدمة الاتفاقية أو الخلافية: أن ما ذكروه في أول الفصل من تعريف الضمان، وأنه نقل الحق الثابت من ذمة إلى أخرى، وأنه لا يصح في غير الدين، ولا في غير الثابت حين الضمان، لا وجه له، وأنه أعم من ذلك حسب ما فصل (1). ] (من استوفى مال غيره فهو له ضامن). وكما أنه إذا قال للحلاق: (احلق رأسي) يكون ضامنا للاجرة يكون ضامنا للمال الذي أداه إذا قال له: (أد ديني). وكذلك في المقام إذا كان الامر بالالقاء لمصلحة الآمر كان ضامنا للمتاع. وإذا كان لمصلحة المأمور لاغير - كما إذا كان الآمر خارجا عن السفينة، وكان الباعث له على الامر مصلحة المأمور - لم يكن ضامنا، لعدم تحقق استيفاء مال الغير. ولاجل ذلك لا يضمن إذا قال له: (أد دينك) ويضمن إذا قال له: (أد ديني). (تتمة) قد فصل المسائل الآتية عما قبلها فجعلها تتمة لما قبلها من جهة أن ما قبلها كان في أحكام الضمان الكلية والتتمة في بيان حكم الشبهة الموضوعية. (1) لكن عرفت إشكاله، وأن الضمان في الموارد التي أشار إليها ليس من الضمان المصطلح، بل بالمعنى العرفي، الذي يدل على صحته العمومات ولا سيما وأنه متداول عند العرف. فراجع.

 

===============

 

( 363 )

 

[ (مسألة 1): لو اختلف المضمون له والمضمون عنه في أصل الضمان، فادعى أنه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له، فالقول قوله (1). وكذا لو ادعى أنه ضمن تمام ديونه وأنكره المضمون له (2)، لاصالة بقاء ما كان عليه (3). ] (1) يعني: قول المضمون له. والمراد أن قوله لا يحتاج إلى الاثبات لانه يطابق الحجة، بخلاف قول خصمه، فانه المحتاج إلى الاثبات، لمخالفته للحجة. والمراد من الحجة ما يجب العمل به من غير دافع ولا معارض، وهي هنا أصالة عدم الضمان الجارية بلا معارض ولا دافع، (2) لعين ما ذكر، فان الاصل عدم ضمان تمام الديون. (3) الظاهر من هذا الاصل استصحاب بقاء الدين على حاله في ذمة المضمون عنه، وهو وإن كان جاريا في نفسه، لكنه محكوم بأصالة عدم الضمان للسببية والمسببية بنى مجراهما، فان بقاء الدين وعدمه من آثار عدم الضمان وحدوثه شرعا، فإذا حصل الضمان زال الدين وسقط، وإذا لم يحدث بقي الدين بحالة. فان قلت: الوجود لا يكون من آثار العدم، كما أن العدم لا يكون من آثار الوجود، فان العدم لا شئ فلا يكون أثر الشئ. قلت: هذا في العلل العقلية لا الشرعية، وإلا فهي تابعة لدليل الجعل وكيفية مؤداه، والاصول إنما تجري بلحاظ مؤدى الدليل الشرعي. لكن قد يشكل ما ذكرنا: بأن صحيح زرارة (* 1) الذي هو دليل الاستصحاب تضمن جريان استصحاب الطهارة مع الشك في النوم، مع أنها من آثار عدم النوم، نظير ما نحن فيه بعينه، وكان اللازم على ما ذكرنا جريان أصالة عدم النوم الذي هي الاصل السببي. اللهم إلا أن يقال: إنه لابد من توجيهه وحمله على خلاف الظاهر، عملا بما دل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 364 )

 

