أحكام الإجارة

فسخ الاجارة بالخيار :

إذا تم عقد الاجارة ملك المؤجر الاجرة، وملك المستأجر المنفعة في اجارة الأعيان كاستئجار الدار للسكنى، وملك العمل في اجارة الأعمال كالاستئجار للخياطة قال صاحب الجواهر: «تملك المنفعة بنفس العقد كما تملك الاجرة به بلا خلاف، بل الاجماع على ذلك، لأن هذا هو مقتضى العقد، والمراد من انشائه، بل هو مقتضى ما دل على أن العقد سبب للملك» .

وإذا كانت المنفعة ملكاً للمستأجر فله أن يتصرف بها بالتنازل عنها لمن يشاء بغير عوض، أو بعوض مساوٍ، أو اقل، أو أكثر من العوض الذي دفعه للمؤجر إلاّ أن يشترط هذا على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه، ويربط الاجارة بشخص المستأجر بالذات، فيجب حينئذ الوفاء بالشرط ولا يجوز للمستأجر أن يهب، أو يؤجر للغير اجماعاً، لأن المؤمنين عند شروطهم.. هذا ما تقتضيه القواعد العامة، وخرجت بعض الموارد عن هذه القاعدة، لوجود النص، ومنها:

1 ـ الاجارة ترد تارة على العمل، كخياطة الثوب، وما إليه، وأخرى على منفعة الأعيان كسكنى الدار، وزراعة الأرض، ونحوها، فاذا وردت على العمل جاز لمن التزم العمل وتقبله من الغير بأجر معلوم، ولم يشترط عليه المالك المباشرة بنفسه ـ جاز تقبيله وتلزيمه إلى الغير بما يساوى الاجرة، وبأكثر منها مطلقاً، سواء أحدث في المستأجر عليه حدثاً أو لا، وعلى هذا اجماع الفقهاء.. ولا يجوز تقبيله وتلزيمه من الغير بأقل من الاجرة الاولى إلا أن يأتي الملتزم الأول بعمل، ويحدث شيئاً كتفصيل الثوب، وما إليه. وبكلمة ان الملتزم الأول يجوز له تلزيم العمل إلى غيره بلا ربح، أو بخسارة، ولا يجوز له أن يربح إلاّ إذا عمل عملاً في الشيء المستأجر عليه قبل التقبيل والتلزيم ـ مثلاً ـ إذا استأجر زيد عمراً ليخيط له ثوباً أو يبني له بيتاً بعشرة، ولم يشترط عليه أن يباشر العمل بنفسه، فيجوز لعمرو أن يستأجر على خياطة الثوب، أو بناء البيت بعشرة أو بأكثر، وان لم يأت بأي عمل، ولا يجوز أن يستأجر عليه بتسعة إلاّ فصّل الثوب، أو حفر أساس البيت، وما إلى ذلك .

قال صاحب المسالك: «هذا قول أكثر الفقهاء».. وقال صاحب الحدائق: «هذا هو المشهور في كلام المتقدمين».. وفيه روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم‏السلام، منها أن الإمام  عليه‏السلام سئل عن رجل يتقبل عملاً فلا يعمل فيه، ويدفعه إلى آخر يربح فيه، قال: لا. وأيضاً سئل عن رجل يتقبل الثوب بدرهم، ويسلمه بأقل من ذلك بعد أن يشقه؟ قال: لا بأس بذلك.. ثمّ كرر قوله: لا بأس فيما تقبلت من عمل استفضلت فيه. أي عملت فيه، وتركت منه بقية .

وقال جماعة من الفقهاء: يجوز أن يستأجر الأجير غيره على العمل الذي استؤجر بأكثر من الاجرة، حتّى ولو لم يعمل أي عمل، وحملوا الروايات الدالة على المنع، حملوها على الكراهة. قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة: «وما ورد من الروايات دالاً على النهي عن الزيادة يحمل على الكراهة جمعاً بينها وبين ما دل على الجواز» .