[ ولو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره فادعى المضمون له إعساره فالقول قول المضمون عنه (1). وكذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له وعدمه، فان القول قول المضمون عنه (2). وكذا لو اختلفا في صحة الضمان وعدمها (3) ] على لزوم تقدم الاصل في السبب على الاصل في المسبب. هذا ولعل مقصود الامام (ع) التمثيل للاستصحاب بالمثال الواضح، فان بقاء الطهارة أوضح من بقاء عدم النوم وأقرب إلى الفهم منه، وليس مقصوده (ع) بيان الحجة الفعلية. ويحتمل غير ذلك. (1) كأنه لاصالة اللزوم. لكن الظاهر أنه مع سبق إعسار الضامن يجري استصحابه، فيثبت إعساره حال الضمان، فيكون مدعيه منكرا لا مدعيا. بل مع سبق العلم باليسار يجري استصحاب اليسار المقدم على أصالة اللزوم. نعم تجري مع عدم العلم بسبق أحد الامرين، ومرجعها إلى عموم اللزوم. لكن الشك في المقام من قبيل الشبهة المصداقية، ولا مجال للعموم في الشبهة المصداقية. اللهم إلا أن يقال: إن المخصص في المقام لبي لا لفظي، فلا مانع من التمسك حيئنذ بالعام في الشبهة المصداقيه. ثم إن الرجوع إلى أصالة اللزوم لاثبات كون مدعي الاعسار مدعيا وخصمه مدعى عليه مبني على أن المعيار في كون الخصم مدعيا أو مدعى عليه الغرض المقصود من الدعوى. أما إذا كان المعيار مصب الدعوى فالاصل الحكمي لا أثر له في ذلك، ولابد أن يلاحظ الاصل الموضوعي الجاري في الاعسار وعدمه، فمع تعاقب الحالتين يكون كل من المضمون له والمضمون عنه مدعيا، لعدم قيام الحجة على أحد الامرين. (2) لاصالة عدم اشتراط الخيار. (3) لاصالة صحة الضمان.

 

===============

 

( 365 )

 

[ (مسألة 2): لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل الضمان، أو في ثبوت الدين وعدمه، أو في مقداره أو في مقدار ما ضمن أو في اشتراط تعجيله، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجلا، أو في اشتراط شئ عليه زائدا على أصل الدين، فالقول قول الضامن (1). ولو اختلفا في اشتراط تأجيله (2) مع كونه حالا، أو زيادة أجله مع كونه مؤجلا، أو وفاء أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه، أو تقييده بكونه من مال معين والمفروض تلفه، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن، أو اشتراط شئ على المضمون له، أو اشتراط كون الضمان بما يسوى أقل من الدين قدم قول المضمون له. ] (1) لاصالة عدم الضمان الذي يدعيه المضمون له، ولاصالة عدم الدين الذي يدعيه، أو لاصالة عدم الزيادة التي يدعيها، أو لاصالة عدم الضمان في الزايد الذي يدعيه، أو لاصالة عدم اشتراط التعجيل الذي يدعيه، أو لاصالة عدم اشتراط تنقيص الاجل الذي يدعيه، أو لاصالة عدم اشتراط شئ عليه زائدا على أصل الدين. (2) بأن ادعى الضامن أنه اشترط تأجيله مع كونه حالا، أو ادعى أنه اشترط زيادة أجله مع كونه مؤجلا، أو ادعى الوفاء، أو ادعى إبراء المضمون له عن جميعه أو عن بعضه، أو ادعى أنه اشترط أداؤه من مال معين وقد تلف فبطل الضمان وبرئت ذمته من المال، وكذا إذا كان المال المعين موجودا ولكن الوفاء منه موقوف على مقدمات تستوجب تأخره زمانا والمضمون له مطالب بالاداء فورا. فان الاصل في جميع ذلك يوافق قول المضمون له. وكذا في الفروض الآتية في بقية المسألة.