2 ـ أما إذا وردت الاجارة على المنفعة كاستئجار البيت للسكن، والحانوت للتجارة فذهب جماعة من الفقهاء إلى أن المستأجر لا يجوز له أن يؤجرهما إلاّ أن يصلح فيهما شيئاً، من تبييض أو دهان، وما إلى ذلك، واستدلوا عليه بأن الإمام الصادق  عليه‏السلام سئل عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين، فيؤاجرها بأكثر مما يتقبلها، ويقوم فيها بحظ السلطان؟ قال الإمام  عليه‏السلام: لا بأس به، ان الأرض ليست مثل الأجير، ولا مثل البيت، ان فضل البيت والأجير حرام .

وأيضاً سئل عن الرجل يستأجر الأرض، ثمّ يؤاجرها بأكثر مما استأجرها؟ فقال الإمام  عليه‏السلام: لا بأس، ان هذا ليس كالحانوت، ولا الأجير، ان فضل الأجير والبيت حرام .

وقال صاحب الجواهر: «أمّا جواز أخذ الزيادة إذا أحدث حدثاً فيهما، فلأن مقتضى الإصل هو الجواز، وللاجماع، ولصحيح الحلبي عن الإمام الصادق  عليه‏السلام في رجل يستأجر الدار، ثمّ يؤاجرها بأكثر مما استأجرها؟ قال: لا يصلح ذلك إلاّ أن يحدث فيها شيئاً.. وصحيح آخر للحلبي عن الإمام  عليه‏السلام أنّه قال: لو أن رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها، وأجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به باس، ولا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إلاّ أن يحدث فيها شيئاً» .

3 ـ يجوز أن يؤجر الأرض بأكثر مما استأجرها، سواء أصلح فيها شيئاً، أو لا؟ ولا يجوز أن يؤجرها لزرع الحنطة أو الشعير بمقدار معين مما يخرج منها، لروايات خاصة عن أهل البيت عليهم‏السلام. ومن الخير أن نختم هذه الفقرة بقول صاحب مفتاح الكرامة: «ليس في روايات أهل البيت عليهم‏السلامعلى كثرتها ما يدل على جواز ايجار غير الأرض بأكثر مما استأجرها من دون أن يحدث حدثاً» أي من دون أن يعمل شيئاً، ولو قليلاً في العين المستأجرة .

 

 

قدمنا أن المنفعة تنتقل إلى المستأجر بمجرد انعقاد العقد، وان له التنازل عنها وتقبيلها إلى من يشاء بعوض وغير عوض إذا لم يشترط عليه المباشرة بنفسه، ويتفرع على ذلك مسألتان :

الأولى: أن المستأجر يحق له أن يؤجر العين لنفس المنفعة التي التسؤجرت العين لها دون غيرها إلاّ إذا كانت أقل منها ضرراً، فمن اكترى سيارة ـ مثلاً ـ ليركب فيها خمسة أشخاص فلا يجوز للمستأجر أن يكريها لنقل الأمتعة، أو ليركب فيها ستة، بل ليركب فيها خمسة حسبما جرى عليه الاتفاق، وبالأولى لركوب أربعة .

المسألة الثانية: هل يجوز للمستأجر أن يسلم العين المستأجرة إلى المستأجر الثاني من دون موافقة المالك واذنه، أو لا بد من الموافقة والاذن ؟

وتظهر النتيجة على فرض اشتراط الموافقة أنّه إذا سلم المستأجر الأول للثاني بلا موافقة المالك يكون ضامناً للعين على كلّ حال، حتّى ولو تلفت من غير تعدٍ أو تفريط، أما إذا لم تكن الموافقة شرطاً فلا يضمن العين إلاّ مع التعدي أو التفريط.