 

===============

 

( 366 )

 

[ (مسألة 3): لو اختلف الضامن والمضمون عنه في الاذن وعدمه (1)، أو في وفاء الضامن (2) حتى يجوز له الرجوع وعدمه، أو في مقدار الدين الذي ضمن وأنكر المضمون عنه الزيادة، أو في اشتراط شئ على المضمون عنه (3) ] (1) يعني: فادعى الضامن الاذن من المضمون عنه ليرجع عليه بما أداه للمضمون له وأنكر المضمون عنه ذلك. (2) يعني: ادعى الضامن الوفاء فطالب المضمون عنه، فأنكر المضمون عنه الوفاء حتى لا يرجع عليه الضامن بما ضمن. ومقتضى إطلاق المتن عدم الفرق بين صورتي إقرار المضمون له بالوفاء وعدمه. لكن في القواعد في الصورة الاولى احتمل عدم سماع إنكار المضمون عنه، لسقوط المطالبة بالاقرار الذي هو أقوى من البينة كما احتمل السماع أيضا لان قول المضمون له ليس حجة. وأشكل عليه في جامع المقاصد: بأن عدم السماع ليس لان قول المضمون له حجة، بل لسقوط المطالبة كما سبق. كما أنه أشكل على وجه الاحتمال الاول: بأن الاقرار إنما يقتضي سقوط المطالبة ظاهرا لا واقعا، إذ من الجائز كذبه في الاقرار فيكون دينه باقيا وتجوز مطالبته. أقول: لو سلم عدم جواز المطالبة واقعا فالموجب لجواز رجوع الضامن على المضمون عنه وفاؤه لدينه واقعا وهو غير ثابت، ومجرد عدم جواز المطالبة واقعا وظاهرا غير كاف في جواز الرجوع إذا لم يحصل الوفاء فإذا ما في المتن أقوى (3) المضمون عنه ليس طرفا لعقد الضمان، فلا يصح اشتراط شئ على المضمون عنه فيه. نعم يمكن اشتراط ذلك في عقد آخر غير عقد الضمان، لكنه خارج عن محل الكلام.

 

===============

 

( 367 )

 

[ أو اشتراط الخيار للضامن، قدم قول المضمون عنه (1). ولو اختلفا في أصل الضمان، أو في مقدار الدين الذي ضمنه (2) وأنكر الضامن الزيادة، فالقول قول الضامن. (مسألة 4): إذا انكر الضامن الضمان فاستوفى الحق منه بالبينة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر للاذن أو الدين، لاعترافه بكونه أخذ منه ظلما. نعم لو كان مدعيا مع ذلك للاذن في الاداء بلا ضمان، ولم يكن منكرا لاصل الدين، وفرض كون المضمون عنه أيضا معترفا بالدين والاذن في الضمان جاز له الرجوع عليه، إذ لا منافاة بين إنكار الضمان وادعاء الاذن في الاداء، فاستحقاقه الرجوع معلوم غاية الامر أنه يقول إن ذلك للاذن في الاداء (3)، والمضمون عنه يقول إنه ] (1) لانه يدعي عدم الاذن في الفرض الاول، وعدم الوفاء في الفرض الثاني، وعدم الزيادة في الدين في الفرض الثالث، وعدم اشتراط شئ عليه في الفرض الرابع، وعدم اشتراط الخيار للضامن في الفرض الخامس والاصل يوافق مدعاه في جميع هذه الفروض، فان الاصل عدم الاذن، وعدم الوفاء وعدم زيادة الدين، وعدم اشتراط شئ عليه، وعدم اشتراط الخيار للضامن فيكون لذلك منكرا، ويكون القول قوله إلا إذا أقام خصمه البينة على مدعاه. (2) بأن ادعى المضمون عنه الضمان وأنكر الضامن، أو ادعى المضمون عنه أن الدين عشرون وادعى الضامن أنه عشرة. ومن الواضح أن قول الضامن هو الذي يوافقه الاصل، فان الاصل عدم الضمان وعدم الزيادة. (3) من المعلوم أن الاذن في الاداء إنما تقتضي جواز الاداء لا وجوبه،

 

===============

 

( 368 )

 

[ للاذن في الضمان، فهو كما لو ادعى على شخص أنه يطلب منه عشر قرانات قرضا، والمدعى ينكر القرض ويقول: إنه يطلبه من باب ثمن المبيع، فأصل الطلب معلوم. ولو لم يعترف ] كما لا تقتضي ولاية الدائن على الاخذ من المأذون، ولا جواز إجباره على الاداء، فإذا أجبر على الاداء لم يكن الاداء صحيحا بل المال باق على ملك المالك، ولا يدخل في ملك الدائن، فكيف يجوز الرجوع على المضمون عنه بعد الاداء الاجباري؟ والاذن إنما يقتضي جواز الرجوع على الآذن إذا كان الاداء صحيحا موجبا لافراغ ذمة الآذن لا مطلقا، فإذا لم يكن موجب لافراغ ذمه الآذن لا يكون مسوغا للرجوع عليه، فلا مجال لرجوعه على المضون عنه وان اعتقد أنه أذن في الاداء، لكون المفروض أن هذا الاداء كلا أداء، لعدم كونه مفرغا لذمته، فالضامن يعلم بعدم استحقاقه الرجوع على المضمون عنه بما أداه، لعدم حصول الاداء الصحيح. نعم إذا رضي به بعد ذلك، بناء على صحة احتساب دينه على الغاصب وفاء عن دين الغاصب على شخص آخر، فإذا صح هذا الوفاء فقد تحقق المأذون فيه وجاز رجوعه على الآذن، كما أن الآذن يعلم بجواز رجوع عليه، لانه ضامن عن إذن المضمون عنه، فجواز الرجوع مما يعتقده كل واحد منهما، فلا مانع منه، بخلاف ما إذا لم يرض فانه يعلم بعدم جواز رجوعه على المضمون عنه لعدم حصول الاداء. ومن ذلك يظهر أنه لا مجال لتمثيل المقام بالفرض المذكور في المتن: نعم يصح التمثيل إذا رضي بالاداء، لما عرفت من أن جواز الرجوع مما يعتقده كل واحد منهما وإن اختلفا في سببه، فالضامن يعتقد أن سببه الاداء المأذون فيه، والمضمون عنه يعتقد أن سببه الضمان المأذون فيه، فقد تصادقا معا على اشتغال ذمة المضمون عنه وجواز الرجوع عليه، فيكون كالمثال بعينه.

 

===============

 

( 369 )

 

[ المضمون عنه بالضمان أو الاذن فيه (1) وثبت على ذلك بالبينة ] (1) هذا هو الشق الثاني لما ذكره سابقا بقوله: " وفرض كون المضمون عنه أيضا معترفا... " يعني: إذا لم يعترف المضمون عنه بالاذن بالضمان لكن قامت على ذلك البينة، فالحكم كما سبق يجوز رجوع الضامن عليه بما أخذ منه قهرا، لكن بالمقاصة، لان المضمون له لما كان ظالما في أخذه للمال جاز للضامن المظلوم أن يستوفي حقه من مال المضمون له الموجود في ذمة المضمون عنه، فيأخذه من المضمون عنه بدلا عن ماله المأخوذ منه ظلما، فيكون الرجوع على المضمون عنه ليس لاجل اشتغال ذمته - كما في الفرض السابق - بل لاشتغال ذمة المضمون له بما أخذ بغير استحقاق، المسوغ لجواز أخذ ماله الذي في ذمة المضمون عنه فالمضمون عنه على هذا ليس مشغول الذمة بشئ ولا ضامنا لشئ، وإنما يرجع عليه لان عنده مال المضمون له، فالخسارة تكون على المضمون له لا المضمون عنه. هذا ويشكل أولا: بأنه لم يظهر الفرق بن هذه الصورة وما قبلها، ولاي جهة لم تصح المقاصة فيما قبلها كما صحت هنا؟ ولاي جهة لم يصح الرجوع على المضمون عنه في هذه الصورة للعلم باشتغال ذمته لاحد السببين كما صح الرجوع عليه لذلك فيما قبلها؟. وثانيا: بأنه لم تثبت المقاصة في الذمة وإنما ثبتت بما في الخارج، فالعين الخارجية المملوكة للظالم يجوز للمظلوم أخذها، أما دين الظالم الذي له على الناس فلم يثبت جواز أخذه مقاصة، بحيث يكو للمظلوم ولاية على تعيينه وتشخيصه في الخارج، لقصور أدلتها عن العموم لذلك. فراجعها في المكاسب المحرمة في أوائل كتاب التجارة من الوسائل (* 1). وإن كان الذي يظهر من التذكرة والقواعد وشروحها المفروغية عن جواز المقاصة في الذميات، فقد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 83 من ابواب ما يكتسب به.