والجواب: أن اذن المالك وموافقته ليس بشرط، إذا لم يكن المؤجر قج اشترط على المستأجر أن لا يؤجر العين اطلاقاً، أو أن لا يؤجرها إلاّ بموافقته، لأن جواز الاجارة من الغير يستدعي قهراً جواز تسليم العين للمستأجر الثاني، وإلاّ فلا معنى لجواز الاجارة دون جواز القبض والتسليم، ومن هنا قيل: الاذن بالشي اذن في لوازمه. وقوّى الشهيد الثاني في شرح اللمعة جواز التسليم بغير اذن المالك.. هذا، إلى أن الروايات التي أباحت للمستأجر أن يؤجر مطلقة غير مقيدة باذن المالك وموافقته.

والمستاجر الثاني مسؤول عن الأجرة نحو المستأجر الأول، والأول مسؤول عنها نحو المالك، وكلّ من المستأجر الأول والثاني مسؤول نحو المالك عن العين إذا حصل عليها تعدٍ أو تفريط، أي أن المالك مخير في الرجوع على من يشاء منهما .

 

 

ينقسم الإجير بالنظر إلى التقيد والاطلاق إلى مقيد ومطلق، وبتعبير الفقهاء إلى خاص ومشترك، والأول هو الذي يؤجر جميع منافعه مدّة معينة لشخص آخر، بحيث لا يسوغ له ان يعمل أي شيء لغير المستأجر، سواء أكان العمل معيناً كالموظف للكتابة، فقط، أو كان العمل غير معين كالخادم الذي يعمل ما يأمره مخدومه طوال المدّة التي استؤجر فيها.

أمّا الأجير المشترك فيدخل فيه ثلاثة أقسام: الأول أن يستأجر على عمل معين في وقت معين من غير شرط المباشرة، مثل أن يستأجر حمالاً لنقل الأمتعة من بين إلى بيت في يوم معين، سواء أعمل بنفسه، أو اي شخص آخر، فإن المطلوب هو النقل. الثاني أن يستأجر على عمل بشرط أن يباشره بنفسه، ولكن دون أن يذكر أمداً خاصاً، مثل أن يخيط له هذا الثوب بنفسه متى شاء. الثالث لا يشترط على المباشرة، ولا يعين له مدّة، مثل أن يقول له: أريد خياطة هذا الثوب منك أو ممن تكلفه أنت في أي وقت تراه .

وليس للاجير الخاص أن يعمل شيئاً لنفسه، أو لغيره في الوقت الذي أجر فيه نفسه إلاّ بإذن المستأجر وموافقته، لأن عمل الأجير في هذا الأمد المعين ملك خاص للمستأجر، وإذا كان الأجير مشتركاً ومطلقاً غير مقيد جاز له أن يعمل لنفسه ولغيره، لأن المستأجر لا يملك منفعته في وقت معين على وجه لا يجوز له العمل لغير من استأجره.. وقد سئل الإمام  عليه‏السلام عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم، فيجعله في ضيعته، فيعطيه رجل آخر دراهم، ويقول له: اشتر بها كذا وكذا، والربح بيني وبينك؟ فقال: اذا أذن الذي استأجره فليس به بأس. قال الفقهاء: ان ظاهر هذه الرواية يدل على أن المراد منها الأجير الخاص المقيد، وانّها تدل بالمفهوم على ثوبت البأس مع عدم الاذن والموافقة .

وإذا عمل الأجير الخاص لغير المستأجر في الوقت الذي استؤجر فيه كان المستأجر بالخيار بين فسخ الاجارة، أو امضائها، فان اختار الفسخ، ولم يكن قد عمل الأجير شيئاً للمستأجر فلا شيء للاجير، وان كان قد عمل وُزعت الاجرة المسماة، وكان للاجير منها بنسبة ما عمل، وان امضى، ولم يفسخ يضمن الأجير ما فوّته على المستأجر من عمله، وينقص من اجرته بقدر ما أضاع من الزمن في العمل لغير المستأجر الأصيل، سواء أكان قد عمل لغيره، أو لنفسه إلاّ ما يتسامح العرف فيه .

 

 

من المستأجر داراً ليسكنها، أو دابة ليركبها، أو كتاباً ليقرأه، أو ثوباً ليبلسه، وما إلى ذلك فالعين المستأجرة في يده أمانة لا يضمن هلاكها أو نقصها إلاّ أن يتعدى حقه في الانتفاع بها، أو يقصر في حفظها.. ومثل التعدي أن يتجاوز بالدابة أو السيارة المحل الذي استأجرها إليه، أو يحمل عليها ما يخالف الشرط، أو العرف أن يستعمل الدار التي استأجرها للسكن مصنعاً أو كاراجاً فيضمن في ذلك كله، حتّى ولو كان التلف بآفة سماوية، لأنه قد تعدى، تماماً كما هي الحال في الغاصب .

ومثال التقصير والتفريط أن يهمل المستأجر العين، ولا يهتم بحفظها بما تقتضيه العادة كالدابة يتركها من غير علف أو ماء، أو يمر بها في المخاطر والمآزق، فقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل كرى دابته إلى مكان معلوم، فنفقت ـ نفقت الدابة أي هلكت وماتت ـ قال الإمام  عليه‏السلام: أن كان جاز الشرط فهو ضامن، وان دخل وادياً ولم يوثقها فهو ضامن، وان سقطت في بئر فهو ضامن، لأنه لم يستوثق منها .

ومورد الرواية، وان كان الدابة، فان حكمها يشمل كلّ عين مستأجرة، وقول الإمام  عليه‏السلام: «ان كان جاز الشرط» مثال للتعدي، وقوله: «لم يوثقها، ولم يستوثق منها» مثال للتقصير .

وأيضاً يضمن العين إذا منعها عن المالك بعد انتهاء الاجارة وطلبها منه، فاذا هلكت أو تضررت فعليه الضمان مطلقاً، حتّى ولو كان التلف بآفة سماوية لأنه امتناع من غير حق .

ويضمن المعتدي والمفرط قيمة العين حين التلف لا قبلها، لأن ذمته انما تشتغل بالقيمة عند هلاك العين.. أجل، هو مسؤول عن العين من حين التعدي، بمعنى دخولها في ضمانه من ذلك الوقت إلى حين التلف، فيضمن قيمتها عند التلف على الأقوى، كما عبر صاحب الجواهر .

وتسأل: إذا اشترط المؤجر الضمان على المستأجر، مع عدم التعدي والتفريط، فهل يصح هذا الشرط، ويجب الوفاء به ؟

ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى صحة العقد وبطلان الشرط، لأنه مخالف للنص الصحيح القائل بعدم ضمان الأمين، والمستأجر أمين .

 

 

إذا أفسد الخياط الثوب، والنجار الباب، وكلّ صانع أفسد ما في يده فهو ضامن له متهاوناً كان أو غير متهاون، حاذقاً كان أو غير حاذق، لأن التلف يستند إليه مباشرة، ومن أتلف مال غيره فهو له ضامن، قصد ذلك، أو لم يقصد، لأن الضمان لا يشترط فيه القصد ولا العق، ولا البلوغ. ويدل عليه قول الإما الصادق  عليه‏السلام: «كلّ عامل اعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن».

أجل، إذا هلكت العين أو تضررت عند العامل كالثوب يحرق أو يسرق من دكان الخياط أو «الكوّاء» بلا تعدٍ منه وتفريط فلا ضمان عليه، لأن الأصل عدم الضمان، ولأنه أمين، وقد دلّ النص على عدم ضمان الأمين.. وبكلمة، هناك فرق بين أن تهلك العين بلا تعدٍ من العامل والصانع، وبدون فعله هو كما لو سرقت من محله، وبين أن تتلف أو تتضرر بفعله وفي يده، كالخياط يخطى‏ء في تفصيل البدلة، والكوّاء في تنظيفها، والنجار في اصلاح الباب، فالأول غير ضامن، لعدم استناد الفعل إليه من قريب أو بعيد، والثاني ضمان، لاستناده إليه حقيقة، حتّى ولو كان من غير قصد .