 

===============

 

( 370 )

 

تعرضوا للمسألة وأفتوا بجواز المقاصة بالرجوع إلى المضمون عنه. وإن كان المذكور في كلام بعضهم أن المراد من المقاصة معنى أخر، وهو مطالبة الظالم بالحق من غير الطريق الواقعي، بأن يطالبه بثمن المبيع في الفرض السابق مع أن الدين قرض لاثمن، وفي المقام يطالبه بمؤدى البينة مع ان السبب الاذن في الاداء. وحينئذ يكون الرجوع في الصورة السابقة من باب المقاصة أيضا، وإن كان التعبير بها كان في هذه الصورة لاغير، فالاختلاف بين الصورتين في مجرد التعبير. فلاحظ كلماتهم. والذي ينبغي في بيان صور المسألة أن يقال: إذا ادعى المضمون له الضمان على شخص وأنكر ذلك الشخص، فقامت البينة على الضمان، فأخذ منه قهرا بحكم الحاكم، فاما أن يكون المضمون عنه قد أذن له في أداء ما عليه أولال، وعلى الاول لا يجوز رجوعه عليه من جهة إذنه، لعدم حصول الاداء، والمال المأخوذ من الضامن باق على ملكه. كما لا يجوز الرجوع عليه بأخذ الدين الذي عليه للمضمون له بعنوان المقاصة للمضمون له في قبال ما أخذه من الضامن، لما عرفت من عدم الدليل على المقاصة في الذميات. ومنه يظهر أنه لا يجوز الرجوع على المضمون عنه على الثاني لامن باب المقاصة، ولا من باب الاذن، لفرض عدم الاذن مضافا إلى عدم الاداء. ولا فرق فيما ذكرنا بين إذن المضمون عنه بالضمان وعدمه، لان المفروض عدم الضمان، فلا يقتضي الاذن فيه جواز الرجوع على الآذن وثم إنه لو فرض تحقق الاداء المأذون فيه إذا أخذ المال من الضامن بحكم الحاكم قهرا فحينئذ يجوز للضامن الرجوع على المضمون عنه، لتحقق المأذون فيه، ولا دخل لاذنه في الضمان وعدمه في جواز الرجوع المذكور، ففرض الاذن في الضمان والاعتراف بها وإنكارها لا ينبغي ذكره في فروض المسألة.

 

===============

 

( 371 )

 

[ فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصة عما أخذ منه. وهل يجوز للشاهدين على الآذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالاذن من غير بيان كونه الآذن في الضمان أو كونه الآذن في الاداء الظاهر ذلك (1)، وإن كان لا يخلو عن إشكال. وكذا في نظائره. كما إذا ادعى شخص على آخر أنه يطلب قرضا وبينته تشهد بأنه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنه للقرض أو لثمن البيع على إشكال. (مسألة 5): إذا ادعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون له وحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدقه في ذلك (2). وإن صدقه جاز له الرجوع إذا كان باذنه (3) وتقبل شهادته له بالاداء (4) ] (1) لا يخفى أنه لما كان الاذن بالشئ في نفسه ليس موضوعا لاثر شرعي وإنما موضوع الاثر الشرعي الاذن المتعلقة بشئ بعينه من ضمان أو أداء أو نحوهما، فإذا شهد الشاهد بالاذن نفسه من دون ذكر المتعلق لم تسمع هذه الشهادة لعدم الاثر. وهذا بخلاف الدين، فانه بنفسه موضوع للاثر الشرعي وان لم يذكر السبب المقتضي له من بيع أو قرض أو غيرهما، فالفرق بين الامرين ظاهر. ولا يجوز مقايسة أحدهما على الآخر. (2) لعدم ثبوت الاداء، بل ثبوت عدمه، فلا موجب للرجوع. (3) أخذا له باقراره واعترافه. (4) يعني: شهادة المضمون عنه. كما صرح بذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما من كتب الاصحاب.