 

 

إذا عثر الحمال، فسقط ما يحمله، وتلف، فهل يضمنه، أو لا ؟

للفقهاء فيه قولان، فمن قائل بأنه يضمن، وعلى هذا أكثر الفقهاء. ومن قائل بعدم ضمانه، ومن هؤلاء الشيخ النائيني، قال في حاشيته على العروة الوثقى: «الأظهر عدم الضمان، وكونه من التلف دون الاتلاف». والفرق بينهما أن الاتلاف لا بد من نسبته إلى فاعل، أما التلف فإنه يحدث من غير هذه النسبة، تماماً كالموت، والاماتة .

 

 

من أقدم على تطبيب مريض، وتضرر من جراء خطأه فان لم يكن من أهل الفن والمعرفة بهذه المهنة فهو ضامن بالاتفاق، بل مستأهل للعقوبة، لأنه معتدٍ متطفل، وان كان من أهل الاختصاص والفن فلا يضمن إذا اجتهد واحتاط وتبرأ مما يحدث، وقبل المريض أو وليه ذلك، لقول أمير المؤمنين  عليه‏السلام: «من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه، وإلاّ فهو ضامن». وإلى هذا ذهب صاحب العروة الوثقى والشيخ النائيني في حاشيته على العروة، والسيّد الحكيم في المستمسك، قال هذا السيّد ما نصه بالحرف: «هو أي عدم الضمان المشهور، بل لا يعرف الخلاف فيه إلاّ عن الحلي، وبعض آخر» .

وذهب المشهور بشهادة صاحب المستمسك إلى أن من وصف دواء لمريض فشربه ومات بسببه فلا ضمان على الواصف، طبيباً كان أو غير طبيب، وقال صاحب العروة الوثقى: «الأقوى عدم الضمان، وان قال: الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني فلا ينبغي الاشكال في عدم ضمانه.. وكذا لو قال: لو كنت مريضاً بمثل هذا المرض لشرب الدواء الفلاني» .

 

 

ان كلاً من الملاح والمكاري وقائد السيارة لا يشمن شيئاً مما يهلك في السفينة وعلى الدابة وفي السيارة إلاّ مع التعدي، أو التفريط، فإذا أستأجر سفينة أو سيارة لحمل متاح فنقص أو سرق لم يضمن الملاح وقائد السيارة مع عدم التعدي والتفريط إلاّ إذا اشترط عليه ذلك، للنص الخاص، فقد سئل الإمام  عليه‏السلام عن رجل استأجر ملاحاً، وحمله طعاماً في سفينة، واشترط عليه ان نقص فعليه؟ قال الإمام  عليه‏السلام: جائز. قال السائل: انّه ربما زاد الطعام؟ قال الإمام  عليه‏السلام: هل يدعي الملاح أنّه زاد فيه شيئاً؟ السائل: لا. قال الإمام  عليه‏السلام: لزيادة لصاحب الطعام، والنقصان على الملاح ان كان قد اشترط عليه ذلك .

 

 

إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق فلا ضمان عليه إلاّ  اذا قصر في الحفظ حسب المعتاد، وقد سئل الإمام  عليه‏السلام عن رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرق؟ قال: هو مؤتمن. أي لا يضمن إلاّ مع التقصير، كما هو الحكم في كلّ أمين .

وتسال: هل يستحق الناطور الاجرة بعد سرقة المتاع الذي استؤجر لحفظه ؟

قال صاحب الجواهر: «قد يقال: لا أجر له، لعدم حصول العمل المستأجر عليه». وقال صاحب المستمسك: «بل ينبغي أن لا يكون محلاً للاشكال»، أي أنّه استؤجر لحفظ المتاع وبقائه، والمفروض أنّه سرق، فلم يبق موضوع للاجارة ولا للاجرة .

 

 

قال صاحب الجواهر: «لو استأجره، ليحمل له متاعاً إلى موضع معين، واشترط عليه وصوله إليه في وقت معين، وأنّه ان قصر عنه نقص من اجرته شيئاً معيناً جاز وفاقاً للمشهور، للاصل، وقاعدة «المؤمنون  عند شروطهم».. أما لو اشترط سقوط الاجرة ان لم يوصله إليه فلم يجز الشرط وفاقاً للمشهور، لأنه شرط منافٍ لمقتضى عقد الاجارة، اذاً يرجع المعنى إلى أن الاجارة بلا أجرة، فيكون نحو قولك: اجرتك بلا اجرة، وبفساد يفسد العقد، وإذا فسد العقد كان له أجرة المثل» .

 

 

إذا قال له: ان خطت هذا الثوب عربياً فلك درهم، وان خطته افرنجياً فلك درهما صح من باب الجعالة، لا من باب الاجارة، لأن الجهالة تغتفر فيها الجهالة والابهام دون الاجارة.. وكذلك إذا قال له: ان خطته اليوم فلك درهما، وان خِطتَه غداً فلك درهم واحد، فإنه يصح جعالة لا اجارة، ويأتي الكلام عن الجعالة في الفصل التالي :

مسائل :

1 ـ سبق أن المؤجر يملك الاجرة بعد انعقاد العقد، أما تسليمها له فلا يجب بذلك، بل ينظر: فان اشترط التأجيل أو التعجيل وجب العمل بالشرط الذي اتفقا عليه، سواء وردت الاجارة على العين، أو على العمل .

ومع الاطلاق وعدم الشرط ينظر أيضاً: فان وقعت الاجارة على العين جاز لكل من المؤجر والمستأجر أن يمتنع عن تسليم ما في يده، حتّى يستلم حقه من الآخر، تماماً كالمتبايعين، لأن كلاً من البيع والاجارة من عقود المعاوضة .

وان وقعت الاجارة على العمل كخياطة الثوب فلا يجب تسليم الاجرة إلاّ بعد اكمال العمل، قال صاحب الجواهر :

«يجب على المؤجر والمستأجر التسليم، لوجوب الوفاء بالعقد، فان تعاسراً أجبرا معاً على التقابض، أما لو بذل أحدهما، وامتنع الآخر، ولم يمكن اجباره كان للباذل حبس ما لديه، حتّى يدفع إليه العوض قضاءً لحق المعاوضة التي بني عليها العقد ـ ثمّ قال صاحب الجواهر: والظاهر الاجماع على عدم استحقاق الأجير تسلم الأجرة قبل العمل ما لم يشترط، أو تكون عادة تقوم مقام الاشتراط» .

2 ـ إذا تسلم المستأجر العين المستأجرة، ومضت مدّة الاجارة لزمته، ووجوب عليه دفعها إلى المالك، حتّى ولو لم يستوف المنفعة، فمن استأجر داراً ليسكنها، أو سيارة ليركبها أمداً معيناً، ومضى الأمد دون أن يسكن الدار، أو يركب السيارة فعليه الأجر، بل لو تبين فساد الاجارة فعلى المستأجر اجرة المثل، لأن المنفعة فاتت تحت يده، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف معتد به، حتّى ولو كانت الاجارة فاسده، ولكن اللازم فيها اجرة المثل» .