 

===============

 

( 372 )

 

[ إذا لم يكن هناك مانع من تهمة (1) أو غيرها مما يمنع من من قبول الشهادة (2). (مسألة 6): لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه (3). ] (1) في المسالك: " ذكروا للتهمة صورا... ومنها: أن يكون الضامن معسرا ولم يعلم المضمون له باعساره، فان له الفسخ حيث لا يثبت الاداء، ويرجع على المضمون عنه فيدفع بشهادته عود الحق إلى ذمته... ". وهذه الصورة ذكرها في جامع المقاصد. (2) مثل فقد شرط قبول الشهادة على ما ذكر في كتاب الشهادة. (3) قال في القواعد: " ومن أدى دين غيره بغير ضمان ولا إذن لم يرجع، وإن أداه باذنه بشرط الرجوع رجع. ولو لم يشترط الرجوع احتمل عدمه إذ ليس من ضرورة الاداء الرجوع. وثبوته للعادة "، ونحوه في التذكرة، وفي جامع المقاصد: " والحق أن العادة إن كانت مضبوطة في أن من أذن في الاداء يريد به الرجوع ويكتفي بالاذن مطلقا استحق الرجوع، وإلا فلا ". وهو كما ذكر. كما أنه لم يثبت أن العادة تقتضي ذلك. نعم إذا كان الاذن مستفادا من الاستدعاء. بأن قال: " أد ديني " كان مقتضيا للرجوع، لما عرفت سابقا من أن استيفاء مال الغير موجب لضمانه. ولعله المراد من العادة في كلامهم وإلا لم يكن مقتضيا له، كما إذا قال: " أنت مأذون في وفاء ديني " بعد أن استأذنه المخاطب في الوفاء لاحتمال كراهته لذلك لغرض من الاغراض. ولو قال ابتداء: " أنت مأذون في وفاء ديني " فقد يكون دالا على اشتراط الرجوع، من أجل أن وفاء غيره لدينه ليس تحت سلطانه حتى يكون محتاجا إلى الاذن، فليس الغرض من الاذن إلا اشتراط الرجوع. فان لم يفهم ذلك لم يكن له

===============

 

( 373 )

 

[ ولو ادعى الوفاء وأنكر الآذن (1) قبل قول المأذون، لانه أمين من قبله (2). ولو قيد الاداء بالاشهاد وادعى الاشهاد وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضا (3). ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع (4). نعم لو علم أنه وفاه، ولكن لم يشهد يحتمل جواز الرجوع عليه، لان الغرض من الاشهاد العلم بحصول الوفاء (5) والمفروض تحققه. (تم كتاب الضمان) ] الرجوع. وعلى هذا فالرجوع ليس للاذن، بل لاشتراط الرجوع المفهوم من القرائن. (1) اسم فاعل. (2) كما في الجواهر، والامين يقبل خبره، كما إذا أمر الجارية بتطهير الثوب فأخبرت بذلك، فانه يقبل خبرها، وكذلك الاجير على عمل إذا أخبر بوقوعه، كالاجير على العبادة عن ميت يقبل خبره بفعلها وهكذا. والعمدة في ذلك سيرة العقلاء والمتشرعة. (3) لما سبق. (4) كما في الجواهر، لانتفاء الاذن بالاداء الواقع في الخارج، لانتقاء المقيد بانتفاء قيده. (5) هذا غير ظاهر، فقد يكون الغرض من الاشهاد التخلص من دعوى الدائن عدم الاداء، أو التخلص من تهمة الناس له أنه مماطل في وفاء دينه، وقد يكون الغرض أمرا آخر. وبالجملة: المدار في جواز الرجوع وقوع الاداء على الوجه المأذون فيه، فإذا لم يحصل لم يجز الرجوع وان حصل الغرض. والله سبحانه العالم العاصم. وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد لله رب العالمين.