وإذا بذل المؤجر العين المستأجرة فلم يأخذها المستأجر، حتّى مضت المدّة لزمته الأجرة للمالك ان كانت الاجارة صحيحة، ولا شيء عليه ان كانت الاجارة فاسدة، لأنه لم يستوف المنفعة، ولم تفت تحت يده لعدم القبض، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف أجده في ذلك.. نعم ليس هنا أجرة المثل، مع فرض فساد الاجارة، لعدم القبض» .

3 ـ على المؤجر أن يسلم العين للمستأجر خالية من الأمتعة والعوائق التي تحول دون الانتفاع بها، قال صاحب مفتاح الكرامة:«لا خلاف بين المسلمين في أنّه يجب تسليم الدار فارغة، ليتحقق الانتفاع بها» .

4 ـ ضريبة الحكومة على الأراضي والمسقفات تجب على المالك لا على المستأجر إلاّ مع الشرط، فمعه يجب أن يدفعها المستأجر، حتّى ولو كان جاهلاً بمقدارها حين الاجارة، لان العرف يغتفر ويتسامح بمثل هذه الجهالة .

5 ـ يجوز للأجير أن يجعل لنفسه الخيار بعد الانتهاء من العمل، ان شاء أمضى الاجارة، وأخذ الاجرة المسماة، وان شاء فسخها، وطالب بأجرة المثل ـ مثلاً ـ أجر نفسه لبناء بيت بشيء معين، واشترط على صاحب البيت أن يكون له الخيار بعد الانتهاء من البناء في أن يقبل بالاجرة المسماة، أو يفسخ الاجارة، ويأخذ اجرة المثل، فاذا انتهى من العمل وأجاز الاجارة أخذ المسمى، وان فسخ الاجارة طالب بأجرة المثل، وعلى المؤجر أن يدفعها له، حتّى وان زادت عن المسمى اضعافاً، لان عمله محترم ومضمون بعد أن كان برضا المالك، فإذا بطل المسمى بالفسخ تعين الضمان بأجرة المثل .

6 ـ يجوز الاستئجار لحفر بئر أو قناة، ولا بد من تقدير الحفر بالمدّة أياماً أو اسبوعاً أو شهراً أو أكثر أو اقل، او يقدر الحفر بالوصف طولاً وعرضاً وعمقاً، وإذا انهارت البئر والقناة فإزالة التراب على المؤجر لا المستأجر، كما لو وقع فيها حجر أو دابة، وما إليها .

وإذا اعترضت الحافر صخرة لم تكن في الحسبان، وتعذر عليه الحفر أو تعسر إلاّ بمشقة وتكاليف أكثر من المعتاد فللاجير فسخ الاجارة، وله من الاجرة المسماة بنسبة  ما عمل، ان نصفاً، وان ثلثاً فثلث، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف أجده في شيء من ذلك بين الفقهاء، ولا خلاف».

اتفقوا على أن للزوجة أن تؤجر نفسها للرضاع وغيره من الأعمال السائغة بإذن الزوج وموافقته، واختلفوا: هل يجوز لها ذلك من غير اذنه ؟

والحق صحة الاجارة منها من غير اذن الزوج لكل عمل لا يتنافى مع الحقوق الزوجية، لأنها والحال هذي مالكة لمنافعها، ولها أن تتصرف فيها، وتصرفها إلى من تشاء بعوض وغير عوض ما دام العمل لا يتعارض مع حق الغير، وإذا تعارضت الاجرة مع حق الزوج فله فسخها .

8 ـ يجوز استئجار الأرض لجعلها مسجداً أمداً معيناً، ولكن لا يثبت له آثار المسجد من تحريم التنجيس ودخول الجنب والحائض، لأن شرط المسجد أن يكون موقوفاً، وشرط الوقف التأبيد، ولا تأبيد مع الاجارة، كما قال صاحب المسالك، وقال صاحب الجواهر: «مراد الفقهاء من المسجد هنا أنّه محل للسجود، كقولهم يستحب اتخاذ مسجد للصلاة في الدار، ومرادهم اعداد مكان مخصوص للصلاة» .

 

 

1 ـ إذا اختلفا في أصل الاجارة ووقوعها فالقول قول المنكر بيمينه، سواء كان هو المالك أو المتصرف، ثمّ ان وقع النزاع قبل استيفاء شيء من المنافع رجع كلّ شيء إلى ما كان عليه، وان كان بعد استيفاء المنفعة ينظر: فان كان المنكر هو المالك فله اجرة المثل فقط، فاذا افترض ان اجرة المثل عشرة، وقال المستأجر: استأجرتها باثني عشر فلا يستحق المالك إلاّ عشرة، لاعترافه بعدم استحقاق الزيادة .

وان كان المنكر هو المتصرف فللمالك أجرة المثر أيضاً، وإذا افترض ان اجرة المثل أكثر مما يدعيه المالك من الاجرة فلا يعطي أكثر مما ادعى، لاعترافه بأنه لا يستحق الزائد .

وتسأل: ان المتصرف يعترف بأن الزيادة عن اجرة المثل في الفرض الأول والثاني هي حق للمالك بينما يعترف المالك صراحة أو ضمناً بأنّها ليست له، فماذا يصنع بها المتصرف، مع العلم بأنّه لا يجوز له تملكها بموجب اعترافه ؟

الجواب: يتعين عليه أحد أمرين: اما أن يدفعها للحاكم الشرعي ويعلمه بالحقيقة، وأمّا أن يوصلها إلى المالك بطريق من الطرق، ولو بوضعها في أمواله دون علمه.

2 ـ إذا اختلفا في مقدار الشيء المستأجر، فقال المالك: اجرتك الدار ما عدا هذه الغرفة، وقال المستأجر: بل الدار بكملها فالقول قول المالك بيمينه، لأنهما قد اتفقا على سائر الغرف، واختلفا في الغرفة الزائدة، والأصل عدم وقوع الاجارة على ما زاد عن مورد الاتفاق .

وقال بعض الفقهاء: هما متداعيان، لأن كلاً منهما يدعي ما ينكر الآخر، وينكر ما يدعيه، فيتحالفان. ورد صاحب المسالك والجواهر على هذا القائل بأن ضابط التحالف عدم اتفاق المتداعيين على شيء من مورد العقد، كما لو قال أحدهما: أجرتك البيت. وقال الآخر: بل اجرتني الدابة والمفروض أنّهما هنا متفقان على ما عدا الغرفة المعلومة من الدار، فلا مبرر ـ اذن ـ للتحالف .

3 ـ إذا اختلفا في مقدار الاجرة فالقول قول المستأجر بيمينه، لأن الأصل عدم الزيادة، قال صاحب الجواهر والمسالك: وقيل بالتحالف وهو ضعيف .

4 ـ إذا اختلف الاجير والمؤجر في نوع العمل، مثل أن يدعي الخياط أن المالك طلب منه أن يخيط قطعة القماش قميصاً، فأنكر المالك وقال: كلا، بل طلبت منك أن تخيطها سروالاً، فمن هو المدعي؟ ومن هو المنكر ؟

ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن القول قول المالك بيمينه، لأن الأصل عدم اذن المالك بما يدعيه الخياط .

5 ـ إذا اختلفا في تعيين العين المستأجرة، فقال المالك: آجرتك البيت. وقال المستأجر: بل آجرتني الدكان.. تحالف، وبطلت الاجارة كأن لم يكن شيء، تماماً كما هي الحال لو اختلفا في تعيين المبيع .

6 ـ إذا اختلفا في شرط زائد فالقول قول المنكر، لأن الأصل عدم الشيء الزائد، حتّى يثبت العكس .

7 ـ إذا اختلفا في صحة الاجارة وفساده فالقول قول من يدعي الصحة، لأن الأصل في افعال العقلاء الذي تسالم عليه الجميع هو الصحة حتّى ولو كان مدعي الصحة غير مسلم .